الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.الخبر عن بيعة عبد الحق بن عثمان بممالأة الوزير والمشيخة وظهور السلطان عليهم ثم مهلكه باثر ذلك: كانت رسل ابن الأحمر خلال هذه المهادنة والمكاتبات تختلف إلى باب السلطان ووصل منهم في بعض أحيانها خلف من مترفيهم فجاهر بالكبائر فكشف صفحة وجهه في معاقرة الخمر والإدمان عليه وكان السلطان منذ شهر جمادى الأولى سنة تسع وسبعمائة قد عزل القاضي بفاس أبا غالب المغيلي وعهد بإحكام القضاء لشيخ الفتيا المذكور بها أبي الحسن الملقب بالصغير وكان على نهج من تغيير المنكرات والتعسف فيها حتى لقد كان مطاوعا في ذلك وسواس النسك الأعجمي ومتجاوزا به الحدود المتعارفة بين أهل الشريعة في سائر الأمصار وأحضر عنده ذات يوم هذا الرسول ثملا وحضر العدول فاستروحوه ثم أمضى حكم الله فيه وأقام عليه الحد وأضرمته هذه الموجدة فاضطرم غيظا وتعرض للوزير رحو بن يعقوب الوطاسي منصرفه من دار السلطان في موكبه وكشف عن ظهر يريه السياط وينعي عليهم سوء هذا المرتكب مع الرسل فتبرم لذلك الوزير وأدركته الحفيظة وسرح وزعته وحشمه في إحضار القاضي على أسوا الحالات من التنكيل والتل لذقنه فمضوا لتلك الوجهة واعتصم القاضي بالمسجد الجامع ونادى المسلمين فثارت العامة فيهم ومرج أمر الناس واتصل الخبر بالسلطان فتلافاه بالبعث في أولئك النفر من وزعة الوزير وضرب أعناقهم وجعلهم عظة لمن وراءهم فأسرها الوزير في نفسه وداخل الحسن بن علي بن أبي الطلاق من بني عسكر بن محمد شيخ بني مرين والمسلم له في شوارهم وقائد الروم غنصاله المنفرد برياسة العسكر وشوكته وكان لهم بالوزير اختصاص آثروه له على سلطانه فدعا لهم لبيعة عبد الحق بن عثمان بن محمد بن عبد الحق كبير القرابة وأسد الأعياص وخلع طاعة السلطان فأجابوه وبايعوا له وتم أمرهم نجيا ثم خرج عاشر جمادى من سنة عشر وسبعمائة إلى ظاهر البلد الجديد بمكان الرمكة وجاهروا بالخلعان وأقاموا الآلة وبايعوا سلطانهم عبد الحق على عيون الملأ وعسكروا بالعدوة القصوى من سبو تخم بلاد العسكر وأزاء نبدورة من معاقل الحسن بن علي زعيم تلك الثورة ثم ارتحلوا من الغد إلى تازى وخرج السلطان في أثرهم فعسكر بسبو وتلوم لاعتراض العساكر وإزاحة العلل واحتل القوم يرباط تازى وأوفدوا على موسى عثمان بن يغمراسن سلطاني بني عبد الواد يدعونه إلى المظاهرة واتصال اليد والمدد بالعساكر والأموال جنوحا إلى التي هي آثر لديه من تفريق كلمة عدوه فتثاقل عن ذلك لمكان السلم الذي عقد له السلطان مذ أول الدولة وليستبين سبيل القوم وقدم السلطان بين يديه يوسف بن عيسى الجشمي وعمر بن موسى الفودودي في جموع كتيبة من بني مرين وسار في ساقتهم فانكشف القوم عن تازى ولحقوا بتلمسان صرخا وحمد السلطان مغبة تثاقله عن نصرهم ووجد بها الحجة عليهم إذ غاية مظاهرته إياهم أن يملكهم تازى وقد انكشفوا عنها فيئسوا من صريخه وأجاز عبد الحق بن عثمان ورخو بن يعقوب إلى الأندلس فأقام رخو بها إلى أن قتله أولاد ابن أبي العلاء ورجع الحسن بن علي إلى مكانه من قييله ومحله من مجلس السلطان بعد أن اقتضى عهد بالأمان على ذلك ولما احتل السلطان بتازى حسم الداء ومحا أثر الشقاق وأثخن في حاشية الخوارج وذويهم بالقتل والسبي ثم اعتل أثناء ذلك وهلك لليال من اعتلاله سلخ جمادى الأخيرة من سنة عشر وسبعمائة ووري بصحن الجامع الأعظم من تازى وبويع السلطان أبو سعيد كما نذكره إن شاء الله..الخبر عن دولة السلطان أبي سعيد وما كان فيها من الأحداث: لما هلك السلطان أبو الربيع بتازى تطاول للأمر عمه عثمان ابن السلطان أبي يعقوب المعروف بأمه قضنيت واستام المنصب وأسدى في ذلك وألحم وحضر الوزراء والمشيخة بالقصر بعد هدء من الليل وأثاروا شيخ القرابة يومئذ وكبير الأعياص المرشحين وسربت إليهم الأموال وجاءهم عثمان ابن السلطان أبي بعقوب مستاما فزجروه واستدعوا السلطان أبا سعيد فحضر وبايعوه ليلتئذ وأنفذ كتبه إلى النواحي والجهات باقتضاء البيعة وسرح ابنه الأكبر الأمير أبا الحسن إلى فاس فدخلها غرة رجب من سنة عشر وسبعمائة ودخل القصر واطلع على أمواله وذخيرته وفي غد ليلته أخذت البيعة للسلطان بظاهر تازى على بني مربن وسائر زناتة والعرب والقبائل والعساكر والحاشية والموالي والصناع والعلماء والصلحاء ونقباء الناس وعرفائهم والخاصة والدهماء فقام بالأمر واستوسق له الملك وفرق الأعطيات وأسنى الجوائز وتفقد الدواوبن ورفع الظلامات وحط المغارم والمكوس وسرح أهل السجون ورفع عن أهل فاس وظيفة الرباع وارتحل لعشرين من رجب إلى ضرته فاحتل بفاس وقدم عليه وفود التهنئة من جميع بلاد المغرب ثم خرج لذي القعدة بعدها إلى رباط الفتح لتفقد الأحوال والنظر في أحوال الرعايا واهتم بالجهاد وأنشأ الأساطيل للغزو في سبيل الله ولما قضى منسك الأضحى بعده رجع إلى حضرته بفاس ثم عقد سنة إحدى عشرة وسبعمائة لأخيه الأمير أبي البقاء يعيش على ثغور الأندلس: الجزيرة ورندة وما إليها من الحصون ثم نهض من الحصون سنة ثلاث عشرة وسبعمائة إلى مراكش لما كان بها من اختلال الأحوال وخروج عدي بن هنو الهسكوري ونقضه للطاعة فنازله وحاصره مدة واقتحم حصنه عنوة عليه وحمله إلى دار ملكه عنوة فأودعه المطبق ثم رجع إلى غزو تلمسان والله أعلم.
|