الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير **
من كنانة وكانوا بأسفل مكة على ليلة بناحية يلملم في شوال سنة ثمان وهو يوم الغميصاء وهي عند ابن إسحاق قبل سريته لهدم العزى. وسياق ما قال أذكره لابن سعد قالوا لما رجع خالد بن الوليد من هدم العزى ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقيم بمكة بعثه إلى بني جذيمة داعياً إلى الإسلام ولم يبعثه مقاتلاً فخرج في ثلاثمائة وخمسين رجلاً من المهاجرين والأنصار وبني سليم فانتهى إليهم قال ما أنتم قالوا مسلمون قد صلينا وصدقنا بمحمد وبنينا المساجد في ساحاتنا وأذنا فيها قال فما بال السلاح عليكم قالوا إن بيننا وبين قوم من العرب عداوة فخفنا أن تكونوا هم فأخذنا السلاح قال فضعوا السلاح قال فوضعوه فقال لهم استأسروا فاستأسر القوم فأمر بعضهم فكتف بعضاً وفرقهم في أصحابه فلما كان في السحر نادى خالد من كان معه أسير فليذافه والمذافة الإجهاز عليه بالسيف. فأما بنو سليم فقتلوا من كان في أيديهم.وأما المهاجرون والأنصار فأرسلوا أسراهم فبلغ النبي صلّى الله عليه وسلّم ما صنع خالد فقال " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد " وبعث علي بن أبي طالب فودى لهم قتلاهم وما ذهب منهم ثم انصرف إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبره. وعند ابن إسحاق في هذا الخبر أن خالداً قال لهم ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا فلما وضعوه أمر بهم عند ذلك فكتفوا ثم عرضهم على السيف وقد كان بين خالد وعبد الرحمن بن عوف كلام في ذلك فقال له عبد الرحمن عملت بأمر الجاهلية في الإسلام فقال إنما ثأرت بأبيك فقال عبد الرحمن كذبت قد قتلت قاتل أبي وإنما ثأرت بعمك الفاكه بن المغيرة حتى كان بينهما شر فبلغ ذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال " مهلاً يا خالد دع عنك أصحابي فوالله لو كان لك أحد ذهباً ثم أنفقته في سبيل الله ما أدركت غدوة رجل من أصحابي ولا روحته ". وكان بنو جذيمة قتلوا الفاكه ابن المغيرة وعوف بن عبد عوف قبل ذلك وقتل عبد الرحمن خالد بن هشام قاتل أبيه منهم. قال ابن إسحاق وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس عن الزهري عن ابن أبي حدرد الأسلمي قال كنت يومئذ في خيل خالد بن الوليد فقال لي فتى من بني جذيمة هو في سني وقد جمعت يداه إلى عنقه برمة ونسوة مجتمعات غير بعيد منه يلفتي قلت ما تشاء قال هل أنت آخذ بهذه الرمة فقائدي إلى هذه النسوة حتى أقضي إليهن حاجة ثم تردني بعد فتصنعوا بي ما بدا لكم قال قلت والله ليسير ما طلبت فأخذته برمته فقدته بها حتى وقفته عليهن فقال اسلمي حبيش أريتك إن طالبتكم فوجدتكم بحلية أو ألفيتكم بالخوانق ألم أك أهلاً أن ينول عاشق تكلف إدلاج السرى والودائق فلا ذنب لي قد قلت إذ أهلنا معاً أثيبي بود قبل إحدى الصفائق أثيبي بود قبل أن يشحط النوى وينأى الأمير بالحبيب المفارق أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد المؤمن الصوري بقراءتي عليه بظاهر دمشق قلت له أخبركم الشيخان أبو الفخر أسعد بن سعيد بن روح وأم حبيبة عائشة بنت معمر بن الفاخر في كتابهما إليك من أصبهان فأقر به قالا أخبرتنا أم إبراهيم فاطمة بنت عبد الله الجوزدانية قالت أنا أبو بكر محمد بن عبد الله ببن ريذة قال أنا أبو القاسم الطبراني ثنا أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي ثنا محمد بن حرب المروزي ثنا علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلّى الله عليه وسلّم بعث سرية فغنموا وفيهم رجل فقال لهم إني لست منهم عشقت امرأة فلحقتها فدعوني أنظر إليها ثم اصنعوا بي ما بدا لكم فإذا امرأة طويلة أدماء فقال لها اسلمي حبيش قبل نفاذ العيش: أرأيت لو تبعتكم فلحقتكم بحلية أو أدركتكم بالخوانق أما كان حقاً أن ينول عاشق تكلف إدلاج السرى والودائق قالت نعم فديتك قال فقدموا فضربوا عنقه فجاءت المرأة فوقعت عليه فشهقت شهقة أو شهقتين ثم ماتت فلما قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخبروه الخبر فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم " أما كان فيكم رجل رحيم ". الغميصاء ماء لبني جذيمة. والنفد النفاد مصدر نفد الشيء إذا فني. وحبيش مرخم من حبيشة. وحلية والخوانق موضعان. والودائق جمع وديقة وهي شدة الحر.
وهي غزوة هوازن قال ابن إسحاق: ولما سمعت هوازن برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما فتح الله عليه من مكة جمع مالك بن عوف النصري فاجتمع إليه مع هوازن ثقيف كلها واجتمعت نصر وجشم كلها وسعد بن بكر وناس من بني هلال وهم قليل ولم يشهدها من قيس عيلان إلا هؤلاء غابت عنها فلم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب ولم يشهدها منهم أحد له اسم وفي جشم دريد بن الصمة شيخ كبير ليس فيه شيء إلا التيمن برأيه ومعرفته بالحرب وكان شجاعاً محرباً وفي ثقيف سيدان لهم وفي الأحلاف قارب بن الأسود بن مسعود بن معتب وفي بني مالك ذو الخمار سبيع بن الحرث ابن مالك وأخوه أحمر بن الحرث.وجماع أمر الناس إلى مالك بن عوف النصري فلما أجمع السير إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حط مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم. فلما نزل بأوطاس اجتمع إليه الناس وفيهم دريد بن الصمة فلما نزل قال " بأي واد أنتم " قالوا بأوطاس قال " نعم محل الخيل لا حزن ضرس ولا سهل دهس مالي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ويعار الشاء " قالوا ساق مالك بن عوف النصري مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم. قال " أين مالك " قيل هذا مالك ودعي له فقال " يا مالك إنك قد أصبحت رئيس قومك وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام مالي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ويعار الشاء " قال سقت مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم قال " ولم " قال أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم قال " فانقض به " ثم قال " راعي ضأن والله وهل يرع المنهزم شيء إنها إن كانت لك لمن ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك ". ثم قال " ما فعلت كعب وكلاب " قالوا لم يشهدها منهم أحد قال " غاب الحد والجد لو كان يوم علاء ورفعة لم يغب عنه كعب وكلاب ولوددت أنكم فعلتم كما فعلت كعب وكلاب فمن شهدها منكم " قالوا عمرو بن عامر وعوف بن عامر قال " ذانك الجذعان من عامر لا ينفعان ولا يضران يا مالك إنك لم تصنع بتقديم البيضة بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئاً ارفعهم إلى ممتنع بلادهم وعليا قومهم ثم ألق الصبا على متون الخيل وإن كانت لك لحق بك من وراءك وإن كانت عليك ألقاك ذلك وقد أحرزت أهلك " قال والله لا أفعل إنك قد كبرت وكبر عقلك. والله لتطيعنني يا معشر هوازن أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظاهري وكره أن يكون لدريد فيها ذكر أو رأي قالوا أطعناك فقال دريد ابن الصمة هذا لم اليوم نشهده ولم يفتني: يا ليتني فيها جذع أخب فيها وأضع أقود وطفاء الزمع كأنها شاة صدع ثم قال مالك للناس إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم ثم شدوا شدة رجل واحد وبعث عيوناً من رجاله فأتوه وقد تفرقت أوصالهم قال ويلكم ما شأنكم قالوا رأينا رجالاً بيضاً على خيل بلق والله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى فوالله ما رده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد. ولما سمع بهم نبي الله صلّى الله عليه وسلّم بعث إليهم عبد الله بن حدرد الأسلمي وأمره أن يدخل في الناس فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم ثم يأتيه بخبرهم فانطلق ابن أبي حدرد فدخل فيهم حتى سمع وعلم ما قد أجمعوا له من حرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبره الخبر فلما أجمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم السير إلى هوازن ذكر له أن عند صفوان بن أمية أدراعاً وسلاحاً فأرسل إليه وهو يومئذ مشرك فقال يا أبا أمية أعرنا سلاحك هذا نلق فيه عدونا ليس بهذا بأس فأعطاه مائة درع بما يكفيها السلاح فزعموا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سأله أن يكفيهم حملها ففعل ثم خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه ألفان من أهل مكة مع عشرة آلاف من أصحابه الذين خرجوا معه ففتح الله بهم مكة فكانوا ثني عشر ألفاً. واستعمل عتاب بن أسيد على مكة أميراً ثم مضى يريد لقاء هوازن. قال ابن إسحاق وحدثن عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه جابر بن عبد الله قال لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا في واد من أودية تهامة أجوف حطوط إنما ننحدر فيه انحداراً قال وفي عماية الصبح وكان القوم قد سبقونا إلى الوادي فكمنوا لنا في شعابه وأجنابه ومضايقه وقد أجمعوا تهيئوا وأعدوا فوالله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدوا علينا شدة رجل واحد وانشمر الناس راجعين لا يلوي أحد على أحد وانحاز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات اليمين ثم قال " يا أيها الناس هلم إلي أنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنا محمد بن عبد الله " قال فلا شيء حملت الإبل بعضها على بعض فانطلق الناس إلا أنه قد بقي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نفر من المهاجرين وأهل بيته وفيمن لبث معه من المهاجرين أبو بكر وعمر ومن أهل بيته علي بن أبي طالب والعباس وأبو سفيان بن الحرث وابنه والفضل بن العباس وربيعة بن الحرث وأسامة بن زيد وأيمن بن أم أيمن وقتل يومئذ قال ورجل من هوازن خلفه إذا أدرك طعن برمحه وإذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه فاتبعوه فبينما هو كذلك إذ أهوى إليه علي بن أبي طالب ورجل من الأنصار يريدانه قال فيأتي على من خلفه فيضرب عرقوبي الجمل فوقع على عجزه ووثب الأنصاري على الرجل فضربه ضربة أطن قدمه بنصف ساقه فانجعف عن رحله قال واجتلد الناس فوالله ما رجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأساري مكتفين عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال ابن إسحاق فلما نهزم الناس يعني المسلمين ورأى من كان مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من جفاة أهل مكة الهزيمة تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن فقال أبو سفيان بن حرب لا تنتهي هزيمتهم دون البحر وإن الأزلام لمعه في كنانته وصرخ جبلة بن الحنبل وصوابه ابن هشام كلدة ألا بطل السحر اليوم فقال له صفوان أخوه لأمه وكان بعد مشركاً اسكت فض الله فاك فوالله لئن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن. وروينا عنا بن سعد قال أنا محمد بن عمر ثنا عمر بن عثمان الخزومي عن عبد الملك بن عبيد قال محمد بن عمرو حدثنا خالد بن إلياس عن منصور بن عبد الرحمن الحجبي عن أبيه عن أمه وغيرها قالوا كان شيبة بن عثمان رجلاً صالحاً له فضل وكان يحدث عن إسلامه وما أراد الله به من الخير ويقول ما رأيت أعجب مما كنا من لزوم ما مضى عليه آباؤنا من الضلالات. ثم يقول لما كان عام الفتح ودخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة عنوة قلت أسير مع قريش إلى هوازن بحنين فسعى إن اختلطوا أن أصيب من محمد غرة فأثأر منه فأكون أنا الذي قمت بثأر قريش كلها وأقوللو لم يبق من العرب والجم أحد إلا اتبع محمداً ما تبعته أبداً وكنت مرصداً لما خرجت له لا يزداد الأمر في نفسي إلا قوة فلما اختلط الناس اقتحم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن بغلته وأصلت السيف فدنوت أريد ما أريد منه ورفعت سيفي حتى كدت أسوره فرفع لي شواظ من نار كالبرق كاد يمشحني فوضعت يدي على بصري خوفاً عليه والتفت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فناداني " يا شيب ادن " فدنوت فمسح صدري ثم قال اللهم " أعذه من الشيطان " قال فوالله لهو كان ساعتئذ أحب إليّ من سمعي وبصري ونفسي واذهب الله ما كان فيّ ثم قال " ادن فقاتل " فتقدمت أمامه أضرب بسيفي الله يعلم أني أحب أن أقيه بنفسي كل شيء ولو لقيت تلك الساعة أبي لو كان حياً لأوقعت به السيف فجعلت ألزمه فيمن لزمه حتى تراجع المسلمون وكروا كرة رجل واحد وقربت بغلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاستوى عليها فخرج في أثرهم حتى تفرقوا في كل وجه ورجع إلى معسكره فدخل خباءه فدخلت عليه ما دخل عليه غيري حباً لرؤية وجهه وسروراً به فقال " يا شيب الذي أراد الله بك خير مما أردت بنفسك " ثم حدثني بكل ما أضمرت في نفسي مما لم أكن أذكره لأحد قط قال فقلت فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ثم قلت استغفر لي فقال لي " غفر الله لك ". قال ابن إسحاق وحدثني الزهري عن كثير بن العباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال إني لمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آخذ بحكمة بغلته وقد شجرتها بها قال وكنت امرأً جسيماً شديد الصوت قال ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول حين رأى ما رأى من الناس " إلى أين أيها الناس " قال فلم أر الناس يلوون على شيء فقال " يا عباس اصرخ يا معشر الأنصار يا معشر الأنصار السمرة " فأجابوا لبيك قال فيذهب الرجل ليثني بعيره فلا يقدر على ذلك فيأخذ دعه فيقذفها في عنقه ويأخذ سيفه وترسه ويقتحم عن بعيره ويخلي سبيله ويؤم الصوت حتى ينتهي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة استقبلوا الناس فاقتتلوا فكانت الدعوى أول ما كانت يا للأنصار ثم خلصت أخيراً يا للخزرج وكانوا صبراً عند الحرب فأشرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ركائبه فنظر إلى مجتلد القوم وهم يجتلدون فقال الآن " حمي الوطيس ". وزاد غيره " أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب " وفي صحيح مسلم ثم أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حصيات فرمى بها وجوه الكفار ثم قال انهزموا ورب محمد ثم قال فما هو إلا أن رماهم فما زلت أرى حدهم كليلاً وأمرهم مدبراً. ومن رواية أخرى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب الأرض ثم استقبل بها وجوههم فقال شاهت الوجوه فما خلق الله منهم إنساناً إلا ملأ عينيه تراباً بتلك القبضة فولوا مدبرين. قال ابن إسحاق: وحدثني إسحاق بن يسار أنه حدث عن جبير بن مطعم قال لقد رأيت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون ومثل البجاد الأسود أقبل من السماء حتى سقط بيننا وبين القوم فنظرت فإذا ثمل أسود مبثوث قد ملأ الوادي لم أشك أنها الملائكة ولم يكن إلا هزيمة القوم. قال ابن إسحاق ولما انهزمت هوازن استحر القتل من ثقيف في بني مالك فقتل منهم سبعون رجلاً. ولما انهزم المشركون أتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف وعسكر بعضهم بأوطاس وتوجه بعضهم نحو نخلة وبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في آثار من توجه قبل أوطاس أبا عامر الأشعري فأدرك من الناس بعض من انهزم فناوشوه القتال فرمى بسهم فقتل فأخذ الراية أبو موسى الأشعري وهو ابن عمه فقاتلهم ففتح الله عليه وهزمهم الله فيزعمون أن لمة بن دريد هو الذي رمى أبا عامر فقتله. وقال ابن سعد قتل أبو عامر منهم تسعة مبارزة ثم برز العاشر معلماً بعمامة صفراء فضرب أبا عامر فقتله واستخلف أبو عامر أبا موسى الأشعري فقاتلهم حتى فتح الله عيه وقتل قاتل أبي عامر فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم " اللهم اغفر لأبي عامر واجعله من أعلى أمتي في الجنة " ودعا لأبي موسى أيضاً وقتل من المسلمين أيضاً أيمن بن عبيد هو ابن أم أيمن وسراقة بن الحارث ورقيم بن ثعلبة بن زيد بن لوذان وعند ابن إسحاق يزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد جمح به فرس يقال له الجماح فقتل. واستحر القتل في بني نصر بن معاوية ثم في بني رئاب فذكر ذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال " اللهم اجبر مصيبتهم ". وقف مالك بن عوف على ثنية من الثنايا حتى مضى ضعفاء أصحابه وتتامّ آخرهم ثم هرب فتحصن في قصر يليه ويقال دخل حصن ثقيف. وأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالسبي والغنائم ثم تجمع فجمع ذلك كله وحذروه إلى الحعرانة فوقف بها إلى أن انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الطائف وهم في حظائر لهم يستظلون بها من الشمس. وكان السبي ستة آلاف رأس والإبل أربعة وعشرون ألفاً والغنم أكثر من أربعين ألف شاة وأربعة آلاف أوقية فضة فاستأنى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالسبي أن يقدم عليه وفدهم وبدأ بالأموال فقسمها وأعطى المؤلفة قلوبهم أول الناس فأعطى أبا سفيان بن حرب أربعين أوقية ومائة من الإبل قال ابني يزيد قال " اعطوه أربعين أوقية ومائة من الإبل " قال ابني معاوية قال " اعطوه أربعين أوقية ومائة من الإبل " وأعطى حكيم ابن حزام مائة من الإبل ثم سأله مائة أخرى فأعطاه وأعطى النضير بن الحارث ابن كلدة مائة من الإبل وأعطى أسيد بن جارية الثقفي مائة من الإبل وأعطى العلاء بن جارية الثقفي خمسين بعيراً وأعطى مخرمة بن نوفل خمسين بعيراً وأعطى الحارث بن هشام مائة من الإبل وأعطى سعيد بن يربوع خمسين من الإبل وأعطى صفوان بن أمية مائة من الإبل وأعطى قيس بن عدي مائة من الإبل وأعطى عثمان بن وهب خمسين من الإبل وأعطى سهيل بن عمرو مائة من الإبل وأعطى حويطب بن عبد العزى مائة من الإبل وأعطى هشام بن عمرو العامري خمسين من الإبل وأعطى الأقرع بن حابس التميمي مائة من الإبل وأعطى عيينة ابن حصان مائة من الإبل فقال في ذلك شعراً فأعطاه مائة من الإبل ويقال خمسين. وإعطاء ذلك كله من الخمس وهو أثبت الأقاويل عندنا ثم أمر زيد بن ثابت بإحصاء الناس والغنائم ثم فضها على الناس فكانت سهمانهم لك لرجل أربعاً من الإبل أو أربعين شاة فإن كان فارساً أخذ اثني عشر بعيراً أو عشرين ومائة شاة وإن كان معه أكثر من فرس واحد ولم يسهم له. قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن أبي سعيد الخدري وقال لما أعطى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أعطى من تلك العطايا في قريش وفي قبائل العرب ولم يكن في الأنصار منها شيء وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت منهم القالة حتى قال قائلهم لقي والله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قومه فدخل عليه سعد بن عبادة فقال يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاماً في قبائل العرب ولم يكن في هذا الحين من الأنصار منها شيء قال " فأين أنت من ذلك يا سعد " فقال يا رسول الله ما أنا إلا من قومي قال " فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة " قال فجاء رجال المهاجرين فتركهم فدخلوا وجاء آخرون فردهم فلما اجتمعوا له أتى سعد فقال قد اجتمع لك وهذا الحي من الأنصار فأتاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال " يا معشر الأنصار ما قالة بلغتني عنكم وجدة وجدتموها علي في أنفسكم ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله بي وعالة فأغناكم الله وأعداءً فألف الله بين قلوبكم " قالوا بلى الله ورسوله أمن وأفضل ثم قال " ألا تجيبونني يا معشر الأنصار " قالوا بماذا نجيبك يا رسول الله لله ولرسوله المن والفضل قال " أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم أتيتنا مكذباً فصدقناك ومخذولاً فنصرناك وطريداً فآويناك وعئلاً فآسيناك أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم أ ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ولو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار " قال فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا رضينا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم قسماً وحظاً. ثم انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتفرقوا وقدمت الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى أخت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الرضاعة فقالت يا رسول الله إني أختك قال " وما علامة ذلك " قالت عضة عضضتنيها في ظهري وأنا متوركتك قال فعرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العلامة فبسط لها رداءه وأجلسها عليه وخيرها وقال " إن أحببت فعندي محبة ومكرمة وإن أحببت أن أمتعك وترجعي إلى قومك فعلت " قالت بل تمتعني وتردني إلى قومي ففعل فزعمت بنو سعد أنه أعطاها غلاماً له يقال له مكحل وجارية فزوجت إحداهما الآخرة فلم يزل فيهم من نسلها بقية. وقال أبو عمر فأسلمت فأعطاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاثة أعبد وجارية ونعماً وشاءً. وسماها حذافة وقال الشيماء لقب.
وقدم وفد هوازن على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهم أربعة عشر رجلاً ورأسهم زهير بن صرد وفيهم أبو برقان عمر سول الله صلّى الله عليه وسلّم من الرضاعة فسألوه أن يمن عليهم بالسبي فقال " أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم " قالوا ما كنا نعدل بالأحساب شيئاً فقال " أما مالي ولبني عبد المطلب فهو لكم وسأسأل لكم الناس " فقال المهاجرون والأنصار ما كان لنا فهو لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال الأقرع بن حابس أما أنا وبنو تميم فلا وقال عيينة بن حصن أما أنا وبنو فزارة فلا وقال العباس بن مرداس أما أنا وبنو سليم فلا فقالت بنو سليم ما كان لنا فهو لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال العباس بن مرداس وهنتموني وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم " إن هؤلاء القوم جاءوا مسلمين وقد كنت استأنأت سبيهم وقد خيرتهم فلم يعدلوا بالأبناء والنساء شيئاً فمن كان عنده منهن شيء فطابت نفسه أن يرده فسبيل ذلك ومن أبى فليرد عليهم وليكن ذلك فرضاً علينا ست فرائض من أول ما يفيء الله علينا " قالوا رضينا وسلمنا فردوا عليهم نساءهم وأبناءهم ولم يتخلف منهم أحد غير عيينة بن حصن فإنه أبى أن يرد عجوزاً صارت في يديه منهم ثم ردها بعد ذلك وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد كسى السبي قبطية قبطية. أخبرنا أبو عبد الله بن أبي الفتح المقدسي سماعاً بالزعيزعية بمرج دمشق قال أنا أبو الفخر أسعد بن سعيد بن روح الصالحاني وأم حبيبة عائشة بنت الحافظ أبي أحمد معمر بن الفاخر الأصبهانيان إجازة منهما قالا أخبرتنا أم إبراهيم فاطمة بنت عبد الله بن أحمد بن القاسم بن عقيل الجوزدانية قال الأول سماعاً وقالت الثانية حضوراً قالت أنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن ريذة قال أنا أبو القاسم الطبراني ثنا أبو عمرو بن طارق وكان قد أتت عليه مائة وعشرون سنة قال سمعت أبا جرول زهير بن صرد الجشمي يقول لما أسرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم حنين يوم هوازن وذهب يفرق السبي والشاء أتيته فأنشأت أقول هذا الشعر: أمتن علينا رسول الله في كرم فإنك المرء نرجوه وننتظر امتن علي بيضة قد عاقها قدر مشتت شملها في دهرها غير أبقت لنا الدهر هتافاً على حزن على قلوبهم الغماء والغمر إن لم تداركهم نعماء تنشرها يا أرجح الناس حلماً حين يختبر امتن على نسوة قد كنت ترضعها إذ فوك تملأها من محضها الدرر إذ أنت طفل صغير كنت ترضعها وإذ يزينك ما تأتي وما تذر لا تجعلنا كمن شالت نعامته واستبق منا فإنا معشر زهر إنا لنشكر النعماء إذ كفرت وعندنا بعد هذا اليوم مدخر فألبس العفو من قد كنت ترضعه من أمهاتك إن العفو مشتهر فاعلف عفا الله عما أنت راهبه يوم القيامة إذ يهدى لك الظفر قال فملا سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم هذا الشعر قال " ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم " وقالت قريش ما كان لنا فهو لله ولرسوله وقالت الأنصار ما كان لنا فهو لله ولرسوله. قال الطبراني لا يروى عن زهير ب صرد بهذا التمام إلا بهذا الإسناد تفرد به عبيد الله بن رماحس. ومما قيل من الشعر في يوم حنين قول العباس بن مرداس السلمي: عفى مجدل من أهله فمتالع ** فمطلي أريك قد خلا فالمصانع ديار لنا يا جمل إذ جل عيشنا ** رخى وصرف الدهر للحي جامع حبيبة ألوت بها غربة النوى ** لبين فهل ماض من العيش راجع فإن تتبع الكفار غير ملومة ** فإني وزير للنبي وتابع دعانا إليه خير وقد علمتهم ** خزيمة والمرار منهم وواسع فجئنا بألف من سليمن عليهم ** لبوس لهم من نسج داود رائع نبايعه بالأخشبين وإنما ** يد الله بين الأخشين نبايع فجسنا مع المهدي مكة عنوة ** بأسيافنا والنقع كاب وساطع صبرنا مع الضحاك لا يستفزنا ** قراع الأعادي منهم والوقائع أمام رسول الله يخفق فوقنا لواء ** كخذروف السحابة لامع عشية ضحاك بن سفيان معتص ** بسيف رسول الله والموت كانع نذود أخانا عن أخينا ولو نرى ** مصالاً لكنا الأقربين نتابع ولكن دين الله دين محمد ** رضينا به فيه الهدى والشرائع أقام به بعد الضلالة أمرنا ** وليس لأمر حمه الله دافع وقوله: ما بال عينك فيها عائر سهر ** مثل الحماطة أغضى فوقها الشفر عين تأوبها من شجوها أرق ** فالماء يغمرها طوراً وينحدر كأنهم نظم در عند ناظمه ** تقطع السلك منه فهو منتبر يا بعد منزل من ترجو مودته ** ومن أتى دونه الصمان والحقر دع ما تقدم من عهد الشباب فقد ** ولى الشباب وزار الشيب والذعر إلا سوامح كالعقيان مقربة ** في دارة حولها الأخطار والعكر يدعى خفاف وعوف في جوانبها ** وحي ذكوان لا ميل ولا ضجر الضاربون جنود الشرك ضاحية ** ببطن مكة والأرواح تبتدر حتى رفعنا وقتلاهم كأنهم ** نخل بظاهرة البطحاء منقعر ونحن يوم حنين كان مشهدنا ** للدين عزاً وعند الله مدخر إذ نركب الموت مخضراً بطائنه ** والخيل ينجاب عنها ساطع كدر تحت اللوامع والضحاك يقدمنا ** كما مشى الليث في غاباته الخدر في مأزق من مكر الحرب كلكلها ** يكاد يأفل منه الشمس والقمر وقد صبرنا بأوطاس أسنتنا ** لله ننصر من شئنا وننتصر حتى تأوب أقوام منازلهم ** لولا المليك ولولا نحن ما صدروا فما ترى معشراً قلوا ولا كثروا ** إلا وأصبح منا فيهم أثر قال وتركت من شعر العباس ما يبدو فضله ويستحسن مثله إيثاراً للاختصار والله الموفق. حنين بن قانية بن مهلايل هو الذي ينسب إليه الموضع.وهي غزوة حنين وهوازن وأوطاس سميت بأوطاس باسم الموضع الذي كانت فيه الوقعة أخيراً حيث اجتمع فلالهم وتوجه إليهم أبو عامر الأشعري كما سبق. والوطيس التنور وفي هذه الغزوة قال عليه السلام " الآن حمي الوطيس " حين استعرت الحرب وهي من الكلم التي لم يسبق إليها صلّى الله عليه وسلّم وكذلك قوله عليه السلام في غير هذه الوقعة " يا خيل الله اركبي " وقوله " فانقض به أي صوت بلسانه في فيه من النقيض " وهو الصوت. وقوله " راعي ضأن يجهله بذلك ". وفرار من كان معه عليه السلام يوم حنين قد أعقبه رجوعهم إليه سرعة وقتالهم معه حتى كان الفتح ففي ذلك نزلت " ويوم حنين قال عليه السلام " من قتل قتيلاً فله سلبه " فصار حكماً مستمراً.وقتل أبو طلحة يومئذ عشرين وأخذ أسلابهم. وفي هذه المسألة خلاف بين العلماء ليس هذا موضع ذكره. وفي خبر جبير بن مطعم عن رؤيته الملائكة رأيت مثل البجاد من النمل والبجاد الكساء وقد قال غيره يومئذ رأيت رجالاً بيضاً على خيل بلق فكانت الملائكة. والبغلة التي كان عليها النبي صلّى الله عليه وسلّم يومئذ هي المسماة فضة التي أهداها له فروة بن نفاثة. والمجدل القصر وهو في هذا البيت اسم علم لمكان. ومطلاء يمد ويقصر وهي أرض تعقل الرجل عن المشي.وحذروف السحاب أراد به البرق الذي في السحاب. وكانع حاضر نازل. والضحاك بن سفيان كانت بيده راية سليم يوم حنين. قال البرقي ليس هو الضحاك بن سفيان الكلابي إنما هو الضحاك بن سفيان السلمي. وفي رواية وقوله نذود أخانا البيت يريد أنه من سليم وسليم من قيس كما أن هوازن من قيس كلاهما ابن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس.ومعناه نقاتل إخوتنا ونذودهم عن إخوتنا من سليم ولو ترى في حكم الدين مصالاً مفعلاً من الصولة لكنا مع الأقربين يريد هوازن. والحماطة من ورق الشجر ما فيه خشونة. والعاير كالشيء ينخس في العين لأنه يعورها. والسهر الرجل لأنه لما لم يفتر عنه فكأنه سهر ولم ينم. والصمان والحقر موضعان.وقوله لا يغرسون فسيل النخل يعني أهل المدينة يعيرهم بذلك. والمقربة الخيل التي قربت مرابطها. والأخطار جمع خطر وهو القطيع الضخم من الإبل. والعكر ما فوق الخمسمائة من الإبل. ضاحية كل شيء نواحيه البارزة. والظاهرة من الأرض ما غلظ منها.
|