الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ***
وَأَمَّا شَرَائِطُ الْجَوَازِ فَكُلُّ ما هو شَرْطُ جَوَازِ الصَّلَاةِ من طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَهِيَ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ وَطَهَارَةِ النَّجِسِ وهو [وهي] طَهَارَةُ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَمَكَانِ السُّجُودِ وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فَهُوَ شَرْطُ جَوَازِ السَّجْدَةِ لِأَنَّهَا جُزْءٌ من أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ فَكَانَتْ مُعْتَبَرَةً بِسَجَدَاتِ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا بِالتَّيَمُّمِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ ثَمَّةَ مَاءً أو يَكُونَ مَرِيضًا لِأَنَّ شَرْطَ صَيْرُورَةِ التَّيَمُّمِ طَهَارَةً حَالَ وُجُودِ الْمَاءِ خَشْيَةُ الْفَوْتِ ولم يُوجَدْ لِأَنَّ وُجُوبَهَا على التَّرَاخِي على ما بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا إلَّا إلَى الْقِبْلَةِ حَالَ الِاخْتِيَارِ إذَا تَلَاهَا على الْأَرْضِ وَلَا يُجْزِيهِ الْإِيمَاءُ كما في سَجَدَاتِ الصَّلَاةِ. فَإِنْ اشْتَبَهَتْ عليه الْقِبْلَةُ فَتَحَرَّى وَسَجَدَ إلَى جِهَةٍ فَأَخْطَأَ الْقِبْلَةَ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِالتَّحَرِّي إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ جَائِزَةٌ فَالسَّجْدَةُ أَوْلَى وَلَوْ تَلَاهَا على الرَّاحِلَةِ وهو مُسَافِرٌ أو تَلَاهَا على الْأَرْضِ وهو مَرِيضٌ لَا يَسْتَطِيعُ السُّجُودَ أَجْزَأَهُ الْإِيمَاءُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ الْإِيمَاءُ على الرَّاحِلَةِ وهو قَوْلُ بِشْرٍ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فَلَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا على الرَّاحِلَةِ من غَيْرِ عُذْرٍ كَالنَّذْرِ فإن الرَّاكِبَ إذَا نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ لم يَجُزْ أَنْ يُؤَدِّيَهُمَا على الدَّابَّةِ من غَيْرِ عُذْرٍ كَذَا هذا وَلَنَا أَنَّ التِّلَاوَةَ أَمْرٌ دَائِمٌ بِمَنْزِلَةِ التَّطَوُّعِ فَكَانَ في اشْتِرَاطِ النُّزُولِ حَرَجٌ بِخِلَافِ الْفَرْضِ وَالنَّذْرِ وما وَجَبَ من السَّجْدَةِ في الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ على الدَّابَّةِ وما وَجَبَ على الدَّابَّةِ يَجُوزُ على الْأَرْضِ لِأَنَّ ما وَجَبَ على الْأَرْضِ وَجَبَ تَامًّا فَلَا يَسْقُطُ بِالْإِيمَاءِ الذي هو بَعْضُ السُّجُودِ فَأَمَّا ما وَجَبَ على الدَّابَّةِ وَجَبَ بِالْإِيمَاءِ لِمَا رُوِيَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ تَلَا سَجْدَةً وهو رَاكِب فَأَوْمَأَ بها إيمَاءً وَرُوِيَ عن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ سمع سجد [سجدة] وهو رَاكِبٌ قال فَلْيُومِ إيمَاءً وإذا وَجَبَ الْإِيمَاءُ فإذا نَزَلَ وَأَدَّاهَا على الْأَرْضِ فَقَدْ أَدَّاهَا تَامَّةً فَكَانَتْ أَوْلَى بِالْجَوَازِ كما في الصَّلَاةِ على ما مَرَّ وَلَوْ تَلَاهَا على الدَّابَّةِ فَنَزَلَ ثُمَّ رَكِبَ فَأَدَّاهَا بِالْإِيمَاءِ جَازَ إلَّا على قَوْلِ زُفَرَ هو يقول لَمَّا نَزَلَ وَجَبَ أَدَاؤُهَا على الْأَرْضِ فَصَارَ كما لو تَلَاهَا على الْأَرْضِ وَلَنَا أَنَّهُ لو أَدَّاهَا قبل نُزُولِهِ بِالْإِيمَاءِ جَازَ فَكَذَلِكَ بعدما نَزَلَ وَرَكِبَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّيهَا بِالْإِيمَاءِ في الْوَجْهَيْنِ جميعا وقد وَجَبَتْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَصَارَ كما لو افْتَتَحَ الصَّلَاةَ في وَقْتٍ مَكْرُوهٍ فَأَفْسَدَهَا ثُمَّ قَضَاهَا في وَقْتٍ آخَرَ مَكْرُوهٍ أجزأه [وأجزأه] لِأَنَّهُ أَدَّاهَا على الْوَصْفِ الذي وَجَبَتْ كَذَا هذا وَكَذَا يُشْتَرَطُ لها سَتْرُ الْعَوْرَةِ لِمَا قُلْنَا وَيُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا تَصِحُّ بِدُونِ النِّيَّةِ وَكَذَا الْوَقْتُ حتى لو تَلَاهَا أو سَمِعَهَا في وَقْتٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ فَأَدَّاهَا في وَقْتٍ مَكْرُوهٍ لَا تُجْزِئُهُ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ كَامِلَةً فَلَا تَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ كَالصَّلَاةِ وَلَوْ تَلَاهَا في وَقْتٍ مَكْرُوهٍ وَسَجَدَهَا فيه أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا كما وَجَبَتْ وَإِنْ لم يَسْجُدْهَا في ذلك الْوَقْتِ وَسَجَدَهَا في وَقْتٍ آخَرَ مَكْرُوهٍ جَازَ أَيْضًا لِأَنَّهُ أَدَّاهَا كما وَجَبَتْ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ نَاقِصَةً وَأَدَّاهَا نَاقِصَةً كما في الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لها التَّحْرِيمَةُ عِنْدَنَا لِأَنَّهَا لِتَوْحِيدِ الْأَفْعَالِ الْمُخْتَلِفَةِ ولم تُوجَدْ وَكَذَلِكَ كُلُّ ما يُفْسِدُ الصَّلَاةَ عِنْدَنَا من الْحَدَثِ وَالْعَمَلِ وَالْكَلَامِ وَالْقَهْقَهَةِ فَهُوَ مُفْسِدٌ لها وَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا كما لو وُجِدَتْ في سَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَقِيلَ هذا على قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ عِنْدَهُ لِتَمَامِ الرُّكْنِ وهو الرَّفْعُ ولم يَحْصُلْ بَعْدُ فَأَمَّا عِنْدَ أبي يُوسُفَ فَقَدْ حَصَلَ الْوَضْعُ قبل هذه الْعَوَارِضِ وَالْعِبْرَةُ عِنْدَهُ لِلْوَضْعِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُفْسِدَهَا إلَّا أَنَّهُ لَا وُضُوءَ عليه في الْقَهْقَهَةِ فيها لِمَا ذَكَرْنَا في كتاب الطَّهَارَةِ وَكَذَا مُحَاذَاةُ الْمَرْأَةِ الرَّجُلَ فيها لَا تُفْسِدُ عليه السَّجْدَةَ وَإِنْ نَوَى إمَامَتَهَا لِانْعِدَامِ الشَّرِكَةِ وهي مَبْنِيَّةٌ على التَّحْرِيمَةِ وَلَا تَحْرِيمَةَ لِهَذِهِ السَّجْدَةِ وَلِأَنَّ الْمُحَاذَاةَ إنَّمَا عَرَفْنَاهَا مُفْسِدَةً بِأَمْرِ الشَّرْعِ بِتَأْخِيرِهَا وَالْأَمْرُ وَرَدَ في صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ وَهَذِهِ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ فلم تَكُنْ الْمُحَاذَاةُ فيها مُفْسِدَةً كما في صَلَاةِ الْجِنَازَةِ والله أعلم.
وَأَمَّا بَيَانُ مَحَلِّ أَدَائِهَا فما تَلَا خَارِجَ الصَّلَاةِ لَا يُؤَدِّيهَا في الصَّلَاةِ وكذلك ما تَلَا في الصَّلَاةِ لَا يُؤَدِّيهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا كان كَذَلِكَ لِأَنَّ ما وَجَبَ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَلَيْسَ بِفِعْلٍ من أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ ما وَجَبَ حُكْمًا لِفِعْلٍ من أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لِخُرُوجِ التِّلَاوَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ عن أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فإذا أَدَّاهَا في الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْخَلَ في الصَّلَاةِ ما ليس منها فَهِيَ وَإِنْ لم تَفْسُدْ لِعَدَمِ الْمُضَادَّةِ تَنْتَقِصُ لِإِدْخَالِهِ فيها ما ليس منها لِأَنَّ الزَّائِدَ الدَّاخِلَ فيها لَا بُدَّ أَنْ يَقْطَعَ نَظْمَهَا وَيَمْنَعَ وَصْلَ فِعْلٍ بِفِعْلٍ وإذا [وذا] تَرَكَ الْوَاجِبَ فَصَارَ المؤدي مَنْهِيًّا عنه وهو وَجَبَ خَارِجَ الصَّلَاةِ على طريق [وجه] الْكَمَالِ فَلَا يَسْقُطُ بِأَدَائِهِ على وَجْهٍ يَكُونُ مَنْهِيًّا عنه وَأَمَّا ما تَلَا في الصَّلَاةِ فَقَدْ صَارَ فِعْلًا من أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لِكَوْنِهِ حُكْمًا لِمَا هو من أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وهو الْقِرَاءَةُ وَلِهَذَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ في الصَّلَاةِ فَلَا يُوجِبُ نَقْصًا فيها وَأَدَاءُ لما هو من أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لَنْ يُتَصَوَّرَ بِدُونِ التَّحْرِيمَةِ فَلَا يَجُوزُ الْأَدَاءُ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَلَا في صَلَاةٍ أُخْرَى لِأَنَّهُ ليس من أَفْعَالِ هذه الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ ليس بِحُكْمٍ لِقِرَاءَةِ هذه الصَّلَاةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَدَاؤُهُ فَسَقَطَ إذَا عُرِفَ هذا الْأَصْلُ فَنَقُولُ إذَا قَرَأَ الرَّجُلُ آيَةَ السَّجْدَةِ في الصَّلَاةِ وهو إمَامٌ أو مُنْفَرِدٌ فلم يَسْجُدْهَا حتى سَلَّمَ وَخَرَجَ من الصَّلَاةِ سَقَطَتْ عنه لِمَا قُلْنَا وَكَذَلِكَ لو سَمِعَهَا في صَلَاتِهِ مِمَّنْ ليس معه في الصَّلَاةِ لم يَسْجُدْهَا في الصَّلَاةِ لِمَا قُلْنَا وَإِنْ سَجَدَهَا فيها كان مُسِيئًا لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا تَسْقُطُ عنه السَّجْدَةُ لَكِنْ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ في ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عن مُحَمَّدٍ أنها تَفْسُدُ لِأَنَّ هذه السَّجْدَةَ مُعْتَبَرَةٌ في نَفْسِهَا لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِسَبَبٍ مَقْصُودٍ فَكَانَ إدْخَالُهَا في الصَّلَاةِ رَفْضًا لها وَلَنَا أَنَّ هذه زِيَادَةً من جِنْسِ ما هو مَشْرُوعٌ في الصَّلَاةِ وهو دُونَ الرَّكْعَةِ فَلَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ كما لو سَجَدَ سَجْدَةً زَائِدَةً في الصَّلَاةِ تَطَوُّعًا وَعَلَى هذا الْأَصْلِ يُخَرَّجُ ما إذَا قَرَأَ الْمُقْتَدِي آيَةَ السَّجْدَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَسَمِعَهَا الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ فَنَقُولُ أَجْمَعُوا على أَنَّهُ لَا يَجِبُ على الْمُقْتَدِي أَنْ يَسْجُدَهَا في الصَّلَاةِ وَكَذَا على الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ لِأَنَّهُ لو سَجَدَ بِنَفْسِهِ إذَا خَافَتَ فَقَدْ انْفَرَدَ عن إمَامِهِ فَصَارَ مُخْتَلِفًا عليه وَلَوْ سَجَدُوا لِسَمَاعِ تِلَاوَتِهِ إذَا جَهَرَ بِهِ لَانْقَلَبَ التَّبَعُ مَتْبُوعًا لِأَنَّ التَّالِيَ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْإِمَامِ لِلسَّامِعِينَ وفي حَقِّ بَقِيَّةِ الْمُقْتَدِينَ تَصِيرُ صَلَاتُهُمْ بِإِمَامَيْنِ من غَيْرِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا قَائِمًا مَقَامَ الْآخَرِ وَكُلُّ ذلك لَا يَجُوزُ وَأَمَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ فَلَا يَسْجُدُونَ أَيْضًا في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وقال مُحَمَّدٌ يَسْجُدُونَ وَلَوْ سَمِعُوا مِمَّنْ ليس في صَلَاتِهِمْ لَا يَسْجُدُونَ في الصَّلَاةِ وَيَسْجُدُونَ بَعْدَ الْفَرَاغِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ سمع من الْمُقْتَدِي من ليس في صَلَاتِهِ يَسْجُدُ وكذا ذُكِرَ في نَوَادِرِ الصَّلَاةِ عَقِيبَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ السَّبَبَ قد تَحَقَّقَ وهو التِّلَاوَةُ الصَّحِيحَةُ في حَقِّ الْمُؤْتَمِّ وَسَمَاعُهَا في حَقِّ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ وَلِهَذَا يَجِبُ على من سمع منه وهو ليس في صَلَاتِهِمْ إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُمْ الْأَدَاءُ في الصَّلَاةِ لِأَنَّ تِلَاوَتَهُ لَيْسَتْ من أَعْمَالِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْمُقْتَدِي غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ من الصَّلَاةِ فَيَجِبُ عليهم الْأَدَاءُ خَارِجَ الصَّلَاةِ كما إذَا سَمِعُوا مِمَّنْ ليس في صَلَاتِهِمْ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْوُجُوبَ يَعْتَمِدُ الْقُدْرَةَ على الْأَدَاءِ وَهُمْ يَعْجِزُونَ عن أَدَائِهَا لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى الْأَدَاءِ في الصَّلَاةِ لِمَا مَرَّ وَلَا وَجْهَ إلَى الْأَدَاءِ بَعْدَ الْفَرَاغِ من الصَّلَاةِ لِأَنَّ هذه السَّجْدَةَ من أَفْعَالِ هذه الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِسَبَبِ التِّلَاوَةِ وَتِلَاوَةُ الْمُقْتَدِي مَحْسُوبَةٌ من صَلَاتِهِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُفْتَقِرَةٌ إلَى الْقِرَاءَةِ إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ يَتَحَمَّلُ عنه هذه الْقِرَاءَةَ فإذا أَدَّى بِنَفْسِهِ ما يَتَحَمَّلُ عنه غَيْرُهُ وَقَعَ مَوْقِعَهُ فَكَانَتْ الْقِرَاءَةُ مَحْسُوبَةً من هذه الصَّلَاةِ فَصَارَ ما هو حُكْمِ هذه الْقِرَاءَةِ من أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَصَارَتْ السَّجْدَةُ من أَفْعَالِ هذه الصَّلَاةِ وإذا صَارَتْ في حَقِّ التَّالِي من أَفْعَالِ هذه الصَّلَاةِ صَارَتْ في حَقِّ الْكُلِّ من أَفْعَالِ هذه الصَّلَاةِ لِأَنَّ مَبْنَى الصَّلَاةِ على أنها جُعِلَتْ من أُنَاسٍ مُخْتَلِفِينَ عِنْدَ اتِّحَادِ التَّحْرِيمَةِ في حَقِّ الْقِرَاءَةِ كَالْمَوْجُودَةِ من شَخْصٍ وَاحِدٍ لِحُصُولِ ثَمَرَاتِ الْقِرَاءَةِ بِالسَّمَاعِ وَلِهَذَا جُعِلَتْ الْقِرَاءَةُ الْمَوْجُودَةُ من الْإِمَامِ كَالْقِرَاءَةِ الْمَوْجُودَةِ من الْكُلِّ بِخِلَافِ غَيْرِهَا من الْأَرْكَانِ. وَقِيَاسُ هذه النُّكْتَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْإِمَامَ لو لم يَقْرَأْ كانت هذه الْقِرَاءَةُ قِرَاءَةً لِلْكُلِّ في حَقِّ جَوَازِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّ ذلك لم يُمْكِنْ لِئَلَّا يَنْقَلِبَ التَّبَعُ مَتْبُوعًا وَالْمَتْبُوعُ تَبَعًا فَبَقِيَتْ في حَقِّ كَوْنِهَا من الصَّلَاةِ مُشْتَرَكَةً في حَقِّ الْكُلِّ فَصَارَتْ السَّجْدَةُ من أَفْعَالِ الصَّلَاةِ في حَقِّ الْكُلِّ وإذا صَارَتْ من أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لَا يُتَصَوَّرُ أَدَاؤُهَا بِلَا تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ فَلَا تُؤَدَّى بَعْدَ الصَّلَاةِ وَمَنْ سَلَكَ هذه الطَّرِيقَةَ يقول تَجِبُ السجدة على من سمع هذه التِّلَاوَةَ من الْمُقْتَدِي مِمَّنْ لَا يُشَارِكُهُ في الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ في حَقِّهِ من أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَبِخِلَافِ ما إذَا سمع الْمُصَلِّي مِمَّنْ ليس معه في الصَّلَاةِ حَيْثُ يَسْجُدُ خَارِجَ الصَّلَاةِ لِأَنَّ السَّجْدَةَ وَجَبَتْ عليه وَلَيْسَتْ من أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ تِلْكَ التِّلَاوَةِ لَيْسَتْ من أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لِعَدَمِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّالِي في الصَّلَاةِ وَالْوُجُوبُ عليه بِسَبَبِ سَمَاعِهِ وَالسَّمَاعُ ليس من أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وإذا لم يَكُنْ من أَفْعَالِ الصَّلَاةِ أَمْكَنَ أَدَاؤُهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ فَيُؤَدَّى وَمِنْ أَصْحَابِنَا من قال إنَّ هذه الْقِرَاءَةَ مَنْهِيٌّ عنها فَلَا يَتَعَلَّقُ بها حُكْمٌ يُؤْمَرُ بِهِ بِخِلَافِ قِرَاءَةِ الصَّبِيِّ وَالْكَافِرِ حَيْثُ يُوجِبُ السَّجْدَةَ على من سَمِعَهَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَنْهِيَّيْنِ وَبِخِلَافِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ لِأَنَّهُمَا لم يُنْهِيَا عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ السَّجْدَةِ لِأَنَّ ذلك الْقَدْرَ دُونَ الْآيَةِ وَهُمَا لَيْسَا بِمَنْهِيَّيْنِ عن تِلَاوَةِ ما دُونَ الْآيَةِ أَمَّا الْمُقْتَدِي فَهُوَ مَنْهِيٌّ عن قِرَاءَةِ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَانَ مَنْهِيًّا عن قَدْرِ ما يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ السَّجْدَةِ فلم يَجِبْ أو نَقُولُ أن الْمُقْتَدِيَ مَحْجُورٌ عليه في حَقِّ الْقِرَاءَةِ بِدَلِيلِ نَفَاذِ تَصَرُّفِ الْإِمَامِ عليه وَتَصَرُّفُ الْمَحْجُورِ لَا يَنْعَقِدُ في حَقِّ الْحُكْمِ وَمَنْ سَلَكَ هَاتَيْنِ الطَّرِيقَتَيْنِ يقول لَا تَجِبُ السَّجْدَةُ على السَّامِعِ الذي لَا يُشَارِكُهُمْ في الصَّلَاةِ أَيْضًا وَلِهَذَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ في هذه الْمَسْأَلَةِ لِاخْتِلَافِ الطُّرُقِ والله أعلم.
وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ أَدَائِهَا فَإِنْ كان تَلَا خَارِجَ الصَّلَاةِ يُؤَدِّيهَا على نَعْتِ سَجَدَاتِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كان تَلَا في الصَّلَاةِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا على هَيْئَةِ السَّجَدَاتِ أَيْضًا كَذَا رُوِيَ عن أبي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ إذَا سَجَدَ ثُمَّ قام وَقَرَأَ وَرَكَعَ حَصَلَتْ له قُرْبَتَانِ وَلَوْ رَكَعَ تَحْصُلُ له قُرْبَةٌ وَاحِدَةٌ لأنه [ولأنه] لو سَجَدَ لَأَدَّى الْوَاجِبَ بِصُورَتِهِ وَمَعْنَاهُ وَلَوْ رَكَعَ لَأَدَّاهُ بِمَعْنَاهُ لَا بِصُورَتِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ ثُمَّ إذَا سَجَدَ وَقَامَ يُكْرَهُ له أَنْ يَرْكَعَ كما رَفَعَ رَأْسَهُ سَوَاءٌ كانت آيَةُ السَّجْدَةِ في وَسَطِ السورة [الصورة] أو عِنْدَ خَتْمِهَا أو بَقِيَ بَعْدَهَا إلَى الْخَتْمِ قَدْرُ آيَتَيْنِ أو ثَلَاثِ آيَاتٍ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَانِيًا لِلرُّكُوعِ على السُّجُودِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ ثُمَّ يَرْكَعَ فَيَنْظُرَ إنْ كانت آيَةُ السَّجْدَةِ في وَسَطِ السُّورَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتِمَ السُّورَةَ ثُمَّ يَرْكَعَ وَإِنْ كانت عِنْدَ خَتْمِ السُّورَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ آيَاتٍ من سُورَةٍ أُخْرَى ثُمَّ يَرْكَعَ وَإِنْ كان بَقِيَ منها إلَى الْخَتْمِ قَدْرُ آيَتَيْنِ أو ثَلَاثِ آيَاتٍ كما في سُورَةِ: {بَنِي إسْرَائِيلَ} وَسُورَةِ: {إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ بَقِيَّةَ السُّورَةِ ثُمَّ يَرْكَعَ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ وَصَلَ إلَيْهَا سُورَةً أُخْرَى فَهُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْبَاقِيَ من خَاتِمَةِ السُّورَةِ دُونَ ثَلَاثِ آيَاتٍ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقْرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ كيلا يَكُونَ بانيا [باقيا] لِلرُّكُوعِ على السُّجُودِ فَلَوْ لم يَفْعَلْ ذلك وَلَكِنَّهُ يرفع [ركع] كما رَفَعَ رَأْسَهُ من السَّجْدَةِ َجْزَأَهُ لِحُصُولِ الْقِرَاءَةِ قبل السَّجْدَةِ وَلَوْ لم يَأْتِ بها على هَيْئَةِ السَّجْدَةِ وَلَكِنَّهُ رَكَعَ بها ذَكَرَ في الْأَصْلِ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ سَوَاءٌ وفي الِاسْتِحْسَانِ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدَ قال وَبِالْقِيَاسِ نَأْخُذُ وَإِنَّمَا أَخَذَ أَصْحَابُنَا بِالْقِيَاسِ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ ما بين الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ ما ظَهَرَ من الْمَعَانِي فَهُوَ قِيَاسٌ وما خَفِيَ منها فَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَلَا يُرَجَّحُ الْخَفِيُّ لِخَفَائِهِ وَلَا الظَّاهِرُ لِظُهُورِهِ فَيُرْجَعُ في طَلَبِ الرُّجْحَانِ إلَى ما اقْتَرَنَ بِهِمَا من الْمَعَانِي فَمَتَى قَوِيَ الْخَفِيُّ أَخَذُوا بِهِ وَمَتَى قَوِيَ الظَّاهِرُ أَخَذُوا بِهِ وَهَهُنَا قَوِيَ دَلِيلُ الْقِيَاسِ على ما نَذْكُرُ فَأَخَذُوا بِهِ ثُمَّ إنَّ مَشَايِخَنَا اخْتَلَفُوا في مَحَلِّ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ لِاخْتِلَافِهِمْ فِيمَا يَقُومُ مَقَامَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فقال عَامَّةُ مَشَايِخِنَا إنَّ الرُّكُوعَ هو الْقَائِمُ مَقَامَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَمَحِلُّ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ هذا أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَقُومَ الرُّكُوعُ مقامها [مقامهما] وفي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَقُومُ وقال بَعْضُهُمْ مَحَلُّ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ خَارِجَ الصَّلَاةِ بِأَنْ تَلَاهَا في غَيْرِ الصَّلَاةِ وَرَكَعَ في الْقِيَاسِ يُجْزِئُهُ. وفي الِاسْتِحْسَانِ لَا يُجْزِئُهُ وَهَذَا ليس بِسَدِيدٍ بَلْ لَا يُجْزِئُهُ ذلك قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِأَنَّ الرُّكُوعَ خَارِجَ الصَّلَاةِ لم يُجْعَلْ قُرْبَةً فَلَا يَنُوبُ مَنَابَ الْقُرْبَةِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ الإمام الزاهد صَدْرُ الدِّينِ أبو الْمُعِينِ رحمه الله تعالى وقال رأيت في فَتَاوَى أَهْلِ بَلْخٍ بِخَطِّ الشَّيْخِ أبي عبد اللَّهِ الْحَدِيدِيِّ عن مُحَمَّدِ بن سَلَمَةَ أَنَّهُ قال السَّجْدَةُ الصُّلْبِيَّةُ هِيَ التي تَقُومُ مَقَامَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ لَا الرُّكُوعِ فَكَانَ الْقِيَاسُ على قَوْلِهِ أَنْ تَقُومَ الصُّلْبِيَّةُ مَقَامَ التِّلَاوَةِ وفي الِاسْتِحْسَانِ لَا تَقُومُ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ التَّحْقِيقَ لِكَوْنِ الْجَوَازِ ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ وَعَدَمُ الْجَوَازِ في الِاسْتِحْسَانِ لَنْ يُتَصَوَّرَ إلَّا على هذا فإن الْقِيَاسَ أَنْ يَجُوزَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ السَّجْدَةُ وقد وُجِدَتْ وَسُقُوطُ ما وَجَبَ من السَّجْدَةِ بِالسَّجْدَةِ أَمْرٌ ظَاهِرٌ فَكَانَ قِيَاسًا وفي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ السَّجْدَةَ قَائِمَةٌ مَقَامَ نَفْسِهَا فَلَا تَقُومُ مَقَامَ غَيْرِهَا كَصَوْمِ يَوْمٍ من رَمَضَانَ لَا يَقَعُ عن نَفْسِهِ وَعَنْ قَضَاءِ يَوْمٍ آخَرَ عليه فَكَذَا هذا وَلَا شَكَّ أَنَّ دَلِيلَ الْقِيَاسِ أَظْهَرُ وَدَلِيلَ الِاسْتِحْسَانِ أخفى [أأخفى] لِأَنَّ التَّسْوِيَةَ بين الشَّيْئَيْنِ من نَوْعٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَةُ أَحَدِهِمَا مَقَامَ الْآخَرِ أَمْرٌ ظَاهِرٌ وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا لِمَعْنًى من الْمَعَانِي أَمْرٌ خَفِيٌّ لِأَنَّ التَّسْوِيَةَ بِاعْتِبَارِ الذَّاتِ وَالتَّفْرِقَةَ بِاعْتِبَارِ الْمَعَانِي وَالْعِلْمُ بِذَاتِ ما يُعَايَنُ أَظْهَرُ من الْعِلْمِ بِوَصْفِهِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِالذَّاتِ بِالْحِسِّ وَبِالْمَعْنَى بِالْعَقْلِ عَقِيبَ التَّأَمُّلِ وَلَا شَكَّ أَنَّ ذلك أَظْهَرُ فَثَبَتَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ لِكَوْنِ الْجَوَازِ ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ وَعَدَمِ الْجَوَازِ بِالِاسْتِحْسَانِ مُمْكِنٌ من هذا الْوَجْهِ وأما لو كان الْكَلَامُ في قِيَامِ الرُّكُوعِ مَقَامَ السُّجُودِ فَالْقِيَاسُ يَأْبَى الْجَوَازَ وفي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ لِأَنَّ الرُّكُوعَ مع السُّجُودِ مُخْتَلِفَانِ ذَاتًا فَلَوْ ثَبَتَ بَيْنَهُمَا مُسَاوَاةٌ لَثَبَتَ من الْمَعْنَى فَكَانَ عَدَمُ جَوَازِ إقَامَةِ أَحَدِهِمَا مَقَامَ صَاحِبِهِ من تَوَابِعِ الذَّاتِ وَالْعِلْمُ بِهِ ظَاهِرٌ وَجَوَازُ الْقِيَامِ من تَوَابِعِ الْمَعْنَى وَالْعِلْمُ بِهِ خَفِيٌّ فإذا كانت قَضِيَّةُ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَجُوزَ وَقَضِيَّةُ الِاسْتِحْسَانِ أَنْ يَجُوزَ وَجَوَابُ الْكتاب على الْقَلْبِ من هذا فَدَلَّ أَنَّ الصَّحِيحَ ما ذَكَرْنَا وَعَامَّةُ مَشَايِخِنَا يَقُولُونَ لَا بَلْ الرُّكُوعُ هو الْقَائِمُ مَقَامَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ كَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ رحمه الله تعالى في الْكتاب فإنه قال في الْكتاب قُلْت فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ بِالسَّجْدَةِ بِعَيْنِهَا هل يُجْزِئُهُ ذلك قال أَمَّا في الْقِيَاسِ فَالرَّكْعَةُ في ذلك وَالسَّجْدَةُ سَوَاءٌ لِأَنَّ كُلَّ ذلك صَلَاةٌ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى: {وَخَرّ رَاكِعًا} وَتَفْسِيرُهَا خَرَّ سَاجِدًا فَالرَّكْعَةُ وَالسَّجْدَةُ سَوَاءٌ في الْقِيَاسِ وَأَمَّا في الِاسْتِحْسَانِ يَنْبَغِي له أَنْ يَسْجُدَ وَبِالْقِيَاسِ نَأْخُذُ وَهَذَا كُلُّهُ لَفْظُ مُحَمَّدٍ فَثَبَتَ أَنَّ مَحَلَّ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ ما بَيَّنَّا وما قَالَهُ محمد بن سَلَمَةَ خِلَافَ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ أبو يُوسُفَ في الْأَمَالِي وإذا قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ في الصَّلَاةِ فَإِنْ شَاءَ رَكَعَ لها وَإِنْ شَاءَ سَجَدَ لها يَعْنِي إنْ شَاءَ أَقَامَ رُكُوعَ الصَّلَاةِ مَقَامَهَا وَإِنْ شَاءَ سَجَدَ لها ذَكَرَ هذا التَّفْسِيرَ أبو يُوسُفَ في الأمالي [الإملاء] عن أبي حَنِيفَةَ وَجْهُ الْقِيَاسِ ما ذَكَرَهُ محمد أَنَّ مَعْنَى التَّعْظِيمِ فِيهِمَا ظَاهِرٌ فَكَانَا في حَقِّ حُصُولِ التَّعْظِيمِ بِهِمَا جِنْسًا وَاحِدًا وَالْحَاجَةُ إلَى تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى إمَّا اقْتِدَاءً بِمَنْ عَظَّمَ اللَّهَ تَعَالَى وَإِمَّا مُخَالَفَةً لِمَنْ اسْتَكْبَرَ عن تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ الظَّاهِرُ هو الْجَوَازُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَاجِبَ هو التَّعْظِيمُ بِجِهَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ السُّجُودُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو لم يَرْكَعْ على الْفَوْرِ حتى طَالَتْ الْقِرَاءَةُ ثُمَّ نَوَى بِالرُّكُوعِ أَنْ يَقَعَ عن السَّجْدَةِ لَا يَجُوزُ وَكَذَا خَارِجَ الصَّلَاةِ لو تَلَا آيَةَ السَّجْدَةِ وَرَكَعَ ولم يَسْجُدْ لَا يَخْرُجُ عن الْوَاجِبِ كَذَا هَهُنَا ثُمَّ أَخَذُوا بِالْقِيَاسِ لِقُوَّةِ دَلِيلِهِ وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عن عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ وعبد الله بن عمر رضي اللَّهُ عنهما أَنَّهُمَا كَانَا أَجَازَا أَنْ يَرْكَعَ عن السُّجُودِ في الصَّلَاةِ ولم يُرْوَ عن غَيْرِهِمَا خِلَافُ ذلك فَكَانَ ذلك بِمَنْزِلَةِ الْإِجْمَاعِ وَالْمَعْنَى ما بَيَّنَّا أَنَّ الْوَاجِبَ هو التَّعْظِيمُ لِلَّهِ تَعَالَى عِنْدَ قِرَاءَةِ آيَةِ السَّجْدَةِ وقد وُجِدَ التَّعْظِيمُ وَهَذَا لِأَنَّ الْخُضُوعَ لِلَّهِ وَالتَّعْظِيمَ له بِالرُّكُوعِ لَيْسَا بِأَدْوَنَ من الْخُضُوعِ وَالتَّعْظِيمِ له بِالسُّجُودِ وَلَا حَاجَةَ هُنَا إلَى السُّجُودِ لِعَيْنِهِ بَلْ الْحَاجَةُ إلَى تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى مُخَالَفَةً لِمَنْ اسْتَكْبَرَ عن تَعْظِيمِهِ أو اقْتِدَاءً بِمَنْ خَضَعَ له وَأَذْعَنَ لِرُبُوبِيَّتِهِ وَاعْتَرَفَ على نَفْسِهِ بِالْعُبُودِيَّةِ وقد حَصَلَتْ هذه الْمَعَانِي بِالرُّكُوعِ حَسَبَ حُصُولِهَا بِالسُّجُودِ. وَهَذَا الْمَعْنَى يَقْتَضِي أَنَّهُ لو رَكَعَ خَارِجَ الصَّلَاةِ مَكَانَ السُّجُودِ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا غير أَنَّهُ لم يَجُزْ لَا لِمَكَانِ أَنَّ الرُّكُوعَ أَدْوَنُ من السُّجُودِ وَلَكِنْ لِأَنَّ الرُّكُوعَ لم يُجْعَلْ عِبَادَةً يُتَقَرَّبُ بها إلَى اللَّهِ تَعَالَى إذا انْفَرَدَ عن تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ وَالسُّجُودُ جُعِلَ عِبَادَةً بِدُونِ تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ ثَبَتَ ذلك شَرْعًا غير مَعْقُولِ الْمَعْنَى فإذا لم تُوجَدْ تَحْرِيمَةُ الصَّلَاةِ لم يَكُنْ الرُّكُوعُ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ التَّعْظِيمُ وَالْخُضُوعُ لِلَّهِ اللَّذَانِ وَجَبَا بِالتِّلَاوَةِ بِخِلَافِ السَّجْدَةِ وَبِخِلَافِ ما إذَا رَكَعَ مَكَانَ السَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ عَيْنُ السَّجْدَةِ مَقْصُودَةٌ بِنَفْسِهَا فَلَا يَقُومُ غَيْرُهَا من حَيْثُ الصُّورَةِ مَقَامَهَا وَبَيَانُ هذا أَنَّ الصَّلَاةَ عِبَادَةٌ اشْتَمَلَتْ على أَفْعَالٍ مُخْتَلِفَةٍ شُكْرًا لِمَا أَنْعَمَ اللَّهُ من التَّقَلُّبِ في الْأَحْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ بِهَذِهِ الْأَعْضَاءِ اللَّيِّنَةِ وَالْمَفَاصِلِ السَّلِيمَةِ وَبِالرُّكُوعِ لَا يَحْصُلُ شُكْرُ حَالَةِ السُّجُودِ فَيَتَعَلَّقُ ذلك بِعَيْنِ السُّجُودِ لَا بِمَا يُوَازِيهِ في كَوْنِهِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى أَمَّا هَهُنَا فَبِخِلَافِهِ وَبِخِلَافِ ما إذَا لم يَرْكَعْ عَقِيبَ التِّلَاوَةِ ولم يَسْجُدْ حتى طَالَتْ الْقِرَاءَةُ ثُمَّ رَكَعَ وَنَوَى الرُّكُوعَ عن السَّجْدَةِ حَيْثُ لم يَجُزْ لِأَنَّهَا تَجِبُ في الصَّلَاةِ مُضَيَّقًا لِأَنَّهَا لِوُجُوبِهَا بِمَا هو من أَفْعَالِ الصَّلَاةِ الْتَحَقَتْ بِأَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا يَجِبُ أَدَاؤُهَا في الصَّلَاةِ وَلَا يُوجِبُ حُصُولُهَا فيها نُقْصَانًا ما فيها وَتَحْصِيلُ ما ليس من الصَّلَاةِ فيها إنْ لم يُوجِبْ فَسَادَهَا يُوجِبْ نَقْصًا وَلِهَذَا لَا تؤدي بَعْدَ الْفَرَاغِ من الصَّلَاةِ لو تَرَكَ أَدَاءَهَا في الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا صَارَتْ جزأ من أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ لِمَا بَيَّنَّا فَلَا يُتَصَوَّرُ أداؤهما [أداؤها] إلا بِتَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ كَسَائِرِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَمَبْنَى أَفْعَالِ الصَّلَاةِ أَنْ يؤدي كُلُّ فِعْلٍ منها في مَحَلِّهِ الْمَخْصُوصِ فَكَذَا هذه وإذا لم تُؤَدَّ في مَحَلِّهَا حتى فَاتَ صَارَ دَيْنًا وَالدَّيْنُ يُقْضَى بِمَا له لَا بِمَا عليه وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ عليه فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الدَّيْنُ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَصِرْ دَيْنًا بَعْدُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ هُنَاكَ إلَى التَّعْظِيمِ وَالْخُضُوعِ وقد وُجِدَ فيكتفي بِذَلِكَ كَدَاخِلِ الْمَسْجِدِ إذَا اشْتَغَلَ بِالْفَرْضِ نَابَ ذلك مَنَابَ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِحُصُولِ تَعْظِيمِ الْمَسْجِدِ وَالْمُعْتَكِفِ في رَمَضَانَ إذَا صَامَ عن رَمَضَانَ وكان أَوْجَبَ اعْتِكَافَ شَهْرَ رَمَضَانَ على نَفْسِهِ كان ذلك كَافِيًا عن صَوْمٍ هو شَرْطُ الِاعْتِكَافِ وَبِمِثْلِهِ لو أَوْجَبَ على نَفْسِهِ اعْتِكَافَ شَعْبَانَ فلم يَعْتَكِفْ حتى دخل رَمَضَانُ فَاعْتَكَفَ لَا يَنُوبُ ذلك عَمَّا وَجَبَ عليه من الصَّوْمِ الذي هو شَرْطُ صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ لِأَنَّ ذلك صَارَ دَيْنًا عليه حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى بِمُضِيِّ الْوَقْتِ وَالدَّيْنُ يُؤَدَّى بِمَا هو له لِمَنْ هو عليه لَا بِمَا عليه فَكَذَا هذا وَهَذَا بِخِلَافِ ما إذَا نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ يوم الْجُمُعَةِ فلم يُصَلِّ حتى مَضَى يَوْمُ الْجُمُعَةِ ثُمَّ أَدَّاهَا بِوُضُوءٍ حَصَلَ بِقَصْدِ التَّبَرُّدِ حَيْثُ يَجُوزُ وَلَا يُقَالُ أَنَّ الْوُضُوءَ الذي هو شَرْطُ صِحَّةِ هذه الْعِبَادَةِ وَجَبَ عليه بِوُجُوبِ الْعِبَادَةِ ثُمَّ بِالْفَوَاتِ عن الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ صَارَ دَيْنًا عليه وَالدَّيْنُ يُؤَدَّى بِمَا له لَا بِمَا عليه أو فَاتَتْهُ فَرِيضَةٌ عن وَقْتِهَا فَأَدَّاهَا بِوُضُوءٍ حَصَلَ لِلتَّبَرُّدِ أو لِلتَّعْلِيمِ جَازَ لِأَنَّ هُنَاكَ الْوُضُوءُ شَرْطُ الْأَهْلِيَّةِ وَلَيْسَ هو مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فلم يَصِرْ بِفَوَاتِهِ عن مَحَلِّهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى بَلْ بَقِيَ في نَفْسِهِ عن عِبَادَةٍ فَيَجِبُ تَحْصِيلُهُ لِضَرُورَةِ حُصُولِ الْأَهْلِيَّةِ لِأَدَاءِ ما عليه وقد حَصَلَ بِأَيِّ طَرِيقٍ كان فَأَمَّا السَّجْدَةُ وَالصَّوْمُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فإذا فَاتَا عن الْمَحَلِّ وَوَجَبَا صَارَا حَقَّيْنِ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ أَدَاؤُهُمَا بِمَا عليه وَهَذَا بِخِلَافِ ما إذَا فَاتَتْ السَّجْدَةُ عن مَحَلِّهَا في الصَّلَاةِ وَصَارَتْ بِمَحَلِّ الْقَضَاءِ فَرَكَعَ يَنْوِي بِهِ قَضَاءَ السَّجْدَةِ الْفَائِتَةِ أَنَّهُ لم يَجُزْ وَإِنْ حَصَلَ الرُّكُوعُ في تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ وهو فيها مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّه تَعَالَى وَيَحْصُلُ بِذَلِكَ التَّعْظِيمُ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْوَاجِبُ عليه هذا الْقَدْرُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الرُّكُوعَ لم يُعْرَفْ قُرْبَةً في الشَّرِيعَةِ في غَيْرِ مَحَلِّهِ الْمَخْصُوصِ فما أَمْكَنَنَا جَعْلُهُ قُرْبَةً فلم يَحْصُلْ بِهِ التَّعْظِيمُ بِخِلَافِ السَّجْدَةِ فَإِنَّهَا عُرِفَتْ قُرْبَةً في غَيْرِ مَحَلِّهَا الذي تَكُونُ فيه وَلِهَذَا يَنْجَبِرُ بها النَّقْصُ الْمُتَمَكِّنُ في الصَّلَاةِ بِطَرِيقِ السَّهْوِ وَلَا يَنْجَبِرُ بِالرُّكُوعِ ثُمَّ إذَا رَكَعَ قبل أَنْ يُطَوِّلَ الْقِرَاءَةَ هل تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لِقِيَامِ الرُّكُوعِ مَقَامَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فَقِيَاسُ ما ذَكَرْنَا من النُّكْتَةِ يُوجِبُ أَنْ لَا يُحْتَاجَ إلَى النِّيَّةِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى تَحْصِيلِ الْخُضُوعِ وَالتَّعْظِيمِ في هذه الْحَالَةِ وقد وُجِدَا نَوَى أو لم يَنْوِ كَالْمُعْتَكِفِ في رَمَضَانَ إذَا لم يَنْوِ بِصِيَامِهِ عن الِاعْتِكَافِ وَاَلَّذِي دخل الْمَسْجِدَ إذَا اشْتَغَلَ بِالْفَرْضِ غير نَاوٍ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَمِنْ مَشَايِخِنَا من قال يُحْتَاجُ هَهُنَا إلَى النِّيَّةِ وَيَدَّعِي أَنَّ مُحَمَّدًا أَشَارَ إلَيْهِ فإنه قال إذَا تَذَكَّرَ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ في الرُّكُوعِ يَخِرُّ سَاجِدًا فَيَسْجُدُ كما نذكر [تذكر] ثُمَّ يَقُومُ فَيَعُودُ إلَى الرُّكُوعِ ولم يَفصل بين أَنْ يَكُونَ الرُّكُوعُ الذي تَذَكَّرَ فيه التِّلَاوَةَ كان عَقِيبَ التِّلَاوَةِ بِلَا فصل أو تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا فَاصِلٌ. وَلَوْ كان الرُّكُوعُ مِمَّا يَنُوبُ عن السَّجْدَةِ من غَيْرِ نِيَّةٍ لَكَانَ لَا يَأْمُرُهُ بِأَنْ يَسْجُدَ لِلتِّلَاوَةِ بَلْ قام نَفْسُ الرُّكُوعِ مَقَامَ التِّلَاوَةِ وَلَكِنَّا نَقُولُ ليس في هذه الْمَسْأَلَةِ كَثِيرُ إشَارَةٍ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَوْضُوعَةٌ فِيمَا إذَا تَخَلَّلَ بين التِّلَاوَةِ وَالرُّكُوعِ ما يُوجِبُ صَيْرُورَةَ السَّجْدَةِ دَيْنًا لِأَنَّهُ قال تَذَكَّرَ سَجْدَةً وَالتَّذَكُّرُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ النِّسْيَانِ وَالنِّسْيَانُ لِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ عِنْدَ عَدَمِ تَخَلُّلِ شَيْءٍ بين التِّلَاوَةِ وَالرُّكُوعِ مُمْتَنِعٌ أو نَادِرٌ غَايَةَ النُّدْرَةِ بِحَيْثُ لَا يَنْبَنِي عليه حُكْمٌ ثُمَّ يَحْتَاجُ هذا الْقَائِلُ إلَى الْفَرْقِ بين هذا وَبَيْنَ الْمُعْتَكِفِ في رَمَضَانَ حَيْثُ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَنْوِيَ كَوْنَ صَوْمِهِ شَرْطًا لِلِاعْتِكَافِ لِحُصُولِ ما هو الْمَقْصُودُ وَكَذَا الذي دخل الْمَسْجِدَ وَأَدَّى الْفَرْضَ كما دخل فَاشْتَغَلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فقال الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ هَهُنَا هو السُّجُودُ إلَّا أَنَّ الرُّكُوعَ أُقِيمَ مَقَامَهُ من حَيْثُ الْمَعْنَى وَبَيْنَهُمَا من حَيْثُ الصُّورَةُ فَرْقٌ فَلِمُوَافَقَةِ الْمَعْنَى تَتَأَدَّى السَّجْدَةُ بِالرُّكُوعِ إذَا نَوَى وَلِمُخَالَفَةِ الصُّورَةِ لَا تَتَأَدَّى إذَا لم يَنْوِ بِخِلَافِ صَوْمِ الشَّهْرِ فإن بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَوْمِ الِاعْتِكَافِ مُوَافَقَةً من جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَكَذَا في الصَّلَاةِ وَلَكِنَّ هذا غَيْرُ سَدِيدٍ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ من حَيْثُ الصُّورَةِ إنْ كان لها عِبْرَةٌ فَلَا يَتَأَدَّى الْوَاجِبُ بِهِ وَإِنْ نَوَى فإن من نَوَى إقَامَةَ غَيْرِ ما وَجَبَ عليه مَقَامَ ما وَجَبَ لَا يَقُومُ إذَا كان بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ وَإِنْ لم يَكُنْ لها عِبْرَةٌ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ كما في الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَعُذْرُ الصَّوْمِ ليس بِمُسْتَقِيمٍ لِأَنَّ بين الصَّوْمَيْنِ مُخَالَفَةً من حَيْثُ سَبَبِ الْوُجُوبِ فَكَانَا جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَلِهَذَا قال هذا الْقَائِلُ أنه لو لم يَنْوِ بِالرُّكُوعِ أَنْ يَكُونَ قَائِمًا مَقَامَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ ولم يَقُمْ يَحْتَاجُ في السَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ إلَى أَنْ يَنْوِيَ أَيْضًا لِأَنَّ بَيْنَهُمَا مُخَالَفَةً لِاخْتِلَافِ سَبَبَيْ وُجُوبِهِمَا فَدَلَّ أَنَّهُ ليس بِمُسْتَقِيمٍ وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ الاسبيجابي في شَرْحِهِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَلَوْ لم يُوجَدْ منه النِّيَّةُ عِنْدَ الرُّكُوعِ لَا يُجْزِئُهُ وَلَوْ نَوَى في الرُّكُوعِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فيه قال بَعْضُهُمْ يَجُوزُ وقال بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ وَلَوْ نَوَى بَعْدَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ من الرُّكُوعِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ هذا الذي ذَكَرْنَا في قِيَامِ الرُّكُوعِ مَقَامَ السُّجُودِ فِيمَا إذَا لم تَطُلْ الْقِرَاءَةُ بين آيَةِ السَّجْدَةِ وَبَيْنَ الرُّكُوعِ فَأَمَّا إذَا طَالَ فَقَدْ فَاتَتْ السَّجْدَةُ وَصَارَتْ دَيْنًا فَلَا يَقُومُ الرُّكُوعُ مَقَامَهَا وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا لم يُقَدِّرُوا في ذلك تَقْدِيرًا فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ فَوَّضُوا ذلك إلَى رَأْي الْمُجْتَهِدِ كما فَعَلُوا في كَثِيرٍ من الْمَوَاضِعِ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قالوا إنْ قَرَأَ آيَةً أو آيَتَيْنِ لم تَطُلْ الْقِرَاءَةُ وَإِنْ قَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ طَالَتْ وَصَارَتْ السَّجْدَةُ بِمَحَلِّ الْقَضَاءِ. ثُمَّ أنه نَاقَضَ فإنه قال لو لم يَنْوِ بِالرُّكُوعِ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ التِّلَاوَةِ وَنَوَى بِالسَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ قام وَلَا شَكَّ أَنَّ مُدَّةَ أَدَاءِ الرُّكُوعِ وَرَفْعِ الرَّأْسَ من الرُّكُوعِ وَالِانْحِطَاطِ إلَى السُّجُودِ يَكُونُ مِثْلَ مُدَّةِ قِرَاءَةِ ثَلَاثِ آيَاتٍ وَكَذَا إنْ كانت تِلْكَ قِرَاءَةً مُعْتَبَرَةً فَالرُّكُوعُ رُكْنٌ مُعْتَبَرٌ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُفَوِّضَ ذلك إلَى رَأْيِ الْمُجْتَهِد أو يَعْتَبِرَ ما يُعَدُّ طَوِيلًا على أَنْ يجعل [جعل] ثَلَاثَ آيَاتٍ قَاطِعَةً لِلْفَوْرِ وَإِدْخَالُهَا في حَدِّ الطُّولِ خِلَافُ الرِّوَايَةِ فإن مُحَمَّدًا ذَكَرَ في كتاب الصَّلَاةِ قلت أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَقْرَأُ السَّجْدَةَ وهو في الصَّلَاةِ وَالسَّجْدَةُ في آخِرِ السُّورَةِ إلَّا آيَاتٍ بَقِيَتْ من السُّورَةِ بَعْدَ آيَةِ السَّجْدَةِ قال هو بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَكَعَ بها وَإِنْ شَاءَ سَجَدَ بها قُلْت فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ بها خَتَمَ السُّورَةَ ثُمَّ رَكَعَ بها وقال [قال] نعم. قُلْت فإذا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ بها عِنْدَ الْفَرَاغِ من السَّجْدَةِ ثُمَّ يَقُومَ فَيَتْلُوَ ما بَعْدَهَا من السُّورَةِ وهو آيَتَانِ أو ثَلَاثٌ ثُمَّ يَرْكَعَ قال نعم إنْ شَاءَ وَصَلَ إلَيْهَا سُورَةً أُخْرَى وَهَذَا نَصٌّ على أَنَّ ثَلَاثَ آيَاتٍ لَيْسَتْ بِقَاطِعَةٍ لِلْفَوْرِ وَلَا بِمُدْخِلَةٍ لِلسَّجْدَةِ في حَيِّزِ الْقَضَاءِ.
وَأَمَّا بَيَانُ وَقْتِ أَدَائِهَا فما وَجَبَ أَدَاؤُهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ فَوَقْتُهَا جَمِيعُ الْعُمُرِ لِأَنَّ وُجُوبَهَا على التَّرَاخِي على ما مَرَّ وَأَمَّا ما وَجَبَ أَدَاؤُهَا في الصَّلَاةِ فَوَقْتُهَا فَوْرُ الصَّلَاةِ لِمَا مَرَّ أَنَّ وُجُوبَهَا في الصَّلَاةِ على الْفَوْرِ وهو أَنْ لَا تَطُولَ الْمُدَّةُ بين التِّلَاوَةِ وَبَيْنَ السَّجْدَةِ فَأَمَّا إذَا طَالَتْ فَقَدْ دَخَلَتْ في حَيِّزِ الْقَضَاءِ وَصَارَ آثِمًا بِالتَّفْوِيتِ عن الْوَقْتِ ثُمَّ الْأَمْرُ في مِقْدَارِ الطُّولِ على ما ذَكَرْنَا من اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ.
|