الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **
وفي هذه السنة: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة في شوال. أخبرنا إسماعيل بن أحمد المقري وعبد الله بن محمد القاضي ويحيى بن علي المدبر قالوا: أخبرنا أبو الحسين بن النقور قال: أخبرنا ابن حبابة قال: حدثنا البغوي قال: حدثنا هدبة قال: أخبرنا سليمان بن المغيرة عن ثابت قال: حدثني بن أم سلمة أن أبا سلمة جاء إلى أم سلمة فقال: لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا أحب إلي من كذا وكذا لا أدري ما عدل به سمعت رسول الله يقول: " لا يصيب أحدًا مصيبة فيسترجع عند ذلك " ويقول: اللهم عندك احتسب مصيبتي اللهم اخلفني فيها خيرًا منها إلا أعطاه الله عز وجل قالت أم سلمة: فلما أصبت بأبي سلمة قلت اللهم عندك أحتسب مصيبتي هذه ولم تطب نفسي أن أقول اللهم أخلفني فيها خيرًا منها ثم قالت: من خير من أبيسلمة ثم قالت ذلك فلما انقضت عدتها أرسل إليها أبو بكر يخطبها فأبت أرسل إليها عمر يخطبها فأبت ثم أرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبها فقالت: مرحبًا برسول الله إن في خلالًا ثلاثًا أنا امرأة شديدة الغيرة وأنا امرأة مصبية وأنا مرأة ليس لي ها هنا أحد من أولياي يزوجني فغضب عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أشد مما غضب لنفسه حين ردته فأتاها عمر فقال: أنت التي تردين رسول الله صلى الله عليه وسلم بما تردينه فقالت: يا ابن الخطاب في كذا وكذا فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما ما ذكرت من غيرتك فأنا أدعوا الله عز وجل يذهبها عنك وأما ما ذكرت من صبيتك فإن الله عز وجل سيكفيكهم وأما ما ذكرت أنه ليس أحد من أوليائك شاهد فليس من أوليائك شاهد ولا غائب يكرهني وقال: لابنها زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجه فقال: يا رسول الله أما أني لا أنقصك مما أعطيت فلانة قال ثابت: قلت لابن أم سلمة: ما أعطى فلانة قال: أعطاها جرتين تضع فيهما حاجتها ورحاء ووسادة من أدم حشوها ليف ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رأته وضعت زينب أصغر ولدها في حجرها فلما رأها انصرف وأقبل عمار مسرعًا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتزعها من حجرها وقال: هاتي هذه المشومة التي قد منعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما لم يرها في حجرها قال أين زناب قالت: أخذها عمار فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهله قال: وكانت في النساء كأنها ليست فيهن لا تجد ما تجدن من الغيرة. قال مؤلف الكتاب: وقد روينا أنه لما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم نقلها إلى بيت زينب بنت خزيمة بعد موتها فدخلت فرأت جرة فيها شعير ورحاء وبرمة فطحنته ثم عقدته في البرمة وأدمته بإهالة فكان ذلك طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعام أهله ليلة عرسه فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثًا ثم أراد أن يدور فأخذت بثوبه فقال: إن شئت أن أزيدك ثم قاصصتك به بعد اليوم. أنبأنا أبو بكر بن عبد الباقي قال: أنبأنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا ابن حموية قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحسين بن الفهم قال: حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن هند بنت الحارث الفراسية قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لعائشة مني شعبة ما نزلها مني أحد " فلما تزوج أم سلمة سئل فقيل: يا رسول الله ما فعلت الشعبة فسكت فعرف أن أم سلمة قد نزلت عنده. قال محمد بن عمر: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما تزوج رسول الله عمرو أم سلمة حزنت حزنًا شديدًا لما ذكر الناس جمالها فتلطفت حتى رأيتها فرأيتها والله أضعاف ما وصفت لي في الحسن والجمال فذكرت ذلك لحفصة وكانتا يدًا واحدة فقالت: لا والله إن هذه إلا الغيرة ما هي كما تقولين فتلطفت لها حفصة حتى رأتها فقالت: والله ها هي كما تقولين ولا قريب وإنها لجميلة قالت: فرأيتها بعد فكانت كما قالت حفصة ولكن كنت غيرى. الحارث بن الصمة بن عمرو بن عتيك أبو سعد: خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر فلما كان بالروحاء كسر فرده النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وضرب له بسهمه وأجره فكان كمن شهدها. وشهد أحدًا فثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم وبايعه على الموت وقتل يوم بئر معونة شهيدًا. حرام بن ملحان واسم ملحان مالك بن خالد بن زيد: شهد بدرًا وأحدًا وقتل يوم بئر معونة شهيدًا. الحكم بن كيسان مولى لبني مخزوم: وكان في عير قريش التي أصابها عبد الله بن جحش بنخلة فأسره المقداد وأراد عبد الله بن جحش ضرب عنقه فقال له المقداد: دعه حتى نقدم به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدموا به جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام وأطال دعاءه فقال عمر: علام تكلم هذا يا رسول الله والله لا يسلم هذا آخر الأبد دعني أضرب عنقه ويقدم إلى أمه الهاوية فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتفت إلى عمر وأسلم الحكم وجاهد وقتل ببئر معونة ورسول الله صلى الله عليه وسلم راض عنه. خبيب بن عدي شهد أحدًا مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان فيمن بعثه مع بني لحيان فأسروه هو وزيد بن الدثنة فنال من قريش فحبسوه عند رجل يقال له موهب فقال: يا موهب أطلب إليك ثلاثًا: أن تسقيني العذب وأن تجنبني ما ذبح على النصب وأن تؤذني إذا أرادوا قتلي - ثم أخرجوه ليقتلوه فصلى ركعتين عند القتل ودعا عليهم فقال: اللهم أحصهم عددًا واقتلهم بددًا. قال معاوية بن أبي سفيان: فلقد رأيت أبا سفيان يلقيني إلى الأرض فرقًا من دعوة خبيب. وكانوا يقولون إن الرجل إذا دعي عليه فاضطجع زالت عنه الدعوة. قال مؤلف الكتاب: وقد ذكرتا كيفية قتل خبيب في الحوادث. أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا ابن جعفر قال: حدثت عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثني عبد الله بن أبي شيبة بالكوفة قال: حدثنا جعفر بن عون عن إبراهيم بن إسماعيل قال: أخبرنا جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وحده عينًا إلى قريش. قال: فجئت إلى خشبة خبيب وأنا أتخوف من العيون فرقيت فيها فحللت خبيبًا فوقع إلى الأرض فانتبذت غير بعيد ثم التفت فلم أر خبيبًا ولكأنما ابتلعته الأرض فلم ير لخبيب أثر حتى الساعة. خالد بن أبي البكير: زينب بنت خزيمة: تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان سنة ثلاث وتوفيت آخر ربيع الآخر من هذه السنة وكان لها من العمر نحوًا من ثلاثين سنة. سليم بن ملحان: شهد بدرًا وأحدًا وقتل يوم بئر معونة. عبد الله بن عثمان بن عفان من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولد في الإسلام فاكتنى به عثمان فبلغ ست سنين فنقره ديك في عينيه فمرض فمات في جمادى الأولى فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل في حفرته عثمان. عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم أبو سلمة: وأمه برة بنت عبد المطلب بن هاشم وكان له من الولد سلمة وعمر وزينب ودرة. وأمهم أم سلمة. أسلم أبو سلمة قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وهاجر إلى الحبشة الهجرتين ومعه امرأته أم سلمة وقدم إلى المدينة مهاجرًا قبل جميع من هاجر. وشهد بدرًا وأحدًا وجرحه أبو أسامة الجشمي في عضده فمكث شهرًا يداويه فبرأ واندمل على فساد فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ثم عاد فانتقض الجرح فمات في جمادى الآخرة من هذه السنة وأغمضه رسول الله صلى الله عليه وسلم. عبد الله بن طارق بن عمرو: شهد بدرًا وكان فيمن خرج في غزاة الرجيع وقد ذكرنا كيف قتل بمر الظهران. عامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنه يكنى أبا عمرو شهد بدرًا وأحدًا وقتل يوم بئر معونة وهو ابن أربعين سنة. أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزاز أخبرنا الجوهري أخبرنا ابن حيوية أخبرنا أحمد بن معروف حدثنا الحسين بن محمد بن الفهم حدثنا محمد بن سعد حدثنا ابن عمر قال: حدثني معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: كان عامر بن فهيرة للطفيل بن الحارث أخي عائشة لأمها أم رومان فأسلم عامر فاشتراه أبو بكر فاعتقه وكان يرعى منيحة من غنم له. قال محمد بن سعد: أسلم عامر بن فهيرة قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار وقال عروة بن الزبير: كان عامر بن فهيرة من المستضعفين من المؤمنين وكان ممن يعذب بمكة ليرجع عن دينه. قال محمد بن عمر عمن سمى من رجاله: إن جبار بن سلمى الكلبي طعن عامر بن فهيرة يوم بئر معونة فأنفذه فقال عامر: فزت ورب الكعبة. قال: وذهب بعامر علوًا في السماء حتى ما أراه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فإن الملائكة وارت جثته وأنزل عليين " وسأل جبار بن سلمى لما رأى من أمر عامر: ما قوله فزت والله قالوا: الجنة. وأسلم جبار لما رأى من أمر عامر وحسن إسلامه. قال أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء عن الطفيل قال: كان يقول من رجل منهم لما قتل رفع بين السماء والأرض حتى رأيت السماء من دونه قالوا: هو عامر بن فهيرة. عاصم بن ثابت بن قيس يكنى أبا سليمان: شهد بدرًا وأحدًا وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ حين ولى الناس وبايعه على الموت وكان من الرماة المذكورين وقتل يوم أحد من أصحاب ألوية المشركين: مسافعًا والحارث. فنذرت أمهما سلافة بنت سعد أن تشرب في قحف رأس عاصم الخمر وجعلت لمن جاءها برأسه مائة ناقة فقدم ناس من بني هذيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه أن يوجه معهم من يعلمهم فوجه عاصمًا في جماعة فقال لهم المشركون: استأسروا فإنا لا نريد قتلكم وإنما نريد أن ندخلكم مكة فنصيب بكم ثمنًا فقال عاصم: لا أقبل جوار مشرك فجعل يقاتلهم حتى فنيت نبله ثم طاعنهم حتى انكسر رمحه فقال: اللهم إني حميت دينك أول النهار فاحم لي لحمي آخره فجرح رجلين وقتل واحدًا فقتلوه وأرادوا أن يحتزوا رأسه فبعث الله الدبر فحمته ثم بعث الله سيلًا في الليل فحمله وذلك يوم الرجيع. فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف أم علي بن أبي طالب رضي الله عنه أسلمت وكانت صالحة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويقيل في بيتها. توفيت هذه السنة فنزع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه فألبسها إياه. قال علي بن أبي طالب: قلت لأمي فاطمة بنت أسد: اكفي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سقاية الماء والذهاب في الحاجة وتكفيك خدمة الداخل الطحن والعجين مرثد بن أبي مرثد الغنوي: شهد بدرًا وأحدًا وقتل يوم الرجيع - وكان أمير هذه السرية - وذلك في صفر هذه السنة. معاذ بن ماعص بن قيس بن خلدة: معتب بن عبيد بن إياس: وقيل: معتب بن عبدة شهد بدرًا وأحدًا وقتل يوم الرجيع بمر الظهران. المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح ويكنى أبا عبده شهد بدرًا وأحدًا وقتل يوم بئر معونة شهيدًا. المنذر بن عمرو بن خنيسي بن لوذان شهد العقبة مع السبعين وهو أحد النقباء الاثني عشر شهد بدرًا وأحدًا ويوم بئر معونة. فمن الحوادث فيها: وكانت في المحرم وإنما سميت ذات الرقاع لأنها كانت عند جبل فيه سواد وبياض وحمرة فسميت بذلك. وكان سببها أن قادمًا قدم المدينة بجلب له فأخبر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنارًا وثعلبة قد جمعوا لهم الجموع فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف على المدينة عثمان بن عفان وخرج ليلة السبت لعشر خلون من المحرم في أربعمائة وقيل: في سبعمائة فمضى حتى أتى محالهم بذات الرقاع - وهو جبل - فلم يجد إلا نسوة فأخذهن وفيهن جارية وضيئة فهربت الأعراب إلى رؤوس الجبال فخاف المسلمون أن يغيروا عليهم فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف وكان أول ما صلاها. وانصرف راجعًا إلى المدينة فابتاع من جابر بن عبد الله جمله وناقته وشرط له ظهره إلى المدينة وسأله عن دين أبيه فأخبره فقال: إذا قدمت المدينة فأردت أن تجد نخلك فأذني واستغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جابر في تلك الليلة خمسًا وعشرين مره وكانت غيبته خمس عشرة ليلة وبعث جعال بن سراقة بشيرًا إلى المدينة بالسلامة. ومن الحوادث في هذه السنة وأنهم يظلمون من مر بهم وكان بين دومة الجندل وبين المدينة مسيرة خمس عشرة ليلة أو ست عشرة فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس واستخلف ابن عرفطة وخرج لخمس ليال بقين من ربيع الأول في ألف من المسلمين وكان يسير الليل ويكمن النهار ودليله يقال له مذكور فهجم على ماشيتهم ورعاتهم وأصاب من أصاب وهرب من هرب وتفرق أهل دومة الجندل ولم يجد بساحتهم أحدًا وأخذ منهم رجلًا فسأله عنهم فقال: هربوا حين سمعوا أنك أخذت نعمهم فعرض عليه الإسلام فأسلم ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم لعشر ليال بقين من ربيع الأخر ولم يلق كيدًا. وفي هذه السنة: وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن وذلك أن بلاد عيينة أجدبت فوادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يرعى في أماكن معلومة. وفي جمادى الآخرة من هذه السنة: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مشركي قريش بمال وكان قد بلغه أن سنة شديدة قد أصابتهم. وفي هذه السنة وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد سعد بن بكر. أخبرنا هبة الله بن محمد قال: أخبرنا الحسين بن علي التميمي قال: أخبرنا أحمد بن جعفر قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: أخبرنا يعقوب قال: حدثني أبي عن محمد بن إسحاق قال حدثني محمد بن الوليد بن نويفع عن كريب عن عبد الله بن عباس قال: بعثت بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافدًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم عليه وأناخ بعيره على باب المسجد ثم عقله ثم دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه فقال: أيكم ابن عبد المطلب فلما عرفه قال: إني سائلك ومغلظ في المسألة فلا تجدن في نفسك. قال: " لا أجد في نفسي فسل عن ما بدا لك " قال: أنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك الله أمرك أن تأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئًا وأن نخلع هذه الأنداد التي كانت آباؤنا تعبد من دون الله قال: " اللهم نعم " قال: وأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك الله أمرك أن نصلي هذه الصلوات الخمس قال: " اللهم نعم " قال: ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة: الزكاة والصيام والحج وشرائع الإسلام كلها يناشده عند كل فريضة كما يناشد في التي قبلها حتى إذا فرغ قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله وسأؤدي هذه الفرائض واجتنب ما نهيتني عنه ثم لا أزيد ولا أنقص ثم انصرف راجعًا إلى بعيره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولى: " إن يصدق ذو العقيصتين يدخل الجنة ". قال: فأتى إلى بعيره وأطلق عقاله ثم خرج حتى قدم على قومه فاجتمعوا إليه وكان أول ما تكلم به أن قال: بئست اللات والعزى فقالوا: مه يا ضمام اتق البرص اتق الجذام اتق الجنون قال: ويلكم إنهما والله ما يضران ولا ينفعان فإن الله تعالى قد بعث رسولًا وأنزل عليه كتابًا استنقذكم مما كنتم فيه وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله قد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه قال: فوالله ما أمسى من ذلك اليوم في حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلمًا قال: يقول ابن عباس رحمة الله عليهما: ما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة. قال مؤلف الكتاب: وقد روى هذا الحديث شريك بن عبد الله عن كريب فقال فيه: بعثت بنو سعد بن بكر ضمامًا في رجب سنة خمس أخرجه البخاري في صحيحه مختصرًا من حديث شريك عن أنس. وأخرجه مسلم من حديث ثابت عن أنس على اختصار و اختلاف ألفاظ. وفي هذه السنة وفد وفد مزينة أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزاز قال: أخبرنا الحسن بن علي الجوهري قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيوية قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر بن واقد قال: أخبرنا كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده قال: كان أول من وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم من مضر أربعمائة من مزينة وذلك في رجب سنة خمس فجعل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الهجرة في دارهم وقال: " أنتم مهاجرون حيث كنتم فارجعوا إلى أموالكم " فرجعوا إلى بلادهم. وروى ابن سعد عن أشياخه أنه كان فيهم خزاعي بن عبد نهم وأنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه من مزينة فلما مضى إليهم لم يجدهم كما ظن فأقام ثم أنهم أسلموا ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء مزينة يوم الفتح إلى خزاعي وكانوا ألف رجل وهو أخو المغفل بن عبد الله بن المغفل وأخو عبد الله ذي البجادين. وفي هذه السنة كانت غزوة المريسيع في شعبان وذلك أن بني المصطلق كانوا ينزلون على بئر لهم يقال لها: المريسيع وكان سيدهم الحارث بن أبي ضرار فسار في قومه ومن قدر عليه فدعاهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابوه وتهيأوا للمسير معه فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث بريدة بن الحصيب ليعلم علم ذلك فأتاهم ولقي الحارث بن أبي ضرار وكلمه ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إليهم فأسرعوا الخروج ومعهم ثلاثون فرسًا وخرج معهم جماعة من المنافقين واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة زيد بن حارثة وخرج يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان وبلغ الحارث بن أبي ضرار ومن معه مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه قد قتل عينه الذي كان يأتيه بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فسيء بذلك فخاف وتفرق من معه من العرب وانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المريسيع فضرب عليه قبته ومعه عائشة وأم سلمة فتهيأوا للقتال وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ودفع راية المهاجرين إلى أبي بن الصديق وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة فتراموا بالنبل ساعة ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فحملوا حملة رجل واحد فقتل من العدو عشرة وأسر الباقون وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال والنساء والذرية والنعم والشاء فكانت الإبل ألفي بعير والشاء خمسة آلاف والسبي مائتي أهل وقد روى ابن عمر أنه كان حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أغار عليهم وهم غارون ونعمهم يسقى على الماء. قال مؤلف الكتاب: والأول أصح. ولما رجع المسلمون بالسبي قدم أهاليهم فافتدوهم وجعلت جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار في سهم ثابت بن قيس وابن عم له فكاتباها فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابتها فأدى عنها وتزوجها وسماها برة قيل: إنه جعل صداقها عتق أربعين من قومها. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا نضلة الطائي بشيرًا إلى المدينة بفتح المريسيع. أنبأنا أبو بكر بن عبد الباقي قال: أنبأنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا ابن حيويه قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: حدثنا الحسين بن الفهم قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا عبد الله بن يزيد بن قسيط عن أبيه عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن عائشة قالت: أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني المصطلق فأخرج الخمس منه ثم قسمه بين الناس فأعطى الفرس سهمين والرجل سهمًا فوقعت جويرية بنت الحارث في سهم ثابت بن قيس وكاتبها ثابت بن قبس على تسع أواق وكانت امرأة حلوة لا يكاد أحد يراها إلا أخذت بنفسه فبينا النبي صلى الله عليه وسلم عندي إذ دخلت عليه جويرية فسألته في كتابتها فوالله ما هو إلا أن رأيتها فكرهت دخولها على النبي صلى الله عليه وسلم وعرفت أنه سيرى منها مثل الذي رأيت فقالت: يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث سيد قومه وقد أصابني من الأمر ما قد علمت فوقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبني على تسع أواق فأعني في فكاكي فقال: " أو خير من ذلك " قالت: ما هو يا رسول الله قال: " أودي عنك كتابتك وأتزوجك " قالت: نعم يا رسول الله. قال: " قد فعلت " وخرج الخبر إلى الناس فقالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترقون فأعتقوا ما كان في أيديهم من نساء المصطلق فبلغ عتقهم إلى مائة بيت بتزويجه إياها فلا أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها. وفي هذه الغزاة: سقط عقد عائشة رضي الله عنها فنزلت آية التيمم. أنبأنا زاهر وأخبرنا عنه محمد بن ناصر قال: أخبرنا أبو سعيد بن محمد الحيري قال: أخبرنا زاهر بن أحمد السرخسي قال أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز حدثنا مصعب بن عبد الله قال: حدثني مالك بن أنس عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء وبذات الجيش انقطع عقدي فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه وليس معهم ماء فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام فقال: حبست رسول الله والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعن في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء فأنزل الله عز وجل آية التيمم فتيمموا. فقال أسيد بن حضير وهو أحد النقباء: ما هذا بأول بركتكم يا آل بكر قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته. وفي هذه الغزاة كان أخبرنا هبة الله بن محمد قال: أخبرنا الحسين بن علي قال: أخبرنا أحمد بن جعفر قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير بن أبي وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن حديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله عز وجل وكلهم حدثني بطائفة من حديثها وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت اقتصاصًا وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني وبعض حديثهم يصدق بعضًا ذكروا: أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرًا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه. قالت عائشة فأقرع بيننا في غزاة غزاها فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد أن نزل الحجاب وأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه مسيرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته وقفل ودنونا من المدينة آذن بالرحيل فقمت حين أذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شاني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون إني فيه. قالت: وكانت النساء إذ ذاك خفافًا لم يهبلهن ولم يغشهن اللحم إنما يأكلن المحلقة من الطعام فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه وكنت جارية حديثه السن فبعثوا الجمل وساروا فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش فجئت بها منازلهم وليس بها داع ولا مجيب فتيممت منزلي الذي كنت فيه وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعون إلي. فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس من وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب علي الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي فوالله ما كلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها فركبتها فانطلق يقود الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول فقدمت المدينة فاشتكيت حين قدمنا شهرًا والناس يفيضون في قول الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك وهو يريبني في وجعي أني لا أرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أعرف منه حين أشتكي إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم فيقول: كيف تيكم فذاك يريبني ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد ما نقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع وهو مبرزنا ولا نخرج إلا ليلًا إلى ليل وذلك قبل أن تتخذ الكنف قريبًا من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق وابنها مسطح بن أثاثة فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت: تعس مسطح فقلت لها: بئسما قلت تسبين رجلًا قد شهد بدرًا قالت: أي هنتاه أو لم تسمعي ما قال قلت: وماذا قال قالت: فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضًا على مرضي فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: " كيف تيكم " قلت: أتأذن لي أن آتي أبوي قالت: وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلها فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجئت أبوي فقلت لأمي: يا أماه ما يتحدث الناس فقالت: أي بنية هوني عليك فوالله لقل ما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها لها ضرائر إلا أكثرن عليها قالت: قلت: سبحان الله أو قد تحدث الناس بهذا قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي ليستشيرهما في فراق أهله قالت: فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم من نفسه لهم من الود فقال: يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلا خيرًا وأما علي بن أبي طالب فقال: لم يضيق الله عز وجل عليك والنساء سواها كثير وأن تسأل الجارية تصدقك. قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال: أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة فقالت له بريرة: والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرًا قط أغمضه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فيأكله فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر من عبد الله بن أبي فقال وهو على المنبر: " يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرًا ولقد ذكروا لي رجلًا ما علمت عليه إلا خيرًا وكان لا يدخل على أهلي إلا معيإ فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: أعذرك منه يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلًا صالحًا ولكنه احتملته الحمية فقال لسعد بن معاذ: لعمرك لا تقتله ولا تقدر على قتله فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لتقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين. فثار الحيان: الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على قالت: فبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ دمع ولا أكتحل بنوم وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي. قالت: فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي فبينا نحن على ذلك إذ دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرًا لا يوحى إليه في شأني شيء. قالت: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال: " أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله عز وجل وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه ". قالت: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته فاض دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: والله ما أدري مما أقول يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: والله ما أدري ما أقول يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرًا من القرآن وإني والله قد عرفت إنكم قد سمعتم هذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم ولئن قلت لكم إني بريئة والله عز وجل يعلم أني بريئة فلا تصدقوني بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة فلا تصدقوني وإني والله ما أجد لي ولكم مثلًا إلا كما قال أبو يوسف: " صبر جميل والله المستعان على ما تصفون ". قال: ثم تحولت فاضطجعت على فراشي وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله عز وجل مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل في بأمر يتلى ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله عز وجل بها قالت: فوالله ما رأم رسول الله مجلسه ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى انه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه قالت: فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك فكان أول كلمة لكلم بها أن قال: " أبشري يا عائشة أما والله عز وجل فقد برأك " فقالت أمي: قومي إليه فقلت: لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله عز وجل هو الذي أنزل براءتي وأنزل الله عز وجل: " إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم " عشر آيات فأنزل الله عز وجل هذه الآيات براءتي. فقال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئًا أبدًا بعد الذي قال لعائشة. فأنزل الله عز وجل: قال أبو بكر: والله إني لأحب أن يغفر الله عز وجل لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه ومال: لا أنزعها منه أبدًا. قالت عائشة رضي الله عنها: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش عن أمري وما علمت أو ما رأيت أو ما سمعت أو ما بلغك قالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري والله ما علمت إلا خيرًا قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعصمها الله عز وجل بالورع وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها فهلكت فيمن هلكت. قال ابن شهاب: وهذا ما انتهى إلينا من أمر هؤلاء الرهط أخرجاه في الصحيحين. وغاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الغزاة ثمانية عشر يومًا وقدم لهلال رمضان زواجه صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش وفي هذه السنة.
أمها أميمة بنت عبد المطلب وكانت فيمن هاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت امرأة جميلة فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد فقالت: لا أرضاه لنفسي قال: " فإني قد رضيته لك " فتزوجها زيد بن حارثة ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم لهلال ذي القعدة سنة خمس من الهجرة وهي يومئذ بنت خمس وثلاثين سنة. أنبأنا أبو بكر بن عبد الباقي قال: أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيويه قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحسين بن الفهم قال: حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن عامر الأسلمي عن محمد بن يحيى بن حيان قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت زيد بن حارثة يطلبه وكان زيد إنما يقال له زيد بن محمد فربما فقده رسول الله صلى الله عليه وسلم الساعة فيقول: " أين زيد " فجاء منزله يطلبه فلم يجده وتقوم إليه زوجته زينب بنت جحش فضل فأعرض رسول الله عنها يا رسول الله ليس هو ها هنا فادخل بأبي أنت وأمي فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل وإنما عجلت زينب أن تلبس لما قيل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالباب فوثبت عجلى فأعجبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فولى وهو يهمهم بشيء لا يكاد يفهم منه إلا ربما أعلن منه: " سبحان الله العظيم سبحان مصرف القلوب " فجاء زيد إلى منزله فأخبرته امرأته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منزله فقال زيد: ألا قلت له أن يدخل قالت: قد عوضت عليه ذلك فأبى قال: فسمعت منه شيئًا قالت: سمعته حين ولى تكلم بكلام لا أفهمه وسمعته يقول: " سبحان الله العظيم سبحان مصرف القلوب ". فجاء زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله بلغني انك جئت منزلي فهلا دخلت بأبي أنت وأمي لعل زينب أعجبتك فأفارقها فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمسك عليك زوجك " فما استطاع زيد إليها سبيلًا بعد ذلك اليوم فيأتي إلى رسول الله فيخبره فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمسك عليك زوجك " فيقول: يا رسول الله أفارقها. فيقول: " أحبس عليك زوجك " ففارقها زيد واعتزلها وحلت. فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث مع عائشة أخذته غشية فسري عنه وهو يبتسم ويقول: " من يذهب إلى زينب يبشرها أن الله عز وجل قد زوجنيها من السماء " وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وإذ يقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك وأتق الله. القصة كلها قالت عائشة: وأخذني ما قرب وما بعد لما يبلغنا من جمالها وأخرى هي أعظم الأمور وأشرفها ما صنع الله لها زوجها الله من السماء وقالت: هي تفخر علينا بهذا قالت عائشة: فخرجت سلمى خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم تشتد فحدثتها بذلك أعطتها أوضاحًا عليها. وفي أفراد مسلم من حديث ثابت عن أنس قال: لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد اذهب فاذكرها علي فانطلق زيد حتى أتاها وهي تخمر عجينها قال: فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها فوليتها ظهري ونكصت على عقبي وقلت: يا زينب أرسلني إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك قالت: ما أنا بصانعة شيئًا حتى أوامر ربي فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بلا إذن فلقد رأيتنا أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبز واللحم حتى امتد النهار. وفي سبب زينب نزلت آية الحجاب أخبرنا عبد الأول قال: أخبرنا الداوودي قال: أخبرنا ابن أعين قال: أخبرنا الفربري قال: أخبرنا البخاري قال: أخبرنا يحيى بن بكير عن عقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني أنس بن مالك. أنه كان ابن عشر سنين يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكن أمهاتي يواطئنني على خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخدمته عشر سنين فكنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أنزل وكان أول ما أنزل في مبتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم بها عريسًا فدعا القوم فأصابوا من الطعام ثم خرجوا وبقي رهط منهم عند النبي صلى الله عليه وسلم فأطالوا المكث فقام النبي صلى الله عليه وسلم فخرج وخرجت معه لكي يخرجوا فمشى النبي صلى الله عليه وسلم ومشيت حتى جاء عتبة حجرة عائشة ثم ظن أنهم خرجوا فرجع ورجعت معه حتى إذا دخل على زينب إذا هم جلوس لم يقوموا فرجع النبي صلى الله عليه وسلم ورجعت معه فإذا هم قد خرجوا فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينه الستر وأنزل الحجاب. أخرجاه في الصحيحين. قال مؤلف الكتاب: كانت في ذي القعدة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أجلى بني النضير ساروا إلى خيبر فخرج نفر من أشرافهم ووجوههم إلى مكة فالتقوا قريشًا ودعوهم إلى الخروج واجتمعوا معهم على قتاله وواعدوهم لذلك موعدًا ثم خرجوا من عندهم فأتوا غطفان وسليم ففارقوهم على مثل ذلك وتجهزت قريش وجمعوا أحابيشهم ومن تبعهم من العرب فكانوا أربعة آلاف وعقدوا اللواء في دار الندوة وحمله عثمان بن طلحة بن أبي طلحة وقادوا معهم ثلاثمائة فرس وألف وخمسمائة بعير وخرجوا يقودهم أبو سفيان ووافتهم بنو سليم بمر الظهران وهم سبعمائة يقودهم سفيان بن عبد شمس وخرجت معهم بنو أسد يقودهم طلحة بن خويلد وخرجت فزارة وهم ألف يقودهم عقبة بن حصين وخرجت أشجع وهم أربعمائة يقودهم مسعود بن رخيلة وخرجت بنو مرة وهم أربعمائة يقودهم الحارث بن عوف. وروى الزهري أن الحارث رجع ببني مرة ت فلم يشهد الخندق منهم أحد والأول أثبت. وكان جميع من وافوا الخندق ممن ذكر من القبائل عشرة آلاف وهم الأحزاب وكانوا ثلاثة عساكر والجملة بيد أبي سفيان فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فصولهم من مكة ندب الناس وأخبرهم خبرهم وشاورهم فأشار سلمان الفارسي بالخندق فأعجب ذلك المسلمين وعسكر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سفح سلع وجعل سلعًا خلف ظهره وكان المسلمون يومئذ ثلاثة آلاف واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم. ثم خندق على المدينة وجعل المسلمون يعملون مستعجلين يبادرون قدوم عدوهم وعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم بيده لينشطرا ففرغوا منه في ستة أيام. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله قال: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن قال: حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي قال: أخبرنا هوذة بن خليفة قال: أخبرنا عوف عن ميمون قال: حدثني البراء بن عازب قال: لما كان حين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة عظيمة شديدة لا تأخذ فيها المعاول قال: فشكينا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآها ألقى ثوبه وأخذ المعول وقال: بسم الله ثم ضرب ضربة فكسر ثلثها وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة ثم ضرب الثانية فقطع ثلثًا آخر فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض ثم ضرب الثالثة وقال: بسم الله فقطع بقية الحجر وقال: الله أكبر قال علماء السير: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لثماني ليال مضين من ذي القعدة وكان لواء المهاجرين مع زيد بن حارثة ولواء الأنصار مع سعد بن عبادة ودس أبو سفيان بن حرب حيي بن أخطب إلى بني قريطة يسألهم أن ينقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكونوا معهم عليه فامتنعوا ثم أجابوا وبلغ ذلك رسول الله قال: حسبنا الله ونعم الوكيل وفشل الناس وعظم البلاء واشتد الخوف وخيف على الذراري والنساء وكانوا كما قال الله تعالى: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عيينة بن حصن وإلى الحارث بن عوف وهما قائدا غطفان فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وكتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة وإنما كانت مراوضة ومراجعة فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ وابن عبادة فأخبرهما بذلك فقالا: هذا شيء تحبه أو شيء أمرك الله به قال: لا بل أصنعه لأجلكم فإن العرب قد رمتكم عن قوس واحدة فقالا: قد كنا نحن وهم على الشرك وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة فحين أذن الله بالإسلام نفعل هذا ما لنا إلى هذا حاجة والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا قال: فأنتم وذاك فتناول سعد الصحيفة التي كتبوها فمحاها وقال ليجهدوا علينا وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين وجاه العدو لا يزولون غير أنهم يعتقبون خندقهم ويحرسونه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث سلمة بن أسلم في مائتي رجل وزيد بن حارثة في ثلاثمائة رجل يحرسون المدينة ويظهرون التكبير وكانوا يخافون على الذراري من بني قريظة وكان عباد بن بشر على حرس قبة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عشرة من الأنصار يحرسونه كل ليلة فكان المشركون يتناوبون بينهم فيغدو أبو سفيان يومًا ويغدو خالد بن الوليد يومًا ويغدو عمرو بن العاص يومًا ويغدو هبيرة بن أبي وهب يومًا ويغدو عكرمة بن أبي جهل يومًا ويغدو ضرار بن الخطاب يومًا فلا يزالون يجيلون خيلهم ويتفرقون مرة ويجتمعون أخرى ويناوشون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقدمون رماتهم فيرمون فرمى حبان بن العرقة سعد بن معاذ بسهم فأصاب أكحله فقال: خذها وأنا ابن العرقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عرق الله وجهك في النار " ويقال: الذي رماه أبو أسامة الجشمي. أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزاز قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا ابن حيوية قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا ابن الفهم قال: أخبرنا محمد بن سعد أخبرنا يزيد بن هارون. وأخبرنا عاليا بن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا ابن مالك قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: أخبرت يزيد بن هارون قال أخبرنا محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن جده عن عائشة قالت: خرجت يوم الخندق أقفو آثار الناس فسمعت وئيد الأرض من ورائي - يعني حس الأرض - فالتفت فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل رمحه فجلست إلى الأرض فمر سعد وهو يرتجر ويقول: لبث قليلًا يدرك الهيجا حمل ما أحسن الموت إذا حان الأجل. قالت: وعليه درع قد خرجت منه أطرافه فأنا أتخوف على أطراف سعد وكان سعد من أطول الناس وأعظمهم قالت: فقمت فاقتحمت حديقة فإذا فيها نفر من المسلمين فيهم عمر بن الخطاب وفيهم رجل عليه تسبغة له - تعني المغفر - قالت فقال لي عمر: ما جاء بك والله إنك لجريئة وما يؤمنك أن يكون تحوز أو بلاء قالت: فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض انشقت ساعتئذ فدخلت فيها قالت: فرفع الرجل التسبغة عن وجهه فإذا طلحة بن عبيد الله فقال: ويحك يا عمر إنك قد أكثرت منذ اليوم وأين التحوز وأين الفرار إلا إلى الله قالت: ويرمي سعدًا رجل من المشركين من قريش يقال له ابن العرقة بسهم فقال: خذها وأنا ابن العرقة فأصاب أكحله فدعا الله عز وجل سعد فقال: اللهم لا تمتني حتى تشفيني من قريظ - وكانوا مواليه وحلفاءه في الجاهلية - قالت: فرقأ كلمه وبعث الله تعالى الريح على المشركين قال مؤلف الكتاب: العرقة أم حبان بن عبد مناف بن منقد بن عمر وسميت العرقة لطيب ريحها. قال علماء السير: لما حام الأحزاب حول الخندق أيامًا أجمع رؤساؤهم أن يغدوا يومًا فغدوا جميعًا وطلبوا مضيقًا من الخندق يقحمون فيه خيلهم فلم يجدوا فقالوا: إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تصنعها فقيل لهم: إن معه رجلًا فارسيًا فهو أشار عليه بذلك فصاروا إلى مكان ضيق فعبر عكرمة ونوفل وضرار وهبيرة وعمرو بن عبد ود فجعل عمرو يدعو إلى البراز وهو ابن تسعين سنة فقال علي رضي الله عنه: أنا أبارزه فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سيفه وعممه وقال: " اللهم أعنه عليه " فضربه علي فقتله وولى أصحابه هاربين وحمل الزبير على نوفل فقتله. أنبأنا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب قال: أخبرنا ابن المسلمة قال: أخبرنا أبو طاهر المخلص قال: أخبرنا أحمد بن سلمان بن داوود قال: أخبرنا الزبير بن بكار قال: عمرو بن عبد ود وضرار بن الخطاب وعكرمة بن أبي جهل ونوفل بن عبد الله بن المغيرة هم الذين طفروا عمرو بن ود كان أول فارس جزع المزاد وكان فارس يليل قال مؤلف الكتاب: المزاد موضع من الخندق فيه حفر ويليل واد قريب من بدر. ولما جزع عمرو بن عبد المزاد دعى البراز وقال يرتجز: ولقد بححت من النداء بجمعكم: هل من مبارز ووقفت إذ جبن الشجا ع بموقف البطل المناجز إني كذلك لم أزل متسرعًا نحو الهزاهز إن الشجاعة والسم احة في الفتى خير الغرائز فبرز له علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثم أجابه يقول: لا تعجلن فقد أتا ك مجيب صوتك غير عاجز ذو نية وبصيرة والصدق منجي كل فائز إني لأرجو أن أقي م عليك نائحة الجنائز من ضربة فوهاء يب قى ذكرها عند الهزاهز ثم دعاه أن يبارزه فقال له علي: يا عمرو إنك كنت عاهدت الله لقريش لا يدعوك رجل إلى رسوله وإلى الإسلام فقال: لا حاجة لي بذلك قال: فإني أدعوك إلى مبارزة. قال: يا ابن أخي والله ما أحب أن أقتلك فقال له علي: لكني والله أنا أحب أن أقتلك فحمي عمرو واقتحم عن فرسه وعرقبه ثم أقبل فتناورا وتجاولا وثارت عليهما غبرة سترتهما عن المسلمين فلم يرع المسلمين إلا التكبير فعرفوا أن عليًا رضي الله عنه قتله فانجلت الغبرة وعلي على صدره يذبحه. قال علماء السير: لما قتل عمرو رثته أمه فقالت: لو كان قاتل عمرو غير قاتله ما زلت أبكي عليه دائم الأبد لكن قاتله من لا يقال به من كان يدعى أبوه بيضة البلد ثم تواعدا أن يأتوا من الغد فباتوا يعبئون أصحابهم ونحوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتيبة غليظة فيها خالد بن الوليد فقاتلوهم يومهم ذلك إلى هوي من الليل ما يقدرون أن يزولوا عن مكانهم ولا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ظهرًا ولا عصرًا حتى كشفهم الله عز وجل فرجعوا منهزمين فلم يكن لهم بعد ذلك قتال - يعني انصرفوا - إلا أنهم لا يدعون الطلائع بالليل يطمعون في الغارة فمال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم الذي فاتته الصلاة فيه: " شغلونا عن الصلاه الوسطى ". أخبرنا هبة الله بن محمد قال: أخبرنا الحسن بن علي قال: أخبرنا أحمد بن جعفر قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: أخبرنا أبو معاوية قال: أخبرنا الأعمش عن مسلم بن صبيح عن شتير بن شكل عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارًا " ثم صلاها بين العشاءين المغرب والعشاء. أخرجاه في الصحيحين. وحصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بضع عشرة ليلة وقيل: أربعا وعشرين ليلة حتى خلص إلى كل أمر منهم الكرب. ودعى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الأحزاب. ويروى في مسجد الفتح. أخبرنا هبة الله بن محمد قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا أحمد بن جعفر قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: أخبرنا أبو عامر قال: أخبرنا كثير بن زيد قال: حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: حدنا جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في مسجد الفتح ثلاثًا: يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين فعرف البشر في وجهه. قال جابر: فلم ينزل بي أمر مهم غليظ إلا توخيت تلك الساعة فأدعو فيها فأعرف الإجابة. قالوا: وكان نعم بن مسعود الأشجعي قد أسلم وحسن إسلامه فمشى بين قريش وقريظة وغطفان فخذل بينهم. فأنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي قال: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا ابن حيويه قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحسن بن الفهم قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر. وبه قال أخبرنا عبد الله بن عاصم الأشجعي عن أبيه قال: قال نعيم بن مسعود: لما سارت الأحزاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سرت مع قومي وأنا على ديني فقذف الله في قلبي الإسلام فكتمت ذلك قومي وأخرج حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء فأجده يصلي فلما رآني جلس وقال: " ما جاء بك يا نعيم " وكان بي عارفًا قلت: إني جئت أصدقك وأشهد أن ما جئت به حق فمرني بما شئت قال: أما استطت أن تخذل عنا الناس فخذل قلت: أفعل ولكن يا رسول الله أقول قال: " قل ما بدا لك فأنت في حل " قال: فذهبت إلى قريظة فقلت: اكتموا علي قالوا: نفعل فقلت: إن قريشًا وغطفان على الانصراف عن محمد صلى الله عليه وسلم إن أصابوا فرصة انتهزوها وإلا انصرفوا إلى بلادهم فلا تقاتلوا معهم حتى تأخذوا منهم رهناء قالوا: أشرت علينا والنصح لنا ثم خرجت إلى أبي سفيان بن حرب فقلت قد جئتك بنصيحة فاكتم علي قال: أفعل قلت: تعلم أن قريظة قد ندموا على ما فعلوا فيما بينهم وبين محمد صلى الله عليه وسلم وأرادوا إصلاحه ومراجعته فأرسلوا إليه وأنا عندهم إنا سنأخذ من قريش وغطفان سبعين رجلًا من أشرافهم نسلمهم إليك تضرب أعناقهم ونكون معك على قريش وغطفان حتى نردهم عنك وترد حناحنا الذي كسرت إلى ديارهم - يعني بني النضير - فإن بعثوا إليكم يسألونكم رهنًا فلا تدفعوا إليهم أحدًا واحذروهم ثم أتى غطفان فقال لهم مثل ذلك وكان رجلًا منهم فصدقوه وأرسلت قريظة إلى قريش: إنا والله ما نخرج فنقاتل محمدًا صلى الله عليه وسلم حتى تعطونا رهنًا منكم يكونون عندنا فإنا نتخوف أن تنكشفوا وتدعونا ومحمدًا فقال أبو سفيان: صدق نعيم. وأرسلوا إلى غطفان بمثل ما أرسلوا إلى قريش فقالوا لهم مثل ذلك وقالوا جميعًا: إنا والله ما نعطيكم رهنًا ولكن أخرجوا فقاتلوا معنا. فقالت اليهود: نحلف بالتوراة أن الخبر الذي قال نعيم لحق وجعلت قريش وغطفان يقولون: الخبر ما قال نعيم ويئس هؤلاء من نصر هؤلاء وهؤلاء من نصر هؤلاء. واختلف أمرهم وتفرقوا في كل وجه وكان نعيم يقول: أنا خذلت بين الأحزاب حتى تفرقوا في كل وجه وأنا أمين رسول الله صلى الله عليه وسلم على سره. قال علماء السير: فلما استوحش كل فريق من صاحبه اعتلت قريظة بالسبت فقالوا: لا نقاتل وهبت ليلة السبت ريح شديدة فقال أبو سفيان: يا معشر قريش إنكم والله لستم بدار مقام لقد هلك الخف والحافر وأجدب الجناب وأخلفتنا بنو قريظة ولقد لقينا من الريح ما ترون فارتحلوا فإني مرتحل فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بحضرته أحد من العساكر قد انقشعوا فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة لينظر ما فعل القوم. فروى مسلم في أفراده من حديث إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي عن أبيه قال: كنا عند حذيفة فقال رجل: لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلت معه وأبليت فقال حذيفة: أنت كنت تفعل ذلك لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب وأخذتنا ريح شديدة وقر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا رجل يأتينا نجبر القوم جعله الله معي يوم القيامة " فسكتنا فلم يجبه أحد ثم قال: " ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة " فسكتنا ولم يقم قائم فقال: " قم يا حذيفة " فلم أجد بدًا إذ دعاني باسمي إلا أن أقوم قال: " اذهب فأتني بخبر القوم ولا تذعرهم علي " فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشي في حمام حتى أتيتهم فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره بالنار فوضعت سهمي في كبد القوس فأردت أن أرميه فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تذعرهم علي " فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمام فلما أتيته أخبرته خبر القوم وفرعت وقررت فألبسني رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها فلم أزل نائمًا حتى أصبحت قال صلى الله عليه وسلم: " قم يا نومان ". وقد رواه ابن إسحاق عن يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال: قال فتى من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان: يا أبا عبد الله رأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم صحبتموه قال: نعم يا ابن أخي قال: كيف كنتم تصنعون قال: والله لقد كنا نجهد فقال الفتى: والله لو أدركناه ماتركناه يمشي على وجه الأرض ولحملناه على أعناقنا فقال حذيفة: يا ابن أخي والله لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق يصلي هويًا من الليل ثم التفت إلينا فقال: " من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع " وشرط له انه إذا رجع أدخله الله الجنة فما قام رجل ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هويًا من الليل ثم التفت إلينا فقال مثل ذلك ثم قال: " أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة ". فما قام أحد من شدة الخوف والجوع والبرد فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن لي بد من القيام فقال: " يا حذيفة اذهب فادخل في القوم فانظر ما يفعلون ". فذهبت فدخلت في القوم والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل فلا تترك قدرًا ولا نارًا ولا بناء. فقام أبو سفيان فقال: يا معشر قريش لينظر امرؤ جليسه فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جنبي فقلت: من أنت فقال: أنا فلان بن فلان ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام لقد هلك الكراع والخف ولقينا من هذه الريح ما ترون فارتحلوا فإني مرتحل. فرجعت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن إسحاق: لم يقتل يوم الخندق من المسلمين إلا ستة نفر وقتل من المشركين ثلاثة. ومن الحوادث في هذه السنة كانت وذلك في ذي القعدة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف من الخندق جاءه جبريل عليه السلام فقال: إن الله يأمرك أن تسير إلى بني قريظة فإني عامد إليهم فمزلزل حصونهم. أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا ابن مالك قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: أخبرنا عفان قال: أخبرنا حماد يعني ابن سلمة عن هشام بن عروة عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من الأحزاب دخل المغتسل ليغتسل فجاءه جبريل فقال: أوقد وضعتم السلاح ما وضعنا أسلحتنا بعد انهض إلى بني قريظة قالت عائشة: كأني أنظر إلى جبريل من خلال الباب قد عصب رأسه من الغبار. أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد بن بكر قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي قال: حدثنا محمد بن محمد المطرز قال: أخبرنا بشر بن المعمري عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق فبينا هو عندي إذ دق الباب فارتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم ووثب وثبة منكرة وخرج النبي صلى الله عليه وسلم فخرجت في أثره فإذا رجل على دابة والنبي صلى الله عليه وسلم متكئ على معرفة الدابة يكلمه فرجعت فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم قلت: من ذلك الرجل الذي كنت تكلمه قال: ورأيته قلت: نعم قال: " ومن تشبهينه " قلت: بدحية بن خليفة الكلبي قال: ذاك جبريل عليه السلام أمرني أن أمضي إلى بني قريظة. قال علماء السير: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًا رضي الله عنه فدفع إليه لواءه وبعث بلالًا فنادى في الناس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن لا تصلوا العصر إلا في بني قريظة واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة عبد الله بن أم مكتوم ثم سار في ثلاثة آلاف وكانت الخيل ستة وثلاثين فرسًا وذلك في يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة فحاصرهم خمسة عشر. يومًا وقيل: خمسًا وعشرين ليلة أشد الحصار ورموا بالنبل والحجر فلم يطلع منهم أحد. فلما اشتد الحصار عليهم أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسل إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر فأرسله إليهم فشاوروه في أمرهم فأشار إليهم بيده أنه الذبح ثم ندم فاسترجع فقال: خنت الله ورسوله فانصرف فارتبط في المسجد ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنزل الله توبته ثم نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة فكتفوا ونحوا ناحية. وأخرج النساء والذرية فكانوا ناحية وجمع أمتعتهم فكانوا ألفًا وخمسمائة سيف وثلاثمائة درع وألفي رمح وألفًا وخمسمائة ترس وحجفة وجمالًا كانت نواضح وماشية كثيرة. وكان لهم خمر فأريق وكلمت الأوس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهبهم لهم وكانوا حلفاءهم فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم فيهم إلى سعد بن معاد فحكم فيهم أن يقتل كل من جرت عليه الموسى وتسبى النساء والذراري وتقسم الأموال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة س ". ونزل ثعلبة وأسيد ابنا شعبة وأسد بن عبيد ابن عمهم فقالوا: إنكم لتعلمون أنه نبي وان صفته عندنا فأسلموا فدفع إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أهليهم وأموالهم. وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخميس لتسع خلون من ذي الحجة وأمر بهم فأدخلوا المدينة وحفر لهم أخدودًا في السوق وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه أصحابه وأخرجوا إليه فضرب أعناقهم وكانوا ما بين ستمائة إلى سبعمائة واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ريحانة بنت عمرو لنفسه فأسلمت وبقيت في ماله حتى توفي عنها وأمر بالغنائم فجمعت فأخرج الخمس وأمر بالباقي فبيع فيمن يزيد وقسمه بين المسلمين وكانت السهمان على ثلاثة آلاف واثنين وسبعين سهمًا للفرس سهمان ولصاحبه سهم. وفي هذه الغزاة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفرق بين الأم وولدها. وفي ذي الحجة: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسًا إلى الغابة فسقط عنه فخدش فخذه الأيمن فأقام في البيت خمسًا يصلي قاعدًا. في هذا الشهر: رجفت المدينة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله مستعتبكم فاعتبوا " وفيها: دفت دافة من بني عامر بن صعصعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يبقى من ضحاياكم بعد ثالثة شيء ". ثعلبة بن غنمة بن عدي بن سنان بن نابئ: شهد العقبة مع السبعين وبدرًا والخندق وقتل يومئذ جليبيب. أخبرنا هبة الله بن الحصين قال: أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: أخبرنا عفان قال: حدثنا حماد بن سلمة. وأخبرنا محمد بن عبد الباقي - واللفظ له - قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيويه قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: حدثنا الحسين بن الفهم قال: حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا عارم قال: أخبرنا حماد بن سلمة قال: حدثنا ثابت عن كنانة بن نعيم عن أبي برزة الأسلمي: أن جليبيبًا كان امرًا من الأنصار وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان لأحدهم أيم لم يزوجها حتى يعلم ألرسول الله صلى الله عليه وسلم فيها حاجة أم لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم لرجل من الأنصار: " يا فلان زوجني ابنتك " قال: نعم ونعم عين قال: " إني لست أريدها لنفسي " قال: فلمن قال: " لجليبيب " قال: حتى أستأمر أمها فلما أتاها قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ابنتك قالت: نعم ونعمة عين زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنه ليس لنفسه يريدها قالت: فلمن قال: لجليبيب قالت: لا نعم والله لا أزوج جليبيبًا. فلما قام أبوها ليأتي النبي صلى الله عليه وسلم قالت الفتاة من خدرها لأبويها: من خطبني إليكما قالا: رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: أو تردون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره ادفعوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يضيعني. فذهب أبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: شانك بها. فزوجها جليبيبًا. قال إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة لثابت: أتدري ما دعا لها به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وما دعا لها به قال: قال: " اللهم صب عليها الخير صبًا صبًا ولا تجعل عيشها كدًا كدًا ". قال ثابت: فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغزى له قال: " هل تفقدون من أحد " قالوا: نفقد فلانًا ونفقد فلانًا ثم قال: " هل تفقدون من أحد قالوا نفقد فلانًا ثم قال: " هل تفقدون من أحد " قالوا: لا قال: " لكني أفقد جليبيبًا فاطلبوه في القتلى " فنظروا فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا مني وأنا منه أقتل سبعة ثم قتلوه هذا مني وأنا منه أقتل سبعة ثم قتلوه هذا مني وأنا منه أقتل سبعة ثم قتلوه هذا مني وأنا منه ". فوضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ساعديه ثم حفروا له ما له سرير إلا ساعدي رسول الله صلى الله خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة: شهد بدرًا والعقبة والخندق ويوم بني قريظة وقتل يومئذ شهيدًا دلت عليه بنانة امرأة من بني قريظة رحى فشدخت رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " له أجر شهيدين " وقتلها رسول الله صلى الله عليه وسلم به. قال عروة: قالت عائشة رضي الله عنها: إنها لعندي تتحدث ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجالهم إذ هتف هاتف باسمها قالت: أنا والله قلت: ويلك ما لك أقتل قلت: ولم قالت: حدث أحدثته فانطلق بها فضربت عنقها فما أنسى منها أطيب نفس وكثرة ضحك وقد عرفت أنها تقتل. وجاءت أم خلاد وقد قيل لها: قتل خلاد وهي منقبة فقيل لها: قتل خلاد وأنت منقبة قالت: إن كنت رزئت خلادًا فلا أرزأ حياتي. سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل ويكنى أبا عمرو: وأمه كبشة بنت رافع وهي من المبايعات وكان لسعد من الولد عمرو وعبد الله وأمهما قيل: كبشة وليس ذلك وإنما الأصح أنها هند بنت سماك بن عتيك من المبايعات خلف عليها وكان إسلام سعد على يدي مصعب بن عمير وكان مصعب قد قدم المدينة قبل العقبة الآخرة يدعو الناس إلى الإسلام ويقرئهم القرآن فلما أسلم سعد لم يبق أحد في بني عبد الأشهل إلا أسلم يومئذ وكانت دار بني عبد الأشهل أول دار من دور الأنصار أسلموا جميعًا رجالهم ونساؤهم وحول سعد بن معاذ مصعب بن عمير وأسعد بن زرارة إلى داره فكانا يدعوان الناس إلى الإسلام في داره وكان سعد وأسعد ابني خالة وكان سعد وأسيد بن حضير يكسران أصنام بني عبد الأشهل وكان لواء الأوس يوم بدر مع سعد بن معاذ وشهد يوم أحد وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولى الناس. وأصيب يوم الخندق في أكحله. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكر الحمى فقال: " من كانت به فهو حظه من النار " فسألها سعد بن معاذ فلم تفارقه حتى فارق الدنيا. وأصيب يوم الخندق في أكحله فضرب عليه رسول الله قبة في المسجد ليعوده من قريب. أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيويه قال: حدثنا أبو الحسن بن معروف قال: أخبرنا الحسين بن الفهم قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا يزيد بن هارون. وأخبرناه عاليًا بن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا القطيعي قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن جده عن عائشة قالت: رمى سعدًا رجل من المشركين يقال له ابن العرقة بسهم له يوم الخندق فقال خذها وأنا ابن العرقة فأصاب أكحله فدعا الله سعد فقال: اللهم لا تمتني حتى تشفيني من قريظة - وكانوا مواليه وحلفاءه في الجاهلية - قالت: فرقأ كلمه فبعث الله عز وجل الريح على المشركين {وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويًا عزيزًا} فلحق أبو سفيان بمن معه بتهامة ولحق عيينة بمن معه بنجد ورجعت بنو قريظة فتحصنوا في صياصيهم ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فأمر بقبة فضربت على سعد بن معاذ في المسجد قالت: فجاءه جبريل وعلى ثناياه النقع فقال: أو قد وضعت السلاح فوالله ما وضعت الملائكة السلاح بعد أخرج إلى بني قريظة فقاتلهم. قالت: فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته وأذن في الناس بالرحيل. قالت: فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني غنم وهم جيران المسجد فقال لهم: " من مر بكم " قالوا: مر بنا دحية الكلبي - وكان دحية تشبه لحيته وسنة وجهه بجبريل عليه السلام فقالت: فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم خمسًا وعشرين ليلة فلما اشتد حصرهم أو اشتد البلاء عليهم قيل لهم: انزلوا على حكم رسول الله فاستشاروا أبا لبابة بن عبد المنذر فأشار إليهم أنه الذبح فقالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " انزلوا على حكم سعد بن معاذ " فنزلوا على حكم سعد بن معاذ فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ فحمل على حمار عليه إكاف من ليف وحف به قومه فجعلوا يقولون: يا أبا عمرو حلفاؤك ومواليك وأهل النكاية ومن قد علمت ولا يرجع إليهم شيئًا حتى إذا دنى من دورهم التفت إلى قومه فقال: قد أنى لي أن لا أبالي في الله لومة لائم فلما طلع على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " قوموا إلى سيدكم ". فأنزلوه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " احكم فيهم " فقال: فإني أحكم فيهم بقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم وتقسيم أموالهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله ". قالت: ثم دعا الله سعد فقال: اللهم إن كنت أبقيت على نبيك من حرب قريش شيئًا فأبقني لها وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك. قالت: فانفجر كلمه وقد كان برأ حتى ما يرى منه شيء إلا مثل الخرم ورجع إلى قبته التي ضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر قالت: فوالذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر وأنا في حجرتي وكانوا كما قال الله عز وجل: قال: فقلت: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع. فقالت: كانت عينه لا تدمع على أحد ولكنه كان إذا وجد فإنما هو أخذ بلحيته. قال محمد بن سعد: حدثنا عفان قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن معاذ من رميته. قال محمد بن سعد: وأخبرنا وهب بن جرير قال: أخبرنا أبي قال: سمعت الحسن يقول: لما مات سعد بن معاذ - وكان رجلًا جسيمًا جزلًا - جعل المنافقون وهم يمشون خلف سريره يقولون: لم نر كاليوم رجلًا أخف وقالوا: أتدرون لم ذاك ذاك لحكمه في بني قريظة فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: " والذي نفسي بيده لقد كانت الملائكة تحمل سريره ". أخبرنا عبد الأول قال: أخبرنا ابن المظفر قال: أخبرنا ابن أعين قال: حدثنا محمد بن يوسف قال: أخبرنا البخاري قال: أخبرنا محمد بن المثنى قال: أخبرنا فضل بن مساور قال: حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي صالح عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ ". أخرجاه في الصحيحين. وفيهما من حديث البراء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بثوب حرير فجعل يتعجب من حسنه ولينه فقال: " لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أفضل - أو خير - من هذا ". وقد روى سلمة بن أسلم الأشهلي قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت وما فيه إلا سعد مسجى فرأيته يتخطاه فوقف فأومأ إلي: " قف " فوقفت ورددت من ورائي وجلس ساعة ثم خرج فقلت: يا رسول الله ما رأيت أحدًا وقد رأيتك تتخطاه فقال: " ما قدرت على مجلس حتى قبض لي ملك من الملائكة أحد جناحيه " فجلست ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " هنيئًا لك يا أبا عمرو " ثلاث مرات. قال سعد بن إبراهيم: حضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يغسل فقبض ركبتيه وقال: دخل ملك فلم يكن له مكان فأوسعت له. وغسله أسيد بن حضير وسلمة بن سلام بن وقش ونزلا في قبره ومعهما الحارث بن أوس وأبو نائلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على القبر. وكانت أمه تبكي وتقول: ويل أم سعد سعدًا براعة ونجدًا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل البواكي يكذبن إلا أم سعد ". وجاءت أم سعد تنظر لم في اللحد فردها الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعوها ". فنظرت إليه قبل أن يبنى عليه اللبن فقالت: احتسبك عند الله وعزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبره وتنحى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سوي على قبره ورش عليه الماء ثم جاء فوقف عليه فدعا له وانصرف. وكان سعد رجلًا أبيض طوالًا جميلًا وتوفي ابن سبع وثلاثين سنة ودفن بالبقيع وأخذ من تراب قبره فإذا هو مسك. وروى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " هذا العبد الصالح الذي تحرك له العرش وفتحت له أبواب السماء وشهده سبعون ألفًا من الملائكة لم ينزلوا الأرض قبل ذلك ولقد ضم ضمة ثم أفرج عنه " يعني سعد بن معاذ رضي الله عنه. أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال: أخبرنا الجوهري قال: حدثنا ابن حيويه قال: حدثنا ابن معروف قال: أخبرنا ابن الفهم قال: أخبرنا ابن سعد قال: أخبرنا محمد بن الفضيل بن غزوان عن عطاء بن السائب عن مجاهد عن ابن عمر قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر سعد فاحتبس فلما خرج قيل له: يا رسول الله ما حبسك قال: " ضم سعد في القبر ضمة " فدعوت الله أن يكشف عنه. أمه الصعبة بنت التيهان أخت أبي الهيثم بن التيهان وهو أخو رافع بن سهل وهما اللذان خرجا إلى حمراء الأسد وهما جريحان يحمل أحدهما صاحبه ولم يكن لهما ظهر. شهد عبد الله بدرًا وأحدًا والخندق وقتل يومئذ شهيدًا. عمرة بنت مسعود أم سعد بن عبادة: توفيت بالمدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم غائب في دومة الجندل ومعه سعد فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى قبرها فصلى عليها وسأله سعد عن نذر كان عليها فقال: " اقضه عنها ". أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال: أنبأنا أبو إسحاق البرمكي قال: أخبرنا ابن حيوية قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: حدثنا الحسين بن الفهم قال: حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا روح بن عبادة قال: أخبرنا ابن جريج قال: اخبرني يعلى أنه سمع عكرمة مولى ابن عباس يقول: أنبأنا ابن عباس. أن سعد بن عبادة ماتت أمه وهو غائب عنها فأنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها أفينفعها إن تصدقت عنها قال: " نعم " قال: فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عنها. شهد بدرًا وأحدًا والخندق وقتل يومئذ.
|