الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مختصر منهاج القاصدين **
الصحبة والأخوة ومعاشرة الخلق ونحو ذلك اعلم أن الألفة ثمرة حسن الخلق، والتفرق ثمرة سوء الخلق، لأن حسن الخلق يوجب التحابب والتوافق، وسوء الخلق يثمر التباغض والتدابر، ولا يخفى ما فى حسن الخلق من الفضل، والأحاديث دالة على ذلك. فقد روى من حديث أبى الدرداء رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن" وأقربكم منى مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً وإن أبغضكم إلىَّ وأبعدكم منى
مجلساً يوم القيامة مساويكم أخلاقاً" وأما المحبة فى الله تعالى، ففى " الصحيحين" من حديث أبى هريرة رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: فى ظله يوم لا ظل إلا ظله" وتفرقا عليه" للمتباذلين فى، وحققت محبتى للمتزاورين فًّى" وفى حديث آخر: الله" واعلم: أن يحب فى الله ويبغض فى الله، فإنك إذا أحببت إنسانا لكونه مطيعاً للَّه، فإذا عصى الله أبغضته فى الله، لأن من أحب لسبب أبغض لوجود ضدده، ومن اجتمعت فيه خصال محمودة ومكروهة، فإنك تحبه من وجه وتبغضه من وجه. فينبغى أن تحب المسلم لأسلامه، وتبغضه لمعصيته، فتكون معه على حالة متوسطة بين الانقباض والاسترسال، فأما ما يجرى منه مجرى الهفوة التى يعلم أنه نادم عليها، فالأولى حينئذ الإغماض والستر، فإذا أصر على المعصية، فلا بد من إظهار أثر البغض بالإعراض عنه والتباعد، وتغليظ القول له على حسب غلظ المعصية وخفتها. فأما المبتدع العامى الذى لا يقدر أن يدعو ولا يخاف الاقتداء به، فأمره أهون، والأولى أن يتلطف به فى النصح، فإن قلوب العوام سريعة التقلب، فإن لم ينفع النصح وكان فى الإعراض عنه تقبيح لبدعته فى عينه، تأكد استحباب الإعراض عنه، وأن علم أن ذلك لا يؤثر لجمود طبعه ورسوخ اعتقاده فى قلبه، فالأعراض عنه أولى، لأن البدعة إذا لم يبالغ فى تقبيحها شاعت بين الخلق وعم فسادها. الثالث: العاصى بفعله لا باعتقاده فأما الذى يفسق فى نفسه بشرب خمر أو زنا أو سرقة أو ترك واجب، فالأمر فيه أخف، ولكنه فى وقت مباشرته إن صودف، وجب منعه بما يمتنع به، فإن كان النصح يرده وكان أنفع له، نصح وإلا أغلط له. فصل في بيان الصفات المشروطة فيمن تختار صحبته روينا عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: خليله فلينظر أحدكم من يخالل" وفى جملة، فينبغى أن يكون فيمن تؤثر صحبته خمس خصال: أن يكون عاقلاً حسن الخلق غير فاسق ولا مبتدع ولا حريص على الدنيا.أما عقل، فهو رأس المال، ولا خير فى صحبة الأحمق، لأنه يريد أن ينفعك فيضرك، ونعنى بالعاقل الذى يفهم الأمور على ما هى عليه، إما بنفسه، وإما أن يكون بحيث إذا أفهم فهم. وأما حسن الخلق، فلابد منه، إذ رب عاقل يغلبه غضب أو شهوة فيطيع هواه فلا خير فى صحبته. وأما الفاسق، فإنه لا يخاف الله، ومن لا يخاف الله تعالى لا يؤمن غائلته ولا يوثق به. وأما المبتدع فيخاف من صحبته بسراية بدعته. قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: عليك بإخوان الصدق تعش فى أكنافهم، فإنهم زينة فى الرخاء وعدة فى البلاء، وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يجيئك ما يقليك منه، واعتزال عدوك، واحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من يخشى الله، ولا تصحب الفاجر فتتعلم من فجوره، ولا تطلعه على سرك، واستشر فى أمرك الذين يخشون الله تعالى. قال يحيى بن معاذ: بئس الصديق تحتاج أن يقول له: اذكرنى فى دعائك، وأن تعيش معه بالمداراة، أو تحتاج أن تعتذر إليه. ودخل جماعة على الحسن وهو نائم، فجعل بعضهم يأكل من فاكهة فى البيت، فقال: رحمك الله، هذا والله فعل الإخوان. وقال أبو جعفر لأصحابه: أيدخل أحدكم يده فى كم أخيه فيأخذ منه ما يريد؟ قالوا: لا، قال: فلستم بإخوان كما تزعمون. ويروى أن فتحاً الموصلي جاء إلى صديق له يقال له: عيسى التمار، فلم يجده فى المنزل، فقال للخادمة: أخرجي لى كيس أخى، فأخرجته، فأخذ منه درهمين، وجاء عيسى إلى منزله فأخبرته الجارية بذلك، فقال: إن كنت صادقة، فأنت حرة، فنظر فإذا هى قد صدقت، فعتقت. في بيان ما على الإنسان لأخيه من الحقوق وأوسطها: القيام بالحوائج من غير سؤال. وأعلاها: تقديم حوائجه على حوائج النفس. وقد كان بعض السلف يتفقد عيال أخيه بعد موته أربعين سنة فيقضى حوائجهم. أخرى الثالث: وينبغى أن يسكت عن كل ما يكرهه واعلم: أنك إن طلبت منزهاً عن كل عيب لم تجد، ومن غلبت محاسنه على مساويه فهو الغاية. وقال ابن المبارك: المؤمن يطلب المعاذير، والمنافق يطلب الزلات. وقال الفضيل: الفتوة: الصفح عن زلات الإخوان. وينبغى أن تترك إساءة الظن بأخيك، وأن تحمل فعله على الحسن مهما أمكن، وقد قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم: واعلم: أن سوء الظن يدعو إلى التجسس المنهى عنه، وأن ستر العيوب والتغافل عنها سيمة أهل الدين. واعلم: أنه لا يكمل إيمان المرء حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وأقل درجات الأخوة أن يعامل أخاه بما يحب أن يعامله به، ولا شك أنك تنتظر من أخيك أن يستر عورتك، وأن يسكت عن مساويك، فلو ظهر لك منه ضد ذلك اشتد عليك فكيف تنتظر منه مالا تعزم عليه له؟ ومتى التمست من الأنصاف مالا تسمح به دخلت فى قول الله تعالى: اكتالوا على الناس يستوفون* وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون} واعلم: أن من أشد الأسباب لإثارة الحقد والحسد بين الإخوان المماراة، ولا يبعث عليها إلا إظهار التميز بزيادة الفضل والعقل واحتقار المردود عليه، ومن مارى اخاه، فقد نسبه إلى الجهل والحمق، أو إلى الغفلة والسهو عن فهم الشىء على ما هو عليه. وكل ذلك استحقار، وهو يوغر الصدر ويوجب المعادة، وهو ضد الأخوة. وفى الصحيح من رواية الترمذى (1) أخاه فليعلمه" ثلاث يصفين لك ود أخيك: تسلم عليه إذا لقيته، وتوسع له فى المجلس، وتدعوه بأحب أسمائه إليك. ومن ذلك أن يثنى عليه بما يعرفه من محاسن أحواله عند من يؤثر الثناء عنده، وكذلك الثناء على أولاده وأهله وأفعاله، حتى فى خلقه وعقله وهيئته وخطه وتصنيفه وجميع ما يفرح به من غير إفراط ولا كذب. وكذلك أن تشكره على صنيعه فى حقك، وأن تذب عنه فى غيبته إذا قصد بسوء، فحق الأخوة التشمير فى الحماية والنصرة. وفى الحديث الصحيح: أحدهما: أن تقدر أن الذى قيل فيه، قد قيل فيك وهو حاضر، فتقول ما تحب أن يقوله. الثانى: أن تقدر أنه حاضر وراء جدار يتسمع عليك، فما تحرك فى قلبك من نصرته فى حضوره ينبغى أن يتحرك فى غيبته. ومن لم يكن مخلصاً فى إخائه فهو منافق. ومن ذلك التعليم والنصيحة، فليس حاجة أخيك إلى العلم بأقل من حاجته إلى المال، وإذا كنت غنياً بالعلم فواسه وأرشده. وينبغى أن يكون نصحك إياه سراً، والفرق بين التوضيح والنصيحة الإعلان والإسرار، كما أن الفرق بين المداراة والمداهنة بالغرض الباعث على الأعضاء، فإن أغضيت لسلامة دينك ولما ترى فيه إصلاح أخيك بالإعضاء، فأنت مدار، وإن أغضيت لحظ نفسك واجتلاب شهواتك وسلامة جاهك فأنت مداهن.ومن ذلك: العفو عن الزلات، فإن كانت زلته فى دينه فتلطف فى نصحه مهما أمكن، ولا تترك زجره ووعظه، فإن أبى فالمصارحة: لنفسك وفى أفراد مسلم من حديث أبى الدرداء، أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل" وأما الدعاء بعد الموت، فقال عمرو بن حريث: إذا دعا العبد لأخيه الميت، أتى بها ملك قبره، فقال: يا صاحب القبر الغريب، هذه هدية من أخ عليك شفيق. الإيمان" واعلم: أن ليس من الوفاء موافقة الأخ فيما يخالف الدين، فقد كان الشافعى رحمه الله آخى محمد بن عبد الحكم، وكان يقربه ويقبل عليه، فلما احتضر قيل له: إلى من نجلس بعدك يا أبا عبد الله؟ فاستشرف له محمد بن عبد الحكم وهو عند رأسه ليومئ إليه فقال: إلى أبى يعقوب البويطى، فانكسر لها محمد، ومع أن محمدا كان قد حمل مذهبه، لكن البويطى كان أقرب إلى الزهد والورع، فنصح الشافعى رحمه الله المسلمين وترك المداهنة، فانقلب ابن الحكم عن مذهبه، وصار من أصحاب مالك. ومن الوفاء أن لا يسمع بلاغات الناس على صديقه، ولا يصادق عدو صديقه. وقال بعض الحكماء: من سقطت كلفته دامت ألفته، ومن تمام هذا الأمر أن ترى الفضل من أكون معهم منزلة الخادم. [جملة من آداب المعاشرة للخلق] ولنذكر فى آخر هذا الباب جملة من آداب المعاشرة للخلق: فمن حسن المعاشرة أن تتوفر من غير ذل لهم ولا خوف منهم، وتتحفظ فى مجالسك من تشبيك أصابعك، وإدخال إصبعك فى أنفك، وكثرة بصاقك، والتثاؤب. أصغ إلى محدثك، ولا تسأله الإعادة، ولا تحدث بإعجابك بولدك وجاريتك، ولا تتصنع تصنع المرأة فى التزيين، ولا تتبذل تبذل العبد. وخوف أهلك فى غير عنف، ولن لهم من غير ضعف. ولا تهازل أمتك وعبدك، فيسقط وقارك، ولا تكثر الالتفات إلي ورائك. ولا تجالس السلطان، فإن فعلت فاحذر الذنوب والغيبة، وصن سره، واحذر المداعبة عنده، وتحفظ من الجشاء بحضرته والتخلل، وإن قربك فكن منه على حذر، وإن استرسل إليك فلا تأمن انقلابه عليك، وارفق به رفقك بالصبى، وكلمة بما يشتهيه، ولا تدخل بينه وبين أهله وحشمه. وإياك وصديق العافية. ولا تجعل مالك أكرم من عرضك. وإذا دخلت مجلساً فأجلس فيما هو أقرب للتواضع.ولا تجلس على الطريق، فإذا جلست فغض البصر، وانصر المظلوم، وأرشد الضال.ولا تبصق فى جهة القبلة ولا عن يمينك، ولكن عن يسارك تحت قدمك اليسرى. واحذر مجالسة العوام، فإن فعلت فعليك بالتغافل عما يجرى من سوء أخلاقهم وترك الخوض فى حديثهم.واحذركثرة المزاح فإن اللبيب يحقد عليك فى المزح، والسفيه يجترئ عليك. حقوق المسلم والرحم والجوار والملك ونحو ذلك فمن حقوق المسلم: أن تسلم عليه إذا لقيته، وتجيبه إذا دعاك، وتشتمه إذا عطس، وتعوده إذا مرض، وتشهد جنازته إذا مات، وتبر قسمه، وتنصح له إذا استنصحك، وتحفظه بظهر الغيب إذا غاب، وتحب له ما تحب لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك. وجميع هذا منقول فى الآثار. ومنها: أن لا تؤذى أحداً من المسلمين بقول ولا فعل، وأن تتواضع للمسلمين، فلا تتكبر عليهم، ولا تسمع بلاغات الناس بعضهم فى بعض، ولا تبلغ بعضهم ما تسمع من بعض. ومنها: أن لا تزيد فى الهجرة على ثلاثة أيام لمن تعرفه، للحديث المشهور فى ذلك. وفى حديث آخر عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: فلقيه فليسلم عليه، فإن رد عليه السلام، فقد اشتركا فى الأجر، وأن لم يرد عليه فقد
برئ المسلم من الهجرة" واعلم: أن هذه الهجرة إنما هى فيما يتعلق بالدنيا، أما حق الدين، فإن هجران أهل البدع والأهواء والمعاصى ينبغى أن تدوم، ما لم تظهر منهم التوبة والرجوع إلى الحق. ومنها: أن يحسن إلى كل من يقدر أن يحسن إليه من المسلمين ما استطاع، وأن لا يدخل على أحد منهم إلا باذنه، ويستأذن ثلاثاً فإن لم يأذن انصرف. ومنها: أن يخالق الناس بخلق حسن، وذلك أن يعامل كلاً منهم بحسب طريقته، فإنه متى لقى الجاهل بالعلم، واللاهى بالفقه، والغبى بالبيان، أذى وتأذى. ومنها: أن يوقر المشايخ، ويرحم الصبيان، وأن يكون مع الخلق كافة طلق الوجه رقيقاً، وأن يفي لهم بالوعد، وينصف الناس من نفسه، ولا يأتى إليهم إلا ما يجب أن يؤتى إليه. قال الحسن: أوحى الله إلى آدم عليه السلام أربع كلمات، وقال: فيهن جماع الأمر لك ولولدك: واحدة لى، وواحدة لك، وواحدة بينى وبينك، وواحدة بينك وبين الخلق. فأما التى لى: فتعبدنى لا تشرك بى شيئاً. وأما التى لك: فعملك أجزيك به أفقر ما تكون إليه. وأما التى بينى وبينك: فعليك الدعاء وعلى الإجابة. وأما التى بينك وبين الناس: فتصحبهم بالذى تحب أن يصحبوك به. ومنها زيادة توقير ذوى الهيئات. ومنها: إصلاح ذات البين، وستر عورات المسلمين. واعلم: أنه من تأمل ستر الله تعالى على العصاة فى الدنيا اقتدى بلطفه، فإنه جعل الشهادة فى الزنى أن يشهد أربعة من العدول أنهم شهدوا ذلك كالميل فى المكحلة، وهذا لا يتفق، ومن هذا أثر كرمه فى الدنيا يرجى منه ذلك فى الآخرة. ومنها: أن يتقى مواضع التهم، صيانة لقلوب الناس عن سوء الظن به، وألسنتهم عن غيبته. ومنها أن يشفع لكل من له حاجة من المسلمين إلى من له عنده منزلة، ويسعى فى قضاء حوائجهم. ومنها: أن يبدأ بالسلام كل مسلم قبل أن يكلمه، ومن السنة المصافحة. فقد روى عن أنس رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: مسلمين التقيا، فأخذ أحدهما بيد صاحبه، إلا كان حقاً على الله عز وجل أن يحضر
دعاءهما، وأن لا يفرق بين أيديهما حتى يغفر لهما" وفى حديث آخر: ومنها: أن يصون عرض أخيه المسلم ونفسه وماله عن ظلم الغير، ويناضل دونه وينصره. ومنها: أنه إذا ابتلى بذي شر، فينبغى أن يجامله ويتقيه، لحديث عائشة رضى الله عنها. وقال محمد بن الحنفية: ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بداً، حتى يجعل الله عز وجل له فرجاً. ومنها: أن يجتنب مخالطة الأغنياء، ويختلط بالمساكين، ويحسن إلى الإتيام. ومنها: عيادة مرضاهم. ومن آداب العائد: أن يضع يده على المريض، يسأله كيف هو، ويخفف الجلوس، ويظهر الرقة، ويدعو له بالعافية، ويغض البصر عن عورات المكان. ويستحب للمريض أن يفعل ما أخرجه مسلم فى أفراده، من حديث عثمان بن أبى العاص رضى الله عنه أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعاً يجده فى جسده منذ أسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من جسدك وقل: بسم الله ثلاثاً، وقل سبع مرات: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما
أجد وأحاذر" وجملة آداب المريض: حسن الصبر، وقلة الشكوى والتضجر، والفزع إلى الدعاء، والتوكل على الله سبحانه. ومنها: أن يشيع جنائزهم، ويزور قبورهم.والمقصود من التشييع: قضاء حق المسلمين، والاعتبار. قال الأعمش: كنا نحضر الجنائز، فلا ندرى من نعزى لحزن القوم كلهم.والمقصود من زيارة القبور: الدعاء، والاعتبار، وترقيق القلب. ومن آداب تشييع الجنائز: المشي، ولزوم الخشوع، وترك الحديث، وملاحظة الميت، والتفكير فى الموت، والاستعداد له. وأما حقوق الجار: فاعلم أن الجوار يقتضى حقاً وراء ما تقتضيه أخوة الإسلام فيستحق ما يستحقه كل مسلم وزيادة، وجاء فى الحديث: له حق واحد. وجار له حقان: فالجار المسلم، له حق الإسلام، وحق الجوار. وأما
الذى له حق واحد: فالجار المشرك" واعلم: انه ليس حق الجوار كف الأذى فقط، بل احتمال الأذى والرفق، وابتداء الخير، وأن يبدأ جاره بالسلام، ولا يطيل مهم الكلام، ويعوده فى المرض، ويعزيه فى المصيبة، ويهنئه فى الفرح، ويصفح عن زلاته، ولا يطلع إلى داره، ولا يضايقه فى وضع الخشب على جداره، ولا فى صب الماء فى ميزابه، ولا فى طرح التراب فى فنائه، ولا يتبعه النظر فيما يحمله إلى داره، ويستر ما ينكشف من عوراته، ولا يتسمع عليه كلامه، ويغض طرفه عن حرمه، ويلاحظ حوائج أهله إذا غاب. وأما حقوق الأقارب والرحم، ففى الحديث الصحيح، من رواية عائشة، أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: وصلنى وصله الله، ومن قطعنى قطعه الله" وفى حديث آخر من أفراد البخارى: الواصل الذى إذا قطعت رحمه وصلها" مادمت على ذلك" وأما حقوق الولد ،فاعلم أنه لما كانت الطباع تميل إلى الولد لم يحتج إلي تأكيد الوصية به، إلا إنه قد يغلب هوى الوالد للولد، فيترك تعليمه وتأديبه. وقد قال الله تعالى: وأما حقوق المملوك، فأن يطعمه ، ويكسوه ، ولا يكلفه ما لا يطيق، ولا ينظر إليه بعين الازدراء، وأن يعفو عن زلله ، وليتذكر الله عند زلل نفسه، فيعفو رجاء أن يعفو الله تعالى عنه.
|