الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»
.تفسير الآيات (82- 85): {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82) وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85)}{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ} قال ابن عباس: تاب من الشرك، {وَآمَنَ} ووحد الله وصدقه، {وَعَمِلَ صَالِحًا} أدى الفرائض، {ثُمَّ اهْتَدَى} قال عطاء عن ابن عباس: علم أن ذلك توفيق من الله.وقال قتادة وسفيان الثوري: يعني لزم الإسلام حتى مات عليه.قال الشعبي، ومقاتل، والكلبي: علم أن لذلك ثوابا.وقال زيد بن أسلم: تعلم العلم ليهتدي به كيف يعمل.قال الضحاك: استقام. وقال سعيد بن جبير: أقام على السنة والجماعة. {وَمَا أَعْجَلَكَ} أي: وما حملك على العجلة، {عَنْ قَوْمِكَ} وذلك أن موسى اختار من قومه سبعين رجلا حتى يذهبوا معه إلى الطور، ليأخذوا التوراة، فسار بهم ثم عجل موسى من بينهم شوقا إلى ربه عز وجل، وخلف السبعين، وأمرهم أن يتبعوه إلى الجبل، فقال الله تعالى له: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى} {قَالَ} مجيبا لربه تعالى: {هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي} أي: هم بالقرب مني يأتون من بعدي، {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} لتزداد رضا. {قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ} أي: ابتلينا الذين خلفتهم مع هارون، وكانوا ستمائة ألف، فافتتنوا بالعجل غير اثني عشر ألفا {مِنْ بَعْدِكَ} أي: من بعد انطلاقك إلى الجبل.{وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ} أي: دعاهم وصرفهم إلى عبادة العجل وأضافه إلى السامري لأنهم ضلوا بسببه..تفسير الآيات (86- 87): {فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87)}{فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا} حزينا. {قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا} صدقا أنه يعطيكم التوراة، {أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ} مدة مفارقتي إياكم، {أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ} ن أي: أردتم أن تفعلوا فعلا يجب عليكم به الغضب من ربكم، {فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي} {قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا} قرأ نافع، وأبو جعفر، وعاصم: {بملكنا} بفتح الميم، وقرأ حمزة والكسائي بضمها، وقرأ الآخرون بكسرها، أي: ونحن نملك أمرنا. وقيل: باختيارنا، ومن قرأ بالضم فمعناه بقدرتنا وسلطاننا، وذلك أن المرء إذا وقع في البلية والفتنة لم يملك نفسه.{وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا} قرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر، ويعقوب: {حملنا} بفتح الحاء، وتخفيف الميم. وقرأ الآخرون بضم الحاء وتشديد الميم، أي: جعلونا نحملها وكلفنا حملها، {أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ} من حلي قوم فرعون، سماها أوزارا لأنهم أخذوها على وجه العارية فلم يردوها. وذلك أن بني إسرائيل كانوا قد استعاروا حليا من القبط، وكان ذلك معهم حين خرجوا من مصر.وقيل: إن الله تعالى لما أغرق فرعون نبذ البحر حليهم فأخذوها، وكانت غنيمة، ولم تكن الغنيمة حلالا لهم في ذلك الزمان، فسماها أوزارا لذلك.{فَقَذَفْنَاهَا} قيل: إن السامري قال لهم احفروا حفيرة فألقوها فيها حتى يرجع موسى.قال السدي قال لهم هارون إن تلك غنيمة لا تحل، فاحفروا حفيرة فألقوها فيها حتى يرجع موسى، فيرى رأيه فيها، ففعلوا. قوله: {فَقَذَفْنَاهَا} أي: طرحناها في الحفرة. {فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ} ما معه من الحلي فيها، وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: أوقد هارون نارا وقال: اقذفوا فيها ما معكم، فألقوه فيها، ثم ألقى السامري ما كان معه من تربة حافر فرس جبريل.قال قتادة: كان قد أخذ قبضة من ذلك التراب في عمامته..تفسير الآيات (88- 91): {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) أَفَلا يَرَوْنَ أَلا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا (89) وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91)}{فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ} أي: تركه موسى هاهنا، وذهب يطلبه. وقيل: أخطأ الطريق وضل. قال الله تعالى: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلا} أي: لا يرون أن العجل لا يكلمهم ولايجيبهم إذا دعوه، {وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا} وقيل: إن هارون مر على السامري وهو يصوغ العجل فقال له: ما هذا؟ قال: أصنع ما ينفع ولا يضر فادع لي، فقال هارون: اللهم أعطه ما سألك على ما في نفسه، فألقى التراب في فم العجل وقال كن عجلا يخور فكان كذلك بدعوة هارون.والحقيقة أن ذلك كان فتنة ابتلى الله بها بني إسرائيل. {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ} من قبل رجوع موسى، {يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ} ابتليتم بالعجل، {وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي} على ديني في عبادة الله، {وَأَطِيعُوا أَمْرِي} في ترك عبادة العجل. {قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ} أي لن نزال، {عَلَيْهِ} على عبادته، {عَاكِفِينَ} مقيمين، {حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} فاعتزلهم هارون في اثني عشر ألفا من الذين لم يعبدوا العجل، فلما رجع موسى وسمع الصياح والجلبة وكانوا يرقصون حول العجل، قال للسبعين الذين معه: هذا صوت الفتنة، فلما رأى هارون أخذ شعر رأسه بيمينه ولحيته بشماله..تفسير الآيات (92- 96): {قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلا تَتَّبِعَنِي أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96)}{قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا} أشركوا. {أَلا تَتَّبِعَنِي} أي: أن تتبعني و{لا} صلة أي تتبع أمري ووصيتي، يعني: هلا قاتلتهم وقد علمت أني لو كنت فيهم لقاتلتهم على كفرهم.وقيل: {أن لا تتبعني} أي: ما منعك من اللحوق بي وإخباري بضلالتهم، فتكون مفارقتك إياهم زجرا لهم عما أتوه، {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} أي خالفت أمري. {قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي} أي بشعر رأسي وكان قد أخذ ذوائبه، {إِنِّي خَشِيتُ} لو أنكرت عليهم لصاروا حزبين يقتل بعضهم بعضا، {أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} أي خشيت إن فارقتهم واتبعتك صاروا أحزابا يتقاتلون، فتقول أنت فرقت بين بني إسرائيل {وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} ولم تحفظ وصيتي حين قلت لك اخلفني في قومي، وأصلح أي ارفق بهم ثم أقبل موسى على السامري {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ} ما أمرك وشأنك؟ وما الذي حملك على ما صنعت؟ {يَا سَامِرِيُّ} {قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ} رأيت ما لم يروا وعرفت ما لم يعرفوا.قرأ حمزة والكسائي: {ما لم تبصروا} بالتاء على الخطاب، وقرأ الآخرون بالياء على الخبر.{فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} أي من تراب أثر فرس جبريل، {فَنَبَذْتُهَا} أي ألقيتها في فم العجل.وقال بعضهم: إنما خار لهذا لأن التراب كان مأخوذا من تحت حافر فرس جبريل.فإن قيل: كيف عرفه ورأى جبريل من بين سائر الناس؟.قيل: لأن أمه لما ولدته في السنة التي يقتل فيها البنون وضعته في الكهف حذرا عليه، فبعث الله جبريل ليربيه لما قضى على يديه من الفتنة.{وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ} أي زينت {لِي نَفْسِي}..تفسير الآية رقم (97): {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)}{قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ} أي: ما دمت حيا، {أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ} أي: لا تخالط أحدا، ولا يخالطك أحد، وأمر موسى بني إسرائيل أن لا يخالطوه، ولا يقربوه.قال ابن عباس: لا مساس لك ولولدك، والمساس من المماسة، معناه: لا يمس بعضنا بعضا، فصار السامري يهيم في البرية مع الوحوش والسباع، لا يمس أحدا ولا يمسه أحد، عاقبه الله بذلك، وكان إذا لقي أحدا يقول: {لا مساس}، أي: لا تقربني ولا تمسني.وقيل: كان إذا مس أحدا أو مسه أحد حما جميعا حتى أن بقاياهم اليوم يقولون ذلك، وإذا مس أحد من غيرهم أحدا منهم حما جميعا في الوقت.{وَإِنَّ لَكَ} يا سامري، {مَوْعِدًا} لعذابك، {لَنْ تُخْلَفَهُ} قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: {لَنْ تُخْلَفَهُ} بكسر اللام أي لن تغيب عنه، ولا مذهب لك عنه، بل توافيه يوم القيامة، وقرأ الآخرون بفتح اللام أي لن تكذبه ولن يخلفك الله، ومعناه: أن الله تعالى يكافئك على فعلك ولا تفوته.{وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ} بزعمك، {الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا} أي ظلت ودمت عليه مقيما تعبده، والعرب تقول: ظلت أفعل كذا بمعنى ظللت، ومستُ بمعنى مسست.{لَنُحَرِّقَنَّهُ} بالنار، قرأ أبو جعفر بالتخفيف من الإحراق، {ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ} لنذرينه، {فِي الْيَمِّ} في البحر، {نَسْفًا} روي أن موسى أخذ العجل فذبحه فسال منه دم، لأنه كان قد صار لحما ودما ثم حرقه بالنار، ثم ذراه في اليم، قرأ ابن محيصن: {لنحرقنه} بفتح النون وضم الراء لنبردنه بالمبرد، ومنه قيل للمبرد المحرق. وقال السدي: أخذ موسى العجل فذبحه ثم حرقه بالمبرد، ثم ذراه في اليم..تفسير الآيات (98- 101): {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98) كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلا (101)}{إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} وسع علمه كل شيء. {كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ} من الأمور، {وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا} يعني القرآن. {مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ} أي: عن القرآن، فلم يؤمن به ولم يعمل بما فيه، {فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا} حملا ثقيلا من الإثم. {خَالِدِينَ فِيهِ} مقيمين في عذاب الوزر، {وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلا} أي بئس ما حملوا على أنفسهم من الإثم كفرا بالقرآن..تفسير الآيات (102- 105): {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا عَشْرًا (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا يَوْمًا (104) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105)}{يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} قرأ أبو عمرو {ننفخ} بالنون وفتحها وضم الفاء لقوله: {ونحشر}، وقرأ الآخرون بالياء وضمها وفتح الفاء على غير تسمية الفاعل، {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ} المشركين، {يَوْمَئِذٍ زُرْقًا} والزرقة: هي الخضرة: في سواد العين، فيحشرون زرق العيون سود الوجوه. وقيل: {زُرْقًا} أي عميا. وقيل: عطاشا. {يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ} أي يتشاورون بينهم ويتكلمون خفية، {إِنْ لَبِثْتُمْ} أي ما مكثتم في الدنيا، {إِلا عَشْرًا} أي عشر ليال. وقيل: في القبور. وقيل: بين النفختين، وهو أربعون سنة؛ لأن العذاب يرفع عنهم بين النفختين. استقصروا مدة لبثهم لهول ما عاينوا. قال الله تعالى: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ} أي يتسارون بينهم، {إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً} أوفاهم عقلا وأعدلهم قولا {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا يَوْمًا} قصر ذلك في أعينهم في جنب ما استقبلهم من أهوال يوم القيامة. وقيل: نسوا مقدار لبثهم لشدة ما دهمهم. قوله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا} قال ابن عباس: سأل رجل من ثقيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كيف تكون الجبال يوم القيامة؟ فأنزل الله هذه الآية.والنسف هو القلع، أي: يقلعها من أصلها ويجعلها هباء منثورا..تفسير الآيات (106- 109): {فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا (107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا (108) يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا (109)}{فَيَذَرُهَا} أي: فيدع أماكن الجبال من الأرض، {قَاعًا صَفْصَفًا} أي: أرضا ملساء مستوية لا نبات فيها، والقاع: ما انبسط من الأرض، والصفصف: الأملس.{لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا} قال مجاهد: انخفاضا وارتفاعا.وقال الحسن: العوج: ما انخفض من الأرض، والأمت: ما نشز من الروابي، أي: لا ترى واديا ولا رابية.قال قتادة: لا ترى فيها صدعا ولا أكمة. {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ} أي صوت الداعي الذي يدعوهم إلى موقف القيامة، وهو إسرافيل، وذلك أنه يضع الصور في فيه، ويقول: أيتها العظام البالية والجلود المتمزقة واللحوم المتفرقة هلموا إلى عرض الرحمن.{لا عِوَجَ لَهُ} أي: لدعائه، وهو من المقلوب، أي: لا عوج لهم عن دعاء الداعي، لا يزيغون عنه يمينا وشمالا ولا يقدرون عليه بل يتبعونه سراعا.{وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ} أي: سكنت وذلت وخضعت، ووصف الأصوات بالخشوع والمراد أهلها، {فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا} يعني صوت وطء الأقدام إلى المحشر، والهمس: الصوت الخفي كصوت أخفاف الإبل في المشي. وقال مجاهد: هو تخافت الكلام وخفض الصوت.وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: تحريك الشفاه من غير نطق. {يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ} يعني: لا تنفع الشفاعة أحدا من الناس، {إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} يعني إلا من أذن له أن يشفع، {وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا} يعني: ورضى قوله، قال ابن عباس، يعني: قال لا إله إلا الله وهذا يدل على أنه لا يشفع غير المؤمن.
|