الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»
.تفسير الآيات (9- 13): {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12) شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)}{أَمِ اتَّخَذُوا} بل اتخذوا، أي: الكافرون، {مِنْ دُونِهِ} أي: من دون الله، {أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: وليك يا محمد وولي من اتبعك، {وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ} من أمر الدين، {فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} يقضي فيه ويحكم يوم القيامة بالفصل الذي يزيل الريب، {ذَلِكُمُ اللَّهُ} الذي يحكم بين المختلفين هو، {رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.{فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} من مثل خلقكم حلائل، قيل: إنما قال: {من أنفسكم} لأنه خلق حواء من ضلع آدم. {وَمِنَ الأنْعَامِ أَزْوَاجًا} أصنافًا ذكورًا وإناثًا، {يَذْرَؤُكُمْ} يخلقكم، {فِيهِ} أي: في الرحم. وقيل: في البطن. وقيل: على هذا الوجه من الخلقة. قال مجاهد: نسلا بعد نسل من الناس والأنعام. وقيل: {في}، بمعنى الباء، أي: يذرؤكم به. وقيل: معناه يكثركم بالتزويج. {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} {مثل} صلة، أي: ليس هو كشيء، فأدخل المثل للتوكيد، كقوله: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به} [البقرة- 137]، وقيل: الكاف صلة، مجازه: ليس مثله شيء. قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس له نظير. {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.{لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} مفاتيح الرزق في السموات والأرض. قال الكلبي: المطر والنبات. {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} لأن مفاتيح الرزق بيده، {إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.قوله عز وجل: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ} بَيَّن وسن لكم، {مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} وهو أول أنبياء الشريعة. قال مجاهد: أوصيناك وإياه يا محمد دينًا واحدًا. {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} من القرآن وشرائع الإسلام، {وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} واختلفوا في وجه الآية: فقال قتادة: تحليل الحلال وتحريم الحرام. وقال الحكم: تحريم الأمهات والبنات والأخوات.وقال مجاهد: لم يبعث الله نبيًا إلا وصاه بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والإقرار لله بالطاعة له، فذلك دينه الذي شرع لهم.وقيل: هو التوحيد والبراءة من الشرك. وقيل: هو ما ذكر من بعد، وهو قوله: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} بعث الله الأنبياء كلهم بإقامة الدين والألفة والجماعة وترك الفرقة والمخالفة.{كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} من التوحيد ورفض الأوثان ثم قال: {اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ} يصطفي إليه من عباده من يشاء، {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} يقبل إلى طاعته..تفسير الآيات (14- 15): {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14) فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)}{وَمَا تَفَرَّقُوا} يعني أهل الأديان المختلفة، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: يعني أهل الكتاب كما ذكر في سورة المنفكين. {إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ} بأن الفرقة ضلالة ولكنهم فعلوا ذلك، {بَغْيًا بَيْنَهُمْ} أي: للبغي، قال عطاء: يعني بغيًا بينهم على محمد صلى الله عليه وسلم، {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ} في تأخير العذاب عنهم، {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} وهو يوم القيامة، {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} بين من آمن وكفر، يعني أنزل العذاب بالمكذبين في الدنيا، {وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ} يعني اليهود والنصارى، {مِنْ بَعْدِهِمْ} من بعد أنبيائهم، وقيل: من بعد الأمم الخالية. وقال قتادة: معناه من قبلهم أي: من قبل مشركي مكة. {لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} أي: من محمد صلى الله عليه وسلم.{فَلِذَلِكَ فَادْعُ} أي: فإلى ذلك كما يقال دعوت إلى فلان ولفلان، وذلك إشارة إلى ما وصى به الأنبياء من التوحيد، {وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} اثبت على الدين الذي أمرت به، {وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ} أي: آمنت بكتب الله كلها، {وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ} أن أعدل بينكم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: أمرت أن لا أحيف عليكم بأكثر مما افترض الله عليكم من الأحكام. وقيل: لأعدل بينكم في جميع الأحوال والأشياء، {اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} يعني: إلهنا واحد، وإن اختلفت أعمالنا، فكل يجازى بعمله، {لا حُجَّةَ} لا خصومة، {بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} نسختها آية القتال، فإذا لم يؤمر بالقتال وأمر بالدعوة لم يكن بينه وبين من لا يجيب خصومة، {اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا} في المعاد لفصل القضاء، {وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}..تفسير الآيات (16- 18): {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16) اللَّهُ الَّذِي أَنزلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (18)}{وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ} يخاصمون في دين الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم. وقال قتادة: هم اليهود قالوا: كتابنا قبل كتابكم، ونبينا قبل نبيكم، فنحن خير منكم، فهذه خصومتهم. {مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ} أي: استجاب له الناس فأسلموا ودخلوا في دينه لظهور معجزته، {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ} خصومتهم باطلة، {عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} في الآخرة. {اللَّهُ الَّذِي أَنزلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ} قال قتادة، ومجاهد، ومقاتل: سمي العدل ميزانًا لأن الميزان آلة الإنصاف والتسوية. قال ابن عباس رضي الله عنهما: أمر الله تعالى بالوفاء، ونهى عن البخس {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} ولم يقل قريبة لأن تأنيثها غير حقيقي، ومجازه: الوقت. وقال الكسائي: إتيانها قريب. قال مقاتل: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الساعة وعنده قوم من المشركين، قالوا تكذيبًا: متى تكون الساعة؟ فأنزل الله هذه الآية: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا} ظنًا منهم أنها غير آتية، {وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ} أي: خائفون، {مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ} أنها آتية لا ريب فيها، {أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ} يخاصمون، وقيل: تدخلهم المرية والشك، {فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ}..تفسير الآيات (19- 20): {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19) مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نزدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)}قوله عز وجل: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: حفي بهم. قال عكرمة: بار بهم. قال السدي: رفيق. قال مقاتل: لطيف بالبر والفاجر حيث لم يهلكهم جوعًا بمعاصيهم، يدل عليه: قوله: {يرزق من يشاء} [البقرة- 212]، وكل من رزقه الله من مؤمن وكافر وذي روح فهو ممن يشاء الله أن يرزقه. قال جعفر الصادق: اللطف في الرزق من وجهين: أحدهما: أنه جعل رزقك من الطيبات، والثاني: أنه لم يدفعه إليك بمرة واحدة. {وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ}. {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ} الحرث في اللغة: الكسب، يعني: من كان يريد بعمله الآخرة، {نزدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} بالتضعيف بالواحد عشرة إلى ما شاء الله من الزيادة، {وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا} يريد بعمله الدنيا، {نُؤْتِهِ مِنْهَا} قال قتادة: أي: نؤته بقدر ما قسم الله له، كما قال: {عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد} [الإسراء- 18]. {وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} لأنه لم يعمل للآخرة.أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي، أخبرنا أبو طاهر الزيادي، أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال، حدثنا أبو الأزهر أحمد بن منيع العبدي، حدثنا محمد بن يوسف الفريابي، حدثنا سفيان عن المغيرة عن أبي العالية عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بشرت هذه الأمة بالسنا والرفعة والنصر والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب»..تفسير الآيات (21- 23): {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نزدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)}قوله عز وجل: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} يعني كفار مكة، يقول: أم لهم آلهة سنوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله؟قال ابن عباس رضي الله عنهما: شرعوا لهم دينًا غير دين الإسلام.{وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ} لولا أن الله حكم في كلمة الفصل بين الخلق بتأخير العذاب عنهم إلى يوم القيامة، حيث قال: {بل الساعة موعدهم} [القمر- 46]، {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} لفرغ من عذاب الذين يكذبونك في الدنيا، {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ} المشركين، {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} في الآخرة.{تَرَى الظَّالِمِينَ} المشركين يوم القيامة، {مُشْفِقِينَ} وجلين، {مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ} جزاء كسبهم واقع بهم، {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}.{ذَلِكَ الَّذِي} ذكرت من نعيم الجنة، {يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فإنهم أهله، {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}.أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة قال: سمعت طاووسًا عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه سئل عن قوله: {إلا المودة في القربى}، قال سعيد بن جبير: قربى آل محمد صلى الله عليه وسلم، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: عجلت، إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة، فقال: إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة.وكذلك روى الشعبي وطاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: {إلا المودة في القربى} يعني: أن تحفظوا قرابتي وتودوتي وتصلوا رحمي. وإليه ذهب مجاهد، وقتادة، وعكرمة، ومقاتل، والسدي، والضحاك، رضي الله عنهم.وقال عكرمة: لا أسألكم على ما أدعوكم إليه أجرًا إلا أن تحفظوني في قرابتي بيني وبينكم، وليس كما يقول الكذابون.وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في معنى الآية: إلا أن تودوا الله وتتقربوا إليه بطاعته، وهذا قول الحسن، قال: هو القربى إلى الله، يقول: إلا التقرب إلى الله والتودد إليه بالطاعة والعمل الصالح.وقال بعضهم: معناه إلا أن تودوا قرابتي وعترتي وتحفظوني فيهم، وهو قول سعيد بن جبير وعمرو بن شعيب.واختلفوا في قرابته قيل: هم فاطمة وعلي وأبناؤهما، وفيهم نزل: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت} [الأحزاب- 33].وروينا عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي»، قيل لزيد بن أرقم: من أهل بيته؟ قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب، حدثنا خالد، حدثنا شعبة عن واقد قال: سمعت أبي يحدث عن ابن عمر عن أبي بكر قال: ارقبوا محمدًا في أهل بيته.وقيل: هم الذين تحرم عليهم الصدقة من أقاربه ويقسم فيهم الخمس، وهم بنو هاشم، وبنو المطلب، الذين لم يتفرقوا في جاهلية ولا في إسلام.وقال قوم: هذه الآية منسوخة وإنما نزلت بمكة، وكان المشركون يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية فأمرهم فيها بمودة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلة رحمه، فلما هاجر إلى المدينة وآواه الأنصار ونصروه أحب الله عز وجل أن يلحقه بإخوانه من الأنبياء عليهم السلام حيث قالوا: {وما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين} [الشعراء- 109] فأنزل الله تعالى: {قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله}، فهي منسوخة بهذه الآية، وبقوله: {قل ما أسئلكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين} [الزمر- 86]، وغيرها من الآيات. وإلى هذا ذهب الضحاك بن مزاحم، والحسين بن الفضل.وهذا قول غير مرضي؛ لأن مودة النبي صلى الله عليه وسلم وكف الأذى عنه ومودة أقاربه، والتقرب إلى الله بالطاعة، والعمل الصالح من فرائض الدين، وهذه أقاويل السلف في معنى الآية، فلا يجوز المصير إلى نسخ شيء من هذه الأشياء.وقوله: {إلا المودة في القربى}، ليس باستثناء متصل بالأول حتى يكون ذلك أجرًا في مقابلة أداء الرسالة، بل هو منقطع، ومعناه: ولكني أذكركم المودة في القربى وأذكركم قرابتي منكم، كما روينا في حديث زيد بن أرقم: «أذكركم الله في أهل بيتي».قوله عز وجل: {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نزدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا} أي: من يزد طاعة نزد له فيها حسنًا بالتضعيف، {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ} للذنوب، {شَكُورٌ} للقليل حتى يضاعفها.
|