الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **
وكان يحرض على عثمان وهو الذي سير المصريين إليه فلما خرج المصريون مع محمد بن أبي بكر أقام هو بمصر وأخرج عنها عبد الله بن سعد بن أبي سرح وضبطها فلم يزل مقيمًا بها حتى قتل عثمان وبويع لعلي رضي الله عنه فأظهر معاوية له الخلاف وتابعه على ذلك عمرو بن العاص وسار معاوية وعمرو إلى محمد بن أبي حذيفة حتى خرج إلى عريش مصر في ألف رجل فتحصن بها وجاءه عمرو فنصب المنجنيق عليه حتى نزل في ثلاثين من أصحاب فأخذوه وقتلوه هذا قول الواقدي. وأما هشام بن محمد فإنه يزعم أن محمد بن أبي حذيفة قتل بعد قتل محمد بن أبي بكر وانه لما دخل عمرو بن العاص إلى مصر بعث به إلى معاوية فحبسه وكان ابن خال معاوية وكان معاوية يحب أن يفلت فهرب من السجن فقال معاوية: من يطلبه فخرج عبد الله بن عمر الخثعمي فوجده فقتله وذلك في سنة ثمان وثلاثين. فصل في إظهار معاوية الخلاف لعليّ وفي سبب إظهار معاوية مخالفة علي رضي الله عنه فإنه بلغه أن عليًا رضي الله عنه قال: لا أقره على عمله فقال معاوية: والله لا ألي له شيئًا ولا أبايعه ولا أقدم عليه فبعث إليه جرير بن عبد الله البجلي يدعوه إلى الطاعة فأبى فحينئذ عزم علي رضي الله عنه على الخروج إلى صفين. وقال سهل بن سعد: دعا عليّ رضي الله عنه قيس بن سعد الأنصاري فقال له: سر إلى مصر فقد وليتكها فإذا أنت قدمتها فأحسن إلى المحسن واشتد على المريب وارفق بالعامة والخاصة. فلما قدم أخذ البيعة لعلي رضي الله عنه واستقامت له مصر إلا أن قرية منها يقال لها: " خِربتا " فيها أناس قد أعظموا قتل عثمان رضي الله عنه وبها رجل يقال له: يزيد بن الحارث من بني مدلج. فبعث إلى قيس: أقرنا على حالنا حتى ننظر إلى ما يصير إليه أمر الناس. فكتب معاوية إلى قيس بن سعد: سلام عليك أما بعد فإنكم كنتم نقمتم على عثمان في أثرةٍ رأيتموها أو ضربة بسوط ضربها فإنكم قد علمتم أن دمه لم يكن يحل لكم فتب إلى الله يا قيس بن سعد فإنك كنت من المجلبين على عثمان بن عفان فأما صاحبك فقد استيقنا أنه الذي أغرى الناس به وحملهم على قتله فإن استطعت يا قيس أن تكون ممن يطلب بدم عثمان فافعل تابعنا على أمرنا ولك سلطان العراق إذا ظهرت ما بقيت ولمن أحببت من أهل بيتك سلطان الحجاز ما دام لي سلطان وسلني غير هذا مما تحب. فلما جاءه كتاب معاوية أحب أن يدافعه فكتب إليه: أما بعد فقد بلغي كتابك وفهمت ما ذكرت فيه من قتل عثمان وذلك أمر لم أفارقه وذكرت أن صاحبي هو الذي أغرى الناس بعثمان وهذا لم أطلع عليه وأما ما سألتني من متابعتك وعرضت علي من الجزاء فيه فهذا أمر لي فيه نظر ولن يأتيك شيء تكرهه. فلما قرأ معاوية الكتاب كتب إليه: أما بعد فإني لم أرك تدنو فأعدك سلمًا ولم أرك تباعد فاعدك حربًا وليس مثلي ينخدع ومعه عدد الرجال وبيده أعنة الخيل. فلما قرأ كتاب معاوية ورأى أنه لا يقبل منه المدافعة كتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم من قيس بن سعد إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فالعجب العجيب من اغترارك وطمعك في أن تسومني للخروج من طاعة أولى الناس بالإمارة وأقولهم للحق وأقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأمرني بالدخول في طاعة أبعد الناس من هذا الأمر وأقولهم بالزور وأضلهم سبيلًا وقولك إني مالىء عليك مصر خيلًا ورَجْلًا فوالله لأشغلنك بنفسك حتى تكون نفسك أهم إليك إنك لذو جَد والسلام. فلما أتى معاوية كتاب قيس أيس منه وثقل عليه مكانه. قال الزهري: كان معاوية وعمرو بن العاص جاهدين أن يخرجا قيسًا من مصر ليغلبا عليها وكان قد امتنع منها بالدهاء والمكايدة فلم يقدرا عليه حتى كاد معاوية قيس بن سعد من قِبَل علي فكان معاوية يقول: ما ابتدعت مكايدة قط كانت أعجب عندي من مكايدة كدت بها قيسًا من قبل علي فكتبت إلى أهل الشام: لا تسبوا قيسًا فإنه لنا شيعة تأتينا كتبه ونصيحته سرًا. ألا ترونه يحسن إلى كل راكب منكم ألا ترون ما يفعل بإخوانكم من أهل خِرِبْتَا يجري عليهم أعطياتهم وأرزاقهم. فبلغ ذلك عليًا فاتهم قيسًا وكتب إليه يأمره بقتال أهل خِرِبْتَا وأهل خربتا يومئذ عشرة آلاف فأبى وكتب إلى علي: إنهم وجوه أهل مصر وقد رضوا مني أن أؤمن سربهم وأجري عليهم أعطياتهم وقد علمت أن هواهم مع معاوية فأبى علي رضي الله عنه إِلا قتالهم وأبى قيس أن يقاتلهم وكتب إلى علي: إن كنت تتهمني فاعزلني عن عملك وابعث عليه غيري فبعث الأشتر إِلى مصر أميرًا عليها حتى إذا صار بالقلزم سقي شربة عسل فيها سم كان فيها حتفه. فلما بلغ عليًا: وفاة الأشتر بالقلزم بعث محمد بن أبي بكر أميرًا على مصر. هذا قول الزهري. وقال هشام بن محمد: إنما بعث الأشتر بعد هلاك محمد بن أبي بكر ولما جاء عليًا مقتل محمد بن أبي بكر علم أن قيسًا كان ينصحه فأطاعه في كل شيء. قال علماء السير: وكان عليَ رضي الله عنه قد كتب عهد محمد بن أبي بكر لغرة رمضان فلم يلبث محمد شهرًا كاملًا حتى بعث إلى أولئك الذين كان قيس وادعهم وقال: يا هؤلاء إما أن تدخلوا في طاعتنا وإما أن تخرجوا من بلادنا فبعثوا إليه: دعنا حتى ننظر فأبى وبعث إليهم رجلًا فقتلوه ثم بعث آخر فقتلوه. وفي هذه السنة بعد الجمل مقرًا بالصلح فكتب له عليّ كتابًا إلى دهاقين مرو والأساورة بأنه قد رضي عنه. ثم إنهم كفروا بعد ذلك. وفي هذه السنة وكان السبب أنه لما أحيط بعثمان خرج عمرو بن العاص من المدينة وقال: من لم يستطع نصر هذا الرجل فليهرب فسار وسار معه ابناه فبينما هو في بعض الأماكن مر به راكب فقال: ما الخبر قال: تركت الرجل محصورًا ثم مكثوا أيامًا فمر بهم راكب فقال: قتل عثمان وبويع لعلي. فارتحل عمرو وابناه يبكي بكاء المرأة ويقول: واعثماناه حتى نزل دمشق وبلغه مسير طلحة والزبير وعائشة فقال: استأنِ وانظر ما يصنعون فأتاه الخبر بأن طلحة والزبير قتلا فارتج عليه أمره فقيل له: إن معاوية يحرض على الطلب بدم عثمان فقال لابنيه: ما تريان فقال عبد الله: أرى أن تكف يدك وتجلس في بيتك حتى يجتمع الناس على إمام فتبايعه فقال محمد: أنت ناب من أنياب العرب فلا أرى أن يجتمع هذا الأمر وليس لك فيه صوت ولا ذكر فقال: أما أنت يا عبد الله فأمرتني بما هو خير لي في آخرتي وأسلم لي في ديني. وأما أنت يا محمد فأمرتني بالذي هو أنبه لي في دنياي وشر لي في آخرتي. ثم خرج عمرو حتى قدم على معاوية فرأى أهل الشام يحضون معاوية على الطلب بدم عثمان فقال: عمرو أنتم على الحق اطلبوا بدم الخليفة المظلوم - ومعاوية لا يلتفت إليه - فدخل إلى معاوية فقال له: والله إن أمرك لَعَجب لا أراك تلتفت إلى هؤلاء أما إن قاتلنا معك فإن في النفس ما فيها حتى نقاتل من تعلم فضله وقرابته ولكنا إنما أردنا هذه الدنيا فصالحه معاوية بعد ذلك وعطف عليه. وفي هذه السنة: خرج علىِّ رضي الله عنه فعسكر بالنخَيْلَة وقدم عبد الله بن عباس ثم نهض معه البصرة إلى الكوفة فتهيأ منها إلى صفين واستشار الناس فأشار عليه قوم أن يبعث الجنود ويقيم وأشار آخرون بالسير بنفسه فأبى إلا المباشرة فجهز الناس فبلغ ذلك معاوية فدعا عمرو بن العاص فاستشاره وقال: يا أبا عبد الله جهز الناس فجاء عمرو فحض الناس وضعف أمر علي وقال: إن أهل البصرة مخالفون لعلي وقد تفانت صناديدهم وصناديد أهل الكوفة يوم الجمل وإنما سار في شرذمة قليلة فالله الله في حقكم أن تضيعوه. وكتب إِلى أجناد الشام وعقد لابنيه عبد الله ومحمد لواء ولواء لغلامه وردان وعقد علي لغلامه قنبر ثم قال عمرو: كل يُغْنِيَنْ وَرْدَانُ عَنْي قَنْبَرا وَتُغْنِيَ السكُون عني حِمْيَرَا إذا الكُماةُ لَبِسُوا السنورا لأصْبِحَنَّ العَاصِيَ ابنَ العاصِي سَبْعين ألْفًا عاقِدي النّواصِي مجَنبِينَ الخَيْلَ بالقِلاص مُسْتَحْقِبينَ حَلَق الدٌلاص وجعل معاوية يتأنى في أمره ومسيره وبعث عليّ رضي الله عنه زياد بن النضر الحارثي طليعة في ثمانية آلاف وبعث معه شريح بن هانىء في أربعة آلاف وخرج علي من النخَيلة بمن معه فلما دخل المدائن شخص معه من فيها من المقاتلة ولما عبر الفرات قدم زيادًا وشريحًا أمامه فلقيهما أبو الأعور السلمي عمرو بن سفيان في جند من أهل الشام فأرسلا إلى علي يخبرانه فبعث علي الأشتر إلى النضر وشريح وقال: إذا قدمت عليهم فأنت أمير عليهم وإياك أن تبدأ القوم بقتال إلا أن يبدأوك حتى تدعوهم وتسمع قولهم واجعل على ميمنتك زيادًا وعلى ميسرتك شريحًا وقف من أصحابك وسطا فإني حثيت السير في أثرك إن شاء الله تعالى. وكتب إليهما: إني قد أمرت عليكما مالكًا فاسمعا له وأطيعا. وقدم الأشتر على القوم وكف عن القتال حتى إذا كان المساء حمل عليهم أبو الأعور فثبتوا له واضطربوا له ساعة ثم انصرف أهل الشام ثم خرج إليهم من الغد هاشم بن عتبة الزهري في خيل ورجال فاقتتلوا يومهم ذلك وحمل عليهم الأشتر فقتل عبد الله بن المنذر التنوخي وحجز الليل بينهم فلما أصبحوا انصرف أهل الشام تحت الليل فقدم الأشتر بمن معه ولحقه علي فأمر الناس فوضعوا الأثقال وذهب شباب الناس يستقون الماء فمنعهم أهل الشام فاقتتلوا على الماء وكان معاوية قد اختار موضعًا سهلًا إلى جانب شريعة في الفرات ليس ثمة غيرها فجاء أصحاب علي فأخبروه بعطش الناس وإنهم لم يجدوا غير شريعة القوم فقال: قاتلوهم عليها فقال الأشعث بن قيس: أنا أسير إليهم فقال علي: سر. فسار في أصحابه فثاروا في وجوههم فتراموا بالنبل وتطاعنوا بالرمح واجتلدوا بالسيوف وأتى أهل الشام يزيد بن أسد البجلي مددًا وخرج عمرو بن العاص في جند كثير يمد أبا الأعور ويزيد بن أسيد وجاء الأشتر يمد الأشعث بن قيس وشبث بن ربعي فاشتد القتال وأنشأ عبد الله بن عوف الأزدي مرتجزًا يقول: خلوا لنا ماءَ الفُرات الجاري ** أو اثبُتوا لجحْفَل جَرار لكلً قَوْمٍ مسْتميتٍ شاري ** مُطاعنٍ برُمْحِه كَرارِ ** ضَرابِ هاماتِ العِدَا مِغوارِ ** وأتى مملوك لبعض أهل العراق فملأ قربته فشد عليه رجل من أهل الشام فضربه فصرعه ثم أن القوم خلوا عن الماء فاجتمعت سقاة الفريقين عليه وبعث عليّ رضي الله عنه صعصعة فقال له: ائت معاوية وقل له: إنا سرنا إليك ونحن نكره قتالكم قبل الإعذار إليكم وانك قدمت خيلك ورجالك فقاتلتنا قبل أن نقاتلك وبدأتنا بالقتال ونحن من رأينا الكف عنك حتى ندعوك وهذه أخرى قد فعلتموها قد حلتم بين الناس وبين الماء فابعث إلى أصحابك فليخلوا بين الناس وبين الماء حتى ننظر فيما بيننا وبينكم فإن كان أعجب إليك أن نترك ما جئنا له ونترك الناس يقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب. فقال معاوية لأصحابه: ما ترون. فقال الوليد بن عقبة: امنعهم الماء كما منعوه عثمان بن عفان حصروه أربعين صباحًا يمنعونه برد الماء ولين الطعام. وقال عمرو بن العاص: خل بينهم وبين الماء فإن القوم لن يعطشوا وأنت ريان. وقال عبد الله بن أبي سَرْح: امنعهم الماء إلى الليل فإنهم إن لم يقدروا عليه رجعوا وكان رجوعهم فَلًا لهم. فقال صعصعة: إنما يمنعه الله عز وجل يوم القيامة الكفرة الفسقة أولي الفجور وشربة الخمور فتواثبوا إليه يشتمونه ويتهددونه فقال معاوية: كفوا عن الرجل فإنه رسول. ثم بعث من يردهم عن الماء فأبرزهم عليً إلى القتال فاقتتلوا فغلب أصحاب عّلي رضي الله عنه على الماء فقال علي رضي الله عنه: خذوا من الماء حاجتكم وارجعوا وخلوا عنهم ففعلوا. ومكث علي يومين لا يرسل إلى معاوية ولا يرسل إليه معاوية ثم أرسل إليه علي رسولًا يدعوه إلى الله وإلى الطاعة فأتاه فقال: إن الدنيا عنك زائلة وإنك راجع إلى الآخرة وإن الله جازيك بما قدمت يداك وإننا ننشدك الله أن تفرق جماعة هذه الأمة وأن تسفك دماءها بينها فقال للمتكلم: هلا أوصيت صاحبك بذلك فقال: إن صاحبي أحق البرية كلها بهذا الأمر في الفضل والدين والسابقة في الإسلام والقرابة من الرسول صلى الله عليه وسلم فقال معاوية: ونُطل دم عثمان لا والله لا أفعل ذلك أبدًا. فاقتتلوا شهر ذي الحجة جميعه وربما اقتتلوا في اليوم مرتين. وحج بالناس في هذه السنة عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب بأمر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. أسلم مولى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ويكنى أبا رافع: وكان مملوكًا للعباس فوهبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلام العباس أعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاجر بعد بدر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد أحدًا والمشاهد بعدها وزوجه رسول الله صلى الله عليه وتوفي بعد قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه. حذيفة بن اليمان واليمان لقب - وإسمه حِسْل - ويقال: حُسَيْلُ - بن جابر بن ربيعة بن عمرو بن جروة ويكنى أبا عبد الله ويقال أن جروة هو اليمان: خرج حذيفة هو وأبوه فأخذهما كفار قريش وقالوا: إنكما تريدان محمدًا فقالا: ما نريد إلا المدينة فأخذوا منهما عهدًا ألا يقاتلا مع النبي صلى الله عليه وسلم وأن ينصرفا إلى المدينة فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه وقالا: إن شئت قاتلنا معك قال: بلى نفي لهم نستعين الله عليهم ففاتهما بدرُ وشهد حذيفة أحدًا وما بعدها. وكان حذيفة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لقربه منه وثقته به وأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسماء المنافقين الذين بخسوا بعيره ليلة العقبة بتبوك وكانوا اثني عشر كلهم من الأنصار ومن حلفائهم وكان حذيفة يقول: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وأنا أسأله عن الشر مخافة أن يدركني. وولاه عمر بن الخطاب المدائن فأقام بها إلى حين وفاته. أخبرنا عبد الرحمن القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا علي بن محمد المعدل قال: أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار قال: حدَّثنا أحمد بن منصور الرمادي قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا بعث أميرًا كتب إليهم: إني قد بعثت إليكم فلانًا وأمرته بكذا وكذا فاسمعوا له وأطيعوا فلما بعث حذيفة كتب إليهم: إني قد بعثت إليكم فلانًا فأطيعوه فقالوا: هذا رجل له شأن فركبوا ليلتقوه فلقوه على بغل تحته اكاف وهو معترض عليه رجلاه من جانب واحد فلم يعرفوه فأجازوه فلقيهم الناس فقالوا: أين الأمير قالوا: هو الذي لقيكم. قال: فركضوا في أثره فأدركوه وفي يده رغيف وفي الأخرى عرق وهو يأكل فسلموا عليه فنظر إلى عظيم منهم فناوله العرق والرغيف. قال: فلما غفل ألقاه أو أعطاه لخادمه. وروى هذا الحديث سلام بن مسكين عن ابن سيرين فقال فيه: لما قدم حذيفة المدائن استقبله الناس والدهاقين وبيده رغيف وعرق من لحم وهو على حمار على أكاف فقرأ عهده عليهم فقالوا: سلنا ما شئت قال: أسألكم طعامًا آكله وعليقًا لحماري هذا ما دمت فيكم فأقام ما شاء الله ثم كتب إليه عمر أن أقدم فلما بلغ قدومه عمر كمن له في الطريق في مكان لا يراه فلما رآه عمر على الحال التي خرج من عنده عليها أتاه فالتزمه وقال: أنت أخي وأنا أخوك. أخبرنا عبد الوهاب الأنماطي أخبرنا المبارك بن عبد الجبار أخبرنا علي بن أحمد الملطي قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف أخبرنا ابن صفوان حدثنا أبو بكر القرشي قال: حدثني محمد بن الحسين قال: حدثنا أسود بن عامر عن شريك عن الأعمش قال: بكى حذيفة في صلاته فلما فرغ التفت فإذا رحل خلفه فقال: لا تعلمن هذا أحدًا. أخبرنا محمد بن أبي القاسم أخبرنا أحمد بن أحمد بن عبد الله الأصبهاني أخبرنا عبد الرحمن بن العباس أخبرنا إبراهيم بن إسحاق الحربي أخبرنا محمد بن يزيد الآدمي حدثنا يحيى بن سليم عن إسماعيل بن كثير عن زياد مولى ابن عباس قال: حدًثني من دخل على حذيفة في مرضه الذي مات فيه فقال: لولا أني أرى هذا اليوم آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة لم أتكلم به اللهم إنك تعلم إني كنت أحب الفقر على الغنا وأحب الذلة على العز وأحب الموت على الحياة حبيب جاء على فاقة لا أفلح من ندم ثم مات رحمه الله. أخبرنا القزاز قال أخبرنا أبو بكر الخطيب أخبرنا الحسن بن أبي بكر أخبرنا عبد الله بن إسحاق البغوي أخبرنا يحيى بن أبي طالب أخبرنا علي بن أبي عاصم حدثنا حصين بن عبد الرحمن عن أبي وائل عن خالد بن ربيع العبسي قال: سمعنا بوجع حذيفة فركب إليه أبو مسعود الأنصاري في نفر أنا فيهم إلى المدائن فأتيناه في بعض الليل فقال: هل جئتمٍ بأكفاني قلنا: نعم قال: فلا تغالوا بكفني فإن يكن لصاحبكم عند الله خير يبدل خيرًا من كسوتكم وإلا يسلب أخبرنا القزاز قال: أخبرنا الخطيب قال: أخبرنا ابن الفضل قال: حدثنا ابن درستويّه قال: حدثنا يعقوب قال: حدثنا عبيد الله بن موسى قال: حدثنا عبيد الله بن موسى قال: حدثنا سعيد بن أوس عن بلال بن يحيى قال: عاش حذيفة بعد قتل عثمان أربعين ليلة. أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال: أخبرنا ابن بشران قال: أخبرنا الحسين بن صفوان قال: حدثنا القرشي قال: حدثنا محمد بن سعد قال: مات حذيفة سنة ست وثلاثين. اجتمع على ذلك الواقدي والهيثم بن عدي. الزبير بن العوام ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي وأمه صفية بنت عبد المطلب ويكنى أبا عبد الله: أسلم بعد أبي بكر وكان رابعًا أو خامسًا وهو يومئذ ابن ست عشرة سنة وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعًا ولم يتخلف عن غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رجلًا ليس بالطويل ولا بالقصير إلى الخفة ما هو في اللحم خفيف اللحية أسمر اللون أشعر وله من الولد أحد عشر ذكرًا وتسع نسوة: عبد الله ومصعب وعروة والمنذر وعاصم والمهاجر وخديجة الكبرى وأم الحسن وعائشة وأمهم أسماء بنت أبي بكر. وخالد وعمرو وحبيبة وسودة وهند وأمهم أم خالد وهي بنت خالد بن سعيد بن العاص. ومصعب وحمزة ورملة وأمهم أم الرباب بنت أنيف. وعبيدة وجعفر وأمهما زينب بنت مرثد. وزينب وأمها أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط. وخديجة الصغرى وأمها الحلال بنت قيس. أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا ابن حيوية قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحسين بن الفهم قال: حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي قال: حدثني همام عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كانت على الزبير رَيْطَة صفراء مُعْتجرًا بها يوم بدر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الملائكة نزلت من السماء على سيماء الزبير ". قال محمد بن سعد: وأخبرنا الفضل بن دكين قال: حدثنا سفيان عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من يأتيني بخبر القوم يوم الأحزاب فقال الزبير: أنا قال: من يأتيني بخبر القوم قال الزبير: أنا قال: من يأتيني بخبر القوم قال الزبير: أنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن لكل نبي حواريًا وإن حواري الزبير ". قال ابن سعد: وأخبرنا عفان قال: أخبرنا حماد بن سلمة قال: حدثنا هشام بن عروة عن قلت لأبي يوم الأحزاب: قد رأيتك يا أبه تحمل على فرس لك أشقر قال: قد رأيتني أي بني. قلت: نعم قال: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع لي أبويه يقول: فداك أبي وأمي ". قال ابن سعد: وأخبرنا حماد بن سلمة قال: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير قال: لما وقف الزبير يوم الجمل في دعاني فقمت إلى جنبه فقال: يا بني إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم وإني لا أراني إلا سأقتل اليوم مظلومًا وإن من أكبر همي لديني أفترى ديننا يبقي من مالنا شيئأ ثم قال: يا بني بع واقض ديني وأوص بالثلث فإن فضل من مالنا من بعد قضاء الدين شيء فثلثه لولدك. وله يومئذ تسع بنات قال: فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بني إن عجزت عن شيئ منه فاستعن عليه مولاي. قال: فوالله ما دريت ما أراد حتى قلت: يا أبه قلت: يا مولى الزبير اقض عنه دينه فيقضيه. قال: وقتل الزبير ولم يدع دينارًا ولا درهمًا إلا أرضين فيهما الغابة وإحدى عشرة دارًا بالمدينة ودارين بالبصرة ودارًا بالكوفة ودارًا بمصر. قال: وإنما كان دينه الذي كان عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه فيقول الزبير: لا ولكن هو سلف إني أخشى عليه الضيعة وما ولي إمارة قط ولا جباية ولا خراجًا ولا شيئًا رضي الله عنهم. قال عبد الله بن الزبير: فحسبت ما عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف فلقي حكيم بن حزام عبد الله بن الزبير فقال: يا ابن أخي كم على أخي من الدين فكتمته وقلت مائة ألف فقال حكيم: والله ما أرى أموالكم تتسع لهذه فقال: أفرأيتك إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف قال: ما أراكم تطيقون هذا فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي وكان الزبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف فباعها عبد الله بن الزبير بألف ألف وستمائة ألف ثم قام فقال: من كان له على الزبير شيء فليوافنا بالغابة فأتاه عبد الله بن جعفر - وكان له على الزبير أربعمائة ألف - فقال لعبد الله بن الزبير: إن شئتم تركتها لكم وإن شئتم فأخروها فيما تؤخرون إن أخرتم شيئًا فقال عبد الله بن الزبير: لا قال: فاقطعوا لي قطعة فقال له عبد الله: لك من هاهنا إلى هاهنا قال: فباعه منها بقضاء دينه فأوفاه وبقي منها أربعة أسهم ونصف. قال: فقدم على معاوية وعنده عمرو بن عثمان والمنذر بن الزبير وابن زمعة قال: فقال له معاوية: كم قومت الغابة قال: كل سهم مائة ألف قال: كم بقي. قال: أربعة أسهم ونصف قال: فقال المنذر بن الزبير: قد أخذت سهمًا بمائة ألف وقال عمرو بن عثمان: قد أخذت سهمًا بمائة ألف وقال ابن زمعة: قد أخذت سهمًا بمائة ألف فقال معاوية: قال: وباع عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية بستمائة ألف فلما فرغ ابن الزبير من قضاء دينه قال بنو الزبير: أقسم بيننا ميراثنا قال: لا والله لا أقسم بينكم ميراثكم حتى أنادي في الموسم أربع سنين: ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه. قال: فجعل كل سنة ينادي بالموسم فلما مضت أربع سنين قسم بينهم. قال: وكان للزبير أربع نسوة قال: وربع الثمن فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائة ألف. قال: فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف. قال علماء السير: حضر الزبير يوم الجمل ثم بدا له أن يقاتل فركب فرسه وانطلق يريد المدينة فلحقه قوم فقاتلوه وحمل عليه عمرو بن جرموز فطعنه فأثبته فوقع فاعتوروه وأخذوا سيفه وأخذ ابن جرموز رأسه فحمله إلى علي وأتى بسيفه فأخفه علي رضي الله عنه وقال: سيف والله طال ما جلا به عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الكرب. وقال: بشر قاتل ابن صفية بالنار وجلس يبكي عليه هو أصحابه وقال: إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير من الذين قال الله: ودفن الزبير بوادي السباع وكانت عنده عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل وكان أهل المدينة يقولون: من أراد الشهادة فليتزوج عاتكة لأنها كانت عند عبد الله بن أبي بكر فقتل عنها ثم زيد بن صوحان بن حجر بن الهجرس يكنى أبا عائشة وأبا عبد الله: سمع عمر وعليًا رضي الله عنهما. وكان يصوم بالنهار ويقوم الليل. أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا محمد بن الحسين القطان قال أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق قال أخبرنا أحمد بن الخليل البرجلاني أبو النصر قال: أخبرنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال: كان زيد بن صوحان يقوم الليل ويصوم النهار فإذا كانت ليلة الحمعة أحياها فإنه كان ليكرهها إذا جاءت مما كان يلقى فيها فبلغ سلمان ما كان يصنع فأتاه فقال: أين زيد قالت امرأته: ليس هاهنا قال: فإني أقسم عليك لما صنعت طعامًا ولبست محاسن ثيابك ثم بعثت إلى زيد فجاء زيد وقرب الطعام فقال سلمان: كل يا زيد فقال: إني صائم قال: كل يا زيد لا تنقص دينك إن شر السير الحقحقة إن لعينك عليك حقًا وإن لبدنك عليك حقًا وإن لزوجك عليك حقًا كل يا زيد فأكل وترك ما يصنع. قتل زيد يوم الجمل فقال: ادفنوني في ثيابي فإني مخاصم ولا تغسلوا عني دمًا ولا تنزعوا عني ثوبًا. طلحة بن عبيد الله ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن تيم بن مرة يكنى أبا محمد: وأمه الصعبة بنت عمار الحضرمي وأمها عاتكة بنت وهب بن قصي بن كْلاب. وكان وهب صاحب الرفادة دون قريش كلها. وكان لطلحة من الولد محمد وهو السجاد وبه كان يكنى قتل معه يوم الجمل وعمران وأمهما حمنة بنت جحش. وموسى وأمه خولة بنت القعقاع بن معبد وكان يقال للقعقاع تيار الفرات من سخائه. ويعقوب وكان جوادًا قتل يوم الحرة وإسماعيل وإسحاق وأمهم أم أبان بنت عقبة بن ربيعة. وزكريا ويوسف وعائشة أمهم أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق. وعيسى ويحيى وأمهما سعدى بنت عوف. وأم إسحاق تزوجها الحسن بن علي فولدت له طلحة ثم توفي عنها فخلف عليها الحسين بن علي فولدت له فاطمة والصعبة ومريم وصالح الأمهات. وكان طلحة آدم كثير الشعر ليس بالجعد القطط ولا بالسبط حسن الوجه دقيق القرنين لا يغير شعره. أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزاز قال: أخبرنا الحسن بن علي الجوهري قال: أخبرنا ابن حيوية قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحسين بن الفهم قال: حدثنا محمد بن سعد قال: حدثنا محمد بن عمر قال: حدَّثني الضحاك بن عثمان عن مخرمة بن سليمان الوالبي عن حضرت سوق بُصْرى فإذا راهب في صومعته يقول: سلوا أهل هذا الموسم أفيهم أحد من أهل الحرم قال طلحة: فقلت: نعم أنا فقال: هل ظهر أحمد بعد. قال: قلت: ومن أحمد قال: ابن عبد الله بن عبد المطلب هذا شهره الذي يخرج فيه وهو آخر الأنبياء ومخرجه من الحرم ومهاجره إلى نخل وحرة وسباخ فإياك أن تسبق إليه قال طلحة: فوقع في قلبي ما قال فخرجت سريعًا حتى قدمت مكة فقلت: هل كان من حدث قالوا: نعم محمد بن عبد الله الأمين تنبأ وقد تبعه ابن أبي قحافة. قال: فخرجت حتى دخلت على أبي بكر فقلت: اتبعت هذا الرجل. قال: نعم فانطلق إليه فادخل عليه فاتبعه فإنه يدعو إلى الحق فأخبره طلحة بما قال الراهب فخرج أبو بكر بطلحة فدخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم طلحة وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال الراهب فسُر َرسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك. فلما أسلم أبو بكر وطلحة بن عبيد الله أخذهما نوفل بن خويلد بن العدوية فشدهما في حبل واحد ولم يمنعهما بنو تيم وكان نوفل بن خويلد يدعى أسد قريش فلذلك سمي أبو بكر وطلحة القرينين. قال علماء السير: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين طلحة وسعيد بن زيد وبعثهما رسول صلى الله عليه وسلم يتحسسان خبر العير فخرجا ففاتتمهما بدر فضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهامهما وأجورهما فكانا كمن شهدها. وشهد طلحة أحدًا وثبت يومئذ حين ولى الناس ورمى مالك بن زهير يوم أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتقى طلحة بيده عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابت خنصره فشلت إصبعاه وجرح يومئذ أربعًا وعشرين جراحة وقع منها في رأسه شجه فلما كسرت رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم وشج في وجهه احتمله طلحة ورجع به القهقرى كلما أدركه أحد من المشركين قاتل دونه حتى أسنده إلى الشعب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أوجب طلحة ". أخبرنا محمد بن عبد الباقي أخبرنا الجوهري أخبرنا ابن حيوية أخبرنا أحمد بن معروف أخبرنا الحسين بن الفهم قال: أخبرنا محمد بن سعد أخبرنا الفضل بن دكين عن سفيان بن عيينة عن طلحة بن يحيى قال: حدثتني جدتي سعدى ابنة عوف المرية قالت: دخلت على طلحة ذات يوم فقلت: مالي أراك مهمومًا قال: عندي مال قد أهمني فقسمته. فسألتها: كم كان المال قالت: أربعمائة ألف. قال ابن سعد: وأخبرنا روح قال حدَّثنا هشام بن عروة عن الحسن أن طلحة باع أرضًا له من عثمان بن عفان بسبعمائة ألف فحملها إليه فلما جاء بها قال: إن رجلا يبيت هذه عندي في بيته لا يدري ما يطرقه من أمر الله الغرير بالله فبات ورسله تختلف بها في سكك المدينة حتى أسحر وما عنده منها درهم. حضر طلحة يوم الجمل فرماه مروان بن الحكم فأصاب ساقه فلم يزل ينزف الدم فقال: اللهم خذ لعثمان مني حتى يرضى فمات وهو ابن أربع وستين سنة. وقيل: اثنتين وستين. وترك طلحة من العين ألفي ألف درهم ومائتي ألف دينار وترك عروضًا كثيرة وقومت أصوله وعقاره ثمانين ألف ألف درهم. وقال عمرو بن العاص: حدثت أن طلحة ترك مائة بهار في كل بهار ثلاثة قناطير ذهب. وسمعت أن البهار جلد ثور. توفي يوم الجمل على ما سبق شرحه. عبد الله بن بديل بن ورقاء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى أهل اليمن وشهد مع علي رضي الله عنه صفين وقتل هناك. عبد الرحمن بن عُديس البلوي وشهد فتح مصر واختط بها وكان رئيس الخيل التي سارت من مصر إلى عثمان وقتل بفلسطين في هذه السنة كان قد سجن فهرب فأدركه فارس فقال له: اتق الله في دمي فإني من أصحاب الشجرة فقال: الشجر في الجبل كثير فقتله. عمرو بن أبي عمرو بن ضبة أبو شداد: شهد بدرًا وتوفي في هذه السنة. قدامة بن مظعون بن حبيب أبو عمر: هاجر إِلى أرض الحبشة الهجرة الثانية وشهد أحدًا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتوفي في هذه السنة وهو ابن ثمان وستين سنة. كعب بن سور ابن بكر بن عبد اللّه بن ثعلبة الأزدي: ولاه عمر قضاء البصرة وكان سبب توليته إياه ما أخبرنا به أبو الفضل بن ناصر قال: أخبرنا ثابت بن بندار وأحمد بن علي بن سوار ومحمد بن عبد الله الباقر قالوا: حدثنا محمد بن عبد الواحد بن رزمة قال: أخبرنا أبو سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي قال: حدَّثني محمد بن منصور بن يزيد قال: حدًثنا الزبير بن بكار قال: حدثني إبراهيم الحزامي عن محمد بن معن أتت امرأة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت: يا أمير المؤمنين إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل وأنا أكره أن أشكوه وهو يعمل بطاعة الله تعالى فقال لها: نعم الزوج زوجك فجعلت تكرر عليه القول وهو يكرر عليها الجواب فقال له كعب الأزدي: يا أمير المؤمنين هذه المرأة تشكو زوجها في مباعدته إياها عن فراشه قال له عمر: كما فهمت كلامها فاقض بينهما فقال كعب: علي بزوجها فأتي به فقال له: امرأتك هذه تشكوك قال: أفي طعام أو شراب قالت المرأة ترتجز: يا أيها القاضي الحكيم رَشَدُه ألْهَى خليلي عن فراشي مَسجده زهدَهُ في مضجعي تَعَبُده نهاره وليله ما يرقده فلستُ في أمر النساء أحْمَده اقض القضاء يا كعب لا تردده فقال زوجها: أزهدني في فرشها وفي الحجل أني امرؤ أذهلني ما قد نزل في سورة النحل وفي السبع الطول وفي كتاب الله تخويف جلل فقال كعب: إن لها عليك حقًا يا رجل تصيبها في أربع لمن عقل ثم قال: إن الله قد أحل لك من النساء مثنى وثلاث ورباع فلك ثلاثة أيام ولياليهن تعبد فيهن ربك ولها يوم وليلة فقال عمر: والله ما أدري من أي أمر بك أعجب أمن فهمك أمرهما أم من حكمك إذهب فقد وليتك قضاء البصرة. قال علماء السير: فلما قدم طلحة والزبير وعائشة يرجي الله عنهمٍ البصرة دخل كعب إلى بيت وطين عليه وجعل فيه كوة يتناول منها طعامه وشرابه اعتزالا للفتنة فقيل لعائشة: إن كعب بن سور إن خرج معك لم يتخلف من الأزد أحد فركبت إليه فنادته فلم يجبها فقالت: يا كعب ألست أمك ولي وعليك حق فكلمها فقالت: إنما أريد أن أصلح بين الناس فخرج فأخذ المصحف فنشره ومشى بين الصفين يدعوهم إلى ما فيه فجاءه سهم غرب فقتله. وكان خيرًا صالحًا وليس له حديث. هاشم بن عتبة بن أبي وقاص وهو المعروف بالمر: قال: وهو أخو نافع بن عتبة وابن أخي سعد بن أبي وقاص. أسلم يوم فتح مكة وحضر مع عمه سعد حرب الفرس بالقادسية فلما هزم الله العدو ورجعوا إلى المدائن اتبعهم سعد والمسلمون فدل علج من أهل المدائن سعدًا على مخاضة فخاضوا وأتوا المدائن فحاصروها وهاشم فيهم. وقتل بصفين مع علي رضي الله عنه.
|