الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تدريب الرَّاوي في شَرْح تَقْريب النَّواوى ***
هُو ومَا قَبْلهُ أصْلانِ عَظيمَان, بهمَا يُعْرف المُرْسلُ والمُتَّصلُ, واحدُهُم تابعيٌّ وتَابعٌ, قيلَ: هُو من صحبَ الصَّحابي, وقيلَ: مَنْ لقيهُ, وهُو الأظْهرُ. النَّوع الأربعون: معرفةُ التَّابعين رضي الله تعالى عنهُم, هو وما قبله أصْلان عَظِيمان, بهما يُعرف المُرْسل والمُتَّصل, واحدهم تابعيٌّ وتابع واختلف في حدِّه. قيل أي: قال الخَطِيب: هو مَنْ صحب صحابيًا ولا يُكتفى فيه بمجرد اللقي, بخلاف الصَّحابي مع النَّبي صلى الله عليه وسلم لشرف مَنْزلة النَّبي صلى الله عليه وسلم، فالاجتماع به يُؤثر في النُّور القلبي أضعاف ما يُؤثره الاجتماع الطَّويل بالصَّحابي وغيره من الأخيار. وقيلَ: هو من لقيه وإن لم يصحبه, كما قيل في الصَّحابي, وعليه الحاكم. قال ابن الصَّلاح: وهو أقرب. قال المُصنِّف: وهو الأظْهرُ. قال العِرَاقي: وعليه عمل الأكثرين من أهل الحديث, فقد ذكر مسلم وابن حبَّان الأعمش في طبقة التَّابعين. وقال ابن حبَّان: أخرجناه في هذه الطبقة, لأنَّ له لقيا وحفظًا, رأى أنسا, وإن لم يصح له سماع المُسند عنه. وقال التِّرمذي: لم يسمع من أحد من الصَّحابة. وعدَّهُ أيضًا فيهم الحافظ عبد الغني, وعدَّ فيهم يحيى بن أبي كثير, لكونه لقي أنسًا, وموسى بن أبي عائشة لكونه لقي عَمرو بن حُريث. واشترط ابن حبَّان أن يَكُون رآه في سن من يحفظ عنه, فإن كان صغيرًا لم يحفظ عنه, فلا عبرة برؤيته, كخلف بن خليفة عدَّه من أتباع التَّابعين, وإن رأى عَمرو بن حُريث, لكونهِ كان صغيرًا. قال العِرَاقي: وما اختاره ابن حبَّان له وجه, كما اشترط في الصَّحابي رؤيته وهو مُميز. قال: وقد أشَار النَّبي صلى الله عليه وسلم إلى الصَّحابة والتَّابعين بقوله: «طُوبَى لمَنْ رآني وآمنَ بي, وطُوبَى لمَنْ رأى من رآني...» الحديث. فاكتفى فيهما لمجرد الرؤية.
تنبيه: قال ابن الصَّلاح: مُطْلق التَّابعي مخصوصٌ بالتَّابع بإحْسَان. قال العِرَاقي: إن أراد بالإحْسَان الإسلام فواضح, إلاَّ أنَّ الإحْسَان أمر زائد عليه, فإن أراد به الكمال في الإسْلام والعَدَالة, فلم أر من اشترطَ ذلك في حدِّ التَّابعي, بل من صنَّف في الطبقات أدخل فيهم الثِّقات وغيرهم. ثمَّ اخْتُلف في طبقات التَّابعين, فجعلهم مسلم ثلاث طبقات, وابن سعد أربع طبقات. قال الحَاكمُ: هُم خَمْس عَشْرة طَبَقة, الأولى: من أدرك العَشرة: قَيْس بن أبي حَازم, وابن المُسيب, وغيرهما, وغلط في ابن المُسيب, فإنَّه وُلد في خِلافة عُمر, ولم يَسْمع أكثر العشرة, وقيلَ: لم يَصح سَمَاعهُ من غير سَعْد, وأما قَيْس فسمعهُم وروى عنهم, ولم يُشَاركه في هذا أحد, وقيلَ: لم يَسْمع عبد الرَّحمن. و قال الحاكم: هم خمس عشرة طبقة : الأولى: من أدرك العشرة منهم: قيس بن أبي حازم, و سعيد بن المُسيب, وغيرهما قال: كأبي عُثمان النَّهدي, وقيس بن عباد, وأبي ساسان حُضَين بن المُنذر, وأبي وائل, وأبي رجاء العُطَاردي. وغلط في ابن المُسيب, فإنَّه وُلد في خِلافة عُمر فلم يسمع من أبي بكر, ولا من عُمر على الصَّحيح ولم يَسْمع أيضًا أكثر العشرة قاله ابن الصَّلاح. وقيلَ: لم يصح سماعه من أحد منهم غير سعد. قال العِرَاقي: كأنَّ ابن الصَّلاح أخذ هذا من قول قَتَادة الَّذي رواه مُسلم في مُقدمة «صحيحه» من رِوَاية همَّام قال: دخلَ أبو داود الأعمى على قَتَادة, فلمَّا قام قالوا: إنَّ هذا يزعم أنَّه لقي ثمانية عشر بَدْريا, فقال قَتَادة: هذا كان سائلا قبل الجَارف, لا يعرض في شيء من هذا ولا يتكلم فيه, فوالله ما حدَّثنا الحسن عن بَدْري مُشَافهة, ولا حدَّثنا سعيد بن المُسيب عن بدري مُشافهة, إلاَّ عن سعد بن مالك. نعم أثبتَ أحمد بن حنبل سماعهُ من عُمر. وقال ابن مَعِين: رأى عُمر وكان صغيرًا. وقال أبو حاتم: رآه على المِنْبر, ينعى النُّعْمان بن مُقرِّن. قال العِرَاقي: وأمَّا سماعه من عُثمان وعلي, فإنَّه مُمكن غير مُمتنع, لكن لم أر في الصَّحيح التصريح بسماعه منهما. نعم في «مسند» أحمد من رواية مُوسى بن وردان, سمعتُ سعيد بن المُسيب يقول: سمعتُ عُثمان يقول وهو يخطب على المِنْبر: كنتُ أبتاع التَّمر من بَطْن الوادي من اليَهُود, فبلغ ذلك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إذَا اشْتَريتَ فاكْتَلْ...» الحديث. وهو عند ابن ماجه بلفظ: عن, دُون التَّصريح بالسَّماع. وفي «المُسند» أيضًا بسند جيِّد قال: حدَّثنا الوليد بن مُسلم, حدَّثني شُعيب أبو شيبة, سمعتُ عَطَاء الخُرَاساني يقول: سمعتُ سعيد بن المُسيب يقول: رأيتُ عُثمان قاعدًا في المَقَاعد, فدعا بطعام ما مسَّته النَّار, فأكله ثمَّ قام إلى الصَّلاة... الحديث. فثبت سماعه من عُثْمان, والله أعلم. وأمَّا قَيْس فسمعهم, ورَوَى عنهم, ولم يُشَاركه في هذا أحد, وقيلَ: لم يسمع عبد الرَّحمن بن عوف, قاله أبو داود. ويَليهم الَّذين ولدُوا في حَيَاةِ النَّبي صلى الله عليه وسلم من أولاد الصَّحَابة. ويليهم أي: الطبقة الأولى الَّذين ولدوا في حياة النَّبي صلى الله عليه وسلم من أولاد الصَّحابة كعبد الله بن أبي طلحة, وأبي أُمَامة سعد بن سهل بن حُنيف, وأبي إدريس الخَوْلاني, هكذا قاله ابن الصَّلاح. وقال البَلْقِيني: هذا كلام لا يَسْتقيم, لا معنى, ولا نقلاً. أمَّا المعنى, فكيف يُجعل من ولد في حياة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يلي من ولدَ بعدهُ, والصَّواب أن يُجعل هذا مُقدمًا, وتلك الطبقة تليه. وأمَّا النقل فلم يذكر الحاكم ذلك, ولكنَّه عدَّ المُخَضْرمين, ثمَّ قال: ومن التَّابعين بعد المُخضرمين طبقة ولدُوا في زمانه صلى الله عليه وسلم، ولم يسمعوا منه, فذكر أبا أُمامة, ومحمَّد بن أبي بكر الصِّديق ونحوهما, ولم يذكر عبد الله بن أبي طلحة, ولا أبا إدريس. ثمَّ إنَّ الحاكم بعد ذكر الطَّبقة الأولى قال: والطبقة الثانية: الأسود بن يزيد, وعلقمة بن قيس, ومسروق, وأبو سلمة بن عبد الرَّحمن, وخارجة بن زيد, وغيرهم. والطَّبقة الثَّالثة: الشَّعبي, وشُريح بن الحارث, وعُبيد الله بن عبد الله بن عُتبة, وأقرانهم, ثمَّ قال: وهُمْ خمس عشرة طبقة, آخرهم من لقي أنس بن مالك من أهل البَصْرة, وعبد الله بن أبي أوفى من أهل الكوفة, والسَّائب بن يزيد من أهل المدينة, وعبد الله بن الحارث بن جَزْء من أهل الحِجَاز, وأبا أُمامة البَاهلي من أهل الشَّام. انتهى. فلم يعد من الطَّبقات سوى الثلاثة الأولى والأخيرة. وأمَّا أولاد الصَّحابة فلم يذكرهم إلاَّ بعد المُخَضرمين, فقدَّمه ابن الصَّلاح والمُصنِّف هنا, فحصل فيه وهم وإلبَاس. ومن التَّابعين المُخَضْرمون, واحدهم مُخَضْرَم- بفتح الرَّاء- وهُو الَّذي أدْرَك الجَاهلية وزمن النَّبي صلى الله عليه وسلم، وأسْلَم ولم يره. ومن التَّابعين المُخضرمون, واحدهم مخضرَم- بفتح الراء- وهو الَّذي أدركَ الجاهلية وزمن النَّبي صلى الله عليه وسلم وأسلم ولم يره ولا صُحبة له. هذا مُصطلح أهل الحديث فيه, لأنَّه مُتردد بين طبقتين لا يُدرى من أيهما هو, من قولهم: لحم مُخضرم لا يُدرى من ذكر هو أو أُنثى, كما في «المُحكم» و«الصِّحَاح». وطعامٌ مُخضرم, ليس بحلو ولا مُر, حكاه ابن الأعرابي. وقيلَ: من الخضرمة, بمعنى القطع, من خَضْرموا آذان الإبل, قطعوها, لأنَّه اقتطع عن الصَّحابة, وإن عاصر لعدم الرؤية. أو من قولهم: رجلٌ مُخضرم ناقص الحسب, وقيلَ: ليس بكريم النَّسب, وقيلَ: دعيٌّ, وقيلَ: لا يُعرف أبَوَاه, وقيلَ: ولدتهُ السَّراري, لكونه ناقص الرُّتبة عن الصَّحَابة, لعدم الرؤية مع إمكانه. وسواء أدركَ في الجَاهلية نصف عُمره أم لا, والمُراد بإدراكها, قال المُصنِّف في «شرح مسلم»: ما قبل البعثة. قال العِرَاقي: وفيه نظر. والظَّاهر إدراك قومه, أو غيرهم على الكُفر قبل فتح مَكَّة, فإنَّ العرب بعدهُ بادروا إلى الإسْلام, وزال أمر الجَاهلية, وخَطَب صلى الله عليه وسلم في الفتح بإبطال أمرها. وقد ذكر مسلم في المُخَضرمين: بشير بن عَمرو, وإنَّما ولد بعد الهجرة. أمَّا المُخضرم في اصطلاح أهل اللغة, فهو الَّذي عاش نصف عُمره في الجاهلية, ونصفه في الإسْلام, سواء أدرك الصَّحَابة أم لا. فبين الاصْطلاحين عمومٌ وخُصُوص من وجه, فحكيم بن حِزَام مُخضرم باصطلاح أهل اللغة, لا الحديث. وبشر بن عَمرو مُخَضرم باصْطلاح أهل الحديث لا اللُّغة. وحكى بعض أهل اللغة: مُخضرِم, بالكسر. وحكى ابن خلكان: مُحَضرِم, بالحاء المُهملة والكسر أيضًا. وحكى العَسْكري في «الأوائل» أنَّ المُخضرم من المَعَاني الَّتي حدثت في الإسلام, وسُميت بأسماء كانت في الجاهلية لمعان آخر, ثمَّ ذكر أنَّ أصله من خضرمت الغُلام, إذا ختنته, والأذن إذا قُطعت طرفها, فكأنَّ زمان الجَاهلية قطع عليه, أو من الإبل المُخضرمة, وهي الَّتي نتجت من العِرَاب واليَمَانية. قال: وهذا أعجب القولين إليَّ. وعدَّهُم مُسلم عِشْرينَ نفسًا, وهُمْ أكثرُ, ومِمَّن لم يَذْكُره: أبو مُسْلم الخَوْلاني, والأحْنَفُ. وعدَّهم مُسلم بن الحجَّاج, فبلغ بهم عشرين نفسًا وهم: أبو عَمرو سعد بن إياس الشَّيباني, وسُويد بن غَفَلة, وشُريح بن هانئ, ويُسَير بن عَمرو بن جابر, وعَمرو بن ميمون الأودي, والأسود بن يزيد النَّخعي, والأسْود بن هلال المُحَاربي, والمَعْرُور بن سُويد, وعبد خير بن يزيد الخيواني, وشُبيل بن عوف الأحْمسي, ومَسْعود بن حِرَاش, أخو ربعي, ومالك بن عُمير, وأبو عُثمان النَّهدي, وأبو رجاء العُطَاردي, وغُنيم بن قيس, وأبو رافع الصَّائغ, وأبو الحلال العتكي, واسمه ربيعة بن زُرَارة, وخالد بن عُمير العدوي, وثُمامة بن حزن القُشَيري, وجُبير بن نُفير الحَضْرمي. وهم أكثر من ذلك ومِمَّن لم يذكره مُسلم: أبو مُسلم عبد الله بن ثُوَب, بوزن عُمر الخولاني, والأحنف واسمه الضحَّاك بن قيس, وعبد الله بن عُكيم, وعَمرو بن عبد الله بن الأصم, وأبو أُمية الشَّعباني, وأسلم مولى عُمر, وأُويس القُرَني, وأوسط البَجَلي, وجُبير بن الحُويرث, وجابر اليَمَاني, وشُريح بن الحارث القَاضي, وأبو وائل شقيق بن سَلَمة, وعبد الرَّحمن بن عُسَيلة, الصُّنَابحي, وعبد الرَّحمن بن غَنْم, وعبد الرَّحمن بن يَرْبوع, وعَبيدة بن عَمرُو السَّلماني, وعلقمة بن قيس, وقيس بن أبي حازم, وكعب الأحْبَار, ومُرَّة بن شُرَاحيل, ومسروق بن الأجدع, وأبو صالح الأنماري, قيل: وأبو عُتبة الخَوْلاني. هذا ما ذكرهُ العِرَاقي. ومنهم من لم يذكره: الأحنف بن قَيْس الأسَدي, والأجْدَع بن مالك الهمداني والد مسروق, وأبو رهم أحزاب بن أسيد السَّمعي, وأرطاة بن سُهية, وهي أُمه, وأبوه زفر بن عبد الله الغَطَفاني المُزني, وأرطاة المُزني, جد عبد الله بن عوف, وأرطاة بن كعب الفَزَاري, في خلائق آخرين ذكرهم شيخ الإسلام ابن حجر في كتاب «الإصابة» وأرْجُو أن أُفردهم في مؤلف إن شاء الله تعالى. ومن أكَابر التَّابعين: الفُقَهاء السَّبْعة: ابن المُسيب, والقَاسم بن مُحمَّد, وعُروة, وخارجة بن زيد, وأبو سَلَمة بن عبد الرَّحمن, وعُبيد الله بن عُتبة, وسُليمان بن يَسَار, وجعلَ ابن المُبَارك سَالم بن عبد الله بَدَل أبي سَلَمة, وجَعَلَ أبو الزِّناد بدلهُمَا: أبا بَكْر بن عبد الرَّحمن. ومن أكابر التَّابعين: الفُقَهاء السبعة من أهل المدينة: سعيد بن المُسيب, والقاسم بن مُحمَّد بن أبي بكر الصِّديق وعُروة بن الزُّبير وخارجة بن زيد بن ثابت وأبو سلمة بن عبد الرَّحمن بن عَوْف وعُبيد الله بن عبد الله بن عُتبة بن مسعود وسُليمان بن يَسَار الهلالي أبو أيُّوب, هكذا عدَّهم أكثر علماء أهل الحجاز. وجعل ابن المُبَارك سالم بن عبد الله بن عمر بدل أبي سلمة, وجعل أبو الزِّناد بدلهما أي: سالم وأبي سلمة أبا بكر بن عبد الرَّحمن. وعدَّهم ابن المَدِيني اثني عشر: ابن المُسيب, وأبو سلمة, والقاسم, وخارجة, وأخوه إسماعيل, وسالم, وحمزة, وزيد, وعُبيد الله, وبلال, بَنُو عبد الله بن عُمر, وأبان بن عُثمان, وقَبِيصة بن ذُؤيب. وعن أحمد بن حنبل قال: أفْضلُ التَّابعين ابن المُسيب, قيل: فعلقمة والأسْود؟ فقال: هُو وهُمَا. وعنه: لا أعلمُ فيهم مثلَ أبي عُثمان النَّهْدي وقَيْس. وعنه: أفْضَلهُم قَيْس, وأبو عُثْمان, وعَلْقمة, ومَسْروق, وقال أبو عبد الله بن خفيف: أهلُ المَدينة يَقُولون: أفضلُ التَّابعين ابن المُسيب, وأهلُ الكُوفة: أُوَيسٌ, والبَصْرة: الحسن. وعن أحمد بن حنبل قال: أفضل التَّابعين سعيد بن المُسيب, قيل له: فعلقمة والأسود؟ قال: هو وهما. وعنه أيضًا: لا أعلم فيهم أي التَّابعين مثل أبي عُثمان النَّهدي, وقيس بن أبي حازم. وعنه أيضًا: أفضلهم قيس, وأبو عُثمان النَّهدي, وعلقمة, ومسروق هؤلاء كانوا فاضلين ومن علية التَّابعين. وقال أبو عبد الله مُحمَّد بن خفيف الشِّيرازي: أهل المدينة يقولون: أفضل التَّابعين ابن المُسيب, وأهل الكُوفة يقولون: أُويس القُرَني و أهل البَصْرة يقولون: الحسن البصري. واستحسنهُ ابن الصَّلاح. وقال العِرَاقي: الصَّحيح, بل الصواب ما ذهب إليه أهل الكُوفة, لما روى مُسْلم في «صحيحه» عن عُمر بن الخَطَّاب قال: سمعتُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ خير التَّابعين رَجُل يُقَال له: أُويس... الحديث. قال: فهذا قاطعٌ للنِّزاع. قال: وأمَّا تفضيل أحمد لابن المُسيب وغيره, فلعله لم يبلغه الحديث, أو لم يصح عندهُ, أو أراد بالأفضلية في العلم, لا الخيرية. وقال البَلْقِيني: الأحسن أن يُقال: الأفضل من حيث الزُّهْد والورع: أُويس, ومن حيث حفظ الخبر والأثر: سعيد. وقال أحمد: ليس أحد أكثر فتوى في التَّابعين من الحسن, وعطاء, كان عطاء مفتي مَكَّة, والحسن مُفتي البَصْرة. وقال ابنُ أبي دَاود: سَيِّدتا التَّابعيات: حَفْصةُ بنت سِيرين, وعَمْرة بنت عبد الرَّحمن, وتَلِيهُمَا أُم الدَّردَاء, وقد عدَّ قومٌ طَبَقةً في التَّابعين, ولم يلقُوا الصَّحَابة, وطَبَقةً وهُم صَحَابةٌ, فليُتفطَّن لذلك. وقال أبو بكر بن أبي داود: سيدتا التابعيات: حفصة بنت سيرين, وعَمرة بنت عبد الرَّحمن, وتليهما أم الدَّرداء الصُّغْرى هجيمة, ويقال: عجيمة, وليست كهما. وقال إياس بن مُعاوية: ما أدركتُ أحدًا أُفضِّله على حفصة, يعني بنت سيرين, فقيل له: الحسن وابن سيرين؟ فقال: أمَّا أنا فما أُفضِّل عليهما أحدًا. وقد عدَّ قومٌ طبقةً في التَّابعين ولم يلقُوا الصَّحابة فهم من أتباع التَّابعين, كإبراهيم بن سُويد النَّخعي, لم يُدرك أحدًا من الصَّحابة, وليس بإبراهيم بن يزيد النَّخعي الفقيه. وبُكير بن أبي السَّميط- بفتح السين وكسر الميم- لم تصح له عن أنس رواية, إنَّما أسقط قَتَادة من الوسط. ووقع لقومٍ عكس ذلك, فعدُّوا طبقةً من التَّابعين في أتباع التَّابعين, لكون الغالب عليهم روايتهم عنهم, كأبي الزِّنَاد عبد الله بن ذكوان, لقي ابن عُمر وأنسًا. و عدَّ من التَّابعين طبقة وهُم صحابة إمَّا غلطًا, كالنَّعمان, وسُويد ابني مُقرِّن, عدَّهما الحاكم في الأخوة من التَّابعين, وهما صحابيان معروفان. أو لكون ذلك الصَّحَابي من صغار الصَّحَابة, يُقارب التَّابعين في كون روايته, أو غالبها عن الصَّحَابة, كما عدَّ مسلم من التَّابعين يُوسف بن عبد الله بن سلام ومحمُود بن لَبيد. ووقع لِقَومٍ عكس ذلك, فعدُّوا بعض التَّابعين من الصَّحَابة. وكثيرًا ما يقع ذلك لمن يُرسل, كما عد مُحمَّد بن الرَّبيع الجيزي, عبد الرَّحمن بن غنم الأشعري مِمَّن دخل مصر من الصَّحَابة, وليس منهم على الأصح فليُتفطَّن لذلك وأمثاله.
فوائد قال البَلْقِيني: أوَّل التَّابعين موتًا: أبو زيد مَعْمر بن زيد, قُتل بخراسان. وقيلَ: بأذربيجان سَنَة ثلاثين, وآخرهم موتًا: خلف بن خَليفة سَنَة ثمانين ومئة.
تنبيه: أفرد الحاكم في «علوم الحديث» نوعًا من أنواع الحديث لأتباع التَّابعين, وسيأتي في الأنواع المزيدة.
مِنْ فَائدتهِ أنْ لا يتوهَّم أنَّ المَرْوي عنهُ أكبرُ وأفضَلُ, لكَونهِ الأغْلبَ, ثمَّ هو أقْسَامٌ: أحدهَا: أن يَكُون الرَّاوي أكبر سِنًّا وأقْدمَ طبقةً, كالزُّهْري عن مالكٍ, وكالأزْهَريِّ عن الخَطِيب. والثَّاني: أكبر قدرًا, كحَافظٍ عَالمٍ عن شيخٍ, كمَالكٍ عن عبد الله بن دينار. النَّوع الحادي والأرْبَعُون: رواية الأكابر عن الأصَاغر. والأصل فيه رِوَاية النَّبي صلى الله عليه وسلم عن تميم الدَّاري حديث الجَسَّاسة, وهي عند مسلم. وروايته عن مالك بن مُزَرِّد- وقيلَ: ابن مرارة، وقيلَ: ابن مُرَّة- الرهاوي فيما أخرجه ابن منده في «الصَّحَابة» بسنده عن زُرْعَة بن سيف بن ذي يزن أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم كتبَ إليه كِتابًا: «وأنَّ مالك بن مُزرد الرهاوي قد حدَّثني أنَّك أسلمت وقاتلت المُشْركين, فأبشر بخير...» الحديث. من فائدته أي: فائدة معرفة هذا النَّوع أن لا يتوهَّم أنَّ المروي عنه أفضل وأكبر من الرَّاوي لكونه الأغلب في ذلك, تنزيلا لأهل العلم منازلهم, للأمر بذلك في حديث عائشة, أخرجه أبو داود وغيره. ومنها: أن لا يظن أنَّ في السَّند انقلابًا. ثمَّ هو أقسامٌ : أحدها: أن يَكُون الرَّاوي أكبر سنًّا وأقدم طبقة من المروي عنه كالزُّهْري ويحيى بن سعيد الأنصاري في روايتهما عن مالك بن أنس. وكالأزهري أبي القاسم عُبيد الله بن أحمد, في روايته عن تلميذه الخَطِيب البغدادي, وهو إذ ذاكَ شاب. والثاني : أن يَكُون الرَّاوي أكبر قدرًا لا سِنًّا كحافظٍ عالمٍ روى عن شيخ مُسن لا علم عنده كمالك في روايته عن عبد الله بن دينار. وأحمد بن حنبل, وإسْحَاق بن رَاهُويه في روايتهما, عن عُبيد الله بن مُوسى العبسي. والثَّالث: أكبرُ من الوَجْهينِ, كعبد الغَنيِّ, عن الصُّوريِّ, وكالبَرْقَانيِّ عن الخَطِيب, ومنهُ رِوَاية الصَّحَابة عن التَّابعين, كالعَبَادلة وغيرهم, عن كعب الأحْبَار, ومنه رِوَاية التَّابعي عن تابعيه, كالزُّهْري, والأنْصَاري, عن مالكٍ, وكعَمْرو بن شُعَيب ليسَ تَابعيًا, ورَوَى عنه منهُم أكثر من عِشْرين, وقيلَ: أكثر من سَبْعين. والثَّالث : أن يَكُون الرَّاوي أكبر من المروي عنه من الوجهين معًا كعبد الغني بن سعيد الحافظ, في روايته عن محمَّد بن علي الصُّوري تلميذه. وكالبَرْقاني في روايته عن الخَطِيب. وكالخَطيب في رِوَايته عن ابن مَاكُولا. ومنه أي من القِسْم الثَّالث, من رواية الأكابر عن الأصَاغر: رواية الصَّحَابة عن التَّابعين, كالعبادلة وغيرهم من الصَّحَابة, كأبي هُرَيرة, ومُعاوية, وأنس في رِوَايتهم عن كعب الأحْبَار. ومنه أيضًا: رواية التَّابعي عن تابعيه, كالزُّهْري والأنصاري, عن مالك, وكعَمْرو بن شُعيب بن مُحمَّد بن عبد الله بن عَمرو بن العاص ليسَ تابعيًا, وروى عنه منهم أي: التَّابعين أكثر من عشرين نفسًا, فيما جمعهم الحافظ عبد الغني بن سعيد في جزء له, بلغ بهم تسعة وثلاثين. وقيلَ: أكثر من سبعين قاله الحافظ أبو الفضل الطبسي. وعدَّهم الحافظ أبو الفضل العِرَاقي نيفًا وخمسين: إبْرَاهيم بن ميسرة, وأيُّوب السِّخْتياني, وبُكَير بن الأشج, وثابت بن عَجْلان, وثابت البُنَاني, وجرير بن حازم, وحبَّان بن عَطية, وحَبيب بن أبي مُوسى, وحَرِيز بن عُثمان الرَّحبي, والحَكَم بن عُتيبة, وحُميد الطَّويل, وداود بن قَيْس, وداود بن أبي هِنْد, والزُّبير بن عَدي, وسعيد بن أبي هلال, وسَلَمة بن دينار, وأبو إسْحَاق سُليمان الشيباني, وسليمان الأعمش, وعاصم الأحول, وعبد الله بن عبد الرَّحمن بن يعلى الطَّائفي, وعبد الله بن عون, وعبد الله بن أبي مُليكة, وعبد الرَّحمن بن حَرْملة, وعبد العزيز بن رُفَيع, وعبد الملك بن جُرَيج, وعبد الله بن عُمر العُمَري, وعطاء بن السَّائب, وعطاء الخُرَاساني, والعلاء بن الحارث الَّشامي, وعلي بن الحكم البُنَاني, وعَمرو بن دينار, وأبو إسْحَاق عَمرو السَّبيعي, وقتادة, ومحمَّد بن إسْحَاق بن يسار, ومحمَّد بن جُحَادة, ومحمَّد بن عَجْلان, وأبو الزُّبير محمَّد بن مسلم, ومحمد بن مسلم الزُّهْري, ومطر الورَّاق, ومَكْحُول, وموسى بن أبي عائشة, وأبو حنيفة النُّعمان بن ثابت, وهشام بن عُروة, وهشام بن الغاز, ووهب بن مُنَبِّه, ويحيى بن أبي كثير, ويزيد بن أبي حبيب, ويزيد بن الهاد, ويعقوب بن عطاء بن أبي رباح. وما جزم به المُصنِّف كابن الصَّلاح, من كونه ليس تابعًا تبعا فيه عبد الغني وأبا بكر النقَّاش. وردَّه الحافظ أبو الفضل العِرَاقي, وقبله المِزِّي, وقال: قد سمع من غير واحد من الصَّحَابة, منهم زينب بنت أبي سلمة, والرُّبَيع بنت مُعوِّذ بن عَفْراء, وهُمَا صحابيتان.
القَرينَانِ هُمَا المُتقَاربَانِ في السِّنِّ والإسْنَاد, ورُبَّما اكتفَى الحَاكمُ بالإسْنَاد, فإن رَوَى كلُّ واحدٍ منهما عن صَاحبهِ, كعَائشةَ, وأبي هُرَيرة, ومالك, والأوْزَاعي, فهوَ المُدَبَّج. النَّوع الثَّاني والأربعُون: المُدبج ورواية القرين عن القرين. ومن فوائد معرفة هذا النَّوع أن لا يظن الزيادة في الإسناد أو إبدال عن بالواو. القرينان هُمَا المُتقاربان في السِّن والإسْنَاد, وربَّما اكتفى الحاكم بالإسْنَاد أي بالتَّقُارب فيه وإن لم يتقَاربَا في السِّن. فإن رَوَى كُل واحد منهما عن صَاحبه, كعائشة وأبي هُرَيرة في الصَّحَابة والزُّهْري وأبي الزُّبَير في الأتباع ومالك والأوزاعي في أتباعهم فهو المُدَبَّج بضم الميم وفتح الدال المهملة وتشديد الباء الموحدة وآخره جيم. قال العِرَاقي: وأوَّل من سمَّاه بذلك الدَّارقُطْني فيما أعلم. قال: إلاَّ أنَّه لم يُقيِّدهُ بكونهما قرينين, بل كل اثنين روى كل منهم عن الآخر, يُسمَّى بذلك, وإن كان أحدهما أكبر, وذكر منهُ رواية النَّبي صلى الله عليه وسلم عن أبي بَكْر وعُمر وسَعْد بن عُبَادة, وروايتهم عنه, ورواية عُمر عن كعب, وكعب عنه. وبذلك يندفع اعتراض ابن الصَّلاح على الحاكم, في ذكره في هذا رواية أحمد عن عبد الرزاق عنه, لأنَّه ماش على ما قالهُ شيخه ونقله عنه. ثمَّ وجه التَّسمية قال العِرَاقي: لم أر من تعرَّض لها, قال: إلاَّ أنَّ الظاهر أنَّه سُمِّي به لحُسْنه, لأنَّه لغة المُزَّين, والرواية كذلك, إنَّما تقع لنكتة يعدل فيها عن العُلو إلى المُسَاواة, أو النُّزول, فيحصل للإسناد بذلك تزيين. قال: ويُحتمل أن يَكُون سُمِّي بذلك لِنُزول الإسْنَاد, فيَكُون ذمًّا, من قولهم: رَجُل مُدبَّج قبيح الوجه والهامة, حكاه صاحب «المُحكم». وقد قال ابن المَدِيني والمُستملي: النزُّول شُؤم. وقال ابن مَعِين: الإسناد النازل حدرة في الوجه. قال: وفيه بُعدٌ, والظَّاهر الأوَّل. قال: ويُحتمل أن يُقَال: إنَّ القَرِينين الواقعين في المُدبَّج في طبقة واحدة, بمنزلة واحدة, تشبها بالخدين, إذ يُقَال لهما: الدَّيباجتان, كما قالهُ الجَوْهري وغيره. قال: وهذا المعنى مُتوجِّه على ما قالهُ ابن الصَّلاح والحاكم: إنَّ المُدبَّج مُختص بالقَرِينين. وجزم بهذا المأخذ في «شرح النخبة» فإنَّه قال: لو رَوَى الشَّيْخ عن تلميذه, فهل يُسمَّى مُدبَّجًا, فيه بحثٌ, والظَّاهر لا, لأنَّه من رواية الأكابر عن الأصَاغر, والتَّدبيج مأخوذٌ من ديباجتي الوجه, فيقتضي أن يكون مُستويا من الجانبين. أمَّا رِوَاية القَرِين عن قَرِينه من غير أن يَعْلم رِوَاية الآخر عنهُ, فلا يُسمَّى مُدبجًا, كَرواية زائدة بن قُدَامة, عن زُهَير بن مُعَاوية, ولا يعلم لزُهَير رواية عنهُ. وأمَّا تمثيل ابن الصَّلاح برواية التَّيمي عن مِسْعر, وقوله: ولا يعلم لمِسْعر رِوَاية عنه. فاعْتُرضَ بأنَّه أيضًا روى عنه فيما ذكرهُ الدَّارقُطْني في المُدبَّج. وتمثيل الحاكم بِرواية يزيد بن الهاد عن إبْرَاهيم بن سعد, وسُليمان بن طَرْخان عن رَقَبة بن مَصْقلة, وقوله: لا أعلم لابن سعد ورَقَبة رِوَاية عن يزيد وسُليمان. فاعْتُرض أيضًا بوجودها, فرواية ابن سعد عن يزيد في «صحيح» مسلم والنَّسائي, ورواية رَقَبة عن سُليمان في المُدبَّج للدَّارقُطْني. لطيفة: قد يَجْتمع جماعة من الأقران في حديث, كما روى أحمد بن حنبل, عن أبي خَيْثَمة زُهَير بن حرب, عن يحيى بن معين, عن علي بن المَدِيني, عن عُبيد بن مُعَاذ, عن أبيه, عن أبي بكر بن حفص, عن أبي سَلَمة, عن عَائشة قالت: كُنَّ أزواج النَّبي صلى الله عليه وسلم يأخُذنَّ من شُعورهنَّ, حتَّى يَكُون كالوَفْرة. فأحمد والأرْبعة فَوق خمستهم أقران.
هُو إحْدَى مَعَارفهم أفردهُ بالتَّصنيف ابن المَدِيني, ثمَّ النَّسَائي, ثمَّ السرَّاج, وغيرهم, مثالُ الأخَوَين في الصَّحَابة: عُمر وزَيْدٌ ابنا الخَطَّاب, وعبد الله وعُتبة ابنا مَسْعُود. النَّوع الثَّالث والأرْبَعُون: معرفة الإخوة والأخوات. هو إحدى معارفهم, أفرده بالتَّصنيف علي ابن المَدِيني, ثمَّ النَّسَائي, ثمَّ أبو العبَّاس السراج وغيرهم كمسلم وأبي داود. ومن فوائده: أنَّه لا يظن من ليس بأخ أخا عند الاشتراك في اسم الأبِّ. مثال الأخوين في الصَّحَابة: عُمر وزيد ابنا الخَطَّاب هذا المثال مزيد على ابن الصَّلاح. وعبد الله وعتبة ابنا مسعود. وزيد ويزيد ابنا ثابت. وعَمرو وهِشَام ابنا العاص. ومِنَ التَّابعين: عَمرو وأرقم ابنا شُرَحبيل. وفي الثَّلاثة: عليٌّ وجَعْفر, وعَقِيلٌ بَنُو أبي طالب, وسَهْلٌ وعبَّاد وعُثْمان بَنُو حُنَيف. وفي غَيْرِ الصَّحَابة: عَمرو وعُمر وشُعيبٌ بَنُو شُعَيبٍ. ومن التَّابعين عَمرو وأرْقَم ابنا شرحبيل كلاهما من أفاضل أصْحَاب ابن مسعُود. ثمَّ قال ابن الصَّلاح: هُذيل بن شرحبيل وأرقم أخوان آخران من أصحابه أيضًا. واعْتُرض بأن جعله أرقم اثنين, أحدهما أخو عَمرو, والآخر أخو هُذيل ليس بصحيح, وإنَّما اختلف أهل التاريخ والأنساب في أنَّ الثلاثة إخوة, أو ليسَ عَمرو أخا لهُمَا, فذهب ابن عبد البر إلى الأوَّل, والصَّحيح الَّذي عليه الجمهور الثَّاني: أن أرقم وهذيلاً أخوان فقط, وهو الَّذي اقتصر عليه البُخَاري وابن أبي حاتم, وحكاه عن أبيه, وعن أبي زُرْعَة, وابن حبَّان, والحاكم. وجزم به المِزِّي في «التهذيب» وردَّ على ابن عبد البر بأنَّ عَمرو بن شرحبيل همداني, وأرقم وهُذيل أوديان, ولا يجتمع همدان في أود. فما ذكرهُ ابن الصَّلاح لا يتأتَّى على قول الجمهُور, ولا قول ابن عبد البر. وكذلك ما صنعهُ المُصنِّف وإن حذف هذيلاً, لأنَّه على قول ابن عبد البر يعد في الثلاثة, لا في الأخوين. و مثاله في الثلاثة في الصَّحَابة: علي, وجعفر, وعَقيل, بنو أبي طالب هذا المثال مزيد على ابن الصَّلاح. وسهل وعُثمان وعَبَّاد بالفتح والتَّشديد بَنُو حنيف. وفي غير الصَّحَابة في التَّابعين: أبَان وسعيد وعَمرو أولاد عُثمان. وبعدهُم عَمرو بالفتح وعُمر بالضم وشُعيب بنو شُعيب بن محمَّد بن عبد الله بن عَمرو بن العاص. وفي الأرْبَعةِ: سُهَيل, وعبد الله, ومُحمَّد وصَالح بَنُو أبي صَالح. وفي الخَمْسة: سُفْيان, وآدم, وعِمْران, ومُحمَّد, وإبراهيم بَنُو عُيينة, حَدَّثوا كُلهم. وفي السِّتة: مُحمَّد, وأنَس, ويَحْيى, ومَعْبد, وحَفْصة, وكريمة, بنو سيرين, وذكر بعضهم: خالدًا بدل كريمة, ورَوَى مُحمَّد عن يحيى عن أنَسٍ عن أنَسِ بن مالك حديثًا, وهَذهِ لطيفةٌ غَريبةٌ, ثلاثةُ أخْوَة رَوَى بعضهُم عن بَعْض. و مثاله في الأربعة من الصَّحَابة: عبد الرَّحمن, ومحمَّد وعَائشة وأسْمَاء أولاد أبي بكر الصِّديق, ذكرهُ البَلْقِيني. وفي التَّابعين: عُروة, وحمزة, ويعقوب, والعقَّار, أولاد المغيرة بن شُعْبة. وبعدهم: سُهيل, وعبد الله, ومحمَّد وصالح, بَنُو أبي صالح السَّمان. وأمَّا قول ابن عَدي: إنَّه ليس في ولد أبي صالح مُحمَّد, وإنَّما هُمْ سُهيل ويَحْيى وعباد, وعبد الله, وصالح. فوهم كما قال العِرَاقي: حيث أبدل مُحمَّدًا بيحيى, وجعل عبادًا وعبد الله اثنين, وإنَّما هو لقبه. و مثاله في الخَمْسة لم أقف عليه في الصَّحَابة. وفي التَّابعين: موسى, وعيسى, ويحيى, وعِمْران, وعائشة, أولاد طلحة بن عُبيد الله. وبعدهم: سُفْيان, وآدم, وعِمْران, ومُحمَّد, وإبراهيم, بَنُو عُيينة حَدَّثوا كُلهم, وأجلهم سُفْيان. وقيلَ: أنَّهم عشرة, إلاَّ أنَّ الخمسة الآخرين لم يُحدِّثوا وسُمِّي منهم: أحمد, ومَخْلد. و مثاله في السِّتة لم أقف عليه في الصَّحَابة. وفي التَّابعين: محمَّد, وأنس, ويحيى, ومعبد, وحفصة, وكريمة, بَنُو سيرين هكذا سمَّاهم ابن مَعِين والنَّسائي والحاكم. وذكر بعضهم وهو أبو علي الحافظ خالدًا بدل كريمة. وزاد ابن سعد فيهم: عَمْرة, وسَوْدة. قال العِرَاقي: ولا رِوَاية لهما, فلا يُردان. وفي «المَعَارف» لابن قتيبة: ولد لسيرين ثلاثة وعِشْرُون ولدًا من أُمِّهات الأولاد. وروى مُحمَّد بن سيرين عن أخيه يحيى, عن أخيه أنس, عن مولاه أنس بن مالك حديثًا وهو: أنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لبَّيكَ حجًّا حقًّا تَعبُّدًا ورقًا». أخرجه الدَّارقُطْني في «العلل» من رِوَاية هِشَام بن حسَّان عنه. وهذه لطيفةٌ غريبة, ثلاثة إخوة روى بعضهم عن بعض في إسْنَاد واحد, وذكر ابن طاهر: أنَّ هذا الحديث رواه محمَّد, عن أخيه يحيى, عن أخيه سعيد, عن أخيه أنس, وهو في جزء أبي الغنَّائم النَّرسي, فعلى هذا اجتمعوا أربعة في إسْنَاد. وفي السَّبْعة: النُّعْمان ومَعْقل وعَقيلٌ وسُويد وسِنَان, وعبد الرَّحمن, وسَابعٌ لم يُسمَّ, بَنُو مُقرِّن صَحَابة مُهاجرون لَمْ يُشَاركهم أحدٌ, وقيلَ: شَهِدُوا الخَنْدق. و مثاله في السَّبعة: النعمان, ومَعْقل, وعَقيل, وسُويد, وسِنان, وعبد الرَّحمن, وسابع لم يُسم كذا قال ابن الصَّلاح, وقد سمَّاه ابن فتحون في ذيل «الاستيعاب» عبد الله بنو مقرن وكلهم صحابة مُهاجرون لم يُشَاركهم أحد في هذه المَكْرمة من كونهم سَبْعة هَاجَرُوا وصحبُوا وقيلَ: شهدوا الخندق. ومثالهُ في التَّابعين: سالم, وعبد الله, وعُبيد الله, وحمزة, وورش, وواقد, وعبد الرَّحمن, أولاد عبد الله بن عُمر.
تنبيهات: أحدها: ما ذكره ابن الصَّلاح من كون بني مُقرِّن سبعة اعْتُرض عليه بأنَّ ابن عبد البر زاد فيهم: ضِرَارًا ونُعيمًا, وحكى غيره أنَّ أولاد مُقرِّن عشر. فالمثال الصَّحيح أولاد عفراء: مُعاذ, ومُعوِّذ, وأنس, وخالد, وعاقل, وعامر, وعوف, كلهم شَهدُوا بدرًا. والثَّاني: أنَّ قوله: لم يُشاركهم أحد في الهِجْرة والصُّحْبة والعدد, ذكره أيضًا ابن عبد البر وجماعة. واعْتُرض بأولاد الحارث بن قيس السَّهمي, كُلهم هَاجرُوا وصَحِبُوا, وهم سَبْعة, أو تِسْعة: بشر, وتميم, والحارث, والحجَّاج, والسَّائب, وسعيد, وعبد الله ومَعْمر, وأبو قَيْس, وهُمْ أشرف نسبًا في الجَاهلية والإسلام من بني مُقرِّن, وزادوا عليهم بأن استُشْهدَ منهم سبعة في سبيل الله. الثَّالث: مثال الثَّمانية في الصَّحَابة: أسماء, وحمران, وخِرَاش, وذؤيب, وسلمة, وفَضَالة, ومالك, وهند, بَنُو حارثة بن سعد شَهدُوا بَيْعة الرِّضْوان بالحُديبية, ولم يشهد البَيْعة أحد بعددهم. وفي التَّابعين أولاد سعد بن أبي وقَّاص: مُصعب, وعامر, ومحمَّد, وإبراهيم وعَمرة, ويحيى, وإسحاق, وعائشة. ومثال التِّسعة في الصَّحَابة: أولاد الحارث المُتقدِّمين. وفي التَّابعين: أولاد أبي بَكْرة: عبد الله, وعُبيد الله, وعبد الرَّحمن, وعبد العزيز, ومسلم, وروَّاد, ويزيد, وعُتبة, وكَبْشة. ومثال العشرة من الصَّحَابة أولاد العبَّاس: عبد الله, وعُبيد الله, وعبد الرَّحمن, والفضل, وقُثَم, ومَعْبد, وعَوْن, والحَارث, وكثير, وتمَّام, وهو أصغرهم. قال ابن عبد البر: لكلِّ ولد العبَّاس رُؤية, والصُّحْبة للفضل وعبد الله. وفي التَّابعين أولاد أنَس الَّذين رَوُوا فقط: النَّضر, ومُوسَى, وعُبيد الله, وزيد, وأبو بكر, وعُمر, ومالك, وثُمَامة, ومَعْبد. ومثال الإثني عَشَر أولاد عبد الله بن أبي طلحة: إبْرَاهيم, وإسحاق, وإسماعيل, وزيد, وعبد الله, وعمارة, وعمر, وعميرة, والقاسم, ومحمَّد, ويعقوب, ومَعْمر. ومثال الثلاثة عشر, أو الأربعة عشر, أولاد العبَّاس المذكور, وله أربع إنَاث أو ثلاث: أم كلثوم, وأم حبيب, وأميمة, وأم تميم.
للخَطيبِ فيه كِتَابٌ, فيه عن العبَّاس, عن ابنه الفَضْل: أنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم جمعَ بين الصَّلاتين بالمُزْدلفة. وعن وائل بن داود, عن ابْنهِ بَكْر, عن الزُّهْري حديثًا. وعن مُعْتمر بن سُليمان, قال: حدَّثني أبي, قال حدَّثتني أنتَ عنِّي, عن أيُّوب, عن الحسن قال: ويْحَ كلمَةُ رَحْمة. وهذا طريفٌ يجمعُ أنواعًا بَيَّنتُها في الكبير. النَّوع الرَّابع والأرْبَعُون: رواية الآباء عن الأبناء. للخطيب فيه كتاب روى فيه عن العبَّاس بن عبد المُطَّلب عن ابنه الفضل أنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم جمعَ بين الصَّلاتين بالمُزْدلفة. و روى فيه عن وائل بن داود, عن ابنه بكر, عن الزُّهْري حديثا عن سعيد بن المسيب, عن أبي هُرَيرة مرفوعًا: «أخِّرُوا الأحمال, فإن اليد مُعلَّقة والرِّجل موثقة». وأورد أصحاب «السُّنن» الأربعة من طريقه, عن الزُّهْري, عن أنس: أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم أوْلَمَ على صفية بِسَويق وتَمْر. و روى فيه عن مُعتمر بن سُليمان التيمي قال: حدَّثني أبي, قال: حدَّثني أنت عنِّي, عن أيُّوب السِّخْتياني عن الحسن قال: ويْحَ كلمة رحمة. قال المُصنِّف كابن الصَّلاح: وهذا مثال طريف يجمع أنواعًا. قال المُصنِّف: بينتها في الكبير أي: «الإرشاد». وقال فيه: منها رواية الأب عن ابنه, ورواية الأكبر عن الأصغر, ورواية التَّابعي عن تابعيه, ورواية ثلاثة تابعين بعضهم عن بعض, وأنَّه حدَّث غير واحد عن نفسه. قال: وهذا في غاية من الحُسْن والغَرَابة, ويَبْعُد أن يوجد مجموع هذا في حديث. انتهى. وقد أورده – أي: الخطيب- في كتابه «رواية الآباء عن الأبناء» وفي كتاب «من حدَّث ونسي». وأورده في كتاب «من حدَّث ونسي» من طريق أُخرى عن يحيى بن معين, عن مُعتمر بن سُليمان قال: حدَّثني مُنقذ قال: حدَّثتني أنت عنِّي عن أيُّوب فذكره. وقال: هكذا روى الحديث يحيى بن مَعِين, عن مُعتمر, عن مُنْقذ, عن نفسه, ثمَّ رجع عن ذلك, فرواه عن مُعْتمر, عن أبيه, عن نفسه, ورواه صالح بن حاتم بن وردان, ونُعيم بن حمَّاد كلاهما عن مُعتمر عن رَجُل غير مُسمَّى. قال نُعيم: قلت لمُعتمر: من الرَّجُل, فقال: ابن المُبَارك.
فوائد: رَوَى أنس بن مالك عن ابنه- غير مسمى- حديثًا, وزكريا بن أبي زائدة عن ابنه حديثًا, ويُونس بن أبي إسْحَاق عن ابنه إسرائيل حديثًا, وأبو بكر بن عيَّاش عن ابنه إبْرَاهيم حديثًا, وشُجَاع بن الوليد عن ابنه أبي هِشَام الوليد حديثًا, وعُمر بن يونس اليَمَامي عن ابنه مُحمَّد حديثًا, وسعيد بن الحكم المِصْري عن ابنه مُحمَّد حديثًا, وإسحاق بن البهلول عن ابنه يعقوب حديثين, ويحيى بن جعفر بن أعين عن ابنه الحُسين حديثين, وأبو داود صاحب «السنن» عن ابنه أبي بكر حديثين, والحسن بن سُفْيان عن ابنه أبي بكر حديثين. قال ابن الصَّلاح: وأكثر ما رويناه لأب عن ابنه ما في كتاب الخَطِيب عن حفص الدُّوري المقرئ عن ابنه أبي جعفر مُحمَّد ستة عشر حديثًا, أو نحو ذلك. قال: وأمَّا الحديث الَّذي رويناه عن أبي بكر الصِّديق عن ابنته عائشة, عن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «في الحَبَّة السَّوداء شِفَاء من كُلِّ دَاء». فهو غَلَط مِمَّن رواهُ, إنَّما هو أبي بَكْر بن أبي عَتيق مُحمَّد بن عبد الرَّحمن بن أبي بَكْر, عن عائشة, كما رواه البُخَاري في «صحيحه». قال العِرَاقي: لكن ذكر ابن الجَوْزي أنَّ الصِّديق روى عن ابنته عائشة حديثين, وروت عنها أم رومان أمها حديثين. قال البَلْقِيني: فإن كان ابن الجَوْزي أخذ رِوَاية الصِّديق من ذلك الحديث, فقد تبين أنَّه وهمٌ. قال: وذكر رواية العَبَّاس وحمزة عن ابن أخيهما رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، والعَمْ بمنزلة الأب. قال: وفي هذا التَّمثيل نظر! قال: وروى شُعيب الزُّبيري عن ابن أخيه الزُّبَير بن بَكَّار, وإسْحَاق بن حنبل عن ابن أخيه الإمام أحمد, وروى مالك عن ابن أخيه إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس. قلت: ومن ألطف هذا النَّوع رِوَاية أبي طالب عن النَّبي صلى الله عليه وسلم !
لأبي نَصْر الوَائليِّ فيهِ كِتَابٌ, وأهمُّهُ ما لَمْ يُسمَّ فيهِ الأبُ والجدُّ, وهو نَوْعان: أحدهُمَا: عن أبَيهِ فحَسْبُ, وهو كثيرٌ. والثَّاني: عن أبَيهِ عن جَدِّه, كعَمرو بن شُعَيب بن مُحمَّد بن عبد الله بن عَمْرو بن العَاص عن أبَيهِ عن جَدِّه, له هَكَذا نُسْخةٌ كبيرةٌ, أكْثَرُها فِقْهياتٌ جِيَادٌ, واحتَجَّ به هَكَذا أكثرُ المُحَدِّثين. النَّوع الخَامس والأرْبَعُون: رواية الأبناء عن آبائهم. لأبي نصر الوائلي فيه كتاب, وأهمه ما لم يُسمَّ فيه الأب والجد فيحتاج إلى معرفة اسمه. وهو نوعان : أحدهما : رواية الرَّجُل عن أبيه فحسب, وهو كثير كرواية أبي العُشَراء الدَّارمي, عن أبيه عن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في «السنن» الأربعة, ولم يُسمَّ أبوه, واخْتُلف فيه, وسيأتي. والثَّاني : روايته عن أبيه عن جَدِّه. قال ابن الصَّلاح: حدَّثني أبو المُظفَّر السَّمعاني, عن أبي النَّضر عبد الرَّحمن بن عبد الجبار, قال: سمعتُ السَّيد أبا القاسم منصُور بن مُحمَّد العلوي يقول: الإسناد بعضه عوال, وبعضه مَعَال, وقول الرَّجُل: حدثني أبي عن جَدِّي من المَعَالي. وقال الحاكم في «المَدْخل»: سمعتُ الزُّبَير بن عبد الواحد الحافظ يقول: حدَّثني محمَّد بن عبد الله بن سُليمان العطَّار, حدثنا سعيد بن عَمرو بن أبي سَلَمة, سمعتُ أبي يَقُول: سمعتُ مالك بن أنس يقول: في قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف: 44] قال: قول الرَّجُل حدَّثني أبي عن جدي. وألَّف فيهِ الحافظ أبو سعيد العَلائي «الوَشْم المُعلَّم». ثمَّ تَارة يُريدُ بالجد أبا الأب, وتَارة يُريد الأعْلَى, فيَكُون جدا للأب كعَمرو بن شُعيب بن مُحمَّد بن عبد الله بن عَمرو بن العَاص, عن أبيه عن جَدِّه, له هكذا نُسْخة كبيرة, أكثرها فِقْهياتٌ جِيَاد, واحتجَّ به هكذا أكثر المُحدِّثين إذا صحَّ السَّند إليه. قال البُخَاري: رأيتُ أحمد بن حنبل, وعلي بن المَدِيني, وإسحاق بن راهويه, وأبا عُبيدة وعامةُ أصحابنا يحتجُّون بحديثه, ما تركهُ أحد من المُسْلمين. قال البُخَاري: من النَّاس بعدهم. وزاد مرَّة: والحُميدي. وقال مرة: اجتمع عليَّ, ويحيى بن مَعِين, وأحمد, وأبو خَيْثمة, وشُيوخ من أهل العلم, فتذاكروا حديث عَمرو بن شُعيب, فثبَّتُوه وذكرُوا أنَّه حُجَّة. وقال أحمد بن سعيد الدَّارمي: احتجَّ أصحابنا بحديثه. قال المُصنِّف في «شرح المُهذَّب»: وهو الصَّحيح المُختار الَّذي عليه المُحقِّقُون من أهل الحديث, وهم أهل هذا الفن, وعنهم يؤخذ. حملاً لجدِّهِ عَلَى عبد الله دُونَ مُحمَّد التَّابعيِّ. حملاً لجده على عبد الله الصَّحابي دون محمَّد التَّابعي لما ظهر لهم في إطلاقه ذلك, وسماع شعيب من عبد الله ثابت, وقد أبطل الدَّارقُطْني وغيره إنكار ابن حبَّان ذلك. وحكى الحسن بن سُفْيان عن إسْحَاق بن راهويه قال: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده, كأيُّوب عن نافع عن ابن عُمر. قال المُصنِّف: وهذا التَّشبيه نهاية الجلالة من مثل إسْحَاق. وقال أبو حاتم: عَمرو عن أبيه عن جده, أحب إلي من بَهْز بن حكيم عن أبيه عن جده. وقد ألَّف العلائي جُزأ مُفردًا في صِحَّة الاحتجاج بهذه النُّسْخة, والجَوَاب عمَّا طُعن به عليها. قال: ومِمَّا يُحتجُّ به لصحَّتها احتجاج مالك بها في «الموطأ» فقد أخرج عن عبد الرَّحمن بن حرملة عنه حديث: «الرَّاكب شَيْطانٌ, والرَّاكبان شَيْطانان, والثَّلاثة ركبٌ». وذهبَ قومٌ إلى ترك الاحتجاج به, وحكاه الآجُرِّي عن أبي داود, وهو رواية عن ابن مَعِين, قال: لأنَّ روايته عن أبيه عن جده كِتَابٌ ووجَادة, فمن هاهنا جاء ضعفه, لأنَّ التَّصحيف يدخل على الرَّاوي من الصُّحف, ولذا تَجَنَّبها أصحاب الصَّحيح. وقال ابن عدي: روايته عن أبيه عن جده مرسلة, لأنَّ جده مُحمَّدًا لا صحبة له. وقال ابن حبَّان: إن أراد جده عبد الله, فشعيب لم يلقه فيكون مُنقطعًا, وإن أراد مُحمَّدا فلا صُحبة له, فيَكُون مُرسلاً. قال الذَّهَبي وغيره: وهذا قولٌ لا شيء, لأنَّ شُعيبًا ثبت سماعهُ من عبد الله, وهو الَّذي ربَّاه لما مات أبوه مُحمَّد. وهذا القول اختاره الشَّيْخ أبو إسْحَاق في «اللمع» إلاَّ أنَّه احتجَّ بها في «المهذب». وذهب الدَّارقُطْني إلى التَّفرقة بين أن يُفصح بجده أنَّه عبد الله فيحتج به, وإلاَّ فلا, وكذا إن قال: عن جده قال: سمعت النَّبي صلى الله عليه وسلم ونحوه مِمَّا يدل على أنَّ مراده عبد الله. وذهب ابن حبَّان إلى التَّفرقة بين أن يستوعب ذكر آبائه بالرِّواية, أو يَقْتصر عن أبيه عن جده, فإن صرَّح بهم كلهم فهو حُجَّة, وإلاَّ فلا, وقد أخرج في «صحيحه» له حديثًا واحدًا, هكذا عن عَمرو بن شُعيب, عن أبيه عن مُحمَّد بن عبد الله بن عَمرو, عن أبيه عبد الله بن عَمرو, مرفوعًا: «ألا أُحدِّثكم بأحبكم إليَّ, وأقربكُم مِنِّي مجلسًا يوم القيامة...» الحديث. قال العلائي: ما جاء فيه التَّصريح برواية مُحمَّد عن أبيه في السَّند فهو شاذ نادر. وبَهْزِ بن حَكيم بن مُعَاوية بن حَيْدةَ عن أبيهِ عن جَدِّهِ, له هكذا نُسْخةٌ حسنةٌ, وطَلْحةُ بن مُصرِّف بن عَمْرو بن كَعْب, وقيلَ: كَعْب ابن عَمرو. و من أمثلة ما أُريد فيه الجد الأدنى بَهْز بن حَكيم بن مُعَاوية بن حَيْدة بفتح المهملة, وسكون التحتية, القُشَيري البصري عن أبيه عن جدِّه, له هكذا نسخة حسنة صحَّحها ابن مَعِين, واستشهد بها البُخَاري في الصَّحيح. وقال الحَاكم: إنَّما أسقط من الصَّحيح روايتهُ عن أبيه عن جدِّه, لأنَّها شاذَّة, لا مُتابع له فيها, ورجَّحها بعضهم على نُسْخة عَمرو بن شُعيب عن أبيه عن جده, لأنَّ البُخَاري استشهد بها في «الصَّحيح» دونها. ومنهم من عكس, كأبي حاتم, لأنَّ البُخَاري صحَّح نُسخة عَمرو, وهو أقوى من استشهاده بنُسخة بهز. وطلحة بن مُصَرِّف بن عَمرو بن كعب اليَامي وقيلَ: كعب بن عَمرو. قال البَلْقِيني: في هذه الطَّريقة نظر من جهة أنَّ أبا داود قال في «سننه» في حديث الوضوء: سمعتُ أحمد بن حنبل يقول: إنَّ ابن عُيَينة زعَمُوا كان يُنكره ويقول: إيش هذا طلحة عن أبيه عن جدِّه. وقال عُثمان بن سعيد الدَّارمي: سَمعتُ ابن المَدِيني يقول: قلتُ لسُفيان: إنَّ ليثًا يروي عن طلحة, عن أبيه, عن جدِّه: أنَّه رأى النَّبي صلى الله عليه وسلم يتوضَّأ, فأنكر سُفْيان ذلك, وعَجبَ أن يكون جد طلحة لقي النَّبي صلى الله عليه وسلم. ومِنْ أحْسَنهِ رِوَايةُ الخَطِيب عن عبد الوهَّاب بن عبد العَزِيز بن الحَارث بن أسَد بن اللَّيث بن الأسْود بن سُفْيان بن سُليمان بن يَزِيد بن أُكَيْنة التَّميمي قال: سمعتُ أبي, يقول: سمعتُ أبي, يقول: سمعتُ أبي, يقول: سمعتُ أبي, يقول: سمعتُ أبي, يقول: سمعتُ أبي, يقول: سمعتُ أبي, يقول: سمعتُ أبي, يقول: سمعتُ أبي, يقول: سمعتُ علي بن أبي طالب رضي الله عنه يَقُول: الحنَّانُ الَّذي يُقْبلُ على من أعرضَ عنهُ, والمَنَّان الَّذي يَبْدأ بالنَّوالِ قَبْلَ السُّؤال. ومن أحسنه أي رواية الأبناء عن الآباء رواية الخَطِيب في «تاريخه» عن أبي الفرج عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بن يزيد بن أُكَيْنة بضم الهمزة وفتح الكاف وسكون التحتية ونون التميمي الفقيه الحنبلي قال: سمعتُ أبي, يقول: سمعتُ أبي, يقول: سمعتُ أبي, يقول: سمعتُ أبي, يقول: سمعتُ أبي, يقول: سمعتُ أبي, يقول: سمعتُ أبي, يقول: سمعتُ أبي, يقول: سمعتُ أبي, يقول: سمعتُ علي بن أبي طالب رضي الله عنه يَقُول وقد سئل عن الحنَّان المنَّان فقال: الحنَّان الَّذي يُقبل على من أعرضَ عنهُ, والمَنَّان الَّذي يبدأ بالنَّوال قبل السُّؤال. قال الخَطِيب: بين عبد الوهاب وبين علي رضي الله عنه في هذا الإسناد تسعة آباء, آخرهم أُكينة بن عبد الله, وهو السَّامع عليًّا. أخرجه في كتاب «الأبناء». وروى بهذا الإسْنَاد في كتاب «اقتضاء العلم العمل» عن علي أيضًا: هتفَ العلمُ بالعمل, فإن أجابهُ, وإلاَّ ارتحل. وأحسن من هذا ما وقع التَّسلسل فيه بأكثر من هذا العدد, فوقع لنا باثني عشر أبًا, أخبرتني أُم هانئ بنت أبي الحسن الهوريني سماعًا عليها, أخبرنا أبو العبَّاس المَكِّي, أخبرنا أبو سعيد العلائي (ح) وأنبأني عاليًا شَيْخنا شيخ الإسْلام البَلْقِيني, عن خديجة بنت سلطان, قالا: أخبرنا القاسم بن مُظفَّر, قال العلائي: بقراءتي نَبَّأتنا كريمة بنت عبد الوهاب حُضُورًا, أخبرنا القاسم بن الفَضْل الصَّيدلاني وغيره أخبرنا رِزْق الله بن عبد الوهَّاب التَّميمي, سمعتُ أبي أبا الفرج عبد الوهَّاب, يقول: سمعتُ أبي عبد العزيز, يقول: سمعتُ أبي أسَدًا, يقول: سمعتُ أبي اللَّيث, يَقُول: سمعتُ أبي سُليمان, يَقُول: سمعتُ أبي الأسْوَد, يَقُول: سمعتُ أبي سُفْيان, يقول: سمعتُ أبي يزيد, يقول: سمعتُ أبي أُكينة, يقول: سمعتُ أبي الهَيْثم, يقول: سمعتُ أبي عبد الله يقول: سمعتُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما اجْتمعَ قَوْمٌ على ذِكْرٍ, إلاَّ حَفَّتهم المَلائكة, وغَشيتهم الرَّحْمة». قال العلائي: هذا إسنادٌ غريب جدًّا, ورزق الله كان إمام الحنابلة في زَمَانه من الكِبَار المَشْهورين وأبوه أيضًا إمامٌ مَشْهور, ولكن جده عبد العزيز مُتكلم فيه على إمَامته, واشْتُهر بوضع الحديث, وبَقِية آبائه مَجْهولون, لا ذِكْر لهم في شيء من الكُتب أصْلاً, وقد خبط فيهم عبد العزيز أيضًا فزاد أبا لأكينة, وهو الهيثم. قال العِرَاقي: وأكثر ما وقع لنا التَّسلسل بأرْبَعة عَشَرَ أبًا من رِوَاية أبي مُحمَّد الحسن بن علي بن أبي طالب, والحسن بن عبد الله بن مُحمَّد بن عبد الله بن علي بن الحسن بن الحسين بن جعفر بن عبد الله بن الحسن الأصغر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي عن آبائه مرفوعًا بأربعين حديثًا منها: «المَجَالس بالأمَانة». وفي الآباء من لا يُعرف حاله.
فوائد: يُلتحق برواية الرَّجُل عن أبيه عن جده, رواية المَرْأة عن أُمِّها عن جَدَّتها, وهو عزيزٌ جدًّا, ومن ذلك ما رواهُ أبو داود في «سننه» عن بُندار, حدَّثنا عبد الحميد بن عبد الواحد, قال: حدَّثتني أم جنوب بنت نُميلة, عن أُمِّها سُويدة بنت جابر, عن أُمِّها عُقيلة بنت أسْمر بن مُضَرِّس, عن أبيها أسمر بن مُضرِّس قال: أتيتُ النَّبي صلى الله عليه وسلم فبايعتهُ فقال: «مَنْ سبقَ إلى مَا لم يَسبق إليه مُسْلم فهو له».
للخَطِيبِ فيهِ كِتَابٌ حسنٌ, ومن فَوَائده حَلاوة عُلوِّ الإسْنَاد, مِثَالهُ محمَّد بن إسْحَاق السَّراج, روى عنهُ البُخَاري والخَفَّاف, وبين وفَاتَيْهما مئة وسَبْعٌ وثلاثُون سَنةً أو أكْثرَ, والزُّهْري, وزَكَريا بن دُويدٍ, عن مالك وبَيْنهما كذلك. النَّوع السَّادس والأرْبَعُون : السَّابق واللاحق, وهو معرفة من اشترك في الرِّواية عنه اثنان, تباعد ما بين وفاتيهما. للخطيب فيه كتاب حسن سمَّاه «السَّابق واللاحق». ومن فوائده حلاوة علو الإسناد في القلوب وأن لا يظن سقوط الشيء من الإسناد. مثالهُ مُحمَّد بن إسْحَاق السَّراج, روى عنهُ البُخَاري في «تاريخه» و أبو الحسين أحمد بن مُحمَّد الخفَّاف النيسابوري وبين وفاتيهما مئة وسبع وثلاثون سَنَة أو أكثر. لأنَّ البُخَاري مات سَنَة ست وخمسين ومئتين, والخفَّاف مات سَنَة ثلاث, وقيلَ: أربع, وقيلَ: خمس وتسعين وثلاث مئة. والزُّهْري وزكريا بن دُويد رويا عن مالك وبينهما كذلك. فإن الزُّهْري مات سَنَة أربع وعشرين ومئة, وزكريا حدَّث سَنَة نيف وستين ومئتين, ولا نعرف وقت وفاته. قال العِرَاقي: والتَّمثيل بزكريا سبق إليه الخَطِيب, ولا ينبغي أن يُمثل به لأنَّه أحد الكذَّابين الوضَّاعين, ولا نعرف سماعه من مالك, وإن حدَّث عنه فقد زاد وادَّعَى أنَّه سمع من حُميد الطَّويل, وروى عنه نُسخة موضوعة. فالصَّواب: أنَّ آخر أصحاب مالك أحمد بن إسماعيل السَّهمي, ومات سَنَة تسع وخمسين ومئتين, فبينه وبين الزُّهْري مئة وخمس وثلاثون سَنَة. ومن أمثلة ذلك في المُتأخرين: أنَّ الفخر بن البُخَاري سمع منه المُنْذري والصَّلاح بن أبي عُمر شيخ شيخنا, ومات المُنْذري سَنَة ست وخمسين وست مئة, والصَّلاح سَنَة ثمانين وسبع مئة. والبُرْهان التَّنوخي شيخ شُيوخنا, سمع منه الذَّهَبي, وروى عنه فيما ذكر شيخ الإسلام أبو الفضل بن حجر, ومات سَنَة ثمان وأربعين وسبع مئة, وآخر أصحابه أبو العبَّاس الشَّاوي مات سَنَة أربع وثمانين وثمان مئة. قال شيخ الإسلام: وأكثر ما وقفنا عليه من ذلك مئة وخمسُون سَنَة, وذلك أنَّ أبا علي البرداني, سمع من السَّلفي حديثًا, ورواهُ عنه, ومات على رأس الخمس مئة, وآخر أصْحَاب السَّلفي سبطه أبو القَاسم بن مَكِّي مات سَنَة خمس وست مئة.
|