الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **
ومن الحوادث في هذه السنة: غزاة بدر وكانت في صبيحة سبعة عشر يومًا من رمضان يوم الجمعة. وقيل: تسعة عشر. والأول أصح. قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا ابن حيويه قال: أخبرنا ابن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا زكريا عن عامر: أن بدرًا إنما كانت لرجل يدعى بدرًا يعني: بئرًا. قال: وقال الواقدي وأصحابنا من أهل المدينة ومَنْ يروي السيرة يقولون: بدر اسم الموضع. وكان الذي هاج هذه الوقعة وغيرها من الحروب بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين قتل عمرو بن الحضرمي. فتحين رسول الله صلى الله عليه وسلم انصراف العير التي النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج وكان قد ندب أصحابه وأخبرهم بما مع أبي سفيان من المال مع قلة عدده فخرج أقوام منهم لطلب الغنيمة وقعد آخرون لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربًا فلم يلمهم لأنه لم يخرج لقتال وكان خروجه يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان وقيل لثلاثٍ خلون من رمضان - على رأس تسعة عشر شهرًا من الهجرة واستخلف على المدينة عمرو بن أم مكتوم وخرجت معه الأنصار ولم يكن غزا بأحدٍ منهم قبلها وضرب عسكره ببئر أبي عتبة على ميل من المدينة يعرضُ أصحابه وردَ مَنْ استصغر وخلف عثمان على رقية وكانت مريضة وبعث طلحة وسعيدًا على ما ذكر فقدما وقد فاتت بدر وخلًف أبا لبابة بن عبد المنذر على المدينة وعاصم بن عدي على أهل العالية والحارث بن حاطب رَدًه من الروحاء إلى بني عمرو بن عوف لشيء بلغه عنهم والحارث بن الضفة كُسر بالروحاء. وخوات بن جبير كُسر أيضًا وكل هؤلاء ضربَ له سَهْمَهُ وأجره وكانت الإبل مَعهُ سبعين يتعاقب النفير على البعير وكانت الخيل فَرَسَين: فرس للمقداد وفرس لمرثد بن أبي مرثد. وفي رواية: وفرس للزبير. وقد روى زر عن ابن مسعودٍ قال: كنا يوم بدرٍ كل ثلاثة على بعير وكان أبو لبابة وعلي زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالا: اركب حتى نمشيِ عنك. فيقول: " ما أنتما بأقوى قال العلماء: وقَدَم رسول الله صلى الله عليه وسلم عينين له إلى المشركين: بَسبَس بن عمرو وعدي بن أبي الزَغباء. وجعل على الساقة: قيس بن أبي صعصعة فلما بلغ أبا سفيان خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذ ما معَهُ استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة ليستنفر قريشًا لأجل أموالهم فخرج ضمضم سريعًا. وكانت عاتكة بنت عبد المطلب قد رأت قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال رؤيا أفزعتها فأخبرت بها أخاها العباس وأمرته أن يكتم ذلك. قالت: رأيت راكبًا على بعيرٍ له حتى وقف بالأبطح ثم صرخ بأعلى صوته: أن انفروا يا أهل غُدَر لمصارعكم في ثلاث. فاجتمعوا إليه ثم دخل المسجد والناس يتبعونه فبينا هم حوله مُثِل به بعيره على ظهر الكعبة يصرخ بأعلى صوته: انفروا يا أهل غُدرَ لمصارعكم في ثلاث ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس فصرخ بمثلها ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل أرفضت فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار من دورها إلا دخلت منها فلقة. فقال لها العباس: اكتميها. ثم لقي الوليد بن عتبة - وكان صديقًا له - فذكرها له واستكتمه فذكرها الوليد لأبيه عتبة ففشا الحديث حتى تحدثت به قريش. فقال العباس: فلقيني أبو جهل فقال: يا أبا الفضل متى حدثت فيكم هذه النبوة قلت: وما ذاك قال: الرؤيا التي رأت عاتكة. قلت: وما رأت قال: يا بني عبد المطلب أما رضيتم أن تتنبى رجالكم حتى تتنبى نساؤكم! وقد زعمت عاتكة أنه قال: انفروا في ثلاث فنتربص بكم هذه الثلاث فإن يكن ما قالت حقًا فسيكون وإن مضى الثلاث ولم يكن من ذلك شيء فنكتب عليكم كتابًا أنكم أكذب أهل بيت في العرب. قال العباس: فجحدت ذلك وأنكرت أن تكون رأت شيئًا ثم تفرقنا فلما أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني فقالت: أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ثم قد تناول النساء وأنت تسمع ثم لم يكن عندك غيرة لما قد سمعت فقلت: قد والله فعلت ذلك وأيم الله لأتعرضن له فإن عاد لأكفيتكموه. قال: فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة وأنا مغضب أرى أن قد فاتني منه أمر أحب أن أدركه فدخلت المسجد فرأيته فوالله إني لأمشي نحوه أتعرض له ليعود لبعض ما قال فأقع فيه إذ خرج نحو باب المسجد يشتد فقلت في نفسي: ما له لعنه الله أكُل هذا فَرقًا من أن أشاتمه وإذا هو قد سمع ما لم أسمع: صوت ضمضم بن عمرو الغفاري وهو يصرخ ببطن الوادي واقفًا على بعيره قد جُدع بعيره وشُق قميصه وهو يقول: يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد وأصحابه لا أرى أن تدركوها الغوث الغوث. قال: فشغلني عنه وشغله عني ما جاء من الأمر فتجهز الناس سراعًا وقالوا: يطن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي كلا والله ليعلمن غير ذلك. وكانوا بين رجلين: إما خارج وإما باعث مكانه رجلًا وأوعبت قريش ولم يتخلف من أشرافها أحد إلا أن أبا لهبِ بعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة وكان أمية بن خلف شيخًا ثقيلًا فأجمع القعوَد فأتاه عقبة بن أبي معيط بمجمرة فيها نار فوضعها بين يديه ثم قال له: استجمر فإنما أنت من النساء قال: قَبحَك الله وقبح ما جئت به. ثم تجهز وخرج مع الناس فلما أجمعوا السير ذكروا ما بينهم وبين كنانة فقالوا: نخشى أن يأتونا من خلفنا. فتبدى لهم إبليس في صورة مالك بن جعشم وكان من أشراف كنانة فخرجوا سراعًا معهم القيان والدفوف وكانوا تسعمائة وخمسين مقاتلًا وكانت خيلهم مائة فرس. وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم فاستشار الناس وأخبرهم عن قريش فقام أبو بكر فقال فأحسن ثم قام عمر فقال فأحسن ثم قام المقداد فقال: امض يا رسول الله لما أمرك الله فنحن معك والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: " أجل " قال: فقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك عهودنا على السمع والطاعة فامض لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا إنا لصُبُر عند الحرب صدق عند اللقاء لعل الله أن يريك منا ما تقربه عينك فسر بنا على بركة الله تعالى. فسُر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعدٍ ونشطه ذلك ثم قال: " سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله عز وجل قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم ". ثم سار حتى نزل قريبًا من بدر فنزل هو ورجل من أصحابه حتى وقف على شيخ من العرب فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم فقال الشيخ: لا أخبركما حتى تخبراني من أنتما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أخبرتنا أخبرناك " فقال: وذاك بذاك فقال: " نعم ". قال الشيخ: فإنه بلغني أن محمدًا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا فإن كان صدقني الذي أخبرني فهو اليوم بمكان كذا وكذا - للمكان الذي به رسول الله صلى الله عليه وسلم - وبلغني أن قريشًا خرجوا يوم كذا وكذا فإن كان الذي حدثني صدقني فهم اليوم بمكان كذا وكذا - للمكان الذي به قريش - فلما خبًوه قال: ممن أنتما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نحن من ماء " وانصرف. قال مؤلف الكتاب: أوهمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من العراق وكان العراق يسمى: ماء وإنما أراد به: خُلق من نطفة ماء. قال ابن إسحاق: ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه فلما أمسى بعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص في نفر من أصحابه إلى ماء بدر يلتمسون له الخبر فأصابوا راوية لقريش فيها: أسلم غلام بني الحجاح وعرباص أبو سيار غلام بني العاص بن سعيد فأتوا بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي فسألوهما فقالوا: نحن سقاة قريش بعثوا بنا لنسقيهم من الماء. فرجى القوم أن يكونا لأبي سفيان فضربوهما فقالا: نحن لأبي سفيان فتركوهما فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال: إذا صدقاكم ضربتموهما وإذا كذباكم تركتموهما صدقا والله إنهما لقريش أخبراني: أين قريش قالوا: هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى والكثيب العقنقل. قال: كم القوم " قالا: كثير. قال: كم عدتهم قالا لا ندري. قال: أكم ينحرون! قالا: يومًا تسعًا ويومًا عشرًا. قال: القوم ما بين التسعمائة إلى الألف قال: فمن منهم من أشراف قريش " قالا: عتبة وشيبة وأبو البختري وحكيم بن حزام والحارث بن عامر وطعيمة بن عدي والنضر بن الحارث وزمعة بن الأسود وأبو جهل وأمية بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وسهيل بن عمرو وعمرو بن عبد ود. فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال: " هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها ". وأما أبو سفيان فإنه أسرع بالعير على طريق الساحل وأقبلت قريش فلما نزلوا الجحفة رأى جهم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف رؤيا فقال: إني رأيت فيما يرى النائم أو أني بين النائم واليقظان إذ نظرت إلى رجل أقبل على فرس حتى وقف ومعه بعير له ثم قال: قتل عتبة وشيبة وأبو الحكم بن هشام وأمية وفلان وفلان - فعدً رجالًا ممن قُتِلَ يومئذ من أشراف قريش - ورأيته ضرب في لبة بعيره ثم أرسله في العسكر فما بقي خباء من أخبية العسكر إلا أصابه نضح من دمه. قال: فبلغت أبا جهل فقال: وهذا أيضًا نبي آخر من بني عبد المطلب سيعلم غدًا من المقتول إن نحن التقينا. ولما رأى أبو سفيان أنه قد أحرز عيره أرسل إلى قريش: أنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم وأموالكم وقد نجاها الله فارجعوا. فقال أبو جهل بن هشام: والله لا نرجع حتى نرد بدرًا - ركان بدر موسمًا من مواسم العرب يجتمع لهم بها سوق كل عام - فنقيم عليه ثلاثًا وننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقي الخمور وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبدًا فامضوا. فقال الأخنس بن شريق: يا بني زهرة قد نجا الله أموالكم فارجعوا ولا تسمعوا ما يقول هذا فرجعوا ولم يشهدها زهريٌ. وبلغ أبا سفيان قول أبي جهل فقال: واقوماه هذا عمل عمرو بن هشام - يعني أبا جهل - ثم لحق المشركين فمضى معهم فجُرِحَ يوم بدرٍ جراحات وأفلت هاربًا على قدميه ومضت قريش حتى نزلت بالعدوة القصوى من الوادي خلف العقنقل وبعث الله عز وجل السماء وكان الوادي دهسًا فأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لبد لهم الأرض ولم يمنعهم المسير وأصاب قريش منها ماء لم يقدروا على أن يرتحلوا معه. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يُبَادِرُهُمْ إلى الماء حتى إذا جاء أدنى ماء من بدر نزل به. فحُدثت عن رجال من بني سلمة: أنهم ذكروا أن الحباب بن المنذر قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت هذا المنزل أمنزلًا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخره أم هو الرأي في الحرب قال: " بلْ هو الرأي بالحرب " فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن هذا ليس لك بمنزل فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ثم نغور ما سواه من القُلُب ثم نبني عليه حوضًا فنملأه ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون. فنزل جبريل فقال: الرأي ما أشار به الحباب. فنهض ومَنْ معه حتى أتى أدنى ماء من القوم فنزل عليه وأمر بالقلب فَغُورَتْ وبنى حوضًا على القليب الذي كان عليه ثم قذفوا فيه الأنية. فحدثني عبد الله بن أبي بكر: أن سعد بن مُعَاذ قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبني لك عريشًا من جريد فتكون فيه وتُعد عندك ركائبك ثم نلقى عدونا فإن أعزنا الله وأظهرنا كان ذلك ما أحببنا وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمَنْ وراءنا من قومنا فقد تخلف عنك أقوام ما نحن بأشد حُبًا لك منهم ولو ظنوا أنك تلقى حربًا ما تخلفوا عنك فدعى له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وبُنِيَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشٌ فكان فيه ثم أقبلت قريش فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحاربك وتكذب رسولك اللهم فنصرك الذي وعدتني ". فلما نزل الناس أقبل نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم حكيم بن حزام على فرس له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعوهم ". فما شرب منهم رجل إلا أسر أو قتل إلا حكيم بن حزام فإنه نجا على فرس له ثم أسلم فكان يقول إذا حلف: لا والذي نجاني يوم بدر. فلما اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهبِ اللخمي فقالوا: أحرز لنا أصحاب محمد فجال بفرسه نحو العسكر ثم رجع فقال: ثلاثمائة رجل يزيدون قليلًا أو ينقصون ولكن أمهلوني حتى أنظر القوم كمين فضرب في الوادي حتى أبعده فلم ير شيئًا فرجع فقال: ما رأيت شيئًا ولكني قد رأيت يا معشر قريش الولايا تحمل المنايا نواضح يثرب تحمل الموت الناقع قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم والله ما أرى أن يقتل منهم رجل حتى يقتل منكم رجالًا فإذا أصابوا أعدادهم فما خير في العيش بعد ذلك فردوا رأيكم. فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى إلى عتبة فقال: يا أبا الوليد إنك كبير قريش وسيدها هل لك في أن لا تزال تذكر بخير أ إلى آخر الدهر قال: وما ذاك يا حكيم قال: تَرْجع بالنَاس وتَحْمل دم حليفك عمرو بن الحضرمي. قال: قد فعلتُ. أنبأنا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال أخبرنا أبو طاهر المخلص قال: أخبرنا أحمد بن سليمان بن داود الطوسي قال: أخبرنا الزبير بن بكار قال: حدثني عمامة بن عمرو السهمي عن مسور بن عبد الملك اليربوعي عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن حكيم بن حزام قال: خرجنا حتى إذا نزلنا الجحفة رجعت قبيلة من قبائل قريش بأسرها وهي: زهرة فلم يشهد أحدٌ من مشركيهم بدرًا ثم خرجنا حتى نزلنا العدوة فجئت عتبة بن ربيعة فقلت: يا أبا الوليد هل لك أن تذهب بشرف هذا اليوم ما بقيت قال: أفعل ماذا قلت: إنكم لا تطلبون من محمدٍ إلا دم الحضرمي وهو حليفك فتحمل بديته وترجع بالناس. فقال لي: فأنت وذاك فأنا أتحمل بدية حليفي فاذهب إلى ابن الحَنْظلية - يعني: أبا جهل - فقل له: هل لك أن ترجع اليوم بمن معك عن ابن عمك فجئته فإذا هو بجماعة من بين يديه ومن ورائه وإذا ابن الحضرمي واقف على رأسه وهو يقول: فسخت عقدي من بني عبد شمس وعقدي إلى بني مخزوم. فقلت له: يقول لك عتبة: هل لك أن ترجع بالناس عن ابن عمك قال: أما وجد رسولًا غيرك فخرجت أبادر إلى عتبة وعتبةُ متكئ على إيماء بن رَخَصة وقد أهْدَى إلى المشركين عشر جزائر فطلع أبو جهل والشر في وجهه فقال لعتبة: انتفخ سَحْرُك! فقال له عتبة: ستعلم! فسَل أبو جهل سيفَه فضرب به متن فرسه فقال إيماء بن رخصة: بئس الفأل هذا فعند ذلك قامت الحربُ. أخبرنا ابن الحصين أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا أحمد بن جعفر قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد قال: حدَثني أبي قال: أخبرنا محمد بن جعفر قال: أخبرنا شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت حارثة بن مضرب يحدث عن علي رضي الله عنه قال: لقد رأيتنا ليلة بدر وما منا إنسان إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يصلي إلى شجرة ويدعو حتى أصبح وما كان منا فارسٌ يوم بدر غير المقداد بن الأسود. قال ابن إسحاق: وقام عتبة خطيبًا فقال: يا معشر قريش إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدًا وأصحابه شيئًا فوالله لئن أصبتموه لا يزال رجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجالًا من عشيرته فارجعوا أو خلُوا بينِ محمد وسائر العرب فإن أصابوه فذاك الذي أردتم فإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تَعَرَضُوا منه لما تريدون. قال حكيم: وجئت إلى أبي جهل فوجدته قد نَثَل دِرْعًا له من جرابها فهو يهيئها فقلت: إن عتبة أرسلني بكذا وكذا فقال: انتفخ والله سَحْرُه حين رأى محمدًا كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمدٍ وما بعتبة ما قال لكنه قد رأى محمدًا وأصحابه أكلَةَ جَزور وفيهم ابنه فقد تَخوفكم عليه - يعني أبا حذيفة بن عتبة وكان قد أسلم - ثم بعث إلى عامر بن الحضرمي فقال له: هذا حَلِيفُك يريد أن يرجع بالناس وقد رأيت ثأرك بعينك فقم فانشد مقتل أخيك. فقام عامر بن الحضرمي فاكتشف ثم صرخ: واعَمْراه فحميت الحرب وطلب عتبة بَيْضَة يدخلها رأسه فما وجد في الجيش بيضة تمنعه من عظم رأسه فاعتَجَز ببُرْدٍ له. وعقد رسول الله صلى الله عليه وسلم الألوية فكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعظم لواء المهاجرين مع مصعب بن عمير ولواء الخزرج مع الحباب بن المنذر ولواء الأوس مع سعد بن معاذ وجعل شعار المهاجرين: يا بني عبد الرحمن وشعار الخزرج: يا بني عبد الله وشعار الأوس: يا بني عبيد الله. وقيل: كان شعار الكل: يا منصور أمت. وكان مع المشركين ثلاثة ألويةٍ: لواء مع أبي عزيز بن عمير ولواء مع النضر بن الحارث ولواء مع طلحة بن أبي طلحة كلهم من بني عبد الدار. ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أدنى بدرٍ عشاء ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان. فخرج الأسود بن عبد الأسد المخزومي فقال: أعاهد الله لأشْرَبن من حَوْضِهم ولأهْدِمنه أو لأمُوتن دونه. فلما خرج خرج له حمزة بن عبد المطلب فضربه في ساقه فوقع على ظهره تَشْخُبُ رجله دمًا ثم حَبَا إلى الحوض حتى اقتحم يريد أن يُبِر يمينَه وأتبعه حمزة فضربه حتى قتله. ثم خرج بعده عتبة وأخوه شيبة وابنه الوليد فدعا إلى المبارزة فخرج إليه فتية من الأنصار عوف ومعوذ ابنا الحارث وعبد الله بن رواحة فقالوا: من أنتم قالوا: رهط من الأنصار فقالوا: ما لنا بكم من حاجة. ثم نادى مناديهم: يا محمد أخْرِجْ إلينا أكفاءَنا من قومنا. فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قم يا حمزة قم يا عبيدة قم يا علي " فقالوا: أكفاء كرام فبارز عبيدة - وهو أسن القوم - عتبة بن ربيعة وبارز حمزة شيبة وبارز علي الوليد بن عتبة فقتل حمزة شيبة وقتل علي الوليد واختلف عبيدة وعتبة ضربتين كلاهما أثبت صاحبه وكر حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فقتلاه واحتملا عبيدة فجاءا به إلى أصحابه وقد قطعت رجله فمُخها يسيل فلما أتوا بعبيدة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألست شهيدًا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " بلى " فقال عبيدة: لو كان أبو طلحة حيًا لعلم أني أحق بما قال منه حيث يقول: ثم تزاحف الناس ودنا بعضهم من بعض وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن لا يحملوا حتى يأمرهم وقال: " إن اكتنفكم القوم فانضحوهم بالنبل " ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش معه أبو بكر ليس معه غيره. وذكر ابن إسحاق عن أشياخه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوفَ أصحابه يوم بدرٍ وفي يده قِدْحٌ يعدل به القوم فمر بسَوَاد بن غَزِية وهو مستنتل من الصف فطعن في صدره بالقدح وقال: اسْتَوِيا سوادًَا فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجعَتني وقد بعثك الله بالحق فأقدني. فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال: " استقِدْ " فاعتنقَه وقبل بطنه فقال: " ما حملك على هذا يا سَواد. فقال: حضَر ما ترى فلم آمن القتْل فأردتُ أن يكونَ آخر العهد بك أن يصدقَ جلدي جلدَي. فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم عدل الصفوفَ ورجعٍ إلى العريش يناشد ربه وما وعده من النصر فخفق رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش خفقة ثم انتبه فقال: يا أبا بكر أتاك نصر الله هذا جبريل أخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النَقع ". ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس يحرضهم ونفل كل امرئ منهم ما أصاب وقال: " والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيُقتَلُ صابرًا مُحتسِبًا مُقْبِلًا غير فقال عُمَيرُ بن الحُمام - وفي يده تَمَرات يأكلهن: بَخْ بَخْ فما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقْتلَني هؤلاء! ثم قذف التمَراتِ من يده وأخذ سيفَه فقاتل القوم حتى قُتِل وهو يقول: رَكضًا إلى اللهِ بِغَيْر زاد إلا التقَى وَعَمل المَعادِ وَالصبْر فِي الله ِعَلَى الجهاد وكل زَادٍ عُرْضَةُ النفَادِ غَيْرُ التُّقى والبر والرشَادِ فلما التقى النًاس قال أبو جهل: اللهم أقْطَعَنَا لِلرًحم وآتنا بما لا يُعرف فأحِنْه الغداة فكان هو المستفتِح على نفسه. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حَفْنة من الحَصْباء فاستقبل بها قريشًا ثم قال: " شاهت الوُجوه " ثم نفخهم بها وقال لأصحابه: شُدُوا فكانت الهزيمة فقتل الله مَنْ قُتِلَ مِنْ صناديد قريش وأسر مَنْ أسر منهم فلما وضع القوم أيديَهم يأسرون ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش وسعد بنُ معاذ قائم على باب العريش متوشحًا السيف في نفر من الأنصار يحرسُون رسول الله صلى الله عليه وسلم يخافون عليه كًرةَ العدوَ ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه سعد الكَرَاهِية لمَا يصنع الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لكأنك يا سعد تكره ما يصنع الناس " فقال: أجلْ والله يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت أول وقعة أوقَعها الله بالمشركين فكان الإثْخَانُ في القتل أعَجَبَ إِلي من استبقاء الرجال.
وقتل من المشركين سبعون وأسر سبعون فممن قتل: عتبة وشيبة والوليد بن عتبة والعاص بن سعيد وأبو جهل وأبو البَخْتَري وحنظلة بن أبي سفيان والحارث ابن عامر وطعيمة بن عدي وَزَمْعة بن الأسود ونوفل بن خويلد والنضر بن الحارث وعُقْبة بن أبي مُعيط والعاص بن هشام خال عُمر وأمية بن خلف وعليُ بن أمية ومنبه بن الحجاج ومعبد بن وهب. وممن أسر: نوفل بن الحارث وعقيل بن أبي طالب وأبو العاص بن الوبيع وعدي بن الحباب وأبو عزيز بن عمير والوليد بن الوليد بن المغيرة وعبد الله بن أبي بن خلف وأبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحي الشاعر ووهب بن عمير وأبو وداعة بن ضبيرة وسهيل بن عمرو. وكان فداء الأسارى كل رجل منهم أربعة آلاف إلى ثلاثة آلاف إلى ألفين إلى ألف إلا قوما لا مال لهم من عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو عزة الجمحي. أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا أبو عمر بن حيوية قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد أسر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر سبعين أسيرًا فكان يفادي بهم على قدر أموالهم وكان أهل مكة يكتبون وكان أهل المدينة لا يكتبون فمن لم يكن له فداء دفع إليه عشرة من غلمان المدينة فعلمهم فإذا حذقوا فهو فداؤه. وفي رواية الشعبي: وكان زيد بن ثابت ممن علم. قال ابن عباس: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه يومئذ: إني قد عرفت أن رجالًا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرها لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقي منكم أحدًا من بني هاشم فلا يقتله ومن لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله فإنه إنما أخرج مستكرهًا. فقال أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة: نقتل آباءنا أو أبناءنا وإخواننا وعشيرتنا ونترك العباس والله لئن لقيته لألحمنه السيف فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول لعمر بن الخطاب يا أبا حفص أما تسمع قول أبي حذيفة يقول أضرب وجه عم رسول الله بالسيف فقال عمر: يا رسول الله دعني فلأضربن عنقه بالسيف فوالله لقد نافق. فكان أبو حذيفة يقول: ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ ولا أزال منها خائفًا إلا أن تكفرها عني الشهادة فقتل يوم اليمامة شهيدًا. وإنما نهى رسول الله عن قتل أبي البختري لأنه كان أكف القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة كان لا يؤذيه ولا يبلغه عنه شيء يكرهه وكان فيمن قام في نقض الصحيفة التي كتبت قريش على بني هاشم وبني المطلب. وقال ابن عباس: وكان الذي أسر العباس أبو اليسر كعب بن عمرو فقال رسول الله: " كيف أسرته " قال: أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده قال: " لقد أعانك عليه ملك كريم " وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم ساهرًا أول ليلة فقال أصحابه: ما لك لا تنام فقال: " سمعت صوت تضور العباس في وثاقه " فقاموا إلى العباس فأطلقوه فنام رسول الله. وقد روى ابن إسحاق عن أشياخه أن عبد الرحمن بن عوف قال: كان أمية بن خلف صديقًا لي بمكة فلما كان يوم بدر مررت به وهو واقف مع ابنه علي آخذًا بيده ومعي أدراع قد استلبتها فقال: يا عبد الله هل لك في فأنا خير لك من هذه الأدراع فطرحت الأدراع من يدي وأخذت بيده وبيد ابنه وهو يمشي ويقول: ما رأيت كاليوم قط. ثم قال لي: من الرجل المعلم بريشة نعامة في صدره قلت: حمزة قال: ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل قال عبد الرحمن: فوالله إني لأقودهما إذ رآه بلال وهو الذي كان يعذب بلالًا بمكة على أن يترك الإسلام يخرجه إلى رمضاء مكة فيضجعه على ظهره ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ثم يقول: لا تزال هكذا حتى تفارق دين محمد فيقول بلال: أحد أحد فقال بلال حين رآه: رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا قلت: أي بلال أسيري قال: لا نجوت إن نجوا فقلت تسمع يا ابن السوداء فقال: لا نجوت إن نجوا ثم صرخ بأعلا صوته: يا أنصار الله رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا فأحاطوا بنا ثم جعلونا في المسكة وأنا أذب عنه فضرب رجل ابنه فوقع فصاح أمية صيحة ما سمعت بمثلها قط فقلت: انج بنفسك فوالله ما أغني عنك شيئًا. فضربوهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما. فكان عبد الرحمن يقول: رحم الله بلالًا ذهبت أدراعي وفجعني بأسيري. أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: حدثنا أحمد بن جعفر قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: أخبرنا أبو نوح قراد قال: أخبرنا عكرمة بن عمار قال: حدثنا سماك الحنفي أبو زميل قال: حدثني ابن عباس قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيف ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة فاستقبل النبي صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يديه يدعو وعليه رداؤه وإزاره ثم قال: " اللهم أين ما وعدتني " اللهم أنجز ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض أبدًا " قال: فما زال يستغيث ربه ويدعوه حتى سقط رداؤه. فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فرده ثم التزمه من ورائه ثم قال: يا نبي اللهكفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك. وأنزل الله تعالى: " إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم إني ممدكم بألف من الملائكة مردفين " فلما كان يومئذ التقوا هزم الله المشركين فقتل منهم سبعون رجلًا وأسر منهم سبعون رجلًا. فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعليًا وعمر رضي الله عنهم فقال أبو بكر: يا نبي الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان فإني أرى أن تأخذ منهم الفدية فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على الكفار وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما ترى يا ابن الخطاب " فقلت: والله ما أرى مثل ما رأى أبو بكر ولكني أرى أن تمكنني من فلان - قريب لعمر - فأضرب عنقه وأرى إن تمكن عليًا من عقيل فيضرب عنقه وتمكن حمزة من فلان ابن أخيه فيضرب عنقه حتى يعلم الله سبحانه أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت فأخذ منهم الفداء فلما كان من الغد قال عمر: غدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو قاعد وأبو بكر و إذا هما يبكيان قلت: يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " للذي عرض علي أصحابك من الفداء لقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة ". لشجرة قريبة وأنزل الله عز وجل: فلما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم من الفداء فقتل منهم سبعون وفر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه وسال الدم على وجهه فأنزل الله عز وجل: وفي أفراد البخاري من حديث ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو في قبته يوم بدر: اللهم أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن تشأ لا تعبد بعد اليوم فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك يا رسول الله ألححت على ربك وهو ثبت في الدراع فخرج وهو يقول: أخبرنا عبد الأول قال: أخبرنا الداوودي قال: أخبرنا ابن أعين قال: أخبرنا الفربري قال: حدثنا البخاري قال: أخبرنا مسدد قال: حدثنا يوسف بن يعقوب الماجشون عن صالح بن بينا أنا واقف في الصف يوم بدر فنظرت عن يميني وعن شمالي فإذا أنا بغلامين من الأنصار. حديثة أسنانهما تمنيت لو كنت بين أضلع منهما فغمزني أحدهما فقال: يا عم هل تعرف أبا جهل قلت: نعم وما حاجتك إليه يا ابن أخي قال: بلغني أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لئن رأيته لم يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا قال: فغمزني الآخر فقال لي مثلها فتعجبت لذلك ثم لم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس فقلت لهما: ألا تريان هذا صاحبكما الذي تسألان عنه فابتدراه فاستقبلهما فضرباه حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال: " أيكما قتله " فقال كل واحد منهما: أنا قتلته قال: " مسحتما سيفيكما " قالا: لا فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في السيفين فقال: " كلاكما قتله وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح " وهما معاذ بن عمرو ومعاذ بن عفراء. قال مؤلف الكتاب: أخرجاه في الصحيحين. وفي رواية ابن مسعود: أن معاذ بن عفراء ضرب أبا جهل هر وأخوه عوف بن الحارث حتى أثبتاه فعطف عليهما فقتلهما ثم وقع صريعًا فوقف عليه معوذ. وفي رواية عن معاذ بن عمرو بن الجموح قال: ضربت أبا جهل بن هشام ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه فوالله ما شبهتها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي فتعلقت بجلدة من جنبي فقاتلت عليه يومي وإني لأسحبها خلفي فلما أذتني جعلت عليها رجلي ثم تمطيت بها حتى طرحتها. وعاش معاذ إلى زمان عثمان. قال: ثم مر بأبي جهل - وهو عقير - معوذ بن عفراء فضربه حتى أثبته وتركه وبه رمق وقاتل معوذ حتى قتل فمر به عبد الله بن مسعود فوضع رجله على عينيه فقال: لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبًا فقال: لمن الدائرة فقال: لله ولرسوله ثم اجتز رأسه فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا أحمد بن جعفر قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: أخبرنا وكيع قال: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة قال: قال عبد الله. انتهيت إلى أبي جهل يوم بدر وقد ضربت رجله وهو صريع وهو يذب الناس عنه بسيف له فقلت: الحمد لله الذي أخزاك يا عدو الله فقال: هل هو إلا رجل قتله قومه قال: فجعلت أتناولة بسيف لي غير طائل فأصبت يده فندر سيفه فأخذته فضربته به حتى قتلته قال: ثم خرجت حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما أقل من الأرض فأخبرته فقال: " الحمد لله الذي لا إله غيره " فرددها ثلاثًا قال: قلت الله الذي لا إله إلا هو قال فخرج يمشي معي حتى قام عليه فقال: " الحمد لله الذي أخزاك يا عدو الله هذا كان فرعون هذه الأمة ". وقتل أبو جهل لعنه الله وهو ابن سبعين سنة. قال علماء السير: جاءت يوم بدر ريح لم يروا مثلها ثم ذهبت ثم جاءت ريح أخرى فكانت الأولى جبريل في ألف من الملائكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والثانية ميكائيل في ألف من الملائكة عن ميمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والثالثة إسرافيل في ألف من الملائكة عن ميسرة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان سماء الملائكة عمائم قد أرخوها بين أكتافهم خضر وصفر وحمر من نور والصوف في نواصي خيلهم وكانت خيلًا بلقاء. وقاتلت الملائكة يوم بدر ولم تقاتل في غير ذلك اليوم كانت تحضر ولا تقاتل. وقال ابن عباس: حدثني رجل من بني غفار قال: أقبلت أنا وابن عم لي حتى أصعدنا الجبل يشرف بنا على بدر ونحن مشركان ننتظر الوقعة على من تكون الدائرة فننهب مع من ينهب. فبينا نحن في الجبل إذ دنت منا سحابة فسمعنا فيها حمحمة الخيل فسمعت قائلًا يقول: أقدم حيزوم فأما ابن عمي فراع قلبه فمات مكانه وأما أنا فكدت أهلك ثم تماسكت. قال ابن حبعب الهاشمي: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: " من القائل أقدم حيزوم " فقال جبريل: ما كل أهل السماء أعرف. أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا أحمد بن جعفر قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: أخبرنا يزيد قال: قال محمد بن إسحاق حدثني أبي عن رجل من بني مازن عن أبي داود وكان شهد بدرًا قال: إني لأتبع رجلًا من المشركين لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي فعرفت أن قد قتله غيري. وقال أبو أمامة بن سهل بن حنيف قال لي أبي: يا بني لقد رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا ليشير بسيفه إلى المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف. وقال عكرمة: كان يومئذ يبدر رأس الرجل لا يدرى من ضربه أو تبدر يد الرجل لا يدرى من ضربه. وقال عطية بن قيس: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتال بدر جاءه جبريل عليه السلام على فرس أنثى حمراء عليه درعه ومعه رمحه قد عصم ثنيتيه الغبار فقال: يا محمد إن الله تعالى بعثني إليك وأمرني أن لا أفارقك حتى ترضى هل رضيت قال: " نعم قد رضيت "
|