الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)
.تفسير الآيات (52- 62): {وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55) هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56) أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58) أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)}نصب {قوم نوح} عطفاً على ثمود وقوله: {من قبل} لأنهم كانوا أول أمة كذبت من أهل الأرض، و{نوح} أول الرسل، وجعلهم {أظلم وأطغى}: لأنهم سبقوا إلى التكذيب دون اقتداء بأحد قبلهم، وأيضاً فإنهم كانوا في غاية من العتو، وكان عمر نوح قد طال في دعائهم، فكان الرجل يأتي إليه مع ابنه فيقول: أحذرك من هذا الرجل فإنه كذاب، ولقد حذرني منه أبي وأخبرني أن جدي حذره منه، فمشت على ذلك أخلافهم ألفاً إلا خمسين عاماً.و{المؤتفكة} قرية قوم لوط بإجماع من المفسرين، ومعنى {المؤتفكة}: المنقلبة لأنها أفكت فائتفكت، ومنه الإفك، لأنه قلب الحق كذباً، وقرأ الحسن بن أبي الحسن: {والمؤتفكات أهوى} على الجمع. و{أهوى} معناه: طرحها من هواء عال إلى أسفل، هذا ما روي من أن جبريل عليه السلام اقتلعها بجناحه حتى بلغ بها قرب السماء ثم حولها قلبها فهبط الجميع واتبعوا حجارة وهي التي غشاها الله تعالى.وقوله: {فبأي ألاء ربك تتمارى} مخاطبة للإنسان الكافر، كأنه قيل له: هذا هو الله الذي له هذه الأفاعيل، وهو خالقك المنعم عليك بكل النعم، ففي أيها تشك. و: {تتمارى} معناه: تتشكك. وقرأ يعقوب {ربك تتمارى} بتاء واحدة مشددة. وقال أبو مالك الغفاري إن قوله: {ألا تزر} [النجم: 38] إلى قوله: {تتمارى} هو في صحف إبراهيم وموسى.وقوله: {هذا نذير} يحتمل أن يشير إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا قول قتادة وأبي جعفر ومحمد بن كعب القرظي، ويحتمل أن يشير إلى القرآن، وهو تأويل قوم، وقال أبو مالك: الإشارة بهذا النذير إلى ما سلف من الأخبار عن الأمم. و: {نذير} يحتمل أن يكون بناء اسم فاعل، ويحتمل أن يكون مصدراً، ونذر جمع نذير. وقال {الأولى} بمعنى أنه في الرتبة والمنزلة والأوصاف من تلك المتقدمة، والأشبه أن تكون الإشارة إلى محمد.وقوله: {أزفت} معناه: قربت القريبة. و: {الآزفة} عبارة عن القيامة بإجماع من المفسرين. وأزف معناه: قرب جداً، قال كعب بن زهير: [البسيط]وقوله: {كاشفة} يحتمل أن يكون صفة لمؤنث، التقدير: حالة {كاشفة}، أو منة {كاشفة}. قال الرماني أو جماعة، ويحتمل أن يكون مصدراً كالعاقبة و{خائنة الأعين} [غافر: 19]. ويحتمل أن يكون بمعنى كاشف، والهاء للمبالغة، كما قال: {فهل ترى لهم من باقية} [الحاقة: 8] وأما معنى {كاشفة} فقال الطبري والزجاج: هو من كشف السر، أي ليس من دون الله من يكشف وقتها ويعلمه. وقال الزهراوي عن منذر بن سعيد: هو من كشف الضر ودفعه، أي ليس من يكشف خطبها وهولها.وقرأ طلحة: {ليس لها} مما تدعون {من دون الله كاشفة} وهي على الظالمين سوءات الغاشية، وهذا الحديث هو القرآن.وقوله: {أفمن} توقيف وتوبيخ. وفي حرف أبيّ وابن مسعود: {تعجبون} {تضحكون} بغير واو العطف، وفي قوله عز وجل: {ولا تبكون} حض على البكاء عند سماع القرآن. وروى سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن هذا القرآن أنزل يخوف، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا» ذكره الثعلبي، والسامد: اللاعب اللاهي، وبهذا فسر ابن عباس وغيره من المفسرين. وقال الشاعر [هذيلة بنت بكر]: [مجزوء الكامل] وسمد بلغة حمير غنى، وهو معنى كله قريب من بعض، وأسند الطبري عن أبي خالد الوالي قال: خرج علينا عليّ ونحن قيام ننتظر الصلاة فقال: ما لي أراكم سامدين.قال القاضي أبو محمد: يشبه أنه رآهم في أحاديث ونحوه مما يظن أنه غفلة ما. وقد قال إبراهيم كانوا يكرهون أن ينتظروا خروج الإمام قياماً، وفي الحديث: «إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني».ثم أمر تعالى بالسجود وعبادة الله تحذيراً وتخويفاً، وهاهنا سجدة في قول كثير من أهل العلم، منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وردت بها أحاديث صحاح، وليس يراها مالك رحمه الله، وقال زيد بن وثاب إنه قرأ بها عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم يسجد. .سورة القمر: .تفسير الآيات (1- 8): {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)}{اقتربت} معناه: قربت إلا أنه أبلغ، كما أن اقتدر أبلغ من قدر. و: {الساعة} القيامة وأمرها مجهول التحديد لم يعلم، إلا أنها قربت دون تحديد، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة كهاتين»، وأشار بالسبابة والوسطى. وقال أنس: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كادت الشمس تغيب فقال: «ما بقي من الدنيا فيما مضى إلا كمثل ما بقي من هذا اليوم».وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لأرجو أن يؤخر الله أمتي نصف يوم» وهذا منه على جهة الرجاء والظن لم يجزم به خبراً، فأناب الله به على أمله وأخر أمته أكثر من رجائه، وكل ما يروى عن عمر الدنيا من التحديد فضعيف واهن.وقوله: {انشق القمر} إخبار عما وقع في ذلك، وذكر الثعلبي أنه قيل إن المعنى ينشق القمر يوم القيامة، وهذا ضعيف الأمة على خلافه، وذلك أن قريشاً سألت رسول الله آية فقيل مجملة، وهذا قول الجمهور، وقيل بل عاينوا شق القمر، ذكره الثعلبي عن ابن عباس فأراهم الله انشقاق القمر، فرآه رسول الله وجماعة من المسلمين والكفار، فقال رسول الله «اشهدوا» وممن قال من الصحابة رأيته: عبد الله بن مسعود وجبير بن مطعم وأخبر به عبد الله بن عمر وأنس وابن عباس وحذيفة بن اليمان، وقال المشركون عند ذلك: سحرنا محمد. وقال بعضهم: سحر القمر وقالت قريش استخبروا المسافرين القادمين عليكم، فما ورد أحد إلا أخبر بانشقاقه وقال ابن مسعود: رأيته انشق فذهبت فرقة وراء جبل حراء، وقال ابن زيد: كان يرى نصفه على قعيقعان والآخر على أبي قبيس. وقرأ حذيفة: {اقتربت الساعة وقد انشق القمر}، وذكر الثعلبي عنه أن قراءته: {اقتربت الساعة انشق القمر} دون واو.وقوله: {وإن يروا} جاء اللفظ مستقبلاً لينتظم ما مضى وما يأتي، فهو إخبار بأن حالهم هكذا، واختلفت الناس في معنى: {مستمر} فقال الزجاج قيل معناه: دائم متماد. وقال قتادة ومجاهد والكسائي والفراء معناه: مار ذاهب عن قريب يزول. وقال أبو العالية والضحاك معناه: مشدود من مرائير الحبل كأنه سحر قد أمر، أي أحكم. ومنه قول الشاعر [لقيط بن زرارة]: [البسيط]ثم أخبر تعالى بأنهم كذبوا واتبعوا شهواتهم وما يهوون من الأمور لا بدليل ولا بتثبت، ثم قال على جهة الخبر الجزم، {وكل أمر مستقر} يقول: وكل شيء إلى غاية فالحق يستقر ظاهراً ثابتاً، والباطل يستقر زاهقاً ذاهباً.وقرأ أبو جعفر بن القعقاع {وكل مستقرٍ} بجر {مستقر}، يعني بذلك أشراطها.والجمهور على كسر القاف من {مستقِر} وقرأ نافع وابن نصاح بفتحها، قال أبو حاتم: لا وجه لفتح القاف.و: {الأنباء} جمع نبأ، ويدخل في هذا جميع ما جاء به القرآن من المواعظ والقصص ومثلات الأمم الكافرة، و: {مزدجر} معناه: موضع زجر وانتهاء، وأصله: مزتجر، قلبت التاء دالاً ليناسب مخرجها مخرج الزاي، وكذلك تبدل تاء افتعل من كل فعل أوله زاي كازدلف وازداد ونحوه.وقوله: {حكمة} مرتفع إما على البدل من {ما} في قوله: {ما فيه}، وإما على خبر ابتداء تقديره: هذه حكمة و: {بالغة} معناه: يبلغ المقصد بها من وعظ النفوس والبيان لمن له عقل. وقوله: {فما تغني النذر}، يحتمل أن تكون {ما} نافية، أي ليس تغني مع عتو هؤلاء الناس، ويحتمل أن تكون {ما} استفهاماً بمعنى التقرير، أي فما غناء النذر مع هؤلاء الكفرة، ثم سلى نبيه بقوله: {فتول عنهم} أي لا تذهب نفسك عليهم حسرات، وتم القول في قوله: {عنهم} ثم ابتدأ وعيدهم، والعامل في {يوم} قوله: {يخرجون}، و: {خشعاً} حال من الضمير في {يخرجون} وتصرف الفعل يقتضي تقدم الحال، قال المهدوي: ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في {عنهم}. قال الرماني المعنى: {فتول عنهم} واذكر {يوم}. وقال الحسن المعنى: {فتول عنهم} إلى {يوم}، وانحذفت الواو من {يدع} لأن كتبة المصحف اتبعوا اللفظ لا ما يقتضيه الهجاء، وأما حذف الياء من: {الداع} ونحوه، فقال سيبويه: حذفوه تخفيفاً. وقال أبو علي: حذفت مع الألف واللام إذ هي تحذف مع معاقبهما وهو التنوين.وقرأ جمهور الناس: {نكُر} بضم الكاف. وقرأ ابن كثير وشبل والحسن: {نكِر} بكسر الكاف، وقرأ مجاهد والجحدري وأبو قلابة: {نُكِرَ} بكسر الكاف وفتح الراء على أنه فعل مبني للمفعول، والمعنى في ذلك كله أنه منكور غير معروف ولا مرئي مثله. قال الخليل: النكر: نعت للأمر الشديد والرجل الداهية. وقال مالك بن عوف النصري: [الرجز] ونكر فعل وهو صفة، وذلك قليل في الصفات، ومنه مشية سجح وقال الشاعر [حسان بن ثابت الأنصاري]: [البسيط] ومنه رجل شلل وناقة أجد.وقرأ جمهور القراء: {خشعاً} وهي قراءة الأعرج وأبي جعفر وشيبة والحسن وقتادة. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: {خاشعاً}، وهي قراءة ابن عباس وابن جبير ومجاهد والجحدري، وهو إفراد بمعنى الجمع، ونظيره قول الشاعر [الحارث بن أوس الإيادي]: [الرمل] ورجح أبو حاتم هذه القراءة وذكر أن رجلاً من المتطوعة قال قبل أن يستشهد: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فسألته عن خشعاً وخاشعاً فقال: «خاشعاً» بالألف، وفي مصحف أبيّ بن كعب وعبد الله: {خاشعة}.وخص الأبصار بالخشوع لأنه فيها أظهر منه في سائر الجوارح، وكذلك سائر ما في نفس الإنسان من حياء أو صلف أو خوف ونحوه إنما يظهر في البصر. و: {الأجداث} جمع جدث وهو القبر، وشبههم بالجراد المنتشر، وقد شبههم في أخرى ب {الفراش المبثوث} [القارعة: 4]، وفيهم من كل هذا شبه، وذهب بعض المفسرين إلى أنهم أولاً كالفراش حين يموجون بعض في بعض ثم في رتبة أخرى كالجراد إذا توجهوا نحو المحشر والداعي، وفي الحديث: إن مريم بنت عمران دعت للجراد فقالت: اللهم اعشها بغير رضاع وتابع بينها بغير شباع.والمهطع: المسرع في مشيه نحو الشيء مع هز ورهق ومد بصر نحو المقصد، إما لخوف أو طمع أو نحوه، و{يقول الكافرون هذا يوم عسر} لما يرون من مخايل هوله وعلامات مشقته. .تفسير الآيات (9- 17): {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)}سوق هذه القصة وعيد لقريش وضرب مثل لهم، وقوله: {وازدجر} إخبار من الله أنهم زجروا نوحاً بالسب والنجه والتخويف، قاله ابن زيد وقرأ: {لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين} [الشعراء: 116]، وذهب مجاهد إلى أن {وازدجر} من كلام {قوم نوح}، كأنهم قالوا {مجنون وازدجر}، والمعنى: استطير جنوناً واستعر جنوناً، وهذا قول فيه تعسف وتحكم.وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم والأعرج والحسن {أني} بفتح الألف، أي بأنه كان دعاءه كان هذا المعنى. وقرأ عاصم أيضاً وابن أبي إسحاق وعيسى {إني} بكسر الألف كأن دعاءه كان هذا اللفظ قال سيبويه: المعنى قال إني.وذهب جمهور المفسرين إلى أن المعنى أني قد غلبني الكفار بتكذيبهم وتخويفهم، انتصر لي منهم بأن تهلكهم، ويحتمل أن يريد: فانتصر لنفسك إذ كذبوا رسولك. ويؤيده قول ابن عباس إن المراد بقوله: لمن كان كفر الله تعالى، فوقعت الإجابة على نحو ما دعا نوح عليه السلام، وذهبت المتصوفة إلى أن المعنى: إني قد غلبتني نفسي في إفراطي في الدعاء على قومي فانتصر مني يا رب بمعاقبة إن شئت. والقول الأول هو الحق إن شاء الله يدل على ذلك اتصال قوله: {ففتحنا} الآية، وذلك هو الانتصار في الكفار.وقرأ جمهور القراء: {ففتَحنا} بتخفيف التاء. وقرأ ابن عامر وأبو جعفر والأعرج: {ففتّحنا} بشدها على المبالغة ورجحها أبو حاتم لقوله تعالى: {مفتحة لهم الأبواب} [ص: 50]، قال النقاش: يعني بالأبواب المجرة وهي شرج السماء كشرج العبية، وقال قوم من أهل التأويل: الأبواب حقيقة فتحت في السماء أبواب جرى منها الماء. وقال جمهور المفسرين: بل هو مجاز وتشبيه، لأن المطر كثر كأنه من أبواب. والمنهمر الشديد الوقوع الغزير. قال امرؤ القيس: [الرمل]وقرأ الجمهور: {وفجّرنا} بشد الجيم. وقرأ ابن مسعود وأصحابه وابو حيوة عن عاصم {وفجَرنا} بتخفيفها. وقرأ الجمهور {فالتقى الماء} على اسم الجنس الذي يعم ماء السماء وماء العيون. وقرأ الحسن وعلي بن أبي طالب وعاصم الجحدري. {فالتقى الماءان} ويروى عن الحسن: {فالتقى الماوان}.وقوله: {على أمر قد قدر} قال فيه الجمهور على رتبة وحالة قد قدرت في الأزل وقضيت. وقال جمهور من المتأولين المعنى: على مقادير قد قدرت ورتبت وقت التقائه، ورووا أن ماء الأرض علا سبعة عشر ذراعاً وكان ماء السماء ينزل عليه بقية أربعين ذراعاً أو نحو هذا لأنه مما اختلفت فيه الروايات ولا خبر يقطع العذر في شيء من هذا التحرير.وقرأ أبو حيوة: {قدّر} بشد الدال. وذات الألواح والدسر: هي السفينة قيل كانت ألواحها وخشبها من ساج، والدسر: المسامير، واحدها: دسار، وهذا هو قول الجمهور، وهو عندي من الدفع المتتابع، لأن المسمار يدفع أبداً حتى يستوي. وقال الحسن وابن عباس أيضاً: الدسر: مقادم السفينة، لأنها تدسر الماء أي تدفعه والدسر: الدفع. وقال مجاهد وغيره: نطق السفينة. وقال أيضاً: هو أرض السفينة. وقال أيضاً: أضلاع السفينة، وقد تقدم القول في شرح قصة السفينة مستوعباً، وجمهور الناس على أنها كانت على هيئة السفن اليوم كجؤجؤ الطائر، وورد في بعض الكتب أنها كانت مربعة، طويلة في السماء، واسعة السفل، ضيقة العلو، وكان أعلاها مفتوحاً للهواء والتنفس، قال: لأن الغرض منها إنما كانت السلامة حتى ينزل الماء، ولم يكن طلب الجري وقصد المواضع المعينة، ومع هذه الهيئة فلها مجرى ومرسى، والله أعلم كيف كانت، والكل محتمل.وقوله: {بأعيننا} قال الجمهور معناه: بحفظنا وحفايتنا وتحت نظرنا لأهلها، فسمى هذه الأشياء أعيناً تشبيهاً، إذ الحافظ المتحفي من البشر إنما يكون ذلك الأمر نصب عينه، وقيل المراد من حفظها من الملائكة سماهم عيوناً، وقال الرماني وقيل إن قوله: {بأعيننا} يريد العيون المفجرة من الأرض.قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف.وقرأ أبو السمال: {بأعينا} مدغمة. وقرأ جمهور الناس: {كُفِر} بضم الكاف وكسر الفاء، واختلفوا في المعنى فقال ابن عباس ومجاهد: {من}، يراد بها الله تعالى كأنه قال: غضباً وانتصاراً لله، أي انتصر لنفسه فأنجى المؤمنين وأغرق الكافرين. وقال مكي وقيل {من}، يراد بها نوح والمؤمنين، لأنهم كفروا من حيث كفر بهم فجازاهم الله بالنجاة. وقرأ يزيد بن رومان وعيسى وقتادة: {كَفَر} بفتح الكاف والفاء، والضمير في: {تركناها} قال مكي بن أبي طالب هو عائد على هذه الفعلة والقصة. وقال قتادة والنقاش وغيره: هو عائد على هذه السفينة، قالوا وإن الله تعالى أرسلها على الجودي حين تطاولت الجبال وتواضع وهو جبيل بالجزيرة بموضع يقال له باقردى، وأبقى خشبها هنالك حتى رأت بعضه أوائل هذه الأمة. وقال قتادة: وكم من سفينة كانت بعدها صارت رصودا و: {مدكر} أصله: مذتكر، أبدلوا من التاء ذالاً ليناسب الدال في النطق، ثم أدغموا الدال في الدال، وهي قراءة الناس، قال أبو حاتم: رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح وقرأ قتادة: {مذكر} بالذال على إدغام الثاني في الأول، قال أبو حاتم: وذلك رديء ويلزمه أن يقرأ واذكر بعد أمة وتذخرون في بيوتكم.وقوله تعالى: {فكيف كان عذابي ونذر} توقيف لقريش وتوبيخ، والنذر: جمع نذير، المصدر بمعنى كان عاقبة إنذاري لمن لم يجعل به كأنتم أيها القوم.و: {يسرنا القرآن} معناه: سهلناه وقربناه والذكر: الحفظ عن ظهر قلب، قال ابن جبير: لم يستظهر من كتب الله سوى القرآن.قال القاضي أبو محمد: يسر بما فيه من حسن النظم وشرف المعاني فله لوطة بالقلوب، وامتزاج بالعقول السليمة.وقوله: {فهل من مدكر} استدعاء وحض على ذكره وحفظه لتكون زواجره وعلومه وهداياته حاضرة في النفس. قال مطرف في قوله تعالى: {فهل من مدكر} هل من طالب علم فيعان عليه.قال القاضي أبو محمد: الآية تعديد نعمة في أن الله يسر الهدى ولا بخل من قبله، فلله در من قبل وهدى. وقد تقدم تعليل: {مدكر}.
|