الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **
وسير محمد بن عبد اله إلى الأنبار نجومة بن قيس فأقام بها وجمع بها نحوًا من ألفي رجل وأمده محمد بن عبد الله بألف وخمس ومائة وشق الماء من الفرات إلى خندقها ففاض على الصحارى فصار بطيحة واحدة وقطع القناطر وسير المعتز جندًا مع علي الإسحاقي نحوالأنبار فوصلوا ساعة وصلها مدد محمد وقد نزلوا ظاهرها فاقتتلوا أشد قتال فانهزم مدد وكان نجوبة بالأنبار لم يخرج منها فلما بلغه هزيمة مدده ومسير الأتراك إليه عبر إلى الجانب الغربي وقطع الجسر وسار نحوبغداد فاختار محمد ابن عبد الله إنفاذ الحسين بن إسماعيل بن إبراهيم إلى الأنبار في جماعة من القواد والجند فجهزهم وأخرج لهم رزق أربعة أشهر وخرج الجند وعرضهم الحسين وسار عن بغداد يوم الخميس لسبع بقين من جمادى الأولى وتبعه الناس والقواد وبنوهاشم إلى الياسرية. وكان أهل الأنبار لما دخلها الأتراك قد أمنوهم ففتحوا دكاكينهم وأسواقهم ووافاهم سفن من الرقة تحمل الدقيق والزيت وغير ذلك فانتهبها الأتراك وحملوها إلى منازلهم بسامرا ووجهوا بالأسرى وبالرؤوس معها. وسار الحسين حتى نزل دمما ووافته طلائع الأتراك فوق دمما فصف أصحابه مقابل الأتراك بينهما نهر وكان عسكره عشرة آلاف رجل وكان الأتراك فوق دمما فصف أصحابه وكان الأتراك زهاء ألف رجل فتراموا بالسهام فجرح بينهم عدد وعاد الأتراك إلى الأنبار وتقدم الحسين فنزل بمكان يعرف بالقطيعة واسع يحمل العسكر فأقام فيه يومه ثم عزم على الرحيل إلى قرب الأنبار فأشار عليه القواد أن ينزل عسكره بهذا المكان بالقطيعة لسعته وحصانته ويسير هووجنده جريدة فإن كان الأمر له كان قادرًا على نقل عسكره وإن كان عليه رجع إلى فلما بلغ المكان الذي يريد النزول به أمر الناس بالنزول فأتت الأتراك جواسيسهم وأعلموهم بمسيره وضيق مكانه فأتاهم الأتراك والناس يحطون أثقالهم فثار أهل العسكر وقاتلوهم فقتل بينهم قتلى من الفريقين وحمل أصحاب الحسين عليهم فكشفوهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة وغرق منهم خلق كثير. وكان الأتراك قد كمنوا لهم كمينأن فخرج الكمين على بقية العسكر فلم يكن لهم ملجأ إلا الفرات وغرق من أصحابه خلق كثير وقتل جماعة وأسر جماعة. وأما الفرسان فهربوا لا يلوون على شيء والقواد ينادونهم: الرجعة فلم يرجع أحد فخافوا على نفوسهم فرجعوا يحمون أصحابهم وأخذ الأتراك عسكر الحسين بما فيه من الأموال والخلع التي كانت معه وسلم ما كان معه من سلاح في السفن لأن الملاحين حذروا السفن فسلم ما معهم من سلاح وغير ذلك ووصل المنهزمون إلى الياسرية لست خلون من جمادى الآخرة ولقي الحسين رجل من التجار ممن ذهبت أموالهم فقال: الحمد لله الذي بيض وجهك أصعدت في اثني عشر يومأن وانصرفت في يوم أحد! فتغافل عنه. ولما اتصل خبر الهزيمة بمحمد بن عبد الله بن طاهر منع المنهزمين من دخول بغداد ونادى: من وجدناه ببغداد من عسكر الحسين بعد ثلاثة أيام ضرب ثلاثمائة سوط وأسقط من الديوان فخرج الناس إلى الحسين بالياسرية وأخرج إليهم ابن عبد الله جندًا آخر وأعطاهم الأرزاق وأتاهم كتاب بعض عيونهم من الأنبار يخبرهم أن القتلى كانت من الترك أكثر من مائتين والجرحى نحوأربع مائة وأن جميع من أسره الأتراك مائتان وعشرون رجلا وأنه عد رؤوس القتلى فكانت سبعين رأسا وكانوا أخذوا جماعة من أهل الأسواق فأطلقوهم فرحل الحسين لأثنتي عشرة بقيت من جمادى الآخرة وسار حتى عبر نهر أربق فلما كان السبت لثمان خلون من رجب أتاه إنسان فأعلمه أن الأتراك يريدون العبور إليه في عدة مخاضات فضربه ووكل بمواضع المخاض رجلًا من قواده يقال له الحسين ابن علي بن يحيى الأرمني في مائتي رجل فأتى الأتراك المخاضة فرأوا الموكل بهأن فتركوها إلى مخاضة أخرى فقاتلوهم وصبر الحسين بن عي وبعث إلى الحسين بن إسماعيل أن الأتراك قد وافوا المخاضو فقيل للرسول: الأمير نائم فأرسل آخر فقيل له: الأمير في المخرج فأرسل آخر فقيل له: الأمير قد عاد فنام فعبر الأتراك فقعد الحسين بن علي في زورق وانحدر وهرب أصحابه منهزمين وقتل الأتراك منهم وأسروا نحومائتين وانحدرت عامة السفن فسلمت وضع الأتراك السيف وغرق خلق كثير من الناس فوصل المنهزمون بغداد نصف الليل ووافى بقيتهم في النهار واستولى الأتراك على أثقالهم وأموالهم وقتل عدة من قواد الحسين فقال الهندواني في الحسين: يا أحزم الناس رايًا في تخلفه عن القتال خلطت الصفوبالكدر فصرت مضجرًا ذلًا ومنقصة والنجع يذهب بين العجز والضجر ولحق فيها جماعة من الكتاب والقواد وبني هاشم بالمعتز فمن بني هاشم علي ومحمد ابنا الواثق وغيرهما ثم كانت بينهم عدة وقعات وقتل فيها من الفريقين جماعة ودخل الأتراك في بعض تلك الحروب إلى بغداد ثم تكاثر الناس عليهم فأخرجوهم منها. وجرى بين أبي الساج وجماعة من الأتراك وقعة فهزمهم أبوالساج ثم واقعوا أخرى فتخلى عنه بعض أصحابه فانهزم ودخل الأتراك المدائن وخرجت الأتراك الذين بالأنبار في سواد بغداد من الجانب الغربي حتى بلغوا صرصر وقصر ابن هبيرة. وفي ذي القعدة كانت وقعة عظيمة خرج محمد بن عبد الله بن طاهر في جميع القواد والعسكر ونصب له قبة وجلس فيها واقتتل الناس قتالًا شديدا فانهزمت الأتراك ودخل أهل بغداد عسكرهم وقتلوا منهم خلقًا كثيرا وهربوا على وجوههم لا يلوون على شيء فكلما جيء برأس يقول بغا: ذهبت الموالي وساء ذلك من مع بغا ووصيف من الأتراك. ووقف أبوأحمد بن المتوكل يرد الأتراك ويخبرهم أنهم إن لم يرجعوا لم يبق لهم بقية وتبعهم أهل بغداد إلى سامرا فتراجعوا إليه وإن بعض أهل بغداد رجعوا عن المنهزمين فرأى أصحابهم أعلامهم فظنوها أعلام الأتراك قد عادت فانهزموا نحوبغداد مزدحمين وتراجع الأتراك إلى وفي ذي الحجة وجه أبوأحمد خمس سفائن مملوءة طعامًا ودقيقًا إلى ابن طاهر وفي ذي الحجة علم الناس بما عليه ابن طاهر من خلع المستعين والبيعة للمعتز ووجه قواده إلى أبي أحمد فبايعوه للمعتز وكانت العامة تظن أن الصلح جرى على أن الخليفة المستعين والمعتز ولي عهده. وفي ذي الحجة أيضًا خرج رشيد بن كاوس أخوالأفشين وكان موكلًا بباب السلامة إلى الأتراك وسار معهم إلى أبي أحمد ثم عاد إلى أبواب بغداد يقول للناس: إن أمير المؤمنين المعتز وأبا أحمد يقرآن عليكم السلام ويقولان: من أطاعنا وصلناه ومن أبى فهو أعلم. فشتمه الناس وعلموا بما عليه محمد بن عبد الله بن طاهر فعبرت العامة إلى الجزيرة التي حذاء داره فشتموه أقبح شتم ثم ساروا إلى باب داره ففعلوا به مثل ذلك وقاتلوه من على بابه حتى كشفوهم ودخلوا دهليز داره وأرادوا إحراق داره فلم يجدوا نارا وبات منهم بالجزيرة جماعة يشتمونه وهويسمع فلما ذكروا اسم أمه ضحك وقال: ما أدري كيف عرفوه وقد كان أكثر جواري أبي لا يعرفون اسمها. فما كان الغد فعلوا مثل ذلك فسار محمد إلى المستعين وسأله أن يطلع إليهم ويسكنهم ففعل وقال لهم: أن محمدًا لم يخلع ولم أتهمه وعدهم أن يصلي بهم الجمعة فانصرفوا. ثم ترددت الرسل بين محمد بن عبد الله وبين أبي أحمد مع حماد بن إسحاق بن حماد بن يزيد وثار قوم من رجالة الجند وكثير من العامة فطلب الجند أرزاقهم وشكت العانة سوء الحال وغلاء السعر وقالوا: إما خرجت فقابلت وإما تركتنا فوعدهم الخروج أوفتح باب الصلح ثم جعل على الجسور وبالجزيرة وباب داره الرجال والخيل فحضر الجزيرة بشر كثير فطردوا من كان بها وقاتلوا الناس. وأرسل محمد بن عبد الله إلى الجند يعدهم رزق شهرين وأمرهم بالنزول فأبوا وقالوا: لا نفعل حتى نعلم نحن والعامة على أي شيء نحن فخرج إليهم بنفسه فقالوا له: إن العامة قد اتهموك في خلع المستعين والبيعة للمعتز وتوجيهك القواد بعد القواد ويخافون دخل الأتراك والمغاربة إليهم فإن يفعلوا بهم كما عملوا في المدائن والأنبار فهم يخافون على أنفسهم وأولادهم وأموالهم وسألوا إخراج الخليفة إليهم ليروه ويكذبوا ما بلغهم فلما رأى محمد ذلك سأل المستعين الخروج إليهم فخرج إلى دار العامة ودخل إليهم جماعة من الأنس فنظروا إليه وخرجوا فأعلموا الناس الخبر فلم ينتفعوا بذلك فأمر المستعين بإلاق الأبواب وصعد سطح دار العامة ومحمد بن عبد الله معه فرآه وعليه الناس وعليه البردة وبيده القضيب فكلم الناس وأقسم عليهم بحق البردة إلا انصرفوا فإنه آمن لا بأس عليه من محمد فسألوه الركوب معهم والخروج من دار محمد لأنهم لا يأمنونه عليه فوعدهم ذلك. فلما رأى ابن طاهر فعلهم عزم على النقلة عن بغداد إلى المدائن فأتاه وجوه الناس وسألوه الصفح واعتذروا بأن ذلك فعل الغوغاء والسفهاء فرد عليهم ردًا جميلا وانتقل السمتعين عن داره في ذي الحجة وأقام بدار رزق الخادم بالرصافة وسار بين يديه محمد بن عبد الله بالحرية فلما كان من الغد اجتمع الناس بالرصافة فأمروا القواد وبني هاشم بالمسير إلى دار محمد بن عبد الله والعود معه إذا ركب ففعلوه ذلك فركب محمد في جمع وتعبئة ووقف للناس وعاتبهم وحلف أنه ما يريد للمستعين ولا لولي له ولا لأحد من الناس سوءأن وأنه ما يريد إلا إصلاح أحوالهم حتى بكى الناس ودعوا له. وسار إلى المستعين وكان ابن طاهر مجدًا في أمر المستعين حتى غيره عبيد الله بن يحيى بن خاقان وقال له: إن هذا الذي تنصره وتجد في أمره من أشد الناس نفاقأن وأخبثهم دينأن والله لقد أمر وصيفًا وبغا بقتلك فاستعظما ذلك ولم يفعلاه وإن كنت شاكًا في قولي فسل تخبره وإن من ظاهر نفاقه أنه كان بسامرا لا يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاته فلما صار إليك جهر بها مراءاة لك وترك نصرة وليك وصهرك وتربيتك ونحوذلك من كلام كلمه به فقال محمد: أخزى الله هذا ما يصلح لدين ولا لدنيا! ثم ظاهر عبيد الله بن يحيى بأحمد بن إسرائيل والحسن بن مخلد. فلما كان يوم الأضحى صلى المستعين بالناس ثم حضر محمد بن عبد الله عند المستعين وعنده الفقهاء والقضاة فقال له: قد كنت فارقتني على أن تنفذ أمري في كل ما أعزم عليه وخطك عندي بذلك فقال للمستعين: أحضر الرقعة فاحضرها فإذا فيها ذكر الصلح وليس فيها ذكر الخلع فقال: نعم أمض الصلح فخرج محمد إلى ظاهر باب الشماسية فضرب به مضرب فنزل إليه ومعه جماعة من أصحابه وجاء أبوأحمد في سميرية فصعد إليه فتناظرا طويلا ثم خرجا فجاء ابن طاهر إلى المستعين فأخبره أنه بذل له خمسين ألف دينار ويقطع عليه ثلاثين ألف دينار وعلى أن يكون مقامه بالمدينة يتردد منها إلى مكة ويخلع نفسه من الخلافة وأن يعطي بغا ولاية الحجاز جميعه ويولى وصيف الجبل وماوالاه وكون ثلث ما يجبى من المال لمحمد بن عبد الله وجند بغداد والثلثان للموالي والأتراك فامتنع المستعين من الإجابة إلى الخلع وظن أن وصيفًا وبغا معه يكاشفانه فقال: النطع والسيف فقال له ابن طاهر: أما أنا فأقعد ولا بد لك من خلعها طائعًا أومكرهًا! فأجاب إلى الخلع. وكان سبب إجابته إلى الخلع أن محمدًا وبغا ووصيفًا لما ناظروه في الخلع أغلظ عليهم فقال وصيف: أنت أمرتنا بقتل باغر فصرنا إلى ما نحن فيه وأنت أمرتنا بقتل أتامش وقلت أن محمدًا ليس بناصح وما زالوا يفزعونه وقال محمد: وقد قلت لي إن أمرنا لا يصلح إلا باستراحتنا من هذين الاثنين فلما رأى ذلك أذعن بالخلع وكتب بما أراد لنفسه من الشروط وذلك لإحدى عشرة خلت من ذي الحجة وجمع محمد الفقهاء والقضاة وأدخلهم على المستعين وأشهدهم عليه أنه قد صير أمره إلى محمد ابن عبد اله ثم أخذ منه جوهر الخلافة.وبعث ابن طاهر إلى قواده ليوافوه ومع كل قائد عشرة نفر من وجوه أصحابه فأتوه فمناهم وقال لهم: ما أردت بما فعلت إلا صلاحكم وحقن الدماء. وأمرهم بالخروج إلى المعتز في الشروط التي شرطها المستعين لنفسه ولقواده يوقع المعتز عليها بخطة ثم أخرجهم إلى المعتز فمضوا إليه فأجاب إلى ما طلبوا ووقع عليه خطة وشهدوا على إقراره وخلع عليهم ووجه معهم من يأخذ البيعة على المستعين وحمل إلى المستعين أمه وعياله عدما فتشوا وأخذوا ما معهم. وكان دخل الرسل بغداد من عند المعتز لست خلون من المحرم سنة اثنتين وخمسين ومائتين.
في هذه السنة سير محمد بن عبد الرحمن الأموي صحب الأندلس جيشًا مع ابنه المنذر إلى بلاد المشركين في جمادى الآخرة فساروا وقصدوا الملاحة وكانت أموال لذريق بناحية ألبة والقلاع فلما عم المسلمون بلدهم بالخراب والنهب جمع لذريق عساكره وسار يريدهم فالتقوا بموضع يقال له فج المركوين وبه تعرف هذه الغزاة فاقتتلوا فانهزم المشركون إلا انهم لم يبعدوا واجتمعوا بهضبة بالقرب من موضع المعركة فتتبعهم المسلمون وحملوا عليهم واشتد القتال فولى الفرنج منهزمين لا يلوون على شيء وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون. وكانت هذه الوقعة ثاني عشر رجب وكان عدد ما اخذ من رؤوس المشركين ألفين وأربع مائة واثنتين وتسعين رأسًا وكان فتحًا عظيمًا وعاد المسلمون.
في هذه السنة رجع سليمان بن محمد صرفه عبد الله بن طاهر إلى طبرستان من جرجان بجمع كثير وخيل وسلاح فتنحى الحسن بن زيد عن طبرستان ولحق بالديلم ودخلها سليمان وقصد سارية وأتاه ابنان لقارن بن شهريار وأتاه أهل آمل وغيرهم منيبين مظهرين الندم يسألون الصفح فلقيهم بما أرادوأن ونهى أصحابه عن القتل والنهب والأذى. وورد كتاب أسد بن جندان إلى محمد بن عبد الله يخبره أنه لقي علي ابن عبد الله الطالبي المسمى بالمرعشي فيمن معه من رؤساء الجبل فهزمه ودخل مدينة آمل وفيها ظهر بأرمينية رجلان فقاتلهما العلاء بن أحمد عامل بغا الشرابي فهزمهمأن فصعدا قلعة هناك فحصرهمأن ونصب عليها المجانيق فهزما منها وخفي أمرهما عليه وملك القلعة. وفيها حارب عيسى بن الشيخ الموفق الخارجي فهزمه وأسر الموفق. وفيها ورد كتاب محمد بن طاهر بن عبد الله بخبر الطالبي الذي ظهر بالري وما أعد له من العساكر المسيرة إليه وظفر به واسمه محمد بن جعفر فأخذه أسيرا ثم سار إلى الري بعد أسر محمد بن جعفر بن أحمد بن عيسى ابن الحسين الصغير ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام وإدريس بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد اله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام. وفيها انهزم الحسن بن زيد من محمد بن طاهر وكان لقيه في ثلاثين ألفا وقتل من أصحابه أعيان الحسن ثلاثمائة رجل وأربعون رجلًا. وفيها خرج إسماعيل بن يوسف العلوي ابن أخت موسى بن عبد الله الحسني. وفيها كانت وقعة بين محمد بن خالد بن يزيد وأحمد المولد وأيوب ابن أحمد بالسلير من أرض بني تغلب فقتل بينهما جماعة كثيرة فانهزم محمد ونهب متاعه. وفيها غزا بلكاجور الروم ففتح مطمورة وغمن غنيمة كثيرة وأسر جماعة من الروم. وفيها ظهر بالكوفة رجل من الطالبيين اسمه الحسين بن أحمد بن حمزة ابن عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام واستخلف بها محمد بن جعفر بن حسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام يكنى أبا أحمد فوجه إليه المستعين مزاحم بن خاقان وكان العلوي بسواد الكوفة في جماعة من بني أسد ومن الزيدية وأجلى عنها عامل الخليفة وهوأحمد بن نصير بن حمزة بن مالك الخزاعي إلى قصر ابن هبيرة واجتمع مزاحم وهشام بن أبي دلف العجلي فسار مزاحم إلى الكوفة فحمل أهل الكوفة العلوية على قتالهما وعدهم النصرة فتقدم مزاحم وقاتلهم وكان قد سير قائدًا معه جماعة فأتى أهل الكوفة من ورائهم فأطبقوا عليهم فلم يفلت منهم واحد ودخل الكوفة فرماه أهلها بالحجارة فأحرقها بالنار فاحترق منها سبعة أسواق حتى خرجت النار إلى السبيع ثم هجم على الدار التي فيها العلوي فهرب وأقام مزاحم بالكوفة فأتاه كتاب المعتز يدعوه إليه فسار إليه. وفيها ظهر إنسان علوي بناحية نينوى من أرض العراق فلقيه هشام بن أبي دلف في شهر رمضان فقتل من أصحاب العلوي جماعة وهرب فدخلالكوفة. وفيها ظهر الحسين بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الأرقط بن محمد بن علي بن الحسين بن علي المعروف بالكركي بناحية قزوين وزنجان فطرد عمال طاهر عنها. وفيها قطعت بنوعقيل طريق جدة فحاربهم جعفر بشاشات فقتل من أهل مكة نحوثلاثمائة رجل فغلت الأسعار بمكة وأغارت الأعراب على القرى. وفيها ظهر إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب بمكة فهرب جعفر بشاشات وانتهب إسماعيل منزله ومنازل أصحاب السلطان وقتل الجند وجماعة من أهل مكة واخذ ما كان حمل لإصلاح القبر من المال وما في الكعبة وخزائنها من الذهب والفضة وغير ذلك وأخذ كسوة الكعبة وأخذ من الناس نحوًا من مائتي ألف دينار وخرج منها بعد أن نهبها وأحرق بعضها في ربيع الأول بعد خمسين يومًا وسار إلى المدينة فتوارى عاملها ثم رجع إسماعيل إلى مكة في رجب فحصرهم حتى تماوت أهلها جوعًا وعطشأن وبلغ الخبز ثلاث أوراق بدرهم واللحم رطل بأربعة دراهم وشربة ماء بثلاثة دراهم ولقي أهل مكة منه كل بلاء. ثم سار إلى جدة بعد مقام سبعة وخمسين يومًا فحبس عن الناس الطعام واخذ الأموال التي للتجار وأصحاب المراكب ثم وافى إسماعيل عرفة وبها محمد بن أحمد بن عيسى بن المنصور الملقب بكعب البقر وعيسى بن محمد المخزومي صاحب جيش مكة كان المعتز وجههما إليهأن بعرفة ليلًا ولا نهارأن ووقف إسماعيل وأصحابه ثم رجع إلى جدة فأفنى أموالها. وفيها مات سري السقطي الزاهد وإسحاق بن منصور بن بهرام أبويعقوب الكوشج الحافظ النيسابوري توفي في جمادى الأولى وله مسند يروى عنه.
في هذه السنة خلع المستعين أحمد بن محمد بن المعتصم نفسه من الخلافة وبايع للمعتز بالله بن المتوكل وخطب للمعتز ببغداد يوم الجمعة لأربع خلون من المحرم وأخذ له البيعة على كل من بها من الجند. وكان ابن طاهر قد دخل على المستعين ومعه سير بن حميد وقد كتب شروط الأمان فقال له: يا أمير المؤمنين! قد كتب سعيد كتاب الشروط فأكده غاية التوكيد فنقرأه عليك لتسمعه. فقال المستعين: لا حاجة لي إلى توكيدها فما القوم بأعلم بالله منكن ولقد أكدت على نفسك قبلهم فكان ما علمت. فما رد عليه محمد شيئًا. فلما بايع المستعين للمعتز وأشهد عليه بذلك نقل من الرصافة إلى قصر الحسن بن سهل بالمحرم ومعه عياله وأهله جميعا ووكل بهم وأخذ منه البردة والقضيب والخاتم ووجه مع عبد الله بن طاهر ومنع المستعين من الخروج إلى مكة فاختار المقام بالبصرة فقيل له: إن البصرة وبية فقال: هي أوبأ أوترك الخلافة! ولست خلون من المحرم دخل بغداد أكثر من مائتي سفينة فيها صنوف التجارات وغمن كثير. وفيها سير المستعين إلى واسط واستوزر المعتز أحمد بن أبي إسرائيل وخلع عليه ورجع أبوأحمد إلى سامرا لاثنتي عشرة خلت من المحرم فقال بعض الشعراء في خلع المستعين: خلع الخليفة أحمد بن محمد وسيقتل التالي له أويخلع ويزول ملك بني أبيه ولا يرى أحد تملك منهم يستمتع إيهًا بني العباس إن سبيلكم في قتل أعبدكم سبيل مهيع رقعتم دنياكم فتمزقت بكم الحياة تمزقًا لا يرقع وقال الشعراء في خلعه كالبحتري ومحمد بن مروان بن أبي الجنوب وغيرهما فأكثروا. وفيها لسبع بقين من المحرم انصرف أبوالساج ديوداد بن ديودست إلى بغداد فقلده محمد ين عبد الله معاون ما سقى الفرات من السواد فسير نوابه إليها لطرد الأتراك والمغاربة عنها ثم سار أبوالساج إلى الكوفة. وفيها كتب المعتز إلى محمد بن عبد الله في إسقاط اسم وصيف وبغا ومن معهما من الدواوين وكان محمد بن أبي عون وهوأحد قواد محمد بن عبد الله قد وعد أبا أحمد أن يقتل بغا ووصيفأن فعقد له المعتز على اليمامة والبحرين والبصرة فكتب قوم من أصحاب بغا ووصيف إليهما بذلك وحذروهما محمد بن عبد الله فركبا إلى محمد وعرفاه ما ضمنه ابن أبي عون من قتلهمأن وقال بغا: إن القوم قد غدروأن وخالفوا ما فارقونا عليه والله لوأرادوا أن يقتلونا ما قدروا عليه. فكفه وصيف وقال: نحن نقعد في بيوتنا حتى يجيء من يقتلنا! ورجعا إلى منازلهما وجمعا جندهما ووجه وصيف أخته سعاد إلى المؤيد وكان في حجرها فكلم المؤيد المعتز في الرضاء عنه فرضي عن وصيف وكتب إليه بذلك وتلكم أبوأحمد بن المتوكل في بغا فكتب إليه بالرضاء عنه وهما ببغداد ثم تكلم الأتراك إحضارهما إلى سامرأن فكتب إليهما بذلك وكتب إلى محمد بن عبد الله ليمنعهما من ذلك فأتاهما كتاب إحضارهمأن فأرسلاه إلى محمد بن عبد الله يستأذنانه وخرج وصيف وبغا وفرسانهما وأولادهما في نحوأربع مائة إنسان وخلفا الثقل والعيال فوجه ابن طاهر إلى باب الشماسية من يمنعهم فمضوا إلى باب خراسان وخرجوا منه ووصلا سامرأن ورجعا إلى منزلهما من الخدمة وخلع عليهمأن وعقد لهما على أعمالهمأن
وفي هذه السنة كانت وقعة بين جند بغداد وأصحاب محمد بن عبد الله بن طاهر. وكان سبب ذلك أن الشاكرية وأصحاب الفروض اجتمعوا إلى دار محمد يطلبون أرزاقهم في رمضان فقال لهم: إني كتبت إلى أمير المؤمنين في إطلاق أرزاقكم فكتب في الجواب: إن كنت تريد الجند لنفسك فأعطهم أرزاقهم وإن كنت تريدهم لنا فلا حاجة لنا فيهم فشغبوا عليه واخرج لهم ألفي دينار ففرقت فيهم فسكتوا. ثم اجتمعوا في رمضان أيضًا ومعهم الأعلام والطبول وضربوا الخيام على باب حرب وعلى باب الشماسية وغيرهما وبنوا بيوتًا من بواري وقصب وباتوا ليلتهم فلما أصبحوا كثر جمعهم واحضر محمد أصحابه فباتوا في داره وشحن داره بالرجال واجتمع إلى أولئك المشغبين خلق كثير بباب حرب بالسلاح والأعلام والطبول ورئيسهم أبوالقاسم عبدون بن الموفق وكان من نواب عبيد الله بن يحيى بن خاقان فحثهم على طلب أرزاقهم وفائتهم. فلما كان يوم الجمعة أرادوا أن يمنعوا الخطيب من الدعاء لمعتز فعلم الخطيب ذلك فاعتذر بمرض لحقه ولم يخطب فمضوا يريدون الجسر فوجه إليهم ابن طاهر عدة من قواده في جماعة من الفرسان والرجال فاقتتلوا فقتل بينهم قتلى ودفعوا أصحاب ابن طاهر عن الجسر فلما رأى الذين بالجانب الشرقي أن أصحابهم أزالوا أصحاب ابن طاهر عن الجسر حملوا يريدون العبور إلى أصحابهم وكان ابن طاهر قد أعد سفينة فيها شوك وقصب فألقى فيها النار وأرسلها إلى الجسر الأعلى فأحرقت سفنه وقطعته وصارت إلى الجسر الآخر فأدركها أهل الجانب الغربي فغرقوها عبر من في الجانب الشرقي إلى الغربي ودفعوا أصحاب ابن طاهر إلى باب داره وقتل بينهم نحوعشرة أنفس ونهب العامة مجلس الشرط وأخذوا منه شيئًا كثيرًا من أصناف المتاع. ولما رأى ابن طاهر أن الجند قد ظهروا على أصحابه أمر بالحوانيت التي على باب الجسر أن تحرق فاحترق للتجار متاع كثير فحالت النار بين الفريقين ورجع الجند إلى معسكرهم بباب حرب وجمع ابن طاهر عامة أصحابه وعبأهم تعبئة الحرب خوفًا من رجعة الجند فلم يمن لهم عودة. فأتاه في بعض الأيام رجلان من الجند فدلاه على عورة القوم فأمر لهما بمائتي دينار وأمر الشاه بن ميكال وغيره من القواد في جماعة بالمسير إليهم فسار إلى تلك الناحية وكان أبوالقاسم وابن الخليل وهما المقدمان على الجند قد خافا مضي ذينك الرجلين وقد تفرق الناس عنهما فسار كل واحد منهما إلى ناحية وأما ابن الخليل فإنه لقي الشاه بن ميكال ومن معه فصاح بهم وصاح ه أصحاب محمد وصار في وسطهم فقتل وأما أبوالقاسم فإنه اختفى فدل عليه فأخذ وحمل إلى ابن طاهر وتفرق الجند من باب حرب ورجعوا منازلهم وقيد أبوالقاسم وضرب ضربًا مبرحا فمات منه في رمضان.
في رجب خلع المعتز أخاه المؤيد من ولاية العهد بعده وكان سببه أن العلاء بن أحمد عامل أرمينية بعث إلى المؤيد بخمسة آلاف دينار ليصلح بها أمره فبعث عيسى بن فرخانشاه إليها فأخذها فأعزى المؤيد الأتراك بعيسى وخالفهم المغاربة فبعث المعتز إلى المؤيد وأبي احمد فأخذهما وحبسهما وقيد المؤيد وأدر العطاء للأتراك والمغاربة.وقيل إنه ضربه أربعين مقرعة وخلعه بسامرا وأخذ خطه بخلع نفسه وكانت وفاته أيضًا في رجب لثمان بقين من الشهر. وكان سبب موته أن امرأة من نساء الأتراك أعلمت محمد بن راشد أن الأتراك يريدون إخراج المؤيد من الحبس فأنهى ذلك إلى المعتز فذكر موسى ابن بغا عنه فقال: ما أرادوه إمنا أرادوا أن يخرجوا أبا أحمد بن المتوكل لأنسهم به وكان في الحرب التي كانت فلما كان من الغد دعا بالقضاة والفقهاء والوجوه فأخرج المؤيد إليهم ميتًا لا أثر به ولا جرح وحمل إلى أمه ومعه كفنه وأمرت بدفنه فقيل إنه أدرج في لحاف سمور ومسك طرفاه حتى مات وقيل إنه أقعد في الثلج وجعل على رأسه منه كثير فجمد بردًا ولما مات المؤيد نقل أخوه أبوأحمد إلى محبسه وكانا لأب وأم.
ولما أراد قتل المستعين أحمد بن محمد بن المعتصم كتب إلى محمد ابن عبد الله يأمره بتسليم المستعين إلى سيما الخادم فكتب محمد إلى الموكلين بالمستعين بواسط في تسليمه إليه وأرسل أحمد بن طولون في تسليمه فأخذه أحمد وسار به إلى القاطول فسلمه إلى سعيد بن صالح فأدخله سعيد منزله وضربه حتى مات. وقيل: بل جعل في رجله حجرًا وألقاه في دجلة وقيل: كان قد حمل معه داية له تعادله فلما أخذه سعيد ضربه بالسيف فصاح وصاحت دايته ثم قتل وقتلت المرأة معه وحمل رأسه إلى المعتز وهويلعب بالشطرنج فقيل: هذا رأس المخلوع! فقال: ضعوه حتى أفرغ من الدستّ فلما فرغ نظر إليه وأمر بدفنه وأمر لسعيد بخمسين ألف درهم وولاه معونة البصرة. وفي هذه السنة مستهل رجب كانت الفتنة بين الأتراك والمغاربة. وسببها أن الأتراك وثبوا بعيسى بن فرخانشاه فضربوه واخذوا دابته واجتمعت المغاربة مع محمد بن راشد ونصر بن سعد وغلبوا الأتراك على الجوسق وأخرجوهم منه وقالوا لهم: كل يوم تقتلون خليفة وتخلعون آخر وتعملون وزيرًا. وصار الجوسق وبيت المال في أيدي المغاربة وأخذوا الدواب التي كان تركها الأتراك فاجتمع الأتراك وأرسلوا إلى من بالكرخ والدور منهم فاجتمعوا وتلاقوا هم والمغاربة وأعان الغوغاء والشاكرية المغاربة فضعف الأتراك وانقادوا فأصلح جعفر بن عبد الواحد بينهم على أن يحدثوا شيئا وكل موضع يكون فيه رجل من الفريقين يكون فيه رجل من الفريق الآخر فمكثوا مديدة ثم اجتمع الأتراك وقالوا: نطلب هذين الرأسين فإن ظفرنا بهما فلا أحد ينطق. فبلغ الخبر باجتماع الأتراك إلى محمد بن راشد ونصر بن سعد فخرجا إلى منزل محمد بن غرون ليكونا عنده حتى يسكن الأتراك ثم يرجعا إلى جمعهما فغمز بهما إلى الأتراك فأخذوهما فقتلوهما فبلغ ذلك المعتز فأراد قتل ابن غرون فكلم فيه فنفاه إلى بغداد.
|