الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي
أراد ردفت جاءت بعدها، لأن الجوزاء تطلع بعد الثريا ومن فتح فعلى المفعول، أي أردف الله المسلمين وجاءهم به فأمدّهم الله بالملائكة ونزل جبرئيل في خمسمائة مَلكَ مجنبة على الميمنة فيها أبو بكر رضي الله عنه ونزل ميكائيل في خمسمائة على الميسرة وفيها عليّ كرّم الله وجهه وهم في صورة الرجال عليهم ثياب بيض، وعمائم بيض أرخوا ما بين أكتافهم، فقاتلت الملائكة يوم بدر ولم تقاتل يوم الأحزاب ولا يوم حنين ولا تقاتل أبداً إنّما يكونون حدداً أو مدداً.وقال ابن عباس: بينما رجل من المسلمين يشتدّ في أثر رجل من المشركين إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت لفارس يقول قدم حيزوم ونظر إلى المشرك أمامه خرّ مسلتقياً، فنظر إليه فإذا هو قد حُطم وشُق وجهه كضربة السوط فجاء الرجل فحدّث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «صدقت ذلك من مدد السماء» فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين.قال مجاهد: ما مُدّ النبيّ صلى الله عليه وسلم فيما ذكر الله تعالى غير الألف من الملائكة {مُرْدِفِينَ} التي ذكر الله في الأنفال وأمّا الثلاثة والخمسة فكانت بُشرى {وَمَا جَعَلَهُ الله} يعني الامداد.الفراء: يعني الأرداف.{إِلاَّ بشرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ * إِذْ يُغَشِّيكُمُ النعاس أَمَنَةً مِّنْهُ} قرأ مجاهد وابن كثير وأبو عمرو: يغشيكم بفتح الياء النعاس رفع على أن الفعل له واحتجّوا بقوله في سورة آل عمران {أَمَنَةً نُّعَاساً يغشى طَآئِفَةً مِّنْكُمْ} [آل عمران: 154] فجعل الفعل له.وقرأ أهل المدينة يغشيكم بضم الياء مخففة على أن الفعل لله عزّ وجلّ ليكون موافقاً لقوله وينزل وليطهركم واحتجّوا بقوله تعالى: {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ} [يونس: 27].وقرأ عروة بن الزبير والحسن وأبو رجاء وعكرمة والجحدري وعيسى وأهل الكوفة: يُغشّيكم بضمّ الياء مشدّداً.فاختاره أبو عبيد وأبو حاتم: لقوله: {فَغَشَّاهَا مَا غشى} [النجم: 54] والنعاس النوم تخفيف. وقال أبو عبيدة: هو ابتداء القوم: أمنة بفتح الميم قراءة العامّة، وقرأ أبو حياة وابن محيصن: أمنة بسكون الميم وهو مصدر قولك: أمنت من كذا أمناً وأمنة وأمانة وكلّها بمعنى واحد فلذلك نصب.قال عبد الله بن مسعود: النعاس في القتال أمنة من الله عزّ وجلّ وفي الصلاة من الشيطان {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السمآء مَآءً} وذلك أن المسلمين نزلوا كثيباً أخضر ببدر يسوخ فيه الأقدم وحوافر الدواب وسبقهم المشركون إلى ماء بدر العظمى وغلبوهم عليه وأصبح المسلمون بعضهم محدثين وبعضهم مجنبين وأصابهم الظمأ ووسوس لهم الشيطان فقال تزعمون أن فيكم نبي الله وأنّكم أولياء الله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم تُصلّون مجنبين ومحدثين فكيف ترجون أن يظفركم عليهم.قال: فأرسل الله عزّ وجلّ مطراً سال منه الوادي فشرب منه المؤمنون واغتسلوا وتوضّأوا وسقوا الركاب وملؤوا الأسقية وأطفى الغبار ولبّد الأرض حتّى ثبّت عليه الأقدام وزالت وسوسة الشيطان وطابت أنفسهم فذلك قوله: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السمآء مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} من الأحداث والجنابة.وقرأ سعيد بن المسيب: ليُطهركم بطاء ساكنة من أطهره الله {وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشيطان} أي وسوسة الشيطان.وقرأ ابن محيصن: رجز بضم الراء. وقرأ أبو العالية: رجس بالسين والعرب تعاقب بين السين والزاء فيقول بزق وبسق.والسراط والزراط والأسد والأزد {وَلِيَرْبِطَ على قُلُوبِكُمْ} اليقين والصبر {وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقدام} حتّى لا يسرح في الرمل بتلبيد الأرض.وقيل: بالصبر وقوّة القلب {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الملائكة} للذين أمدّ بهم المؤمنين {أَنِّي مَعَكُمْ} بالعون والنصر {فَثَبِّتُواْ الذين آمَنُواْ} أي نوّروا قلوبهم وصحّحوا عزائمهم وثباتهم في الجهاد، فقيل: إنّ ذلك المثبت بحضورهم الحرب معهم.وقيل: معونتهم إياهم في قتال عدوهم، وقال أبو روق: هو أن الملك كان يشبّه بالرجل الذي يعرفون وجهه فيأتي الرجل من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم فيقول: إنّي قد دنوت من المشركين فسمعتهم يقولون والله لئن حملوا علينا لنكشفنّ.فتحدّث بذلك المسلمون بعضهم بعضاً فيقوّي أنفسهم ويزدادون جرأة، قال ابن إسحاق والمبرد: فثبّتوا الذين آمنوا أي وآزروهم {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب} ثمّ علّمهم كيف الضرب والقتل فقال: {فاضربوا فَوْقَ الأعناق} قال بعضهم: هذا الأمر متّصل بقوله: {فَثَبِّتُواْ الذين آمَنُواْ}.وقال آخرون: هو أمر من الله عزّ وجلّ للمؤمنين واختلفوا في قوله: {فَوْقَ الأعناق} فقال عطيّة والضحاك: معناه: فاضربوا الأعناق لقوله: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الذين كَفَرُواْ فَضَرْبَ الرقاب} [محمد: 4].وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم أبعث لأعذب بعذاب الله وإنّما بُعثت لضرب الرقاب وشدّ الوثاق».وقال بعضهم: معناه: فاضربوا على الأعناق، {فوق} بمعنى على. وقال عكرمة: معناه فاضربوا الرؤوس فوق الأعناق. وقال ابن عباس: معناه واضربوا فوق الأعناق أي على الأعناق، نظيره قوله: {فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ اثنتين} [النساء: 11] أي اثنتين فما فوقهما.{واضربوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} قال عطيّة: يعني كل مفصل.وقال ابن عباس وابن جريج والضحاك: يعني الأطراف والبنان جمع بنانه، وهي أطراف أصابع اليدين والرجلين واشتقاقه من أَبَنَ بالمقام إذا قام به.قال الشاعر: وقال يمان بن رئاب: {فاضربوا فَوْقَ الأعناق} يعني الصناديد {واضربوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} يعني السفلة، والصحيح: القول الأوّل. قال أبو داود المازني وكان شهد بدراً: اتّبعت رجلا من المشركين لأضربه يوم بدر فوقع رأسه بين يديّ قبل أن يصل سيفي فعرفت أنّه قتله غيري.وروى أبو أُمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال: لقد رأيت يوم بدر وأن أحدنا ليشير بسيفه إلى المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف.وقال ابن عباس: حدثني رجل عن بني غفار قال: أقبلت أنا وابن عم لي حتّى صعدنا في جبل ليشرف بنا على بدر ونحن مشركان ننتظر الواقعة على مَنْ يكون الدبرة فننتهب مع من ينتهب.قال: فبينما نحن في الجبل إذ دنت منّا سحابة فسمعنا فيها حمحمة الخيل. فسمعت قائلا يقول: أقدم حيزوم قال فأمّا ابن عمّي فانكشف قناع قلبه فمات أمّا أنا فكدت أهلك ثمّ تماسكت.وقال عكرمة: «قال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت غلاماً للعباس بن عبد المطلب وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت وأسلمتْ أم الفضل وأسلمتُ وكان العباس يهاب قومه ويكره أن يخالفهم وكان يكتم إسلامه، وكان ذا مال كثير متفرّق في قومه وكان أبو لهب عدوّ الله قد تخلّف عن بدر فقد بعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة، وكذلك صنعوا لم يتخلّف رجل إلاّ بعث مكانه رجلا فلمّا جاء الخبر عمّا أصاب أصحاب بدر من قريش كبته الله وأخزاه ووجدنا في أنفسنا قوّة وحزماً فكان رجلاً ضعيفاً قال: وكنت أعمل الأقداح أنحتها في حجرة زمزم فوالله إنّي لجالس فيها أنحت الأقداح وعندي أم الفضل جالسة وقد سرّنا ما جاء من الخبر إذ أقبل الفاسق أبو لهب يجر رجليه حتّى جلس على طنب الحجرة وكان ظهره إلى ظهري فبينما هو جالس إذ قال الناس: هذا أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب قد قدم، فقال أبو لهب: هلم إلي يا ابن أخي أخبرني كيف كان أمر الناس، قال: لا شيء والله كأن الآن لقينا فمنحناهم أكتافاً يقتلون ويأسرون كيف شاؤوا وأيم الله مع تلك ما لمّت الناس:لقينا رجالاً بيضاً على خيل معلّق بين السماء والأرض ما تليق شيئاً ولا يقوم لها شيء.قال أبو رافع: فرفعت طرف الحجرة بيدي ثمّ قلت: تلك الملائكة، فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة فناورته فاحملني فضرب بي الأرض، ثمّ برك عليّ فضربني وكنت رجلا ضعيفاً فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد البيت فأخذته فضربته ضربة فلقت رأسه شجة منكرة وقالت: تستضعفه أن غاب عنه سيّده، فقام مولّياً ذليلاً فوالله ما عاش إلاّ سبع ليال حتّى رماه الله بالعدسة فقتله.ولقد تركه ابناه ليلتين أو ثلاثاً ما يدفناه حتّى أنتن في بيته، وكانت قريش تتقي العدسة كما تتّقي الناس الطاعون حتّى قال لهما رجل من قريش: ويحكما ألا تستحيان أنَّ أباكما قد أنتن في بيته لا تغسّلانه فقالا: إنّا نخشى هذه القرحة، قال: فانطلقا فإنّا معكما فما غسلوه إلاّ قذفاً بالماء عليه من بعيد ما يمسّونه ثمّ حملوه فدفنوه بأعلى مكّة إلى جدار وقذفوا عليه الحجارة حتّى واروه».وروي مقسّم عن ابن عباس قال: «كان الذي أسر العباس أبا اليسر كعب بن عمرو أخا بني سلمة وكان أبو اليسر رجلا مجموعاً وكان العباس رجلا جسيماً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي اليسر: يا أبا اليسر كيف أسرت العباس؟فقال: يا رسول الله لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده، هيئته كذا وكذا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أعانك عليه مَلَك كريم».{ذلك بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ الله} خالفوا الله {وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ الله وَرَسُولَهُ فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب} أي هذا العقاب الذي أعجلته لكم أيّها الكفّار {فَذُوقُوهُ} عاجلا {وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ} في المعاد {عَذَابَ النار} وفي فتح {أن} وجهان من الإعراب أحدهما الرفع والأخر النصب:فأمّا الرفع فعلى تقدير ذلكم تقديره: ذلكم يذوقوه، وذلك أن للكافرين عذاب النار.وأمّا النصب فعلى وجهين: أحدهما: بمعنى فعل مضمر: ذلكم فذوقوه وأعلموا وأيقنوا أن للكافرين.والأخر بمعنى: وما للكافرين فلما حذف الياء نصب.
|