الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **
قال ضرار بن الخطاب بن مرداس ، أخو بني محارب بن فهر ، في يوم الخندق : ومشفقة تظن بنا الظنونا * وقد قُدنا عرندسة طحونا كأن زهاءها أحد إذا ما * بدت أركانه للناظرينا ترى الأبدان فيها مسبغات * على الأبطال واليَلَبَ الحصينا وجردا كالقداح مسوَّمات * نؤم بها الغواة الخاطيينا كأنهم إذا صالوا و صُلْنا * بباب الخندقين مصافحونا أناس لا نرى فيهم رشيدا * وقد قالوا ألسنا راشدينا فأحجرناهمُ شهرا كريتا * وكنا فوقهم كالقاهرينا نراوحهم ونغدو كل يوم * عليهم في السلاح مدججينا بأيدينا صوارم مرهفات * نقدّ بها المفارق والشئونا كأن وميضهن معرَّيات * إذا لاحت بأيدي مصلتينا وميض عقيقة لمعت بليل * ترى فيها العقائق مستبينا فلولا خندق كانوا لديه * لدمرنا عليهم أجمعينا ولكن حال دونهم وكانوا * به من خوفنا متعوذينا فإن نرحل فإنا قد تركنا * لدى أبياتكم سعدا رهينا إذا جن الظلام سمعت نوحي * على سعد يُرجِّعْن الحنينا وسوف نزوركم عما قريب * كما زرناكم متوازرينا بجمع من كنانة غير عُزْل * كأسد الغاب قد حمت العرينا فأجابه كعب بن مالك ، أخو بني سلمة ، فقال : وسائلة تسائل ما لقينا * ولو شهدت رأتنا صابرينا صبرنا لا نرى لله عدلا * على مانابنا متوكلينا وكان لنا النبي وزير صدق * به نعلو البرية أجمعينا نقاتل معشرا ظلموا وعقُّوا * وكانوا بالعداوة مرصدينا نعاجلهم إذا نهضوا إلينا * بضرب يعجل المتسرعينا ترانا في فضافض سابغات * كغدران الملا متسربلينا وفي أيماننا بيض خفاف * بها نشفي مراح الشاغبينا بباب الخندقين كأن أسدا * شوابكهن يحمين العرينا فوارسنا إذا بكروا وراحوا * على الأعداء شوسا معلمينا لننصر أحمدا والله حتى * نكون عباد صدق مخلصينا ويعلم أهل مكة حين ساروا * وأحزاب أتوا متحزبينا بأن الله ليس له شريك * وأنا الله مولى المؤمنينا فإما تقتلوا سعدا سفاها * فإن الله خير القادرينا سيدخله جنانا طيبات * تكون مقامة للصالحينا كما قد ردكم فَلاًّ شريدا * بغيظكم خزايا خائبينا خزايا لم تنالوا ثَمَّ خيرا * وكدتم أن تكونوا دامرينا بريح عاصف هبت عليكم * فكنتم تحتها متكمِّهينا وقال عبدالله بن الزبعرى السهمي ، في يوم الخندق : حي الديار محا معارف رسمها * طول البِلى وتراوح الأحقاب فكأنما كتب اليهود رسومها * إلا الكنيف ومعقد الأطناب قفرا كأنك لم تكن تلهو بها * في نعمة بأوانس التراب فاترك تذكُّر ما مضى من عيشة * ومحلة خلق المقام يباب واذكر بلاء معاشر واشكرهم * ساروا بأجمعهم من الأنصاب أنصاب مكة عامدين ليثرب * في ذي غياطل جحفل جبجاب يدع الحزون مناهجا معلومة * في كل نشر ظاهر وشعاب فيها الجياد شوازب مجنوبة * قُبُّ البطون لواحق الأقراب من كل سلهبة وأجرد سلهب * كالسيد بادرَ غفلة الرقاب جيش عيينة قاصد بلوائه * فيه وصخر قائد الأحزاب قرمان كالبدرَيْن أصبح في هام * غيث الفقير ومعقل الهُراب حتى إذا وردوا المدينة وارتدوا * للموت كل مجرَّب قضّاب شهرا وعشرا قاهرين محمدا * وصحابه في الحرب خير صحاب نادوا برحلتهم صبيحة قلتم * كدنا نكون بها مع الخُيَّاب لولا الخنادق غادروا من جمعهم * قتلى لطير سُغَّب وذئاب فأجابه حسَّان بن ثابت الأنصاري ، فقال : هل رسم دارسة المقام يباب * متكلم لمحاور بجواب قفر عفا رهم السحاب رسومه * وهبوب كل مطلة مرباب ولقد رأيت بها الحلول يزينهم * بيض الوجوه ثواقب الأحساب فدع الديار وذكر كل خريدة * بيضاء آنسة الحديث كعاب و اشك الهموم إلى الإله وما ترى * من معشر ظلموا الرسول غضاب ساروا بأجمعهم إليه وألبوا * أهل القرى وبوادي الأعراب جيش عيينة وابن حرب فيهم * متخمطون بحلبة الأحزاب حتى إذا وردوا المدينة وارتجوا * قتل الرسول ومغنم الأسلاب وغدوا علينا قادرين بأيدهم * ردوا بغيظهم على الأعقاب بهبوب معصفة تفرق جمعهم * وجنود ربك سيد الأرباب فكفى الإله المؤمنين قتالهم * وأثابهم في الأجر خير ثواب من بعد ما قنطوا ففرق جمعهم * تنزيل نصر مليكنا الوهاب و أقرَّ عين محمد وصحابه * وأذل كل مكذب مرتاب عاتي الفؤاد موقَّع ذي ريبة * في الكفر ليس بطاهر الأثواب علق الشقاء بقلبه ففؤاده * في الكفر آخر هذه الأحقاب وأجابه كعب بن مالك أيضاً ، فقال : أبقى لنا حدث الحروب بقية * من خير نحلة ربنا الوهاب بيضاء مشرفة الذُّرى ومعاطنا * حُمَّ الجذوع غزيرة الأحلاب كاللُّوب يبذل جمها وحفيلها * للجار وابن العم والمنتاب ونزائعا مثل السِّراح نمى بها * علف الشعير وجزة المقضاب عري الشوى منها وأردف نحضها * جرد المتون وسائر الآراب قُودا تراح إلى الصياح إذ غدت * فعل الضراء تراح للكلاّب وتحوط سائمة الديار وتارة * تُردي العدا وتئوب بالأسلاب حوش الوحوش مطارة عند الوغى * عُبْس اللقاء مبينة الإنجاب عُلفت على دعة فصارت بُدَّنا * دُخْس البضيع خفيفة الأقصاب يغدون بالزغف المضاعف شكة * وبمترصات في الثقاف صياب و صوارم نزع الصياقل غلبها * وبكل أروع ماجد الأنساب يصل اليمين بمارن متقارب * وُكلت وقيعته إلى خبَّاب وأغر أزرق في القناة كأنه * في طُخْية الظلماء ضوء شهاب وكتيبة ينفي القرانَ قتيرُها * وترد حد قواحذ النُّشاب جأوى ململمة كأن رماحها * في كل مجَمعة ضريمةُ غاب يأوي إلى ظِل اللواء كأنه * في صعدة الخطِّي فيء عقاب أعيت أبا كرب وأعيت تُبَّعا * وأبت بسالتها على الأعراب ومواعظ من ربنا نهُدَى بها * بلسان أزهرَ طيب الأثواب عرضت علينا فاشتهينا ذكرها * من بعد ما عرضت على الأحزاب حكما يراها المجرمون بزعمهم * حرجا ويفهمها ذوو الألباب جاءت سخينة كي تغالب ربها * فليُغلبنَّ مُغالِبُ الغلاّب قال ابن هشام : حدثني من أثق به ، حدثني عبدالملك بن يحيى بن عباد ابن عبدالله بن الزبير ، قال : لما قال كعب بن مالك : جاءت سخينة كي تغالب ربها * فليغلبن مغالب الغلاب قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد شكرك الله يا كعب على قولك هذا . قال ابن إسحاق : وقال كعب بن مالك في يوم الخندق : من سره ضرب يمعمع بعضه * بعضا كمعمعة الأباء المحرق فليأت مأسدة تُسنّ سيوفها * بين المذاد وبين جزع الخندق درِبوا بضرب المُعلِمين وأسلموا * مهجات أنفسهم لرب المشرق في عصبة نصر الإله نبيَّه * بهم وكان بعبده ذا مرفق في كل سابغة تخط فضولها * كالنهي هبت ريحه المترقرق بيضاء محكمة كأن قتيرها * حدق الجنادب ذات شك موثق جدلاء يحفزها نجاد مهند * صافي الحديد صارم ذي رونق تلكم مع التقوى تكون لباسنا * يوم الهياج وكل ساعة مصدق نَصِل السيوف إذا قصرن بخطونا * قدما ونلحقها إذا لم تلحق فترى الجماجم ضاحيا هاماتها * بَلْهَ الأكف كأنها لم تخلق نلقى العدو بفخمة ملمومة * تنفي الجموع كفصد رأس المشرق ونُعِد للأعداء كل مقلَّص * ورد ومحجول القوائم أبلق تَردي بفرسان كأن كماتهم * عند الهياج أسود طَلّ مُلثق صُدق يعاطون الكماة حتوفهم * تحت العماية بالوشيج المزهق أمر الإله بربطها لعدوه * في الحرب إن الله خير موفق لتكون غيظا للعدو وحُيَّطا * للدار إن دلفت خيولا النُّزَّق ويُعيننا الله العزيز بقوة * منه وصدق الصبر ساعة نلتقي ونطيع أمر نبينا ونجيبه * وإذا دعا لكريهة لم نُسبق ومتى يناد إلى الشدائد نأتها * ومتى نرى الحومات فيها نُعنق من يتَّبع قول النبي فإنه * فينا مطاع الأمر حق مصدَّق فبذاك ينصرنا ويُظهر عزنا * ويُصيبنا من نيل ذاك بمرفق إن الذين يكذبون محمدا * كفروا وضلوا عن سبيل المتَّقي قال ابن هشام : أنشدني بيته : تلكم مع التقوى تكون لباسنا وبيته : من يتبع قول النبي * أبو زيد . وأنشدني : تنفي الجموع كرأس قدس المشرق قال ابن إسحاق : وقال كعب بن مالك في يوم الخندق : لقد علم الأحزاب حين تألَّبوا * علينا وراموا ديننا ما نوادع أضاميم من قيس بن عيلان أصفقت * وخندف لم يدروا بما هو واقع يذودوننا عن ديننا ونذودهم * عن الكفر والرحمن راء وسامع إذا غايظونا في مقام أعاننا * على غيظهم نصر من الله واسع وذلك حفظ الله فينا وفضله * علينا ومن لم يحفظ اللهُ ضائع هدانا لدين الحق واختاره لنا * ولله فوق الصانعين صنائع قال ابن هشام : وهذه الأبيات في قصيدة له . قال ابن إسحاق : وقال كعب بن مالك في يوم الخندق : ألا أبلغ قريشا أن سلعا * وما بين العُريض إلى الصماد نُواضح في الحروب مدرَّبات * وخوص ثُقِّبت من عهد عاد رواكد يزخر المرار فيها * فليست بالجمام ولا الثماد كأن الغاب والبرديَّ فيها * أجش إذا تبقَّع للحصاد ولم نجعل تجارتنا اشتراء الـْ * ـحمير لأرض دوس أو مراد بلاد لم تُثر إلا لكيما * نجالد إن نشِطتم للجلاد أثرنا سكة الأنباط فيها * فلم تر مثلها جلهات واد قصرنا كل ذي حضر وطول * على الغايات مقتدر جواد أجيبونا إلى ما نجتديكم * من القول المبين والسداد وإلا فاصبروا لجلاد يوم * لكم منا إلى شطر المذاد نصبحكم بكل أخي حروب * وكل مطهَّم سلس القياد وكل طِمرَّة خفق حشاها * تدف دفيف صفراء الجراد وكل مقلَّص الآراب نهد * تميم الخلق من أُخْر وهادي خيول لا تُضاع إذا أُضيعت * خيول الناس في السنة الجماد ينازعن الأعنة مصغيات * إذا نادى إلى الفزع المنادي إذا قالت لنا النذر استعدوا * توكلنا على رب العباد وقلنا لن يفرج ما لقينا * سوى ضرب القوانس والجهاد فلم تر عصبة فيمن لقينا * من الأقوام من قار وبادي أشد بسالة منا إذا ما * أردناه وألين في الوداد إذا ما نحن أشرجنا عليها * جياد الجُدْل في الأُرَب الشداد قذفنا في السوابغ كل صقر * كريم غير معتلث الزناد أشم كانه أسد عبوس * غداة بدا ببطن الجزع غادي يغشّي هامة البطل المذكَّى * صبيَّ السيف مسترخي النجاد لنظهر دينك اللهم إنا * بكفك فاهدنا سبل الرشاد قال ابن هشام بيته : قصرنا كل ذي حُضْر وطَول * والبيت الذي يتلوه ، والبيت الثالث منه ، والبيت الرابع منه ، وبيته : أشم كأنه أسد عبوس * والبيت الذي يتلوه ، عن أبي زيد الأنصاري . قال ابن إسحاق : وقال مسافع بن عبد مناف بن وهب بن حذافة بن جمح ، يبكي عمرو بن عبد ود ، ويذكر قتل علي بن أبي طالب إياه : عمرو بن عبد كان أول فارس * جزع المذاد وكان فارس يليل سمح الخلائق ماجد ذو مرة * يبغي القتال بشكة لم ينكل و لقد علمتم حين ولوا عنكم * أن ابن عبد فيهم لم يعجل حتى تكنَّفه الكماة وكلهم * يبغي مقاتله وليس بمؤتلي ولقد تكنَّفت الأسنة فارسا * بجنوب سلع غير نكس أميل تسل النزال عليّ فارس غالب * بجنوب سلع ، ليته لم ينزل فاذهب عليّ فما ظفرت بمثله * فخرا ولا لاقيت مثل المعضل نفسي الفداء لفارس من غالب * لاقى حمام الموت لم يتحلحل أعني الذي جزع المذاد بمهره * طلبا لثأر معاشر لم يخذل ما أنب به مسافع الفرسان أصحاب عمرو بن عبد ود وقال مسافع أيضاً يؤنب فرسا عمرو الذين كانوا معه ، فأجلوا عنه وتركوه : عمرو بن عبد والجياد يقودها * خيل تقاد له وخيل تنعل أجلت فوارسه وغادر رهطه * ركنا عظيما كان فيها أول عجبا وإن أعجب فقد أبصرته * مهما تسوم علي عمرا ينزل لا تبعدن فقد أصبت بقتله * ولقيت قبل الموت أمرا يثقل وهبيرة المسلوب ولى مدبرا * عند القتال مخافة أن يقتلوا وضرار كأن البأس منه محضرا * ولى كما ولى اللئيم الأعزل قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها له . وقوله : ( عمرا ينزل ) عن غير ابن إسحاق . قال ابن إسحاق : وقال هبيرة بن أبي وهب يعتذر من فراره ، ويبكي عمرا ، ويذكر قتل علي إياه : لعمري ما وليت ظهري محمدا * وأصحابه جبنا ولا خيفة القتل ولكنني قلبت أمري فلم أجد * لسيفي غناء إن ضربت ولا نبلي وقفت فلما لم أجد لي مقدما * صدرت كضرغام هزبر أبي شبل ثنى عطفه عن قرنه حين لم يجد * مكرا وقدما كان ذلك من فعلي فلا تبعدن يا عمرو حيا وهالكا * وحق لحسن المدح مثلك من مثلي ولا تبعدن يا عمرو حيا وهالكا * فقد بنت محمود الثنا ماجد الأصل فمن لطراد الخيل تقدع بالقنا * وللفخر يوما عند قرقرة البزل هنالك لو كان ابن عبد لزارها * وفرجها حقا فتى غير ما وغل فعنك علي لا أرى مثل موقف * وقفت على نجد المقدم كالفحل فما ظفرت كفاك فخرا بمثله * أمنت به ما عشت من زلة النعل ما قاله هبيرة في رثاء عمرو أيضاً وقال هبيرة بن أبي وهب يبكي عمرو بن عبد ود ، ويذكر قتل علي إياه : لقد علمت عليا لؤي بن غالب * لفارسها عمرو إذا ناب نائب لفارسها عمرو إذا ما يسومه * علي وإن الليث لا بد طالب عشية يدعوه علي وإنه * لفارسها إذ خام عنه الكتائب فيا لهف نفسي إن عمرا تركته * بيثرب لا زالت هناك المصائب وقال حسَّان بن ثابت يفتخر بقتل عمرو بن عبد ود : بقيتكم عمرو أبحناه بالقنا * بيثرب نحمي والحماة قليل ونحن قتلناكم بكل مهند * ونحن ولاة الحرب حين نصول ونحن قتلناكم ببدر فأصبحت * معاشركم في الهالكين تجول قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لحسَّان . قال ابن إسحاق : وقال حسَّان بن ثابت أيضاً في شأن عمرو بن عبد ود : أمسى الفتى عمرو بن عبد يبتغي * بجنوب يثرب ثأره لم ينظر فلقد وجدت سيوفنا مشهورة * ولقد وجدت جيادنا لم تقصر ولقد لقيت غداة بدر عصبة * ضربوك ضربا غير ضرب الحسر أصبحت لا تدعى ليوم عظيمة * يا عمرو أو لجسيم أمر منكر قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لحسَّان . قال ابن إسحاق : وقال حسَّان بن ثابت أيضاً : الا أبلغ أبا هدم رسولا * مغلغلة تخب بها المطي أكنت وليكم في كل كره * وغيري في الرخاء هو الولي و منكم شاهد ولقد رآني * رفعت له كما احتمل الصبي قال ابن هشام : وتروى هذه الأبيات لربيعة بن أمية الديلي ، ويروى فيها آخرها : كببت الخزرجي على يديه * وكان شفاء نفسي الخزرجي وتروى أيضاً لأبي أسامة الجشمي . قال ابن إسحاق : وقال حسَّان بن ثابت في يوم بن قريظة يبكي سعد بن معاذ ، ويذكر حكمه فيهم: لقد سجمت من دمع عيني عبرة * وحق لعيني أن تفيض على سعد قتيل ثوى في معرك فجعت به * عيون ذواري الدمع دائمة الوجد على ملة الرحمن وارث جنة * مع الشهداء وفدها أكرم الوفد فإن تك قد ودعتنا وتركتنا * وأمسيت في غبراء مظلمة اللحد فأنت الذي يا سعد أبت بمشهد * كريم وأثواب المكارم والحمد بحكمك في حيي قريظة بالذي * قضى الله فيهم ما قضيت على عمد فوافق حكم الله حكمك فيهمُ * ولم تعف إذ ذكرت ما كان من عهد فإن كان ريب الدهر أمضاك في الألى * شروا هذه الدنيا بجناتها الخلد فنعم مصير الصادقين إذا دعوا * إلى الله يوما للوجاهة والقصد وقال حسَّان بن ثابت أيضاً ، يبكي سعد بن معاذ ، ورجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشهداء ، ويذكرهم بما كان فيهم من الخير : ألا يا لقومي هل لما حُمّ دافع * و هل ما مضى من صالح العيش راجع تذكرت عصرا قد مضى فتهافتت * بنات الحشى وانهل مني المدامع صبابة وجد ذكرتني أحبة * وقتلى مضى فيها طفيل ورافع وسعد فأضحوا في الجنان وأوحشت * منازلهم فالأرض منهم بلاقع وفوا يوم بدر للرسول و فوقهم * ظلال المنايا والسيوف اللوامع دعا فأجابوه بحق وكلهم * مطيع له في كل أمر وسامع فما نكلوا حتى تولوا جماعة * ولا يقطع الآجال إلا المضارع لأنهم يرجون منه شفاعة * إذا لم يكن إلا النبيون شافع فذلك يا خير العباد بلاؤنا * إجابتنا لله والموت ناقع لنا القدم الأولى إليك وخلفنا * لأوّلنا في ملة الله تابع ونعلم أن الملك لله وحده * وأن قضاء الله لا بد واقع وقال حسَّان بن ثابت أيضاً في يوم بني قريظة : لقد لقيت قريظة ما سآها * وما وجدت لذل من نصير أصابهم بلاء كان فيه * سوى ما قد أصاب بني النضير غداة أتاهم يهوي إليهم * رسول الله كالقمر المنير له خيل مجنَّبة تَعادَى * بفرسان عليها كالصقور تركناهم وما ظفروا بشيء * دماؤهمُ عليهم كالغدير فهم صرعى تحوم الطير فيهم * كذاك يُدان ذو العند الفَجور فأنذرْ مثلها نصحا قريشا * من الرحمن إن قبلت نذيري وقال حسَّان بن ثابت في بني قريظة لقد لقيت قريظة ما سآها * وحل بحصنها ذل ذليل وسعد كان أنذرهم بنصح * بأن إلهكم رب جليل فما برحوا بنقص العهد حتى * فَلاهم في بلادهمُ الرسول أحاط بحصنهم منا صفوف * له من حَرّ وقعتهم صليل وقال حسَّان بن ثابت أيضاً في يوم بني قريظة : تفاقد معشر نصروا قريشا وليس لهم ببلدتهم نصير هم أوتوا الكتاب فضيعوه * وهم عمي من التوراة بور كفرتم بالقرآن وقد أتيتم * بتصديق الذي قال النذير فهان على سراة بني لؤي * حريق بالبُويرة مستطير فأجابه أبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب ، فقال : أدام الله ذلك من صنيع * وحرّق في طرائقها السعير ستعلم أينا منها بنُزه * وتعلم أي أرضينا تضير فلو كان النخيل بها ركابا * لقالوا لا مُقام لكم فسيروا وأجابه جبل بن جوال الثعلبي أيضاً ، وبكى النضير وقريظة ، فقال : ألا يا سعد سعد بني معاذ * لما لقيت قريظة والنضير لعمرك إن سعد بني معاذ * غداة تحمَّلوا لهو الصبور فأما الخزرجي أبو حُباب * فقال لقينقاع لا تسيروا وبُدّلت الموالي من حضير * أسيد والدوائر قد تدور وأقفرت البويرة من سلام * وسعية وابن أخطب فهي بور وقد كانوا ببلدتهم ثقالا * كما ثقلت بمَيْطان الصخور فإن يهلك أبو حكم سلام * فلا رثُّ السلاح ولا دَثُور وكل الكاهنَيْن وكان فيهم * مع اللين الخضارمة الصقور وجدنا المجد قد ثبتوا عليه * بمجد لا تغيِّبه البدور أقيموا يا سراة الأوس فيها * كأنكم من المخزاة عور تركتم قدركم لا شيء فيها * وقدر القوم حامية تفور
|