الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: القواعد الفقهية ***
وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ: (مِنْهَا) اللُّقَطَةُ يَجِبُ دَفْعُهَا إلَى وَاصِفِهَا نَصَّ عَلَيْهِ وَإِنْ وَصَفَهَا اثْنَانِ فَهِيَ لَهُمَا، وَقِيلَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ اسْتَقْصَى أَحَدُهُمَا الصِّفَاتِ وَاقْتَصَرَ الْآخَرُ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي يُجْزِئُ الدَّفْعَ فَوَجْهَانِ يُخَرَّجَانِ مِنْ التَّرْجِيحِ بِالْفِسَاخِ وَالنِّتَاجِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ. (وَمِنْهَا) الْأَمْوَالُ الْمَغْصُوبَةُ وَالْمَنْهُوبَةُ وَالْمَسْرُوقَةُ كَالْمَوْجُودَةِ مَعَ اللُّصُوصِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِمْ يُكْتَفَى فِيهَا بِالصِّفَةِ. (وَمِنْهَا) تَدَاعِي الْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ دَفْنًا فِي الدَّارِ فَهُوَ لِوَاصِفِهِ مِنْهُمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ. (وَمِنْهَا) اللَّقِيطُ إذَا تَنَازَعَ اثْنَانِ أَيُّهُمَا الْتَقَطَهُ وَلَيْسَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَمَنْ وَصَفَهُ مِنْهُمَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ. (وَمِنْهَا) لَوْ وَجَدَ مَالَهُ فِي الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِالْوَصْفِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَهُ، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَسُئِلَ أَتَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً؟ قَالَ: لَا بُدَّ مِنْ بَيَانٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَهُ وَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ دَفَعَهُ إلَيْهِ الْأَمِيرُ انْتَهَى، وَقَدْ قَضَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهَا بِالْعَلَامَةِ الْمَحْضَةِ.
وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ ذَلِكَ مَسَائِلُ: (مِنْهَا) الْهِرُّ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ النَّهْيُ عَنْهُ. وَمَأْخَذُ الْمَنْعِ مَا ذَكَرْنَا. (وَمِنْهَا) الْمَاءُ الْجَارِي وَالْكَلَأُ يَجِبُ بَذْلُ الْفَاضِلِ مِنْهُ لِلْمُحْتَاجِ إلَى الشُّرْبِ وَاسِقَاءِ بَهَائِمِهِ وَكَذَلِكَ زُرُوعُهُ عَلَى الصَّحِيحِ أَيْضًا، وَسَوَاءٌ قُلْنَا يَمْلِكُهُ مَنْ هُوَ فِي أَرْضِهِ أَمْ لَا وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَأْخَذَ الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهِ مَا ذَكَرْنَا لَا أَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ بِمِلْكِ الْأَرْضِ فَإِنَّ النُّصُوصَ مُتَكَاثِرَةٌ عَنْ أَحْمَدَ الْجَوْزَقَةِ الْمُبَاحَاتِ النَّابِتَةِ فِي الْأَرْضِ، وَيَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا مَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِي اللَّقَّاطِ لَا أَرَى لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَمْنَعَهُ النَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ مَعَ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُ بِلَا إشْكَالٍ وَلَا يُقَالُ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ بِمَصِيرِهِ مَنْبُوذًا مَرْغُوبًا عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ وَالْبَيْعَ يُنَافِي ذَلِكَ. (وَمِنْهَا) وَضْعُ الْخَشَبِ عَلَى جِدَارِ الْجَارِ إذَا لَمْ يَضُرَّ وَكَذَلِكَ إجْرَاءُ الْمَالِ عَلَى أَرْضِهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. (وَمِنْهَا) إعَارَةُ الْحُلِيِّ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وُجُوبُهُ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ وُجُوبَ بَذْلِ الْمَاعُونِ وَهُوَ مَا خَفَّ قَدْرُهُ وَسَهُلَ كَالدَّلْوِ وَالْفَأْسِ وَالْقِدْرِ وَالْمُنْخُلِ وَإِعَارَةِ الْفَحْلِ لِلضِّرَابِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْحَارِثِيِّ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ. (وَمِنْهَا) الْمُصْحَفُ تَجِبُ عَلَيْهِ إعَارَتُهُ لِمَنْ احْتَاجَ إلَى الْقِرَاءَةِ فِيهِ وَلَمْ يَجِدْ مُصْحَفًا غَيْرَهُ نَقَلَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي كَلَامٍ مُفْرَدٍ لَهُ أَنَّ الْأَصْحَابَ عَلَّلُوا قَوْلَهُمْ لَا يُقْطَعُ لِسَرِقَةِ الْمُصْحَفِ فَإِنَّ لَهُ فِيهِ حَقَّ النَّظَرِ لِاسْتِخْرَاجِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ إذَا خَفِيَتْ عَلَيْهِ وَعَلَى صَاحِبِهِ بَذْلُهُ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَهَذَا تَعْلِيلٌ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ سَرِقَتِهِ وَسَرِقَةِ كُتُبِ السُّنَنِ فَإِنَّهَا مُضَمَّنَةٌ مِنْ الْأَحْكَامِ أَمْثَالُ ذَلِكَ. وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا وَبَذْلُهَا مِنْ الْمَحَاوِيجِ إلَيْهَا مِنْ الْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ وَأَهْلِ الْفَتَاوَى وَاجِبٌ عَلَى مَالِكِهَا انْتَهَى. (وَمِنْهَا) ضِيَافَةُ الْمُجْتَازِينَ. الْمَذْهَبُ وُجُوبُهَا وَأَمَّا إطْعَامُ الْمُضْطَرِّينَ فَوَاجِبٌ لَكِنْ لَا يَجِبُ بَذْلُهُ مَجَّانًا بَلْ بِالْعِوَضِ، وَأَمَّا الْمَنَافِعُ الْمُضْطَرُّ إلَيْهَا كَمَنْفَعَةِ الظَّهْرِ لِلْمُنْقَطِعِينَ فِي الْأَسْفَارِ وَإِعَارَةِ مَا يُضْطَرُّ إلَيْهِ فَفِي وُجُوبِ بَذْلِهَا مَجَّانًا وَجْهَانِ وَاخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ الْمُضْطَرَّ إلَى الطَّعَامِ إنْ كَانَ فَقِيرًا وَجَبَ بَذْلُهُ لَهُ مَجَّانًا؛ لِأَنَّ إطْعَامَهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ بِخِلَافِ الْغَنِيِّ فَإِنَّ الْوَاجِبَ مُعَاوَضَتُهُ فَقَطْ وَهَذَا حَسَنٌ، وَحَكَى الْآمِدِيُّ رِوَايَةً أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْمُضْطَرُّ الطَّعَامَ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ صَاحِبِهِ قَهْرًا لِمَنْعِهِ إيَّاهُ. (وَمِنْهَا) رِبَاعُ مَكَّةَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا إجَارَتُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ وَاخْتُلِفَ فِي مَأْخَذِهِ فَقِيلَ؛ لِأَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً فَصَارَتْ وَقْفًا أَوْ فَيْئًا فَلَا مِلْكَ فِيهَا لِأَحَدٍ وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَنِي الْخِلَافُ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي فَتْحِهَا عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا، وَقِيلَ بَلْ؛ لِأَنَّ الْحَرَمَ حَرِيمُ الْبَيْتِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلنَّاسِ سَوَاءٌ الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ التَّخْصِيصَ بِمَكَّةَ وَتَحْجِيرَهُ بَلْ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ فِيهِ شَرْعًا وَاحِدًا لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَمَنْ احْتَاجَ إلَى مَا بِيَدِهِ مِنْهُ سَكَنَهُ وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ وَجَبَ بَذْلُ فَاضِلِهِ لِلْمُحْتَاجِ إلَيْهِ وَهُوَ مَسْلَكُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي نَظَرِيَّاتِهِ وَسَلَكَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ أَيْضًا وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَتَرَدَّدَ كَلَامُهُ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ فَأَجَازَهُ مَرَّةً كَبَيْعِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ عِنْدَهُ وَيَكُونُ نَقْلًا لِلْيَدِ بِعِوَضٍ وَمَنَعَهُ فِي أُخْرَى إذْ الْأَرْضُ وَأَبْعَاضُ الْبِنَاءِ مِنْ الْحَرَمِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِلْبَانِي وَإِنَّمَا لَهُ التَّأْلِيفُ وَقَدْ رَجَّحَ بِهِ بِتَقْدِيمِهِ فِي الِانْتِفَاعِ كَمَنْ بَنَى فِي أَرْضٍ مُسَبَّلَةٍ لِلسُّكْنَى بِنَاءً مِنْ تُرَابِهَا وَأَحْجَارِهَا وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ دُونَ الْإِجَارَةِ وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي وَعَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ فَقَدْ يَخْتَصُّ الْبَيْعُ بِالْقَوْلِ بِفَتْحِهَا عَنْوَةً لِمَصِيرِ الْأَرْضِ فَيْئًا وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ الْكَرَاهَةِ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً فَصَارَ الْمُسْلِمُونَ فِيهَا شِرْكًا وَاحِدًا قَالَ وَعُمَرُ إنَّمَا تَرَكَ السَّوَادَ لِذَلِكَ قَالَ: وَلَا يُعْجِبُنِي مَنَازِلَ السَّوَادِ وَلَا أَرْضَهُمْ وَهَذَا نَصٌّ بِكَرَاهَةِ الْمَنْعِ فِي سَائِرِ أَرَاضِي الْعَنْوَةِ وَبِكُلِّ حَالٍ فَلَا يَجِبُ الْإِسْكَانُ فِي دُورِ مَكَّةَ إلَّا فِي الْفَاضِلِ عَنْ حَاجَةِ السَّاكِنِ نَصَّ عَلَيْهِ.
فِيهِ خِلَافٌ يَتَنَزَّلُ عَلَيْهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ: (مِنْهَا) الْأَكْلُ مِنْ أُضْحِيَّةِ النَّذْرِ وَفِيهِ وَجْهَانِ اخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ الْجَوَازَ. (وَمِنْهَا) فِعْلُ الصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةِ فِي وَقْتِ النَّهْيِ وَفِيهِ وَجْهَانِ أَشْهَرُهُمَا الْجَوَازُ. (وَمِنْهَا) نَذْرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالصَّلَاةِ فِي وَقْتِ النَّهْيِ وَفِيهِ وَجْهَانِ أَيْضًا وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ كَنَذْرِ الْمَعْصِيَةِ؛ لِأَنَّ الْمُلْزِمَ بِالنَّذْرِ هُوَ التَّطَوُّعُ الْمُطْلَقُ. (وَمِنْهَا) لَوْ نَذَرَ صَلَاةً فَهَلْ يُجْزِئُهُ رَكْعَةٌ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ رَكْعَتَيْنِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. (وَمِنْهَا) لَوْ نَذَرَ عِتْقَ رَقَبَةٍ لَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا سَلِيمَةٌ ذَكَرَهُ الْقَاضِي حَمْلًا لَهُ عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْزِئَهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَالْوَصِيَّةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ سَلَّمَهَا مَعَ أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ وَصَّى بِعِتْقِ رَقَبَةٍ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ إلَّا سَلِيمَةً.
فِيهِ خِلَافٌ يَتَنَزَّلُ عَلَيْهِ مَسَائِلُ: (مِنْهَا) لَوْ أَعْتَقَ فِي الْكَفَّارَةِ نِصْفَيْ رَقَبَتَيْنِ وَفِيهَا وَجْهَانِ وَقِيلَ إنْ كَانَ بَاقِيهِمَا حُرًّا أَجْزَأَ وَجْهًا وَاحِدًا لِتَكْمِيلِ الْحُرِّيَّةِ، وَخَرَّجُوا عَلَى الْوَجْهَيْنِ لَوْ أَخْرَجَ فِي الزَّكَاةِ نِصْفَيْ شَاتَيْنِ وَزَادَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ لَوْ أَهْدَى نِصْفَيْ شَاتَيْنِ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْهَدْيِ اللَّحْمُ وَلِهَذَا أَجْزَأَ فِيهِ شِقْصٌ مِنْ بَدَنَةٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِجْزَاءِ هَاهُنَا. (وَمِنْهَا) لَوْ أَخْرَجَ الْجُبْرَانَ فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ شَاةً وَعَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَهَلْ يُجْزِئُهُ عَلَى وَجْهَيْنِ. (وَمِنْهَا) لَوْ كَفَّرَ يَمِينَهُ بِإِطْعَامِ خَمْسَةِ مَسَاكِينَ وَكِسْوَةِ خَمْسَةِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَفِيهِ وَجْهٌ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ. (وَمِنْهَا) لَوْ أَخْرَجَ فِي الْفِطْرَةِ صَاعًا مِنْ جِنْسَيْنِ وَالْمَذْهَبُ الْإِجْزَاءُ وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ. (وَمِنْهَا) لَوْ كَفَّرَ فِي مَحْظُورَاتِ الْحَجِّ بِصِيَامِ يَوْمٍ وَإِطْعَامِ أَرْبَعَةِ مَسَاكِينَ فَالْأَظْهَرُ مَنْعُهُ، وَفِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لِلْقَاضِي يُحْتَمَلُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهَا عَلَى التَّخْيِيرِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ. وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا لَوْ أَعْتَقَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ثُلُثَ رَقَبَةٍ وَأَطْعَمَ أَرْبَعَةَ مَسَاكِينَ وَكَسَا أَرْبَعَةً أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَفِيهِ بُعْدٌ. (وَمِنْهَا) لَوْ أَخْرَجَ عَنْ أَرْبَعِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَعُ حِقَاقٍ وَخَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ أَجْزَأَ بِغَيْرِ خِلَافٍ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بِمُقْتَضَى قَوْلِهِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٍ وَلِأَنَّ هَذِهِ وَاجِبَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ فَهِيَ كَكَفَّارَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَإِنْ أَخْرَجَ بِتَشْقِيصٍ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ عَنْ مِائَتَيْنِ حِقَّتَيْنِ وَبِنْتَيْ لَبُونٍ وَنِصْفًا فَهُوَ كَإِخْرَاجِ نِصْفَيْ شَاتَيْنِ عَلَى مَا سَبَقَ.
وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ: (مِنْهَا) الْفَارُّ مِنْ الزَّكَاةِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِتَنْقِيصِ النِّصَابِ أَوْ إخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَلَوْ صَرَفَ أَكْثَرَ أَمْوَالِهِ فِي مِلْكِ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ كَالْعَقَارِ وَالْحُلِيِّ فَهَلْ يَنْزِلْ مَنْزِلَةَ الْفَارِّ عَلَى وَجْهَيْنِ؟ (وَمِنْهَا) الْمُطَلِّقُ فِي مَرَضِهِ لَا يَقْطَعُ طَلَاقُهُ حَقَّ الزَّوْجَةِ مِنْ إرْثِهَا مِنْهُ إلَّا أَنْ تَنْتَفِيَ التُّهَمُ بِسُؤَالِ الزَّوْجَةِ وَنَحْوِهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ. (وَمِنْهَا) الْقَاتِلُ لِمَوْرُوثِهِ لَا يَرِثُهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُتَّهَمًا أَوْ غَيْرَ مُتَّهَمٍ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ وَعُمَدُ الْأَدِلَّةِ وَجْهًا أَنَّهُ مَتَى انْتَفَتْ التُّهْمَةُ كَقَتْلِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَمْ يَمْتَنِعْ الْإِرْثُ قَالَ وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي. (وَمِنْهَا) قَتْلُ الْمُوصَى لَهُ الْمُوصِي بَعْدَ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهُ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ رِوَايَةً وَاحِدَةً عَلَى أَصَحِّ الطَّرِيقَيْنِ. (وَمِنْهَا) السَّكْرَانُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ عَمْدًا يُجْعَلُ كَالصَّاحِي فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ فِيمَا عَلَيْهِ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ بِخِلَافِ مَنْ سَكِرَ بِبَنْجٍ أَوْ نَحْوِهِ. (وَمِنْهَا) لَوْ أَزَالَ عَقْلَهُ بِأَنْ ضَرَبَ رَأْسَهُ فَجُنَّ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَى الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا تَدْعُو النُّفُوسُ إلَيْهِ بَلْ فِي الطَّبْعِ وَازِعٌ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّلَاةِ إذَا جُنَّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى الصَّحِيحِ. (وَمِنْهَا) تَخْلِيلُ الْخَمْرِ لَا يُفِيدُ حِلَّهُ وَلَا طَهَارَتَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ. (وَمِنْهَا) ذَبْحُ الصَّيْدِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ لَا يُبِيحُهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَذَبْحُ الْمُحِلِّ لِلْمُحْرِمِ لَا يُبِيحُهُ لِلْمُحْرِمِ الْمَذْبُوحِ لَهُ وَفِي حِلِّهِ لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُحْرِمِينَ وَجْهَانِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَى هَذَا ذَبْحُ الْغَاصِبِ وَالسَّارِقِ؛ لِأَنَّ ذَبْحَهُمَا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْإِبَاحَةُ لَهُمَا فَإِنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ وَلَا إبَاحَةَ بِدُونِ إذْنِهِ مَعَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الْتَزَمَ تَحْرِيمَهُ مُطْلَقًا وَحَكَاهُ رِوَايَةً. وَيَلْتَحِقُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَاعِدَةٌ: مَنْ تَعَجَّلَ حَقَّهُ أَوْ مَا أُبِيحَ لَهُ قَبْلَ وَقْتِهِ عَلَى وَجْهِ مُحْرِمٍ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ وَيَدْخُلُ فِيهَا مِنْ مَسَائِلَ: الْأُولَى مَسْأَلَةُ قَتْلِ الْمَوْرُوثِ وَالْمُوصَى لَهُ. (وَمِنْهَا) الْغَالُّ مِنْ الْغَنِيمَةِ يَحْرُمُ أَسْهُمُهُ مِنْهَا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. (وَمِنْهَا) مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ عَلَى رِوَايَةٍ. (وَمِنْهَا) مَنْ تَزَوَّجَتْ بِعَبْدِهَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا عَلَى التَّأْبِيدِ كَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ فِي أَحْكَامِ الْعَبِيدِ عَنْ الْخَضِرِ بْنِ الْمُثَنَّى الْكِنْدِيِّ عَنْهُ. وَالْخَضِرُ مَجْهُولٌ تَفَرَّدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بِرِوَايَةِ الْمَنَاكِيرِ الَّتِي لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا. (وَمِنْهَا) مَنْ اصْطَادَ صَيْدًا قَبْل أَنْ يَحِلَّ مِنْ إحْرَامِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَإِنْ تَحَلَّلَ حَتَّى يُرْسِلَهُ وَيُطْلِقَهُ. وَأَمَّا إذَا قَتَلَ الْغَرِيمُ غَرِيمَهُ فَإِنَّهُ يَحِلُّ دَيْنُهُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ مَاتَ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ طَرْدًا لِلْقَاعِدَةِ.
وَلِذَلِكَ صُوَرٌ: (مِنْهَا) مُكَاثَرَةُ الْمَاءِ النَّجَسِ الْقَلِيلِ بِالْمَاءِ الْكَثِيرِ يُعْتَبَرُ لَهُ الِاتِّصَالُ الْمُعْتَادُ دُونَ صَبِّ الْقُلَّتَيْنِ دُفْعَةً وَاحِدَةً. (وَمِنْهَا) الْوُضُوءُ إذَا اُعْتُبِرَ حَالَةُ الْمُوَالَاةِ لَمْ يَقْطَعْهُ التَّفَرُّقُ الْيَسِيرُ، وَهَلْ الِاعْتِبَارُ بِالْعُرْفِ أَوْ بِجَفَافِ الْأَعْضَاءِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. (وَمِنْهَا) الصَّلَاةُ يَجُوزُ الْبِنَاءُ عَلَيْهَا إذَا سَلَّمَ سَاهِيًا مَعَ قُرْبِ الْفَصْلِ وَلَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ. (وَمِنْهَا) الْمُسَافِرُ إذَا أَقَامَ مُدَّةَ يَوْمَيْنِ فَهُوَ سَفَرٌ وَاحِدٌ يَنْبَنِي بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ وَإِنْ زَادَ لَمْ يَبْنِ. (وَمِنْهَا) إذَا تَرَكَ الْعَمَلَ فِي الْمَعْدِنِ التَّرْكَ الْمُعْتَادَ أَوْ لِعُذْرٍ وَلَمْ يَقْصِدْ الْإِهْمَالَ ثُمَّ عَادَ إلَى الِاسْتِخْرَاجِ ضُمَّ الْأَوَّلُ إلَى الثَّانِي فِي النِّصَابِ. (وَمِنْهَا) الطَّوَافُ إذَا تَخَلَّلَهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ أَوْ جِنَازَةٌ يُبْنَى عَلَيْهِ سَوَاءٌ قُلْنَا الْمُوَالَاةُ سُنَّةٌ أَوْ شَرْطٌ عَلَى أَشْهَرِ الطَّرِيقَيْنِ لِلْأَصْحَابِ. (وَمِنْهَا) لَوْ حَلَفَ لَا أَكَلْت إلَّا أَكْلَةً وَاحِدَةً فِي يَوْمِي هَذَا فَأَكَلَ مُتَوَاصِلًا لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ تَفَرَّقَ التَّفَرُّقَ الْمُعْتَادَ عَلَى الْأَكْلَةِ الْوَاحِدَةِ وَلَوْ طَالَ زَمَنُ الْأَكْلِ وَإِنْ قَطَعَ ثُمَّ عَادَ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ حَنِثَ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فِي الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ وَالْآمِدِيُّ، وَقِيَاسُهُ لَوْ حَلَفَ لَا وَطِئَهَا إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّ الْوَطْءَ فِي الْعُرْفِ عِبَارَةٌ عَنْ الْوَطْءِ التَّامِّ الْمُسْتَدَامِ إلَى الْإِنْزَالِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ مِثْلُهُ فِيمَنْ رَتَّبَ عَلَى مُطْلَقِ الْوَطْءِ. وَفِي التَّرْغِيبِ أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا فِيمَا إذَا قَالَ إنْ وَطِئْتُكِ فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ وَلَكِنَّ مَنْصُوصَ الْحِنْثِ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا أَنَّهُ لَا حَقَّ عَلَى مَنْ أَكْمَلَ الْوَطْءَ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ بِإِتْمَامِهِ إلَى الْإِنْزَالِ. (وَمِنْهَا) لَوْ أَخْرَجَ السَّارِقُ مِنْ الْحِرْزِ بَعْضَ النِّصَابِ ثُمَّ دَخَلَ وَأَخْرَجَ مَا فِيهِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ لَا يَبْلُغُ نِصَابًا فَإِنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا قُطِعَ وَإِنْ طَالَ فَفِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ عَنْهُ فِي التَّرْغِيبِ وَقَالَ اخْتَارَ بَعْضُ شُيُوخِي أَنَّهُ لَا قَطْعَ مَعَ طُولِ الْفَصْلِ. (وَمِنْهَا) إذَا تَرَكَ الْمُرْتَضِعُ الثَّدْيَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ فَهِيَ رَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ وَكَذَا ذَكَرَ الْآمِدِيُّ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ بِاخْتِيَارِهِ لِتَنَفُّسٍ أَوْ إعْيَاءٍ يَلْحَقُهُ ثُمَّ عَادَ وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ فَهِيَ رَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ: وَلَوْ انْتَقَلَ مِنْ ثَدْيٍ إلَى آخَرَ وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ فَإِنْ كَانَ مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فَهِيَ رَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ امْرَأَتَيْنِ فَوَجْهَانِ، وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ نَحْوَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ إلَّا فِي صُورَةِ الْمَرْأَتَيْنِ وَذَكَرَ أَنَّهَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَحَكَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا تَكُونُ رَضْعَتَيْنِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
إنْ كَانَ الْمُلْتَزَمُ عَقْدًا أَوْ فَسْخًا يَصِحُّ إبْهَامُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَنْوَاعِهِ أَوْ إلَى أَعْيَانِ مَنْ يَرِدُ عَلَيْهِ صَحَّ الرِّضَا بِهِ وَأُلْزِمَ بِغَيْرِ خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ فَفِيهِ خِلَافٌ، فَالْأَوَّلُ لَهُ صُوَرٌ: (مِنْهَا) أَنْ يُحْرِمَ مِنْهَا بِمِثْلِ مَا أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ أَوْ بِأَحَدِ الْأَنْسَاكِ فَيَصِحُّ. (وَمِنْهَا) إذَا طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَاتِهِ فَيَصِحُّ وَتَعَيَّنَ بِالْقُرْعَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ. (وَمِنْهَا) لَوْ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبِيدِهِ فَيَصِحُّ وَيُعَيِّنُ بِالْقُرْعَةِ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ،. وَأَمَّا الثَّانِي فَلَهُ صُوَرٌ: (مِنْهَا) إذَا طَلَّقَ بِلَفْظٍ أَعْجَمِيٍّ مَنْ لَا يَفْهَمُ مَعْنَاهُ وَالْتَزَمَ مُوجَبَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ فَفِي لُزُومِ الطَّلَاقِ لَهُ وَجْهَانِ، وَالْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ وَالْأَكْثَرِينَ. (وَمِنْهَا) إذَا طَلَّقَ الْعَجَمِيُّ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَفْهَمْ مَعْنَاهُ وَلَكِنَّهُ الْتَزَمَ مُوجَبَهُ عِنْدَ الْعَرَبِ فِيهِ الْخِلَافُ. (وَمِنْهَا) إذَا عَتَقَ الْعَجَمِيُّ أَوْ الْعَرَبِيُّ بِغَيْرِ لُغَتِهِ وَلَمْ يَفْهَمْ مَعْنَاهُ فَفِيهِ خِلَافٌ وَنَصَّ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْعِتْقُ. (وَمِنْهَا) إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ مِثْلُ مَا طَلَّقَ فُلَانٌ زَوْجَتَهُ. وَلَمْ يَعْلَمْ فَهَلْ يَلْزَمُهُ مِثْلُ طَلَاقِ فُلَانٍ بِكُلِّ حَالٍ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدَةٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. (وَمِنْهَا) إذَا قَالَ: أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ تَلْزَمُنِي لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَلَمْ يَعْلَمْ مَا هِيَ فِيهِ. وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا لَا تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ بِالْكُلِّيَّةِ. وَالثَّانِي: تَنْعَقِدُ إذَا لَزِمَهَا وَنَوَاهَا وَبِهِ أَفْتَى أَبُو الْقَاسِمِ الْخِرَقِيِّ فِيمَا حَكَى عَنْهُ ابْنُ بَطَّةَ، قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: وَكَانَ أَبِي يَتَوَقَّفُ فِيهَا وَلَا يُجِيبُ فِيهَا بِشَيْءٍ: وَالثَّالِثُ يَنْعَقِدُ فِيمَا عَدَا الْيَمِينِ بِاَللَّهِ بِشَرْطِ النِّيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ لَا تَصِحُّ بِالْكِتَابَةِ وَفِيهِ وَجْهٌ رَابِعٌ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مُوجَبُهَا نَوَاهَا أَوْ لَمْ يَنْوِهَا وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا فِي بَعْضِ تَعَالِيقِهِ وَقَالَ: لِأَنَّ مِنْ أَصْلِنَا وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالْكِتَابَةِ بِالْخَطِّ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ. (وَمِنْهَا) لَوْ قَالَ: أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُنِي فَفِي الْخِلَافِ لِلْقَاضِي يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالظِّهَارُ وَالنَّذْرُ نَوَى ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ وَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي أَيْمَانِ الْبَيْعَةِ قَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ وَذَكَرَهُ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالنَّذْرُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِنَا بِعَدَمِ تَدَاخُلِ كَفَّارَاتِهِمَا. فَأَمَّا عَلَى قَوْلِنَا بِالتَّدَاخُلِ فَيُجْزِئُهُ لَهُمَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَقِيَاسُ الْمَشْهُورِ عَنْ أَصْحَابِنَا فِي يَمِينِ الْبَيْعَةِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ حَتَّى يَنْوِيَهُ وَيَلْزَمُهُ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى يَعْلَمَهُ أَوْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَغَيْرِهَا، مَعَ أَنَّ صَاحِبَ الْمُحَرَّرِ لَمْ يَحْكِ خِلَافًا عَلَى اللُّزُومِ هَاهُنَا وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا؛ لِأَنَّ أَيْمَانَ الْمُسْلِمِينَ مَعْرُوفَةٌ بَيْنَهُمْ وَلَاسِيَّمَا الْيَمِينُ بِاَللَّهِ وَبِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِخِلَافِ أَيْمَانِ الْبَيْعَةِ. (وَمِنْهَا) الْبَرَاءَةُ مِنْ الْمَجْهُولِ وَأَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ صِحَّتُهَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ جَهِلَ الْمُبَرِّئُ قَدْرَهُ وَوَصْفَهُ أَوْ جَهِلَهُمَا مَعًا وَسَوَاءٌ عَرَفَهُ الْمُبَرِّئُ أَوْ لَمْ يَعْرِفْهُ. وَالثَّانِيَة: لَا يَصِحُّ إذَا عَرَفَهُ الْمُبَرِّئُ سَوَاءٌ عَلِمَ الْمُبَرِّئُ بِمَعْرِفَتِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَفِيهِ تَخْرِيجٌ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ مَعْرِفَتَهُ صَحَّ وَإِنْ ظَنَّ جَهْلَهُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ غَارٌّ لَهُ. وَالثَّالِثَةُ لَا يَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْمَجْهُولِ وَإِنْ جَهِلَاهُ إلَّا فِيمَا تَعَذَّرَ عِلْمُهُ لِلضَّرُورَةِ وَكَذَلِكَ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْحُقُوقِ فِي الْأَعْرَاضِ وَالْمَظَالِمِ. (وَمِنْهَا) الْبَرَاءَةُ مِنْ عُيُوبِ الْمَبِيعِ إذَا لَمْ يُعَيَّنْ مِنْهَا شَيْءٌ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ. أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ: وَالثَّانِيَةُ يَبْرَأُ إلَّا مِنْ عَيْبٍ عَلِمَهُ فَكَتَمَهُ لِتَغْرِيرِهِ وَغِشِّهِ، وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا آخَرَ بِالصِّحَّةِ مُطْلَقًا مِنْ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْمَجْهُولِ. (وَمِنْهَا) إجَازَةُ الْوَصِيَّةِ الْمَجْهُولَةِ وَفِي صِحَّتِهَا وَجْهَانِ.
أَمَّا الْإِنْشَاءَاتُ فَمِنْهَا الْعُقُودُ وَهِيَ أَنْوَاعٌ: أَحَدُهَا، عُقُودُ التَّمْلِيكَاتِ الْمَحْضَةِ كَالْبَيْعِ وَالصُّلْحِ بِمَعْنَاهُ وَعُقُودُ التوثقات كَالرَّهْنِ وَالْكَفَالَةِ وَالتَّبَرُّعَاتِ اللَّازِمَةِ بِالْعَقْدِ أَوْ بِالْقَبْضِ بَعْدَهُ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ. فَلَا يَصِحُّ فِي مُبْهَمٍ مِنْ أَعْيَانٍ مُتَفَاوِتَةٍ كَعَبْدٍ مِنْ عَبِيدٍ وَشَاةٍ مِنْ قَطِيعٍ وَكَفَالَةِ أَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ وَضَمَانِ أَحَدِ هَذَيْنِ الدَّيْنَيْنِ، وَفِي الْكَفَالَةِ احْتِمَالٌ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ فَهُوَ كَالْإِعَارَةِ وَالْإِبَاحَةِ وَيَصِحُّ فِي مُبْهَمٍ مِنْ أَعْيَانٍ مُتَسَاوِيَةٍ مُخْتَلِطَةٍ كَقَفِيزِ صُبْرَةٍ فَإِنْ كَانَتْ مُتَمَيِّزَةً مُتَفَرِّقَةً فَفِيهِ احْتِمَالَانِ ذَكَرَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي الصِّحَّةُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْخِلَافِ أَنَّهُ يَصِحُّ إجَارَةُ عَيْنٍ مِنْ أَعْيَانٍ مُتَقَارِبَةٍ النَّفْعِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَفَاوَتُ كَالْأَعْيَانِ وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَصُبْرَةٍ مُخْتَلِفَةِ الْأَجْزَاءِ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: الْبُطْلَانُ كَالْأَعْيَانِ الْمُتَمَيِّزَةِ. وَالثَّانِي: الصِّحَّةُ وَلَهُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِحِصَّتِهِ وَالثَّانِي: عُقُودُ مُعَاوَضَاتٍ غَيْرُ مُتَمَحِّضَةٍ كَالصَّدَاقِ وَعِوَضِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَفِي صِحَّتِهَا عَلَى مُبْهَمٍ مِنْ أَعْيَانٍ مُخْتَلِفَةٍ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الصِّحَّةُ وَفِي الْكِنَايَةِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا كَذَلِكَ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي. وَالثَّانِي: لَا تَصِحُّ وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ عِوَضَهَا مَالٌ مَحْضٌ وَالثَّالِثُ: عَقْدُ تَبَرُّعٍ مُعَلَّقٌ بِالْمَوْتِ فَيَصِحُّ فِي الْمُبْهَمِ بِغَيْرِ خِلَافٍ لِمَا دَخَلَهُ مِنْ التَّوَسُّعِ كَعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ وَشَاةٍ مِنْ قَطِيعِهِ وَهَلْ يُعَيِّنُ بِتَعْيِينِ الْوَرَثَةِ أَوْ بِالْقُرْعَةِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَمِثْلُهُ عُقُودُ التَّبَرُّعَاتِ كَإِعَارَةِ أَحَدٍ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ وَإِبَاحَةُ أَحَدٍ هَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ، وَكَذَلِكَ عُقُودُ الْمُشَارَكَاتِ وَالْأَمَانَاتِ الْمَحْضَةِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: ضَارِبٌ بِإِحْدَى هَاتَيْنِ الْمِائَتَيْنِ وَهُمَا فِي كِيسَيْنِ وَدَعْ عَنْكَ الْأُخْرَى عِنْدَكَ وَدِيعَةً، أَوْ ضَارِبٌ مِنْ هَذِهِ الْمِائَةِ بِخَمْسِينَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ التَّمَاثُلُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ. فَأَمَّا إنْ كَانَ الْإِبْهَامُ فِي التَّمَلُّكِ فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهٍ يَئُولُ إلَى الْعِلْمِ كَقَوْلِهِ: أَعْطُوا أَحَدَ هَذَيْنِ كَذَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ كَمَا لَوْ قَالَ فِي الْجَعَالَةِ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَئُولُ إلَى الْعِلْمِ كَالْوَصِيَّةِ لِأَحَدِ هَذَيْنِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَعَلَى الصِّحَّةِ يُمَيِّزُ بِالْقُرْعَةِ: وَأَمَّا الْفُسُوخُ فَمَا وُضِعَ مِنْهَا عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ صَحَّ فِي الْمُبْهَمِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَخَرَّجَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَجْهًا فِي الْوَقْفِ أَنَّهُ كَالْعِتْقِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْرِيرِ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ عَقْدُ تَمْلِيكٍ فَهُوَ بِالْهِبَةِ أَشْبَهُ: وَأَمَّا الْإِخْبَارَاتُ فَمَا كَانَ مِنْهَا خَبَرًا دِينِيًّا أَوْ كَانَ يَجِبُ بِهِ حَقٌّ عَلَى الْمَخْبَرِ قَبْلُ فِي الْمُبْهَمِ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ وُجُوبُ حَقٍّ عَلَى غَيْرِهِ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا فِيمَا يَظْهَرُ لَهُ فِيهِ عُذْرُ الِاشْتِبَاهِ فَفِيهِ خِلَافٌ. وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ وُجُوبُ الْحَقِّ عَلَى غَيْرِهِ لِغَيْرِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ إخْبَارِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَقُّ وَيُخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ: (مِنْهَا) لَوْ أَخْبَرَهُ أَنَّ كَلْبًا وَلَغَ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ الْإِنَاءَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ قَبْلُ وَصَارَ كَمَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ طَاهِرٌ بِنَجَسٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَخْبَرَهُ بِنَجَاسَةِ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ، أَوْ أَنَّ أَحَدَ هَذَيْنِ اللَّحْمَيْنِ مَيْتَةٌ وَالْآخَرُ مُذَكَّاةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ. (وَمِنْهَا) الْإِقْرَارُ فَيَصِحُّ الْمُبْهَمُ وَيُلْزَمُ بِتَعْيِينِهِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَحَدُ هَذَيْنِ مِلْكٌ لِفُلَانٍ، أَوْ لَهُ عِنْدِي دِرْهَمٌ أَوْ دِينَارٌ. وَيَصِحُّ لِلْمُبْهَمِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ، أَوْ أَعْتَقَهُ مَوْرُوثُهُ، وَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ زَوَّجَ إحْدَى بَنَاتِهِ مِنْ رَجُلٍ وَلَمْ يُسَمِّهَا ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهَا تُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ الَّتِي فِي يَدِهِ لِأَحَدِ هَذَيْنِ وَدِيعَةٌ وَلَا أَعْلَمُهُ عَيْنًا فَإِنَّهُمَا يَقْتَرِعَانِ عَلَيْهَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَ هَذِهِ الْعَيْنَ مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ وَهُمَا يَدَّعِيَانِهَا فَإِنَّهُمَا يَقْتَرِعَانِ وَلَوْ كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِي رَجُلَيْنِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا وَقَالَ أَحَدُهُمَا: اشْتَرَيْتُهُ بِمِائَةٍ، وَقَالَ: الْآخَرُ بِمِائَتَيْنِ وَأَقَرَّ الْبَائِعُ أَنَّهُ بَاعَهُ بِمِائَتَيْنِ وَلَمْ يُعَيِّنْ، فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ وَكَانَ الثَّوْبُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَلَا اعْتِبَارَ بِهَذِهِ الْيَدِ لِلْعِلْمِ بِمُسْتَنِدِهَا. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهَا يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ فَتَكُونُ الْعَيْنُ لِصَاحِبِهَا وَمَعَ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ يُخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ. (وَمِنْهَا) الدَّعْوَى بِالْمُبْهَمِ فَإِنْ كَانَتْ بِمَا يَصِحُّ وُقُوعُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ مُبْهَمًا كَالْوَصِيَّةِ وَالْعَبْدِ الْمُطْلَقِ فِي الْمُبْهَمِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَأَلْحَقَ أَصْحَابُنَا الْإِقْرَارَ بِذَلِكَ قَالَ وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ دَعْوَى الْإِقْرَارِ بِالْمَعْلُومِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْحَقِّ وَلَا مُوجَبِهِ فَكَيْفَ بِالْمَجْهُولِ. وَأَمَّا الدَّعْوَى عَلَى الْمُبْهَمِ فَلَا تَصِحُّ وَلَا تُسْمَعُ وَلَا يَثْبُتُ بِهَا قَسَامَةٌ وَلَا غَيْرُهَا. فَلَوْ قَالَ: قَتَلَ أَبِي أَحَدُ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةِ لَمْ يُسْمَعْ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُسْمَعَ لِلْحَاجَةِ فَإِنْ مِثْلَهُ يَقَعُ كَثِيرًا وَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَالَ: وَكَذَلِكَ وَالْقَبَاءِ فِي دَعْوَى الْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ وَالسَّرِقَةِ وَلَا يَجْرِي فِي الْإِقْرَارِ وَالْبَيْعِ إذَا قَالَ: نَسِيت؛ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ. (وَمِنْهَا) الشَّهَادَةُ بِالْمُبْهَمِ فَإِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ [يَصِحُّ] مُبْهَمًا صَحَّتْ الشَّهَادَةُ بِهِ كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَالْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ لَاسِيَّمَا الشَّهَادَةُ الَّتِي لَا تَصِحُّ بِدُونِ دَعْوَى فَإِنَّهَا تَابِعَةٌ لِلدَّعْوَى فِي الْحُكْمِ، أَمَّا إنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ أَبْطَلَ وَصِيَّةً مُعَيَّنَةً وَادَّعَتْ نِسْيَانَ عَيْنِهَا فَفِي الْقَبُولِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَجَزَمَ ابْنُ أَبِي مُوسَى بِقَبُولِ الشَّهَادَةِ بِالرُّجُوعِ عَنْ أَحَدِ الْوَصِيَّتَيْنِ مُطْلَقًا وَكَذَلِكَ حُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ فِي شَاهِدَيْنِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ يَتِيمٍ أَلْفًا وَشَهِدَ آخَرَانِ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَخَذَهَا يَأْخُذُ الْوَلِيُّ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ إذَا صُدِّقَ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ حُكِمَ لَهُ بِهَا.
فَصْلٌ: وَلَوْ تَعَلَّقَ الْإِنْشَاءُ بِاسْمٍ لَا يَتَمَيَّزُ بِهِ مُسَمَّاهُ لِوُقُوعِ الشَّرِكَةِ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ فِي الْبَاطِنِ مُعَيَّنًا فَهُوَ كَالتَّصْرِيحِ بِالْإِبْهَامِ وَإِنْ نَوَى بِهِ مُعَيَّنًا فَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ مِمَّا لَا يُشْتَرَطُ لَهُ الشَّهَادَةُ صَحَّ وَإِلَّا فَفِيهِ خِلَافٌ وَالْإِخْبَارُ تَابِعٌ لِلْإِنْشَاءِ فِي ذَلِكَ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ: (مِنْهَا) وُرُودُ عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَى اسْمٍ لَا يَتَمَيَّزُ مُسَمَّاهُ وَلَا يَصِحُّ. فَلَوْ قَالَ: زَوَّجْتُكِ بِنْتِي وَلَهُ بَنَاتٌ لَمْ يَصِحَّ، وَأَمَّا إنْ عَيَّنَا فِي الْبَاطِنِ وَاحِدَةً وَعَقَدَا الْعَقْدَ عَلَيْهَا بِاسْمٍ غَيْرِ مُمَيَّزٍ نَحْوَ أَنْ يَقُولَ: بِنْتِي وَلَهُ بَنَاتٌ أَوْ يُسَمِّيَهَا بِاسْمٍ وَيَنْوِيَا فِي الْبَاطِنِ غَيْرَ مُسَمَّاهُ فَفِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ اخْتَارَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ الصِّحَّةِ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَالْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الْبُطْلَانَ، وَمَأْخَذُهُ أَنَّ النِّكَاحَ يُشْتَرَطُ لَهُ الشَّهَادَةُ وَيَتَعَذَّرُ الْإِشْهَادُ عَلَى النِّيَّةِ. وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ الْعُكْبَرِيِّ إنْ كَانَتْ الْمُسَمَّاةُ غَلَطًا لَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا لِكَوْنِهَا مُزَوَّجَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ صَحَّ النِّكَاحُ وَإِلَّا فَلَا، فَلَوْ وَقَعَ مِثْلُ هَذَا فِي غَيْرِ النِّكَاحِ مِمَّا لَا يُشْتَرَطُ لَهُ الشَّهَادَةُ فَإِنْ قُلْنَا فِي النِّكَاحِ يَصِحُّ فَفِي غَيْرِهِ أَوْلَى، وَإِنْ قُلْنَا فِي النِّكَاحِ لَا يَصِحُّ فَمُقْتَضَى تَعْلِيلِ مَنْ عَلَّلَ بِاشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ أَنْ يَصِحَّ فِي غَيْرِهِ مِمَّا لَا يُعْتَبَرُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ لِصِحَّتِهَا. (وَمِنْهَا) الْوَصِيَّةُ لِجَارِهِ مُحَمَّدٍ وَلَهُ جَارَانِ بِهَذَا الِاسْمِ فَلَهُ حَالَتَانِ: إحْدَاهُمَا، أَنْ يُعْلَمَ بِقَرِينَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَنَّهُ أَرَادَ وَاحِدًا مِنْهُمَا مُعَيَّنًا وَأَشْكَلَ عَلَيْنَا مَعْرِفَتُهُ فَهَاهُنَا يَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِغَيْرِ تَرَدُّدٍ وَيَخْرُجُ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُمَا بِالْقُرْعَةِ عَلَى قِيَاسِ الْمَذْهَبِ فِي اشْتِبَاهِ الْمُسْتَحِقِّ لِلْمَالِ بِغَيْرِهِ مِنْ الزَّوْجَةِ الْمُطَلَّقَةِ، وَالسِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ وَغَيْرِهِمَا. وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُطَلِّقَ وَقَدْ يَذْهَلُ عَنْ تَعْيِينِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ فَهُوَ كَالْوَصِيَّةِ لِأَحَدِهِمَا مُبْهَمًا، وَكَذَلِكَ حَكَى الْأَصْحَابُ فِي الصِّحَّةِ رِوَايَتَيْنِ وَلَكِنَّ الْمَنْصُوصَ عَنْ أَحْمَدَ الصِّحَّةُ. قَالَ صَالِحٌ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَلَهُ ثَلَاثَةُ غِلْمَانٍ ثَلَاثَتُهُمْ اسْمُهُمْ فَرَجٌ فَوَصَّى عِنْدَ مَوْتِهِ فَقَالَ فَرَجٌ حُرٌّ وَفَرَجٌ لَهُ مِائَةٌ وَفَرَجٌ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ. قَالَ أَبِي: يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فَمَنْ أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ فَهُوَ حُرٌّ وَأَمَّا صَاحِبُ الْمِائَةِ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ عَبْدٌ وَالْعَبْدُ هُوَ وَمَالُهُ لِسَيِّدِهِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الصِّحَّةِ مَعَ اشْتَرَاكِ الِاسْمِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَلَّلَ الْبُطْلَانَ هَاهُنَا لِكَوْنِهِ عَبْدًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ حُرًّا لَاسْتَحَقَّ، وَزَعَمَ صَاحِبُ الْمُغْنِي أَنَّ رِوَايَةَ صَالِحٍ تَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ وَخَالَفَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فِي رَجُلٍ لَهُ غُلَامَانِ اسْمُهُمَا وَاحِدٌ فَأَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ فَقَالَ: فُلَانٌ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي لِأَحَدِ الْغُلَامَيْنِ وَلَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَفُلَانٌ لَيْسَ هُوَ حُرٌّ وَاسْمُهُمَا وَاحِدٌ، فَقَالَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ فَهُوَ حُرٌّ وَأَمَّا صَاحِبُ الْمِائَتَيْنِ فَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ عَبْدٌ وَالْعَبْدُ وَمَالُهُ لِسَيِّدِهِ وَهَذِهِ لَا تَدُلُّ عَلَى مِثْلِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ رِوَايَةُ صَالِحٍ لَكِنَّ السُّؤَالَ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْمِائَتَيْنِ هُوَ الْعَتِيقُ وَالْجَوَابُ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ، وَمِنْ ثُمَّ زَعَمَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ لِلْإِبْهَامِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَلَّلَ بِكَوْنِهِ عَبْدًا لَمْ يُعْتَقْ وَتَأَوَّلَهَا الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَمْ تَصِحَّ لِكَوْنِهِ عَبْدًا حَالَ الْإِيصَاءِ وَلَا يَكْفِي حُرِّيَّتُهُ حَالَ الِاسْتِحْقَاقِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا. وَجَوَابُ أَحْمَدَ إنَّمَا يَتَنَزَّلُ عَلَى أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالدَّرَاهِمِ غَيْرُ الْمُعْتِقِ. وَنَقَلَ يَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سَأَلَ عَنْ رَجُلٍ لَهُ ثَلَاثَةُ غِلْمَانٍ اسْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرَجٌ، فَقَالَ: فَرَجٌ حُرٌّ وَلِفَرَجٍ مِائَةُ دِرْهَمٍ. قَالَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ فَهُوَ حُرٌّ وَاَلَّذِي أَوْصَى لَهُ بِالْمِائَةِ لَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِيرَاثٌ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهَا حَيْثُ عَلَّلَ فِيهَا بِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ بِكَوْنِ الْعَبْدِ الْمُوصَى لَهُ مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ فَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ الَّتِي سَاقَهَا الْخَلَّالُ فِي الْجَامِعِ وَكُلُّهَا دَالَّةٌ عَلَى الصِّحَّةِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَسَاقَهَا أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي عَلَى أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالدَّرَاهِمِ هُوَ الْمُعْتَقُ وَأَنَّ أَحْمَدَ صَحَّحَ الْوَصِيَّةَ لَهُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَأَبْطَلَهَا فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَبِالصِّحَّةِ أَقُولُ، وَفِي الْخَلَّالِ أَيْضًا عَنْ مُهَنَّا أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ فِي رَجُلَيْنِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ مِنْ أَصْحَابِ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ أَحَالَهُ بِهَا وَالشُّهُودُ لَا يَعْرِفُونَ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ كَيْفَ يَصْنَعُونَ وَقَدْ مَاتَ الرَّجُلُ؟ قَالَ: يَنْظُرُونَ فِي أَصْحَابِ فُلَانٍ فِيهِمْ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مِنْ أَصْحَابِ فُلَانٍ؟ قُلْت: فَإِنْ جَاءَ رَجُلَانِ فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مِنْ أَصْحَابِ فُلَانٍ قَالَ: فَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِمَا شَيْئًا حَتَّى يَكُونَ رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَحْمَدَ لَمْ يَتَوَقَّفْ فِي الدَّفْعِ إلَّا لِيَتَيَقَّنَ الْمُسْتَحِقَّ مِنْ غَيْرِهِ لَا لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهَا هَاهُنَا لِمُعَيَّنٍ فِي نَفْسٍ وَإِنَّمَا اشْتَبَهَ عَلَيْنَا لِاشْتِرَاكِ الِاسْمَيْنِ فَلِذَلِكَ وُقِفَ الدَّفْعُ عَلَى مَعْرِفَةِ عَيْنِ الْمُسْتَحِقِّ إذَا رُجِيَ انْكِشَافُ الْحَالِ وَأَمَّا مَعَ الْإِيَاسِ مِنْ ذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ تَعْيِينَ الْمُسْتَحِقِّ بِالْقُرْعَةِ قَالَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَهُوَ الْحَقُّ. (وَمِنْهَا) اشْتِبَاهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا كَتَبَ الْقَاضِي إلَى قَاضِي بَلَدٍ آخَرَ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْمُسَمَّى الْمَوْصُوفِ كَذَا. فَأَحْضَرَهُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِالصِّفَةِ وَالنَّسَبِ فَادَّعَى أَنَّ لَهُ مُشَارِكًا فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَثْبُتْ حُكْمٌ عَلَيْهِ وَإِنْ أَثْبَتَ أَنَّ لَهُ مُشَارِكًا فِي الِاسْمِ وَالصِّفَةِ وَالنَّسَبِ وُقِفَ حَتَّى يُعْلَمَ الْخَصْمُ مِنْهُمَا وَلَمْ يَجُزْ الْقَضَاءُ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ. أَمَّا لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي الْمَكْتُوبُ فِيهِ حَيَوَانًا أَوْ عَبْدًا مَوْصُوفًا وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ مُشَارِكٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ يُسَلَّمُ إلَى الْمُدَّعِي مَخْتُومُ الْعِتْقِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ كَفِيلٌ حَتَّى يَأْتِيَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ فَيَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى عَيْنِهِ وَيُقْضَى لَهُ بِهِ، وَإِنْ يَشْهَدُوا عَلَى عَيْنِهِ وَجَبَ رَدُّهُ إلَى الْحَاكِمِ الَّذِي سَلَّمَهُ وَيَكُونُ فِي ضَمَانِ الَّذِي أَخَذَهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُسَلَّمُ إلَّا بِالشَّهَادَةِ عَلَى عَيْنِهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ الْحُرَّ قَدْ طَابَقَ قَوْلَ الْمُدَّعِي اسْمَهُ وَنَسَبَهُ وَصِفَتَهُ فَيَبْعُدُ الِاشْتِرَاكُ، وَالْعَبْدُ وَالْحَيَوَانُ إنَّمَا حَصَلَ الِاتِّفَاقُ فِي وَصْفِهِ أَوْ فِي وَصْفِهِ وَاسْمِهِ وَالْوَصْفُ كَثِيرُ الِاشْتِبَاهِ وَكَذَلِكَ الِاسْمُ وَنَظِيرُ هَذَا مَا ذَكَرُوهُ فِي شَهَادَةِ الْأَعْمَى أَنَّهُ إنْ عَرَفَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ عَرَفَهُ بِرُؤْيَتِهِ قَبْلَ عَمَاهُ فَوَصَفَهُ فَفِي قَبُولِهَا وَجْهَانِ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ الْمُجَرَّدَ يَحْصُلُ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ. (وَمِنْهَا) لَوْ كَانَ لَهُ ابْنَتَانِ اسْمُهُمَا وَاحِدٌ فَوَهَبَ لِإِحْدَاهُمَا شَيْئًا أَوْ أَقَرَّ لَهَا ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَقَالَ الْقَاضِي فِي بَعْضِ تَعَالِيقِهِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ إخْرَاجُ الْمُسْتَحَقَّةِ مِنْهُمَا بِالْقُرْعَةِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَوَّجَ إحْدَى بَنَاتِهِ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ، وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ وَالْإِقْرَارَ هُنَا وَقَعَ لِمَعْنًى فِي الْبَاطِنِ وَإِنَّمَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا الْوُقُوفُ عَلَيْهِ فَيُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ. (وَمِنْهَا) لَوْ وُجِدَ فِي كِتَابِ وَقْفٍ أَنَّ رَجُلًا وَقَفَ عَلَى فُلَانٍ وَبَنِي بَنِيهِ وَاشْتَبَهَ هَلْ الْمُرَادُ بَنِي بَنِيهِ جَمْعُ ابْنٍ أَوْ بَنِي بَنِيهِ وَاحِدَةُ الْبَنَاتِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ: يَكُونُ بَيْنَهُمَا عِنْدَنَا لِتُسَاوِيهِمَا كَمَا فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَيْسَ هَذَا تَعَارُضَ الْبَيِّنَتَيْنِ بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ تَرَدُّدِ الْبَيِّنَةِ الْوَاحِدَةِ وَلَوْ كَانَ مِنْ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ فَالْقِسْمَةُ عِنْدَ التَّعَارُضِ رِوَايَةٌ مَرْجُوحَةٌ وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ إمَّا التَّسَاقُطُ وَإِمَّا الْقُرْعَةُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْرَعَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَبَتَ لِإِحْدَى الْجِهَتَيْنِ وَلَمْ يُعْلَمْ عَيْنُهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَجَّحَ بَنُو الْبَنِينَ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا وَقَفَ عَلَى وَلَدِ بَنِيهِ لَا يَخُصُّ مِنْهُمَا الذُّكُورَ بَلْ يَعُمُّ أَوْلَادَهُمَا بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى وَلَدِ الذُّكُورِ فَإِنَّهُ يَخُصُّ ذُكُورَهُمْ كَثِيرًا كَآبَائِهِمْ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ وَلَدَ الْبِنْتِ لَسَمَّاهَا بِاسْمِهَا أَوْ لَشَرَكَ بَيْنَ وَلَدِهَا وَوَلَدِ سَائِرِ بَنَاتِهِ، قَالَ: وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ. وَأَفْتَى رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى أَحَدِ أَوْلَادِهِ وَلَهُ عِدَّةُ أَوْلَادٍ وَجَهِلَ اسْمَهُ أَنَّهُ يُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ.
وَذَلِكَ فِي مَسَائِلَ: (مِنْهَا) الزَّائِدُ عَلَى مَا تَجْلِسُهُ الْمُسْتَحَاضَةُ مِنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ أَوْ غَالِبِهِ إلَى مُنْتَهَى أَكْثَرِهِ، حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَعْدُومِ حَيْثُ حَكَمْنَا فِيهَا لِلْمَرْأَةِ بِأَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ كُلِّهَا فَإِنَّ مُدَّةَ الِاسْتِحَاضَةِ تَطُولُ وَلَا غَايَةَ لَهَا تُنْتَظَرُ بِخِلَافِ الزَّائِدِ عَلَى الْأَقَلِّ فِي حَقِّ الْمُبْتَدَأَةِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ حَيْثُ تَقْضِي الصَّوْمَ الْوَاقِعَ فِيهِ قَبْلَ ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِالتَّكْرَارِ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ يَنْكَشِفُ بِالتَّكْرَارِ عَنْ قُرْبٍ. وَكَذَلِكَ النِّفَاسُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ تَقْضِي فِيهِ الصَّوْمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ. (وَمِنْهَا) اللُّقَطَةُ بَعْدَ الْحَوْلِ فَإِنَّهَا تَتَمَلَّكُ لِجَهَالَةِ رَبِّهَا وَمَا لَا يُتَمَلَّكُ مِنْهَا يُتَصَدَّقُ بِهِ عَنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَكَذَلِكَ الْوَدَائِعُ وَالْغُصُوبُ وَنَحْوُهَا. (وَمِنْهَا) مَالُ مَنْ لَا يُعْلَمُ لَهُ وَارِثٌ فَإِنَّهُ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَالضَّائِعِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ بَنِي عَمٍّ أَعْلَى إذْ النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ فَمَنْ كَانَ أَسْبِقَ إلَى الِاجْتِمَاعِ مَعَ الْمَيِّتِ فِي أَبٍ مِنْ آبَائِهِ فَهُوَ عَصَبَتُهُ وَلَكِنَّهُ مَجْهُولٌ فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمٌ. وَجَازَ صَرْفُ مَالِهِ فِي الْمَصَالِحِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهُ مَوْلًى مُعْتَقٌ لَوَرِثَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى هَذَا الْمَجْهُولِ. وَلَنَا رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ إرْثًا لِهَذَا الْمَعْنَى فَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ اشْتِبَاهَ الْوَارِثِ بِغَيْرِهِ يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالْإِرْثِ لِلْكُلِّ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ إرْثٌ فِي الْبَاطِنِ لِمُعَيَّنٍ فَيُحْفَظُ مِيرَاثُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ لِلْجَهْلِ بِمُسْتَحَقِّهِ عَيْنًا فَهُوَ وَالْأَوَّلُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ مَسْأَلَةُ اقْتِصَاصِ الْإِمَامِ مِمَّنْ قَتَلَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ: مِنْهُمْ مَنْ بَنَاهُمَا عَلَى أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ هَلْ هُوَ وَارِثٌ أَمْ لَا؟ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ لَهُمْ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ وَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّهُ وَارِثٌ؛ لِأَنَّ فِي الْمُسْلِمِينَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالْغَائِبُ وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ الِاقْتِصَاصُ. وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَ بِوَارِثٍ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِمَامِ وَنَظَرَهُ فِي الْمَصَالِحِ قَائِمٌ مَقَامَ الْوَارِثِ وَهُوَ مَأْخَذُ ابْنِ الزاغوني. (وَمِنْهَا) إذَا اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِنِسَاءِ أَهْلِ مِصْرَ جَازَ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى النِّكَاحِ مِنْ نِسَائِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّحَرِّي فِي ذَلِكَ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَبَهَتْ مَيْتَةٌ بِلَحْمِ أَهْلِ مِصْرَ أَوْ قَرْيَةٍ، أَوْ اشْتَبَهَ حَرَامٌ قَلِيلٌ بِمُبَاحٍ كَثِيرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكْثُرَ الْحَرَامُ وَيَغْلِبَ فَيُخَرِّجُ الْمَسْأَلَةَ عَلَى تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ كَثِيَابِ الْكُفَّارِ وَأَوَانَيْهِمْ. (وَمِنْهَا) طِينُ الشَّوَارِعِ مَحْكُومٌ بِطَهَارَتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ. (وَمِنْهَا) إذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْ نِسَائِهِ وَأُنْسِيهَا فَإِنَّهَا تُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ وَيَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْبَوَاقِي عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَ وَاحِدَةً مِنْ إمَائِهِ. (وَمِنْهَا) إذَا أَحْرَمَ بِنُسُكٍ وَأُنْسِيهِ ثُمَّ عَيَّنَهُ بِقِرَانٍ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْ الْحَجِّ، وَهَلْ يُجْزِئُهُ عَنْ الْعُمْرَةِ؟ وَجْهَيْنِ أَشْهَرُهُمَا عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يُجْزِئُهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ لَا، ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ بِنِيَّةِ الْقِرَانِ فَلَا تَصِحُّ عُمْرَتُهُ. وَالثَّانِي: يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ إدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ مَعَ الْعِلْمِ فَأَمَّا مَعَ عَدَمِهِ فَلَا تَنْزِيلًا لِلْمَجْهُولِ كَالْمَعْدُومِ فَكَأَنَّهُ ابْتَدَأَ الْإِحْرَامَ بِهِمَا مِنْ حِينِ التَّعْيِينِ.
لَهُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ فَيَصِحُّ فِي الْوَقْفِ وَالْإِجَازَةِ وَهَذَا إذَا صَرَّحَ بِدُخُولِ الْمَعْدُومِ فَأَمَّا إنْ لَمْ يُصَرِّحْ وَكَانَ الْمَحِلُّ لَا يَسْتَلْزِمُ الْمَعْدُومَ فَفِي دُخُولِهِ خِلَافٌ، وَكَذَا لَوْ انْتَقَلَ الْوَقْفُ إلَى قَوْمٍ فَحَدَثَ مَنْ يُشَارِكُهُمْ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلُ: (مِنْهَا) الْإِجَازَةُ لِفُلَانٍ وَلِمَنْ يُولَدُ لَهُ فَإِنَّهَا تَصِحُّ وَفَعَلَ ذَلِكَ أَبُو بَكْر بْنُ أَبِي دَاوُد [وَهُوَ] مِنْ أَعْيَانِ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُ أَجَازَ لِشَخْصٍ وَوَلَدِهِ وَلِحَبَلِ الْحَبَلَةِ. (وَمِنْهَا) الْإِجَازَةُ لِمَنْ يُولَدُ لِفُلَانٍ ابْتِدَاءً فَأَفْتَى الْقَاضِي فِيهَا بِالصِّحَّةِ مُطْلَقًا نَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ. وَقِيَاسُ قَوْلِهِ فِي الْوَقْفِ عَدَمُ الصِّحَّةِ. (وَمِنْهَا) الْوَقْفُ عَلَى مَنْ سَيُولَدُ لَهُ فَصَرَّحَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ وَقَفَ عَلَى مَنْ لَا يَمْلِكُ فِي الْحَالِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الْعَبْدِ. قَالَ أَحْمَدُ: فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ الْوَقْفُ إنَّمَا يَكُونُ أَنْ يُوقِفَهُ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ مَنْ يَكُونُ مِنْ أَقَارِبِهِ فَإِذَا انْقَرَضُوا فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ أَوْ مَنْ رَأَى قَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ ظَاهِرُهُ يُعْطَى صِحَّةُ الْوَقْفِ ابْتِدَاءً عَلَى مَنْ يُولَدُ لَهُ أَوْ مَنْ يُوجَدُ مِنْ أَقَارِبِهِ وَهَذَا عِنْدِي وَقْفٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ. انْتَهَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ مَنْ يَكُونُ [مَوْجُودًا] مِنْ أَقَارِبِهِ فَيَكُونُ كَانَ نَاقِصَةً وَخَبَرُهَا مَحْذُوفًا. (وَمِنْهَا) الْوَقْفُ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ أَبَدًا أَوْ مَنْ يُولَدُ لَهُ فَيَصِحُّ بِغَيْرِ إشْكَالٍ نَصَّ عَلَيْهِ. (وَمِنْهَا) لَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَلَهُ أَوْلَادٌ مَوْجُودُونَ ثُمَّ حَدَثَ لَهُ وَلَدٌ آخَرُ فَفِي دُخُولِهِ رِوَايَتَانِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ دُخُولُهُ فِي الْمَوْلُودِ قَبْلَ تَأْبِيرِ النَّخْلِ وَقَدْ سَبَقَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ الزاغوني. (وَمِنْهَا) لَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ عَلَى وَلَدِهِمْ أَبَدًا عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ وَمَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ فَكَانَ فِي دَرَجَتِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ اثْنَانِ مَثَلًا فَتَنَاوَلَا نَصِيبَهُ ثُمَّ حَدَثَ ثَالِثٌ فَهَلْ يُشَارِكُهُمْ يُخَرَّجُ فِيهِ وَجْهَانِ مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا وَالدُّخُولُ هُنَا أَوْلَى وَبِهِ أَفْتَى الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَقْدِسِيَّ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْأَوْلَادِ قَدْ يُلْحَظُ فِيهِمْ أَعْيَانُ الْمَوْجُودِينَ عِنْدَ الْوَقْفِ بِخِلَافِ الدَّرَجَةِ وَالطَّبَقَةِ فَإِنَّهُ لَا يُلْحَظُ فِيهِ إلَّا مُطْلَقُ الْجِهَةِ وَعَلَى هَذَا فَلَوْ حَدَثَ مَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْ الْمَوْجُودِينَ وَكَانَ فِي الْوَقْفِ اسْتِحْقَاقُ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى، فَإِنَّهُ يَفْتَرِغُهُ مِنْهُمْ. وَأَمَّا حُكْمُ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ لِمَعْدُومٍ بِالْأَصَالَةِ كَمَنْ [أَوْصَى] بِحَمْلِ هَذِهِ الْجَارِيَةِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَفِي دُخُولِ الْمُتَجَدِّدِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَقَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي رِوَايَتَانِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيمَنْ وَصَّى لِمَوَالِيهِ وَلَهُ مُدَبَّرُونَ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ وَعَلَّلَ بِأَنَّهُمْ مَوَالٍ حَالَ الْمَوْتِ وَالْوَصِيَّةُ تُعْتَبَرُ بِحَالِ الْمَوْتِ وَخَرَّجَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمُتَجَدِّدِ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْمَوْتِ. قَالَ: بَلْ هَذَا مُتَجَدِّدٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَمَنْعُهُ أَوْلَى وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ يَتَوَجَّهُ إنْ عَلَّقْنَا الْوَصِيَّةَ بِصِدْقِ الِاسْمِ فَأَمَّا إنْ كَانَ قَصْدُ الْمُوصِي الْوَصِيَّةَ لِأَعْيَانِ رَقِيقِهِ وَسَمَّاهُمْ بِاسْمٍ يَحْدُثُ لَهُمْ الْجُوعِ يَسْتَحِقُّونَ الْوَصِيَّةَ بِغَيْرِ تَوَقُّفٍ. وَأَفْتَى الشَّيْخُ أَيْضًا بِدُخُولِ الْمَعْدُومِ فِي الْوَصِيَّةِ تَبَعًا كَمَنْ وَصَّى بِغَلَّةِ ثَمَرِهِ لِلْفُقَرَاءِ إلَى أَنْ يَحْدُثَ لِوَلَدِهِ وَلَدٌ فَيَكُونَ، وَهُوَ لَهُ قَرِيبٌ مِنْ تَعْلِيقِ الْوَصِيَّةِ بِشَرْطٍ آخَرَ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ حَسَّانَ فِيمَنْ أَوْصَى أَنْ يُتَصَدَّقَ فِي سِكَّةِ فُلَانٍ بِكَذَا وَكَذَا فَسَكَنَهَا قَوْمٌ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي قَالَ: إنَّمَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلَّذِينَ كَانُوا، ثُمَّ قَالَ: مَا أَدْرِي كَيْفَ هَذَا؟ قِيلَ لَهُ: فَيُشْبِهُ هَذَا الْكُورَةَ قَالَ: لَا الْكُورَةُ وَكَثْرَةُ أَهْلِهَا خِلَافُ هَذَا الْمَعْنَى يَنْزِلُ قَوْمٌ وَيَخْرُجُ قَوْمٌ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ. فَفَرَّقَ بَيْنَ الْكُورَةِ وَالسِّكَّةِ؛ لِأَنَّ الْكُورَةَ لَا يَلْحَظُ الْمُوصِي فِيهَا قَوْمًا مُعَيَّنِينَ لِعَدَمِ انْحِصَارِ أَهْلِهَا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ تَفْرِيقُ الْوَصِيَّةِ الْمُوصَى بِهَا فَيُسْتَحَقُّ الْمُتَجَدِّدُ فِيهَا بِخِلَافِ السِّكَّةِ فَإِنَّهُ قَدْ يَلْحَظُ أَعْيَانَ سُكَّانِهَا الْمَوْجُودِينَ لِحَصْرِهِمْ. يُفَارِقُ الْوَقْفَ فِي ذَلِكَ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ تَحْبِيسٌ وَتَسْبِيلٌ الْيَتِيمَةِ الْمُتَجَدِّدَ مِنْ الطِّبَاقِ فَكَذَا الطَّبَقَةُ الْوَاحِدَةُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ فَيَسْتَدْعِي مَوْجُودًا فِي الْحَالِ.
فِيهِ خِلَافٌ، وَالْمَذْهَبُ الْحُكْمُ بِالتَّعَاقُبِ لِبُعْدِ التَّقَارُنِ. وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ ذَلِكَ صُوَرٌ: (مِنْهَا) الْمُتَوَارِثَانِ إذَا مَاتَا جُمْلَةً بِهَدْمٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ طَاعُونٍ وَجُهِلَ تَقَارُنُ مَوْتِهِمَا وَتَعَاقُبُهُ حَكَمْنَا بِتَعَاقُبِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ، وَوَرَّثْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْآخَرِ مِنْ تِلَادِ مَالِهِ دُونَ مَا وَرِثَهُ مِنْ صَاحِبِهِ. وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً أُخْرَى بِعَدَمِ التَّوَارُثِ لِلشَّكِّ فِي شَرْطِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ عَلِمَ سَبْقَ أَحَدِهِمَا بِالْمَوْتِ وَجَهِلَ عَيْنَهُ أَوْ عَلِمَ عَيْنَهُ ثُمَّ نَسِيَ عَلَى الْمَذْهَبِ لَكِنَّ هَذَا يَسْتَنِدُ إلَى أَنَّ تَيَقُّنَ الْحَيَاةِ لَا يُشْتَرَطُ لِلتَّوْرِيثِ. (وَمِنْهَا) إذَا أُقِيمَ فِي الْمِصْرِ جُمُعَتَانِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَشَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِهِمَا مَعًا فَيُبْطَلَانِ وَتُعَادُ الْجُمُعَةُ، أَوْ أَحْرَمَ بِهِمَا مُتَرَتِّبَتَيْنِ فَتُصَلَّى الظُّهْرُ؟ عَلَى الْوَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا تُعَادُ الظُّهْرُ؛ لِأَنَّ التَّقَارُنَ مُسْتَبْعَدٌ وَعَلَى الثَّانِي تُعَادُ الْجُمُعَةُ إمَّا لِاحْتِمَالِ الْمُقَارَنَةِ أَوْ تَنْزِيلًا لِلْمَجْهُولِ كَالْمَعْدُومِ. (وَمِنْهَا) إذَا زَوَّجَ وَلِيَّانِ وَجُهِلَ هَلْ وَقَعَ الْعَقْدَانِ مَعًا فَيَبْطُلَانِ أَوْ مُتَرَتِّبَيْنِ فَيُصَحَّحُ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ؟ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَيْضًا: أَحَدُهُمَا: يَبْطُلَانِ لِاحْتِمَالِ التَّقَارُنِ وَالثَّانِي لِاسْتِبْعَادِهِ. (وَمِنْهَا) إذَا أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ الْكَافِرَانِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَاخْتَلَفَا هَلْ أَسْلَمَا مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبَيْنِ فَهَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي التَّقَارُنِ فَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ أَوْ مُدَّعِي التَّعَاقُبِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ عَلَى وَجْهَيْنِ يَرْجِعَانِ إلَى تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ. (وَمِنْهَا) إذَا كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ عَبْدٌ فَادَّعَى رَجُلَانِ كُلًّا مِنْهُمَا أَنَّهُ بَاعَهُ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ وَأَقَامَا بِذَلِكَ بَيِّنَتَيْنِ وَلَمْ يُؤَرِّخَا فَهَلْ يَصِحُّ الْعَقْدَانِ وَيَلْزَمُهُ الثُّمُنَانِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِي عَقْدَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَحَدُّ اسْتِرْجَاعِ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا أَوْ يَتَعَارَضُ الْبَيِّنَتَانِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَقْدًا وَاحِدًا فَيَسْقُطَانِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ.
وَالْمَنْعُ مِنْ الْجَمْعِ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْجَمْعُ خَاصَّةً، فَإِنْ حَصَلَ الْجَمْعُ دَفْعَةً وَاحِدَةً مُنِعَ مِنْ الْجَمِيعِ مَعَ التَّسَاوِي، فَإِنْ كَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ بِأَنْ يَصِحَّ وُرُودُهُ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا عَكْسَ اخْتَصَّ الْفَسَادُ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْمَنْعُ مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ كَالْمَنْعِ مِنْ الْجَمِيعِ يَقْتَضِي الْعُمُومَ، فَلِلْأَوَّلِ أَمْثِلَةٌ: (مِنْهَا) إذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً مُبْهَمَةً مُنِعَ مِنْ وَطْءِ زَوْجَاتِهِ حَتَّى يُمَيِّزَ بِالْقُرْعَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَحَكَى رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّهُ يُمَيِّزُهَا بِتَعْيِينِهِ. (وَمِنْهَا) إذَا أَعْتَقَ أَمَةً مِنْ إمَائِهِ مُبْهَمَةً مُنِعَ مِنْ وَطْءِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ حَتَّى تُمَيَّزَ الْمُعْتَقَةُ بِالْقُرْعَةِ وَفِيهِ وَجْهٌ بِالتَّعْيِينِ. (وَمِنْهَا) إذَا اشْتَبَهَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا بِزَوْجَاتِهِ مُنِعَ مِنْ وَطْءِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ حَتَّى يُمَيِّزَ الْمُطَلَّقَةَ وَيُمَيِّزَهَا بِالْقُرْعَةِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. (وَمِنْهَا) لَوْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِعَدَدٍ مَحْصُورٍ مِنْ الْأَجْنَبِيَّاتِ مُنِعَ مِنْ التَّزَوُّجِ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ حَتَّى يَعْلَمَ أُخْتَهُ مِنْ غَيْرِهَا. (وَمِنْهَا) إذَا اشْتَبَهَتْ مَيْتَةٌ بِمُذَكَّاةٍ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ الْأَكْلِ مِنْهُمَا حَتَّى يَعْلَمَ الْمُذَكَّاةَ. (وَمِنْهَا) اشْتِبَاهُ الْآنِيَةِ النَّجِسَةِ بِالطَّاهِرَةِ يُمْنَعُ مِنْ الطَّهَارَةِ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ عَلَى الظَّاهِرِ. (وَمِنْهَا) لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَأْكُلُ تَمْرَةً فَاخْتَلَطَتْ فِي تَمْرٍ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ أَكْلِ تَمْرَةٍ مِنْهُ حَتَّى يَعْلَمَ عَيْنَ التَّمْرَةِ، وَإِنْ كُنَّا لَا نَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالْحِنْثِ بِأَكْلِ وَاحِدَةٍ. (وَمِنْهَا) لَوْ حَلَفَ بِطَلَاقِ زَوْجَاتِهِ أَنْ لَا يَطَأَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ وَنَوَى وَاحِدَةً مُبْهَمَةً فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ حَتَّى يُمَيِّزَهَا بِالْقُرْعَةِ وَقِيلَ بِتَعْيِينِهِ. (وَمِنْهَا) لَوْ أَعْطَيْنَا الْأَمَانَ لِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ حِصْنٍ أَوْ أَسْلَمَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ ثُمَّ تَدَاعَوْهُ حَرُمَ قَتْلُهُمْ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَفِي اسْتِرْقَاقِهِمْ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَحْرُمُ مَعَ التَّدَاعِي. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَخْرُجُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِالْقُرْعَةِ وَيُرَقُّ الْبَاقُونَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَالْخِرَقِيِّ وَرَجَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي رِوَايَتِهِ إلْحَاقًا لَهُ بِاشْتِبَاهِ الْمُعْتَقِ بِغَيْرِهِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّ أَحَدَ هَذَيْنِ الْوَلَدَيْنِ مِنْ هَذِهِ الْأَمَةِ وَلَدُهُ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُوجِدْهُ قَافَةٌ فَإِنَّا نُقْرِعُ لِإِخْرَاجِ الْحُرِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا حُرَّ الْأَصْلِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْحِصْنِ لَمْ يَسْبِقْ لَهُمْ رِقٌّ فَإِرْقَاقُهُمْ إلَّا وَاحِدٌ يُؤَدِّي إلَى ابْتِدَاءِ الْإِرْقَاقِ مَعَ الشَّكِّ فِي إبَاحَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَحَدُ الْمُشْتَبَهِينَ رَقِيقًا فَأُخْرِجَ غَيْرُهُ بِالْقُرْعَةِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُسْتَدَامُ الرِّقُّ مَعَ الشَّكِّ فِي زَوَالِهِ. وَلِلثَّانِي أَمْثِلَةٌ: (مِنْهَا) إذَا مَلَكَ أُخْتَيْنِ أَوْ أُمًّا وَبِنْتًا فَالْمَشْهُورُ أَنَّ لَهُ الْإِقْدَامَ عَلَى وَطْءِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ابْتِدَاءً فَإِذَا فَعَلَ حَرُمَتْ الْأُخْرَى، وَعَنْ أَبِي الْخَطَّابِ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ وَطْءِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَتَّى تَحْرُمَ الْأُخْرَى، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى تَحْرِيمِ إحْدَاهُمَا مُبْهَمَةً وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْجَمْعُ. (وَمِنْهَا) إذَا وَطِئَ الْأُخْتَيْنِ وَاحِدَةً بَعْدَ الْأُخْرَى يَمْتَنِعُ مِنْ وَطْئِهِمَا جَمِيعًا حَتَّى يُحَرِّمَ إحْدَاهُمَا لِثُبُوتِ صَبِيَّاتٍ جَمِيعًا؟ أَمْ تُبَاحُ لَهُ الْأُولَى إذَا اسْتَبْرَأَ الثَّانِيَةَ؛ لِأَنَّهُمَا أَخَصُّ بِالتَّحْرِيمِ حَيْثُ كَانَ الْجَمْعُ حَاصِلًا بِوَطْئِهَا عَلَى وَجْهَيْنِ، وَالْأَظْهَرُ هَاهُنَا الْأَوَّلُ لِثُبُوتِ الْفِرَاشِ لَهُمَا جَمِيعًا فَيَكُونُ الْمَمْنُوعُ مِنْهُمَا وَاحِدَةً مُبْهَمَةً. (وَمِنْهَا) إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَأَسْلَمْنَ أَوْ كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَهُ وَطْءَ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ وَيَكُونُ اخْتِيَارًا مِنْهُ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ وَكَلَامُ الْقَاضِي قَدْ يَدُلُّ عَلَى هَذَا وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْجَمِيعِ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ. (وَمِنْهَا) لَوْ قَالَ لِزَوْجَاتِهِ الْأَرْبَعِ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُكُنَّ، وَقُلْنَا لَا تَحْنَثُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ فَأَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُوَالِيًا حَتَّى يَطَأَ ثَلَاثًا فَيَصِيرَ حِينَئِذٍ مُولِيًا مِنْ الرَّابِعَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَأَبِي الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ وَطْءُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ فَلَا تَكُونُ يَمِينُهُ مَانِعَةً بِخِلَافِ مَا إذَا وَطِئَ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ وَطْءُ الرَّابِعَةِ بِدُونِ حِنْثٍ. وَالثَّانِي: هُوَ مُوَلٍّ فِي الْحَالِ مِنْ الْجَمِيعِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَابْنِ عَقِيلٍ فِي عُمَدِهِ، وَقَالَ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُعَلَّقَ بِالْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ هَلْ هُوَ حُكْمٌ عَلَى مَا يَتِمُّ بِهِ مُسَمَّاهَا حِنْثٌ أَوْ عَلَى مَجْمُوعِ الْأَجْزَاءِ فِي حَالَةِ الِاجْتِمَاعِ دُونَ الِانْفِرَادِ فَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ مُولِيًا مِنْ الْجَمِيعِ وَيَتَوَقَّفُ حِنْثُهُ بِوَطْءِ كُلِّ وَاحِدَةٍ عَلَى وَطْءِ الْبَوَاقِي مَعَهَا. (وَمِنْهَا) إذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ وَلَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَفِي التَّعْلِيقِ لِلْقَاضِي يُمْنَعُ مِنْ وَطْءِ الْأَرْبَعِ حَتَّى يُسْتَظْهَرَ بِالزَّانِيَةِ حَمْلٌ، وَاسْتَبْعَدَهُ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ هُنَا لِأَجْلِ الْجَمْعِ بَيْنَ خَمْسٍ فَيَكْفِي فِيهِ أَنْ يُمْسِكَ عَنْ [وَطْءِ] وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لَا حَتَّى تَسْتَبْرِئَ. وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ، وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُغْنِي مِثْلَهُ فِيمَنْ أَسْلَمَ عَلَى خَمْسِ نِسْوَةٍ فَفَارَقَ وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يُمْسِكُ عَنْ وَطْءِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ حَتَّى تَسْتَبْرِئَ الْمُفَارَقَةُ. (وَمِنْهَا) إذَا تَزَوَّجَ خَمْسًا أَوْ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ حَصَلَ بِهِ وَلَا مَزِيَّةَ لِلْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ فَيَبْطُلُ بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَهُنَّ فِي عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ احْتِمَالًا بِالْقُرْعَةِ فِيمَا إذَا زَوَّجَ الْوَلِيَّانِ مِنْ رَجُلَيْنِ دُفْعَةً وَاحِدَةً وَهَذَا مِثْلُهُ وَلَكِنَّ هَذَا لِعِلَّةٍ تُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ قَالَهُ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ وَلَكِنَّهُ يُعْتَضَدُ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي نَقَلَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى فِيمَنْ قَالَ لِعَبِيدِهِ أَيُّكُمْ جَاءَنِي بِخَبَرِ كَذَا فَهُوَ حُرٌّ فَأَتَاهُ بِهِ اثْنَانِ مَعًا عَتَقَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالْقُرْعَةِ، كَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَوَّلُ غُلَامٍ يَطْلُعُ عَلَيَّ فَهُوَ حُرٌّ أَوْ أَوَّلُ امْرَأَةٍ تَطْلُعُ عَلَيَّ فَهِيَ طَالِقٌ. فَطَلَعَ عَلَيْهِ عَبِيدُهُ كُلُّهُمْ وَنِسَاؤُهُ كُلُّهُنَّ أَنَّهُ يُطَلَّقُ وَيُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِالْقُرْعَةِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا وَأَقَرَّهُ الْقَاضِي وَصَاحِبُ الْمُغْنِي فِي مَوْضِعٍ مِنْهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَتَأَوَّلَا مَرَّةً عَلَى أَنَّهُمْ طَلَعُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَأَشْكَلَ السَّابِقُ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ وَغَيْرُهُ بَعِيدٌ. وَأَمَّا إنْ كَانَ لِبَعْضِهِمْ مَزِيَّةٌ فَلَهُ صُوَرٌ: (مِنْهَا) إذَا تَزَوَّجَ أُمًّا وَبِنْتًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يَبْطُلُ النِّكَاحَانِ مَعًا وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي. وَالثَّانِي: يَبْطُلُ نِكَاحُ الْأُمِّ وَحْدَهَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْكَافِي وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْبِنْتِ لَا يَمْنَعُ نِكَاحَ الْأُمِّ إذَا عَرِيَ عَنْ الدُّخُولِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ فَكَانَ نِكَاحُ الْأُمِّ أَوْلَى بِالْإِبْطَالِ. (وَمِنْهَا) لَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ عَلَى أُمٍّ وَبِنْتٍ لَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْأُمِّ وَحْدَهَا وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَيَثْبُتُ نِكَاحُ الْبِنْتِ نَصَّ عَلَيْهِ [أَحْمَدُ] فِيمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَبَنَاهُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّ أَنْكِحَةَ الْكُفَّارِ صَحِيحَةٌ فَإِذَا صَحَّ النِّكَاحُ فِي الْبِنْتِ صَارَتْ أُمُّهَا مِنْ أُمَّهَاتِ نِسَائِهِ فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ، قَالَ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا فِيهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ أَيَّهُمَا شَاءَ وَهَذَا يُخَالِفُ مَا قَرَّرَهُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ فِي النِّكَاحِ يُحَرِّمُ مَا يُحَرِّمُهُ الصَّحِيحُ وَهَذَا النِّكَاحُ غَايَتُهُ أَنَّهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّتِهِ وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ وَقَدْ حُرِّمَتَا عَلَيْهِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وَجَدَ الدُّخُولَ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي تَمَامِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: إذَا كَانَ تَحْتَهُ أُخْتَانِ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدِهِمَا، وَإِذَا كَانَ تَحْتَهُ فَوْقَ أَرْبَعٍ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزِّيَادَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ كَابْتِدَاءِ الْعَقْدِ. (وَمِنْهَا) لَوْ تَزَوَّجَ كَبِيرَةً وَصَغِيرَةً وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى أَرْضَعَتْ الصَّغِيرَةَ فَسَدَ نِكَاحُ الْكَبِيرَةِ لِمَصِيرِهَا مِنْ أُمَّهَاتِ نِسَائِهِ وَفِي الصَّغِيرَةِ. رِوَايَتَانِ: أَحَدُهُمَا: يَفْسُدُ نِكَاحُهَا أَيْضًا عَمَّنْ عَقَدَ عَلَى أُمٍّ وَبِنْتٍ ابْتِدَاءً. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَبْطُلُ وَهِيَ أَصَحُّ وَمَسْأَلَةُ الْجَمْعِ فِي الْعَقْدِ قَدْ سَبَقَ الْخِلَافُ فِيهَا وَعَلَى التَّسْلِيمِ فِيهَا فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَسْأَلَتِنَا أَنَّ الْجَمْعَ هَاهُنَا حَصَلَ فِي الِاسْتِدَامَةِ دُونَ الِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامُ أَقْوَى مِنْ الِابْتِدَاءِ فَهُوَ كَمَنْ أَسْلَمَ عَنْ أُمٍّ وَبِنْتٍ. (وَمِنْهَا) لَوْ كَانَ تَحْتَ ذِمِّيٍّ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ ثُمَّ اُسْتُرِقَّ لِلُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَخَيَّرَ مِنْهُنَّ اثْنَيْنِ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ عَبْدٌ وَتَحْتَهُ أَرْبَعٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْطُلَ نِكَاحُ الْجَمِيعِ كَالرَّضَاعِ إلَى الْحَادِثِ الْمُحَرِّمِ لِلْجَمْعِ. (وَمِنْهَا) لَوْ تَزَوَّجَ حُرَّةً وَأَمَةً فِي عَقْدٍ وَهُوَ فَاقِدٌ لِشَرْطِ نِكَاحِ الْإِمَاءِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَحْدَهَا عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ تَمْتَازُ عَلَيْهِمَا بِصِفَةِ وُرُودِ نِكَاحِهَا عَلَيْهَا مِثْلُ هَذِهِ الْحَالِ وَلَا عَكْسَ. وَلِلثَّالِثِ وَهُوَ الْمَنْعُ مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ أَمْثِلَةٌ: (مِنْهَا) لَوْ قَالَ لِزَوْجَاتِهِ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُ إحْدَاكُنَّ نَاوِيًا بِذَلِكَ الِامْتِنَاعَ مِنْ وَطْءِ مُسَمَّى إحْدَاهُنَّ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْجَمِيعِ فَيَكُونُ مُولِيًا مِنْ الْجَمِيعِ مَعَ أَنَّ الْعُمُومَ يُسْتَفَادُ أَيْضًا مِنْ كَوْنِهِ مُفْرَدًا مُضَافًا. أَمَّا لَوْ قَالَ: لَا وَطِئْتُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَعُمُّ الْجَمِيعَ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَالْأَصْحَابِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ يُفِيدُ الْعُمُومَ، وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا مِنْ وَاحِدَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ وَأَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ إذَا آلَى مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَأَشْكَلَتْ عَلَيْهِ أُخْرِجَتْ بِالْقُرْعَةِ وَلَا يَصِحُّ هَذَا الْأَخْذُ كَمَا لَا الْجُورِ، وَحَكَى صَاحِبُ الْمُغْنِي عَنْ الْقَاضِي كَذَلِكَ وَالْقَاضِي مُصَرِّحٌ بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ قَالَ هُوَ إيلَاءٌ مِنْ الْجَمِيعِ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَلَكِنَّهُ قَالَ: مَتَى وَطِئَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ انْحَلَّتْ يَمِينُهُ مِنْ الْكُلِّ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَا وَطِئْتُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ أَوْ لَا وَطِئْتُكُنَّ فَإِنَّهُ إذَا وَطِئَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ حَنِثَ وَبَقِيَ الْإِيلَاءُ مِنْ الْبَوَاقِي، وَإِنْ لَمْ يَحْنَثْ بِوَطْئِهِنَّ؛ لِأَنَّ حَقَّهُنَّ مِنْ الْوَطْءِ لَمْ يُسْتَوْفَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ أَنَّ قَوْلَهُ لَا أَطَأُ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِهَمَدَانِيَّةٍ وَلَا وَبِابْتَغِي فِي قُوَّةِ أَيْمَانٍ مُتَعَدِّدَةٍ لِإِضَافَتِهِ إلَى مُتَعَدِّدٍ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا الْأُسْرُشَنِيِّ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ فَإِنَّهُ مُضَافٌ إلَى مُفْرَدٍ مِنْكُنَّ مَوْضُوعٌ بِالْأَصَالَةِ لِنَفْيِ الْوَحْدَةِ. وَعُمُومُهُ عُمُومُ بَدَلٍ لَا شُمُولٍ فَالْيَمِينُ فِيهِ وَاحِدَةٌ فَتَنْحَلُّ بِالْحِنْثِ بِوَطْءِ وَاحِدَةٍ وَلَكِنَّ مُقْتَضَى هَذَا التَّفْرِيقِ أَنْ تَتَعَدَّدَ الْكَفَّارَةُ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ بِوَطْءِ كُلِّ وَاحِدَةٍ. وَهُوَ قِيَاسُ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الظِّهَارِ مِنْ نِسَائِهِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَتَعَدَّدُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ إنْ قِيلَ أَنَّهَا تَعُمُّ بِوَضْعِهَا كَمَا تَعُمُّ صِيَغَ الْجُمُوعِ فَالصُّوَرُ الثَّلَاثُ مُتَسَاوِيَةٌ، وَإِنْ قِيلَ: إنَّ عُمُومَهَا جَاءَ ضَرُورَةَ نَفْيِ الْمَاهِيَّةِ فَالْمَنْفِيُّ بِهَا وَاحِدٌ لَا تَعَدُّدَ فِيهِ وَهُوَ الْمَاهِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ فَيُتَّجَهُ تَفْرِيقُ الْقَاضِي الْمَذْكُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَمِنْهَا) إذَا قَالَ: إنْ خُرْجَتِي مِنْ الدَّارِ مَرَّةً بِغَيْرِ إذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى بِذَلِكَ بَيْنَ الْمَرَّاتِ اقْتَضَى الْعُمُومَ بِغَيْرِ إشْكَالٍ وَإِنْ أَطْلَقَ فَقَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ تَتَقَيَّدُ يَمِينُهُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهَا مَرَّةً فَخَرَجَتْ بِإِذْنِهِ ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ تَطْلُقْ، وَخَالَفَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي خِلَافِهِمَا وَهُوَ الْحَقُّ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَأْخَذُ فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: ذِكْرُ الْمَرَّةَ تَنْبِيهٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ أَنَّ الْعُمُومَ أَتَى مِنْ دُخُولِ النَّكِرَةِ فِي الشَّرْطِ وَلَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فَإِنَّ الْيَمِينَ عِنْدَنَا إنَّمَا تَنْحَلُّ بِالْحِنْثِ وَلَوْ خَرَجَتْ مِائَةَ مَرَّةٍ بِإِذْنِهِ لَمْ تَنْحَلَّ الْيَمِينُ بِذَلِكَ عِنْدَنَا وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَائِمٌ وَهُوَ خُرُوجُهَا مَرَّةً بِغَيْرِ إذْنِهِ فَمَتَى وُجِدَ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحِنْثُ.
وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْهُمَا فَإِنْ كَانَ امْتِنَاعُهُ ضَرَرًا عَلَى غَيْرِهِ اسْتَوْفَى لَهُ الْحَقَّ الْأَصْلِيَّ الثَّابِتَ لَهُ إذَا كَانَ مَالِيًّا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَقًّا ثَابِتًا سَقَطَ، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ غَيْرَ مَالِيٍّ أُلْزِمَ بِالِاخْتِيَارِ وَإِنْ كَانَ حَقًّا وَاجِبًا لَهُ وَعَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مُسْتَحَقُّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ حُبِسَ حَتَّى يُعَيِّنَهُ وَيُوَفِّيَهُ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَحَقًّا مُعَيَّنًا فَهَلْ يُحْبَسُ وَيُسْتَوْفَى مِنْهُ الْحَقُّ الَّذِي عَلَيْهِ فِيهِ الْخِلَافُ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ وَأَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ اُسْتُوْفِيَ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حَقَّانِ أَصْلِيٌّ وَبَدَلٌ فَامْتَنَعَ مِنْ الْبَدَلِ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْأَصْلِ. وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ صُوَرٌ: (مِنْهَا) لَوْ عَفَى مُسْتَحِقُّ الْقِصَاصِ عَنْهُ وَقُلْنَا الْوَاجِبُ لَهُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ تَعَيَّنَ لَهُ الْمَالُ وَلَوْ عَفَى عَنْ الْمَالِ ثَبَتَ لَهُ الْقَوَدُ. (وَمِنْهَا) لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فَظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ فِيهِ ثُمَّ اسْتَعْمَلَهُ اسْتِعْمَالًا لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِإِمْسَاكِهِ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِالْأَرْشِ عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ مُوجِبٌ لِأَحَدِ شَيْئَيْنِ إمَّا الرَّدُّ وَإِمَّا الْأَرْشُ فَإِسْقَاطُ أَحَدِهِمَا لَا يَسْقُطُ بِهِ الْآخَرُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي يَسْقُطُ الْأَرْشُ أَيْضًا وَفِيهِ بُعْدٌ. (وَمِنْهَا) لَوْ أَتَاهُ الْغَرِيمُ بِدَيْنِهِ فِي مَحِلِّهِ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي قَبْضِهِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِقَبْضِهِ أَوْ إبْرَائِهِ فَإِنْ امْتَنَعَ قَبَضَهُ لَهُ الْحَاكِمُ وَبَرِئَ غَرِيمُهُ. (وَمِنْهَا) [لَوْ] امْتَنَعَ الْمُوصَى لَهُ مِنْ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ وَسَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ. (وَمِنْهَا) لَوْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا وَطَالَتْ مُدَّتُهُ وَلَمْ يُحْيِهِ وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَهُ عَنْهُ فَإِنَّ حَقَّهُ يَسْقُطُ مِنْهُ. (وَمِنْهَا) لَوْ أَسْلَمَ عَلَى أُخْتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَامْتَنَعَ مِنْ الِاخْتِيَارِ حُبِسَ وَعُزِّرَ حَتَّى يَخْتَارَ. (وَمِنْهَا) لَوْ أُخِّرَتْ الْمُعْتَقَةُ تَحْتَ عَبْدِ الِاخْتِيَارِ حَتَّى طَالَتْ الْمُدَّةُ أَجْبَرَهَا الْحَاكِمُ عَلَى اخْتِيَارِ الْفَسْخِ أَوْ الْإِقَامَةِ بِالتَّمْكِينِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ. (وَمِنْهَا) لَوْ أَبَى الْمَوْلَى بَعْدَ الْمُدَّةِ أَنْ يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ فَرِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا يُحْبَسُ حَتَّى يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ. وَالثَّانِيَة: يُفَرِّقُ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا. (وَمِنْهَا) لَوْ حَلَّ دَيْنُ الرَّهْنِ وَامْتَنَعَ مِنْ تَوْفِيَتِهِ وَلَيْسَ ثُمَّ وَكِيلٌ فِي الْبَيْعِ بَاعَهُ الْحَاكِمُ وَوَفَّى الدَّيْنَ مِنْهُ. (وَمِنْهَا) لَوْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ وَطُلِبَ مِنْهُ الْيَمِينُ فَنَكَلَ عَنْهَا وَقَضَى بِالنُّكُولِ وَجُعِلَ مُقِرًّا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَدَلٌ عَنْ الْإِقْرَارِ وَعَنْ النُّكُولِ فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ الْبَدَلِ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْأَصْلِ. (وَمِنْهَا) لَوْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْجَوَابِ بِالْكُلِّيَّةِ فَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى مِمَّا يُقْضَى فِيهَا بِالنُّكُولِ فَهَلْ يَقْضِي عَلَيْهِ بِهِ هَاهُنَا أَمْ يُحْبَسُ حَتَّى يُجِيبَ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُقْضَى فِيهَا بِالنُّكُولِ كَالْقَتْلِ وَالْحَدِّ فَهَلْ يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يُخْلَى سَبِيلُهُ عَلَى وَجْهَيْنِ.
عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَيُخَرَّجُ عَلَيْهِمَا مَسَائِلُ: (مِنْهَا) إذَا قُلْنَا مُوجَبُ قَتْلِ الْعَمْدِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ فَإِذَا ادَّعَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ عَلَى وَلِيِّ الْقَاتِلِ فِي الْقَسَامَةِ فَنَكَلَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الدِّيَةُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. (وَمِنْهَا) لَوْ ادَّعَى جِرَاحَةً عَمْدًا عَلَى شَخْصٍ وَأَتَى بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَهَلْ تَلْزَمُهُ دِيَتُهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَالصَّحِيحُ فِيهَا عَدَمُ وُجُوبِ الدِّيَةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَنْ يَجِبَ بِالْقَتْلِ الدِّيَةُ عَيْنًا وَأَمَّا إنْ قُلْنَا أَنَّ مُوجِبَ الْقَتْلِ الْقِصَاصُ عَيْنًا فَالدِّيَةُ بَدَلٌ فَلَا يَجِبُ بِمَا لَا يَجِبُ بِهِ الْمَبْدُولُ. (وَمِنْهَا) شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِقَتْلِ عَبْدٍ عَبْدًا عَمْدًا فَهَلْ يَثْبُتُ بِذَلِكَ غُرْمُ قِيمَةَ الْعَبْدِ دُونَ الْقَوَدِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَذَكَرَ أَنَّ رِوَايَةَ وُجُوبِ الْقِيمَةِ رَوَاهَا ابْنُ مَنْصُورٍ. وَتَأَمَّلْتُ رِوَايَةَ ابْنِ مَنْصُورٍ فَإِذَا ظَاهِرُهَا أَنَّ الْقَاتِلَ كَانَ حُرًّا فَلَا يَكُونُ جِنَايَتُهُ مُوجِبَةً لِلْقَوَدِ، فَلَا تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بَلْ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ وَهُوَ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلْمَالِ عَيْنًا وَقَامَتْ بِهَا بَيِّنَةٌ يَثْبُتُ بِهَا الْمَالُ دُونَ أَصْلِ الْجِنَايَةِ فَهَلْ يَجِبُ بِهَا الْمَالُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا يُوجِبُ الْمَالَ دُونَ الْقَوَدِ وَأَتَى عَلَيْهَا بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ ادَّعَى قَتْلَ كَافِرٍ فِي الصَّفِّ وَأَتَى بِشَاهِدٍ وَحَلَفَ مَعَهُ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ بِذَلِكَ سَلْبَهُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ.
وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ: (مِنْهَا) إذَا وَجَدَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا وَمَيْتَةً فَإِنَّهُ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّ فِي أَكْلِ الصَّيْدِ ثَلَاثُ جِنَايَاتٍ صَيْدُهُ وَذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ، وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ فِيهَا جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَعَلَى هَذَا فَلَوْ وُجِدَ لَحْمُ صَيْدٍ ذَبَحَهُ مُحْرِمٌ وَمَيْتَةٌ فَإِنَّهُ يَأْكُلُ لَحْمَ الصَّيْدِ قَالَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهِ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَيَتَمَيَّزُ الصَّيْدُ بِالِاخْتِلَافِ فِي كَوْنِهِ مُذَكًّى وَفِي هَذَا نَظَرٌ فَإِنَّ أَكْلَ الصَّيْدِ جِنَايَةٌ عَلَى الْإِحْرَامِ وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ بِهَا الْجَزَاءُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ مُسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ بِالْأَكْلِ مِنْ الْمَيْتَةِ، ثُمَّ وَجَدْتُ أَبَا الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ اخْتَارَ أَكْلَ الْمَيْتَةِ وَعَلَّلَهُ بِمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ وَجَدَ بَيْضَ صَيْدٍ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي أَنَّهُ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَلَا يَكْسِرُهُ وَيَأْكُلُهُ؛ لِأَنَّ كَسْرَهُ جِنَايَةٌ كَذَبْحِ الصَّيْدِ. (وَمِنْهَا) نِكَاحُ الْإِمَاءِ وَالِاسْتِمْنَاءِ كِلَاهُمَا إنَّمَا يُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ وَيُقَدَّمُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ بِنَصٍّ وَالْآخَرُ مُتَرَدَّدٌ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ الِاسْتِمْنَاءُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ. وَفِيهِ نَظَرٌ وَأَمَّا نِكَاحُ الْإِمَاءِ وَوَطْءُ الْمُسْتَحَاضَةِ فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ إنَّمَا يُبَاحُ وَطْءُ الْمُسْتَحَاضَةِ عِنْدَ خَوْفِ الْعَنَتِ وَعَدَمِ الطَّوْلِ لِنِكَاحِ غَيْرِهَا، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ نِكَاحَ الْإِمَاءِ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ، وَيَتَوَجَّهُ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ النَّصِّ عَلَى إبَاحَةِ نِكَاحِ الْإِمَاءِ دُونَ وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى وَطْءِ الْحَائِضِ لِكَوْنِهِ دَمُ أَذًى. (وَمِنْهَا) مَنْ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ لِشَبَقِهِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ الِاسْتِمْنَاءُ وَاضْطُرَّ إلَى الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ فَلَهُ فِعْلُهُ فَإِنْ وَجَدَ زَوْجَةً مُكَلَّفَةً صَائِمَةً وَأُخْرَى حَائِضَةً فَفِيهِ احْتِمَالَانِ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الْمُغْنِي أَحَدُهُمَا وَطْءُ الصَّائِمَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّهَا تُفْطِرُ لِضَرَرِ غَيْرِهَا وَذَلِكَ جَائِزٌ لِفِطْرِهَا لِأَجْلِ الْوَلَدِ، وَأَمَّا وَطْءُ الْحَائِضِ فَلَمْ يُعْهَدْ فِي الشَّرْعِ جَوَازُهُ فَإِنَّهُ حُرِّمَ لِلْأَذَى وَلَا يَزُولُ الْأَذَى بِالْحَاجَةِ إلَيْهِ. وَالثَّانِي: مُخَيَّرٌ لِتَعَارُضِ مَفْسَدَةِ وَطْءِ الْحَائِضِ مِنْ غَيْرِ إفْسَادِ عِبَادَةٍ عَلَيْهَا وَإِفْسَادِ صَوْمِ الطَّاهِرَةِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ إبَاحَةِ الْفِطْرِ لِأَسْبَابٍ دُونَ وَطْءِ الْحَائِضِ. (وَمِنْهَا) إذَا أُلْقِيَ فِي السَّفِينَةِ نَارٌ وَاسْتَوَى الْأَمْرَانِ فِي الْهَلَاكِ أَعْنِي الْمُقَامَ فِي النَّارِ وَإِلْقَاءَ النُّفُوسِ فِي الْمَاءِ فَهَلْ يَجُوزُ إلْقَاءُ النُّفُوسِ فِي الْمَاءِ أَوْ يَلْزَمُ الْمُقَامُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا أَنَّهُ قَالَ: أَكْرَهُ طَرْحَ نُفُوسِهِمْ فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد: يَصْنَعُ كَيْفَ شَاءَ، قِيلَ لَهُ: هُوَ فِي اللُّجِّ لَا يَطْمَعُ فِي النَّجَاةِ، قَالَ: لَا أَدْرِي فَتَوَقَّفَ وَرَجَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وُجُوبَ الْمُقَامِ مَعَ تَيَقُّنِ الْهَلَاكِ فِيهَا لِئَلَّا يَكُونَ قَاتِلًا لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَيَقَّنُوا ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ النَّجَاةِ بِالْإِلْقَاءِ.
|