سورة الطارق
مقدمة
روى النسائي عن جابر بن عبد اللّه قال: صلى معاذ المغرب فقرأ البقرة والنساء، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (أفتان أنت يا معاذ؟ ما كان يكفيك أن تقرأ بالسماء والطارق، والشمس وضحاها ونحوها؟) "أخرجه النسائي".
بسم اللّه الرحمن الرحيم.
الآية رقم (1 : 10)
{ والسماء والطارق . وما أدراك ما الطارق . النجم الثاقب . إن كل نفس لما عليها حافظ . فلينظر الإنسان مم خلق . خلق من ماء دافق . يخرج من بين الصلب والترائب . إنه على رجعه لقادر . يوم تبلى السرائر . فما له من قوة ولا ناصر }
يقسم تبارك وتعالى بالسماء، وما جعل فيها من الكواكب النيرة، ولهذا قال تعالى: {والسماء والطارق}، ثم قال: {وما أدراك ما الطارق}، ثم فسَّره بقوله: {النجم الثاقب}. قال قتادة وغيره: إنما سمي النجم طارقاً لأنه يرى بالليل ويختفي بالنهار، ويؤيده ما جاء في الحديث: (إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن). وقوله تعالى: {الثاقب} قال ابن عباس: المضيء، وقال السدي: يثقب الشياطين إذا أرسل عليها، وقال عكرمة: هو مضيء ومحرق للشيطان، وقوله تعالى: {إن كل نفس لّما عليها حافظ} أي كل نفس عليها من اللّه حافظ يحرسها من الآفات، كما قال تعالى: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللّه}، وقوله تعالى: {فلينظر الإنسان مم خلق} تنبيه للإنسان على ضعف أصله الذي خلق منه، وإرشاد له إلى الاعتراف بالمعاد، لأن من قدر على البداءة، فهو قادر على الإعادة بطريق الأولى، كما قال تعالى: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه}، وقوله تعالى: {خلق من ماء دافق} يعني المني يخرج دفقاً من الرجل ومن المرأة، فيتولد منهما الولد بإذن اللّه عزَّ وجلَّ، ولهذا قال: {يخرج من بين الصلب والترائب} يعني صلب الرجل وترائب المرأة وهو صدرها وقال ابن عباس: صلب الرجل وترائب المرأة أصفر رقيق لا يكون الولد إلا منهما، وعنه قال: هذه الترائب ووضع يده على صدره، وعن مجاهد: الترائب ما بين المنكبين إلى الصدر، وعنه أيضاً: الترائب أسفل من التراقي، وقال الثوري: فوق الثديين، وقال قتادة: {يخرج من بين الصلب والترائب} من بين صلبه ونحره، وقوله تعالى: {إنه على رجعه لقادر} فيه قولان: أحدهما على رجع هذا الماء الدافق إلى مقره الذي خرج منه لقادر على ذلك، قاله مجاهد وعكرمة وغيرهما. الثاني إنه على رجع هذا الإنسان المخلوق من ماء دافق، أي إعادته وبعثه إلى الدار الآخرة لقادر، قال الضحّاك واختاره ابن جرير، ولهذا قال تعالى: {يوم تبلى السرائر} أي يوم القيامة تبلى فيه السرائر أي تظهر وتبدو، ويبقى السر علانية والمكنون مشهوراً، وقوله تعالى: {فماله} أي الإنسان يوم القيامة {من قوة} أي في نفسه، {ولا ناصر} أي من خارج منه، أي لا يقدر على أن ينقذ نفسه من عذاب اللّه، ولا يستطيع له أحد ذلك.
الآية رقم (11 : 17)
{ والسماء ذات الرجع . والأرض ذات الصدع . إنه لقول فصل . وما هو بالهزل . إنهم يكيدون كيدا . وأكيد كيدا . فمهل الكافرين أمهلهم رويدا }
قال ابن عباس: الرجع المطر، وعنه: هو السحاب فيه المطر، وقال قتادة: ترجع رزق العباد كل عام، ولولا ذلك لهلكوا وهلكت مواشيهم، {والأرض ذات الصدع} قال ابن عباس: هو انصداعها عن النبات وهو قول ابن جرير وعكرمة والضحّاك والحسن وقتادة والسدي وغيرهم وقوله تعالى: {إنه لقول فصل} قال ابن عباس: حق، وقال غيره: حكم عدل، {وما هو بالهزل} أي بل هو جد حق، ثم أخبر الكافرين بأنهم يكذبون به، ويصدون عن سبيله فقال: {إنهم يكيدون كيداً} أي يمكرون بالناس، في دعوتهم إلى خلاف القرآن، ثم قال تعالى: {فمهل الكافرين} أي أنظرهم ولا تستعجل لهم، {أمهلهم رويداً} أي قليلاً وسترى ماذا أحل بهم، من العذاب والنكال، والعقوبة والهلاك كما قال تعالى: {نمتعهم قليلاً ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ}.