الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»
.تفسير الآيات (15- 19): {وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)}قوله تعالى: {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً} فيه ستة أوجه:أحدها: فهماً، قاله قتادة.الثاني: صنعة الكيمياء وهو شاذ.الثالث: فصل القضاء.الرابع: علم الدين.الخامس: منطق الطير.السادس: بسم الله الرحمن الرحيم.{وَقَالاَ الْحَمْدُ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} وحمدهما لله شكراً على نعمه.وفيما فضلهما به على كثير من عباده المؤمنين ثلاثة أقاويل:أحدها: بالنبوة.الثاني: بالملك.الثالث: بالنبوة والعلم.قوله تعالى: {ووَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} فيه ثلاثة أقاويل:أحدها: ورث نبوته وملكه، قاله قتادة، قال الكلبي: وكان لداود تسعة عشر ولداً ذكراً وإنما خص سليمان بوراثتة لأنها وراثة نبوة وملك، ولو كانت وراثة مال لكان جميع أولاده فيه سواء.الثاني: أن سخر له الشياطين والرياح، قاله الربيع.الثالث: أن داود استخلفه في حياته على بني إسرائيل وكانت ولايته هي الوراثة وهو قول الضحاك، ومنه قيل: العلماء ورثة الأنبياء، لأنهم في الدين مقام الأنبياء.قوله تعالى: {فَهُمُ يُوزَعُونَ} فيه ستة أوجه:أحدها: يساقون، وهو قول ابن زيد.الثاني: يدفعون، قاله الحسن، قال اليزيدي: تدفع أخراهم وتوقف أولاهم.الثالث: يسحبون، قاله المبرِّد.الرابع: يجمعون.الخامس: يسجنون، قال الشاعر:السادس: يمنعون، مأخوذ من وزعه عن الظلم، وهو منعه عنه، ومنه قول عثمان رضي الله عنه: ما وزع الله بالسلطان أكبر مما وزع بالقرآن. وقال النابغة: والمراد بهذا المنع ما قاله قتادة: أن يُرد أولهم على آخرهم ليجتمعوا ولا يتفرقوا.قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ} قال قتادة: ذكر لنا أنه وادٍ بأرض الشام. وقال كعب: وهو بالطائف.{قَالَتْ نَمَلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُواْ مَسَاكِنَكُم} قال الشعبي: كان للنملة جناحان فصارت من الطير، فلذلك علم منطقها، ولولا ذلك، ما علمه.{لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ} أي لا يهلكنكم.{وَهُمُ لاَ يَشعُرُونَ} فيه وجهان:أحدهما: والنمل لا يشعرون بسليمان وجنوده، قاله يحيى بن سلام.الثاني: وسليمان وجنوده لا يشعرون بهلاك النمل، وسميت النملة نملة لتنملها وهو كثرة حركتها وقلة قرارها، وقيل إن النمل أكثر جنسه حساً لأنه إذا التقط الحبة من الحنطة والشعير للادخار قطعها اثنين لئلا تنبت، وإن كانت كزبرة قطعها أربع قطع {لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ} فحكي أن الريح أطارت كلامها إلى سليمان حتى سمع قولها من ثلاثة أميال فانتهى إليها وهي تأمر النمل بالمغادرة.{فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: أنه تبسم من حذرها بالمغادرة.الثاني: أنه تبسم من ثنائها عليه.الثالث: أنه تبسم من استبقائها للنمل.قال ابن عباس: فوقف سليمان بجنوده حتى دخل النمل مساكنه.{وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ} فيه ثلاثة أقاويل:أحدها: ألهمني، قاله قتادة.الثاني: اجعلني، قاله ابن عباس.الثالث: حرضني، قاله ابن زيد فحكى سفيان أن رجلاً من الحرس قال لسليمان، أنا بمقدرتي أشكر لله منك، قال فخرّ سليمان عن فرسه ساجداً.وفي سبب شكره قولان:أحدهما: أن علم منطق الطيرحتى فهم قولها.الثاني: أن حملت الريح قولها إليه حتى سمعه قبل وصوله لجنوده على ثلاثة أميال فأمكنه الكف.{وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ} فيه وجهان:أحدهما: شكر ما أنعم به عليه، قاله الضحاك.الثاني: حفظ ما استرعاه، وهو محتمل.{وَأدْخَلْنِي فِي رَحْمَتِكَ} فيه وجهان: أحدهما: بالنبوة التي شرفتني بها.الثاني: بالمعونة التي أنعمت عليّ بها.{فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} فيه وجهان:أحدهما: في جملة أنبيائك.الثاني: في الجنة التي هي دار أوليائك. .تفسير الآيات (20- 21): {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21)}قوله: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَال لِيَ لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ} قيل إن سليمان كان إذا سافر أظله الطير من الشمس، فأخل الهدهد بكانه، فبان بطلوع الشمس منه بعده عنه، وكان دليله على الماء، وقيل: إن الأرض كانت كالزجاج للهدهد، يرى ما تحتها فيدل على مواضع الماء حتى يحضر، قال ابن عباس: فكانوا إذا سافروا نقر لهم الهدهد عن أقرب الماء في الأرض، فقال نافع بن الأزرق: فكيف يعلم أقرب الماء إلى الأرض ولا يعلم بالفخ حتى يأخذه بعنقه؟ فقال ابن عباس: ويحك يا نافع ألم تعلم أنه إذا جاء القدر ذهب الحذر؟ فقال سليمان عن زوال الهدهد عن مكانه {مَا لِيَ لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبينَ} أي انتقل عن مكانه أم غاب.{لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: أنه نتف ريشه حتى لا يمتنع من شيء، قاله ابن عباس.الثاني: أن يحوجه إلى جنسه.الثالث: أن يجعله مع أضداده.{أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسْلطَانٍ مُبِينٍ} فيه وجهان:أحدهما: بحجة بينة.الثاني: بعذر ظاهر، قاله قتادة..تفسير الآيات (22- 26): {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)}قوله: {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} أي أقام غير طويل ويحتمل وجهين:أحدهما: مكث سليمان غير بعيد حتى أتاه الهدهد.الثاني: فمكث الهدهد غير بعيد حتى أتى سليمان.{فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: بلغت ما لم تبلغه، قاله قتادة.الثاني: علمت ما لم تعلمه، قاله سفيان.الثالث: اطلعت على ما لم تطلع عليه، قاله ابن عباس، والإحاطة العلم بالشيء من جميع جهاته، وفي الكلام حذف تقديره. ثم جاء الهدهد فسأله سليمان عن غيبته.{وَجِئْتُكَ مِنَ سَبَإٍ بِنَبإٍ يقين} أي بخبر صحيح صدق، وفي {سبأ} قولان:أحدهما: أنها مدينة بأرض اليمن يقال لها مأرب بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث ليال، قاله قتادة، قال السدي: بعث الله إلى سبأ اثني عشر نبياً، وقال الشاعر:الثاني: أن سبأ حي من أحياء اليمن واختلف قائلو هذا في نسبتهم إلى هذا، فذهب قوم إلى أنه اسم امرأة كانت أمهم، وروى علقمة عن ابن عباس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبأ فقال: «هُوَ وَلَدُ رَجُلٍ لَهُ عَشْرَةُ أَوْلاَدٍ فَبِاليَمَنِ مِنهُم سِتةٌ وبالشَّامِ مِنهُم أَربَعَةٌ، فَأَمَّا اليَمَانِيونَ فَمَذحَجُ وجُهَينَةُ وَكِندَةُ وأنمارُ وَالأُزْدُ وَالأَشعَرِيونَ وأَمَّا الشامِيون فَلَخْمُ وَجذامُ وعَامِلَةُ وَغَسَّانُ»وقيل هو سبأ بن يعرب بن قحطان. قال المفضل وسُمِّيَ سبأ لأنه أول من سبا.قوله تعالى: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُم} قال الحسن: هي بلقيس بنت شراحيل ملكة سبأ، وقال زهير بن محمد: هي بلقيس بنت شرحبيل بن مالك بن الديان وأمها فارعة الجنية، وقيل ولدها أربعون ملكاً آخرهم شرحبيل. قال قتادة كان أولو مشورتها ثلاثمائة واثني عشر رجلاً كل رجل منهم على عشرة آلاف رجل.{وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيءٍ} فيه قولان:أحدهما: من كل شيء في أرضها، قاله السدي.الثاني: من أنواع الدنيا كلها، قاله سفيان.{وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} فيه أربعة أقاويل:أحدها: أنه السرير، قاله قتادة.الثاني: أنه الكرسي، قاله سفيان.الثالث: المجلس، قاله ابن زيد.الرابع: الملك، قاله ابن بحر.وفي قوله: {عَظِيمٌ} ثلاثة أوجه:أحدها: ضخم.الثاني: حسن الصنعة، قاله زهير.الثالث: لأنه كان من ذهب وقوائمه لؤلؤ وكان مستراً بالديباج والحرير عليه سبعة تعاليق، قاله قتادة.قال ابن إسحاق: وكان يخدمها النساء فكان معها لخدمتها ستمائة امرأة.قوله: {أَلاَّ يَسْجدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبءَ فِي السَّمواتِ وَالأَرْضِ} فيه تأويلان:أحدهما: يعني غيب السموات والأرض، قاله عكرمة، ومجاهد، وقتادة، وابن جبير.الثاني: أن خبء السموات المطر وخبء الأرض النبات، قاله ابن زيد، والخبء بمعنى المخبوء وقع المصدر موقع الصفة.وفي معنى الخبء في اللغة وجهان:أحدهما: أنه ما غاب.الثاني: أنه ما استتر.وقرأ الكسائي {أَلاَ يَسْجُدُواْ} بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد {أَلاَّ يَسْجُدُواْ} قال الفراء: من قرأ بالتخفيف فهو موضع سجدة، ومن قرأ بالتشديد فليس بموضع سجدة.وفي قائل هذا قولان:أحدهما: أنه قول الله تعالى أمر فيه بالسجود له، وهو أمر منه لجميع خلقه وتقدير الكلام: ألا يا ناس اسجدواْ لله.الثاني: أنه قول الهدهد حكاه الله عنه.ويحتمل قوله هذا وجهين:أحدهما: أن يكون قاله لقوم بلقيس حين وجدهم يسجدون لغير الله.الثاني: أن يكون قاله لسليمان عند عوده إليه واستكباراً لما وجدهم عليه.وفي قول الهدهد لذلك وجهان:أحدهما: أنه وإن يكن ممن قد علم وجوب التكليف بالفعل فهو ممن قد تصور بما ألهم من الطاعة لسليمان أنه نبي مطاع لا يخالف في قول ولا عمل.الثاني: أنه كالصبي منا إذا راهق فرآنا على عبادة الله تصوّر أن ما خالفها باطل فكذا الهدهد في تصوره أن ما خالف فعل سليمان باطل.
|