الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***
305- مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا خرج حاجا أو معتمرا قصر الصلاة بذي الحليفة قال أبو عمر كان بن عمر يتبرك بالمواضع التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزلها للصلاة وغيرها وكان يمتثل فعله بكل ما يمكنه لما علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر الصلاة بذي الحليفة (صلاة العصر) في حين خروجه من المدينة إلى مكة فكان هو متى خرج من المدينة إلى مكة لم يقصر الصلاة إلا بذي الحليفة وروى محمد بن المنكدر وإبراهيم بن ميسرة عن أنس قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين ورواه الثوري وبن عيينة كلاهما عن محمد بن المنكدر وإبراهيم بن ميسرة جميعا عن أنس بن مالك ذكره وكيع عن الثوري وعبد الرزاق عن بن عيينة قال أبو عمر يعني في حجة الوداع وسنبين ذلك إن شاء الله. وأما سفر بن عمر في غير الحج والعمرة فكان يقصر الصلاة إذا خرج من بيوت المدينة ذكر عبد الرزاق وعبد الله بن وهب عن عبد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أنه كان يقصر الصلاة في السفر حين يخرج من بيوت المدينة ويقصر إذا رجع حتى يدخل بيوتها واللفظ لعبد الرزاق قال. وأخبرنا الثوري عن ورقاء بن إياس الأسدي عن علي بن ربيعة الأسلمي قال خرجنا مع علي (رضي الله عنه) ونحن ننظر إلى الكوفة فصلى ركعتين ثم رجعلنا فصلى ركعتين وهو ينظر إلى الكوفة فقلت ألا تصلي أربعا قال لا حتى ندخلها وروى بن عيينة وغيره عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد قال خرجت مع علي بن أبي طالب إلى صفين فلما كان بين الجسر والقنطرة صلى ركعتين ومثل هذا عن على من وجوه شتى وهو مذهب جماعة العلماء إلا من شذ وممن روينا ذلك عنه علقمة والأسود وعمرو بن ميمون والحارث بن قيس الجعفي وإبراهيم النخعي وعطاء وقتادة والزهري وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة والثوري وسليمان بن موسى والأوزاعي وأحمد بن حنبل وجماعة من الفقهاء وأهل الحديث قال مالك في الموطأ لا يقصر الصلاة الذي يريد السفر حتى يخرج من بيوت القرية ولا يتم حتى يدخلها أو يقاربها وهذا تحصيل مذهبه عند جمهور أصحابه وذكر بن حبيب عن مطرف وبن الماجشون عن مالك وبن كنانة أيضا عن مالك أنه قال إذا كانت القرية لا تجمع فيها الجمعة فإنه لا يقصر الصلاة الخارج عنها حتى يجاوز ثلاثة أميال وذلك أيضا ما تجب الجمعة فيه على من كان خارجا من المصر وكذلك إذا انصرف لا يزال يقصر حتى ينتهي إلى مثل ذلك من المصر قال أبو عمر الذي رواه بن القاسم وغيره عن مالك في ذلك هو ما ذكره في الموطأ وهو الصحيح في مذهبه والذي ذكره بن الحكم عنه وهو الذي عليه جماعة السلف وجمهور الخلق قال أبو عمر أما الإقامة للمسافر فلا يحتاج فيها إلى غير النية. وأما السفر فمفتقر إلى العمل مع النية وكذلك من نوى الإقامة لزمه الصوم وإتمام الصلاة في الوقت ومن كان في الحضر ونوى السفر لم يكن مسافرا بنيته حتى يعمل أقل عمل في سفره فإذا تأهب المسافر وخرج من حضره عازما على سفره فهو مسافر ومن كان مسافرا فله أن يفطر ويقصر الصلاة إن شاء ذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء قال إذا خرج الرجل حاجا فلم يخرج من بيوت القرية حتى حضرت الصلاة فإن شاء قصر وعن الثوري عن داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود أن عليا رضي الله عنه حين خرج من البصرة رأى خصا فقال لولا هذا الخص لصلينا ركعتين ورواه وكيع عن الثوري مثله وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو معاوية عن حجاج عن عمران بن عمير عن أبيه قال خرجت مع عبد الله بن مسعود إلى مكة فقصر الصلاة بقنطرة الحيرة وكان علقمة والأسود وعمرو بن ميمون وإبراهيم النخعي إذا خرجوا مسافرين قصروا الصلاة إذا خرجوا من بيوت القرية وهذا كله قول مالك المعروف عنه الذي عليه يتحصل مذهبه وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأصحابهما والثوري والليث بن سعد والأوزاعي وأحمد وإسحاق وجمهور أهل العلم. 306- مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أنه ركب إلى ريم فقصر الصلاة في مسيرة ذلك قال مالك وذلك نحو من أربعة برد قال أبو عمر خالفه عقيل عن بن شهاب فقال وذلك نحو ثلاثين ميلا وكذلك رواه عبد الرزاق عن مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد اللله بن عمر كان يقصر الصلاة في مسيرة اليوم التام قال سالم وخرجنا مع عبد الله إلى أرض له بريم وذلك من المدينة على نحو من ثلاثين ميلا فقصر عبد الله الصلاة يومئذ قال أبو عمر أما رواية عبد الرزاق عن مالك فأظنها وهما فخلاف ما في الموطأ لها وإنما رواية عقيل عن بن شهاب فإن لم تكن وهما فيحتمل أن يكون ريم موضعا متسعا كالإقليم عندنا فيكون تقدير مالك إلى آخر ذلك وتقدير عقيل في روايته إلى أول ذلك ومالك أعلم بنواحى بلده قال بعض شعراء أهل المدينة: فكم من حرة بين المنقى *** إلى أحد إلى جنبات ريم (إلى الروحاء ومن ثغر نقي... عوارضه ومن ذلك وخيم: ومن عين مكحلة المآقي *** بلا كحل ومن كشح هضيم (وجنبات ريم ربما كانت بعيدة الأقطار). 307- مالك عن نافع عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر ركب إلى ذات النصب فقصر الصلاة في مسيرة ذلك قال مالك وبين ذات النصب والمدينة أربعة برد قال أبو عمر ذكر هذا الحديث أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا بن علية عن أيوب عن سالم عن نافع أن بن عمر خرج إلى أرض له بذات النصب فقصر وهي ستة عشر فرسخا وهذا كما قاله مالك أربعة برد وقال أخبرنا معمر أخبرني أيوب عن نافع عن بن عمر أنه كان يقصر في مسيره أربعة أبرد. 308- قال مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر كان يقصر الصلاة في مسيره اليوم التام قال أبو عمر كذلك رواه بن جريج عن الزهري قال أخبرني سالم أن بن عمر كان يقصر في مسيره اليوم التام قال أبو عمر مسيره اليوم التام بالسير الحثيث هي أربعة برد أو نحوها. 309- مالك عن نافع عن بن عمر أنه كان يسافر إلى خيبر فيقصر الصلاة رواه بن جريج قال أخبرني نافع أن بن عمر كان أدنى ما يقصر الصلاة إليه مال له بخيبر يطالعه وهو مسيرة ثلاثة فواصل لم يكن يقصر فيما دونه قلت فكم خيبر قال ثلاثة فواصل وهذا أيضا خلاف ما روى مالك في ذلك ومالك أثبت من بن جريج في نافع إذا اختلف القول عندهم فقول مالك لأن مالكا أحد الثلاثة المقدمين في حفظ حديث نافع وهم عبيد الله بن عمر وأيوب ومالك. وأما بن جريج فهو عندهم في مالك رابعهم وقد اختلف عن بن عمر في أدنى ما يقصر إليه الصلاة وأصح ما في ذلك عنه ما رواه عنه ابنه سالم ومولاه نافع أنه كان لا يقصر إلا في مسيره اليوم التام أربعة برد. 310- وقد روى مالك عن نافع أنه كان يسافر مع عبد الله بن عمر البريد فلا يقصر الصلاة وهذا يرد ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة إني لأسافر الساعة من النهار فأقصر الصلاة وما رواه محمد بن زيد بن خليد عن بن عمر أنه كان يقصر الصلاة في مسيرة ثلاثة أميال وهذان الخبران من رواية أهل الكوفة عن بن عمر فكيف نقبلها عن بن عمر مع ما ذكرنا من رواية سالم ونافع عنه بخلافها من حديث أهل المدينة وقد روى سفيان بن عيينة عن سعيد بن عبيد عن علي بن ربيعة قال سألت بن عمر عن قصر الصلاة فقال أتعرف السويداء قلت نعم قال فاقصر إليها وهي على مسيرة يومين من المدينة قال وكان بن عمر يقصر إليها. 311- مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقصر الصلاة في مثل ما بين مكة الطائف وفي مثل ما بين مكة وعسفان وفي مثل ما بين مكة وجده قال مالك وذلك أربعة برد وذلك أحب ما تقصر إلي فيه الصلاة قال مالك لا يقصر الذي يريد السفر الصلاة حتى يخرج من بيوت القرية ولا يتم حتى يدخل أول بيوت القرية أو يقارب ذلك قال أبو عمر هذا عن بن عباس معروف من نقل الثقات متصل الإسناد عنه من وجوه (منها) مارواه عمرو بن دينار وبن جريج عن عطاء قال سألت بن عباس فقلت أقصر الصلاة إلى عرفة وإلى منى قال لا ولكن إلى الطائف وإلى جدة ولا تقصروا الصلاة إلا في اليوم التام ولا تقصر فيما دون اليوم فإن ذهبت إلى الطائف أو إلى جدة أو إلى قدر ذلك من الأرض إلى أرض لك أو ماشية فاقصر الصلاة فإذا قدمت فأوف ذكره عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء واللفظ لحديث بن جريج وذكر أبو بكر قال حدثنا بن عيينة عن عمرو قال أخبرني عطاء عن بن عباس قال لا تقصر إلى عرفة ولا بطن نخلة وأقصر إلى عسفان والطائف وجدة فإذا قدمت على أهل أو ماشية فأتم قال. وحدثنا وكيع حدثنا هشام بن الغاز عن ربيعة الجرشي عن عطاء بن أبي رباح قال قلت لابن عباس أقصر إلى عرفة قال لا قلت أقصر إلى الطائف أو إلى عسفان قال نعم وذلك ثمانية وأربعون ميلا وعقد بيده قال. وحدثنا وكيع قال حدثنا شعبة عن رجل يقال له شبيل عن أبي حبرة قال قلت لابن عباس اقصر إلى بلد قال تذهب وتجيء في يوم قال قلت نعم قال لا إلا في يوم تام قال أبو عمر هو شبيل بن عزرة كوفي ثقة وأبو حبرة اسمه شيحة بن عبد الله كوفي ثقة قال أبو عمر قول بن عباس هذا لا يشبه أن يكون رأيا ولا يكون مثله إلا توفيقا والله أعلم ولا أعلم عن بن عباس خلافا إلا ما ذكره أبو بكر قال حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد عن بن عباس قال إذا كان سفرك يوما إلى العتمة فلا تقصر الصلاة فإن جاوزت ذلك فاقصر قال أبو عمر قول بن عباس اختلف الفقهاء أئمة الفتوى بالأمصار في مقدار ما يقصر إليه الصلاة من المسافة فذهب مالك والشافعي وأصحابهما والأوزاعي والليث بن سعد إلى أن الصلاة لا يقصرها المسافر إلا في سيره اليوم التام بالبغل الحسن السير وهو قول أحمد وإسحاق والطبري وقد قال بعضهم يوما وليلة ومعلوم أن الليل ليس بوقت سير لمن مشى بالنهار ولكنه تأكيد باليوم التام في أيام الصيف أو ما كان مثله في المسافة من أيام الشتاء وقدره مالك بأربعة برد ثمانية وأربعون ميلا قال الشافعي والطبري ستة وأربعون ميلا وهذا أمر متفاوت ومن قال بما وصفنا من مسيره اليوم التام وتقديره ما قاله لهم بن عباس وبن عمر على ما ذكرنا عنهما وقال الكوفيون سفيان الثوري والحسن بن صالح وشريك وأبو حنيفة وأصحابه لا يقصر المسافر الصلاة إلا في المسافة البعيدة المحتاجة إلى الزاد والمزاد من الأفق إلى الأفق قال سفيان وأبو حنيفة أقل ذلك ثلاثة أيام لا يقصر الصلاة مسافر في أقل من ثلاثة أيام كاملة ومن السلف من ذهب هذا المذهب عثمان بن عفان وبن مسعود وحذيفة بن اليمان روى سفيان بن عيينة عن أيوب عن أبي قلابة قال حدثني من سمع كتاب عثمان إلى عبد الله بن عباس يقول بلغني أن قوما يخرجون في جشرهم إما في تجارة وإما في جباية فيقصرون الصلاة وأنه لا تقصر الصلاة إلا في سفر بعيد أو حضرة عدو وذكر أبو بكر قال حدثنا إسماعيل بن علية عن أيوب عن أبي قلابة قال حدثني من قرأ كتاب عثمان أو قرئ عليه أما بعد فإنه بلغني أن رجالا منكم يخرجون إلى سوادهم إما في جشرة أو في جباية وإما في تجارة فيقصرون الصلاة فلا يفعلوا فإنما يقصر الصلاة من كان شاخصا أو بحضرة عدو قال. وحدثنا وكيع قال حدثنا سفيان ومسعر عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال قال بن مسعود لا يغرنكم سوادكم من صلاتكم فإنما هو من كوفيكم قال. وحدثني علي بن مسهر عن الشيباني عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن بن مسعود مثله إلا أنه قال فإنه من مصركم وروي عن معاذ بن جبل وعقبة بن عامر مثله قال. وحدثنا بن فضيل عن حجاج عن حماد عن إبراهيم قال كان أصحاب عبد الله لا يقصرون إلى واسط والمدائن وأشباههما قال. وحدثنا هشيم عن مغيرة أن الحارث قال لإبراهيم أتقصر الصلاة إلى المدائن قال إن المدائن لقريب ولكن إلى الأهواز قال. وحدثنا وكيع قال حدثنا الحسن بن صالح وإسرائيل عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد بن علقمة قال إنما تقصر الصلاة في مسيرة ثلاث قال. وحدثنا أبو الأحوص عن عاصم عن بن سيرين قال كانوا يقولون السفر الذي يقصرون الصلاة فيه الذي يحمل فيه الزاد والمزاد وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال كنت مع حذيفة بالمدائن فاستأذنته أن آتي أهلي بالكوفة فأذن لي وشرط علي أن لا أقصر ولا أصلي ركعتين حتى أرجع إليه. وأخبرنا الثوري عن خصيف عن أبي عبيدة عن بن مسعود أنه قال لا تغتروا بتجارتكم وأجشاركم تسافرون إلى آخر السواد وتقولون إنا قوم سفر إنما المسافر من أفق إلى أفق قال. وأخبرنا بن جريج قال أخبرنا عبد الكريم الجزري عن بن مسعود وحذيفة أنهما كانا يقولان لأهل الكوفة لا يغرنكم جشركم ولا سوادكم لا تقصروا الصلاة إلى السواد قال وبينهم وبين السواد ثلاثون فرسخا قال. وأخبرنا بن جريج عن نافع قال أقل مكان يقصر فيه بن عمر الصلاة إلى خيبر وهي مسيرة ثلاث قواصد قال. وأخبرنا إسرائيل عن عامر بن شقيق قال سألت شقيق بن سلمة قلت أخرج إلى المدائن وإلى واسط قال لا تقصر الصلاة قال. وأخبرنا أبو حنيفة عن حماد قال سألت إبراهيم وسعيد بن جبير في كم تقصر الصلاة قالا في مسيرة ثلاثة قال عبد الرزاق سمعت الثوري يقول قولنا الذي نأخذ به ألا تقصر الصلاة إلا في مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا قلت من أجل ما أخذت به قال لقول النبي صلى الله عليه وسلم لا تسافر امرأة فوق ثلاث إلا مع ذي محرم قال أبو عمر ليس في هذا حجة لأنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تسافر امرأة مسيرة ثلاث وروي عنه عليه الصلاة والسلام مسيرة يومين أو ليلتين وروي عنه صلى الله عليه وسلم يوما وليلة وروي عنه لا تسافر امرأة بريدا إلا مع ذي محرم وقد تكلمنا على معانيها في كتاب الحج وذكرنا كل حديث منها هناك بإسناده وقال الحسن البصري وبن شهاب الزهري تقصر الصلاة في مسيرة يومين ذكره عبد الرزاق عن سفيان عن الزهري وعن الثوري عن يونس عن الحسن وقالت طائفة من أهل الظاهر يقصر الصلاة كل مسافر في كل سفر قصيرا كان أو طويلا ولو ثلاثة أميال وقال داود إن سافر في حج أو عمرة أو غزو قصر الصلاة في قصير السفر وطويله ومن حجتهم من ظاهر قول الله عز وجل (وإذا ضربتم في الأرض) [النساء 101]. لم يجد مقدارا من المسافة وقد نقض داود من قال بقوله من أهل الظاهر أصلهم هذا لأنه عز وجل لم يقل وإذا ضربتم في الأرض في حج أو عمرة واحتج بعضهم بحديث أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر سار فرسخا ثم نزل قصر الصلاة والحديث حدثناه سعيد قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا هشيم عن أبي هارون عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر فرسخا قصر الصلاة وأبو هارون العبدي اسمه عمارة بن جوين منكر الحديث عند جميعهم متروك لا يكتب حديثه وقد نسبه حماد بن زيد إلى الكذب قال وكان يروي بالغداة شيئا وبالعشي شيئا وقال عباس عن بن معين قال أبو هارون العبدي كانت عنده صحيفة يقول فيها هذه صحيفة الوصي وكان عندهم لا يصدق في حديثه وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل سألت أبي عن هارون العبدي فقال ليس بشيء قال أبو عمر على أن عبد الرزاق رواه عن هشيم قال أخبرني أبو هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فرسخا ثم نزل يقصر الصلاة وهذا على ما رواه مطرف وبن الماجشون عن مالك على ما ذكرنا في أول هذا الباب واحتجوا بحديث محمد بن المنكدر وإبراهيم بن ميسرة عن أنس قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين قالوا فمن سافر في مثل هذه المسافة أو مثلها قصر الصلاة وهذا جهل بالحديث لأن حديث أنس هذا إنما هو في خروجه مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى ذي الحليفة في حجة الوداع ذكر البخاري قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس بن مالك قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة الظهر أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين وسمعتهم يصرخون بهما جميعا قال أبو عمر يعني أحرموا بالحج والعمرة جميعا من ذي الحليفة يومئذ وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس بن مالك قال صليت الظهر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا وصليت معه بذي الحليفة ركعتين وكان خرج مسافرا قال أبو عمر هذا أول حديث أدخله عبد الرزاق في باب متى يقصر إذا خرج مسافرا قال. وأخبرني بن جريج قال أخبرني بن المنكدر عن أنس بن مالك أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة الظهر أربعا ثم خرج فصلى معه بذي الحليفة العصر ركعتين والنبي صلى الله عليه وسلم يريد مكة فقد بان برواية بن جريج عن محمد بن المنكدر عن أنس وبرواية أبي قلابة عن أنس أن قصر النبي صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة إنما كان في حين خروجه من المدينة مسافرا إلى مكة حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا سليمان بن حرب وعارم قالا حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين وسمعتهم يصرخون بهما جيمعا وذكر وكيع قال حدثنا زكريا عن عامر الشعبي قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسافرا قصر الصلاة من ذي الحليفة قال أبو عمر قد مضى في أول هذا الباب حديث بن عمر أنه كان إذا خرج مسافرا قصر الصلاة بذي الحليفة قال وذكرنا الاختلاف في الحال والموضع الذي يبدأ فيه المسافر بقصر الصلاة إذا خرج من مصره وهذه الآثار في ذلك المعنى واحتج داود أيضا ومن قال بقوله من أهل الظاهر بحديث شعبة عن يحيى بن يزيد الهنائي قال سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أيام أو ثلاثة فراسخ شعبة الشاك صلى ركعتين وأبو يزيد يحيى بن يزيد الهنائي شيخ من أهل البصرة ليس مثله ممن يحتمل أن يحمل هذا المعنى الذي خالف فيه جمهور الصحابة التابعين ولا هو ممن يوثق به في ضبط مثل هذا الأصل وقد يحتمل أن يكون أراد ما تقدم ذكره من ابتدأ قصر الصلاة إذا خرج ومشى ثلاثة أميال على نحو ما قاله وذهب إليه بعض أصحاب مالك فلم يحسن العبارة عنه واحتجوا أيضا بحديث شعبة عن يزيد بن خمير عن حبيب بن عبيد عن جبير بن نفير عن بن السمط أن عمر صلى بذى الحليفة ركعتين فقلت له فقال أصنع كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع وهذا الحديث لا حجة فيه لأن عمر إنما صنع ذلك وهو مسافر إلى مكة وكذلك صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا عبيد بن سعيد عن شعبة بن يزيد بن خمير قال سمعت خمير بن عبيد يحدث عن جبير بن نفير عن بن السمط قال شهدت عمر بذي الحليفة وهو يريد مكة صلى ركعتين فقلت له لم تفعل هذا فقال إنما أصنع كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع واحتجوا أيضا بما حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا هشيم قال أخبرنا جويبر عن الضحاك عن النزال أن عليا خرج إلى النخيلة فصلى بها الظهر والعصر ركعتين ركعتين ثم رجع من يومه فقال إني أعلمكم بسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم وهذا إسناد فيه من الضعف والوهن ما لا (خفاء) به وجويبر متروك الحديث لا يحتج به لإجماعهم على ضعفه وخروج علي رضي الله عنه إلى النخيلة معروف أنه كان مسافرا سفرا طويلا فإن احتجوا بما ذكره أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو علية عن الجريري عن أبي الورد عن اللجلاج قال كنا نسافر مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فنسير ثلاثة أميال فيتجوز في الصلاة فإن اللجلاج وأبا الورد مجهولان ولا يعرفان في الصحابة ولا في التابعين واللجلاج قد ذكر عن الصحابة ولا يعرف فيهم ولا في التابعين وليس في نقله حجة وأبو الورد أشر جهالة وأضعف نقلا ولو صح احتمل ما وصفنا قبل والله أعلم وكذلك ما روي عن بن مسعود أنه قصر في أربعة فراسخ منكر غير معروف من مذهب بن مسعود وكذلك ما حكاه الأوزاعي عن أنس بن مالك أنه كان يقصر الصلاة في خمسة فراسخ وذلك خمسة عشر ميلا ليس بالقوي لأنه منقطع ليس يحتج بمثله قال الأوزاعي وكان قبيصة بن ذؤيب وهانئ بن كلثوم وعبد الله بن محيريز يقصرون الصلاة فيما بين الرملة وبيت المقدس قال الأوزاعي وعامة العلماء يقولون مسيرة يوم تام قال وبه نأخذ قال أبو عمر هو كما قال الأوزاعي وجمهور العلماء لا يقصرون الصلاة في أقل من أربعة برد وهو مسيرة يوم تام بالسير القوي الحسن الذي لا إسراف فيه ومن احتاط فلم يقصر إلا في مسيرة ثلاثة أيام كاملة فقد أخذنا بالأوثق وبالله التوفيق. 312- مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن عمر كان يقول أصلي صلاة المسافر ما لم أجمع مكثا وإن حبسني ذلك اثنتي عشرة ليلة. 313- مالك عن نافع أن بن عمر أقام بمكة عشر ليال يقصر الصلاة إلا أن يصليها مع إمام فيصليها بصلاة الإمام قال أبو عمر لا أعلم خلافا فيمن سافر سفرا يقصر فيه الصلاة لا يلزمه أن يتم في سفره إلا أن ينوي الإقامة في مكان من سفره ويجمع نيته على ذلك واختلف أهل العلم في المدة التي إذا نوى المسافر أن يقيم فيها لزمه الإتمام وسنذكر ما رووه فيه من ذلك وما نقلوه فيه من الآثار في الباب بعد هذا إن شاء الله وليس في حديث بن عمر المتقدم في هذا الباب ذكر المقام في مكة أو غيرها والحديث الثاني حديث نافع دل فيه إقامته بمكة عشرا يقصر الصلاة وبن عمر رجل من المهاجرين الذين شهدوا البيعة التي بايعوا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المقام معه بالمدينة وأن لا يتخذوا مكة وطنا فمقامه بمكة ليس بنية إقامة ألا ترى إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول عمر بعده لأهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر. وأما قوله إلا أن يصليها وراء إمام فيأتي القول في ذلك في بابه بعد هذا إن شاء الله وقد تقدم في الباب حديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة عام الفتح ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين وقيل تسع عشرة ليلة وقيل سبع عشرة وقيل خمس عشرة ليلة وليس لمن احتج بمقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة حجة بكثرة الاختلاف والاضطراب في ذلك ولأنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه جعل شيئا من ذلك سنة وقد قال لأهل مكة أتموا صلاتكم فإنا سفر ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقيم في الدار التي هاجر منها. 314- مالك عن عطاء بن عبد الله الخرساني أنه سمع سعيد بن المسيب قال من أجمع إقامة أربع ليال وهو مسافر أتم الصلاة قال مالك وذلك أحب ما سمعت إلي قال وسئل مالك عن صلاة الأسير فقال مثل صلاة المقيم قال أبو عمر قال اختلف العلماء في المدة التي إذا نوى المسافر الإقامة فيها لزمه إتمام صلاته فذهب مالك إلى ما ذكره في هذا الباب عن عطاء الخرساني عن سعيد بن المسيب وقال في موطئه أنه أحب ما سمع إليه في ذلك فدل ذلك على سماعه الاختلاف في ذلك وذكر بن وهب عن مالك قال أحسن ما سمعت والذي لم يزل عليه أهل العلم عندنا أن من أجمع إقامة أربع ليال وهو مسافر أتم الصلاة قال أبو عمر وإلى هذا ذهب الشافعي وهو قوله وقول أصحابه وأبي ثور وداود قال وخالفه في ذلك بعض أهل الظاهر قال الشافعي إذا أزمع المسافر أن يقيم بموضع أربعة أيام بلياليهن أتم الصلاة ولا يحسب في ذلك يوم نزوله ولا يوم رحله وقول أبي ثور في ذلك كقول الشافعي ومالك وقد روي عن أبي جعفر محمد بن علي بن حسين وعن الحسن بن صالح بن حي مثل ذلك على اختلاف عنهما في ذلك وروى قتادة عن سعيد بن المسيب قال إذا أقام المسافر أربعا صلى أربعا وذكره وكيع عن هشام الدستوائي عن قتادة عن سعيد بن المسيب وهذا في معنى رواية عطاء الخرساني عن سعيد بن المسيب وهو عندي أثبت ما روي في ذلك عن سعيد بن المسيب والله أعلم وقد روي عنه في ذلك ثلاثة أقوال أذكرها كلها في هذا الباب إن شاء الله والحمد لله قال الشافعي وأبو ثور ومن ذلك ما روي في هذا حديث العلاء بن الحضرمي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل للمهاجر مقام ثلاثة أيام بمكة بعد قضاء نسكه ومعلوم أن مكة لا يجوز لمهاجري أن يتخذها دار إقامة فأبان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ثلاثة أيام لمن نوى إقامتها لحاجة ليست بإقامة يخرج فيها الذي نواها عن حكم المسافر وأن حكمها حكم السفر لا حكم الإقامة فوجب بهذا أن يكون من نوى المقام أكثر من ثلاث فهو مقيم ومن كان مقيما لزمه الإتمام ومعلوم أن أول منزلة بعد الثلاث الأربع ويعضد هذا أيضا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي توفي فيه لا يبقين دينان بأرض العرب وأمر بإخراج يهود الحجاز لم يجعل لهم غير مقام ثلاثة أيام إذ أمر بإخراجهم فكانت عنده مدة الثلاثة الأيام إقامة بلا إقامة حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا محمد بن الميمون بن حمزة الحسني قال حدثنا الطحاوي قال حدثنا المزني قال حدثنا الشافعي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن حميد قال سأل عمر بن العزيز جلساءه ماذا سمعتم في مقام المهاجرين بمكة فقال السائب بن يزيد أخبرنا العلاء بن الحضرمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يمكث بمكة المهاجر من بعد قضاء نسكه ثلاثا حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا يحيى بن عبد الحميد قال حدثنا سفيان بن عيينة وحفص بن غياث عن عبد الرحمن بن حميد قال سمعت السائب بن يزيد يحدث عمر بن عبد العزيز عن العلاء بن الحضرمي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يقيم المهاجر من قال سفيان بعد نسكه ثلاثا وقال حفص بعد الصدر ثلاثا قال أبو عمر هو عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ثقة ذكر علي بن المديني قال حدثنا سفيان بن عيينة قال حدثنا إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن عبد الرحمن الأعرج قال خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على سعد رجلا فقال إذا مات سعد بمكة فلا تدفنه بها قال. وحدثنا سفيان عن محمد بن قيس الأسدي عن () قال قال سعد بن أبي وقاص يا رسول الله أتكره أن يموت الرجل بالأرض التي هاجر منها قال نعم وقال سفيان وأبو حنيفة وأصحابه (إذا نوى ) الرجل إقامة خمس عشرة ليلة أتم الصلاة وإن كان دون ذلك قصر وروي مثله عن بن عمر وسعيد بن المسيب روى وكيع عن عمرو بن دينار عن مجاهد قال كان بن عمر إذا أجمع على إقامة خمس عشرة ليلة سرج ظهره وصلى أربعا وروى وكيع أيضا عن () عن بن عمر وبن عباس أنهما قالا إذا قدمت بلدا وأنت مسافر وفي نيتك أن تقيم خمس عشرة ليلة فأكمل الصلاة قال الطحاوي ولا مخالف لهما من الصحابة قال ولما أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته أكثر من أربع يقصر الصلاة ذكر الإتمام على اعتبار الأربع وروى أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن إدريس عن داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب قال إذا نوى الرجل على إقامة خمس عشرة ليلة أتم الصلاة وهذا أيضا حديث صحيح الإسناد عن سعيد وفي المسألة قول ثالث قال الليث بن سعد إن نوى إقامة خمس عشرة فما دون قصر وإن نوى إقامة أكثر من خمس عشرة أتم الصلاة واحتج بما رواه عن يزيد بن أبي حبيب عن عراك بن مالك عن عبيد الله بن عبد الله بن مسعود عن بن عباس قال أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة يصلي ركعتين ركعتين قال أبو عمر هذا الحديث قد رواه الزهري عن عبيد الله كما رواه عراك وقد ذكره أبو بكر قال حدثنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بعد الفتح خمس عشرة يقصر الصلاة حتى سار إلى حنين قال أبو عمر فكان الليث بن سعد يقول إنه لم يبلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر في سفره أكثر من هذه المدة فمن زاد عليها شيئا لزمه الإتمام وهذا لم يختلف في مقامه صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح لكن الاختلاف في ذلك كثير جدا وفي المسألة قول رابع ذكره وكيع قال أخبرنا قرة بن خالد عن أبي حكيمة قال سألت سعيد بن المسيب فقال إذا أتممت ثلاثا فأتم الصلاة وفيها قول خامس قال الأوزاعي إذا أقام المسافر ثلاثة عشر يوما أتم وإن نوى أقل من ذلك قصر وفيها قول سادس روي عن بن عمر أنه قال إذا أقام اثنتي عشرة ليلة أتم وإن كان دون ذلك قصر ومثل هذا حديث مالك عن بن شهاب عن سالم عن أبيه أنه كان يقول أصلي صلاة المسافر ما لم أجمع مكثا وإن حبسني ذلك اثنتي عشرة ليلة وقد روى عن الأوزاعي أيضا مثل ذلك وفيها قول سابع قاله أحمد بن حنبل وداود قال أحمد روت عائشة وجابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قدم مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة قال أحمد فقد أزمع رسول الله صلى الله عليه وسلم على مقام أربعة أيام يقصر فمن زاد على ذلك فإنه يتم وقال داود من عزم على إقامة أربعة أيام عشرين صلاة قصر ومن عزم على مقام أكثر من ذلك أتم لأن النبي صلى الله عليه وسلم (صلى ) في حجته صلاة أربعة أيام وهو مقيم بمكة ثم خرج إلى منى وهو في ذلك كله يقصر والأصل أن كل من أقام فقد لزمه الإتمام إلا أن يخص ذلك سنة أو إجماع وقد نصت السنة ذلك المقدار فمن زاد عليه لزمه الإتمام قال أبو عمر ليس مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة إذ دخلها لحجته بإقامة لأنها ليست له بدار إقامة ولا بملاذ ولا لمهاجري أن يتخذها دار إقامة ولا وطن وإنما كان مقامه بمكة إلى يوم الترويه كمقام المسافر في حاجة يقضيها في سفر منصرفا إلى أهله فهو مقام من لا نية له في الإقامة ومن كان هذا فلا خلاف أنه في حكم المسافر يقصر فلم ينو النبي صلى الله عليه وسلم بمكة إقامة بل نوى الخروج منها إلى منى يوم الترويه عاملا في حجة حتى ينقضي وينصرف إلى المدينة وفيها قول ثامن روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال إذا أقام عشرة أيام أتم وروي ذلك عن أبي جعفر محمد بن علي وعن الحسن بن صالح وفيها قول تاسع ذكره البخاري عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة عن عاصم وحصين عن عكرمة عن بن عباس قال أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة عشر يوما يقصر فنحن إذا أقمنا تسعة عشر قصرنا وإن زدنا أتممنا هكذا ذكر البخاري أن مقامه بمكة حيث فتحها صلى الله عليه وسلم كان تسعة عشر وهو حديث مختلف فيه لا يثبت فيه شيء لكثرة اضطرابه وقد رواه حفص بن غياث عن عاصم عن عكرمة عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام سبع عشرة يقصر الصلاة قال وقال بن عباس من أقام سبع عشرة يقصر الصلاة ومن أقام أكثر من ذلك أتم هكذا ذكره أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا حفص عن عاصم عن عكرمة عن بن عباس وحفص أحفظ من أبي عوانة إلا أن عباد بن منصور قد تابع أبا عوانة فروى عن عكرمة عن بن عباس قال أقام تسعة عشر. وأما الزهري فروى عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام حيث فتح مكة خمسة عشر يقصر الصلاة حتى سار إلى حنين هكذا رواه بن إسحاق عن بن شهاب. وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا النفيلي قال حدثنا محمد بن سلمة عن بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس قال أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة يقصر الصلاة قال أبو داود رواه عبدة بن سليمان وسلمة (بن الفضل) وأحمد بن خالد الوهبي كلهم عن بن إسحاق عن الزهري عن عبد الله لم يذكروا بن عباس قال أبو عمر ليس فيهم من يقاس بابن إدريس وقد تابعه محمد بن سلمة وزيادة مثلهما مقبولة وقد روى علي بن زيد عن أبي نضرة عن عمران بن حصين قال قمنا مع النبي عليه الصلاة والسلام بمكة حيث فتحها ثمانية عشر يصلي ركعتين ركعتين فكيف يثبت مع هذا الإختلاف مقدار إقامته بمكة عام الفتح أو أي حجة في إقامته بمكة وليست له بدار إقامة بل هي في حكم دار الحرب أو حيث لا تجوز الإقامة. وأما مقامه في عمرة القضاء فلم يختلفوا أنه كان ثلاثة أيام. وأما إقامته في حجته فدخل صبيحة رابعة من ذي الحجة وخرج صبيحة رابعة عشر تواترت الروايات بذلك وفيها قول عائشة روي عن الحسن البصري أنه قال يصلي المسافر ركعتين ركعتين أبدا إلا أن يقدم مصرا من الأمصار وهذا قول لا أعلم أحدا قاله أيضا غيره والله أعلم وفيها قول حادي عشر قاله ربيعة بن أبي عبد الرحمن لا أعلم أحدا قاله أيضا غيره قال ربيعة من أجمع إقامة يوم وليلة أتم الصيام وصام هذا منه قياس على ما تقصر فيه الصلاة عنده ولم يبلغه فيه شيء عن السلف والله أعلم. وأما قوله في هذا الباب سئل مالك عن صلاة الأسير فقال مثل صلاة المقيم قال أبو عمر لا أعلم خلافا بين العلماء في ذلك ومحال أن يصلي وهو مقيم مأسور إلا صلاة المقيم وإن سافر أو سوفر به كان له حينئذ حكم المسافر وبالله التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل. 315- ذكر فيه مالك عن عمر بن الخطاب من طريقين أحدهما عن بن شهاب عن سالم عن أبيه عن عمر. 316- الثاني عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر أنه كان إذا قدم مكة صلى بهم ركعتين ثم يقول يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر وفي هذا الحديث من الفقه على ما كان المهاجرون عليه من الاهتمام بأمر الهجرة وحفظها وإن أهل مكة لما أمروا بالهجرة عنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم لم يتخذها أحد منهم بعد ذلك دار إقامة فكان من قدم منهم إلى الحج لا ينوي إقامة وكان يصلي صلاة المسافر حتى يخرج وفيه أن المسافر يؤم المقيمين وهذا هو المستحب عند جماعة العلماء لا خلاف علمته بينهم في أن المسافر إذا صلى بمقيمين ركعتين وسلم قاموا فأتموا أربعا لأنفسهم أفرادا. وأما صلاة المقيم بالمسافر فيأتي ذكرها بعد هذا إن شاء الله وفيه أن الإمام إذا سلم في موضع من الصلاة يجوز له فيه السلام لم يضر المأمومين ما تكلم به إليهم بعد السلام وفيه ما كان عليه عمر رضي الله عنه من تعليم رعيته ما يجب عليهم من أمر دينهم وهذا هو الذي خاطب به عمر رضي الله عنه أهل مكة في إتمام صلاتهم امتثل فيه فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه صلى الله عليه وسلم صنع ذلك بمكة أيضا حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا إسماعيل بن علية عن علي بن زيد عن أبي نضرة قال مر بنا عمران بن حصين في مجلسنا فقال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يصل إلا ركعتين حتى رجع إلى المدينة وحججت معه فلم يصل إلا ركعتين حتى رجع إلى المدينة واعتمرت معه ثلاث عمر ولم يصل إلا ركعتين حتى رجع إلى المدينة وشهدت معه الفتح فأقام بمكة اثنتي عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين ثم يقول لأهل البلد صلوا أربعا فإنا سفر. 317- وذكر مالك في هذا الباب عن بن شهاب عن صفوان بن عبد الله بن صفوان أنه قال جاءنا عبد الله بن عمر يعود عبد الله بن صفوان فصلى بنا ركعتين فقمنا فأتممنا وهذا على ما ذكرت لك في هذا الباب أنه لا اختلاف علمته فيه وحسبك بذلك وسنة وإجماعا وحديثا. 318- وأما حديثه عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يصلي وراء الإمام بمنى أربعا فإذا صلى لنفسه صلى ركعتين فإن العلماء قديما وحديثا اختلفوا في المسافر يصلي وراء مقيم فقال مالك وأصحابه إذا لم يدرك معه ركعة تامة صلى ركعتين وإن أدرك معه ركعة بسجدتيها صلى أربعا وهو معنى قول الأوزاعي وذكر الطحاوي أن أبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا قالوا يصلي صلاة مقيم وإن أدركه في التشهد قال وهو قول الليث والشافعي والأوزاعي وذكر الطبري قال حدثنا العباس بن الوليد بن مزيد عن أبيه عن الأوزاعي فيمن صلى من المسافرين مع الحضري ركعة أو ركعتين ثم عرض له رعاف فقطع صلاته قال يبني على صلاة مقيم حتى يكمل أربعا قيل له فإنه صلى صلاة مسافر في بيته ثم دخل المسجد فوجدهم في تشهد تلك الصلاة الآخر فجلس معهم قال لا يعتد بما أدرك من الجلوس معهم لأنه لم يدرك الركعة معهم وقد أجزأت عنه صلاته التي صلى في بيته قال وقال الأوزاعي في مسافر أراد أن يصلي المكتوبة ركعتين فسها حتى صلى ثلاثا قال ليكمل أربع ركعات. وأما الشافعي فلم يختلف في قوله إن كل مسافر دخل في صلاة مقيم قبل أن يسلم المقيم منها لزمه إتمامها ولا يراعي إدراك الركعة لإجماعهم على أن من نوى في حين دخوله في الصلاة الإتمام لزمه فكذلك من دخل مع مقيم في صلاته وحجة قول مالك أن المسافر سنته ركعتان ومن لم يدرك ركعة من الصلاة فهو في حكم من لم يدرك شيئا منها والمسافر إذا لم يدرك شيئا من صلاة المقيم صلى ركعتين بإجماع واختلف الفقهاء في المسافر يدرك من صلاة المقيم ركعة أو أكثر أو يدركه في التشهد فيصلي معه ثم يعرض له ما يفسد صلاته من حدث أو غيره ماذا يقضي وماذا عليه أن يصلي فأما مالك فقال من أدرك من صلاة المقيم ركعة وهو مسافر لزمه الإتمام ومن لم يدركها فصلاته ركعتان فعلى هذا يلزمه أن يصلي أربعا إذا صلى مع المقيم ركعة ثم فسدت عليه صلاته وإن لم يدرك معه ركعة رجع إلى عمل صلاته ركعتين. وقال الشافعي وأصحابه يصلي أربعا فإنه قد لزمه بدخوله الإتمام في صلاة المقيم أربعا ويصح لهم الدخول عندهم وهو قول الحسن بن حي. وقال أبو حنيفة وأصحابه في المسافر يدخل في صلاة مقيم ثم يقطعها يصلي صلاة مسافر لأنه إنما يصلي وراءه أربعا اتباعا له فإذا لم يكن خلف مقيم لم يصل إلا فريضة ركعتين. وقال أبو ثور في هذه المسألة قولان أحدهما أنه لما دخل مع المقيم وجب عليه ما وجب على المقيم فلما أفسدها وجب عليه أن يأتي بما وجب عليه من الإتمام والآخر أنه لما أفسدها رجع إلى ما كان عليه في الابتداء من الخيار في الإتمام أو التقصير. وأما من نسي صلاة في حضر فذكرها في سفر أو نسيها في السفر فذكرها وهو مقيم فقد تقدم القول في ذلك في صدر هذا الكتاب حيث ذكره مالك رحمه الله في موطئه وذلك في باب جامع الوقوت لكن لم يذكر منها هناك إلا وجها واحدا فنذكر ها هنا ما للفقهاء من المذاهب ليتم فائدتها قال مالك وأصحابه من نسي صلاة أو فاتته في السفر فلم يذكرها إلا مقيما قصرها وإن سافر بعد خروج الوقت ولم يصل صلاة الوقت في الحضر صلاها مسافرا صلاة مقيم كما لزمته إنما يقضي ما فاته على حسب ما فاته وهو قول أبي حنيفة والثوري وقال الأوزاعي والشافعي وعبد الله بن الحسن والحسن بن صالح وأحمد بن حنبل يصلي في المسألتين جميعا صلاة حضر وقد كان الشافعي يقول ببغداد مثل قول مالك ثم رجع بمصر إلى ما ذكرنا عنه وهو تحصيل مذهبه وقال الحسن البصري وطائفة من البصريين من نسي صلاة في حضر فذكرها في السفر صلاها سفرية ومن نسيها في السفر وذكرها في الحضر صلاها حضرية أربعا لأنها لا تجب عليه إلا في الحين الذي يذكرها فيه كما لو ذكرها وهو مريض أو ذكرها وهو في صحة وقد لزمته في مرضه صلاها على حاله وبهذا قال بن علية وبن المديني والطبري. 319- ذكر فيه مالك عن نافع عن بن عمر أنه كان لا يصلي مع صلاة الفريضة في السفر شيئا قبلها ولا بعدها إلا من جوف الليل فإنه كان يصلي على الأرض وعلى راحلته حيث توجهت. 320- وذكر عن القاسم بن محمد وعروة بن الزبير وأبي بكر بن عبد الرحمن أنهم كانوا يتنفلون في السفر. 321- وعن نافع أيضا أن عبد الله كان يرى ابنه يتنفل في السفر فلا ينكر عليه وهذا الخبر خلاف ما روي عن بن عمر لو تنفلت في السفر لأتممت إلا أن بن عمر قد احتج لفعله ذلك بما نذكره عنه بعد في هذا الباب إن شاء الله وهذه الآثار كلها دالة على أن الإنسان مخير في النافلة وفي صلاة السنة الركعتين قبل الظهر وبعدها وبعد المغرب إن شاء فعل ذلك فحصل على ثوابه وإن شاء قصر ومعلوم أن المرء مخير في فعل النافلة في الحضر فكيف في السفر وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنفل في السفر وفيه الأسوة الحسنة روى الليث بن سعد عن صفوان بن سليم عن أبي بسرة عن البراء بن عازب قال سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني عشرة سفرة فما رأيته يترك الركعتين قبل الظهر حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بكر قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى القطان عن بن أبي ذئب عن بن سراقة قال سمعت بن عمر يقول رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي قبلها ولا بعدها في السفر. وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا عيسى بن حفص الغمري عن أبيه قال كنت مع بن عمر في مصر فصلى بنا ركعتين ثم انصرف إلى خشبة رحله فاتكأ عليها فرأى قوما وراءه قياما فقال ما يصنع هؤلاء قلت يسبحون قال لو كنت مسبحا لأتممت صلاتي يا بن أخي صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزد على ركعتين ركعتين حتى مضى ثم صحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين ركعتين ثم صحبت عمر فلم يزد على ركعتين ركعتين ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين ركعتين. وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أبو يحيى بن أبي ميسرة قال حدثنا مطرف قال حدثنا عبد الله بن عمر عن عمه عيسى بن حفص عن أبيه أنه قال سافرت مع عبد الله بن عمر فذكر مثله قال أبو عمر هذا المعنى محفوظ عن بن عمر من وجوه وقد رويت آثار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ربما تنفل في السفر وأنه كان يرتحل من منزل ينزله حتى يصلي ركعتين وأهل العلم لا يرون بالنافلة في السفر بأسا كما قال مالك رحمه الله قال يحيى سئل مالك عن النافلة في السفر فقال لا بأس بذلك بالليل والنهار وقد بلغني أن بعض أهل العلم كان يفعل ذلك وفي قوله بعض أهل العلم دليل على أن منهم من كان لا يتنفل في السفر وذلك كله على ما وصفنا وبالله التوفيق وقد تقدم في كتابنا هذا عن بن عباس أنه كان يأمر بالنافلة في السفر ويقول كما يتنفل في الحضر بعد الأربع فكذلك يتنفل في السفر بعد الركعتين هذا معنى قوله دون لفظه. 322- وأما حديث مالك في هذا الباب عن عمرو بن يحيى وسعيد بن يسار عن بن عمر أنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو على حمار وهو متوجه إلى خيبر. 323- وحديثه عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته في السفر حيث توجهت به وكان بن عمر يفعله لم يذكر مالك رحمه الله في حديثه هذا أنه كان ذلك منه صلى الله عليه وسلم تطوعا في غير المكتوبة وقد ذكره موسى بن عقبة وشعبة عن عبد الله بن دينار عن عمر وذكره بن شهاب عن أبيه عن سالم ورواه القاسم بن محمد ونافع عن بن عمر كلهم يذكر فيه التطوع وهذا أمر لا خلاف فيه والحمد لله وقد انعقد الإجماع على أنه لا يجوز أن يصلي أحد فريضة على الدابة في غير شدة الخوف فكفى بهذا بيانا وحجة وقد ذكرنا الآثار بما وصفنا بالأسانيد في كتاب التمهيد. وأما قول الشيخ رحمه الله أن عمرو بن يحيى قد انفرد بذكر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على الحمار في السفر فإنما قال ذلك لأن المعروف المحفوظ في حديث بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي النافلة في السفر على راحلته لا على الحمار حيث توجهت به وهذا إنما أنكر العلماء منه اللفظ دون المعنى ولا خلاف بين الفقهاء في جواز صلاة النافلة على الدابة حيث توجهت براكبها في السفر وقد ذكرنا في التمهيد حديث جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي أين ما كان وجهه على الدابة عن الحسن البصري قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون في أسفارهم على دوابهم أينما كانت وجوههم وهذا أمر مجتمع عليه لا خلاف فيه بين العلماء كلهم في تطوع المسافر على دابته حيث توجهت به للقبلة وغيرها يومئ إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع ويتشهد ويسلم وهو جالس على دابته وفي محله إلا أن بينهم جماعة يستحبون أن يفتتح المصلي صلاته إلى القبلة في تطوعه على دابته محرم بها وهو مستقبل القبلة ثم لا يبالي حيث توجهت به ومنهم من لم يستحب ذلك وقال كما يجوز أن يكون في سائر صلاة إلى غير القبلة عامدا وهو عالم بذلك فكذلك يجوز افتتاحها إلى غير القبلة وإلى هذا ذهب مالك وأصحابه وذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو ثور إلى القول الأول واحتج بعضهم بحديث الجارود بن أبي سبرة عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر فأراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة فكبر ثم صلى حيث وجهه ركابه وقد ذكرنا إسناده في التمهيد. وقال أحمد بن حنبل وأبو ثور هكذا ينبغي أن يفعل من يتنفل على راحلته في السفر وكان عبد الله بن عمر يقول في قول الله تعالى (فأينما تولوا فثم وجه الله) [البقرة 115]. أنها نزلت في صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره التطوع على الراحلة وهو تأويل حسن للآية تعضده السنة وفي الآية قولان غير هذا أحدهما أنها نزلت في قول اليهود في القبلة والآخر أنها نزلت في قوم كانوا في سفر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة ظلماء فلم يعرفوا القبلة واجتهدوا وصلوا إلى جهات مختلفة ثم بان لهم فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل (فأينما تولوا فثم وجه الله) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مضت صلاتكم واختلف الفقهاء في المسافر سفرا لا يقصر فيه الصلاة هل له أن يتنفل على راحلته ودابته أم لا فقال مالك وأصحابه لا يتطوع على الراحلة إلا في سفر يقصر في مثله الصلاة وحجتهم في ذلك أن الأسفار التي حكى بن عمر وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى فيها على راحلته تطوعا كانت مما تقصر فيها الصلاة فكأن الرخصة خرجت على ذلك فلا ينبغي أن تتعدي لأنه شيء وقع به البيان كأنه قال إذا سافرتم مثل سفري هذا فافعلوا بفعلي هذا والله أعلم ولأن ترك القبلة لا يجوز (للمصلي إلا بالإجماع أو سنة لا تتفدى ). وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والحسن بن حي والليث بن سعد وداود بن علي لا يجوز التطوع على الراحلة خارج المصر في كل سفر قصير أو طويل ولم يراعوا مسافة قصر الصلاة وحجتهم أن الآثار (الواردة بذلك ليس) في شيء منها تحديد سفر ولا تخصيص مسافة فوجب امتثال العموم في ذلك وقال أبو يوسف يصلي في المصر على الدابة أيضا بالإيماء لحديث يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك أنه صلى على حمار في أزقة المدينة يومئ إيماء قال أبو عمر (ذكر مالك حديث) يحيى بن سعيد هذا عن أنس فلم يقل فيه في أزقة المدينة بل قال فيه 324 عن يحيى بن سعيد رأيت أنس بن مالك في السفر وهو يصلي على حمار متوجها إلى غير القبلة يركع ويسجد إيماء من غير أن يضع وجهه على شيء ولم يروه عن يحيى بن سعيد (أحد يقاس بمالك وقد قال فيه في السفر فبطل بذلك) قول من قال في أزقة المدينة يريد الحضر وقال الطبري يجوز لكل راكب وماش حاضرا كان أو مسافرا أن يتنفل على دابته وعلى راحلته وعلى رجليه وذكر بعض أصحاب الشافعي أن مذهبهم جواز التنفل على الدابة في الحضر والسفر قال الأثرم قيل لأحمد بن حنبل التنفل على الدابة في الحضر فقال أما في السفر فقد سمعنا وإنما في الحضر فما سمعنا قال وقيل لأحمد بن حنبل يصلي المريض المكتوبة على الدابة والراحلة فقال لا يصلي أحد المكتوبة على الدابة مريض ولا غيره إلا في الطين والتطوع وكذلك بلغنا يصلي ويومئ قال. وأما في الخوف فقد قال الله تعالى (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) [البقرة 239]. قال بن عمر مستقبل القبلة وغير مستقبلها قال أبو عمر سيأتي القول في صلاة الطين وفي صلاة الخوف في موضعهما من هذا الباب إن شاء الله وقد اختلف قول مالك في المريض يصلي على محمله فمرة قال لا يصلي على ظهر البعير فريضة وإن اشتد مرضه حتى لا يقدر أن يجلس لم يصل إلا بالأرض ومرة قال إذا كان ممن لا يصلي بالأرض إيماء فإنه يصلي على البعير بعد أن يوقف له ويستقبل القبلة وقال بن القاسم من تنفل في محمله تنفل جالسا يجعل قيامه تربعا ويركع واضعا يديه على ركبتيه ثم يرفع رأسه قال عبد العزيز بن أبي سلمة ويزيل يديه ثم يثني رجليه ويومئ بسجوده فإن لم يقدر أومأ متربعا حدثنا سعيد قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا بن علية عن هشام الدستوائي عن يحيى عن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن عن جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته نحو المشرق فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة. 325- ذكر مالك فيه حديث أم هانئ من طريق موسى بن ميسرة عن أبي مرة عن أم هانئ بنت أبي طالب أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عام الفتح ثماني ركعات ملتحفا في ثوب واحد. 326- وذكر مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله أن أبا مرة لمولى عقيل بن أبي طالب أخبره أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب تقول ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوب قالت فسلمت عليه فقال من هذه فقلت أم هانئ بنت أبي طالب فقال مرحبا بأم هانئ فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات ملتحفا في ثوب واحد ثم انصرف فقلت يا رسول الله زعم بن أمي علي أنه قاتل رجلا أجرته فلان بن هبيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ قالت أم هانئ وذلك ضحى وقد ذكرنا في التمهيد أن الصحيح في أبي مرة أنه مولى عقيل كما قال مالك ولكنه يقال فيه مولى أم هانئ واسمه يزيد واسم أم هانئ فاخته وقد ذكرناها في كتاب الصحابة بما ينبغي من ذكرها احتج بهذا الحديث الكوفيون في جواز صلاة النهار ثماني ركعات وأقل من ذلك وأكثر بلا فصل من سلام وهذا الذي نزعوا به من هذا الحديث لا حجة لهم فيه لقوله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل والنهار مثنى مثنى وقد أوضحنا هذا المعنى فيما مضى من كتابنا هذا وقد روى بن وهب عن عياض الفهري عن مخرمة بن سليمان عن كريب عن بن عباس عن أم هانئ في هذا الحديث من صلاة الضحى أنه صلى ثماني ركعات يسلم بين كل ركعتين منها وقد احتج بهذا الإسناد أحمد بن حنبل قال الأثرم قيل لأحمد أليس قد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى قبل الظهر أربعا فقال وقد روي أيضا أنه صلى الضحى ثمانيا فتراه لم يسلم فيها وذكر حديث بن وهب هذا بإسناده عن بن عباس عن أم هانئ بنت أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الضحى ثماني ركعات يسلم بين كل ركعتين. وأما قوله ملتحفا في ثوب واحد فقد مضى القول في الصلاة في الثوب الواحد فيما تقدم من هذا الكتاب ومضى تفسير الالتفاف والالتفاع والالتحاف فيما تقدم منه أيضا. وأما حديثه في هذا الباب عن أبي النضر عن أبي مرة عن أم هانئ ففيه من الفقه الاغتسال بالعراء إلى سترة لأن اغتساله ذلك كان منه صلى الله عليه وسلم وهو بالأبطح وفيه كان يومئذ نزوله حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال (حدثنا الحميدي). وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن عبد السلام الحسيني قال حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني قال (حدثنا سفيان قال) حدثنا محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي مرة مولى عقيل عن أم هانئ قالت أتاني يوم (الفتح حموان) لي فأجرتهما فجاء علي يريد قتلهما فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قبته بالأبطح بأعلى مكة فوجدت (فاطمة فأخبرتها) فكانت أشد علي من علي فقالت تؤمنين المشركين وتجيرينهم فبينما أنا أكلمها إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى وجهه وهج الغبار فقلت يا رسول الله إني أمنت حموين لي وإن بن أمي عليا يريد قتلهما فقال ما كان ذلك له قد أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت ثم أمر فاطمة أن تسكب له غسلا فسكبت له في جفنة إني لأرى فيها أثر العجين ثم سترت عليه (فاغتسل فقام) فصلى الضحى ثماني ركعات في ثوب واحد قد خالف بين طرفيه لم أره صلاها قبل ولا بعد وفيه أن ستر ذوي المحارم عند (الاغتسال) مباح حسن وفيه جواز السلام على من يغتسل وفي حكم ذلك السلام على من يتوضأ ورد المتوضئ والمغتسل السلام في ذلك كرده لو لم تكن ذلك حالته وقد قال الله عز وجل وإذا حييتم بتحية فحيو بأحسن منها أو ردوها) [النساء 86]. ولم يخص حالا من حال إلا حالا لا يجوز فيه الكلام وقد احتج بهذا الحديث من رد شهادة الأعمى وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يميز صوت أم هانئ مع علمه بها حتى قال لها من هذه فقالت أنا أم هانئ فلم يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم صوتها لأنه لم يرها وكل من لا يرى فذلك أحرى وفيه ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأخلاق الجميلة الحسنة وصلة الرحم وطيب الكلام ألا ترى إلى قوله عليه السلام مرحبا بأم هانئ ويروي مرحبا يا أم هانئ والرحب والتسهيل ما يستدل به على فرح المرور بالزائر وفرح المقصود إليه بالقاصد وهذا معلوم عند العرب قال شاعرهم: فقلت له أهلا وسهلا ومرحبا *** فهذا مبيت صالح وصديق وهذا البيت من أبيات حسان لعمرو بن الأهتم وهو الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمعه مدح الزبرقان بن برد ثم ذمه لم يتناقص في قوله إن من البيان لسحرا وقد ذكرت الشعر في كتاب بهجة المجالس ومثل هذا كثير في أشعارهم وأخبارهم وقد تقدم القول في صلاة الثماني ركعات. وأما قولها زعم بن أمي علي أنه قاتل رجل أجرته فلان بن هبيرة ففيه ما كانوا عليه من تسمية كل شقيق بابن أم دون بن أب عند الدعاء لهم والخبر عندهم يدلك بذلك على قرب المحل من القلب والمنزلة من النفس إذ جميعهم بطن واحد ونحو هذا وبهذا نطق القرآن على لغتهم قال الله عز وجل حاكيا عن هارون بن عمران أخي موسى بن عمران (يبنؤم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني) [طه 94]. ويا (بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلوننى ) [الأعراف 150]. وهما لأب وأم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ ففيه دليل على جواز أمان المرأة وأنها إذا أمنت من أمنت حرم قتله وحقن دمه وأنها لا فرق بينها في ذلك وبين الرجل وإن لم يكن تقاتل وعلى هذا مذهب جمهور الفقهاء بالحجاز والعراق مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم والثوري والأوزاعي وأبي ثور وأحمد بن حنبل وأسحاق وداود وغيرهم وقال عبد الملك بن الماجشون أمان المرأة موقوف على جواز الإمام فإن أجازه جاز وإن رده رد لأنها ليست ممن يقاتل ولا ممن لها سهم في الغنيمة واحتج من ذهب هذا المذهب بأن أمان أم هانئ لو كان جائزا على كل حال دون إذن الإمام ما كان علي ليريد قتل من لا يجوز قتله لأمان من يجوز أمانه فلو كان أمانها جائزا لقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمنته أنت أو غيرك فلا يحل قتله فلما قال لها قد أمنا من أمنت وأجرنا من أجرت كان ذلك دليلا على أن أمان المرأة موقوف على إجازة الإمام أو رده واحتج الآخرون وهم الأكثرون من العلماء بأن عليا وغيره لم يكن يعلم إلا ما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من علم دينه ألا ترى إلى قول بن عمر بعث إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن لا نعلم شيئا فإنما نفعل كما رأيناه يفعل ويحتمل قوله عليه السلام قد أجرنا من أجرت أي في حكمنا وسنتنا إجازة من أجرته أنت ومثلك ولم يحتج إلى قوله لها أو مثلك من النساء لأنه كان على خلق عظيم وأراد تطييب نفسها بإسعافها في رغبتها وإن كانت قد صادفت حكم الله في ذلك والدليل على صحة هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ويرد عليهم أقصاهم وهم يد على من سواهم ومعنى قوله تتكافأ دماؤهم يريد أن شريفهم يقتل بوضيعهم إذا شملهم الإسلام وجمعهم الإيمان والحرية وفي ذلك دليل على أن الكفار لا تتكافأ دماؤهم لقوله المسلمون تتكافأ دماؤهم وهذا موضع اختلف فيه العلماء ليس هذا موضع ذكره ومعنى قوله يسعى بذمتهم أدناهم أن كل مسلم أمن من الحربيين أحدا جاز أمانه دنيئا كان أو شريفا رجلا كان أو امرأة عبدا كان أو حرا وفي هذا حجة على من لم يجز أمان المرأة. وأمان العبد ومعنى قوله ويرد عليهم أقصاهم يريد السرية إذا خرجت من العسكر فغنمت أبعدت في خروجها في ذلك ولم تبعد ترد ما غنمت عليها وعلى العسكر الذي خرجت منه لأن به وصلت إلى ما وصلت إليه ومعنى قوله وهم يد على من سواهم أن أهل الحرب إذا نزلوا بمدينة أو قرية من قرى المسلمين فواجب على جماعة المسلمين أن يكونوا يدا واحدة على الكفار حتى ينصرفوا عنهم إلا أن يعلموا أن بهم قوة على مدافعتهم فيكون حينئذ مدافعتهم ندبا وفضلا لا واجب فرض ومما يدل على صحة ما ذهب إليه جمهور العلماء في جواز أمان المرأة مع قوله عليه السلام ويسعى بذمتهم أدناهم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أم هانئ هذا من رواية الحميدي عن بن عيينة عن بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي مرة عن أم هانئ وقد ذكرناه في هذا الباب وفيه فقلت يا رسول الله إني أجرت (حموين لي) وإن بن أمي عليا أراد قتلهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس ذلك له قد أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت وفي قوله في هذا الحديث ليس ذلك له دليل على صحة ما قلنا وبالله التوفيق ويدل على ذلك أيضا ما رواه إبراهيم النخعي عن الأسود عن عائشة قالت إن كانت المرأة لتجير على المسلمين فيجوز وحديث عمرو بن مرة عن أبي البختري عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذمة المسلمين واحدة وإن جارت عليهم جارية فلا تخفروها فإن لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة وقد ذكرنا إسناد هذين الحديثين في التمهيد وروى الوليد بن رباح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يجير على المسلمين أدناهم وقد ذكرنا إسناده أيضا في التمهيد وروى مالك عن عبد الله بن دينار عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع لكل غادر لواء يوم القيامة الحديث. وأما اختلاف العلماء في أمان العبد فقال مالك والشافعي وأصحابهما والثوري والأوزاعي والليث بن سعد وأحمد وأسحاق وأبو ثور وداود أمانه جائز قاتل أو لم يقاتل وهو قول محمد بن الحسن. وقال أبو حنيفة أمانه غير جائز إلا أن يقاتل وهو قول أبي يوسف وروي عن عمر معناه والحجة فيما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم مما أوردنا في هذا الباب والحمد لله. وأما قول أم هانئ في الحديث وذلك ضحى ففيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى وليس في قول عائشة في هذا الباب. 327- ما سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط وإني لأستحبها ما يرد برواية من روى شيئا عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الضحى لأن من لم يعلم ليس بشاهد ولا يحتج بمن لا علم له فيما يوجد علمه عند غيره ولكن قولها ذلك يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل الضحى في بيتها قط وليس أحد من الصحابة إلا وقد فاته من علم السنن ما وجد عند غيره من هو أقل ملازمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أوضحنا هذا المعنى في غير هذا الموضع وقولها سبحة الضحى تعني صلاة الضحى والسبحة الصلاة النافلة قال الله عز وجل (فلولا أنه كان من المسبحين) [الصافات 143]. وقال أهل العلم بالتأويل من المصلين إلا أن السبحة إنما لزمت صلاة النافلة في الأغلب وقد روي شعبة عن (عمرو بن مرة) عنه بن أبي ليلى قال ما خبرنا أحدا أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الضحى غير أم هانئ وفي رواية أبي صالح مولى أم هانئ عن أم هانئ قالت لما كان عام الفتح اغتسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى ثماني ركعات فلم يره أحد صلاهن بعد وهذا يدل على صحة قول عائشة في صلاة الضحى وقال عبد الله بن الحارث سألت وحرصت على أن أجد أحدا يحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الضحى فسألت عن ذلك والصحابة متوافرون فلم أجد أحدا غير أم هانئ. وحدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم فتح مكة فأمر بما يوضع له فاغتسل ثم صلى في بيتها ثماني ركعات وذكر تمام الخبر على ما في التمهيد قال عبد الله بن الحارث فحدثت به بن عباس فقال إن كنت لأمر على هذه الآية (يسبحن بالعشى والإشراق) [ص 18]. فهذه صلاة الإشراق فهذه الآثار كلها تدل على أن قول عائشة ما سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط هو الأغلب من أمره وأنه لم يصلها في بيتها والله أعلم وفي صلاة الضحى آثار معلومة كثيرة منها حديث أبي ذر يصبح على كل سلامى بن آدم صدقة فإماطة الأذى عن الطريق صدقة والتسليم على من لقيت صدقة والأمر بالمعروف صدقة والنهي عن المنكر صدقة وذكر الصلاة والصوم والحجة والتسبيح والتحميد والتكبيركل ذلك صدقة ثم قال يجزئ أحدكم من ذلك ركعتا الضحى وهذا أبلغ شيء في فضل صلاة الضحى وحديث أبي ذر أيضا أوصاني خليلي بثلاث لا ندعهن إن شاء الله أبدا صلاة الضحى وصيام ثلاثة أيام من كل شهر والوتر قبل النوم وعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وقد ذكرنا الأسانيد عنهم بذلك في التمهيد وذكرنا هناك أيضا حديث سهل بن معاذ الجهني عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل صلاة الضحى وحديث نعيم بن همار قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يقول الله عز وجل يا بن آدم صل لى في أول النهار أربع ركعات أكفك آخره حملوه على الضحى كما فعلوا في صلاته صلى الله عليه وسلم لعتبان بن مالك وقد ذكر ذلك مالك وسيأتي في بابه إن شاء الله تعالى وروى الأعمش عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صل صلاة الضحى فإنها صلاة الأوابين ومن حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من حافظ على صلاة الضحى غفرت ذنوبه ومن حديث زيد بن أرقم قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل قباء وهم يصلون الضحى فقال صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا أبو بكر محمد بن عمير بن إسماعيل قال حدثنا يحيى بن أيوب بن بادي حدثنا حامد بن يحيى البلخي قال حدثنا سفيان وجرير ويعلى بن عبيد ووكيع عن عبيدة بن معتب عن إبراهيم عن بن منجاب عن قزعة عن القرثع الضبي عن أبي أيوب الأنصاري قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى أربع ركعات عند زوال الشمس فسألته عن ذلك فقال يا أبا أيوب إن أبواب الجنة تفتح عند زوال الشمس فأحب أن يصعد لي في تلك الساعة خير قال قلت يا رسول الله أتفصل بينهما بكلام أو بسلام قال لا. وأما الصحابة فمنهم من كان يصلي الضحى ومنهم من لم يصلها ذكر بن عيينة عن إسماعيل عن الشعبي قال سمعت بن عمر يقول ما صليت الضحى منذ أسلمت وقال أبو إسحاق السبيعي عن التيمي سألت بن عمر عن صلاة الضحى فقال أو للضحى صلاة قال بن عمر ما صلاهما أبو بكر ولا عمر وما أخال النبي صلى الله عليه وسلم صلاها وقال عبيدة لم يخبرني أحد أنه رأى بن مسعود يصلي الضحى وكان علقمة لا يصلي الضحى وقال إبراهيم كانوا يصلون الضحى ويدعون ويكرهون أن يدعوها كالمكتوبة وصلاها بن عباس وسعيد بن المسيب والضحاك وجماعة ذكرهم بن أبي شيبة وغيره وكذلك التابعون في ذلك مختلفون منهم من كان يصليها ومنهم من لم يصلها. وأما عائشة فكانت تصليها ثماني ركعات. 328- وقالت - لو نشر لي أبواي ما تركتهن وبالله التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل.
|