الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»
.تفسير الآيات (75- 76): {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76)}قوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمُ} فيه ثلاثة أقاويل:أحدها: ما بين أيديهم: ما كان قبل خلق الملائكة والأنبياء، وما خلفهم: ما يكون بعد خلقهم، حكاه ابن عيسى.الثاني: ما بين أيديهم: أول أعمالهم، وما خلفهم آخر أعمالهم، قاله الحسن.الثالث: ما بين أيديهم من أمر الآخرة وما خلفهم من أمر الدنيا، قاله يحيى بن سلام.ويحتمل رابعاً: ما بين أيديهم: من أمور السماء، وما خلفهم: من أمور الأرض..تفسير الآيات (77- 78): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)}قوله تعالى: {وَجَاهِدُواْ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِِهِ} قال السدي: اعملوا لله حق عمله، وقال الضحاك أن يطاع فلا يعصى ويُذْكر فلا يُنْسَى ويُشْكر فلا يُكْفَر. وهو مثل قوله تعالى: {اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102].واختلف في نسخها على قولين:أحدهما: أنها منسوخة بقوله تعالى: {فَاتَقُواْ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].والثاني: أنها ثابتة الحكم لأن حق جهاده ما ارتفع معه الحرج، روى سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ دِيْنِكُمْ أَيْسَرَهُ».{هُوَ اجْتَبَاكُمْ} أي اختاركم لدينه.{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ في الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} يعني من ضيق، وفيه خمسة أوجه:أحدها: أنه الخلاص من المعاصي بالتوبة.الثاني: المخرج من الأيمان بالكفارة.الثالث: أنه تقديم الأهلة وتأخيرها في الصوم والفطر والأضحى، قاله ابن عباس.الرابع: أنه رخص السفر من القصر والفطر.الخامس: أنه عام لأنه ليس في دين الإٍسلام ما لا سبيل إلى الخلاص من المأثم فيه.{مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمُ} فيه أربعة أوجه:أحدها: أنه وسع عليكم في الدين كما وسع ملة أبيكم إبراهيم.الثاني: وافعلوا الخير كفعل أبيكم إبراهيم.الثالث: أن ملة إبراهيم وهي دينه لازمة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وداخلة في دينه. الرابع: أن علينا ولاية إبراهيم وليس يلزمنا أحكام دينه.{هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هذَا} فيه وجهان:أحدهما: أن الله سماكم المسلمين من قبل هذا القرآن وفي هذا القرآن، قاله ابن عباس ومجاهد.الثاني: أن إبراهيم سماكم المسلمين، قاله ابن زيد احتجاجاً بقوله تعالى: {ومن ذريتنا أمة مسلمة لك} [البقرة: 128].{لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ} فيه وجهان:أحدهما: ليكون الرسول شهيداً عليكم في إبلاغ رسالة ربه إليكم، وتكونوا شهداء على الناس تُبَلِغُونَهُم رسالة ربهم كما بلغتم إليهم ما بلغه الرسول إليكم.الثاني: ليكون الرسول شهيداً عليكم بأعمالكم وتكونوا شهداء على الناس بأن رُسُلَهُم قد بَلَّغُوهم.{فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ} يعني المفروضة.{وَءَآتُواْ الزَّكَاةِ} يعنى الواجبة.{وَاعْتَصَمُواْ بِاللَّهِ} فيه وجهان:أحدهما: امتنعوا بالله، وهو قول ابن شجرة.والثاني: معناه تمسّكوا بدين الله، وهو قول الحسن.{هُوَ مَوْلاَكُمْ} فيه وجهان:أحدهما: مَالِكُكُم.الثاني: وليكم المتولي لأموركم.{فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصَيرُ} أي فنعم المولى حين لم يمنعكم الرزق لما عصيتموه، ونعم النصير حين أعانكم لما أطعتموه..سورة المؤمنون: .تفسير الآيات (1- 11): {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)}{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: معناه قد سعد المؤمنون ومنه قول لبيد:الثاني: أن الفلاح البقاء ومعناه قد بقيت لهم أعمالهم، وقيل: إنه بقاؤهم في الجنة، ومنه قولهم في الأذان: حي على الفلاح أي حي على بقاء الخير قال طرفة بن العبد: الثالث: أنه إدْراك المطالب قال الشاعر: قال ابن عباس: المفلحون الذين أدركوا ما طلبوا ونجوا من شر ما منه هربوا. روى عمر بن الخطاب قال كان النبي صل الله عليه وسلم إذا نزل عليه القرآن يسمع عند وجهه دويٌ كدوي النحل، فنزل عليه يوماً فلما سرى عنه استقبل القبلة ورفع يديه ثم قال: «اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلاَ تُنْقِصْنَا، وَأَكْرِمْنَا وَلاَ تُهِنَّا، وَأَعْطِنَا وَلاَ تَحْرِمْنَا، وَآثِرْنَا وَلاَ تُؤْثِرْ عَلَينَا، وَأَرْضِنَا وَارْضَ عَنَّا» ثم قال: «لَقَدْ أَنْزَلَ عَلَيَّ عَشْرَ أَيَاتٍ مَنْ أَقَامَهُنَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ» ثم قرأ علينا {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} حتى ختم العشر. روى أبو عمران الجوني قال قيل لعائشة ما كان خُلُق رسول الله صل الله عليه وسلم؟، قالت أتقرأُون سورة المؤمنون؟ قيل: نعم، قالت اقرأُوا فقرئ عليها {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} حتى بَلَغَ {يَحَافِظُونَ}.فقالت: هكذا كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم.قوله تعالى: {الَّذِيِنَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ} فيه خمسة أوجه:أحدها: خائفون، وهوقول الحسن، وقتادة.والثاني: خاضعون، وهو قول ابن عيسى.والثالث: تائبون، وهو قول إبراهيم.والرابع: أنه غض البصر، وخفض الجناح، قاله مجاهد.الخامس: هو أن ينظر إلى موضع سجوده من الأرض، ولا يجوز بصره مُصَلاَّهُ، فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع بصره إلى السماء فنزلت: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ} فصار لا يجوِّز بصره مُصَلاَّهُ.فصار في محل الخشوع على هذه الأوجه قولان:أحدهما: في القلب خاصة، وهو قول الحسن وقتادة.والثاني: في القلب والبصر، وهو قول الحسن وقتادة.قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} فيه خمسة أوجه:أحدها: أن اللغو الباطل، قاله ابن عباس.الثاني: أنه الكذب، قاله ابن عباس.الثالث: أنه الحلف، قاله الكلبي.الرابع: أنه الشتم لأن كفار مكة كانوا يشتمون المسلمين فهو عن الإِجابة، حكاه النقاش.الخامس: أنها المعاصي كلها، قاله الحسن.قوله: {أُوْلئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَا مِنْكُم إِلاَّ لَهُ مَنزِلاَنِ: مَنزِلٌ فِي الجَنَّةِ وَمَنزِلٌ فِي النَّارِ، فَإِن مَاتَ وَدَخَلَ النَّارَ، وَرِثَ أَهْلُ الجَنَّةِ مَنْزِلَهُ، وإِنْ مَاتَ وََدَخَلَ الجَنَّةَ، وَرِثَ أَهْلُ النَّارِ مَنزِلَهُ، فَذلِكَ قولَه {أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ}» ثم بيَّن ما يرثون فقال: {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ} فيه خمسة أوجه:أحدها: أنه اسم من أسماء الجنة، قاله الحسن.الثاني: أنه أعلى الجنان قاله قطرب.الثالث: أنه جبل الجنة الذي تتفجر منه أنهار الجنة، قاله أبو هريرة.الرابع: أنه البستان وهو رومي معرب، قاله الزجاج.الخامس: أنه عربي وهو الكرم، قاله الضحاك. .تفسير الآيات (12- 16): {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)}قوله: {وَلَقَدْ خَلَقنَا الإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ} فيه قولان:أحدهما: آدم استل من طين، وهذا قول قتادة، وقيل: لانه اسْتُلَ من قِبَل ربه.والثاني: أن المعني به كل إنسان، لأنه يرجع إلى آدم الذي خلق من سلالة من طين، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقيل: لأنه استل من نطفة أبيه، والسلالة من كل شيء صفوته التي تستل منه، قال الشاعر:وقال الزجاج: السلالة القليل مما ينسل، وقد تُسَمَّى، المضغة سلالة والولد سلالة إما لأنهما صفوتان على الوجه الأول، وإما لأنهما ينسلان على الوجه الثاني، وحكى الكلبي: أن السلالة الطين الذي إذا اعتصرته بين أصابعك خرج منه شيء، ومنه قول الشاعر: وحكى أبان بن تغلب أن السلالة هي التراب واستشهد بقول أمية بن أبي الصلت. {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطّْفَةً} النطفة هي ماء الذكر الذي يعلق منه الولد، وقد ينطلق اسم النطفة على كل ماء، قال بعض شعراء هذيل: قوله تعالى: {فِي قَرَارٍ مَّكينٍ} يعني بالقرار الرحم، ومكين: أي متمكن قد هيئ لاستقراره فيه.{ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} العلقة الدم الطري الذي خلق من النطفة سُمّيَ علقة لأنه أول أحوال العلوق.{فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً} وهي قدر ما يمضغ من اللحم.{فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمَاً} وإنما بين الله أن الإِنسان تنتقل أحوال خلقه ليعلم نعمته عليه وحكمته فيه، وإن بعثه بعد الموت حياً أهون من إنشائه ولم يكن شيئاً.{ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ} فيه أربعة أوجه:أحدها: يعني بنفخ الروح فيه، وهذا قول ابن عباس والكلبي.والثاني: بنبات الشعر، وهذا قول قتادة.والثالث: أنه ذكر وأنثى، وهذا قول الحسن.والرابع: حين استوى به شبابه، وهذا قول مجاهد.ويحتمل وجهاً خامساً: أنه بالعقل والتمييز.روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه لما نزلت هذه الآية إلى قوله: {ثَمَّ أَنشَأنَاهُ خَلْقَاً آخَرَ}. قال عمر بن الخطاب: فتبارك الله أحسن الخالقين فنزلت: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}. .تفسير الآية رقم (17): {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17)}قوله: {سَبْعَ طَرآئِقَ} أي سبع سموات، وفي تسميتها طرائق ثلاثة أوجه:أحدها: لأن كل طبقة على طريقة من الصنعة والهيئة.الثاني: لأن كل طبقة منها طريق الملائكة، قاله ابن عيسى.الثالث: لأنها طباق بعضها فوق بعض، ومنه أخذ طراق الفحل إذا أطبق عليها ما يمسكها، قاله ابن شجرة، فيكون على الوجه الأول مأخوذاً من التطرق، وعلى الوجه الثاني مأخوذاً من التطارق.{وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلقِ غَافِلِينَ} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: غافلين عن حفظهم من سقوط السماء عليهم، قاله ابن عيسى.الثاني: غافلين عن نزول المطر من السماء عليهم، قاله الحسن.الثالث: غافلين، أي عاجزين عن رزقهم، قاله سفيان بن عيينة.وتأول بعض المتعمقة في غوامض المعاني سبع طرائق: أنها سبع حجب بينه وبين ربه، الحجاب الأول قلبه، الثاني جسمه، الثالث نفسه، الرابع عقله، الخامس علمه، السادس إرادته، السابع مشيئته توصله إن صلحت وتحجبه إن فسدت، وهذا تكلف بعيد.
|