الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.الخبر عن نهوض السلطان إلى فتح قسنطينة وفتحها ثم فتح تونس عقبها: لما هلك الحاجب محمد بن أبي عمرو عقد السلطان على ثغور بجاية وما وراءها من بلاد إفريقية لوزيره عبد الله بن علي بن سعيد وسرحه إليها وأطلق يده في الجباية والعطاء وكانت جبال ضواحي قسنطينة قد تملكها السلطان لما كانت الزواودة متغلبة عليها وكان عامة أهل ذلك الوطن قبائل سدويكش وعقد السلطان عليهم لموسى ابن إبراهيم بن عيسى وأنزله بتاوريرت آخر عمل بجاية في أقاربه وولده وصنائعه ولما نزل ابن أبي عمرو بجاية وأخذ بمخنق قسنطينة ثم ارتحل عنا على ما عقد من السلم مع المولى الأمير أبي زيد أنزل موسى بن إبراهيم بميلة فاستقر بها ولما ولى الوزير عبد الله بن على أمر إفريقية أوعز إليه السلطان بمنازلة قسنطينة فنزلها سنة سبع وخمسين وسبعمائة وأخذ بمخنقها ونصب المنجنق علها واشتد الحصار بأهلها وكادوا أن يلقوا باليد لولا ما بلغ العسكر من الإرجاف بمهلك السلطان فأفرجوا عنها ولحق المولى أبو زبد ببونة وأسلم البلد إلى أخيه مولانا الأمير أبي العباس أيده الله تعالى عندما وصل إليه من إفريقية كان بها مع العرب طالبا ملكهم بتونس ومجلبا بهم على ابن تافراكين منذ نازلوا تونس سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة كما مر فلما رجع الآن إلى قسنطينة مع خالد بن حمزة داخل المولى أبا زيد في خروجه إلى حصار تونس وإقامة مولانا أبي العباس بقسنطينة فأجاب لذلك وخرج معه ودخل مولانا أبو العباس إلى قسنطينة ودعا نفسه وضبط قسنطينة وكان مدلا ببأسه وإقدامه وداخل بعض المنحرفين من بنى مرين من أولاد بو سعيد وسدوبكش في تبييت موسى بن إبراهيم بمعسكره من ميلة فبيتوه وانتهبوا معسكره وقتلوا أولاده وخلص إلى تاوريرت ثم إلى بجاية ولحق بمولانا السلطان مفلولا ونكر السلطان على وزيره عبد الله بن على ما وقع بموسى بن إبراهيم وأنه قصر في إمداده فسرح شعيب بن ميمون وتقبض عليه وأشخصه إلى السلطان معتقلا وعقد على بجاية مكانه ليحيي بن ميمون بن مصمود من صنائع دولته وفى خلال ذلك راسل المولى أبو زيد الحاجب أبا محمد عبد الله بن تافراكين المتغلب على عمه إبراهيم في النزول لهم عن بونه والقدوم عليهم بتونس فقبلوه وأحلوه محل ولي العهد واستعملوا على بونة من صنائعهم ولما بلغ خبر موسى بن إبراهيم إلى السلطان أيام التشريق من سنة سبع وخمسين وسبعمائة اعتزم على الحركة إلى إفريقية واضطرب معسكره بساحة البلد الجديد وبعث في الحشد إلى مراكش وأوعز إلى بني مرين بأخذ الأهبة للسفر وجلس للعطاء والاعتراض من لدن وصول الخبر إليه إلى شهر ربيع من سنة ثمان وخمسين وسبعمائة ثم ارتحل من فاس وسرح في مقدمته وزيره فارس بن ميمون في العساكر وسار في ساقته على التعبية إلى أن احتل ببجاية وتلوم لإزاحة العلل ونازل الوزير قسنطينة ثم جاء السلطان على أثره ولما أطلت راياته وماجت الأرض بعساكره ذعر أهل البلد وألقوا بأيديهم إلى الإذعان وانفضوا من حول سلطانهم مهطعين إلى السلطان وتحيز صاحب البلد في خاصته إلى القصبة ووصل أخوه المولى الفضل فطلب الأمان فبذله السلطان لهم وخرجوا وأنزلهم بمعسكره أياما ثم بعث بالسلطان في الأسطول إلى سبتة فاعتقله بها إلى أن كان من أمره ما نذكره بعد.وعقد على قسنطينة لمنصور ابن الحاج خلوف الباباني من مشيخة بني مرين وأهل الشورى منهم وأنزله بالقصبة في شعبان من سنته ووصل إليه بمعسكره من ساحة قسنطينة بيعة يحيي بن يملول صاحب توزر وييعة علي بن الخلف صاحب نفطة ووفد ابن مكي مجددا طاعته ووصل إليه أولاد مهلهل أمراء الكعوب وأقتال بني أبي الليل يستحثونه لملك تونس فسرح معهم العساكر وعقد عليهم ليحيي بن رحو بن تاشفين وبعث أسطوله في البحر مددا لهم وعقد عليه للرئيس محمد بن يوسف الأبكم وساروا إلى تونس وأخرج الحاجب أبا محمد بن تافراكين سلطانه أبو اسحق ابن مولانا السلطان أبي يحيي مع أولاد أبي الليل وجهز معه العساكر لما أحس بقدوم عساكر السلطان ووصل الأسطول إلى مرسى تونس فقاتلهم يوما أو بعض يوم وركب الليل إلى المهدية فتحصن بها ودخل أولياء السلطان إلى تونس في رمضان من سنة ثمان وخمسين وسبعمائة وأقاموا بها دعوته واحتل يحيي بن رحو بالقصبة وأنفذ الأوامر وكتبوا إلى السلطان بالفتح ونظر السلطان بعد ذلك في أحوال ذلك وقبض أيدي العرب من رياح عن الأتاوة التي يسمونها الخفارة فارتابوا وطالبهم بالرهن فأجمعوا على الخلاف فأرهف لهم حده وتبين يعقوب ابن علي أميرهم مكره فخرج معهم ولحقوا جميعا بالزاب وارتحل في أثرهم وسار يوسف بن مزني عامل الزاب ببعض الطريق أمامه حتى نزل بعسكرة ثم ارتحل إلى طولقة فتقبض على مقدمها عبد الرحمن بن أحمد بإشارة ابن مزني وخرب حصون يعقوب بن علي وأجفلوا إلى القفر أمامه ورجع عنهم وحمل له ابن مزني جباية الزاب بعد أن رد عامة معسكره بالقرى من الأدم والحنطة والحملان والعلوفة ثلاث ليال نفذت في ذلك وكافأه السلطان على صنيعه فخلع عليه وعلى أهله وولده وأسنى جوائزهم ورجع إلى قسنطينة واعتزم على الرحلة إلى تونس وضاق ذرع العساكر بشأن النفقات والأبعاد في المذهب وارتكاب الخطر في دخول إفريقية فتمشت رجالاتهم في الانفضاض عن السلطان وداخلوا الوزير فارس بن ميمون فوفقهم على ذلك وأذن المشيخة والنقباء لمن تحت أيديهم من القبائل في اللحاق بالمغرب حتى تفردوا وأنهى إلى السلطان أنهم تآمروا في قتله ونصب إدريس بن أبي عثمان بن أبي العلاء للأمر فأسرها في نفسه ولم يبدها لهم ورأى قلة من معه من العساكر وبانفضاضهم فكر راجعا إلى المغرب بعد أن ارتحل عن قسنطينة مرحلتين إلى الشرق وأغذ السير إلى فاس واحتل بها غزة ذي الحجة من سنته وتقبض يوم دخوله على وزيره فارس بن ميمون اتهمه بمداخلة بنى مرين في شأنه وقتله رابع أيام التشريق قعصا بالرماح وتقبض على مشيخة بنى مرين فاستلحمهم وأودع منهم السجن وبلغ إلى الجهات خبر رجوعه من قسنطينة إلى المغرب فارتحل أبو محمد بن تافراكين من المهدية إلى تونس ولما أطل عليها ثار شيعته بالبلد على من كان بها من عساكر السلطان وخلصوا إلى السفين فنجوا إلى المغرب وجاء على أثرهم يحيي بن رحو بمن معه من العساكر من أولاد مهلهل كان بناحية الجريد لاقتضاء جبايته واجتمعوا جميعا بباب السلطان وأرجأ حركته إلى العام القابل فكان ما نذكره إن شاء الله تعالى.
|