الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى **
*2* وقال محمد بن سعد في((الطبقات)) حدثنا معن بن عيسى، حدثنا معاوية بن صالح، عن أبي فروة، عن ابن عباس أنه سأل كعب الأحبار: كيف تجد نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة؟ قال: نجده ((محمد بن عبد الله، مولده بمكة، ومهاجره إلى طابة، ويكون ملكه بالشام، ليس بفحاش ولا صخاب بالأسواق، ولا يكافئ السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح)). وقال عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي: حدثنا الحسن بن الربيع، حدثنا أبو الأحوص، عن الأعمش، عن أبي صالح قال: قال: كعب نجد مكتوبا ((محمد رسول الله لا فظ ولا غليظ، ولا صخاب بالأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر. وأمته الحمادون يكبرون الله على كل نجد، ويحمدونه في كل منزلة، يأتزرون على أنصافهم، ويتوضؤن على أطرافهم، مناديهم ينادي في جو السماء، صفهم في القتال وصفهم في الصلاة سواء، لهم دوي كدوي النحل، مولده بمكة، ومهاجره بطابة، وملكه بالشام)).(ص 90) قال الدارمي: وأخبرنا زيد بن عوف، حدثنا أبو عوانه، عن عبد الملك بن عمير، عن ذكوان أبي صالح، عن كعب قال: في السطر الأول ((محمد رسول الله، عبدي المختار، لا فظ ولا غليظ، ولا صخاب بالأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، مولده بمكة، وهجرته بطيبة، وملكه بالشام)). وفي السطر الثاني ((محمد رسول الله، أمته الحمادون يحمدون الله في كل حال ومنزلة، ويكبرونه على كل شرف، رعاة الشمس، يصلون الصلاة إذا جاء وقتها ولو كانوا على رأس كناسة، يأتزرون على أوساطهم، ويوضؤن أطرافهم، وأصواتهم بالليل في جو السماء كأصوات النحل)). وقال عاصم بن عمر بن قتادة، عن نملة بن أبي نملة، عن أبيه قال: كانت يهود بني قريظة يدرسون ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتبهم، ويعلمون الولدان صفته واسمه ومهاجره، فلما ظهر حسدوا وبغوا وأنكروا. وذكر أبو نعيم في ((دلائل النبوة)) من حديث سليمان بن سحيم، ورميح بن عبد الرحمن كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه قال: سمعت أبي مالك بن سنان يقول: جئت بني عبد الأشهل يوما لأتحدث فيهم، ونحن يومئذ في هدنة من الحرب، فسمعت يوشع اليهودي يقول: أظل خروج نبي يقال له أحمد يخرج من الحرم فقال له خليفة بن ثعلبة الأشهلي كالمستهزئ به:ما صفته؟ فقال:رجل ليس بالقصير ولا بالطويل، في عينيه حمرة، يلبس الشملة، ويركب الحمار، وهذا البلد مهاجره. قال فرجعت إلى قومي بني خدرة وأنا يومئذ أتعجب مما يقول يوشع، فأسمع رجلا منا يقول: هذا وحده يقوله؟ ! كل يهود يثرب تقول هذا، قال أبي: فخرجت حتى جئت يهود بني قريظة، فتذاكروا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الزبير بن باطا: قد طلع الكوكب الأحمر الذي يطلع إلا بخروج نبي وظهوره، ولم يبق أحد إلا أحمد، هذه مهاجره، قال أبو سعيد: فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أخبره أبي هذا الخبر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((لو أسلم الزبير وذووه من رؤساء يهود لأسلمت يهود كلها إنما هم لهم تبع)). وقال النضر بن سلمة حدثنا يحيى بن إبراهيم، عن صالح بن محمد عن أبيه، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن محمد بن مسلمة قال: لم يكن في بني عبد الأشهل إلا يهودي واحد يقال له: يوشع، فسمعته يقول وإني لغلام: قد أظلكم خروج نبي يبعث من نحو هذا البيت، ثم أشار بيده إلى نحو بيت الله الحرام، فمن أدركه فليصدقه، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمنا، وهو بين أظهرنا، ولم يسلم حسدا وبغيا. قال النضر: وحدثنا عبد الجبار بن سعيد، عن أبي بكر بن عبد الله العامري، عن سليم بن يسار، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: ما كان في الأوس والخزرج(ص 91) رجل أوصف لمحمد من أبي عامر الراهب، كان يألف اليهود ويسائلهم عن الدين، ويخبرونه بصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن هذه دار هجرته. ثم خرج إلى يهود تيماء فأخبروه بمثل ذلك. ثم خرج إلى الشام فسأل النصارى فأخبروه بصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن مهاجره يثرب، فرجع أبو عامر، وهو يقول: أنا على دين الحنيفية، وأقام مترهبا ولبس المسوح، وزعم أنه على دين إبراهيم، وأنه ينتظر خروج النبي. فلما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة لم يخرج إليه، وأقام على ما كان عليه، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة حسده وبغى ونافق، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد: بم بعثت؟ قال: ((بالحنيفية)) قال: أنت تخلطها بغيرها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتيت بها بيضاء، أين ما كان يخبرك الأحبار من اليهود والنصارى من صفتي))؟ فقال: لست الذي وصفوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كذبت)) فقال: ما كذبت، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ((الكاذب أماته الله وحيدا طريدا)) قال: آمين، ثم رجع إلى مكة، وكان مع قريش يتبع دينهم، وترك ما كان عليه، فلما أسلم أهل الطائف لحق بالشام فمات بها طريدا غريبا. وقال الواقدي: حدثني محمد بن سعد الثقفي وعبد الرحمن بن عبد العزيز في جماعة كل حدثني بطائفة من الحديث، عن المغيرة بن شعبة، أنه دخل على المقوقس، وأنه قال له: إن محمدا نبي مرسل، ولو أصاب القبط والروم اتبعوه، قال المغيرة: فأقمت بالإسكندرية لا أدع كنيسة إلا دخلتها، وسألت أساقفتها من قبطها ورومها عما يجدون من صفة محمد صلى الله عليه وسلم. وكان أسقف من القبط، وهو رأس كنيسة أبي محنس كانوا يأتونه بمرضاهم فيداويهم ويدعو لهم، لم أر أحدا قط لا يصلي الخمس أشد اجتهادا منه، فقلت: أخبرني هل بقي أحد من الأنبياء؟ قال: نعم وهو آخرهم ليس بينه وبين عيسى أحد، وهو نبي قد أمرنا عيسى باتباعه. وهو النبي الأمي العربي اسمه أحمد، ليس بالطويل ولا بالقصير، في عينيه حمرة، وليس بالأبيض ولا بالأدم، يعفي شعره، ويلبس ما غلظ من الثياب، ويجتزي بما لقي من الطعام، سيفه على عاتقه، ولا يبالي من لاقى، يباشر القتال بنفسه، ومعه أصحابه يفدونه بأنفسهم، هم له أشد حبا من أولادهم وآبائهم. يخرج من أرض القرظ، ومن حرم يأتي وإلى حرم يهاجر، إلى أرض مسبخة ونخل، يدين بدين إبراهيم، يأتزر على وسطه، ويغسل أطرافه، ويخص بما لم يخص به الأنبياء قبله. وكان النبي يبعث إلى قومه ويبعث إلى الناس كافة، وجعلت له الأرض مسجدا وطهورا أينما أدركته الصلاة تيمم وصلى، ومن كان قبلهم مشدد عليهم لا يصلّون إلا في الكنائس والبيع. (ص 92) وقال الطبراني: حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا عبد الله بن رجاء، حدثنا المسعودي عن نفيل بن هشام بن سعيد بن زيد، عن أبيه، عن جده سعيد بن زيد، أن زيد بن عمرو وورقة بن نوفل خرجا يلتمسان الدين حتى انتهيا إلى راهب بالموصل، فقال لزيد: من أين أقبلت؟ قال: من بيت إبراهيم، قال: وما تلتمس؟ قال: التمس الدين، قال: ارجع فإنه يوشك أن يظهر الذي تطلب في أرضك، فرجع وهو يقول: لبيك حقا حقا تعبدا ورقا. وقال ابن قتيبة في كتاب ((الأعلام)): حدثني يزيد بن عمرو، حدثنا العلاء بن الفضل، حدثني أبي، عن أبيه عبد الملك ابن أبي سوية، عن أبي سوية، عن أبيه خليفة ابن عبدة المنقري، قال: سألت محمد بن عدي: كيف سماك أبوك عدي محمدا؟ قال: أما إني قد سألت أبي عما سألتني عنه، فقال: خرجت رابع أربعة من بني تميم، أنا أحدهم، ومجاشع بن دارم، ويزيد بن عمرو بن ربيعة، وأسامة بن مالك بن جندب، نريد ابن جفنة الغساني. فلما قدمنا الشام نزلنا على غدير فيه شجرات، وقربه ديراني فأشرف علينا، وقال: إن هذه اللغة ما هي لأهل هذه البلد، قلنا: نعم نحن قوم من مضر، قال: من أي المضريين؟ قلنا: من خندف، قال: أما أنه سيبعث فيكم وشيكا نبي فسارعوا إليه، وخذوا بحظكم منه ترشدوا، فإنه خاتم النبيين، واسمه محمد، فلما انصرفنا من عند ابن جفنة الغساني، وصرنا إلى أهلنا، ولد لكل رجل منا غلام فسماه محمدا. وقال الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، قال: ((دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكنيسة، فإذا هو بيهود، وإذا بيهودي يقرأ عليهم التوراة فلما أتوا على صفة النبي صلى الله عليه وسلم أمسكوا، وفي ناحيتها رجل مريض، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما لكم أمسكتم))؟ قال المريض: إنهم أتوا على صفة نبي فأمسكوا، ثم جاء المريض يحبو حتى أخذ التوراة فقرأ حتى أتى على صفة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هذه صفتك وصفة أمتك: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ثم مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: خذوا أخاكم)). وقال محمد بن سعد: حدثنا محمد بن عمر، قال: حدثني سليمان بن داود بن الحصين، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب، قال: لما قدم تبع المدينة، ونزل بقباء بعث إلى أحبار اليهود فقال: إني مخرب هذا البلد حتى لا تقوم بها يهودية ويرجع الأمر إلى العرب، فقال له شموال اليهودي وهو يومئذ أعلمهم: أيها الملك إن هذا بلد يكون إليه مهاجر نبي من بني إسماعيل، مولده بمكة، اسمه أحمد، وهذه دار هجرته، وإن منزلك هذا الذي أنت به يكون به من القتل والجراح كثير في أصحابه وفي (ص 93) عدوهم، قال تبع: ومن يقاتله يومئذ وهو نبي كما تزعمون؟ قال: يسير إليه قومه فيقتتلون هاهنا، قال: فأين قبره؟ قال: بهذا البلد، قال: فإذا قوتل لمن تكون الدائرة؟ قال: تكون له مرة وعليه مرة، وبهذا المكان الذي أنت به تكون عليه ويقتل أصحابه قتلا لم تقتلوه في موطن، ثم تكون له العاقبة ويظهر فلا ينازعه هذا الأمر أحد، قال: وما صفته؟ قال: رجل ليس بالطويل ولا بالقصير، في عينيه حمرة، يركب البعير، ويلبس الشملة، سيفه على عاتقه، لا يبالي من لاقى من أخ أو ابن عم أو عم حتى يظهر أمره، قال تبع: ما إلى هذه البلدة من سبيل، وما يكون خرابها على يدي، فخرج تبع منصرفا إلى اليمين، قال يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه:لم يمت حتى صدق بالنبي صلى الله عليه وسلم، لما كان يهود يثرب يخبرونه، وإن تبع مات مسلما. وقال محمد بن سعد: حدثنا محمد بن عمر، حدثني عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، قال: كان الزبير بن باطا وكان أعلم اليهود، يقول: إني وجدت سفرا، كان أبي يكتمه علي، فيه ذكر أحمد نبي يخرج بأرض القرظ، صفته كذا وكذا، فتحدث به الزبير بعد أبيه، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث بعد، فما هو إلا أن سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم قد خرج بمكة، فعمد إلى ذلك السفر فمحاه وكتم شأن النبي صلى الله عليه وسلم وصفته، وقال: ليس به. قال محمد بن عمر: وحدثني الضحاك بن عثمان، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب، عن ابن عباس قال: كان يهود قريظة والنضير وفدك وخيبر يجدون صفة النبي صلى الله عليه وسلم عندهم قبل أن يبعث، وإن دار هجرته المدينة، فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت أحبار يهود: ولد أحمد الليلة، هذا الكوكب قد طلع، فلما تنبأ قالوا: تنبأ أحمد، قد طلع الكوكب، كانوا يعرفون ذلك، ويقرون به، ويصفونه، فما منعهم إلا الحسد والبغي. وقال محمد بن سعد: أخبرنا علي بن محمد، عن أبي عبيدة بن عبد الله، وعبد الله بن محمد بن عمار بن ياسر وغيره، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: سكن يهودي بمكة يبيع بها تجارات، فلما كانت ليلة ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مجلس من مجالس قريش: هل كان فيكم من مولود هذه الليلة؟ قالوا: لا نعلمه، قال: انظروا يا معشر قريش وأحصوا ما أقول لكم، ولد هذه الليلة نبي هذه الأمة، أحمد، وبه شامة بين كتفيه فيها شعرات، فتصدع القوم من مجالسهم وهم يعجبون من حديثه، فلما صاروا في منازلهم ذكروه لأهاليهم. فقيل لبعضهم: ولد لعبد الله بن عبد المطلب الليلة غلام وسماه محمداً، فأتوا اليهودي في منزله فقالوا: علمت أنه ولد فينا غلام، فقال: أبعد خبري أم قبله؟ فقالوا: قبله واسمه أحمد، قال: فاذهبوا بنا إليه، فخرجوا حتى أتوا أمه فأخرجته (ص 94) إليهم، فرأى الشامة في ظهره، فغشي على اليهودي ثم أفاق، فقالوا: مالك؟ ويلك! فقال: ذهبت النبوة من بني، إسرائيل وخرج الكتاب من أيديهم، فازت العرب بالنبوة، أفرحتم يا معشر قريش؟ ! أما والله ليسطون بكم سطوه يخرج نبؤها من المشرق إلى المغرب. قال ابن سعد: وأخبرنا على بن محمد، عن علي بن مجاهد، عن محمد بن إسحاق، عن سالم مولى عبد الله بن مطيع، عن أبي هريرة، قال: ((أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدارس، فقال: أخرجوا إلى أعلمكم، فقالوا: عبد الله بن صوريا. فخلا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فناشده بدينه، وبما أنعم الله عليهم وأطعمهم من المن والسلوى، وظللهم من الغمام، أتعلم أني رسول الله؟ قال: اللهم نعم، وإن القوم ليعرفون ما أعرف، وإن صفتك ونعتك لمبين في التوراة ولكن حسدوك، قال: فما يمنعك أنت؟ قال: أكره خلاف قومي، عسى أن يتبعوك ويسلموا فأسلم)). وقال أبو الشيخ الأصبهاني: حدثنا أبو يحيى الرازي، حدثنا سهل بن عثمان، حدثنا علي بن مسهر، عن داود، عن الشعبي، قال: قال عمر بن الخطاب: كنت آتي اليهود عند دراستهم التوراة فأعجب من موافقة التوراة للقرآن، وموافقة القرآن للتوراة، فقالوا: يا عمر ما أحد أحب إلينا منك لأنك تغشانا، قلت: إنما أجيء لأعجب من تصديق كتاب الله بعضه بعضا، فبينا أنا عندهم ذات يوم إذ مر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذا صاحبك، فقلت: أنشدكم الله وما أنزل عليكم من الكتاب، أتعلمون أنه رسول الله، فقال سيدهم: قد نشدكم الله فأخبروه، فقالوا: أنت سيدنا فأخبره، فقال: إنا نعلم أنه رسول الله، قلت: فإني أهلككم إن كنتم تعلمون أنه رسول الله، لِم لم تتبعوه؟ ! قالوا: إن لنا عدوا من الملائكة، وسلما من الملائكة، عدونا جبريل، وهو ملك الفظاظة والغلظة، وسلمنا ميكائيل وهو ملك الرأفة واللين. قلت: فإني أشهد ما يحل لجبريل أن يعادي سلم ميكائيل، ولا لميكائيل أن يعادي سلم جبريل، ولا أن يسالم عدوه، ثم قمت، فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((ألا أقرئك آيات نزلت علي قبل، فتلا وذكر أبو نعيم من حديث عمرو بن عبسة قال: رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية، وعرفت أنها على الباطل، يعبدون الحجارة وهي لا تضر ولا تنفع، فلقيت رجلا من أهل الكتاب، فسألته عن أفضل الدين؟ فقال: يخرج رجل من مكة، ويرغب عن آلهة قومه، يأتي بأفضل الدين، فإذا سمعت به فاتبعه، فلم يكن لي هم إلا مكة آتيها فأسأل: هل حدث فيها خبر؟ فيقولون: لا، فأنصرف إلى أهلي وأعترض الركبان، فأسألهم، فيقولون: لا فإني لقاعد إذ مر بي راكب، فقلت: من أين (ص 95) جئت؟ قال: من مكة، قلت: هل حدث حدث فيها؟ قال: نعم، رجل رغب عن آلهة قومه، ودعا إلى غيرها، قلت: صاحبي الذي أريد، فشددت راحلتي، وجئت، فأسلمت. وقال عبد الغني بن سعيد: حدثنا موسى بن عبد الرحمن، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، وعن مقاتل، عن الضحاك، عن ابن عباس: أن ثمانية من أساقفة نجران قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم ((العاقب)) و((السيد)) فأنزل الله تعالى: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم) الآية، فقالوا: أخرنا ثلاثة أيام، فذهبوا إلى بني قريظة والنضير وبني قينقاع، فاستشاروهم فأشاروا عليهم أن يصالحوه ولا يلاعنوه، وهو النبي الذي يجده في التوراة والإنجيل، فصالحوا النبي صلى الله عليه وسلم على ألف حلة في صفر، وألف حلة في رجب ودراهم. وقال يونس بن بكير: عن قيس بن الربيع، عن يونس بن أبي سالم، عن عكرمة: أن ناسا من أهل الكتاب آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث، فلما بعث كفروا به، فذلك قوله تعالى: *2 وقال ابن سعد: حدثنا محمد بن سعد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن موسى بن يعقوب الزمعي، عن سهل مولى عثمة، أنه كان نصرانيا، وكان يتيما في حجر عمه، وكان يقرأ الإنجيل قال: فأخذت مصحفا لعمي فقرأته، حتى مرت بي ورقة أنكرت كثافتها، فإذا هي ملصقة ففتقتها، فوجدت فيها نعت محمد صلى الله عليه وسلم: ((أنه لا قصير ولا طويل، أبيض بين كتفيه خاتم النبوة، يكثر الاحتباء، ولا يقبل الصدقة، ويركب الحمار والبعير، ويحتلب الشاة، ويلبس قميصا مرقعا، وهو من ذرية إسماعيل، اسمه: أحمد)): قال فجاء عمي فرأي الورقة فضربني، وقال: مالك وفتح هذه الورقة؟ فقلت: فيها نعت النبي أحمد، فقال: إنه لم يأت بعد. وقال وهب: ((أوحى الله إلى شعيا أني مبتعث نبيا أفتح به آذانا صما وقلوبا غلفا، أجعل السكينة لباسه، والبر شعاره، والتقوى ضميره، والحكمة معقولة، والوفاء والصدق طبيعته، والعفو والمغفرة والمعروف خلقه، والعدل سيرته، والحق شريعته، والهدى أمامه، والإسلام ملته، وأحمد اسمه، أهدي به بعد الضلالة، وأعلم به بعد الجهالة، وأكثر به بعد القلة، وأجمع به بعد الفرقة، وأولف به بين قلوب مختلفة وأهواء متشتتة وأمم مختلفة، وأجعل أمته خير أمة، وهم رعاة الشمس، طوبى لتلك القلوب)). وذكر ابن أبي الدنيا من حديث عثمان بن عبد الرحمن: أن رجلا من أهل الشام من النصارى قدم مكة، فأتى على نسوة قد اجتمعن في يوم عيد من أعيادهم(ص 96)، وقد غاب أزواجهن في بعض أمورهم فقال: يانساء تيماء: إنه سيكون فيكم نبي يقال له: أحمد، أيتما امرأة منكن استطاعت أن تكون له فراشا فلتفعل، فحفظت خديجة حديثه. وقال عبد المنعم بن إدريس: عن أبيه، عن وهب، قال في قصة داود، ومما أوحى الله إليه في الزبور: ((يا داود، إنه سيأتي من بعدك نبي يسمى أحمد ومحمد، صادقا سيدا لا أغضب عليه أبدا ولا يغضبني أبدا، قد غفرت له قبل أن يعصيني ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأمته مرحومة. أعطيتهم من النوافل مثل ما أعطيت الأنبياء، وافترضت عليهم الفرائض، التي افترضت على الأنبياء والرسل حتى يأتوني يوم القيامة ونورهم مثل نور الأنبياء، وذلك أني افترضت عليهم أن يتطهروا لكل صلاة، كما افترضت على الأنبياء قبلهم، وأمرتهم بالغسل من الجنابة كما أمرت الأنبياء قبلهم، وأمرتهم بالحج كما أمرت الأنبياء قبلهم، وأمرتهم بالجهاد كما أمرت الرسل قبلهم. يا داود إني فضلت محمدا وأمته على الأمم كلها، أعطيتهم ست خصال لم أعطها غيرهم من الأمم: لا أؤخذهم بالخطأ والنسيان، وكل ذنب ركبوه على غير عمد إذا استغفروني منه غفرته لهم، وما قدموا لآخرتهم من شيء طيبت به أنفسهم عجلته لهم أضعافا مضاعفة أفضل من ذلك، ولهم في المدخور عندي أضعافا مضاعفة أفضل من ذلك. وأعطيتهم على المصائب إذا صبروا واسترجعوا الصلاة والرحمة والهدى فإن دعوني استجبت لهم، يا داود من لقيني من أمة محمد يشهد أن لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي صادقا بها، فهو معي في جنتي وكرامتي، ومن لقيني وقد كذب محمدا أو كذب بما جاء به، واستهزأ بكتابي صببت عليه في قبره العذاب صبا، وضربت الملائكة وجهه ودبره عند منشره في قبره، ثم أدخله في الدرك الأسفل من النار)). *2 وقال عفان: حدثنا همام، عن قتادة، عن زرارة بن أبي أوفى، عن مطرف بن مالك، أنه قال: شهدت فتح تستر مع الأشعري فأصبنا قبر دانيال بالسوين، وكانوا إذا أجدبوا خرجوا فاستسقوا به فوجدوا معه رقعة فطلبها نصراني من الحيرة يسمى: نعيما، فقرأها وفي أسفلها قال همام: فأخبرني بسطام بن مسلم أن معاوية بن قرة قال تذاكرنا الكتاب إلى ما (ص 97) صار، فمر علينا شهر بن حوشب فدعوناه، فقال: على الخبير سقطتم، إن الكتاب كان عند كعب، فلما احتضر قال ألا رجل ائتمنه على أمانة يؤديها؟ قال شهر: فقال ابن عم لي يكنى أبا لبيد: أنا، فدفع إليه الكتاب، فقال: إذا بلغت موضع كذا فاركب قرقورا، ثم أقذف به في البحر، ففعل، فانفرج الماء، فقذفه فيه ورجع إلى كعب فأخبره، فقال: صدقت إنه من التوراة التي أنزلها الله عز وجل. ومن ذلك ((أخبار أمية بن أبي الصلت الثقفي)) ونحن نذكر بعضها: قال الزبير بن بكار: حدثني عمي مصعب، عن مصعب بن عثمان، قال: كان أمية قد نظر في الكتب، وقرأها ولبس المسوح تعبدا، وكان ممن ذكر إبراهيم وإسماعيل والحنفية، وحرم الخمر والأوثان، والتمس الدين، وطمع في النبوة لأنه قرأ في الكتب أن نبيا يبعث من العرب فكان يرجو أن يكون هو. فلما بعث الله محمد صلى الله عليه وسلم، قيل له: هذا الذي كنت تبشر به وتقول فيه، فحسده عدو الله، وقال: أنا كنت أرجو أن أكون هو فأنزل الله عز وجل فيه: كل دين يوم القيامة عند الله إلا دين الحنفية زور * قال الزبير: وحدثني عمر بن أبي بكر المؤملي، قال: كان أمية بن أبي الصلت يلتمس الدين، ويطمع في النبوة، فخرج إلى الشام فمر بكنيسة، وكان معه جماعة من العرب من قريش وغيرهم، فقال أمية: إن لي حاجة في هذه الكنيسة، فانتظروني، فدخل الكنيسة ثم خرج إليهم كاسفا متغيرا، فرمى بنفسه، فأقاموا عليه حتى سرى عنه، ثم مضوا فقضوا حوائجهم، ثم رجعوا فلما صاروا إلى الكنسية، قال لهم: انتظروني، ودخل الكنيسة فأبطأ، ثم خرج أسوأ من حاله الأول، فقال له أبو سفيان بن حرب: قد شققت على رفقتك، فقال: خلوني فإني أرتاد لنفسي، وأطلب لمعادي، وإن ههنا راهبا عالما أخبرني أنه سيكون بعد عيسى ست رجفات، وقد مضت منها خمس، وبقيت واحدة، فخرجت وأنا أطمع أن أكون نبيا وأخاف أن يخطئني فأصابني ما رأيت، فلما رجعت أتيته فقال: قد كانت الرجفة، وقد بعث نبي من العرب، فأيست من النبوة فأصابني ما رأيت إذ فاتني ما كنت أطمع فيه. قال: وقال الزهري: خرج أمية في سفر فنزلوا منزلا فأم أمية وجها، وصعد في كثيب، فرفعت له كنيسة فانتهى إليها، فإذا شيخ جالس، فقال لأمية حين رآه: إنك لمتبوع فمن أين يأتيك رئيك؟ قال: من شقي الأيسر، قال: فأي الثياب (ص 98) أحب إليه أن تلقاه فيها؟ قال السواد، قال: كدت تكون نبي العرب ولست به، هذا خاطر من الجن وليس بملك، وإن نبي العرب صاحب هذا الأمر يأتيه الملك من شقه الأيمن، وأحب الثياب إليه أن يلقه فيها البياض، قال الزهري: وأتى أمية أبا بكر فقال له: يا أبا بكر، عمي الخبر، فهل أحسست شيئا؟ قال: لا والله، قال: قد وجدته يخرج في هذا العام. وقال عمر بن شبة: سمعت خالد بن يزيد يقول: إن أمية وأبا سفيان بن حرب صحباني في تجارة إلى الشام، فذكر نحو الحديث الأول، وزاد فيه، فخرج من عند الراهب وهو ثقيل، فقال له أبو سفيان: إن بك لشرا فما قضيتك؟ قال: خير، أخبرني عن عتبة ابن ربيعة: كم سنه؟ فذكر سنا، قال: أخبرني عن ماله؟ فذكر مالا، فقال له: وضعته، قال أبو سفيان: بل رفعته، فقال: إن صاحب هذا الأمر ليس بشيخ، ولا ذي مال، قال وكان الراهب: أيأسه وأخبره أن الأمر لرجل من قريش. قال الزبير: وحدثني عمر بن أبي بكر المؤملي، قال: حدثني رجل من أهل الكوفة، قال: كان أمية نائما، فجاءه طائران فوقع أحدهما على باب البيت، ودخل الآخر فشق عن قلبه، ثم رده الطائر، فقال له الطائر الآخر: أوعى؟ قال:نعم، قال: أزكى؟ قال: أبى. وقال الزهري: دخل يوما أمية بن أبي الصلت على أخته وهي تهنأ أدمالها، فأدركه النوم فنام على سرير في ناحية البيت، قالت: فانشق جانب من السقف في البيت، وإذا بطائرين قد وقع أحدهما على صدره، ووقف الآخر مكانه، فشق الواقع صدره فأخرج قلبه فشقه، فقال الطائر الآخر للذي على صدره: أوعى؟ قال: وعى، قال: أقبل؟ قال: أبى؟ قال: فرد قلبه في موضعه. ثم مضى فاتبعهما أمية طرفه، وقال: لبيكما لبيكما هاأنا ذا لديكما، لا بريء فاعتذر ولا ذو عشيرة فانتصر، فرجع الطائر فوقع على صدره فشقه حتى أخرج قلبه فشقه، فقال الطائر الأعلى للواقع: أوعى؟ قال: وعى، قال: أقبل؟ قال: أبى، ونهض فاتبعهما أمية بصره فقال: لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما، لا مال لي يغنيني، ولا عشيرة تحميني، فرجع الطائر فوقع على صدره فشقه، ثم أخرج قلبه فشقه فقال الطائر الأعلى: أوعى؟ قال: وعى، قال: أقبل؟ قال: أبى، ونهض فاتبعه أمية بصره، فقال: لبيكما لبيكما هاأنا ذا لديكما، محفوف بالنعم محوط بالذنب، قال فرجع الطائر فوقع على صدره فشقه فأخرج قلبه فشقه، فقال الأعلى: أوعى؟ قال: وعى، قال: أقبل؟ قال: أبى، قال ونهض فاتبعهما طرفه فقال: لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما: إن تغفر أللهم تغفر جما * وأي عبد لك لا ألما ثم انطبق السقف، وجلس أمية يمسح صدره، فقلت: يا أخي! هل تجد شيئا؟ قال: (ص 99) لا، ولكني أجد حرا في صدري، ثم أنشأ يقول: ليتني كنت قبل ما قد بدالي * في قلال الجبال أرعى الوعولا اجعل الموت نصب عينيك واحذر * غولة الدهر إن للدهر غولا وقال مروان بن الحكم: عن معاوية بن أبي سفيان، عن أبي سفيان بن حرب، قال: خرجت أنا وأمية بن أبي الصلت تجارا إلى الشام، فكان كلما نزلنا منزلا أخرج منه سفرا يقرؤه، فكنا كذلك حتى نزلنا بقرية من قرى النصارى، فرأوه فعرفوه وأهدوا له، وذهب معهم إلى بيعتهم، ثم رجع في وسط النهار فطرح نفسه واستخرج ثوبين أسودين فلبسهما. ثم قال: يا أبا سفيان، هل لك في عالم من علماء النصارى إليه تناهي علم الكتب تسأله عما بدا لك؟ قلت: لا، فمضي هو وحده، وجاءنا بعد هدأة من الليل فطرح ثوبيه، ثم انجدل على فراشه، فوالله ما نام ولا قام حتى أصبح وأصبح كئيبا حزينا ما يكلمنا ولا نكلمه، فسرينا ليلتين على ما به من الهم، فقلت له: ما رأيت مثل الذي رجعت به من عند صاحبك؟ قال: لمنقلبي، قلت: وهل لك من منقلب؟ قال: إي والله، لأموتن ولأحاسبن، قلت: فهل أنت قابل أماني؟ قال: على ماذا؟ قلت: على أنك لا تبعث ولا تحاسب، فضحك وقال: بلى والله، لتبعثن ولتحاسبن، ولتدخلن فريق في الجنة وفريق في السعير، قلت: ففي أيهما أنت أأخبرك صاحبك؟ قال: لا علم لصاحبي بذلك في ولا في نفسه فكنا في ذلك ليلتنا يعجب منا ونضحك منه، حتى قدمنا غوطة دمشق، فبعنا متاعنا، وأقمنا شهرين، ثم ارتحلنا حتى نزلنا قرية من قرى النصارى. فلما رأوه جاؤوه وأهدوا له، وذهب معهم إلى بيعتهم، حتى جاءنا مع نصف النهار فلبس ثوبيه الأسودين وذهب حتى جاءنا بعد هدأة من الليل فطرح ثوبيه، ثم رمي بنفسه على فراشه، فوالله ما نام ولا قام حتى أصبح مبثوثا حزينا لا يكلمنا ولا نكلمه، فرحلنا فسرنا ليالي. ثم قال: يا صخر، حدثني عن عتبة بن ربيعة أيجتنب المحارم والمظالم؟ قلت: إي والله، قال: أو يصل الرحم ويأمر بصلتها؟ قلت: نعم، قال: فكريم الطرفين وسيط في العشيرة؟ قلت: نعم، قال: فهل تعلم قرشيا أشرف منه؟ قلت: لا والله، قال: أمحوج هو؟ قلت: لا، بل هو ذو مال كثير، قال: كم أتي له من السنين؟ قلت: هو ابن سبعين أو قد قاربها، قال: فالسن والشرف أزريا به، قلت: والله بل زاده خيرا، قال: هو ذاك. ثم إن الذي رأيت بي إني جئت هذا العالم فسألته عن هذا الذي ينتظر، فقال:رجل من العرب من أهل بيت تحجه العرب فقلت: فينا بيت تحجه العرب قال هو من إخوتكم وجيرانكم من قريش فأصابني شيء ما(ص 100) أصابني مثله إذ خرج من يدي فوز الدنيا والآخرة وكنت أرجو أن أكون أنا هو، فقلت: فصفه لي؟ فقال: رجل شاب حين دخل في الكهولة، بدؤ أمره أنه يجتنب المحارم والمظالم، ويصل الرحم ويأمر بصلتها، وهو كريم الطرفين، متوسط في العشيرة، أكثر جنده من الملائكة، قلت: وما آية ذلك؟ قال: رجفت الشام منذ هلك عيسى ابن مريم عدة رجفات كلها فيها مصيبة، وبقيت رجفة عامة فيها مصيبة، يخرج على أثرها، فقلت: هذا هو الباطل لئن بعث الله رسولا لا يأخذه إلا مسنا شريفا. قال أمية: والذي يحلف به إنه لهكذا، فخرجنا حتى إذا كان بيننا وبين مكة ليلتان أدركنا راكبا من خلفنا، فإذا هو يقول: أصابت الشام من بعدكم رجفة دثر أهلها فيها فأصابتهم مصائب عظيمة، فقال أمية: كيف ترى يا أبا سفيان؟ فقلت: والله ما أظن صاحبك إلا صادقا. وقدمنا مكة ثم انطلقت حتى أتيت أرض الحبشة تاجرا، وكنت فيها خمسة أشهر. ثم قدمت مكة فجاءني الناس يسلمون علي، وفي آخرهم محمد وهند تلاعب صبيانها، فسلم علي ورحب بي، وسألني عن سفري ومقدمي. ثم انطلق فقلت: والله إن هذا الفتى لعجب ما جاءني من قريش أحد له معي بضاعة إلا سألني عنها وما بلغت، والله إن له معي لبضاعة ما هو بأغناهم عنها، ثم ما سألني عنها، فقالت: أوما علمت بشأنه؟ فقلت: - وفزعت - وما شأنه؟ قالت: يزعم أنه رسول الله، فذكرت قول النصراني، فوجمت. ثم قدمت الطائف، فنزلت على أمية فقلت: هل تذكر حديث النصراني؟ قال: نعم، فقلت: قد كان، قال: ومن؟ قلت: محمد بن عبد الله، فتصبب عرقا، فقلت: قد كان من أمر الرجل ما كان فأين أنت منه، فقال: والله لا أومن بنبي من غير ثقيف أبداً. فهذا حديث أبي سفيان عن أمية، وذلك حديثه عن هرقل وهو في صحيح البخاري، وكلاهما من أعلام النبوة المأخوذة عن علماء أهل الكتاب. وذكر الترمذي وغيره من حديث عبد الرحمن بن غزوان، وهو ثقة: أخبرنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبي بكر بن أبي موسى، عن أبيه قال: خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه النبي صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش، فلما أشرفوا على الراهب حطوا عن رحالهم، فخرج إليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت، قال: فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم الراهب حتى إذا جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين. فقال له أشياخ من قريش: ما علمك؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدا، ولا يسجدون إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفيه مثل التفاحة. ثم رجع فصنع لهم طعاما فلما أتاهم به وكان هو في رعية (ص 101) الإبل قال: أرسلوا إليه فأقبل وعليه غمامة تظله، فلما دنى من القوم وجد هم قد سبقوه إلى في الشجرة، فلما جلس مال فيء الشجرة عليه، فقال: انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه، قال: فينا هو قائم عليهم، وهو يناشدهم أن لا يذهبوا به إلى الروم، فإن الروم إن رأوه عرفوه بالصفة فيقتلونه. وإذا بسبعة قد أقبلوا من الروم فاستقبلهم، وقال: ما جاء بكم؟ قالوا: بلغنا أن هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إلا بعث إليه بأناس وإنا قد أخبرنا خبره فبعثنا إلى طريقك هذا فقال: لعل خلفكم أحد هو خير منكم؟ قالوا: إنا قد أخبرنا خبره بطريقك هذا، قال: أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه فهل يستطيع أحد من الناس رده، قالوا: لا، قال: فبايعوه وأقاموا معه، قال: أنشدكم الله أيكم وليه، قالوا: أبو طالب فلم يزل يناشدهم حتى رده، وقد روى محمد بن سعد هذه القصة مطولة. قال ابن سعد: حدثنا محمد بن عمر بن واقد، حدثنا محمد بن صالح، وعبد الله بن جعفر الزبيري، قال محمد بن عمر: وحدثنا ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، قال: لما خرج أبو طالب إلى الشام، وخرج معه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرة الأولى، وهو ابن ثنتي عشرة سنة، فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام وبها راهب يقال له: بحيرا في صومعة له، وكان علماء النصارى يكونون في تلك الصومعة، يتوارثونها عن كتاب يدرسونه. فلما نزلوا على بحيرا وكانوا كثيرا ما يمرون به ولا يكلمهم، حتى إذا كان ذلك العام ونزلوا منزلا قريبا من صومعته قد كانوا ينزلونه قبل ذلك كلما مروا، فصنع لهم طعاما، ثم دعاهم، وإنما حمله على دعائهم أنه رآهم حين طلعوا وغمامة تظل رسول الله صلى الله عليه وسلم من دونهم حتى نزلوا تحت الشجرة. ثم نظر إلى تلك الغمامة أظلت تلك الشجرة، فأخضلت أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استظل تحتها، فلما رأى بحيرا ذلك، نزل من صومعته، وأمر بذلك الطعام فأتي به، وأرسل إليهم وقال: إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش، وأنا أحب أن تحضوره كلكم، ولا تخلفوا أحدا منكم كبيرا ولا صغيرا حرا ولا عبدا فإن هذا شيء تكرموني به، فقال رجل: إن لك لشأنا يا بحيرا، ما كنت تصنع هذا، فما شأنك اليوم؟ ! قال: إني أحب أن أكرمكم، ولكم حق فاجتمع، القوم إليه وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنه في رحالهم تحت الشجرة. فلما نظر بحيرا إلى القوم فلم ير الصفة التي يعرفها ويجدها عنده وجعل ينظر فلا يرى الغمامة على أحد من القوم ويراها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بحيرا يا معشر قريش، لا يتخلفن منكم أحد عن طعامي، قالوا: ما تخلف أحد إلا غلام هو أحدث القوم سنا في رحالهم. فقال: ادعوه ليحضر طعامي، فما أقبح أن تحضروا ويتخلف رجل واحد مع أني أراه من أنفسكم، فقال (ص 102) القوم: هو والله أوسطنا، نسبا وهو ابن أخي هذا الرجل - يعنون أبا طالب - وهو من ولد عبد المطلب، فقال الحارث بن عبد المطلب: والله إن كان بنا للؤم أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا، ثم قام إليه فاحتضنه، وأقبل به حتى أجلسه على الطعام والغمامة تسير على رأسه، وجعل بحيرا يلحظه لحظا شديدا وينظر إلى أشياء في جسده قد كان يجدها عنده في صفته، فلما تفرقوا عن الطعام قام إليه الراهب فقال: يا غلام أسألك بحق اللات والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسألني باللات والعزى، فوالله ما أبغضت شيئا بغضهما، قال: فبالله إلا أخبرتني عما أسألك عنه. قال: سلني عما بدا لك، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عنده، ثم جعل ينظر بين عينيه، ثم كشف عن ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على الصفة التي عنده فقبل موضع الخاتم، وقالت قريش: إن لمحمد عند هذا الراهب لقدراً. وجعل أبو طالب لما يرى من الراهب يخاف على ابن أخيه، فقال الراهب لأبي طالب: ما هذا الغلام منك؟ قال: هو ابني، قال: ما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا؟ قال: فابن أخي، قال: فما فعل أبوه؟ قال: هلك وأمه حبلى به، قال: فما فعلت أمه؟ قال: توفيت قريبا. قال: صدقت، ارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه اليهود، فوالله لئن عرفوا منه ما أعرف ليبغنه عنتا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم، نجده في كتابنا، واعلم أني قد أديت إليك النصيحة. فلما فرغوا من تجارتهم خرج به سريعا، وكان رجال من يهود قد رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرفوا صفته، فأرادوا أن يغتالوه، فذهبوا إلى بحيرا فذكروا له أمره فنهاهم أشد النهي، وقال لهم: أتجدون صفته؟ قالوا: نعم، قال: فما لكم إليه سبيل، فصدقوه وتركوه، ورجع أبو طالب، فما خرج به سفرا بعد ذلك خوفا عليه.
|