الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: اللامات في اللغة ***
اعلم أن موقع هذه اللام في النداء كموقع اللام التي ذكرناها في الباب المتقدم في النفي بل هي تلك بعينها تدخل بين المضاف والمضاف إليه فتبقي الإضافة على حالها ولا تفصلها وإنما فرقنا بينهما وإن كان مجراهما ومعناهما واحدا للفرق بين الموضعين ومخالفة معنى النداء للنفي وأكثر هذه اللامات ترجع إلى معنى واحد وإنما كثرت واختلفت باختلاف موقعها وسنذكر أصول هذه اللامات ورجوعها إلى أصول تضمها في باب مفرد من هذا الكتاب إن شاء الله وذلك قولك يا بؤس لزيد والتقدير يا بؤس زيد فأدخلت اللام مقحمة مزيدة ولم تفصل بين المضاف والمضاف إليه ومثل ذلك قول الشاعر: يا بؤس للحرب التي *** وضعت أراهط فاستراحوا أنشده سيبويه والخليل وغيرهما وأنشدت الجماعة أيضا: قالت بنو عامر خالوا بني أسد *** يا بؤس للجهل ضرارا لأقوام والدليل على أن حرف النداء واقع عليه وأنه ليس بمقدر لمنادى في النية أنه منصوب ولو كان حرف النداء غير واقع عليه لم يجز نصبه وليس في العربية موضع تدخل فيه اللام بين المضاف والمضاف إليه غير فاصلة بينهما إلا في النفي والنداء للعلة التي ذكرناها في الباب الأول من كثرة النفي والنداء في كلامهم وهم مما يغيرون الأكثر في كلامهم وعلى أن النداء في كلامهم أكثر من النفي قال: سيبويه أول كل كلام النداء وإنما يترك في بعضه تخفيفا وذلك أن سبيل المتكلم أن ينادي من يخاطبه ليقبل عليه ثم يخاطبه مخبرا له أو مستفهما أو آمرا أو ناهيا وما أشبه ذلك، فإن ما يترك النداء إذا علم إقبال المخاطب على المتكلم استغناء بذلك قال: وربما أقبل المتكلم على مخاطبه وهو منصت له مقبل عليه فيقول له مصغ له يا فلان توكيدا ثم يخاطبه فلما كثر النداء في كلامهم هذه الكثرة أجازوا تغييره وبناءه على الضم إذا كان مفردا وحذف التنوين منه وترخيمه وزيادة اللام فيه بين المضاف والمضاف إليه. اعلم أن الفعل المستقبل إذا وقع في القسم موجبا لزمته اللام في أوله والنون في آخره ثقيلة أو خفيفة ولم يكن بد منهما جميعا وذلك قولك والله لأخرجن وتا لله لأركبن قال الله عز وجل: وتا لله لأكيدن أصنامكم؛، وقال تعالى؛ : {لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا} [سورة آل عمران: 186]؛ فإن قال قائل فلم لزمت اللام والنون معا وما الفائدة في الجمع بينهما وهلا جاز الاقتصار على إحداهما إذ كانتا جميعا للتوكيد فالجواب في ذلك أن الخليل وسيبويه والفراء والكسائي أجمعوا على أنه إنما جمع بين اللام والنون هاهنا لأن اللام تدخل لتحقيق المحلوف عليه كما دخلت لا في النفي وكذلك قولك: والله لا يقوم زيد ولزمت النون في آخر الفعل ليفصل بها بين فعل الحال والاستقبال فهي دليل الاستقبال فإذا قلت والله ليخرجن زيد دلت اللام على الإيجاب والنون على الاستقبال وتخليص الفعل من الحال فقد دل كل واحد منهما على معنى مفرد، فإن لم ترد الاستقبال جاز أن تقول والله ليقوم ويصلي لمن هو في تلك الحال وربما أضمرت هذه اللام في الشعر مع ذكر النون ضرورة كما، قال الشاعر: فهم الرجال وكل ذلك منهم *** تجدن في رحب وفي متضيق وأنشده الكسائي وزعم أنه أضمر اللام، وقال الفراء اللام لا يجوز إضمارها مع النون الثقيلة والخفيفة إلا بأن تتقدمها لام مثلها تدل عليها ولكن هذا الشاعر أدخل النون في الواجب ضرورة قال الفراء فمما تضمر فيه اللام قول الشاعر: فليأزلن وتبكؤن لقاحه *** ويعللن صبيه بسمار أضمر اللام في الفعلين الأخيرين لما ذكرها في أول الكلام فكأنه قال: فليأزلن ولتبكؤن لقاحه وليعللن صبيه بسمار، وقد يجوز عند البصريين أن يكون أدخل النون في الفعلين الأخيرين ضرورة لأن الشعراء قد يدخلون هذه النون ضرورة في الواجب وإنما حكمها أن تدخل فيما ليس بواجب فأما إدخالها في الواجب ضرورة فنحو قول الشاعر: ربما أوفيت في علم *** ترفعن ثوبي شمالات في فتو أنا رابئهم من كلال غزوة ما تواليت شعري ما أماتهم نحن أدلجنا وهم باتوا وهو في الشعر كثير جدا. اعلم أن ل( إن) المكسورة المخففة أربعة مواضع تكون جزاء كقولك: إن تكرمني أكرمك وإن تزرني أحسن إليك كما قال تعالى: {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ} [سورة البقرة: 284]؛ وتكون جحدا بمنزلة ما فتقول إن زيد قائما كما تقول ما زيد قائما وتقول إن زيد إلا قائم كما تقول ما زيد إلا قائم قال الله تعالى: {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} [سورة الملك: 20] وتكون زائدة كما تقول لما إن جاء زيد أحسنت إليه والمعنى لما جاء زيد و إن زائدة فهي في هذه الوجوه الثلاثة قائمة بنفسها لا يلزمها شيء ولها وجه رابع وهو الذي قصدناه في هذا الباب وذلك أن تكون مخففة من الثقيلة فتلزمها اللام في خبرها ويبطل عملها في أكثر اللغات كقولك: إن زيد لقائم؛ والمعنى إن زيدا لقائم فلما خففت إن رفعت زيدا بالابتداء وجعلت قائما خبر الابتداء وبطل عمل إن لأنها كانت تعمل بلفظها ولمضارعتها الفعل فلما نقص بناؤها زال عملها ولزمتها اللام في الخبر ولم يجز حذف اللام في الخبر لئلا تشبه النافية ألا ترى أنك لو قلت إن زيد قائم وأنت تريد الإيجاب لم يكن بينها وبين النافية فرق فألزمت اللام في الخبر لذلك فإذا ثقلت إن كنت مخيرا في الإتيان باللام في الخبر وحذفها كقولك: إن زيدا لقائم وإن زيدا قائم لأن اللبس قد زال وذلك أنها إذا ثقلت لم يكن لها معنى في النفي فافهم ذلك، ومن ذلك قول الله عز وجل: وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين هي مخففة من الثقيلة وجاز وقوع الفعل بعدها لأنها إذا خففت بطل عملها ووقع بعدها الابتداء والخبر والأفعال والدليل على أنها مخففة من الثقيلة لزوم اللام في الخبر ومثل ذلك قول الله تعالى: {وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [سورة يوسف: 3]؛ ومثله قوله: قال تا لله إن كدت لتردين؛ كل هذا مخفف من الثقيلة وأهل الكوفة يسمون هذه اللام لام إلا ويجعلون إن هاهنا بمنزلة ما في الجحد قالوا ومعنى قوله وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين ما وجدنا أكثرهم إلا فاسقين، وكذلك قوله وإن كنت من قبله لمن الغافلين تأويله عندهم ما كنت من قبله إلا من الغافلين، وكذلك سائر هذا الذي مضى يخرجونه إلى هذا التأويل وهذا غلط لأن اللام للإيجاب والتحقيق و ما للنفي فلا يجوز اجتماعهما في حال فيكون الكلام محققا منفيا ألا ترى أنك لو أظهرت ما في هذه الآيات لم يجز لو قلت ما كنت من قبله لمن الغافلين وما زيد لقائم لم يجز وإنما يكون الشيء موضوعا موضع غيره إذا كان معناه كمعناه فأما إذا باينه فحمله عليه خطأ؛ وأما مجيء إن بمعنى ما إذا كان بعدها إلا فسائغ جيد لأنك لو وضعت ما مكانها لم يمتنع وذلك قولك إن زيد إلا قائم فهو بمعنى ما لأنك لو قلت ما زيد إلا قائم كان كلاما جيدا، وكذلك قوله عز وجل: {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} [سورة الملك: 20] لأنه لو قيل ما الكافرون إلا في غرور لكان المعنى واحدا، فإن قال قائل، فإن ك إذا اعتمدت على أن إن إذا كان في خبرها اللام لم تكن بمعنى ما لأن اللام للتحقيق وما للنفي والجمع بينهما خطأ في شيء واحد، فإن ت قد تقول ما زيد إلا قائم فتجمع بين إلا وما في كلام واحد و إلا محققة و ما نافية فما أنكرت أن يكون معنى قولهم إن زيد لقائم بمعنى ما زيد إلا قائم فتكون إن للنفي واللام للإيجاب و يجوز الجمع بينهما كما جاز الجمع بين إلا و ما قيل ذلك غير جائز والفرق بينهما أن إلا فيها نقض ما قبلها، فإن دخلت بعد كلام موجب نقضته فجعلته منفيا كقولك: قام القوم إلا زيدا فقد نفيت القيام عن زيد بإلا وإن دخلت على منفي نقضت النفي فجعلته موجبا كقولك: ما قام القوم إلا زيد فقد أوجبت القيام لزيد بإلا وليس في اللام معنى نقض ما قبلها وإنما فيها تحقيق ما بعدها فإذا أدخلتها في خبر ما فقلت ما زيد لقائم جمعت بين النفي والإيجاب في الخبر وهذا محال فقد بان لك الفرق بين إلا واللام، ومن ذلك قول الشاعر: هبلتك أمك إن قتلت لمسلما *** حلت عليك عقوبة المتعمد معناه إنك قتلت مسلما فلما خففت إن بطل عملها ووقع بعدها الفعل ولزمت اللام في خبرها لئلا تشبه النافية قال: الكوفيون معناه ما قتلت إلا مسلما، وقد مضى القول في هذا. واعلم أن قوما من العرب يخففون إن وينصبون بها فيقولون إن زيدا لقائم ولا بد في الخبر من اللام لأن الأصل ما ذكرت لك من إبطال عملها مع التخفيف وحجة من نصب بها مخففة أنه قال: إنما نصبت إن لمضارعتها الفعل معنى ولفظا، فإنها إذا خففت فمعناها قائم لم يزل وتخفيف لفظها لا يزيل عملها كما أن من الأفعال ما يحذف بعضه ولا يزول عمله كقولك: لم يكن زيد قائما ولم يك زيد قائما ويدعو زيد ربه ثم تقول لم يدع زيد أحدا كما قال تعالى: {وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ} [سورة الإسراء: 11]؛ على ما ذكرنا قرأ أكثر القراء وإن كلا لما ليوفينهم ووجهه ما ذكرت لك قال سيبويه: اللام الأولى في لما لام إن و ما للتوكيد واللام التي في ليوفينهم لام قسم مقدر في الكلام واستدل على ذلك بلزوم النون الثقيلة في الفعل. وهي التي يسميها الكوفيون لام الصيرورة هذه اللام هي ناصبة لما تدخل عليه من الأفعال بإضمار أن والمنصوب بعدها بتقدير اسم مخفوض وهي ملتبسة بلام المفعول من أجله وليست بها وذلك قولك أعددت هذه الخشبة ليميل الحائط فأدعمه بها وأنت لم ترد ميل الحائط ولا أعددتها للميل لأنه ليس من بغيتك وإرادتك ولكن أعددتها خوفا من أن يميل فتدعمه بها واللام دالة على العاقبة، وكذلك قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [سورة القصص: 8]؛ وهم لم يلتقطوه لذلك إنما التقطوه ليكون لهم فرحا وسرورا فلما كان عاقبة أمره إلى أن صار لهم عدوا وحزنا جاز أن يقال ذلك فدلت اللام على عاقبة الأمر والعرب قد تسمي الشيء باسم عاقبته كما قال تعالى: {نِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [سورة يوسف: 36]؛ إنما كان يعصر عنبا تؤول عاقبته إلى أن يكون خمرا فسماها بذلك وحكى الأصمعي عن المعتمر بن سليمان أنه قال: لقيني أعرابي ومعه عنب فقلت له ما معك فقال خمر وهذا هكذا مجازه عند أهل العربية أن العرب قد تسمي الشيء باسم الشيء إذا جاوره أو ناسبه أو اتصل به أو آلت إليه عاقبته فقد زعم من لا علم له بالعربية ومعرفة أساليبها وأتساع العرب فيها أن الخمر هاهنا هو العنب نفسه ضعفا منه عن تخريج وجهه من كلام الفصحاء منهم وإلحاقه بما يعرفون الخطاب به ولو كان هذا جائزا في اللغة لكان من أكل العنب قد أتى ما حظره الله عليه من تحريم الخمر، وقد خاطب الله تعالى ذكره العرب وأصحاب النبي بذلك فعقلوه المراد به ولم يحمل عن أحد منهم أن المراد بالتحريم العنب والإجماع على هذا يدل على فساد ما ذهب إليه هذا القائل بهذه المقالة ومن لام العاقبة قول الشاعر وهو سابق البربري: أموالنا لذوي الميراث نجمعها *** ودورنا لخراب الدهر نبنيها وهم لا يجمعون المال للوارث ولا يبنون الدور للخراب ولكن لما كانت عاقبة أمرهم إلى ذلك جاز أن يقال فيه ما ذكرنا، ومن ذلك قول الآخر: لا يبعد الله رب الأنام *** والملح ما ولدت خالده هم يطعمون سديف العشار *** والشحم في الليلة البارده هم يطعنون صدور الكماة *** والخيل تطرد أو طارده يذكرني حسن آلائهم *** تأوه معولة فاقده فأم سماك فلا تجزعي *** فللموت ما تلد الوالده لا تلد للموت ولكن ذلك للعاقبة كما ذكرنا ومعنى الصيرورة والعاقبة في هذا سواء وإن اختلف اللفظان. لام التبيين تلحق بعد المصادر المنصوبة بأفعال مخزولة مضمرة لتبين من المدعو له بها وذلك قولك سقيا ورعيا ورحبا ونعمة ومسرة وخيبة ودفرا وسحقا وبعدا قال: سيبويه كل هذا منصوب على إضمار الفعل المختزل استغناء عنه بها ثم نقول في تفسير ذلك تأويله سقاك الله سقيا ورعاك الله رعيا وخيبه خيبة وما أشبه ذلك وإنما اختزل الفعل لأنهم جعلوا المصدر بدلا منه ثم تلحق لام التبيين فيقال سقيا لزيد ورعيا له وتبا لعمرو ونكرا له وجوعا له ونوعا لأنه لولا هذه اللام لم يعلم من المدعو له بشيء من هذا أو المدعو عليه، ومن ذلك قول الله عز وجل: فسحقا لأصحاب السعير وربما جاءت مصادر لا تكاد تستعمل أفعالها إلا أن تأويلها هذا التأويل كما قال ابن ميادة: تفاقد قومي إذ يبيعون مهجتي بجارية بهرا لهم بعدها بهرا فإن ما أدخل اللام في قوله بهرا لهم للتبيين ومعنى بهرا تعسا لهم كذلك يقول بعض أهل اللغة، وقال بعضهم معنى بهرا لهم غلبة لهم وقهرا لهم كأنه دعا عليهم بالغلبة قالوا، ومن ذلك قولهم بهر القمر الكواكب إذا قوي ضوءه فغلب ضوء الكواكب، وقد تستعمل بهرا لفلان بمعنى التعجب كما، قال الشاعر: ثم قالوا تحبها قلت بُهرًا *** عدد النجم والحصى والتراب إنما معناه عجبا لهم وربما تركت العرب إظهار هذه اللام إذا علم الداعي أنه قد علم المعنى بدعائه وعلى ذلك جاء هذا البيت وربما جيء بها توكيدا وإن كان العلم محيطا بأن المخاطب قد عرف المقصود بالدعاء قال: سيبويه ومجرى هذه اللام في التبيين هاهنا مجرى بك التي تقع بعد قولك مرحبا بك لأنها تكون للبيان هناك بمنزلة اللام هاهنا فهما تجريان في التبيين مجرى واحدا، وقد تستعمل أسماء في الدعاء ليست بمصادر فتجري هذا المجرى في النصب وإلزام اللام تبيينا كقوله: م ويلا لزيد وتربا له وجندلا وما أشبه ذلك فاللام للتبيين لا بد منها إلا أن تترك لعلم المخاطب قال: جرير كسا اللؤم تيما خضرة في جلودها فويلا لتيم من سرابيلها الخضر؛ وأما قول الشاعر: واها لريا ثم واها واها *** هي المنى لو أننا نلقاها فإن اللام للتبيين ومعنى هذا الكلام التعجب والتمني إلا أنه ليس بمصدر صحيح لأنه لو كان على لفظ الفعل لكان ينطق بفعله وما كان من هذه الأسماء سوى المصادر فالرفع فيها جائز وتصير اللام لام الخبر التي تقع للاستحقاق، وقد شرحنا وجوهها فيما مضى وذلك قولك ويح لزيد وويل له يرفع بالأبتداء والخبر والمعنى فيه معنى الدعاء معناه ثبت هذا لهم واستحقوه قال الله جل وغزويل للمطففين و ويل يومئذ للمكذبين، وقد روي بيت جرير بالرفع فويل لتيم، وقال حسان: أهاجيتم حسان عند ذكائه فغي لأولاد الحماس طويل وقد تقع لام التبيين في غير هذا الموضع وهي التي تجيء بمعنى كي، وقد ذكرناها فيما مضى والفرق بين هذه وتلك أن تلك تدخل على الأفعال المستقبلة وهذه على الأسماء، وقد مضى شرحها. اعلم أن لو تليها الأفعال ومعناها أن الشيء ممتنع لامتناع غيره وتستقبل باللام جوابا لها وربما أضمرت اللام لأنه قد عرف موقعها وهي ضد لولا فلذلك فرقنا بين لاميهما وذلك قولك لو جاء زيد لأكرمتك والمعنى إن إكرامي إياك إنما امتنع لامتناع زيد عن المجيء فهذا معنى امتناع الشيء لامتناع غيره واللام هي الجواب وإذا وقع بعد لو اسم، فإن ما يقع على إضمار فعل رافع له أو ناصب لأنها بالفعل أولى إذ كانت موضوعة له وذلك قولك لو زيدا لقيته لأكرمتك تنصبه بفعل مضمر هذا تفسيره والرفع فيه ضعيف، وكذلك تقول لو زيد قدم لأكرمته ترفعه بفعل مضمر كما قال الله تعالى ذكره: {قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم} [سورة الإسراء: 100]؛ ترفع أنتم بفعل مضمر يفسره الظاهر، وقد يجوز في غير مذهب سيبويه رفعه بالابتداء ومن أمثال العرب لو ذات سوار لطمتني قال المبرد فيما فسره من مسائل سيبويه إنه مرفوع بفعل مضمر وأنشد المبرد. اعلم أن لولا نقيضة لو وذلك أن الشيء ممتنع بها لوجود غيره وتلزمها اللام في الخير وتقع بعدها الأسماء ولا تقع بعدها الأفعال ضدا لما كان في باب لو فالمرتفع بعدها يرتفع بالابتداء والخبر مضمر واللام داخلة على الجواب وذلك قولك لولا زيد لأكرمتك والمعنى إن الإكرام إنما امتنع لحضور زيد فترفع زيدا بالابتداء والخبر مضمر واللام جواب لولا وذلك قولك لولا زيد أهابه أو أكرمه وما أشبه ذلك لأكرمتك قال:الله عز وجل: لولا أنتم لكنا مؤمنين، قال الشاعر: لولا الحياء وأن رأسي قد عسا *** فيه المشيب لزرت أم القاسم وقال نصيب: ولولا أن يقال صبا نصيب *** لقلت بنفسي النشأ الصغار وقال آخر: لولا الحياء لهاجني استعبار *** لزرت قبرك والحبيب يزار لام التكثير هي المزيدة في ذلك والاسم منه عند البصريين ذا واللام للتكثير والكاف للخطاب ولا موضع لها من الإعراب قال: سيبويه الدليل على أنه لا موضع لها من الإعراب أنه لو كان لها موضع من الإعراب لوجب أن تكون في موضع خفض أو نصب لأنها لا تكون ضميرا لمرفوع، فإن زعم زاعم أنها في موضع نصب وجب أن يقول ذاك نفسك زيد وأن يقول ذاك نفسك زيد إذا قدرها في موضع خفض وذا لا يقوله أحد وكان يستحيل من جهة أخرى وهو أنه إذا قدرها مخفوضة، فإن ما يخفضها بتقدير إضافة ذا إليها والمبهم لا يضاف واللام زائدة بالإجماع وإن قدرها مخفوضة باللام وجب أن تكون ذا مضافة إلى الكاف أيضا باللام كما يقول هذا لزيد إضافة ملك واستحقاق فكان يستحيل الكلام لأن الغرض وكذلك قولك: ذاك وذلك إنما هو إشارة إلى المخاطب ليخبر عنه بعد ذلك وعلى هذا التقدير يكون مخبرا عنه فالكلام يتم بالخبر وذاك كلام غير تام ألا ترى أنك لو قلت ذاك وسكت لم يكن كلاما تاما قال: سيبويه اللام في ذلك لتأكيد الإشارة ولا يجمع بينها وبين الهاء التي للإشارة، فإن ت تقول ذاك زيد وذلك زيد وهذا زيد ولا يجوز أن تقول هذا لك زيد فتجمع بين اللام و ها لأنهما يتعاقبان، وقال الفراء وجميع الكوفيين هذه اللام للتكثير وهي وإن كانت تكثيرا فقد أفادت فائدة ولم تزد هدرا وهي التي ذكرناها والاسم من ذلك عند الكوفيين الذال وحدها والألف صلة واللام تكثير والكاف للخطاب، وقد تزاد لام التكثير في أولئك فيقال أولا لك كما، قال الشاعر: أولا لك قومي لم يكونوا أشابة *** وهل يعظ الضليل إلا أولا لكا وقد تشدد ألا لك فيقال ألا لك اعلم أن النحويين أجمعوا على أن حروف الزوائد عشرة وهي الواو والياء والألف والهمزة والتاء والنون والسين والهاء والميم واللام وذكروا مواقع هذه الحروف في الزيادة كالواو في كوثر وعجوز والياء في سعيد والألف في غزال وحمار والهمزة في أحمر وأصفر والتاء في الهندات والسين في استخرج والنون في نذهب والهاء في الوقف وكذلك قولك: ارمه وعه وشه ونحو قوله تعالى: {ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه} [سورة الحاقة: 28 :29] مع ما بين من شروطها وأحكامها في الزيادة في كتب التصريف وذكروا أن اللام لم تزد على هذا المعنى إلا في قولهم عبدل وهم يريدون به العبد كما قالوا في الأزرق زرقم وفي الأسته ستهم فهذا الحرف متفق على زيادة اللام فيه وذكر ابن الأعرابي أنه يقال للقراد حسدل وأصله عنده حسد واللام زائدة والحسد القشر ومنه اشتقاق الحسد كأن الحسد يلصق بقلب الإنسان فيقشره كما يلصق القراد بجلد البعير قال: ويقال هو القراد والطلح والعل والجحن والحجن والحمنة والحمنانة والقرشام والحسدل والبرام بمعنى واحد وزعم بعض أهل اللغة أنه يقال لولد النعام الهيقل والهيق قال: فاللام في الهيقل زائدة، وقال غيره بل يقال للذكر من النعام الهقل والأنثى الهقلة فمن قال: الهيقل، فإنه زاد الياء واللام أصلية وتقديره فيعل بمنزلة البيطر والحيدر أجمع النحويون على أن أصل لعل عل وأن اللام في أوله مزيدة واستدلوا على ذلك ب قول الشاعر: يا أبتا علك أو عساكا *** وقال آخر: عل صروف الدهر أو دولاتها *** يدلننا اللمة من لماتها قالوا فلو كانت اللام أصلية في أوله لم يجز حذفها لأن المعنى بها كان يكمل وفيها خمس لغات عل ولعل ولعن وعن وأن بهمزة مفتوحة ونون مشددة فأما لعل فالشاهد عليها أكثر من أن يحصى قال الله جل وعز لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا؛ و، قال الشاعر: لعلك إن مالت بك الريح ميلة *** على أبي ذبيان أن تتندما وقال الفرزدق في لعن: ألستم عائجين بنا لعنا *** نرى العرصات أو أثر الخيام وللعرب فيها لغتان المجمع عليها منها هي التي تنصب الاسم وترفع الخبر، وقد روي أن بعضهم يخفض بها وأنشدوا: وداع دعا هل من مجيب إلى الندى *** فلم يستجبه عند ذاك مجيب فقلت ادع أخرى وارفع الصوت داعيا *** لعل أبي المغوار منك قريب فخفض بها كما ترى وهذا شعر قديم ومثل هذا يروى على شذوذه ولا يقاس عليه؛ وأما مجيء أن مفتوحة مشددة بمعنى لعل فلغة مشهورة معروفة قد جاءت في كتاب الله تعالى وكلام الفصحاء من العرب قال: سيبويه قلت للخليل ما تأويل من قرأ: {قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون} [سورة النعام: 109] بالفتح قال: تأويله لعلها إذا جاءت لا يؤمنون ولا يجوز أن تكون منصوبة بإيقاع يشعركم عليها لأنه يصير عذرا للقوم في طلبهم الآيات قال: والعرب تقول امض إلى السوق أنا نشتري غلاما يريدون لعلنا نشتري غلاما وأنشد الخليل وسيبويه: قلت لشيبان ادن من لقائه *** أنا نغدي القوم من شوائه يريد لعلنا وزاد الفراء في معنى فتح أن في هذه الآية وجها آخر قال: يجوز أن يكون تأويله: وما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون أو لا يؤمنون فيكون في الكلام حذف يدل عليه ما قبله وتكون أن منصوبة بما قبلها وأكثر القراء على كسر إن على الابتداء والقطع مما قبله وهو الوجه المختار.
|