كتاب أذكار النّكاح وما يتعلّق به
باب ما يقوله من جاء يخطب امرأةً من أهلها لنفسه أو لغيره
يُستحبّ أن يبدأ الخاطبُ بالحمد للّه والثناء عليه والصَّلاة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ويقول: أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُه جئتكم راغباً في فتاتِكم فُلانة أو في كريمتِكم فُلانة بنت فلان أو نحو ذلك.
1/701 روينا في سنن أبي داود وابن ماجه وغيرهما، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "كُلُّ كَلامٍ" وفي بعض الروايات "كُلُّ أمْرٍ لا يُبْدأُ فِيه بالحَمْد لِلَّهِ فَهُوَ أجْذَمُ" وروي "أقْطَعُ" وهما بمعنى. هذا حديث حسن. وأجذم بالجيم والذال المعجمة ومعناه: قليل البركة. (1)
2/702 وروينا في سنن أبي داود والترمذي، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: "كُلُّ خطْبَةٍ لَيْسَ فِيها تَشَهُّدٌ فَهِيَ كاليَدِ الجَذْماءِ" قال الترمذي: حديث حسن. (2)
باب عرض الرجل بنته وغيرها ممن إليه تزويجها على أهلِ الفضلِ والخير ليتزوجُوها
1/703 روينا في صحيح البخاري؛ أن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه لما تُوفي زَوْجُ بنته حفصة رضي اللّه عنهما قال: لقيتُ عثمان فعرضتُ عليه حفصةَ فقلتُ: إن شئتَ أنكحتُك حفصة بنتَ عمر، فقال: سأنظر في أمري، فلبثتُ ليالي ثم لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوّج يومي هذا، قال عمر: فلقيتُ أبا بكر الصديق رضي اللّه عنه فقلتُ: إن شئتَ أنكحْتُك حفصةَ بنتَ عمر، فصمتَ أبو بكر رضي اللّه عنه، وذكر تمام الحديث. (3)
بابُ ما يقولُه عند عَقْدِ النِّكَاح
يُستحبُّ أن يخطبَ بين يدي العقد خطبةً تشتملُ على ما ذكرناهُ في الباب الذي قبلَ هذا وتكونُ أطولَ من تلك، وسواء خطبَ العاقدُ أو غيرُه.
وأفضلُها:
1/704 ما روينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وغيرها، بالأسانيد الصحيحة، عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال:
علَّمنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خطبة الحاجة: "الحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وأشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ {يا أيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها، وَبَثَّ مِنْهُما رِجَالاً كَثِيراً وَنِساءً، واتَّقُوا اللَّهَ الذي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ إنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. {يا أيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وأَنْتُمْ مُسْلِمُون} [آل عمران: 102] {يا أيُّهَا الَّذين آمَنوا اتَّقُوا اللَّه وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أعْمالَكُمْ، ويَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيماً} [الأحزاب:71]". هذا لفظ إحدى روايات أبي داود.
وفي رواية له أخرى (4) بعد قوله ورسوله "أرْسَلَهُ بالحَقّ بَشِيراً وَنَذِيراً بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ، مَنْ يُطِعِ اللَّه وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِما فإنَّهُ لا يَضُرُّ
إِلاَّ نَفْسَهُ وَلا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئاً" قال الترمذي: حديث حسن.
قال أصحابنا: ويُستحبُّ أن يقول مع هذا: أُزوِّجك على ما أمر اللّه به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وأقلّ هذه الخطبة: الحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلاةُ على رَسُولِ اللّه صلى اللّه عليه وسلم أُوصِي بِتَقْوَى اللَّهِ، واللّه أعلم. (5)
واعلم أن هذه الخطبة سنّة، لو لم يأتِ بشيء منها صحَّ النكاح باتفاق العلماء. وحكي عن داود الظاهري رحمه اللّه أنه قال: لا يصحّ، ولكن قال .العلماء المحققون: لا تعدّوا خلافَ داود خلافاً معتبراً، ولا ينخرقُ الإِجماعُ بمخالفته، واللّه أعلم.
وأما الزوجُ فالمذهب المختار أنه لا يخطب بشيء، بل إذا قال له الوليّ: زوّجتك فلانة. يقول متصلاً به: قبلتُ تزويجها؛ وإن شاء قال: قبلتُ نكاحَها، فلو قال: الحمد للّه والصلاة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبلتُ، صحَّ النكاحُ، ولم يضرّ هذا الكلام بين الإِيجاب والقبول؛ لأنه فصل يسير له تعلق بالعقد. وقال بعض أصحابنا: يبطلُ به النكاح؛ وقال بعضهم: لا يبطلُ بل يُستحبّ أن يأتي به، والصوابُ ما قدّمناه أنه لا يأتي به ولو خالف فأتى به لا يَبطل النكاح، واللّه أعلم.
بابُ ما يُقالُ للزوج بعدَ عقدِ النِّكاح
السنّة أن يُقال له: باركَ اللّه لك، أو باركَ اللّه عليك، وجمعَ بينكما في خير. ويُستحبُّ أن يُقال لكلّ واحد من الزوجين: بارَك اللّه لكلّ واحدٍ منكما في صاحبه، وجمعَ بينكما في خير.
1/705 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أنس رضي اللّه عنه؛ أن النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن عوف رضي اللّه عنه حين أخبره أنه تزوّج: "بارَكَ اللَّهُ لَكَ". (6)
2/706 وروينا في الصحيح أيضاً أنه صلى اللّه عليه وسلم قال لجابر رضي اللّه عنه حين أخبره أنه تزوّج: "بارَكَ اللَّهُ عَلَيْكَ". (7)
3/707 وروينا بالأسانيد الصحيحة في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه وغيرها، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه؛
أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم كان إذا رفأ الإِنسانُ، أي: إذا تزوّج قال: "بَارَكَ اللَّهُ لك، وبارَكَ عَلَيْكَ، وَجَمَعَ بَيْنَكُما في خَيْرٍ"
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(8)
فصل: ويُكره أن يُقال له بالرِّفاء والبنين، وسيأتي دليلُ كراهته إن شاء اللّه تعالى في كتاب حفظ اللسان في آخر الكتاب. والرِّفاء بكسر الراء وبالمدّ: وهو الاجتماع.
باب ما يقول الزوجُ إذا دخلت عليه امرأتُه ليلة الزِّفاف
يُستحبّ أن يُسَمِّيَ اللَّهَ تعالى، ويأخذَ بناصيتهَا أولَ ما يَلقاها ويقول: بارَك اللَّهَ لكلِّ واحدٍ منَّا في صاحبه، ويقول معه:
1/708 ما رويناه بالأسانيد الصحيحة في سنن أبي داود وابن ماجه وابن السني وغيرها، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي اللّه عنه،
عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: "إِذَا تَزَوَّجَ أحَدُكُمُ امْرأةً أوِ اشْتَرَى خَادماً فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِني أسألُكَ خَيْرَها وَخَيْرَ ما جَبَلْتَها عَلَيْهِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّها وَشَرِّ ما جَبَلْتَها (9) عَلَيْهِ. وَإِذَا اشْتَرَى بَعِيراً فَلْيأْخُذْ بِذِرْوَةِ سِنَامِهِ وَلْيَقُلْ مِثْلَ ذلكَ" وفي رواية "ثُمَّ ليأْخُذْ بِناصِيَتِ
ها وَلْيَدْعُ بالبَرَكَةِ في المَرأة والْخَادِمِ".(10)
باب ما يُقالُ للرجل بعدَ دُخولِ أهلهِ عليه
1/709 روينا في صحيح البخاري وغيره عن أنس رضي اللّه عنه قال: بنى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بزينب رضي اللّه عنها، فأولم بخبز ولحم.. وذكر الحديث في صفة الوليمة وكثرة مَن دُعي إليها. ثم قال: فخرجَ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم فانطلق إلى حجرة عائشة فقال: "السَّلامُ عَلَيْكُمْ أهْلَ البَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ" فقالت: وعليك السلام ورحمة اللّه، كيف وجدتَ أهلك؟ بارك اللّه لك، فتقرَّى حُجَر نسائه كلّهنّ يقولُ لهنّ كما يقول لعائشة، ويقلن له كما قالت عائشة. (11)
بابُ ما يقولُه عندَ الجمَاع
1/710 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما، من طرق كثيرة،
عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: "لَوْ أنَّ أحَدَكُمْ إذَا أتى أهْلَهُ قالَ: بِسْمِ اللّه اللَّهُمَّ جَنِّبْنا الشَّيْطانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطانَ ما رَزَقْتَنا فَقُضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ" وفي رواية للبخاري "لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطانٌ أبَداً"
.(12)
بابُ مُلاعبةِ الرجلِ امرأَتَه وممازحته لها ولطف عبارتِه معها
1/711 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن جابر رضي اللّه عنه قال: قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "تَزَوََّجْتَ بِكْراً أَمْ ثَيِّباً؟ قلت: تَزوّجتُ ثيباً، قال: هَلاَّ تَزَوَّجْتَ بِكْراً تُلاعِبُها وَتُلاعِبُكَ".(13)(البخاري (6387) ، ومسلم (715) (110)"(البخاري (6387) ، ومسلم (715) (110)
2/712 وروينا في كتاب الترمذي وسنن النسائي، عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "أكمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمانَاً أحْسَنُهُمْ خُلُقاً وألْطَفُهُمْ لأهْلِهِ".(14)
بابُ بيان أدبِ الزَّوِجِ مع أصهاره في الكلام
اعلم أنه يستحبّ للزوج أن لا يخاطب أحداً من أقارب زوجته بلفظ فيه ذكر جماع النساء، أو تقبيلهنّ، أو معانقتهنّ، أو غير ذلك من أنواع الاستمتاع بهنَّ، أو ما يتضمن ذلك أو يُستدلّ به عليه أو يفهم منه.
1/713 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عليٍّ رضي اللّه عنه قال: كنت رجلاً مَذَّاءً فاستحييتُ أن أسألَ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم لمكان ابنته منّي، فأمرتُ المقدادَ فسألَه. (15)
بابُ ما يُقال عند الولادة وتألّم المرأة بذلك
ينبغي أن يُكثر من دُعاء الكَرْب الذي قدَّمناه.
1/714 وروينا في كتاب ابن السني عن فاطمة رضي اللّه عنها؛ أنَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما دنا ولادها أمرَ أُمَّ سلمة وزينبَ بنتَ جحشٍ أن يأتيا فيقرآ عندها آية الكرسي، و{إن ربَّكم اللَّهُ} [الأعراف:54] إلى آخر الآية، ويعوّذاها بالمعوّذتين. (16)
بابُ الأَذَان في أُذُنِ المولُود
1/715 روينا في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما، عن أبي رافع رضي اللّه عنه مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال؛ رأيتُ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم أذّن في أُذن الحسين بن عليّ حينَ ولدتهُ فاطمةُ بالصلاة ـ رضي اللّه عنهم ـ قال الترمذي: حديث حسن صحيح. (17)
قال جماعة من أصحابنا: يُستحبّ أن يؤذّن في أُذنه اليمنى ويُقيم الصلاة في أُذنه اليسرى.
2/716 وقد روينا في كتاب ابن السني، عن الحسين بن عليّ رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فأذَّنَ في أُذُنِهِ اليُمْنَى، وأقامَ في أُذُنِهِ اليُسْرَى لَمْ تَضُرّهُ أُمُّ الصّبْيانِ".(18)
بابُ الدعاءِ عندَ تَحنيكِ الطفل
1/717 روينا بالإِسناد الصحيح في سنن أبي داود، عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: كانَ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يُؤتى بالصبيان فيدعو لهم ويحنّكُهم. وفي رواية: فيدعو لهم بالبركة. (19)
2/718 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أسماء بنت أبي بكر رضي اللّه عنها قالت: حملتُ بعبد اللّه بن الزبير بمكة، فأتيتُ المدينةَ فنزلتُ قباءَ فولدتُ بقباءَ، ثم أتيتُ به النَّبي صلى اللّه عليه وسلم، فوضعَه في حِجره ثم دعا بتمرةٍ فمضغَها ثم تفلَ في فِيه، فكانَ أوّل شيء دخل جوفَه ريقُ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ثم حنَّكَه بالتمرة، ثم دعا له وباركَ عليه. (20)
3/719 وروينا في صحيحهما، عن أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه قال: وُلد لي غلامٌ، فأتيتُ به النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم فسمَّاه إبراهيم، وحنَّكه بتمرةٍ، ودعا له بالبركة، هذا لفظ البخاري ومسلم إلا قوله "ودعا له بالبركة" فإنه للبخاري خاصة. (21)