الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **
فمن الحوادث فيها: وكان عبد الملك لا يزال يقرب من مصعب ويخرج مصعب ثم تهجم الشتاء فيرجع كل واحد مهنما إلى موضعه ثم يعودان. ثم إن عبد الملك خرج من الشام يريد مصعبًا من سنة سبعين ومعه خالد بن عبد الله فقال له خالد: إن وجهتني إلى البصرة وأتبعتني خيلًا يسيرة رجوت أن أغلبك عليها فوجهه عبد الملك فقدمها مستخفيًا في مواليه وخاصته حتى نزل على عمرو بن أصمع الباهلي فأجاره وأرسل إلى عباد بن الحصين - وكان على شرطة ابن معمر وكان مصعب إذا شخص عن البصرة استخلف عبيد الله بن عبد الله بن معمر - ورجا عمرو بن أصمع أن يتابعه عباد فقال له: إني قد أجرت خالدًا وأحببت أن تعلم ذلك لتكون لي ظهرًا فوافاه رسوله حين نزل عن فرسه فقال له عباد: قل له: والله لا أضع لبد فرسي حتى أتيك في الخيل فقال عمرو لخالد: إني لا أغرك هذا عباد يأتينا الساعة ولا والله ما أقدر على منعك ولكن عليك بمالك بن مسمع. فخرج يركض عليه قميص قوهي قد حسره عن فخذيه وأخرج رجليه من الركابين حتى أتى مالك فقال: إني قد اضطررت إليك فأجرني قال: نعم. ووجه مصعب زحر بن قيس مددًا لابن معمر في ألف ووجه عبد الملك عبد الله بن زياد بن ظبيان مددًا لخالد فلما وصل علم تفرق الناس فلحق بعبد الملك ودافع مالك بن مسمع عن خالد وكانت تجري مناوشات وقتال وأصيبت عين مالك بن مسمع فضجر من الحرب ومشت السفراء بينهم فصولح مالك على أن يخرج خالد وهو آمن فأخرجه من البصرة. فصل ولما جد عبد الملك في قتال مصعب قبل له: لو بعثت غيرك فقال: إنه لا يقوم بهذا الأمر إلا قرشي له رأي ولعلي أبعث من له شجاعة ولا رأي له وأني أجد في نفسي أني بصير بالحرب شجاع بالسيف إن ألجئت إلى ذلك ومصعب شجاع ولا علم له بالحرب ومن معه يخالفه ومن أخبرنا ابن ناصر قال: أخبرنا عبد المحسن بن محمد قال: أخبرنا عبد الكريم بن محمد المحاملي قال: أخبرنا الدارقطني قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سالم قال: أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن شبيب قال: حدثنا الزبير قال: حدثني عمر بن أبي بكر القرشي عن عبد الله بن أبي عبيدة قال: لما أراد عبد الملك الخروج إلى مصعب أتته امرأته عاتكة بنت يزيد فبكت وبكى جواريها فجلس ثم قال: قاتل الله ابن أبي جمعة حيث يقول: إذا ما أراد الغزو لم يثن همه حصان عليها نظم در يزينها نهته فلما لم تر النهي عاقه بكت وبكى مما عناها قطينها وسار عبد الملك حتى نزل بمسكن وكتب إلى شيعته من أهل العراق ثم جاء مصعب فلما تراءى العسكران تقاعص بمصعب أصحابه فقال لابنه عثمان: يا بني اركب إلى عمك أنت ومن معك فأخبره بما صنع أهل العراق ودعني فإني مقتول فقال ابنه: الحق بالبصرة أو بأمير المؤمنين فقال: والله لا تتحدث قريش أني فررت ولكن أقاتل فإن قتلت فلعمري ما السيف بعار وما الفرار لي بعادة. فأرسل إليه عبد الملك بأخيه محمد بن مروان يقول له: إن ابن عمك يعطيك الأمان فقال فأثخن مصعب بالرمي ثم شد عليه زائدة بن قدامة فطعنه وقال: يا لثارات المختار ونزل إليه عبيد الله بن زياد بن ظبيان فاحتز رأسه وقال: إنه قتل أخي فأتى به عبد الملك فأثابه ألف دينار فأبى أن يأخذها وقال: إنما قتلته على وتر صنعه بي فلا آخذ في حمل رأس مالًا. وكان قتل مصعب على نهر يقال له الدجيل ثم دعا عبد الملك أهل العراق فبايعوه. وفي هذه السنة: ففرق أعمال العراق على عماله هذا قول الواقدي. وقال المدائني: كان ذلك في سنة اثنتين وسبعين. ولما أتى الكوفة نزل بالنخيلة ودعا الناس إلى البيعة ثم ولى قطن بن عبد الله الحارثي الكوفة أربعين يومًا ثم عزله ثم ولى بشر بن مروان وصعد المنبر فخطب فقال: إن عبد الله بن الزبير لو كان خليفة كما يزعم لخرج فآسى بنفسه ولم يغرز بذنبه في الحرم وإني قد استعملت عليكم بشر بن مروان وأمرته بالإحسان إلى أهل الطاعة والشدة على أهل المعصية فاسمعوا له وأطيعوا. واستعمل محمد بن عمير على همذان ويزيد بن رؤيم على الري وفرق العمال وصنع طعامًا كثيرًا وأمر به إلى الخورنق وأذن إذنًا عامًا فأكلوا فقال: ما ألذ عيشنا لو أن شيئًا يدوم ولكن كما قال الأول: ثم أتى مجلسه فاستلقى وقال: اعمل على مهل فإنك ميت واكدح لنفسك أيها الإنسان فكأن ما قد كان لم يك إذ مضى وكأن ما هو كائن قد كان وفي هذه السنة: بعث عبد الملك خالد بن عبد الله على البصرة واليًا ووجه خالد عبد الله بن أبي بكرة خليفة له على البصرة ورجع عبد الملك إلى الشام. وفيها: افتتح قيسارية. وفيها: نزع ابن الزبير جابر بن الأسود بن عوف عن المدينة واستعمل عليها طلحة بن عبيد الله بن عوف وهو آخر وال لابن الزبير على المدينة ثم قدم طارق بن عمرو مولى عثمان فهرب طلحة وأقام طارق. وفيها: قام عبد الله بن الزبير بمكة حين بلغه قتل أخيه مصعب وقال: الحمد لله الذي له الخلق والأمر إنه قد أتانا من العراق خبر أحزننا وأفرحنا أتانا قتل مصعب رحمه الله فأما الذي أفرحنا أن قتله شهادة وأما الذي أحزننا أن الفراق للحميم لوعة يجدها حميمه عند المصيبة ألا إن أهل العراق أهل الغدر والنفاق أسلموه وباعوه بأقل الثمن فلا والله ما نموت على مضاجعنا كما تموت بنو أبي العاص والله ما قتل منهم رجل في زحف في الجاهلية ولا الإسلام وما نموت إلا قعصًا بالرماح وموتًا نحت ظلال السيوف. وفيها: حج بالناس عبد الله بن الزبير بن العوام. مصعب بن الزبير بن العوام ابن خويلد بن عبد الله: وأمه الرباب بنت أنيف الكلبية. كان من أحسن الناس وجهًا وأشجعهم قلبًا وأجودهم كفًا. ولما دعي لأخيه عبد الله بن الزبير بالخلافة ولى أخاه مصعبًا إمارة العراق فلم يزل على ولايته إلى أن سار إليه عبد الملك بن مروان فحاربه فقتل. وكان الذي تولى قتله عبيد الله بن زياد بن ظبيان على دجيل عند نهر الجاثليق واحتز رأسه وحمله إلى عبد الملك فسجد عبد الملك وقال: واروه فلقد كان من أحب الناس إلي وأشدهم لي لقاء ومودة ولكن الملك عقيم فقتل في هذه السنة. وقال المدائني: قتل يوم الثلاثاء لثلاث عشرة خلت من جمادى الأولى أو الآخرة. وكتب إلى زوجته سكينة بنت الحسين رضي الله عنه بعد خروجه من الكوفة بليال: وأبكاهما للعين والله فاعلمي إذا ازددت مثليها فصرت على شهر وأبكى لقلبي منهما اليوم أنني أخاف بأن لا نلتقي آخر الدهر وقال الماجشون: دخل مصعب على سكينة يوم القتل فنزع ثيابه وليس غلالة وتوشح بثوب وأخذ سيفه فعلمت سكينة أنه لا يريد أن يرجع فصاحت: واحزناه عليك يا مصعب فالتفت إليها وقد كانت تخفي ما في قلبها عنه فقال: أوكل هذا لي في قلبك قالت: وما أخفي أكثر فقال: لو كنت أعلم هذا كانت لي ولك حال ثم خرج فلم يرجع. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا عبد الكريم بن محمد الضبي قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ قال: حدثنا أحمد بن محمد بن مسلم قال: حدثنا أبو سعيد عبد الله بن شبيب قال: حدثنا أبو محلم قال: لما قتل مصعب بن الزبير خرجت سكينة تطلبه في القتلى فعرفته بشامة في خده فأكبت عليه وقالت: يرحمك الله نعم والله خليل المسلمة كنت أدركك والله ما قال عنترة: وحليل غانية تركت مجدلًا بالقاع لم يعهد ولم يتكلم فهتكت بالرمح الطويل إهابه ليس الكريم على القنا بمحرم أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرني الأزهري قال: أخبرنا محمد بن العباس قال: حدثنا محمد بن حلف بن المزربان قال: أخبرنا أبو علي السجستاني قال: حدثني عبد الله بن سلمويه قال: أسر مصعب بن الزبير رجلًا فأمر بضرب عنقه فقال: أصلح الله الأمير ما أقبح بمثلي أن يقوم يوم القيامة فأتعلق بأطرافك الحسنة وبوجهك الذي يستضاء به فأقول: يا رب سل مصعبًا فيم قتلني فقال: يا غلام أعف عنه فقال: أصلح الله الأمير إن رأيت أن تجعل ما وهبت لي من حياتي في عيش رخي قال: يا غلام أعطه مائة ألف فقال: أيها الأمير فإني أشهد الله وأشهدك أني قد جعلت لابن قيس الرقيات منها خمسين ألفًا فقال: له: ولم قال: لقوله فيك: إنما مصعب شهاب من الله تجلت عن وجهه الظلماء أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال: أنبأنا علي بن أبي علي قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن المخلص وأحمد بن عبد الله الدوري قالا: حدثنا أحمد بن سليمان الطوسي قال: حدثنا الزبير قال: حدثنا محمد بن الحسن عن زافر بن قتيبة عن الكلبي قال: قال عبد الملك بن مروان يومًا لجلسائه: من أشجع العرب فقالوا: شبيب بن قطري وفلان وفلان فقال: إن أشجع العرب لرجل جمع بين سكينة بنت الحسين وعائشة بنت طلحة وأمة الحميد بنت عبد الله بن عامر بن كريز وابنة رباب بن أنيف الكلبي سيد ضاحية العرب وولي العراق خمس سنين فأصاب ألف ألف وألف ألف وألف ألف وأعطي الأمان فأبى ومشى بسيفه حتى مات ذاك مصعب بن الزبير لا من قطع الجسور مرة ها هنا ومرة ها هنا. قال المدائني: قتل يوم الثلاثاء لثلاث عشرة خلت من جمادى الأولى أو الآخرة سنة إحدى وسبعين وهو ابن خمس وأربعين وقيل: خمس وثلاثين. ومن العجائب: قول عبد الملك بن عمير الليثي: رأيت في قصر الإمارة بالكوفة رأس الحسين رضي الله عنه بين يدي عبيد الله بن زياد ثم رأيت رأس ابن زياد بين يدي المختار ثم رأيت رأس المختار بين يدي مصعب بن الزبير ثم رأيت رأس مصعب بين يدي عبد الملك بن مروان. فمن الحوادث فيها: قال علماء السير: اقتتلت الأزارقة والمهلب بسولاف ثمانية أشهر أشد القتال فأتاهم قتل مصعب بن الزبير فبلغ ذلك إلى الأزارقة قبل المهلب فنادت الخوارج لعسكر المهلب: ما قولكم في مصعب فقالوا: إمام هدى قالوا: فما قولكم في عبد الملك قالوا: نحن براء منه قالوا: فإن مصعب قد قتل وستجعلون غدًا عبد الملك إمامكم. فلما كان من الغد بلغ المهلب الخبر فبايع لعبد الملك فقالت الخوارج: يا أعداء الله أنتم أمس تتبرأون منه وهو اليوم إمامكم. وكان عبد الملك قد ولى على البصرة خالد بن عبد الله فبعث خالد للمهلب على خراج الأهواز وبعث أخاه عبد العزيز على قتال الأزارقة فهزم وأخذت زوجته بنت المنذر بن الجارود فأقيمت فيمن يزيد فبلغت مائة ألف وكانت جميلة فغار رجل من قومها كان من رؤوس الخوارج فقال: تنحوا ما أرى هذه المشركة إلا قد فتنتكم فضرب عنقها. وكتب خالد إلى عبد الملك يخبره بما جرى فكتب إليه: قبح الله رأيك حين تبعث أخاك أعرابيًا من أهل مكة على القتال وتدع المهلب يجبي الخراج وهو البصير بالحرب فإذا أمنت عدوك فلا تعمل فيهم برأي حتى يحضر المهلب وتستشيره فيه. وكتب عبد الملك إلى بشر بن مروان: أما بعد فإني قد كتبت إلى خالد بن عبد الله آمره بالنهوض إلى الخوارج فسرح إليه خمسة آلاف رجل وابعث عليهم رجلًا ترضاه فإذا قضوا غزاتهم تلك صرفتهم إلى الري فقاتلوا عدوهم. فقطع على الكوفة خمسة آلاف وبعث عليهم عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث وقال: إذا قضيت غزاتك هذه فانصرف إلى الري وخرج خالد بأهل البصرة حتى قدم الأهواز فقال له المهلب: إني أرى ها هنا سفنًا كثيرة فضمها إليك فوالله ما أرى القوم إلا محرقيها فما لبث إلا ساعة حتى أقبلت خيل من خيلهم فحرقتها. وبعث خالد المهلب على ميمنته وداود بن قحذم على ميسرته ومر المهلب على عبد الرحمن بن محمد ولم يخندق فقال له: يا ابن أخي ما يمنعك من الخندق فقال: والله لهم أهون علي من ضرطة الحمار قال: فلا يهونوا عليك فإنهم سباع العرب لا أبرح أو تضرب عليك خندقًا. فأقاموا نحو عشرين ليلة ثم إن خالدًا زحف إليهم بالناس فرأوا عددًا هائلًا فولوا وأخذ المسلمون ما في عسكرهم واتبعهم خالد وداود في جيش من أهل البصرة يقتلونهم وانصرف عبد الرحمن إلى الري وأقام المهلب بالأهواز وكتب خالد إلى عبد الملك يخبره بأن المارقين انهزموا وتبعهم فقتل من قتل منهم وقد تبعهم داود بن قحذم. فكتب عبد الملك إلى بشر بن مروان: أما بعد فابعث من قبلك رجلًا شجاعًا بصيرًا بالحرب في أربعة آلاف فليسيروا إلى فارس في طلب المارقة فإن خالدًا كتب يخبرني أنه قد بعث في طلبهم داود بن قحذم فمر صاحبك الذي تبعث أن لا يخالف ابن قحذم إذا التقيا. فبعث بشر عتاب بن ورقاء على أربعة آلاف من أهل الكوفة فخرجوا فالتقوا بداود فتبعوا القوم إلى أن نفقت عامة خيولهم ورجعوا إلى الأهواز. وفي هذه السنة: خرج أبو فديك الخارجي فغلب على البحرين فبعث خالد بن عبد الله أخاه أمية بن عبد الله بجند فهزمهم أبو فديك فرجع أمية إلى البصرة. وفي هذه السنة: لقتال ابن الزبير وكان السبب في توجيهه الحجاج دون غيره أن عبد الملك لما أراد الرجوع إلى الشام قام إليه الحجاج بن يوسف فقال: يا أمير المؤمنين إني رأيت في منامي أني أخذت عبد الله بن الزبير فسلخته فابعثني إليه وولني قتاله. فبعثه فخرج في ألفين من أهل الشام في جمادى سنة اثنتين وسبعين فلم يعرض للمدينة فسار حتى نزل الطائف فكان قدومه الطائف في شعبان وقد كتب عبد الملك لأهل مكة الأمان إن دخلوا في طاعته وكان الحجاج يبعث البعوث إلى عرفة في الخيل ويبعث ابن الزبير بعثًا فيقتتلون هناك وفي كل ذلك تهزم خيل ابن الزبير ويرجع الحجاج بالظفر. ثم كتب الحجاج إلى عبد الملك يستأذنه في حصار ابن الزبير ودخول الحرم عليه ويخبره أن فكتب عبد الملك إلى طارق بن عمرو يأمره أن يلحق بمن معه من الجند بالحجاج فسار في خمسة آلاف من أصحابه حتى لحق بالحجاج فلما دخل شهر ذي العقدة رحل الحجاج من الطائف حتى نزل بئر ميمون وحصر ابن الزبير لهلال ذي القعدة. وكان قدوم طارق مكة لهلال ذي الحجة ولم يطف بالبيت ولم يصل إليه وهو محرم وكان يلبس الحجاج السلاح ولا يقرب النساء ولا الطيب إلى أن قتل ابن الزبير. ونحر ابن الزبير بدنًا بمكة يوم النحر ولم يحج ذلك العام ولا أصحابه لأنهم لم يقفوا بعرفة ونحر أصحاب الحجاج وطارق فيما بين الحجون إلى بئر ميمون. وحج الحجاج بالناس ولم يطف بالبيت وكان العامل على المدينة طارق مولى عثمان من قبل عبد الملك وعلى الكوفة بشر بن مروان وعلى قضائها عبد الله بن عتبة بن مسعود وعلى البصرة خالد بن عبد الله وعلى قضائها هشام بن هبيرة.ذكر قصة جرت لطارق بن عمرو مع سعيد بن المسيب أخبرنا محمد بن ناصر قال: أنبأنا علي بن أحمد السري عن أبي عبد الله بن بطة العكبري قال: حدثني أبو صالح محمد بن أحمد قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى الشيباني قال: حدثنا عبد الله بن شبيب عن وهب بن وهب عن عبد الله بن العلاء بن زيد عن علي بن الحسين رضي الله عنهما قال: ولى علينا عبد الملك بن مروان طارقًا مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه. قال علي: فمشيت إلى سالم بن عبد الله بن عمر وإلى القاسم بن محمد بن أبي بكر وإلى أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف فقلت: اذهبوا بنا إلى هذا الرجل نسلم عليه وندفع بذلك عن أنفسنا. قال: فأتيناه فسلمنا عليه فأجلسنا عنده ثم قال لنا: أيكم سعد بن المسيب قال: فكلمه القاسم بن محمد فقال له: أصلحك الله إن سعيد بن المسيب قد رفعت عنه الولاة إتيانها وقد ألزم نفسه المسجد فليس يبرح منه قال: رغب أن يأتيني والله لأقتلنه والله لأقتلنه والله لأقتلنه - ثلاثًا - قال القاسم: فضاق بنا المجلس حتى قمنا فجئت المسجد فتطلعت فيه فإذا سعيد بن المسيب عند اسطوانته جالس فدخلت عليه فأخبرته بما كان وقلت له: أرى لك أن تخرج الساعة إلى مكة فتعتمر وتقيم بها قال: ما حضرتني في ذلك نية وإن أحب الأعمال إلي ما نويت فقلت له: فإني أرى أن تخرج إلى بعض منازل إخوانك فتقيم فيه حتى ننظر ما يكون من الرجل قال: فكيف أصنع بهذا الداعي الذي يدعوني في كل يوم وليلة خمس مرات والله لا دعاني إلا أجبته على أي حال كان قلت له: فإني أرى أن تقوم من مجلسك هذا فتجلس إلى بعض هذه الأساطين فإنك إن طلبت فإنك تطلب عند اسطوانتك. قال: ولم أقوم من موضعي هذا الذي قد أتاني الله فيه العافية من كذا وكذا سنة قلت له: رحمك الله أما تخاف على نفسك كما يخاف الناس فقال لي: والله لا أحلف بالله كاذبًا ما خفت شيئًا سواه قلت له: فبماذا أقوم من عندك رحمك الله فقد غممتني فقال: تقوم بخير أسأل الله رب العرش العظيم أن ينسيه ذكري. قال: فانصرفت من عنده فجعلت أسأل فرط الأيام هل كان في المسجد خبر فلا أخبر إلا بخير. قال: فأقام علينا واليًا سنة لا يذكره ولا يخطر بباله حتى إذا عزل وصار بوادي القرى من المدينة على خمس مراحل قال لغلامه وهو يوضئه: ويحك أمسك واسوءتاه من علي بن الحسين ومن القاسم بن محمد ومن سالم بن عبد الله ومن أبي سلمة بن عبد الرحمن حلفت بين أيديهم ثلاثة أيمان لأقتلن سعيد بن المسيب والله ما ذكرته إلا في ساعتي هذه فقال له غلامه: يا مولاي تأذن لي أن أكلمك قال: نعم قال: فما أراد الله لك خيرًا مما أردت لنفسك إذ أنساك ذكره. فقال له: اذهب فأنت حر. وفي هذه السنة: يدعوه إلى بيعته ويطعمه خراسان سبع سنين فقال للرسول: لولا أن أضرب بيني وبين بني سليم وبني عامر وكتب عبد الملك إلى بشير بن وشاح وكان خليفة ابن خازم على مرو وعلى خراسان فوعده ومناه فخلع بكير عبد الله بن الزبير ودعا إلى عبد الملك فأجابه أهل مرو وبلغ بن خازم فخاف أن يأتيه بكير بن وشاح بأهل مرو فبرز له فاقتتلوا فقتل ابن خازم وبعث برأسه إلى عبد الملك. وبعضهم يزعم أنه إنما كتب عبد الملك إلى ابن خازم بعد قتل ابن الزبير ونفذ رأس ابن الزبير إليه فحلف ابن خازم أن لا يعطيه طاعة أبدًا ودعا بطست فغسل الرأس وحنطه وكفنه وصلى عليه وبعث به إلى أهل ابن الزبير بالمدينة وأطعم الرسول الكتاب. وقيل: بل قطع يديه ورجليه وضرب عنقه. عبيدة السلماني المرادي الهمداني ويكنى أبا مسلم ويقال: أبا عمرو: أسلم قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين. وسمع من عمرو بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وابن الزبير ونزل الكوفة. وروى عنه الشعبي والنخعي. وحضر مع علي رضي الله عنه وقعة الخوارج بالنهروان وكان يوازي شريحًا في القضاء فإذا أشكل على شريح شيء دلهم عليه وأتاه غلامان بلوحين فيهما كتاب يتخايران فقال: إنه حكم وأبي وكان من أصحاب عبد الله الذين يقرئون ويفتون. قال ابن سيرين: ما رأيت رجلًا كان أشد توقيًا من عبيدة. قال: وأدركت الكوفة. وبها أربعة ممن يعد بالفقه فمن بدأ بالحارث بن قيس ثنى بعبيدة ومن بدأ بعبيدة ثنى بالحارث ثم علقمة وشريح الرابع توفي في هذه السنة. فمن الحوادث فيها: قد ذكرنا أن ابن الزبير حصر لهلال ذي القعدة سنة اثنتين وسبعين وما زال الحجاج يحصره ثمانية أشهر وسبع عشرة ليلة وكانوا يضربونه بالمنجنيق. قال يوسف بن ماهك: رأيت المنجنيق يرمى به فرعدت السماء وبرقت وعلا صوت كالرعد فأعظم ذلك أهل الشام فأمسكوا أيديهم فرفع الحجاج حجر المنجنيق فوضعه ثم قال: ارموا ثم رمى معهم ثم جاءت صاعقة تتبعها أخرى فقتلت من أصحابه اثني عشر رجلًا فانكسر أهل الشام فقال الحجاج: لا تنكروا هذا فإني ابن تهامة هذه صواعق تهامة هذا الفتح قد حضر فصعقت من الغد صاعقة فأصيب من أصحاب ابن الزبير عشرة فقال الحجاج: ألا ترون أنهم يصابون. أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال: أخبرنا عمر بن عبيد الله البقال قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال: أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق قال: حدثنا حنبل بن إسحاق قال: أخبرنا الحميدي قال: حدثنا سفيان قال: كانوا يرمون المنجنيق من أبي قبيس ويرتجزون: خطارة مثل الفنيق المزبد أرمي بها أعواد هذا المسجد قال: فجاءت صاعقة فأحرقتهم فامتنع الناس من الرمي فخطبهم الحجاج فقال: ألم تعلموا أن بني إسرائيل كانوا إذا قربوا قربانًا فجاءت نار فأكلته علموا أنه قد تقبل منهم وإن لم تأكله قالوا لم تقبل فما زال يخدعهم حتى عادوا فرموا. قال علماء السير: فلم تزل الحرب إلى قبيل مقتل ابن الزبير فتفرق عامة أصحابه وخذلوه وخرج عامة أهل مكة إلى الحجاج في الأمان حتى ذكر أن ولديه حمزة وحبيب أخذوا لأنفسهما أمانًا فدخل عبد الله بن الزبير على أمه أسماء حين رأى من الناس ما رأى من الخذلان فقال لها: خذلتني الناس حتى ولدي وأهلي فلم يبق معي إلا من ليس عنده من الدفع أكثر من ساعة والقوم يعطونني ما أردت من الدنيا فما رأيك فقالت: أنت والله يا بني أعلم بنفسك إن كنت تعلم أنك على حق وإليه تدعو فامض له وقد قتل عليك أصحابك ولا تمكن من رقبتك فينقلب بها غلمان بني أمية وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت أهلكت نفسك وأهلكت من قتل معك. وإن قلت: كنت على الحق فلما وهن أصحابك ضعفت فليس هذا فعل الأحرار ولا أهل الدين وكم خلدوك في الدنيا! القتل القتل أحسن. فدنا ابن الزبير فقبل رأسها وقال: هذا والله رأيي والذي قمت به ما ركنت إلى الدنيا ولا أحببت الحياة فيها وما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله عز وجل أن تستحل حرمته ولكنني أحببت أن أعلم رأيك في مثل ذلك فانظري يا أمي فإني مقتول في يومي هذا فلا يشتد حزنك وسلمي الأمر لله فإن ابنك لم يتعمد إتيان منكر ولا عمدًا بفاحشة ولم يجر في حكم الله عز وجل ولم يتعمد ظلم مسلم ولا معاهد ولم يبلغني ظلم من عمالي فرضيت به بل أنكرته ولم يكن شيء آثر عندي من رضا ربي عز وجل اللهم إني لا أقول هذا تزكية مني لنفسي أنت أعلم بي ولكن أقوله تعزية لأمي لتسلو عني. فقالت: إني لأرجو من الله عز وجل أن يكون عزائي فيك حسنًا إن تقدمتني أخرج حتى أنظر ما يصير أمرك فقال: جزاك الله يا أماه خيرًا ولا تدعي الدعاء لي قبل وبعد. فقالت: لا أدعه أبدًا فمن قتل على باطل فقد قتلت على حق. ثم قالت: اللهم ارحم طول ذلك القيام في الليل الطويل وذلك النحيب في الظلماء وذلك الصوم في هواجر المدينة ومكة وبره بأبيه وبي اللهم إني قد أسلمته لأمرك فيه ورضيت بما قضيت فأثبني في عبد الله ثواب الصابرين الشاكرين. وفي رواية أخرى: أنه دخل عليها وعليه الدرع والمغفر فوقف فسلم ثم دنا فتناول يدها فقبلها فقالت: هذا وداع فلا تقعد فقال: جئت مودعًا إني لأرى هذا آخر أيامي من الدنيا واعلمي يا أماه أني إن قتلت فإنما أنا لحم لا يضرني ما صنع بي قالت: صدقت يا بني أتمم على نصرتك ولا تمكن ابن أبي عقيل منك ادن مني أودعك. فدنا منها فودعها وقبلها وعانقها وقالت حيث مست الدرع: ما هذا صنيع من يريد من تريد قال: ما لبست هذا الدرع إلا لأشد منك قالت: فإنه لا يشد مني. ثم انصرف وهو يقول: ثم إن القوم أقاموا على كل باب رجالًا وقائدًا فشحنت الأبواب بأهل الشام وكان لأهل حمص الباب الذي يواجه باب الكعبة ولأهل دمشق باب بني شيبة ولأهل الأردن باب الصفا ولأهل فلسطين باب بني جمح ولأهل قنسرين باب بني سهم فمرة يحمل ابن الزبير في هذه الناحية ومرة في هذه الناحية كأنه أسد لا يقدم عليه الرجال وقالت لابن الزبير زوجته: اخرج أقاتل معك فقال: لا وأنشد: كتب القتل والقتال علينا ** وعلى المحصنات جر الذيول فلما كان يوم الثلاثاء صبيحة سبع عشرة من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين وقد أخذ الحجاج على ابن الزبير الأبواب وبات ابن الزبير يصلي ليلته ثم احتبى بحمائل سيفه فأغفى ثم انتبه فقال: أذن يا سعد فأذن عند المقام وتوضأ ابن الزبير وركع ركعتي الفجر ثم تقدم وأقام المؤذن فصلى بأصحابه فقرأ: وقال: من كان سائلًا عني فإني في الرعيل الأول وأنشد: ولست بمبتاع الحياة بسبة ولا ** مرتق من خشية الموت سلما ثم قال: احملوا على بركة الله ثم حمل حتى بلغ بهم الحجون فرمي بآجرة فأصابته في وجهه فأرعش لها ودمي وجهه فلما وجد سخونة الدم تسيل على وجهه ولحيته قال يرتجز: وتغاووا عليه فقتل. وجاء الخبر إلى الحجاج فسجد وسار حتى وقف عليه ومعه طارق بن عمرو فقال طارق: ما ولدت النساء أذكر من هذا فبعث الحجاج رأسه ورأس عبد الله بن صفوان ورأس عمارة بن عمرو إلى المدينة فنصبت بها ثم ذهب بها إلى عبد الملك وسيأتي تمام قصة ابن الزبير في ذكر من مات في هذه السنة. وفي هذه السنة: فكتب إليه ابن عمرو وأبو سعيد وسلمة بن الأكوع بالبيعة وكان عبد الملك يجلس للناس في كل أسبوع يومين. أخبرنا ابن ناصر الحافظ قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن التنوخي قال: حدثنا محمد بن عبد الرحيم المازني قال: حدثنا أبو علي الحسين بن القاسم الكوكبي قال: حدثنا أبو العباس الكديمي قال: أخبرنا السلمي عن محمد بن نافع مولاهم عن أبي ريحانة أحد حجاب عبد الملك بن مروان قال: كان عبد الملك يجلس في كل أسبوع يومين جلوسًا عامًا فبينا هو جالس في مستشرف له وقد أدخلت عليه القصص إذ وقعت في يده قصة غير مترجمة فيها: إن رأى أمير المؤمنين أن يأمر فاستشاط من ذلك غضبًا وقال: يا رباح علي بصاحب هذه القصة فخرج الناس جميعًا وأدخل عليه غلام كما أعذر كأهنأ الصبيان وأحسنهم فقال له عبد الملك: يا غلام هذه قصتك قال: نعم يا أمير المؤمنين قال: وما الذي غرك مني والله لأمثلن بك ولأردعن بك نظرائك من أهل الجسارة علي بالجارية فجيء بجارية كأنها فلقة قمر وبيدها عود فطرح لها كرسي وجلست فقال عبد الملك: مرها يا غلام فقال: غني لي يا جارية بشعر قيس بن ذريح: لقد كنت حسب النفس لو دام أو دنا ولكنما الدنيا متاع غرور وكنا جميعًا قبل أن يظهر الهوى بأنعم حالي غبطة وسرور فما برح الواشون حتى بدت لنا بطون الهوى مقلوبة بظهور فغنته وأجادت فخرج الغلام من جميع ما كان عليه من الثياب تخريقًا ثم قال له عبد الملك: مرها تغنيك الصوت الثاني فقال: غني بشعر جميل: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بوادي القرى إني إذًا لسعيد إذا قلت ما بي يا بثينة قاتلي من الحب قالت ثابت ويزيد وإن قلت ردي بعض عقلي أعش به مع الناس قالت ذاك منك بعيد فلا أنا مردود بما جئت طالبًا ولا حبها فيما يبيد يبيد فغنته الجارية وسقط مغشيًا عليه ساعة ثم أفاق فقال له عبد الملك: مرها فلتغنك الصوت الثالث. فقال: يا جارية غني بشعر قيس بن الملوح: وفي الجيرة الغادين من بطن وجزة غزال غضيض المقلتين ربيب فلا تحسبي أن الغريب الذب نأى ولكن من تنأين عنه غريب فغنته الجارية فطرح الغلام نفسه من المستشرف فلم يصل إلى الأرض حتى تقطع. فقال عبد الملك: ويحه لقد عجل على نفسه ولقد كان تقديري فيه غير الذي فعل وأمر فأخرجت الجارية من قصره ثم سأل عن الغلام فقالوا: غريب لا يعرف إلا أنه منذ ثلاث ينادي في السوق ويده على رأسه: غدًا يكثر الباكون منا ومنكم وتزداد داري من دياركم بعدا وفي هذه السنة: وجه عبد الملك عمر بن عبيد الله لقتال أبي فديك وأمره أن ينتدب معه من أحب فقدم الكوفة فندب أهلها فانتدب معه عشرة آلاف فأخرج لهم أعطياتهم ثم سار بهم فجعل أهل الكوفة على الميمنة وعليهم محمد بن موسى بن طلحة وجعل أهل البصرة على الميسرة وعليهم ابن أخيه عمر بن موسى بن عبيد الله وهو في القلب حتى انتهوا إلى البحرين فصف عمر أصحابه وقدم الرجالة في أيديهم الرماح فحمل أبو فديك وأصحابه حملة واحدة فكشفوا ميسرة عمر فارتث عمر وحمل أهل الكوفة وأهل البصرة واستباحوا عسكر العدو وقتلوا أبا فديك وحصروهم فنزلوا على الحكم فقتلوا منهم نحوًا من ستة آلاف وأسروا ثمانمائة وانصرفوا إلى البصرة. وفيها: عزل عبد الملك خالد بن عبد الله عن البصرة. وفيها: غزا محمد بن مروان الصائف وهزم الروم. وكانت وقعة عثمان بن الوليد بالروم من ناحية أرمينية وكان في أربعة آلاف والروم في ستين ألفًا فهزمهم وأكثر القتل فيهم. وفي هذه السنة: حج بالناس الحجاج بن يوسف وهو على مكة واليمن واليمامة وكان على الكوفة والبصرة بشر بن مروان. وبعضهم يقول: كان على الكوفة بشر وعلى البصرة خالد بن عبد الله وعلى قضاء الكوفة شريح بن الحارث وعلى قضاء البصرة هشام بن هبيرة وعلى خراسان بكير بن وشاح. وقد ذكرنا في الحوادث ما فعل عبد الله بن خازم فأقره عبد الملك على خراسان. أسماء بنت أبي بكر الصديق أسلمت قديمًا وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ذات النطاقين. وذلك أنها شقت نطاقها نصفين حين أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج إلى الغار فجعلت واحدًا لسفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم والآخر عصامًا لقربته. تزوجها الزبير وولدت عبد الله وعروة والمنذر وعاصم والمهاجر وخديجة وأم الحسن وعائشة وطلقها وكانت تمرض المرضة فتعتق كل مملوك لها وماتت في هذه السنة بعد أن قتل ابنها عبد الله بن الزبير بليال. بشر بن مروان بن الحكم أخو عبد الملك: ولي الولايات. أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي قال: أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله بن إبراهيم الجبري قال: أخبرنا علي بن الحسن بن الفضل قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن خالد الكاتب قال: أخبرنا علي بن عبد الله بن المغيرة الجوهري قال: حدثنا أحمد بن سعيد الدمشقي قال: حدثني الزبير بن بكار عن القاسم بن عدي عن أبيه قال: قال لي يتاذوق الطبيب الذي كان للحجاج - وكان قد أدرك كسرى بن هرمز وأدرك الحجاج أتت عليه ثلاثون ومائة سنة - قال: قال لي أمير من أمراء العراق ولم يسمه - قال الهيثم: وظنناه يعني بشر بن مروان وذلك أن بشرًا مات بالعراق وهو أميرها: يا يتاذوق ما ترى هذه العلة قد طالت بي فقلت: أصلح الله الأمير لا يستقيم أن أصف لك شيئًا حتى أستبرىء ما بك وإن أحب الأمير أن أستبرىء ذلك فليدع بي على ريق النفس. فلما كان من الغد دعا بي فدخلت عليه واضجعته على حصير ليس تحته ولا تحت رأسه شيء فجسست ما بين أخمص قدميه إلى هامته ثم قلت: اجلس أيها الأمير فجلس فقلت: أيما أحب إليك أيها الأمير الصدق أم الكذب قال: ما حاجتي إلى الكذب بل الصدق أحب إلي قلت: أيها الأمير إن الله عز وجل كتب الفناء على خلقه فهم ميتون فاعهد عهدك واكتب وصيتك. قال: يا يتاذوق قد نعيت إلى نفسي. قلت: أيها الأمير إن أردت أريك إمارة ما قلت قال: نعم قلت: فادع لي بلحم أحمر فدعى بمسلوخ فأخذت قطعة من لحم الفخذ حراء فرققتها حتى جعلتها مثل قشر البيض ثم ثقبت فيها ثقبًا وجعلت فيه خيط إبريسم دقيق ثم قلت: ازدردها أيها الأمير فازدردها فتركتها في جوفه ساعة ثم جذبتها بالخيط فأخرجتها فإذا هي مملوءة دودًا فقلت: أيها الأمير ما بقاء جوف هذا فيه فقال: يا يتاذوق وأنى أصابني هذا فوالله لقد قدمت مصركم هذا فكتبت نفسي من الحر والبرد فقلت: أيها الأمير منها أتيت قدمت هذا المصر فكتبت نفسك في الشتاء باللبود والنيران فلم يصل إليك البرد وكتبته في الصيف بثياب الكتان والماء والثلج فلم يصل إليك الحر فتفكك جوفك والأبدان لا تقوم إلا بالحر والبرد وإن أذاها. قال: فوالله ما عاش بعد هذا الكلام إلا ثلاثة أيام حتى مات. صفوان بن محرز المازني كان من كبار العباد الصالحين. وأسند عن ابن عمر وأبي موسى وعمران بن حصين في آخرين. أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال: أخبرنا محمد بن هبة الله الطبري قال: أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه قال: حدثنا يعقوب بن سفيان قال: حدثنا المعلى بن راشد قال: أخبرنا جعفر قال: أخبرنا المعلى بن زياد الفردوسي قال: كان لصفوان سرب يبكي فيه. أخبرنا عبد الوهاب الحافظ قال: أخبرنا علي بن محمد الخطيب قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف قال: حدثنا الحسين بن صفوان قال: حدثنا أبو بكر القرشي قال: حدثني شريح بن يونس قال: حدثنا عثمان بن مطر عن هشام بن حسان عن الحسن قال: لقيت أقوامًا كانوا فيما أحل الله لهم أزهد منكم فيما حرم الله عليكم ولقد لقيت أقوامًا كانوا من حسناتهم أشفق ألا تقبل منهم من سيئاتكم ولقد صحبت أقوامًا كان أحدهم يأكل على الأرض وينام على الأرض منهم صفوان بن محرز المازني كان يقول: إذا آويت إلى أهلي وأصبت رغيفًا أكلته فجزى الله الدنيا عن أهلها خيرًا والله ما زاد على رغيف حتى فارق الدنيا فيظل صائمًا ويفطر على رغيف ويشرب عليه من الماء حتى يتروى ثم يقوم فيصلي حتى يصبح فإذا صلى الفجر أخذ المصحف فوضعه في حجره يقرأ حتى يترجل النهار ثم يقوم فيصلي حتى ينتصف النهار فإذا انتصف النهار رمى بنفسه على الأرض فنام إلى الظهر وكانت تلك نومته حتى فارق الدنيا وكان إذا صلى الظهر قام فصلى إلى العصر فإذا صلى العصر وضع المصحف في حجره فلا يزال يقرأ حتى تصفر الشمس. عبد الله بن عمر بن الخطاب أبو عبد الرحمن: أسلم بمكة مع أبيه وهو صغير قبل أن يبلغ وهاجر مع أبيه وشهد غزوة الخندق وما بعدها وحضر يوم القادسية ويوم جلولاء وما بينهما من وقائع الفرس. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن عبد الله رجل صالح ". وقال جابر بن عبد الله: ما أدركنا أحدًا إلا وقد مالت به الدنيا إلا ابن عمر. وقالت عائشة: ما رأيت أحدًا ألزم للأمر الأول من ابن عمر. وقال طاووس: ما رأيت رجلًا أورع من ابن عمر وكان يقول في سجوده: قد تعلم أنه ما يمنعني من مزاحمة قريش على هذه الدنيا إلا خوفك. أخبرنا محمد بن أبي منصور قال: أخبرنا حمد بن أحمد قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله قال: حدثنا سليمان بن أحمد قال: حدثنا أحمد بن زيد بن الحريش قال: حدثنا أبو حاتم قال: حدثنا الأصمعي قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال: اجتمع في الحجر أربعة: مصعب وعروة وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر فقالوا: تمنوا فقال عبد الله بن الزبير: أما أنا فأتمنى الخلافة وقال عروة: أما أنا فأتمنى أن يؤخذ عني العلم. وقال مصعب: أما أنا فأتمنى إمرة العراق والجمع بين عائشة بنت طلحة وسكينة بنت الحسين. وقال عبد الله بن عمر: أما أنا فأتمنى المغفرة. قال: فنالوا ما تمنوا ولعل ابن عمر قد غفر له. أخبرنا عبد الله بن علي المقري ومحمد بن ناصر قالا: أخبرنا طراد بن محمد قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال: أخبرنا أبو علي بن صفوان قال: حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا قال: حدثني أحمد بن عبد الأعلى الشيباني قال: حدثنا إسماعيل بن أبان العامري قال: حدثنا سفيان الثوري عن طارق بن عبد العزيز عن الشعبي قال: لقد رأيت عجبًا كنا بفناء الكعبة أنا وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير ومصعب بن الزبير وعبد الملك بن مروان فقال القوم بعدما فرغوا من حديثهم: ليقم رجل منكم فليأخذ بالركن اليماني وليسأل الله حاجته فإنه يعطى سؤله قم يا عبد الله بن الزبير فإنك أول مولد في الهجرة فقام فأخذ بالركن اليماني ثم قال: اللهم إنك عظيم ترجى لكل عظيم أسألك بحرمة وجهك وحرمة عرشك وحرمة بيتك وحرمة نبيك عليه السلام ألا تميتني من الدنيا حتى توليني الحجاز ويسلم علي بالخلافة. وجاء حتى جلس فقالوا: قم يا مصعب فقام فأخذ بالركن اليماني فقال: اللهم إنك رب كل شيء وإليك يصير كل شيء أسألك بقدرتك على كل شيء ألا تميتني من الدنيا حتى توليني العراق وتزوجني سكينة بنت الحسين وجاء حتى جلس فقالوا: قم يا عبد الملك فقام فأخذ بالركن اليماني فقال: اللهم رب السموات السبع ورب الأرض ذات النبت بعد القفر أسألك ما سألك عبادك المطيعين لأمرك وأسألك بحرمة وجهك وأسألك بحقك على جميع خلقك وبحق الطائفين حول بيتك ألا تميتني من الدنيا حتى توليني شرق الأرض وغربها ولا ينازعني أحد إلا أتيت برأسه ثم جاء حتى جلس ثم قالوا: قم يا عبد الله بن عمر فقام حتى أخذ بالركن اليماني ثم قال: اللهم إنك رحمن رحيم أسألك برحمتك التي سبقت غضبك وأسألك بقدرتك على جميع خلقك ألا تميتني من الدنيا حتى توجب لي الجنة. قال الشعبي: فما ذهبت عيناي من الدنيا حتى رأيت كل رجل منهم قد أعطي ما سأل أخبرنا ابن حبيب العامري قال: أخبرنا علي بن الفضل قال: أخبرنا ابن عبد الصمد قال: أخبرنا ابن حيوية قال: أخبرنا إبراهيم بن خريم قال: أخبرنا عبد الحميد قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي عمرو بن حماس عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر قال: خطرت هذه الآية: أخبرنا ابن ناصر قال: أخبرنا حمد بن أحمد قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الأصفهاني قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله قال: حدثنا محمد بن إسحاق قال: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا محمد بن يزيد بن خنيس قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع قال: كان ابن عمر إذا اشتد عجبه بشيء من ماله قربه إلى الله عز وجل قال نافع: كان رقيقه قد عرفوا ذلك منه فربما شمر أحدهم فيلزم المسجد فإذا رآه على تلك الحالة الحسنة أعتقه فيقول له أصحابه: يا أبا عبد الرحمن والله ما بهم إلا أن يخدعوك فيقول ابن عمر: من خدعنا بالله انخدعنا له. قال نافع: ولقد رأيتنا ذات عشية وراح ابن عمر على نجيب له قد أخذ بمال فلما أعجبه مسيره أناخه مكانه ثم نزل عنه فقال: يا نافع انزعوا زمامه ورحله وحللوه وأشعروه وادخلوه في البدن. قال نافع: ما مات ابن عمر حتى أعتق ألف إنسان وما زاد. وكان يحيي الليل صلاة فإذا جاء السحر استغفر إلى الصباح وكان يحيي ما بين الظهر إلى العصر. وكان البر لا يعرف في عمر ولا ابن عمر حتى يقولا أو يعملا. قال محمد بن سعد: أخبرنا الواقدي قال: حدثنا عبد الله بن نافع عن أبيه قال: كان زج رمح رجل من أصحاب الحجاج قد أصاب رجل ابن عمر فاندمل الجرح فلما صدر الناس انتقض على ابن عمر فدخل الحجاج يعوده فقال: من أصابك قال: أنت قتلتني قال: وفيم قال: حملت السلاح في حرم الله فأصابني بعض أصحابك فلما حضرته الوفاة أوصى ألا يدفن في الحرم فغلب فدفن في الحرم وصلى عليه الحجاج. أخبرنا القزاز قال: أخبرنا الخطيب قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق قال: أخبرنا عثمان بن أحمد قال: حدثنا حنبل بن إسحاق قال: حدثني أبو عبد الله قال: مات عبد الله بن عمر سنة ثلاث وسبعين. وكذلك قال أبو الفضل بن دكين وابن بكير. وعن سعيد بن عفير قال: في سنة أربع وسبعين مات عبد الله بن عمر بمكة فدفن بذي طوى في مقبرة المهاجرين وقيل: إنه دفن بفج وهو ابن أربع وثمانين. قال مؤلف الكتاب رحمه الله: وفي مقدار عمره قول آخر: أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال: أخبرنا الخطيب بإسناده عن مالك قال: بلغ عبد الله بن عمر من السن تسعًا وثمانين سنة. عبد الله بن الزبير بن العوام أبو بكر: أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق وهو أول مولود ولد في الإسلام للمهاجرين بعد الهجرة. ولد بقباء على رأس عشرين شهرًا من الهجرة وحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمرة وأذن أبو بكر في أذنه. ولم يزل مقيمًا بالمدينة إلى أن توفي معاوية فبعث يزيد إلى الوليد بن عتبة يأمره بالبيع فخرج ابن الزبير إلى مكة وجعل يحرض الناس على بني أمية فوجد عليه يزيد إلا أنه مشى ابن الزبير إلى يحيى بن الحكم والي مكة فبايعه ليزيد فقال يزيد: لا أقبل حتى يؤتى به في وثاق فأبى ابن الزبير وقال: اللهم إني عائذ ببيتك وجرت حروب وحوصر ابن الزبير ثم مات يزيد فدعى إلى نفسه وسمي أمير المؤمنين وولى العمال واستوثقت له البلاد ما خلا طائفة من الشام فإنهم بايعوا مروان. أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزاز قال: أخبرنا علي بن المحسن التنوخي عن أبيه: أن عبد الله بن الزبير رأى في منامه كأنه صارع عبد الملك بن مروان فصرع عبد الملك وسمره في الأرض بأربعة أوتاد فأرسل راكبًا إلى البصرة وأمره أن يلقى ابن سيرين ويقص الرؤيا عليه ولا يذكر له من أنفذه ولا يسمي عبد الملك فسار الراكب حتى أناخ بباب ابن سيرين وقص عليه المنام فقال ابن سيرين: من رأى هذا قال: أنا رأيته في رجل بينه وبيني عداوة قال: ليس هذه رؤياك هذه رؤيا ابن الزبير أو عبد الملك أحدهما في الآخر فسأله الجواب فقال: ما أفسرها أو تصدقني فلم يصدقه فامتنع من التفسير فانصرف الراكب إلى ابن الزبير فأخبره بما جرى فقال: ارجع وأصدقه أني رأيتها في عبد الملك فرجع الراكب إلى ابن سيرين برسالة ابن الزبير فصدقه فقال له: قل له: يا أمير المؤمنين عبد الملك يغلبك على الأرض ويلي هذا الأمر من ولده لظهره أربعة بعدد الأوتاد التي سمرتها في الأرض. فلما مات مروان ولي عبد الملك وأقبل فقتل مصعب بن الزبير وبعث الحجاج إلى عبد الله فحصره وجرى له ما تقدم ذكره. قال علماء السير: قتل ابن الزبير يوم الثلاثاء سابع عشر جمادى الأول وصلبه الحجاج على الثنية التي بالحجون ثم أنزله فرماه في مقابر اليهود وكتب إلى عبد الملك يخبره فكتب إليه يلومه أخبرنا أبو بكر بن عبد الباقي قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا ابن حيوية قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: حدثنا الحسين بن الفهم قال: حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا يزيد بن هارون وعفان بن مسلم وأبو عامر العقدي قالوا: حدثنا الأسود بن سفيان قال: حدثنا نوفل بن أبي عقرب: أن الحجاج لما قتل ابن الزبير صلبه على عقبة المدينة فمر به ابن عمر فوقف فقال: السلم عليك أبا خبيب أما والله لقد نهيتك عن عدو الله أما والله ما علمت أنك كنت صوامًا قوامًا ثم استنزله الحجاج فرمى به في مقابر اليهود ثم بعث إلى أمه وقد ذهب بصرها أن تأتيه فأبت فأرسل إليها: لتأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك حتى يأتيني بك فأرسلت إليه: إني والله لا آتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني فأتاه رسوله فأخبره فقال: يا غلام ناولني سبتتي فناوله نعليه فانتعل ثم خرج يتوذف حتى أتاها فدخل عليها فقال: كيف رأيتني صنعت بعدو الله قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك وقد بلغني أنك تعيره فتقول: يا ابن ذات النطاقين وقد كنت والله ذات النطاقين أما أحدهما فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه وأما النطاق الآخر فإني كنت أرفع فيه طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعام أبي من النمل وغيره فأي ذلك ويل أمك عيرته به أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنه سيخرج من ثقيف رجلان: كذاب ومبير ". فأما الكذاب فقد رأيناه ابن أبي عبيد وأما المبير فأنت ذلك فوثب فانصرف عنها ولم يراجعها. أنبأنا عبد الوهاب الحافظ قال: أخبرنا أحمد بن الحسين الباقلاوي قال: حدثنا أبو علي بن شاذان قال: حدثنا دعلج قال: حدثنا محمد بن علي بن زيد قال: حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال: حدثنا أيوب عن ابن أبي مليكة قال: دخلت علي أسماء بنت أبي بكر بعد قتل عبد الله بن الزبير فقالت: بلغني أنهم علقوا عبد الله منكسًا وعلقوا معه هرة والله لوددت أني لا أموت حتى يدفع إلي فأغسله وأكفنه وأحنطه ثم أدفنه فما لبثت حتى جاء كتاب عبد الملك أن يدفع إلى أهله فأتيت به أسماء فغسلته وكفنته وحنطته ثم دفنته. وعن أيوب فأحسبه قال: فما عاشت بعد ذلك إلا ثلاثة أيام حتى ماتت. قال إبراهيم الحربي: قتل الحجاج ابن الزبير وقطعه قطعًا فغسلته أسماء أمه - وكانت مكفوفة - فكانت تغسله قطعة قطعة ويوضع في الأكفان. أخبرنا ابن ناصر قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد بن يوسف قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي قال: حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن سعد بن الحسين بن سفيان الثوري قال: أخبرنا حرملة بن يحيى قال: أخبرنا ابن المذهب قال: حدثنا سفيان عن منصور بن عبد الرحمن الجمحي عن أمه قالت: دخل عبد الله بن عمر المسجد وابن الزبير قد قتل وصلب فقيل له: هذه أسماء بنت أبي بكر في المسجد فمال إليها وقال: اصبري فإن هذه الجثث ليست بشيء وإنما الأرواح عند الله فقالت: وما يمنعني من الصبر وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل. أخبرنا عبد الحق قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد بن يوسف قال: أخبرنا أبو بكر بن بشران قال: حدثنا الدارقطني قال: حدثنا البغوي قال: حدثنا محمد بن حميد قال: حدثنا علي بن مجاهد قال: حدثنا رياح النوبي أبو محمد مولى آل الزبير قال: سمعت أسماء بنت أبي بكر تقول للحجاج: إن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم فدفع دمه إلى ابني فشربه فأتاه جبريل فأخبره فقال: ما صنعت قال: كرهت أن أصب دمك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تمسك النار " ومسح على رأسه وقال: " ويل الناس منك وويل لك من الناس ". أخبرنا علي بن عبد الله الزغواني قال: أخبرنا عبد الصمد بن علي بن المأمون قال: أخبرنا عبيد الله بن محمد بن حبابة قال: أخبرنا يحيى بن أحمد بن صاعد قال: أخبرنا عبد الجبار بن العلاء قال: أخبرنا سفيان بن عيينة قال: حدثنا هشام بن عروة قال: أوصى إلى الزبير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة فكان ينفق من ماله ويحبس عليهم أموالهم منهم عثمان والمقداد وعبد الرحمن بن عوف. قال: وأوصى إلى عبد الله بن الزبير عائشة وحكيم بن حزام وقال: اعتد بمكرمتين لم يعتد بهما أحد من الناس وأوصت له عائشة بحجرتها واشترى حجرة سودة فصارت له حجرتان من حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني عبد الله بن الزبير. فمن الحوادث فيها: واستعمل عليها الحجاج بن يوسف فانصرف الحجاج إلى المدينة واليًا عليها في صفر فأقام بها ثلاثة أشهر يعبث بأهلها ويتعنتهم ويقول: قتلتم أمير المؤمنين وبنى بها مسجدًا في بني سلمة فهو ينسب إليه. واستخف فيها بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فختم في أعناقهم. ودعا سهل بن سعد فقال: ما منعك أن تنصر عثمان قال: قد فعلت. قال: كذبت ثم أمر به فختم في عنقه برصاص. وختم في عنق أنس بن مالك وكلمه بالقبيح. فلما جاءه كتاب عبد الملك بولاية العراقين أعطى البشير ثلاثة آلاف دينار وهو يقول: الحمد لله الذي أخرجني منها. وفي هذه السنة: استقضى عبد الملك أبا إدريس الخولاني. وفيها: نقض الحجاج بنيان الكعبة الذي كان بناه ابن الزبير وأخرج الحجر منها وأعادها إلى بنيانها الأول. وفيها: ولى عبد الملك المهلب لحرب الأزارقة. وذلك أنه لما صار بشر إلى البصرة كتب إليه عبد الملك: أما بعد: فابعث المهلب بن أبي صفرة في أهل مصر إلى الأزارقة ولينتخب من أهل مصر ووجوههم وفرسانهم فإنه أعرف بهم وخله ورأيه في الحرب فإني أوثق شيء بتجربته ونصيحته للمسلمين وابعث من أهل الكوفة بعثًا ففعل ذلك فلما تراءى العسكران برامهرمز لم يلبث الناس إلا عشرًا حتى أتاهم نعي بشر وتوفي بالبصرة. وقد ذكرنا في رواية: أن بشرًا توفي في السنة التي قبلها. وفي هذه السنة: عزل عبد الملك بكير بن وشاح وولى أمية بن خالد بن أسد. وفيها: حج بالناس الحجاج وهو على مكة والمدينة وكان ولى قضاء المدينة عبد الله بن قيس بن مخرمة وكان على الكوفة والبصرة بشر بن مروان هذا في رواية. وقد ذكرنا أنه توفي في السنة التي قبلها. وكان على خراسان أمية بن عبد الله بن خالد وعلى قضاء الكوفة شريح وعلى قضاء البصرة هشام بن هبيرة. رافع بن خديج ابن رافع بن عدي بن زيد أبو عبد الله: شهد أحدًا والمشاهد بعدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورمي بسهم في ثندوته يوم أحد فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنزع السهم فقال: " إن شئت نزعت السهم والقطبة جميعًا وإن شئت نزعت السهم وتركت القطبة وشهدت لك يوم القيامة أنك شهيد ". قال: انزع القطبة واشهد لي. ففعل فانتفض عليه في أول هذه السنة فمات منه بالمدينة وهو ابن ست وثمانين سنة. سعد بن مالك بن سنان ابن عبيد الله بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر وهو خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج أبو سعيد الخدري كان من أفاضل الأنصار استصغر يوم أحد فرد ثم خرج فيمن يتلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رجع من أحد فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " سعد بن مالك ". قال: قلت: نعم بأبي وأمي ودنوت منه فقبلت ركبته فقال: " آجرك الله في أبيك ". وكان قتل يومئذ شهيدًا. ثم شهد أبو سعيد الخدري الخندق وما بعدها وورد المدائن مع علي بن أبي طالب لما حارب الخوارج بالنهروان. وروى عنه من الصحابة: جابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس. أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن معاذ قال: حدثنا أبو داود السبخي قال: حدثنا الهيثم بن عدي قال: حدثنا حنظلة بن أبي سفيان عن لم يكن أحد من أحداث أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم من أبي سعيد الخدري. قال أبو موسى محمد بن المثنى: مات أبو سعيد سنة أربع وسبعين. سلمة الأكوع واسم الأكوع سنان بن عبد الله بن قشير: غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات وشهد الحديبية وبايعه تحت الشجرة وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة فغزا معه سبع غزوات وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فغزا معه فقتل سبعة أهل أبيات: أنبأنا محمد بن عبد الباقي قال: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا ابن حيوية قال: أخبرنا ابن معروف قال: حدثنا الحسين بن الفهم قال: حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا الضحاك بن مخلد عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال: خرجت أريد الغابة فلقيت غلامًا لعبد الرحمن بن عوف فسمعته يقول: أخذت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قلت: فمن أخذها قال: غطفان. قال: فانطلقت فناديت: يا صباحاه يا صباحاه حتى أسمعت من بين لابتيها. ثم مضيت فاستنقذتها منهم. قال: وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فقلت: يا رسول الله إن القوم عطاش أعجلناهم أن يستقوا لشفتهم فقال: " يا ابن الأكوع ملكت فأسجح إنهم الآن في غطفان يقرون ". قال: وأردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه. قال ابن سعد: وأخبرنا حماد بن مسعدة عن يزيد بن أبي عبيدة عن سلمة بن الأكوع أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في البدو فأذن له. قال: وأخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد العزيز بن عقبة عن إياس بن سلمة قال: توفي أبو سلمة بالمدينة سنة أربع وسبعين وهو ابن ثمانين سنة. عمرو بن ميمون الأودي روى عن عمر وعلي وابن مسعود ومعاذ وأبي أيوب وأبي مسعود وعبد الله بن عمر وأبي هريرة وابن عباس. وكان من الصالحين إذ أري ذكر الله عز وجل وحج ستين حجة. محمد بن حاطب بن الحارث أبو القاسم الجمحي: وهو أول من سمي في الإسلام بمحمد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وولد في السفينة حين ذهبوا إلى النجاشي ومسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسه وتفل في فيه ودعا روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفي بمكة قي هذه السنة. فمن الحوادث فيها: وقد روينا أن أول من ضرب الدراهم آدم عليه السلام. وقد وجدوا دراهم ضرب عليها اسم أردشير بن بابك قبل الإسلام بأكثر من أربعمائة سنة فضربها عبد الملك ونقش عليها. وكانت مثاقيل الجاهلية التي ضرب عليها عبد الملك اثنين وعشرين قيراطًا إلا حبة بالشامي وكانت العشرة وزن سبعة. وقيل: ضربها سنة ست وسبعين. أنبأنا محمد بن عبد الملك قال: أنبأنا محمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال: أخبرنا أبو علي بن الصواف قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن خلف قال: حدثنا وكيع قال: حدثني هارون بن محمد قال: حدثنا زبير عن عبد الرحمن بن المغيرة الجزامي عن ابن أبي الزناد عن أبيه: وقال وكيع: وأخبرني محمد بن الهثيم قال: سمعت ابن بكير يقول: سمعت مالك بن أنس يقول: أول من ضرب الدنانير عبد الملك وكتب عليها القرآن. قال وكيع: وأخبرني ابن أبي خيثمة عن مصعب بن عبد الله قال: وكان وزن الدراهم والدنانير في الجاهلية وزنها اليوم في الإسلام مرتين تدور بين العرب وكان ما ضرب منها ممسوحًا غليظًا قصيرًا وليس فيها كتاب حتى كتبها عبد الملك فجعل في وجه: قل هو الله أحد وفي الوجه الآخر: لا إله إلا الله. وطوقها بطوق فضة وكتب فيه: ضرب هذا الدرهم بمدينة كذا وفي الطرف الآخر: محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولوكره المشركون. أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال: حدثنا محمد بن عبيد الله البقال قال: حدثنا أبو الحسين بن بشران قال: أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق قال: حدثنا حنبل بن إسحاق قال: حدثنا هارون بن معروف قال: قال أبو سعد: الحجاج أول من ضرب الدراهم البيض وكتب فيها: قال: فقالوا: قاتله الله أي شيء هذا يحمل الناس على أن يأخذه الجنب والحائض. قال هارون: وقال سفيان: أول من ضرب الدراهم السود زياد وأول من ضرب الدنانير عبد قال إبراهيم النخعي: جعل عمر بن الخطاب وزن عشرة دراهم ستة دنانير فلما ولي زياد جعل وزن عشرة سبعة. روى أبو القاسم بن زنجي الكاتب قال: سمعت وكيعًا يقول: كان القبط يكتبون على القراطيس: بسم الأب والابن والروح القدس وكذلك على الدراهم فوقف على ذلك عبد الملك بن مروان فأمر بتغييرها وأن يكتب عليها من القرآن وغيره. وأدخلت بلاد الروم على حسب ما كانت تدخل فلما رأى ملك الروم النقش مخلفًا لما كان عليه سأل عنه فترجم له فأنكر وأهدى إلى عبد الملك هدية وكتب إليه يسأله أن يجري الأمر في القراطيس على ما كان عليه فرد الهدية وأبى ذلك فبعث إليه ملك الروم يتوعده فقطع الدنانير عن بلده فبعث إليه إن تعامل بها المسلمون بعد هذا فافعل وضرب الدنانير عبد الملك فأما الدراهم فإنها كانت ثلاثة أصناف: الوافية وهي النعلية وزن الواحد مثقال. والصنف الآخر الجزية وزن الواحد نصف مثقال وكان يتعامل بها في المشرق. والصنف الثالث الطبرية وزن العشرة منها ستة مثاقيل فجمع عبد الملك الثلاثة أصناف عشرة عشرة فصارت ثلاثين درهمًا عددًا وزنها واحد وعشرون مثقالًا فصير السبعة عشرة. ومن الحوادث فيها: غزوة محمد بن مروان الصائفة حين خرجت الروم وفيها: وولى الحجاج بن يوسف العراق دون خراسان وسجستان. فقدم الحجاج الكوفة بعد وفاة بشر بن مروان في اثني عشر راكبًا على النجائب حتى دخل الكوفة فجأة وقد كان بشر بعث المهلب إلى الحرورية فبدأ الحجاج بالمسجد فدخله ثم صعد المنبر وهو متلثم بعمامة خز حمراء فلما اجتمع الناس هموا به فكشف عن وجهه وقال: أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني قال مؤلف الكتاب: قد رويت لنا هذه الحالة مختلفة ونحن نذكرها بطرقها. أخبرنا أبو المبارك الأنماطي قال: أخبرنا أبو الحسين ابن عبد الجبار الصيرفي قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسن النصيبي قال: أخبرنا إسماعيل بن سعيد بن سويد. وأنبأنا علي بن عبيد الله عن عبد الصمد بن المأمون عن إسماعيل بن سعيد قال: خبرنا أبو بكر الأنباري قال: حدثني أبي قال: حدثنا أحمد بن عبيد الله قال: حدثنا محمد بن يزيد بن ريان الكلبي عن عبد الملك بن عمير قال: لما اشتدت شوكة أهل العراق وطال وثوبهم بالولاة يحصبونهم ويقصرون بهم أمر عبد الملك فنادى الصلاة جامعة فاجتمع الناس فخطبهم ثم قال: أيها الناس إن العراق قد علا لهيبها وسطع وميضها وعظم الخطب فيها فجمرها ذكي وشهابها وري فهل من رجل ينتدب لهم ذي للاح عتيد وقلب شديد فيخمد نيرانها ويبيد شبانها فسكت الناس فوثب الحجاج بن يوسف وقال: أنا يا أمير المؤمنين قال: ومن أنت قال: الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظيم القريتين قال له: اجلس فلست هناك ثم أطرق عبد الملك مليا ثم رفع رأسه وقال: من للعراق فسكت الناس فوثب الحجاج وقال: أنا يا أمير المؤمنين قال: ومن أين أنت قال: من قوم رغبت في مناكحتهم قريش ولم يقيت منهم وإعادة الكلام مما ينسب صاحبه إلى العي ولولا ذلك لأعدت الكلام الأول فقال له: اجلس فلست هناك. ثم أطرق عبد الملك مليًا ورفع رأسه وقال: من لأهل العراق فسكت الناس فوثب الحجاج فقال: أنا للعراق يا أمير المؤمنين قال: وما الذي أعددت لأهل العراق قال: ألبس لهم جلد النمر ثم أخوض الغمرات وأقتحم الهلكات فمن نازعني طلبته ومن لحقته قتلته بعجلة وريث وتبسم وازورار وطلاقة واكفهرار ورفق وجفاء وصلة وحرمان فإن استقاموا كنت لهم وليًا حفيًا وإن خالفوا لم أبق منهم أحدًا فهذا ما أعددت لهم يا أمير المؤمنين ولا عليك أن تجربني فإن كنت للطلى قطاعًا وللأرواح نزاعًا وللأموال جماعًا وإلا فقال عبد الملك: أنت لها ثم التفت إلى كاتبه وقال: اكتب عهده ولا تؤخره واعطه من الرجال والكراع والأموال ما سأل. قال عبد الملك بن عمير: فبينا نحن جلوس في المسجد الأعظم بالكوفة إذ أتانا آت فقال: هذا الحجاج بن يوسف وقد قام أميرًا على العراق فاشرأب الناس نحوه وأفرجوا له إفراجه عن صحن المسجد فإذا نحن به يتنهنس في مشيته عليه عمامة حمراء متلثمًا بها متنكبًا قوسًا عربيًا يؤم المنبر فما زلت أرمقه ببصري حتى صعد المنبر فجلس عليه وما تحدر اللثام عن وجهه وأهل الكوفة يومئذ لهم حال حسنة وهيئة جميلة وعز ومنعة يدخل الرجل منهم المسجد معه عشرة أو عشرون رجلًا من مواليه وأتباعه عليهم الخزوز والقوهية وفي المسجد رجل يقال له عمير بن ضابئ البرجمي فقال لمحمد بن عطارد التميمي: هل لك أن أحصبه لك قال: لا حتى نسمع كلامه فقال: لعن الله بني أمية حيث يستعملون علينا مثل هذا ولقد ضيع العراق حيث يكون مثل هذا أميرًا عليه والله لو أن هذا كله كلام ما كان شيئًا. والحجاج ينظر يمنة ويسرة حتى إذا غص المسجد بالناس قال: يا أهل العراق أني لأعرف قدر اجتماعكم هل اجتمعتم فقال رجل: قد اجتمعنا أصلحك الله فسكت هنيهة لا يتكلم. فقال الناس: ما يمنعه من الكلام إلا العي والحصر فقام الحجاج فحسر لثامه وقال: يا أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني صليت العود من سلفي نزار لنصل السيف وضاح الجبين وماذا يبتغي الشعراء مني وقد جاوزت رأس الأربعين أخو خمسين مجتمع لشدي ونجدة في مداومة الشؤون وأني لا يعود إلي قرني غداة العين إلا أي حين قال أبو بكر: قال أبي: والشعر لسحيم بن وثيل الرياحي تمثل به الحجاج والله يا أهل العراق إني لأرى رؤوسًا قد أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها والله لكأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى: هذا أوان الشد فاشتدي زيم قد لفها الليل بسواق حطم ليس براعي إبل ولا غنم ولا بجزار على ظهر وضم وقال: قد لفها الليل بعصلبي وشمرت عن ساق سمري أروع خراج من الدوي مهاجر ليس بأعرابي والله يا أهل العراق ما يغمز جانبي كتغماز التين ولا يقعقع لي بالشنان ولقد فرزت عن ذكاء وفتشت عن تجربة وأجريت من الغابة وإن أمير المؤمنين نثر كنانته فعجم عيدانها عودًا عودًا فوجدني أمرها عودًا وأشدها مكسرًا فوجهني إليكم فرماكم بي. يا أهل الكوفة يا أهل الشقاق والنفاق ومساوئ الأخلاق فإنكم طالما أوضعتم في أودية الفتنة اضطجعتم في منام الظلال وسننتم سنن الغي وأيم الله لألحونكم لحو العود ولأعصبنكم عصب السلمة ولأضربنكم ضرب غريبة الإبل إني والله لا أحلف إلا بررت ولا أعد إلا وفيت وإياي هذه الزرافات والجماعات وقال وما يقول وكان وما يكون وما أنتم وذاك. يا أهل العراق إنما أنتم أهلي ثم أقبل على أهل العراق فقال: يا أهل العراق لريحكم أنتن من ريح الأبخر وإنما أنتم كما قال الله تعالى: اقرأ كتاب أمير المؤمنين يا غلام فقال القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين إلى من بالعراق من المؤمنين والمسلمين سلام عليكم فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو. فسكتوا فقال الحجاج من فوق المنبر: اسكت يا غلام فسكت القارئ فقال: يا أهل الشقاق ويا أهل النفاق ومساوئ الأخلاق أيسلم عليكم أمير المؤمنين فلا تردون عليه السلام هذا أدب ابن أبيه. قال مؤلف الكتاب: كذا في هذه الرواية والصواب ابن أذينة. وتأتي في طريق آخر. والله إن بقيت لكم لأؤدبنكم أدبًا سوى أدبه وليستقيمن لي أو لأجعلن لكل أمرئ منكم في بسم الله الرحمن الرحيم فلما بلغ موضع السلام صاحوا: وعلى أمير المؤمنين السلام ورحمة الله وبركاته. ثم نزل فدخل دار الإمارة وحجب الناس ثلاثة أيام وأذن لهم في اليوم الرابع فدخل عمير بن ضابئ فقال: أصلح الله الأمير إني شيخ كبير وقد خرج اسمي في هذا البعث ولي ابن هو على الحرب والأسفار أقوى مني وأشجع عند اللقاء فإن رأى الأمير أن يجعله مكاني ففعل فقال: انصرف أيها الشيخ راشدًا وابعث ابنك بديلًا فلما ولى قال له عنبسة بن سعيد بن العاص: أيها الأمير أتعرف هذا قال: لا والله قال: هذا عمير بن ضابئ الذي أراد أبوه أن يفتك بأمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه فلم يزل محبوسًا في حبسه حتى أصابته الدبيلة فمات. ثم جاء هذا فوطئ أمير المؤمنين وهو مقتول فكسر ضلعًا من أضلاعه وأبوه الذي يقول فيما يقول: هممت ولم أفعل وكدت وليتني تركت على عثمان تبكي حلائله فقال: علي بالشيخ فلما أتى قال: أما يوم الدار فتشهده بنفسك وأما في قتال الخوارج فتبعث بديلًا وأما والله أيها الشيخ إن في قتلك لراحة لأهل المصرين يا حرسي اضرب عنقه فضربت عنقه. قال: وسمع الحجاج صوتًا فقال: ما هذا قالوا: البراجم ينتظرون عميرًا قال: ارموا إليهم قال وكان ابن لعبد الله بن الزبير الأسدي قد سأله أن يشفع له إلى الحجاج أن يأذن في التخلف فلما قتل عمير خرج ولم ينتظر الإذن فقال ابن عبد الله بن الزبير في ذلك: أقول لإبراهيم لما لقيته أرى الأمر أمسى مفظعًا متعصبا تجهز فإما أن تزور ابن ضابئ عميرًا وإما أن تزور المهلبا هما خطتا خسفا نجاؤك منهما ركوبك حوليا من الثلج أشهبا وإلا فما الحجاج مغمد سيفه مدى الدهر حتى يترك الطفل أشيبا فأضحى ولو كانت خراسان دونه يراها مكان السوق أو هي أقربا وكم قد رأينا تارك الغزو ناكثًا ينكث حنو السرج حتى تحنبا فلما اتصل الخيل والرجال بالمهلب تعجب وقال: لقد ولي العراق رجل ذكر. وقد رويت لنا هذه القصة بزيادة ونقصان. أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن محسن التنوخي قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحيم المازني قال: حدثنا أبو علي الحسين بن القاسم الكوكبي قال: حدثنا عثمان بن مصعب الجندي قال: حدثنا عبد الحميد بن سلمة قال: حدثني أبي عن مجالد بن عبد الملك بن عمير الليثي قال: كتب روح بن زنباع الجذامي إلى أهل الكوفة: أن أمير المؤمنين لما أمضه اضطرابكم واشتد بلاؤكم وكثر توثبكم على الولاة تحصبونهم وتقصرونهم ولا تنقادون جمع أهل بيته وأكابرهم ممن لهم البأس والنجدة والعز والعدد والظفر فقال: أيها الناس إن العراق قد كدر ماؤها واملولح عذبها وعذب ملحها وسطع لهبها وبرق وميضها وثار ضرامها واشتد شعابها والتاث أفانينها ودام بأسها وعظم شررها وكثر موقدها فحرها ذكي وخطبها بي ومرعاها وخيم قد صدرهم الكبار ولا يقيم درهم الصغار فمن ينتدب لهم منكم بسيف قاطع وفرس راتع وسنان لامع وجنان غير خاضع فيخمد نيرانها ويبيد شبانها ويقصم كهولها ويقتل جهولها حتى يعيش فقيرها وينتفع بماله غنيها ويستقر الآيب ويرجع الغائب ويحيى الخراج ويداوى الجراح وتصفو البلاد ويسلس القياد فقد دعرت سلبها وجهرت لظالمها وليتكلم رجل يقيم أودهم بسيف أدلب أو خرج. فسكت الناس فقام الحجاج بن يوسف فقال: أنا للعراق يا أمير المؤمنين قال: ومن أنت قال: أنا الليث المنضام الهزبر المقصام: أنا الحجاج بن يوسف قال: اجلس فلست هناك. ثم أطرق مليًا وقال: من للعراق فقد أطرقت الليوث ولست أرى أسدًا يقصد نحو فريسته فسكت الناس فقام الحجاج بن يوسف الثقفي فقال: أنا للعراق يا أمير المؤمنين قال: ومن أنت قال: أنا الحجاج بن يوسف معدن العفو والبوار.قال: اجلس فلست هناك ثم أطرق مليًا فقال: من للعراق فقد قوي الضعيف وخضع الشديد فقام الحجاج فقال: أنا للعراق يا أمير المؤمنين. فقال: يا ابن يوسف لكل أمر آلة وقلائد فما آلتك وقلائدك قال: القتل والعفو والمكاشفة والمداراة والحرق والرفق والعجلة والريث والإبراق والتبسم والإرعاد والتنفس والإبعاد والدنو والرفق والجفا طورًا والزيارة والصلة آونة والتجبر والتقمص أحيانًا والحرمان والترهيب والترغيب ألوانًا ألبس جلد النمر وسيفًا منيعًا وتوضعًا في تجبر وخوض غمرات الفنيق ضحضاح الثمد عند الورود فمن رمقني حددته ومن لوى شدقه خدعته ومن نازعني جذبته ومن عض منقبة بددته ومن تغير لونه قتلته ومن دنا أكرمته ومن نأى طلبته ومن ماحكني غلبته ومن أدركته كسعته فهذه آلتي وقلادتي ولا عليك يا أمير المؤمنين أن تجربني فإن كنت للأعناق قطاعًا وللأوصال جزاعًا وللأرواح نزاعًا وللخراج جماعًا ولك في هذه الأشياء نفاعًا وإلا فاستبدل بي غيري فإن الناس كثير ومن يسد بهم الثلم قليل. فقال عبد الملك: أنت لها لله أبوك فتناولها كيف شئت ثم التفت إلى كاتبه فقال: اكتب له عهدًا على العراق جميعًا وأطلق يده في السلاح والكراع والرجال والأموال ولا تجعل له علة وقد كتب عهده يوم الاثنين وهو خارج يوم السبت فالزموا طاعته يا أهل الكوفة واحذروا فبينا نحن جلوس في المسجد الأعظم بالكوفة إذ أتانا آت فقال: الحجاج بن يوسف قد قدم أميرًا على العراق فاشرأب الناس نحوه ينظرون إليه ثم أفرجوا له إفراجة واحدة عن صحن المسجد وإذا هم به يمشي عليه عمامة حمراء قد تلثم بها وهو متنكب قوسًا له عربية وهو يؤم المنبر قال: فما زلت أرميه ببصري حتى جلس على المنبر ما يحدر لثامه ولا ينطق حرفًا وأهل الكوفة يومئذ ذو حالة حسنة وهيئة جميلة في عز ومنعة فكان الرجل يدخل المسجد ومعه الخمسة والعشرة والعشرون من مواليه وأتباعه عليهم الخزوز والقوهية وفي المسجد يومئذ عمير بن ضابئ البرجمي وعبد الرحمن بن محمد الأشعث ومحمد بن عمير بن حاجب بن زرارة الحنظلي فابتدرنا عمير فقال: أحصبه لكم فقلنا: لا حتى نسمع ما يقول فأبى عمير إلا أن يحصبه فمنعناه فقال: لعن الله بني أمية حيث يستعملون مثل هذا وضيع والله العراق حتى صار مثل هذا عليها واليًا فوالله لو كان هذا كله كلامًا ما كان شيئًا. والحجاج ساكت ينظر يمينًا وشمالًا فلما رأى المسجد قد غص بأهله قال: اجتمعتم فلم يرد عليه أحد شيئًا فقال: كأني أرى قدر اجتماعكم فقال رجل من القوم: قد اجتمعنا أصلح الله الأمير فسكت هنيهة فلما رأى القوم أنه لا يحير جوابًا قال بعضهم لبعض: ما يمنعه من الكلام إلا العي وأهووا بأيديهم إلى الحصى ليحصبوه بها ففطن الحجاج فوثب قائمًا وقد أحاط بالمسجد مائتا طائل ومائتا دارع ومائتا جاشن ومائتا سائف ومائتا رامح على الطائلة سويد بن عدية العجلي وعلى الدارعة السكن بن يوسف الثعلبي وعلى السائفة بدر بن مدركة اليشكري وعلى البرامجة عطية بن حويرثة الأصبحي فكان مما راعهم ذلك وأفزعهم فأومأ الحجاج إلى الطائلة أن اسكتوا فسكتوا فقال: أفعلتموها يا أهل العراق ويا أهل العير الداجنة أنا الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن عامر بن مسعود عظيم القريتين ابن معتب بن مالك بن عوف بن قسي بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس بن غيلان بن مضر ثم قال: أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني صليب العود من سلفي نزار كنصل السيف وضاح الجبين فماذا يغمز الأقران مني وقد جاوزت حد الأربعين أخو خمسين مجتمع أشدي وتحددني مداولة الشؤون يا أهل الكوفة إني لأرى رؤوسًا قد أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها لله أبوكم كأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى ثم قال: هذا أوان الشد فاشتدي زيم قد لفها الليل بسواق حطم من يلقني يودى كما أودت إرم قد لفها الليل بعصلبي مهاجر ليس بأعرابي قد شمرت عن ساق سمهري وأيم الله يا أهل العراق لا يغمز جنابي كتغماز التين ولا يقعقع لي بالشنان فلقد فرغت عن ذكاء وفتشت عن تجربة وأجريت إلى الغاية القصوى إن أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان نكث كنانته بين يديه فعجم عيدانها عودًا عودًا فوجدني أمرها عودًا وأصلبها مكسرًا فوجهني إليكم يا أهل العراق والشقاق والنفاق ومساوئ الأخلاق إنكم والله طالما أوضعتم في أودية الفتنة واضطجعتم في منام الضلالة وسلكتم سنن الغي والله لأقرعنكم قرع المروة ولألحونكم لحو العود ولأعصبنكم عصب السلمة والشاة السقيمة ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل واعلموا أني والله لا أعد إلا وفيت ولا أحلق إلا فريت ولا أحلف إلا نزرت ولا أبعد إلا شيعت وإياكم وهذه الزرافات والخرافات والبطالات والمقالات والجماعات وقتل وقال وما قال وما يقول وكان وما يكون وفيم أنتم وما أنتم وما ذاك يا أهل الكوفة إنما أنتم أهل لا تغروني يا قوم بكم ولا تسهروني بعد رقدتي فإني راض بما صفا لي منكم من علانيتكم ما لم تكن حيلة في سواد هذه الدهماء ولا تحملوني على أكتافكم بأحجاركم في رقباتكم وفي كل يوم ما الخبر ما الخبر إن الحجاج ذو حسام باتر تجتلى به الأوصال فكم له في كل حي من حرز إلا من استوثقت لنا طاعته وخلصت لنا مودته ودامت لنا مقته فذاك منا ونحن منه فأما من ركب التراهات وأخذ في النية بعد النية فهيهات هيهات يا هيهات لأهل المعاصي والنفاق ألا ترهبون ويحكم أن تغير عليكم الخيل الملجمة فتترككم أمثال الرقاق المنتفخة المستوسقة الشائلة بأرجلها ألا وإن نصلي سبك من دماء أهل العراق فمن شاء فليحقن دمه ومن أبى أوسعت بالوعة الموت دمه وفتتت للسباع لحمه وقامت الرخم على شلوه وضعت الدعارع بعجمه فمهلًا يا أهل العراق مهلًا فإن تميلي بقرن الصعاب وبذل الرقاب ولو قل العقاب وتستقل الحروب ألم تعلموا أني في الحروب ولدت وفيها تلدت وفيها فطمت وفيها قطعت تمائمي وبليت نواجذي وصلع رأسي أفأنتم تجلجلونني أن يكون ذلك حتى يجلجل صم الصناخيد التي هي للأرض أوتاد ألا وإني قد سست وساسني السائسون وأدبني المؤدبون. استوثقوا واستقيموا وتابعوا وبايعوا وجانبوا واحذروا واتقوا واعلموا أنه ليس مني الإكثار ولا الإهذار ولا مع ذلك الفرار ولا النفار وإنما هو انتضاء السيف ثم لا يغمد الشتاء ولا الصيف حتى تفيئوا إلى أمر الله وتجتمعوا إلى طاعته وطاعة أمير المؤمنين حتى يذل الله له صعبكم ويقيم أودكم ويلوي به صغيركم. ألا وإني وجدت الصدق مع البر والبر في الجنة وألفيت الكذب مع الفجور والفجور في النار. وقد وجهني أمير المؤمنين إليكم وأمرني بإعطائكم عطاياكم وإشخاصكم إلى مجاهدة عدوكم وقد أمرت بذلك لكم وأجلتكم ثلاثًا وأعطي الله عهدًا يأخذه مني ويستوفيه علي لئن بلغني أن رجلًا تخلف منكم بعد قبض عطائه يومًا واحدًا لأضربن عنقه ولأنهبن ماله. أقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين يا غلام فقال الكاتب: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الملك بن مروان إلى من بالعراق من المؤمنين والمسلمين سلام عليكم. فلم يقل أحد شيئًا فغضب الحجاج وقال: يا أهل الفتن الداحية والأهواء الراثية والألباب الماجنة أيسلم عليكم أمير المؤمنين فلا تردون عليه السلام والله لأؤدبنكم غير أدب ابن أذينة - وكان ابن أذينة صاحب شرطة بالكوفة - ولأجعلن لكل امرئ منكم في جسده شغلًا أعد القراءة يا غلام فأعاد الكاتب فلما بلغ قوله: سلام عليكم قال جميع من في المسجد وعلى أمير المؤمنين السلام ورحمة الله وبركاته ثم نزل فدخل الدار. فلما كان اليوم الرابع أتاه عمير بن ضابئ البرجمي ومعه ابنان له وقد ركب معه جماعة من البراجمة ألفا فارس وقالوا له: إن رأيت من الأمير ريب فدماؤنا دون دمك فقال: أيها الأمير إني شيخ كبير وقد خرج اسمي في هذا البعث وابني هذا أقوى مني على السفر وأجلد في الحرب فإن رأى الأمير أن يمن علي بلزوم منزلي ويقبل ابني بديلًا فعل ذلك موفقًا. فقال: نعم ذلك لك يا شيخ انطلق راشدًا وابعث ابنك بديلًا. فلما ولي قال له عنبسة بن سعيد بن العاص: أيها الأمير أتعرف هذا الشيخ الذي ناجاك آنفًا قال: لا قال: هذا عمير بن ضابئ البرجمي الذي هجا أبوه ابن قطن في حال كلب لهم يقال له قرحان وكان يصيد حمر الوحش فاستعاره منهم فلما طلبوه منه منعهم فركبوا إليه فساؤوه فأنشأ يقول: فأردفتهم كلبًا فراحوا كأنما حباهم تناج الهرمزان أسير فيا راكبًا أما عرضت فبلغن ثمامة عني والأمور تدور فأمكم لا تتركوها وكلبكم فإن عقوق الأمهات كبير إذا ما انتشى من آخر الليل نشوة يبيت له فوق الفراش هرير فاستعدوا عليه عثمان فحبسه في السجن حتى مات واتخذ حديدة لعثمان ليقتله بها فعلم بذلك عثمان فحبسه حتى مات في السجن وقد كان في مرضه قال: وقائلة لا يبعد الله ضابيا إذا اخضر من دهر الشتاء أصائله وقائلة لا يبعد الله ضابيًا إذا العرب الرعى تنضت سوائله وقائلة لا يبعد الله ضابيًا إذا الكبش لم يوجد له من ينازله هممت ولم أفعل وكدت وليتني تركت على عثمان تبكي حلائله فلا تتبعوني إن هلكت ملامة فليس بعار قتل قرن أنازله فلما قتل عثمان دخل هذا فيمن دخل عليه يطلب ثأر أبيه فكسر ضلعًا من أضلاع عثمان وهو يقول: قال: فقال الحجاج: ردوه فردوه فقال: أتشهد يوم الدار بنفسك وتطلب اليوم بديلًا هلا سألت بديلًا يوم الدار والله أيها الشيخ إن في قتلك صلاحًا للمصرين يا حرسي اضرب عنقه ثم قال: إني والله لجواد بدمه إن قتله غيري قربوه. فقربوه فضرب عنقه فإذا رأسه بين رجليه ثم أخذ بلحيته فهزها وأخذ يتمثل بشعر يزيد بن أبي كاهل اليشكري: ساء ما ظنوا وقد أبليتهم عند غايات المدى كيف أقع ** كيف يرجون سقاطي بعد ما جلل الرأس بشيب وصلع ** رب من أنضحت غيظًا صدره قد تمنى لي موتًا لم يطع ** وتراني كالشجى في خلقه عسرًا مخرجه ما ينتزع ** ويحييني إذا لاقيته وإذا يخلو له الحي رتع ** ثم سمع ضوضاء فقال: ما هذه الضوضاء قالوا: البراجم بالباب تنتظر عميرًا فقال: أتحفوهم برأسه فرمى بالرأس إليهم فلما نظروا إليه ولوا هاربين لاحقين بمراكزهم ثم إنهم ازدحموا على الحسين بن أبي براء التميمي فاستنصروه فقال: لأمهاتكم الهبل ألا تتقون الله تحملونني على إهراق الدماء والله يترك الحجاج قدمًا إلا أوطأها عبد الملك بن مروان ولا نزل بأحدهم أخرى إلا لحق بعمير وبمثله والله يقرن الصعاب ومر عبد الله بن الزبير الأسدي بابن عم له يقال له إبراهيم فقال: ما وراءك أبا حبيب قال: ورائي كل بلية قتل والله عمير بن ضابئ النجاء النجاء وأنشأ يقول: أقول لإبراهيم لما لقيته أرى الأمر أمسى هالكًا متشعبا ترحل فإما أن تزور ابن ضابئ عميرًا وإما أن تزور المهلبا هما خطتا كره نجاؤك منهما ركوبك حوليا من الثلج أشهبا وإن على الحجاج فيه آلية بمعدلها نابًا علوفًا ومحلبا فأضحى ولو كانت خراسان دونه رآها مكان السوق أو هي أقربا وإلا فما الحجاج مغمد سيفه مدى الدهر حتى يترك الطفل أشيبا وكم قد رأينا تارك الغزو ناكلًا ينكب حبو السرج حتى تنكبا فخرج الناس أرسالًا يؤمون خراسان نحو المهلب فلما قدموا عليه قال المهلب: اليوم قوتل والله العدو ويحكم من ولي العراق قالوا له: الحجاج بن يوسف قال المهلب: وليها والله رجل ذكر ثم قال: يا أهل العراق لقد داهتكم داهية ورميتم بالخنة ولقد مارسكم امرؤ ذكر. وقصوا عليه قصة الحجاج فقال: والله لقد تخوفت أن يكون القادم عليكم مبير ثقيف وليخربن دياركم وليسجد من أبناءكم وليمزقنكم كل ممزق اللهم لا تسلطه علينا ولا على أحد من أوليائك إنك قال مؤلف الكتاب: وفي رواية أخرى: أن الحجاج لما فرغ من خطبته قال: الحقوا بالمهلب وأتوني بالبراءات بموافاتكم ولا تغلقوا باب الجسر ليلًا ولا نهارًا فلما قتل عمير بن ضابئ خرج الناس فازدحموا على الجسر وخرجت العرفاء إلى النهلب وهو برامهرمز فأخذوا كتبه بالموافاة ولما وصل الحجاج إلى الكوفة بعث الحكم بن أيوب الثقفي أميرًا على البصرة وأمره أن يشد على خالد بن عبد الله فلما بلغ خالد الخبر خرج من البصرة قبل أن يدخلها الحكم فنزل الحجاج وتبعه أهل البصرة فلم يبرح حتى قسم فيهم ألف ألف درهم. وفي هذه السنة: وذلك أنه خرج من الكوفة بعد أن قتل ابن ضابئ حتى قدم البصرة فقام فيهم بخطبة مثل التي قام بها في الكوفة وتوعدهم مثل وعيده أولئك فأتي برجل من بني يشكر فقيل له: إن هذا عاص قال: إن بي فتقًا وقد رآه بشر فعذرني وهذا عطائي مردود إلى بيت المال فلم يقبل منه وقتله ففزع لذلك أهل البصرة فخرجوا حتى أدركوا العارض بقنطرة رامهرمز وخرج الحجاج ونزل رستقباذ وكان بينه وبين المهلب ثمانية عشر فرسخًا فقام في الناس فقال: إن الزيادة التي زادكم ابن الزبير في أعطياتكم زيادة فاسق منافق ولست أجيزها فقام إليه عبد الله بن الجارود العبدي فقال: إنها ليست بزيادة فاسق منافق ولكنها زيادة أمير المؤمنين عبد الملك قد أثبتها لنا فكذبه وتوعده فخرج ابن الجارود على الحجاج وبايعه وجوه الناس فاقتتلوا قتالًا شديدًا فقتل ابن الجارود وجماعة من أصحابه وبعث برأسه ورؤوس عشرة من أصحابه إلى المهلب ونصبت برامهرمز للناس وانصرف إلى البصرة وكتب إلى المهلب وإلى عبد الرحمن بن مخنف: أما بعد فإذا أتاكم كتابي هذا فناهضوا الخوارج والسلام. فلما وصل الكتاب إليهما ناهضا الأزارقة يوم الاثنين لعشر بقين من شعبان - وقيل: يوم الأربعاء لعشر بقين من رمضان - فأجلوهم عن رامهرمز من غير قتال فذهبوا إلى أرض يقال لها كازرون فسارا وراءهم حتى نزلا بهم في أول رمضان فخندق المهلب عليه وقال لعبد الرحمن: إن رأيت أن تخندق عليك فافعل فأبى أصحاب عبد الرحمن وقالوا: إنما خندقنا سيوفنا فزحفت الخوارج إلى المهلب ليلًا ليبيتوه فوجدوه قد أخذ حذره فمالوا: إلى عبد الرحمن فقاتلوه فانهزم عنه أصحابه فنزل فقاتل فقتل في جماعة من أصحابه. وكتب المهلب بذلك إلى الحجاج فبعث مكانه عتاب بن ورقاء وأمره أن يسمع للمهلب ويطيع فساءه ذلك ولم يجد بدًا من طاعة الحجاج فجاء حتى أقام في العسكر وقاتل الخوارج وكان لا يكاد يستشير المهلب في شيء فأغرى به المهلب رجالًا من أهل الكوفة منهم بسطام بن مصقلة. وجرى بين المهلب وعتاب يومًا كلام فذهب المهلب ليرفع القضيب عليه فوثب إليه ابنه المغيرة فقبض على القضيب وقال شيخ من شيوخ العرب: فاحتمله وقام عتاب فاستقبله بسطام يشتمه ويقع فيه فكتب إلى الحجاج يشكو المهلب ويخبره أنه قد أغرى به سفهاء المصر فبعث إليه أن أقدم. وفي هذه السنة: وكان يرى رأي الصفرية وقيل: إنه أول من خرج منهم وكان صالح هذا ناسكًا عابدًا وله أصحاب يقرئهم القرآن ويفقههم ويقص عليهم ويقدم الكوفة فيقيم بها الشهر والشهرين وكان بأرض الموصل وله كلام مستحسن وكان إذا فرغ ذكر أبا بكر وعمر فأثنى عليهما وذكر ما أحدث عثمان وعلي وتحكيمه الرجال فيتبرأ منهما ثم يدعو إلى مجاهدة أئمة الضلال ويقول: تيسروا للخروج من دار الفناء إلى دار البقاء واللحاق بإخواننا المؤمنين الذين باعوا الدنيا بالآخرة ولا تجزعوا من القتل في الله فإن القتل أيسر من الموت والموت نازل بكم. فبينا هو كذلك ورد عليه كتاب شبيب يقول فيه: قد كنت دعوتني يا صالح إلى أمر فاستجبت له فإن كان ذلك من شأنك فبادر فإنك شيخ المسلمين وإن أردت تأخير ذلك فأعلمني فإن الآجال غادية ورائحة ولا آمن أن تخترمني المنية ولم أجاهد الظالمين جعلنا الله وإياك ممن يريد الله بعمله. فأجابه صالح أني مستعد فأقدم فقدم عليه في جماعة من أهله فواعدهم الخروج في صفر سنة ست وسبعين ثم قال صالح لأصحابه: اتقوا الله ولا تعجلوا إلى قتال أحد إلا أن يريدوكم فإنكم إنما خرجتم غضبًا لله. وحج صالح في سنة خمس وسبعين ومعه شبيب بن يزيد وسويد والبطين وأشباههم. وفي هذه السنة: فهم شبيب بالفتك به وبلغ عبد الملك شيء من خبرهم فكتب إلى الحجاج بعد انصرافه يأمره بطلبهم وكان صالح يأتي الكوفة فيقيم بها الشهر ونحوه فنبت بصالح الكوفة لما طلبه الحجاج فتنكبها ووفد يحيى بن الحكم في هذه السنة على عبد الملك واستخلف على عمله بالمدينة أبان بن عمرو بن عثمان فأقر عبد الملك يحيى على ما كان عليه بالمدينة وعلى الكوفة والبصرة الحجاج وعلى خراسان أمية بن عبد الله وعلى قضاء الكوفة شريح وعلى قضاء البصرة زرارة بن أبي أوفى. الأسود بن يزيد بن قيس ابن عبد الله أبو عمرو: روى عن أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود ومعاذ وسلمان وأبي موسى وعائشة ولم يرو عن عثمان شيئًا. وكان يصوم الدهر فذهبت إحدى عينيه وكان لسانه يسود من شدة الحر فيقال له: لا تعذب هذا الجسد فيقول: إنما أريد له الراحة. أخبرنا ابن ناصر قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد قال: أخبرنا إبراهيم بن عمرو البرمكي قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز بن مردك قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: حدثنا أبو حميد الحمصي قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا يزيد بن عطاء عن علقمة بن مرثد قال: كان الأسود بن يزيد يجتهد في العبادة يصوم حتى يخضر ويصفر فلما احتضر بكى فقيل له: ما هذا الجزع فقال: مالي لا أجزع ومن أحق بذلك مني والله لو أتيت بالمغفرة من الله عز وجل لأهمني الحياء منه مما قد صنعت. إن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنب الصغير فيعفو عنه فلا يزال مستحييًا منه. قال: ولقد حج الأسود ثمانين حجة. توفي الأسود بالكوفة في هذه السنة. توبة بن الحمير من بني عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن خفاجة: كان شاعرًا وكان أحد عشاق العرب مشهورًا بذلك وصاحبته ليلى الأخيلية وكان يقول فيها الشعر ولا يراها إلا متبرقعة فأتاها يومًا فسفرت له عن وجهها فأنكر ذلك وعلم أنها لم تسفر إلا عن حدث وكان إخوتها قد أمروها أن تعلمهم بمجيئه فسفرت لتنذره ففي ذلك يقول: وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت ** فقد رابني منها الغداة سفورها وأول الشعر: نأتك بليلى دارك لا تزورها ** وشطت نواها واستمر مريرها يقول رجال لا يضيرك حبها ** بلى كلما شف النفوس يضيرها أظن بها خيرًا وأعلم أنها ** ستنعم يومًا أو يفك أسيرها حمامة بطن الواديين ترنمي ** سقاك من الغر الغوادي مطيرها أبيني لنا لا زال ريشك ناعمًا ** ولا زلت في خضراء دان بريرها أرى اليوم يأتي دون ليلى كأنما ** أتت حجج من دونها وشهورها أرتنا حياض الموت ليلى وراقنا ** عيون نقيات الحواشي تديرها ألا يا صفي النفس كيف تقولها ** لو أن طريدًا خائفًا يستجيرها وله أيضًا فيها: فإن تمنعوا ليلى وحسن حديثها ** فلن تمنعوا عيني البكا والقوافيا فهلا منعتم إذ منعتم كلامها ** خيالًا يمسينا على النأي هاديا يلومك فيها اللائمون نصاحة ** فليت الهوى باللائمين مكانيا لعمري قد أسهرتيني يا حمامة ** العقيق وقد أبكيت ما كان باكيا ذكرتك بالغور التهامي فأصعدت ** شجون الهوى حتى بلغن التراقيا كان توبة يشن الغارة على بني الحارث بن كعب وهمدان وكانت بين أرض بني عقيل وبني مهرة مفازة وكان يحمل معه الماء إذا أغار فغزا هو وأخوه عبد الله وابن عم له فنذروا بهم فانصرف محققًا فمر بجيران لبني عوف فاطرد إبلهم وقتل رجلًا من بني عوف فطلبوه فقتلوه وضربوا رجل أخيه فأعرجوه فبلغ الخبر ليلى فقالت: فآليت أبكي بعد توبة هالكًا وأحفل إذا دارت عليه الدوائر لعمرك ما بالقتل عار على الفتى إذا لم تصبه في الحياة المعايرة سليم بن عتر بن سلمة بن مالك هاجر في خلافة عمر بن الخطاب وحضر خطبته بالجابية. وروى عنه وشهد فتح مصر وجمع له بها القضاء والقصص. وكان يسمى الناسك لشدة عبادته وكان يختم القرآن في كل ليلة ثلاث مرات وكان يقول: لما قدمت من البحر تعبدت في غار سبعة أيام بالإسكندرية لم أصب فيها طعامًا ولا شرابًا ولولا أني خشيت أن أضعف لزدت. روى عنه علي بن رباح وأبو قتيل ومسرح بن هاعان وغيرهم. وتوفي بدمياط في هذه السنة. صلة بن أشيم أبو الصهباء العدوي البصري: وكان ثقة ورعًا عابدًا أسند عن أبي عياض وغيره. وروى عنه الحسن وحميد وهلال. أخبرنا محمد بن ناصر قال: أخبرنا جعفر بن أحمد قال: أخبرنا أحمد أبو علي التميمي قال: حدثنا أبو بكر بن مالك قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثنا أبي قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن جعفر عن يزيد الرشك عن معاذة قالت: كان أبو الصهباء يصلي حتى ما يستطيع أن يأتي فراشه إلا زحفًا. قال عبد الله: وحدثنا أبي قال: حدثنا أحمد بن الحجاج قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا المسلم بن سعيد الواسطي قال: حدثنا حماد بن جعفر بن يزيد أن أباه أخبره قال: خرجنا في غزاة إلى كابل وفي الجيش صلة بن أشيم فنزل الناس عند العتمة فقلت: لأرمقن عمله فأنظر ما يذكر الناس من عبادته فصلى العتمة ثم اضطجع والتمس غفلة الناس حتى إذا قلت: هدأت العيون وثب فدخل غيضة قريبًا منه ودخلت في أثره فتوضأ ثم قام يصلي. قال: وجاء أسد حتى دنا منه.قال: فصعدت في شجرة.قال: فتراه التفت أو عند جروًا حتى إذا سجد فقلت: الآن يفترسه. فجلس ثم سلم فقال: أيها السبع اطلب الرزق من مكان آخر فولى وإن له لزئيرًا تصدع منه الجبال فما زال كذلك. فلما كان الصبح جلس فحمد الله عز وجل بمحامد لم أسمع بمثلها إلى ما شاء الله ثم قال: اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار أو مثلي يجترئ أن يسألك الجنة ثم رجع فأصبح كأنه بات على الحشايا.وأصبحت وبي من الفترة شيء الله به عليم. قال: فلما دنونا من أرض العدو قال الأمير: لا يشدن أحد من المعسكر قال: فذهبت بغلته بثقلها فأخذ يصلي فقالوا له: إن الناس قد ذهبوا. فمضى ثم قال: دعوني أصلي ركعتين. فقالوا: الناس قد ذهبوا قال: إنهما خفيفتان قال: فدعى ثم قال: اللهم إني أقسم عليك أن ترد بغلتي وثقلها.قال: فجاءت حتى قامت بين يديه. فلما لقينا العدو حمل هو وهشام بن عامر فصنعا بهم طعنًا وضربًا وقتلًا فكسر ذلك العدو. أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي قال: أنبأنا أبو الفتح أحمد بن محمد الحداد قال: أخبرنا أبو البكر أحمد بن علي أن أبا أحمد بن محمد بن محمد الحاكم النيسابوري أخبره قال: أخبرني أبو يوسف محمد بن سفيان الصفار قال: حدثنا سعيد قال: سمعت بن المبارك عن السري بن يحيى قال: حدثنا العلاء بن هلال الباهلي: أن رجلًا من قوم صلة قال لصلة: يا أبا الصهباء إني رأيت أني أعطيت شهدة وأنت شهدتين فقال: خيرًا رأيت تستشهد وأستشهد أنا وابني. فلما كان يوم يزيد بن زياد لقيهم الترك بسجستان فكان أول جيش انهزم من المسلمين ذلك الجيش. فقال صلة لابنه: يا بني ارجع إلى أمك فقال: يا أبه أتريد الخير لنفسك وتأمرني بالرجوع بل ارجع أنت والله كنت خيرًا مني لأمي. قال: أما إن قلت هذا فتقدم فقاتل حتى أصيب فرمى صلة عن جسده - وكان رجلًا راميًا - حتى تفرقوا عنه وأقبل يمشي حتى قام عليه فدعا له ثم قاتل حتى قتل. أخبرنا ابن ناصر قال: أخبرنا جعفر بن أحمد قال: أخبرنا أبو علي التميمي قال: أخبرنا أحمد بن جعفر قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا عفان قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا ثابت البناني: أن صلة بن أشيم كان في مغزى له ومعه ابنه فقال: أي بني تقدم فقاتل حتى أحتسبك. فتقدم فقاتل حتى قتل ثم تقدم هو فقتل. فاجتمعت النساء عند امرأته معاذة العدوية فقالت: إن كنتن جئتن لتنهنئني فمرحبًا بكن وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن. قال مؤلف الكتاب رحمه الله: كانت هذه الغزاة في أول إمارة الحجاج. عبد الرحمن بن مل بن عمرو بن عدي أبو عثمان النهدي: كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلقه. وأسند عن عمر وابن مسعود وأبي موسى وسلمان في آخرين. وكان يسكن الكوفة فلما قتل الحسين تحول إلى البصرة وقال: لا أسكن بلدًا قتل فيه ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو يعد من المخضرمين: قال: أبو الحسن الأخفش: المخضرم من قولهم: ماء مخضرم. إذا تناهى في الكثرة واتسع فسمي الذي يشهد الجاهلية والإسلام مخضرمًا كأنه استوفى الأمرين. ويقال: أذن مخضرمة إذا كانت مقطوعة فكأنه انقطع عن الجاهلية إلى الإسلام. وتوفي أبو عثمان بالبصرة في أول ولاية الحجاج وهو ابن ثلاثين ومائة سنة. أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال: أخبرنا عمر بن عبيد الله البقال قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال: حدثنا عثمان بن أحمد قال: حدثنا حنبل قال: حدثنا عفان بن مسلم قال: بلغت نحوًا من ثلاثين ومائة سنة ما من شيء إلا قد عرفت النقص فيه إلا أملي كما هو. ليلى الأخيلية وهي ليلى بنت عبد الله بن الرحال بن شداد بن كعب بن معاوية ومعاوية هو الأخيل بن عبادة بن عقيل: أحبها توبة بن الحمير وكانت من أشعر النساء لا يقدم عليها في الشعر غير خنساء. وكانت هاجت النابغة الجعدي فكان مما هجاها قوله: فكيف أهاجي شاعرًا رمحه أسته ** خضيب البنان ما يزال مكحلا فقالت في جوابه: أعيرتني هذا بأمك مثله ** وأي حصان لا يقال لها هلا ودخلت على عبد الملك بن مروان وقد أسنت فقال لها: ما رأى توبة منك حتى عشقك فقالت: ما رأى الناس منك حتى جعلوك خليفة فضحك حتى بدت له سن سوداء كان يخفيها. أخبرنا ابن المبارك بن علي الصوفي قال: أخبرنا ابن العلاف قال: أخبرنا عبد الملك بن بشران قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال: أخبرنا أبو بكر الخرائطي قال: حدثني إسماعيل بن أبي هاشم قال: حدثنا عبد الله بن أبي الليث قال: قال عبد الملك بن مروان لليلى الأخيلية: بالله هل كان بينك وبين توبة سوء قط قالت: والذي ذهب بنفسه وهو قادر على ذهاب نفسي ما كان بيني وبينه سوء قط إلا أنه قدم من سفر فصافحته فغمز يدي فظننت أنه يخضع لبعض الأمر قال: فما بعد ذلك فقلت له: وذي حاجة قلنا له لا تبح بها فليس إليها ما حييت سبيل لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه وأنت لأخرى فارغ وحليل فقالت: لا والذي ذهب بنفسه ما كلمني بسوء قط حتى فرق بيني وبينه الموت. أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك ومحمد بن ناصر الحافظان قالا: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال: أخبرنا الحسين بن محمد النصيبي قال: أخبرنا إسماعيل بن سويد قال: أخبرنا أبو بكر بن الأنباري قال: حدثني أبي قال: حدثني أحمد بن عبيد قال: حدثني أبو الحسن المدائني عمن حدثه عن مولى لعنبسة بن سعيد بن العاص قال: كنت أدخل مع عنبسة بن سعيد بن العاص إذا دخل الحجاج فدخل يومًا ودخلت إليهما وليس عند الحجاج غير عنبسة فقعدت فجاء الحاجب فقال: امرأة بالباب فقال الحجاج: أدخلها. فلما رآها الحجاج طأطأ برأسه حتى ظنت أن ذقنه قد أصابت الأرض فجاءت حتى قعدت بين يديه فنظرت إليها فإذا امرأة قد أسنت حسنة الخلق ومعها جاريتان لها وإذا هي ليلى الأخيلية فسألها الحجاج عن نسبها فانتسبت له فقال لها: يا ليلى ما أتاني بك فقالت: اختلاف النجوم وقلة الغيوم وكلب البرد وشدة الجهد وكنت لنا بعد الله عز وجل الرفد فقال لها: صفي لنا الفجاج. فقالت: الفجاج مغبرة والأرض مقشعرة والمبرك معتل وذو العيال مختل والهالك المقل والناس مسنتون رحمة الله يرجون وأصابتنا سنون مجحفة لم تدع لنا هبعًا ولا ربعًا ولا عافطة ولا نافطة أذهبت الأموال وفرقت الرجال وأهلكت العيال. ثم قالت: إني قد قلت في الأمير قولًا قال: هاتي فأنشأت تقول: أحجاج لا تفلل سلاحك إنما ال ** منايا تكن بالله حيث يراها أحجاج لا تعط العصاة مناهم ** ولا الله يعطى للعصاة مناها إذا هبط الحجاج أرضًا مريضة ** تتبع أقصى دائها فشفاها شفاها من الداء العضال الذي بها غلام ** إذا هز القناة سقاها سقاها فرواها بشرب سجاله دماء ** رجال حيث قال حساها إذا سمع الحجاج رز كتيبة ** أعد لها قبل النزول قراها أعد لها مسمومة فارسية ** بأيدي رجال يحلبون صراها فما ولد الأبكار والعون مثله ** هجره لا أرض تحف ثراها قال: فلما قالت هذا البيت قال الحجاج: قاتلها الله ما أصاب صفتي شاعر منذ دخلت العراق غيرها.
ثم التفت إلى عنبسة بن سعيد فقال: إني والله لأعد للأمر عسى أن يكون أبدًا ثم التفت إليها فقال: حسبك فقالت: إني قد قلت أكثر من هذا قال: حسبك هذا ويحك حسبك. ثم قال: اذهب يا غلام إلى فلان فقل له اقطع لسانها قال: فأمر بإحضار الحجام فالتفتت إليه فقالت: ثكلتك أمك أما سمعت ما قال إنما أمر بقطع لساني بالصلة فبعث إليه يستثبته فاستشاط الحجاج غضبًا وهم بقطع لسانه وقال: ارددها. فلما دخلت عليه قالت: كاد وأمانة الله يقطع مقولي ** ثم أنشأت تقول: حجاج أنت الذي ما فوقه أحد ** إلا الخليفة والمستغفر الصمد حجاج أنت شهاب الحرب إن لقحت ** وأنت للناس نور في الدجى يقد ثم أقبل الحجاج على جلسائه فقال: أتدرون من هذه قالوا: لا والله أيها الأمير إلا أنا لم نر امرأة قط أفصح لسانًا ولا أحسن محاورة ولا أملح وجهًا ولا أرصن شعرًا منها. فقال: هذه ليلى الأخيلية التي مات توبة الخفاجي في حبها. ثم التفت إليها فقال: أنشدينا يا ليلى بعض ما قال فيك توبة فقالت: نعم أيها الأمير هو الذي يقول: وهل تبكين ليلى إذا مت قبلها ** وقام على قبري النساء النوائح وأغبط من ليلى بما لا أناله ** ألا كل ما قرت به العين صالح ولو أن ليلى الأخيلية سلمت ** علي ودوني تربة وصفائح لسلمت تسليم البشاشة أو زقا ** إليها صدى من جانب القبر صائح فقال لها الحجاج: زيدينا يا ليلى من شعره فقالت: هو الذي يقول: حمامة بطن الواديين ترنمي ** سقاك من الغر الغوادي مطيرها أبيني لنا لا زال ريشك ناعمًا ** ولا زلت في خضراء غض نضيرها وأشرف بالغور اليفاع لعلني ** أرى نار ليلى أو يراني بصيرها وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت ** فقد رابني منها الغداة سفورها يقول رجال لا يضيرك نأيها ** بلى كل ما شفت النفوس يضيرها كل بلى قد يضير العين أن يكثر ** البكاء ويمنع منها نومها وسرورها ولقد علمت ليلى بأني فاجر ** لنفسي تقاها أو عليها فجورها فقال لها الحجاج: ما الذي رابه من سفورك قالت: أيها الأمير كان يلم بنا كثيرًا فأرسل إلي يومًا أني آتيك وفطن الحي فأرصدوا له فلما أتاني سفرت له فعلم أن ذلك لشر فلم نزد على : وذي حاجة قلنا له لا تبح بها ** فليس إليها ما حييت سبيل لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه ** وأنت لأخرى فارغ وخليل ولا والذي أسأله أن يصلحك ما رأيت منه شيئًا حتى فرق الموت بيني وبينه. قال: ثم قالت: ثم لم يلبث أن خرج في غزاة له وأوصى إلى ابن عم له: إذا أتيت الحاضر من بني عبادة فناد بأعلى صوتك: عفا الله عنها هل أبيتن ليلة ** من الدهر لا يسري إلي خيالها فخرجت وأنا أقول: وعنه عفى ربي وأحسن حاله ** فعز علينا حاجة لا ينالها قال: ثم قالت: ثم لم يلبث أن مات فأتانا نعيه. قال: فأنشدينا بعض ما أتيك فيه فأنشدت تقول: أتتك العذارى من خفاجة نسوة ** بماء شؤون العبرة المتحادر كأن فتى الفتيان توبة لم ينخ ** قلائص ينفجن الحصى بالكراكر فأنشدته فلما فرغت من القصيدة قال محصن الفقعسي وكان من جلساء الحجاج: من هذا الذي تقول هذه فيه والله إني لأظنها كاذبة فنظرت إليه ثم قالت: أيها الأمير إن هذا القائل لو رأى توبة لسره ألا يكون في داره عذراء إلا وهي حامل منه. قال الحجاج: هذا وأبيك الجواب وقد كنت عن هذا غنيًا ثم قال لها: سلي يا ليلى تعطي قالت: أعط فمثلك أعطى فأحسن. قال: لك عشرون قالت: زد فمثلك زاد فأجمل. قال: لك أربعون. قالت: زد فمثلك زاد فأفضل. قال: لك ستون قالت: زد فمثلك زاد فأكمل قال: لك ثمانون قالت: زد فمثلك زاد فتمم قال: لك مائة واعلمي يا ليلى أنها غنم قالت: معاذ الله أيها الأمير أنت أجود جودًا وأمجد مجدًا ** وأورى زندًا من أن تجعلها غنمًا قال: فما هي ويحك يا ليلى قالت: مائة ناقة برعاتها. فأمر لها بها. ثم قال: ألك حاجة بعدها قالت: تدفع إلي النابغة الجعدي في قرن قال: قد فعلت وقد كانت تهجوه ويهجوها فبلغ النابغة ذلك فخرج هاربًا عائذًا بعبد الملك فاتبعته إلى الشام فهرب إلى قتيبة بن مسلم بخراسان فاتبعته على البريد بكتاب الحجاج إلى قتيبة فماتت بقومس. ويقال: بحلوان وفي رواية: بساوه فقبرها هناك. أخبرنا ابن ناصر قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال: أخبرنا أبو الطيب الطبري قال: حدثنا القاضي أبو الفرج ابن الطراز قال: حدثنا أبو علي الجبلي قال: حدثنا عمر بن محمد بن الحكم النسائي قال: حدثني إبراهيم بن زيد النيسابوري: أن ليلى الأخيلية بعد موت توبة تزوجت ثم إن زوجها بعد ذلك مر بقبر توبة وليلى معه فقال لها: يا ليلى أتعرفين لمن هذا القبر فقالت: لا فقال: هذا قبر توبة فسلمي عليه فقالت: امض لشأنك فما تريد من توبة وقد بليت عظامه قال: أريد تكذيبه أليس هو القائل في بعض أشعاره: لو أن ليلى الأخيلية سلمت علي ودوني تربة وصفائح لسلمت تسليم البشاشة أو زقا إليها صدى من جانب القبر صائح فوالله لا برحت أو تسلمي عليه فقالت: السلام عليك يا توبة ورحمة الله بارك الله لك فيما صرت إليه. فإذا طائر قد خرج من القبر حتى ضرب صدرها فشهقت شهقة فماتت فدفنت إلى جانب قبره فنبتت على قبره شجرة وعلى قبرها شجرة فطالتا فالتفتا. فمن الحوادث فيها: وقد ذكرنا أنه كان يتنسك وكان يقول لأصحابه: أوصيكم بتقوى الله عز وجل والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة وكثرة ذكر الموت وفراق الفاسقين وحب المؤمنين ألا إن نعمة الله عز وجل على المؤمنين أم بعث فيهم رسولًا منهم - أو قال: من أنفسهم - فعلمهم الكتاب والحكمة ثم ولي من بعده الصديق فاقتدى بهديه واستخلف عمر فعمل بكتاب الله عز وجل وأحيا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخف لومة لائم وولي بعده عثمان فاستأثر بالفيء وجار في الحكم فبرئ الله منه ورسوله وصالح المؤمنين وولي علي بن أبي طالب فلم ينشب أن حكم في أمر الله عز وجل الرجال وأدهن فنحن منه ومن أشياعه براء فتيسروا رحمكم الله لجهاد هذه الأحزاب المتحزبة وأئمة الضلال الظلمة ولخروج من دار الفناء إلى دار البقاء واللحاق بإخواننا المؤمنين الذين باعوا الدنيا بالآخرة ولا تجزعوا من القتل في الله سبحانه فإن القتل أيسر من الموت والموت نازل بكم ألا فبيعوا الله أنفسكم طائعين تدخلوا الجنة آمنين. وقد ذكرنا أنه كتب إلى شبيب فجاءه شبيب في أصحابه وقال: أخرج بنا رحمك الله فوالله ما تزداد السنة إلا دروسًا ولا المجرمون إلا طغيانًا. فبث صالح رسله في أصحابه وواعدهم الخروج في هلال صفر سنة ست وسبعين فاجتمعوا عنده تلك الليلة فقام إليه شبيب فقال: يا أمير المؤمنين كيف ترى في هؤلاء الظلمة أنقتلهم قبل الدعاء أم ندعوهم قبل القتال وسأخبرك برأيي فيهم قبل أن تخبرني برأيك فيهم أما أنا فأرى أن تقتل كل من لا يرى رأينا قريبًا كان أو بعيدًا فإنا نخرج على قوم طاغين قد تركوا أمر الله عز وجل فقال: لا بل ندعوهم فلعمري ما يجيبك إلا من يرى رأيك والدعاء أقطع لحجتهم قال: فما تقول في دمائهم وأموالهم قال: إن قتلنا وغنمنا فلنا وإن تجاوزنا وعفونا فموسع علينا.فلما هموا بالخروج قال لهم صالح: اتقوا الله عز وجل ولا تعجلوا إلى قتال أحد إلا أن يكونوا قومًا يريدونكم وينصبون لكم فإنكم إنما خرجتم غضبًا لله عز وجل حيث انتهكت محارمه وسفكت الدماء بغير حلها ولا تعيبوا عل قوم أعمالهم ثم تعملوا بها وهذه دواب لمحمد بن مروان في هذا الرستاق فابدأوا بها فشدوا عليها وتقووا بها على عدوكم. فخرجوا وأخذوا تلك الدواب فحملوا رجالتهم عليها وكانوا مائة وعشرة أنفس وأقاموا بأرض دارا ثلاثة عشر ليلة وتحصن منهم أهل دارا وأهل نصيبين وأهل سنجار وبلغ مخرجهم محمد بن مروان وهو يومئذ أمير الجزيرة فاستخف بأمرهم وبعث إليهم عدي بن عدي في خمسمائة فقال له: أتبعثني إلى رأس الخوارج منذ عشرين سنة وقد خرج معه رجال الرجل منهم خير من مائة فارس في خمسمائة. فزاده خمسمائة فسار في ألف من حران وكأنما يساق إلى الموت وكان عدي رجلًا يتنسك فلما وصل بعث رجلًا إلى صالح يقول له: إن عديًا يسألك أن تخرج من هذا البلد إلى بلد آخر فإنه كاره للقائك فقال للرسول: قل له هل أنت على رأينا فجاءه الجواب: لا ولكن أكره قتالك فحبس الرسول عنده وقال لأصحابه: اركبوا وحملوا عليهم وهم على غفلة فانهزموا وحووا ما في عسكرهم وذهب فل عدي وأوائل أصحابه حتى دخلوا على محمد بن مروان فغضب ثم دعا خالد ابن جزي السلمي فبعثه في ألف وخمسمائة ودعا الحارث بن جعونة العامري فبعثه في ألف وخمسمائة وقال: اخرجا إلى هذه الخارجة القليلة الخبيثة وأغذا السير فأيكما سبق فهو الأمير على صاحبه. فانتهيا إلى صالح وقد نزل آمد فاقتتلوا قتالًا شديدًا فقتل من الخوارج أكثر من سبعين ومن المؤمنين نحو من ثلاثين فلما جن الليل ذهب الخوارج فقطعوا الجزيرة ودخلوا أرض الموصل فبلغ ذلك الحجاج فسرح إليهم الحارث بن عميرة الهمداني في ثلاثة آلاف رجل فلقيهم ومع صالح تسعون رجلًا فشد عليهم فقتل صالح ولاذ الباقون بحصن هناك فقال الحارث لأصحابه: احرقوا الباب فإذا صار جمرًا فدعوهم فإنهم لا يقدرون على الخروج فإذا أصبحنا قتلناهم ففعلوا فقال شبيب لأصحابه: لئن صبحكم هؤلاء إنه لهلاككم فأتوا باللبود فبلوها بالماء ثم ألقوها على الجمر ثم خرجوا على القوم فضربوهم بالسيوف فضارب الحارث حتى صرع واحتمله أصحابه وانهزموا وخلوا العسكر وما فيه ومضوا حتى نزلوا المدائن فكان ذلك أول
|