الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: القواعد الفقهية ***
وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ جِدًّا: (مِنْهَا) تَخْمِيرُ الْخَلِّ ابْتِدَاءً بِأَنْ يُوضَعَ فِيهَا خَلٌّ يَمْنَعُ تَخْمِيرَهَا مَشْرُوعٌ، وَتَخْلِيلُهَا بَعْدَ تَخْمِيرِهَا مَمْنُوعٌ. (مِنْهَا) ذَبْحُ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ يَمْنَعُ نَجَاسَةَ لَحْمِهِ وَجِلْدِهِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ وَدَبْغُ جِلْدِهِ بَعْدَ نَجَاسَتِهِ بِالْمَوْتِ لَا يُفِيدُ طَهَارَتَهُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَمِنْهَا: السَّفَرُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصِّيَامِ يُبِيحُ الْفِطْرَ وَلَوْ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَفِي اسْتِبَاحَةِ الْفِطْرِ رِوَايَتَانِ وَالْإِتْمَامُ فِيهِ أَفْضَلُ بِكُلِّ حَالٍ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنْ نَوَى السَّفَرَ مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ أَفْطَرَ وَإِنْ نَوَى السَّفَرَ فِي النَّهَارِ وَسَافَرَ فِيهِ فَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُفْطِرَ فِيهِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ نِيَّةَ السَّفَرِ مِنْ اللَّيْلِ تَمْنَعُ الْوُجُوبَ إذَا وَجَدَ السَّفَرَ فِي النَّهَارِ فَيَكُونُ الصِّيَامُ قَبْلَهُ مُرَاعًى بِخِلَافِ مَا إذَا طَرَأَتْ النِّيَّةُ وَالسَّفَرُ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ. وَمِنْهَا: أَنَّ الرَّجُلَ يَمْلِكُ مَنْعَ زَوْجَتِهِ مِنْ حَجِّ النَّذْرِ وَالنَّفَلِ فَإِنْ شَرَعَتْ فِيهِ بِدُونِ إذْنِهِ فَفِي جَوَازِ تَحْلِيلِهَا رِوَايَتَانِ. وَمِنْهَا: أَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ بَعْدَ التَّيَمُّمِ وَقَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ يَمْنَعُ الدُّخُولَ فِيهَا بِالتَّيَمُّمِ، وَلَوْ دَخَلَ فِيهَا بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ فَهَلْ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ أَمْ لَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ بَعْدَ نِكَاحِ الْأَمَةِ هَلْ يَبْطُلُ نِكَاحُهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَنَمْنَعُهُ ابْتِدَاءً وَكَذَلِكَ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بِالْعِتْقِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصِّيَامِ لَا يُوجِبُ الِانْتِقَالَ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَبْلَهُ يُوجِبُ. (مِنْهَا) أَنَّ الْمَرْأَةَ تَمْلِكُ مَنْعَ نَفْسِهَا حَتَّى تَقْبِضَ صَدَاقَهَا فَإِنْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا ابْتِدَاءً قَبْلَ قَبْضِ الصَّدَاقِ فَهَلْ تَمْلِكُ الِامْتِنَاعَ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى تَقْبِضَهُ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَكَذَلِكَ اخْتَارَ صَاحِبُ الْمُغْنِي فِي الْبَيْعِ أَنَّ الْبَائِعَ يَمْلِكُ الِامْتِنَاعَ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْبِضَ ثَمَنَهُ فَإِذَا سَلَّمَهُ لَمْ يَمْلِكْ اسْتِرْجَاعَهُ وَمَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَالْحَجْرِ عَلَيْهِ مُسْتَنِدًا إلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْحَجْرِ الْغَرِيبِ وَمِنْهَا اخْتِلَافُ الدِّينِ الْمَانِعِ مِنْ النِّكَاحِ يَمْنَعُهُ ابْتِدَاءً وَلَا يَفْسَخُهُ فِي الدَّوَامِ عَلَى الْأَشْهَرِ بَلْ يَقِفُ الْأَمْرُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِيهِ. وَمِنْهَا: الْإِسْلَامُ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الرِّقِّ وَلَا يَرْفَعُهُ بَعْدَ حُصُولِهِ وَإِنَّمَا اسْتَرَقَ وَلَدُ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا فَهُوَ فِي مَعْنَى اسْتِدَامَةِ الرِّقِّ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَأَمَّا الْأَسْرَى إذَا أَسْلَمُوا قَبْلَ الِاسْتِرْقَاقِ فَإِنَّمَا أَجَازَ اسْتِرْقَاقَهُمْ لِانْعِقَادِ سَبَبِهِ فِي الْكُفْرِ انْعِقَادًا تَامًّا فَاسْتَنَدَ إلَى سَبَبٍ مَوْجُودٍ فِي الْكُفْرِ.
نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. فَمِنْ الْأَوَّلِ: الْمُشْتَرَاةُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرَاةُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ وَإِنْ بَاعَهَا فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِهَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَنُصُوصُهُ صَرِيحَةٌ بِصِحَّةِ هَذَا الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ وَمَنْعِ الْوَطْءِ قَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ فِيمَنْ بَاعَ جَارِيَةً عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ الْبَيْعَ جَائِزٌ وَلَا يَقْرَبُهَا؛ لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَا يَقْرَبُ فَرْجًا فِيهِ شَرْطٌ لِأَحَدٍ، كَذَلِكَ قَالَ مُهَنَّا فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ وَزَادَ إنْ اشْتَرَطُوا إنْ بَاعَهَا فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ فَلَا يَقْرَبُهَا يَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ عُمَرَ حِينَ قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ وَكَذَلِكَ نَقَلَ مُهَنَّا وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فِيمَنْ اشْتَرَى أَمَةً بِشَرْطِ لَا يَقْرَبُهَا وَفِيهَا شَرْطٌ وَكَذَلِكَ نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ وَقَوْلُ عُمَرَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ اشْتَرَى جَارِيَةً مِنْ امْرَأَةٍ وَشَرَطَ لَهَا إنْ بَاعَهَا فَهِيَ لَهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا فَسَأَلَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنْ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَا يَنْكِحُهَا وَفِيهَا شَرْطٌ. قَالَ حَنْبَلٌ قَالَ عَمِّي كُلُّ شَرْطٍ فِي فَرْجٍ فَهُوَ عَلَى هَذَا وَالشَّرْطُ الْوَاحِدُ فِي الْبَيْعِ جَائِزٌ إلَّا أَنَّ عُمَرَ كَرِهَ لِابْنِ مَسْعُودٍ أَنْ يَطَأَهَا؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ لِامْرَأَتِهِ الَّذِي شَرَطَ فَلَمْ يُجَوِّزْ عُمَرُ أَنْ يَطَأَهَا وَفِيهَا شَرْطٌ وَكَذَلِكَ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ عَلَى مَنْعِ الْوَطْءِ فِي الْأَمَةِ الْمُشْتَرَاةِ بِشَرْطِ التَّدْبِيرِ وَنَصَّ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ عَلَى مَنْعِ وَطْءِ بِنْتِ الْمُدَبَّرَةِ دُونَ أُمِّهَا وَكَاعَ الْأَصْحَابُ فِي تَوْجِيهِهِ وَالْأَمْرُ فِيهِ وَاضِحٌ عَلَى مَا قَرَرْنَاهُ إذْ بِنْتُ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرَةٌ مِنْ ابْتِدَاءِ مِلْكِهَا بِخِلَافِ أُمِّهَا، وَكَذَلِكَ نَصَّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ وَطْءِ الْأَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ بِالْعُمْرَى وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ بَعِيدٌ، وَالصَّوَابُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ بِالْعُمْرَى قَاصِرٌ وَلِهَذَا نَقُولُ عَلَى رِوَايَةٍ: إذَا شَرَطَ رُجُوعَهَا إلَيْهِ بَعْدُ صَحَّ فَيَكُونُ تَمْلِيكًا مُؤَقَّتًا. وَمِنْ ذَلِكَ الْأَمَةُ الْمُوصَى بِمَنَافِعِهَا لَا يَجُوزُ لِلْوَارِثِ وَطْؤُهَا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ وَلَكِنَّ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَأْخَذٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ هَلْ هِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْمَنَافِعِ الْمُوصَى بِهَا أَمْ لَا؟ وَمِنْ الثَّانِي: أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ إذَا اشْتَرَطُوا وَطْئَهَا فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ وَالْمُوجَرَةِ وَالْجَانِيَةِ. وَأَمَّا الْمَرْهُونَةُ فَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ وَطْئِهَا لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُفْضِي إلَى اسْتِيلَادِهَا فَيَبْطُلُ الرَّهْنُ وَيَسْقُطُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الرَّاهِنَ مَمْنُوعٌ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالرَّهْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَلَوْ بِالِاسْتِخْدَامِ وَغَيْرِهِ فَالْوَطْءُ أَوْلَى.
إنْ كَانَ لِضَعْفِ الْمِلْكِ وَقُصُورِهِ أَوْ خَشْيَةَ عَدَمِ ثُبُوتِهِ كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَاةِ إذَا مُلِكَتْ بِعَقْدٍ مُحَرَّمٍ فَيَحْرُمُ سَائِرُ أَنْوَاعِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَانِعِ فَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا الْعِبَادَاتُ الْمَانِعَةُ مِنْ الْوَطْءِ وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ. ضَرْبٌ يَمْتَنِعُ فِيهِ جِنْسُ التَّرَفُّهِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بِالنِّسَاءِ فَيَمْنَعُ الْوَطْءَ وَالْمُبَاشَرَةَ كَالْإِحْرَامِ الْقَوِيِّ وَهُوَ مَا قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَالِاعْتِكَافِ. وَضَرْبٌ يَمْتَنِعُ فِيهِ الْجِمَاعُ وَمَا أَفْضَى إلَى الْإِنْزَالِ، فَلَا يُمْنَعُ مِمَّا بَعُدَ إفْضَاؤُهُ إلَيْهِ مِنْ الْمُلَامَسَةِ وَلَوْ كَانَتْ لِشَهْوَةٍ وَهُوَ الصِّيَامُ، وَأَمَّا الْإِحْرَامُ الضَّعِيفُ وَهُوَ مَا بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَحْرُمُ بِالْوَطْءِ وَالْمُبَاشَرَةِ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَحْرُمُ الْوَطْءُ خَاصَّةً. النَّوْعُ الثَّانِي غَيْرُ الْعِبَادَاتِ فَهَلْ يَحْرُمُ مَعَ الْوَطْءِ غَيْرُهُ فِيهِ قَوْلَانِ فِي الْمَذْهَبِ. وَيُخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ مِنْهَا الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ يَحْرُمُ بِهِمَا الْوَطْءُ فِي الْفَرْجِ وَلَا يَحْرُمُ مَا دُونَهُ فِي الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى يُمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ. وَمِنْهَا: الظِّهَارُ يُحَرِّمُ الْوَطْءَ فِي الْفَرْجِ وَفِي الِاسْتِمْتَاعِ بِمُقَدِّمَاتِهِ رِوَايَتَانِ أَشْهَرُهُمَا التَّحْرِيمُ. وَمِنْهَا: الْأَمَةُ الْمَسْبِيَّةُ فِي مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ يَحْرُمُ وَطْئُهَا وَفِي الِاسْتِمْتَاعِ بِالْمُبَاشَرَةِ رِوَايَتَانِ وَصَحَّحَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ الْجَوَازَ. وَمِنْهَا: الزَّوْجَةُ الْمَوْطُوءَةُ لِشُبْهَةٍ يَحْرُمُ وَطْؤُهَا مُدَّةَ الِاسْتِبْرَاءِ وَفِي مُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ وَجْهَانِ. وَمِنْهَا: الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ الْمَمْلُوكَتَيْنِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِمُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ، وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَحْرُمَ أَمَّا إذَا قُلْنَا أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ لِشَهْوَةٍ كَالْوَطْءِ فِي تَحْرِيمِ الْأُخْتِ حَتَّى تَحْرُمَ الْأُولَى فَلَا إشْكَالَ.
فِيهِ رِوَايَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِمَا ثَلَاثُ قَوَاعِدَ، اسْتِيفَاءُ الْقَوَدِ، وَالْعَفْوُ عَنْهُ، وَالصُّلْحُ عَنْهُ.
فَيَتَعَيَّنُ حَقُّ الْمُسْتَوْفِي فِيهِ بِغَيْرِ إشْكَالٍ ثُمَّ إنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْقَوَدُ عَيْنًا فَلَا يَكُونُ الِاسْتِيفَاءُ تَفْوِيتًا لِلْمَالِ وَإِنْ قُلْنَا أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ فَهَلْ هُوَ تَفْوِيتٌ لِلْمَالِكِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهَا مَسَائِلُ: (مِنْهَا) إذَا قُتِلَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ، فَاقْتَصَّ الرَّاهِنُ مِنْ قَاتِلِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ لِلْمُرْتَهِنِ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ. أَشْهَرُهُمَا اللُّزُومُ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرِينَ [قَالُوا وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقِصَاصُ بِدُونِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ]؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ كَانَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ فَإِذَا عَيَّنَهُ بِالْقِصَاصِ فَقَدْ فَوَّتَ الْمَالَ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَقَدْ كَانَ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ فَيَتَعَلَّقُ بِبَدَلِهِ الْوَاجِبُ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ فَيَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ فِي الْمَنْصُوصِ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْمُحَرَّرِ وَقَالَ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَالْخِلَافُ فِي هَذَا يُشْبِهُ الْخِلَافَ فِيمَا يَضْمَنُ بِهِ الْعَبْدُ الْجَانِي إذَا أَعْتَقَهُ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ بِالِاخْتِيَارِ وَالِاخْتِيَارُ نَوْعُ تَكَسُّبٍ وَالتَّكَسُّبُ لِلْمُرْتَهِنِ لَا يَلْزَمُ وَلِهَذَا لَمْ يَلْزَمْ الْمُفْلِسَ أَخْذُ الْمَالِ إذَا جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً تُوجِبُ الْقَوَدَ بَلْ لَهُ الِاقْتِصَاصُ وَلَا نَعْدَمُ شَيْئًا مَعَ تَعَلُّقِ حُقُوقِ الْغُرَمَاءِ بِأَعْيَانِ مَالِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ آخَرُ يَغْرَمُ مِنْهُ فَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْكَافِي أَنَّ الْوَجْهَيْنِ عَلَى قَوْلِنَا مُوجِبُ الْعَمْدِ الْقَوَدُ عَيْنًا. فَأَمَّا إنْ قُلْنَا أَحَدُ أَمْرَيْنِ وَجَبَ الضَّمَانُ لِتَفْوِيتِ الْمَالِ الْوَاجِبِ وَهُوَ بَعِيدٌ فَأَمَّا إنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ الْقَوَدُ عَيْنًا فَإِنَّمَا فَوَّتَ اكْتِسَابَ الْمَالِ لَمْ يُفَوِّتْ مَالًا وَاجِبًا فَلَا يَتَوَجَّهُ الضَّمَانُ بِالْكُلِّيَّةِ وَأَطْلَقَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَيَتَعَيَّنُ بِنَاؤُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا صَرَّحَا فِي الْعَفْوِ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ إذَا قُلْنَا الْوَاجِبُ الْقَوَدُ عَيْنًا، وَعَلَّلَا بِأَنَّهُ إنَّمَا فَوَّتَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ اكْتِسَابَ الْمَالِ وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ لَهُ وَالِاقْتِصَاصُ مِثْلُ الْعَفْوِ ثُمَّ وَجَدَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ صَرَّحَ بِهَذَا الْبِنَاءِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ. وَمِنْهَا: إذَا قُتِلَ عَبْدٌ مِنْ التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ بِالدُّيُونِ عَمْدًا وَقُلْنَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَى الْوَرَثَةِ فَاخْتَارُوا الْقِصَاصَ فَهَلْ يُطَالَبُونَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ أَمْ لَا؟ يُخَرَّجُ عَلَى الْمَرْهُونِ. وَمِنْهَا: الْعَبْدُ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ إذَا قُتِلَ عَمْدًا فَهَلْ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ الِاقْتِصَاصُ بَعْدَ إذْنِ مَالِكِ الْمَنْفَعَةِ وَهَلْ يَضْمَنُ أَمْ لَا؟ صَرَّحَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ بِالْمَنْعِ كَالرَّهْنِ سَوَاءٌ وَهَذَا يَتَخَرَّجُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ أَنَّ حَقَّ مَالِكِ الْمَنْفَعَةِ لَمْ يَبْطُلْ بِالْقَتْلِ وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ وَهُوَ بُطْلَانُ حَقِّهِ بِالْقَتْلِ جَعْلًا لِلْوَصِيَّةِ بِالْمَنْفَعَةِ كَالْهِبَةِ الَّتِي لَمْ تُقْبَضْ فَلَا يُمْنَعُ مَالِكُ الرَّقَبَةِ مِنْ الِاقْتِصَاصِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَمِنْهَا: إذَا جَنَى عَلَى الْمُكَاتَبِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ بِدُونِ إذْنِ سَيِّدِهِ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنِ عَقِيلٍ الْجَوَازَ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِالْقِصَاصِ وَالْعَفْوَ عَنْهُ إلَى الْعَبْدِ دُونَ سَيِّدِهِ وَلَوْ كَانَ قِنًّا وَقَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ فِي مَنْعِهِ مِنْ الِاقْتِصَاصِ مِنْ عَبِيدِهِ إذَا قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاقْتِصَاصُ بِدُونِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْقَاتِلَ قَدْ فَوَّتَ مَالًا مَمْلُوكًا فَهُوَ كَقَتْلِ الرَّاهِنِ الْمَرْهُونَ بِقِصَاصٍ اسْتَحَقَّهُ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ ضَمَانُ الْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَسْتَحِقُّ انْتِزَاعَ ذَلِكَ مِنْهُ وَهَذَا بِخِلَافِ اقْتِصَاصِ الْمُكَاتَبِ مِنْ الْجَانِي عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ بِهِ مَالًا مَمْلُوكًا لَهُ. وَمِنْهَا: لَوْ قُتِلَ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِهِ لِمُعَيَّنٍ قَبْلَ قَبُولِهِ فَهَلْ لِلْوَرَثَةِ الِاقْتِصَاصُ بِدُونِ إذْنِ الْمُوصَى لَهُ، إذَا قُلْنَا هُوَ مِلْكٌ يَتَوَجَّهُ الْمَنْعُ إذَا قُلْنَا: إنَّ الْجِنَايَةَ أَوْجَبَتْ أَحَدَ شَيْئَيْنِ فَإِنْ فَعَلُوا ضَمِنُوا لِلْمُوصَى لَهُ الْقِيمَةَ إذَا قَبِلَ. وَمِنْهَا: لَوْ قُتِلَ عَبْدٌ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ عَمْدًا فَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ فَهُمَا شَرِيكَانِ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِالْقِصَاصِ وَلَا الْعَفْوُ. هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ فَلَوْ اقْتَصَّ رَبُّ الْمَالِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْمُضَارِبِ تَوَجَّهَ أَنْ يَضْمَنَ لِلْمُضَارِبِ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ إنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ بِالْقَتْلِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ.
وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَقَعَ الْعَفْوُ إلَى الدِّيَةِ وَفِيهِ طَرِيقَانِ إحْدَاهُمَا ثُبُوتُ الدِّيَةِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ [وُهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي وَالثَّانِيَة: بِنَاؤُهُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ]. فَإِنْ قُلْنَا مُوجِبُهُ أَحَدَ شَيْئَيْنِ ثَبَتَتْ الدِّيَةُ وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ بِدُونِ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَذَكَرهَا الْقَاضِي أَيْضًا فِي الْمُضَارَبَةِ، فَيَكُونُ الْقَوَدُ بَاقِيًا بِحَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِإِسْقَاطِهِ إلَّا بِعِوَضٍ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ. وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَعْفُوَ عَنْ الْقِصَاصِ وَلَا يَذْكُرَ مَالًا، فَإِنْ قُلْنَا مُوجِبُهُ الْقِصَاصُ عَيْنًا فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ قُلْنَا أَحَدَ شَيْئَيْنِ ثَبَتَ الْمَالُ وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ إذَا عُفِيَ عَنْ الْقَوَدِ سَقَطَ وَلَا شَيْءَ بِكُلِّ حَالٍ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ؛ لِأَنَّهُ بِعَفْوِهِ عَنْهُ تَعَيَّنَ الْوَاجِبُ فِيهِ بِتَصَرُّفِهِ فِيهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ ثُمَّ طَلَّقَ إحْدَاهُنَّ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ الِاخْتِيَارُ فِيهَا وَهَذَا ضَعِيفٌ فَإِنَّ إسْقَاطَ الْقَوَدِ تَرْكٌ لَهُ وَإِعْرَاضٌ عَنْهُ وَعُدُولٌ إلَى غَيْرِهِ وَلَيْسَ اخْتِيَارًا لَهُ وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ عَنْ الْقَوَدِ وَالْمَالِ جَمِيعًا وَلَيْسَ لَهُ اخْتِيَارُهُمَا جَمِيعًا بِخِلَافِ الزَّوْجَاتِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ طَلَاقَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ عَلَى الْمَشْهُورِ. الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَعْفُوَ عَنْ الْقَوَدِ إلَى غَيْرِ مَالٍ مُصَرِّحًا بِذَلِكَ فَإِنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ عَيْنًا فَلَا مَالَ لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَقَوْلُهُ هَذَا لَغْوٌ، وَإِنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ أَحَدَ شَيْئَيْنِ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَالْمَالُ جَمِيعًا، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ تَبَرَّعَ لَهُ كَالْمُفْلِسِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمَرِيضِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَالْوَرَثَةِ مَعَ اسْتِغْرَاقِ الدُّيُونِ لِلتَّرِكَةِ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا لَا يَسْقُطُ الْمَالُ بِإِسْقَاطِهِمْ وَهُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ وَجَبَ بِالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَلَا يُمْكِنُهُمْ إسْقَاطُهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَالْعَفْوِ عَنْ دِيَةِ الْخَطَأِ. الثَّانِي: يَسْقُطُ فِي الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَتَعَيَّنُ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ لَهُ أَوْ إسْقَاطِ الْقِصَاصِ وَحْدَهُ وَأَمَّا إسْقَاطُهُمَا فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ مُتَّصِلٍ سَقَطَا جَمِيعًا مِنْ غَيْرِ دُخُولِ الْمَالِ فِي مِلْكِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ اخْتِيَارًا مِنْهُ. نَقُولُ لِتَرْكِ التَّمَلُّكِ فَلَا يَدْخُلُ الْمَالُ فِي مِلْكِهِ، إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَهَلْ يَكُونُ الْعَفْوُ تَفْوِيتًا [لِلْمَالِ إنْ قُلْنَا إنَّ الْوَاجِبَ الْقَوَدُ عَيْنًا لَمْ يَكُنْ الْعَفْوُ تَفْوِيتًا لِلْمَالِ] فَلَا يُوجِبُ ضَمَانًا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَكَلَامُ أَبِي الْخَطَّابِ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الضَّمَانِ وَصَرَّحَ فِي الْكَافِي بِأَنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ كَمَا لَوْ اقْتَصَّ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنَّ عِنْدَهُ فِي الضَّمَانِ وَجْهَيْنِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ ضَعْفِ ذَلِكَ وَمُخَالَفَتِهِ لِظَاهِرِ تَعْلِيلِ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ. وَكَذَلِكَ فِي التَّلْخِيصِ أَنَّ فِي الضَّمَانِ هَاهُنَا وَجْهَيْنِ وَصَحَّحَ عَدَمَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الضَّمَانِ إذَا اقْتَصَّ خِلَافًا، وَفَرَّقَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بَيْنَ الضَّمَانِ بِالِاقْتِصَاصِ وَعَدَمِ الضَّمَانِ بِالْعَفْوِ بِأَنَّهُ إذَا اقْتَصَّ فَقَدْ اسْتَوْفَى بَدَلَ الْمَالِ فَلِذَلِكَ لَزِمَهُ الضَّمَانُ بِخِلَافِ مَا إذَا عَفَى فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ لَهُ بَدَلًا بَلْ فَاتَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَلِهَذَا لَوْ أَبَرَّ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْغَرِيمَ مِنْ حَقِّهِ بَرِئَ وَلَمْ يَلْزَمْ الضَّمَانُ لِشَرِيكِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَوْفَى حَقَّهُ أَوْ بَدَلَهُ فَإِنَّهُ لِشَرِيكِهِ نَصِيبُهُ مِنْهُ، وَإِنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ أَحَدَ شَيْئَيْنِ فَعُفِيَ مَجَّانًا فَفِي الْكَافِي هُوَ كَالْعَفْوِ عَنْ الْمَالِ فَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ كَانَ وَاهِيًا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهُمَا لَا يَصِحُّ وَهُوَ اخْتِيَارُهُ أَعْنِي صَاحِبَ الْكَافِي كَمَا لَا يَصِحُّ عَفْوُ الْمُفْلِسِ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْقِيمَةُ تَكُونُ رَهْنًا؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِعَفْوِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ. وَالثَّالِث يَصِحُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّاهِنِ دُونَ الْمُرْتَهِنِ فَتُؤْخَذُ الْقِيمَةُ مِنْ الْجَانِي تَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ فَإِذَا زَالَ الرَّهْنُ رُدَّتْ إلَى الْجَانِي وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ، وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي الَّذِي حَكَيْنَاهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فِي صِحَّةِ عَفْوِ الْمُفْلِسِ وَالْمَرِيضِ فِيمَا إذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَالْوَرَثَةُ وَنَحْوُهُمْ فَيَتَخَرَّجُ فِي الضَّمَانِ وَجْهَانِ كَالِاقْتِصَاصِ إذَا قُلْنَا الْوَاجِبُ أَحَدَ شَيْئَيْنِ، وَيَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ: (مِنْهَا) عَفْوُ الرَّاهِنِ عَنْ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَرْهُونِ وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُ مُسْتَوْفًى. وَمِنْهَا: عَفْوُ الْمُفْلِسِ عَنْ الْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَوَدِ مَجَّانًا فَالْمَشْهُورُ أَنَّا إنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ الْقَوَدُ عَيْنًا صَحَّ، وَإِنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ لَمْ يَصِحَّ الْعَفْوُ عَنْ الْمَالِ وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ الَّذِي قِيلَ أَنَّهُ الْمَنْصُوصُ يَصِحُّ، وَعَلَى طَرِيقَةِ مَنْ حَكَى الضَّمَانَ وَهُوَ الْمَرْهُونُ، وَإِنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ الْقَوَدُ عَيْنًا يَخْرُجُ هَاهُنَا مِثْلُهُ. وَمِنْهَا: عَفْوُ الْمُكَاتَبِ عَنْ الْقِصَاصِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُفْلِسِ. وَمِنْهَا: عَفْوُ الْوَرَثَةِ عَنْ الْقِصَاصِ مَعَ اسْتِغْرَاقِ الدُّيُونِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ ذَلِكَ. وَمِنْهَا: عَفْوُ الْمَرِيضِ عَنْ الْقِصَاصِ وَحُكْمُهُ فِيمَا إذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ كَذَلِكَ. وَمِنْهَا: إذَا عَفَى الْوَارِثُ عَنْ الْعَبْدِ الْجَانِي عَلَى الْعَبْدِ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ هَلْ يَضْمَنُ لِمَالِكِ الْمَنْفَعَةِ قِيمَتُهَا عَلَى وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا فِي التَّرْغِيبِ وَالْأَظْهَرُ تَخْرِيجُهُمَا عَلَى أَنَّ حَقَّ صَاحِبِ الْمَنْفَعَةِ هَلْ سَقَطَ بِالْإِتْلَافِ أَمْ لَا، وَيَتَوَجَّهُ أَنْ لَا يَنْفُذَ عَفْوُهُ فِي قَدْرِ قِيمَةِ الْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّهَا مِلْكٌ لِلْغَيْرِ إذَا قُلْنَا الْوَاجِبُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَفْوِ عَنْ الْجَانِي عَلَى الْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ بِالْقَتْلِ وَيَرْجِعُ الْمُسْتَأْجِرُ بِبَقِيَّةِ الْأُجْرَةِ. وَمِنْهَا: إذَا قُتِلَ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِهِ الْمُعَيَّنُ قَبْلَ قَبُولِهِ فَهَلْ لِلْوَرَثَةِ الْعَفْوُ عَنْ قَاتِلِهِ بِدُونِ اخْتِيَارِ الْمُوصَى لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ لَهُ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَبُو الْخَطَّابِ وَالْأَصْحَابُ، وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ إنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ عَيْنًا فَلَمْ يَجِبْ بِهَذِهِ الْجِنَايَةِ مَالٌ فَلَهُمْ الْعَفْوُ وَلَاسِيَّمَا عَلَى قَوْلِنَا أَنَّ مِلْكَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ لَهُمْ، وَإِنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ الْقَوَدُ عَيْنًا فِي الْمَرْهُونِ يَخْرُجُ هَاهُنَا مِثْلُهُ. وَمِنْهَا: الْعَفْوُ عَنْ الْوَارِثِ الْجَانِي فِي مَرَضِ الْمَوْتِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ إنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ الْقَوَدُ عَيْنًا فَهُوَ صَحِيحٌ وَإِنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ فَكَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فِي وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ بِوُقُوفِهِ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ. تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَوْ أَطْلَقَ الْعَفْوَ عَنْ الْجَانِي عَمْدًا فَهَلْ يَتَنَزَّلُ عَفْوُهُ عَلَى الْقَوَدِ وَالدِّيَةِ أَوْ عَلَى الْقَوَدِ وَحْدَهُ، وَحَكَى صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا وَذَكَرَ أَنَّهُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَيْهَا جَمِيعًا وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا. وَالثَّانِي: يَنْصَرِفُ إلَى الْقَوَدِ وَحْدَهُ إلَّا أَنْ يُقِرَّ بُقُورِي بِإِرَادَةِ الدِّيَةِ مَعَ الْقَوَدِ. وَالثَّالِثُ يَكُونُ عَفْوًا عَنْهُمَا إلَّا أَنْ يَقُولَ لَمْ أُرِدْ الدَّابَّةَ فَيَحْلِفُ وَيُقْبَلُ مِنْهُ. وَفِي التَّرْغِيبِ إنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ الْقَوَدُ وَحْدَهُ سَقَطَ وَلَا دِيَةَ، وَإِنْ قُلْنَا أَحَدَ شَيْئَيْنِ انْصَرَفَ الْعَفْوُ إلَى الْقِصَاصِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَالْأُخْرَى يَسْقُطَانِ جَمِيعًا. الثَّانِي: لَوْ اخْتَارَ الْقِصَاصَ فَلَهُ ذَلِكَ وَهَلْ لَهُ الْعَفْوُ عَنْهُ إلَى الدِّيَةِ إنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ هُوَ الْقِصَاصُ عَيْنًا فَلَهُ تَرْكُهُ إلَى الدِّيَةِ وَإِنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ أَحَدَ شَيْئَيْنِ فَعَلَى بِالسُّقَّى حَكَاهُمَا فِي التَّرْغِيبِ: أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ وَلِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّهُ مُعَيَّنٌ لَهُ الْقِصَاصُ فَيَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ إلَى مَالٍ كَمَا إذَا قُلْنَا هُوَ الْوَاجِبُ عَيْنًا. وَالثَّانِي: لَا، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الدِّيَةِ بِاخْتِيَارِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ إلَيْهَا كَمَا لَوْ عَفَى عَنْهَا وَعَنْ الْقِصَاصِ. وَفَارِقٌ مَا إذَا قُلْنَا أَنَّ الْقَوَدَ هُوَ الْوَاجِبُ عَيْنًا؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَمْ يَسْقُطْ بِإِسْقَاطِهِ وَيُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الَّذِي أَسْقَطَهُ هُوَ الدِّيَةُ الْوَاجِبَةُ بِالْجِنَايَةِ، وَالْمَأْخُوذُ هُنَا غَيْرُهُ وَهُوَ مَأْخُوذٌ بِطَرِيقِ الْمُصَالَحَةِ عَنْ الْقِصَاصِ الْمُتَعَيَّنِ.
فَإِنْ قُلْنَا هُوَ الْقَوَدُ وَحْدَهُ فَلَهُ الصُّلْحُ عَنْهُ بِمِقْدَارِ الدِّيَةِ وَبِأَقَلَّ وَأَكْثَرَ مِنْهَا إذْ الدِّيَةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ بِالْجِنَايَةِ وَكَذَلِكَ إذَا اخْتَارَ الْقَوَدَ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمَالِ وَقُلْنَا لَهُ ذَلِكَ فَإِنَّ الدِّيَةَ سَقَطَ وُجُوبُهَا وَإِنْ قُلْنَا أَحَدَ شَيْئَيْنِ فَهَلْ يَكُونُ الصُّلْحُ عَنْهَا صُلْحًا عَنْ الْقَوَدِ أَوْ الْمَالِ عَلَى وَجْهَيْنِ؟ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِمَا مَسَائِلُ: (مِنْهَا) هَلْ يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ مِنْ غَيْرِ جِنْسهَا أَمْ لَا؟ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ بِالْعَفْوِ وَالْمُصَالَحَةِ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ أَكْثَرَ مِنْ الْوَاجِبِ مِنْ الْجِنْسِ وَكَذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ يَصِحُّ غَيْرُ جِنْسِ الدِّيَةِ وَلَا يَصِحُّ عَلَى جِنْسِهَا إلَّا بَعْدَ تَعْيِينِ الْجِنْسِ مِنْ إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ أُعْطِيَ مِنْ رِبَا النَّسِيئَةِ وَرِبَا الْفَضْلِ، وَأَطْلَقَ الْأَكْثَرُونَ جَوَازَ الصُّلْحِ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. قَالَ فِي الْمُغْنِي لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَصَرَّحَ السَّامِرِيُّ فِي فُرُوقِهِ بِجَوَازِ الصُّلْحِ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ. وَإِنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْقَوَدَ ثَابِتٌ فَالْمَأْخُوذُ عِوَضٌ عَنْهُ وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ فَجَازَ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ الْجَائِزَةِ. وَأَمَّا الْقَوَدُ فَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا يَسْقُطُ بَعْدَ صِحَّةِ الصُّلْحِ وَثُبُوتِهِ وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْمُعَاوَضَةِ فِي عَقْدِ الصُّلْحِ فَلَا يُوجِبُ سُقُوطَهُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُسْقِطُهُ بِعِوَضٍ فَلَا يَسْقُطُ بِدُونِ ثُبُوتِ الْعِوَضِ لَهُ. وَمِنْهَا: لَوْ صَالَحَ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ بِشِقْصٍ هَلْ يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ أَمْ لَا إنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ الْقَوَدُ عَيْنًا فَالشِّقْصُ مَأْخُوذٌ بِعِوَضٍ غَيْرِ مَالِيٍّ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ عَلَى أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَالْأَكْثَرِينَ خِلَافًا لِأَبِي حَامِدٍ، وَإِنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ أَحَدَ شَيْئَيْنِ فَهُوَ مَأْخُوذٌ بِعِوَضٍ مَالِيٍّ إذْ هُوَ عِوَضٌ عَنْ الدِّيَةِ لِتَعْيِينِهَا بِاخْتِيَارِ الصُّلْحِ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَكَذَلِكَ السَّامِرِيِّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَرَّرَهُ فِي الْفُرُوقِ وَيَتَوَجَّهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ الصُّلْحُ عَنْ الْقَوَدِ أَنْ يُطْرَدَ فِيهِ الْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ وَهُوَ وَقْفٌ عَلَى إطْلَاقِ الْأَكْثَرِينَ. وَمِنْهَا: لَوْ قَتَلَ عَبْدُهُ عَبْدًا مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ عَمْدًا فَصَالَحَ الْمَالِكَ عَنْهُ بِمَالٍ فَذَكَرَ الْقَاضِي فِي التَّخْرِيجِ أَنَّهُ إنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ عَيْنًا لَمْ يَصِرْ الْمَالُ الْمُصَالَحُ بِهِ لِلتِّجَارَةِ إلَّا بِنِيَّةٍ وَعَلَّلَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِوَضٍ عَنْ الْمَقْتُولِ بَلْ عَنْ الْقِصَاصِ وَإِنْ قُلْنَا أَحَدَ شَيْئَيْنِ فَهُوَ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَعَلَّلَ بِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ الْمَقْتُولِ فَهُوَ كَقَتْلِ الْخَطَأِ، وَهَذَا مُنَزَّلٌ عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ عَلَى الْمَالِ أَمَّا إنْ قِيلَ إنَّهُ وَاقِعٌ عَنْ الْقَوَدِ فَقَدْ يُقَالُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْعَبْدِ وَقَدْ يُقَالُ لَا يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ إلَّا بِنِيَّةٍ وَظَاهِرُ تَعْلِيلِ الْقَاضِي يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَمَّا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ عَلَى مَالِكِ الْجَانِي مِنْ إرَاقَةِ دَمِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَ قِيمَةَ الْجَانِي أَوْ بَاعَهُ فِي الْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَالَ الْوَاجِبَ بِالْقَتْلِ عِوَضًا عَنْ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُضَارَبَةِ إذَا قَتَلَ عَبْدٌ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِ الْمُضَارَبَةِ عَمْدًا فَصَالَحَ عَنْهُ بِمَالٍ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ بِكُلِّ حَالٍ عَنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَهُوَ كَالثَّمَنِ وَلَمْ يَبْنِيَاهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي مُوجِبِ الْعَمْدِ إذْ هُوَ بَدَلٌ عَنْهُ بِكُلِّ حَالٍ فَلَا حَاجَةَ هَاهُنَا إلَى نِيَّةٍ وَلَكِنْ قَدْ يَبْنِي عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الصُّلْحَ هَلْ وَقَعَ عَنْ الْمَالِ أَوْ عَنْ الْقَوَدِ وَقَالَ أَبُو الْبَرَكَاتِ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ يُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنَّهُ مَتَى قُلْنَا الْقِصَاصُ يَجِبُ عَيْنًا أَنَّ الْمُضَارَبَةَ قَدْ بَطَلَتْ وَيَكُونُ الْجَمِيعُ مَا صَالَحَ عَنْهُ لِلسَّيِّدِ مِلْكًا جَدِيدًا.
فَإِنْ كَانَتْ مَضْمُونَةً وَجَبَ ضَمَانُهَا بِالتَّلَفِ وَالْإِتْلَافِ بِكُلِّ حَالٍ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً لَمْ يَجِبْ ضَمَانُهَا بِالتَّلَفِ وَوَجَبَ بِالْإِتْلَافِ إنْ كَانَ مُسْتَحَقٌّ مَوْجُودٌ وَإِلَّا فَلَا. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَهُ أَمْثِلَةٌ: (مِنْهَا) الزَّكَاةُ فَإِذَا قُلْنَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِتَلَفِ الْمَالِ وَيَجِبُ ضَمَانُهَا. وَمِنْهَا: الصَّيْدُ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ وَفِي الْحَرَمِ مَضْمُونٌ عَلَى الْمَالِكِ بِالْجَزَاءِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلَهُ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ: (مِنْهَا) الرَّهْنُ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ مِثْلُ أَنْ يَسْتَهْلِكَهُ الرَّاهِنُ أَوْ يُعْتِقَهُ إنْ كَانَ عَبْدًا وَلَا يُضْمَنُ بِالتَّلَفِ. وَمِنْهَا: الْعَبْدُ الْجَانِي إذَا أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ وَهَلْ يَضْمَنُهُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ مُطْلَقًا أَوْ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُ وَمِنْ قِيمَتِهِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَأَنْكَرَ فِي الْخِلَافِ رِوَايَةَ الضَّمَانِ بِالْأَرْشِ مُطْلَقًا قَالَ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَحِلَّ الْحَقِّ فَلَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرَ مِنْ ضَمَانِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَارَ فِدَاءَهُ فَإِنَّهُ مَعَ بَقَائِهِ قَدْ يَرْغَبُ فِيهِ رَاغِبٌ فَيَبْذُلُ فِيهِ مَا يَسْتَوْفِي مِنْهُ الْأَرْشَ كُلَّهُ فَلِذَلِكَ ضَمِنَهُ بِأَرْشِ كُلِّهِ عَلَى رِوَايَةٍ وَنَقَلَ عَنْهُ ابْنُ مَنْصُورٍ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ بِالْجِنَايَةِ ضَمِنَهُ بِالْأَرْشِ كُلِّهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَزِمَهُ الْأَقَلُّ وَنَقَلَ عَنْهُ حَرْبٌ إنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِحَالٍ وَإِنْ عَلِمَ ضَمِنَهُ بِالْقِيمَةِ فَقَطْ وَلَوْ قَتَلَهُ الْمَالِكُ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَإِنْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ فَفِي الْخِلَافِ الْكَبِيرِ يَسْقُطُ الْحَقُّ كَمَا لَوْ مَاتَ وَحَكَى الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ وَالْآمِدِيُّ رِوَايَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا يَسْقُطُ الْحَقُّ قَالَ الْقَاضِي نَقَلَهَا مُهَنَّا لِفَوَاتِ مَحِلِّ الْجِنَايَةِ. وَالثَّانِيَة: لَا تَسْقُطُ نَقَلَهَا حَرْبٌ وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَبِهَا جَزَمَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ فَيَتَعَلَّقُ الْحَقُّ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ مَاتَ الْقَاتِلُ عَمْدًا فَإِنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ فِي تَرِكَتِهِ وَجَعَلَ الْقَاضِي الْمُطَالَبَةَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِلسَّيِّدِ، وَالسَّيِّدُ يُطَالِبُ الْجَانِي بِالْقِيمَةِ. وَمِنْهَا: إذَا قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا ثُمَّ قُتِلَ الْقَاتِلُ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ ثَوْبٍ فِي رَجُلٍ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا ثُمَّ قُتِلَ الرَّجُلُ خَطَأً لَهُمْ الدِّيَةُ قِيلَ لَهُ وَإِنْ قُتِلَ عَمْدًا قَالَ وَإِنْ قُتِلَ عَمْدًا فَقِيلَ لَهُ فَإِنَّ قَوْمًا يَقُولُونَ إنَّهُ إذَا قُتِلَ إنَّمَا كَانَ لَهُمْ دَمُهُ وَلَيْسَ لَهُمْ الدِّيَةُ قَالَ لَيْسَ كَذَلِكَ الْحَدِيثُ إنَّ أَوْلِيَاءَهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا قَبِلُوا الدِّيَةَ فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ إذَا قَتَلَ تَعَيَّنَتْ الدِّيَةُ فِي تَرِكَتِهِ وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْوَاجِبَ بِقَتْلِ الْعَمْدِ أَحَدَ شَيْئَيْنِ وَقَدْ فَاتَ أَحَدُهُمَا فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ إذَا قُلْنَا الْوَاجِبُ الْقَوَدُ عَيْنًا وَهَذَا يَقْوَى عَلَى قَوْلنَا إنَّ الدِّيَةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالتَّرَاضِي. وَخَرَّجَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجْهًا آخَرَ وَقَوَّاهُ أَنَّهُ يَسْقُطُ الدِّيَةُ بِمَوْتِ الْقَاتِلِ أَوْ قَتْلِهِ بِكُلِّ حَالٍ مُعْسِرًا كَانَ أَوْ مُوسِرًا وَسَوَاءٌ قُلْنَا الْوَاجِبُ الْقَوَدُ عَيْنًا أَوْ أَحَدَ شَيْئَيْنِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِإِزَاءِ الْعَفْوِ وَبَعْدَ مَوْتِ الْقَاتِلِ لَا عَفْوَ، فَيَكُونُ مَوْتُهُ كَمَوْتِ الْعَبْدِ الْجَانِي وَالْعَجَبُ مِنْ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ كَيْفَ حَمَلَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ يُخَيَّرُونَ فِي الْقَاتِلِ الثَّانِي بَيْنَ أَنْ يَقْتَصُّوا مِنْهُ أَوْ يَأْخُذُوا الدِّيَةَ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فَحَكَاهُ رِوَايَةً وَمَنْ تَأَمَّلَ لَفْظَ الرِّوَايَةِ عَلِمَ أَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ. وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا فِي خِلَافِهِ الدِّيَةُ وَاجِبَةٌ فِي التَّرِكَةِ سَوَاءٌ قُلْنَا الْوَاجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ أَوْ الْقِصَاصُ عَيْنًا وَكَلَامُ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ كَمَا رَأَيْته وَكَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الرَّجُلِ يَقْتُلُ عَمْدًا ثُمَّ يُقَدَّمُ لِيُقَادَ مِنْهُ فَيَأْتِي رَجُلٌ فَيَقْتُلُهُ قَالَ الْوَلِيُّ الْأَوَّلُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ فَلَمَّا ذَهَبَ الدَّمُ فَيَنْظُرُ إلَى أَوْلِيَاءِ هَذَا الْمَقْتُولِ الثَّانِي فَإِنْ هُمْ أَخَذُوا الدِّيَةَ مِنْ الْقَاتِلِ الْأَخِيرِ فَقَدْ صَارَ مِيرَاثًا مِنْ مَالِهِ ثُمَّ يَعُودُ أَوْلِيَاءُ الدَّمِ الْأَوَّلِ فَيَأْخُذُونَهَا مِنْهُمْ بِدَمِ صَاحِبِهِمْ وَكَذَلِكَ نَقَلَ أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ إذَا فَاتَهُ الدَّمُ أَخَذَ الدِّيَةَ مِنْ مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ؛ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ وَإِنْ شَاءَ عَفَا وَهَذَا كُلُّهُ تَصْرِيحٌ بِالْحُكْمِ وَالتَّعْلِيلِ وَجَعَلَ الْمُطَالَبَةَ بِالدِّيَةِ لِأَوْلِيَاءِ الْقَاتِلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ. وَخَرَّجَ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَجْهًا أَنَّ الْمُطَالَبَةَ لِقَاتِلِ الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَوَّتَ مَحِلَّ الْحَقِّ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَتَلَ الْعَبْدَ الْجَانِي وَلِلْأَصْحَابِ وَجْهَانِ فِيمَا إذَا قَتَلَ الْجَانِي بَعْضَ الْوَرَثَةِ حَيْثُ لَا يَنْفَرِدُ بِالِاسْتِيفَاءِ هَلْ الْبَاقِينَ حِصَّتُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْجَانِي أَمْ عَلَى الْمُقْتَصِّ عَلَى وَجْهَيْنِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَرْجِعُ وَرَثَةُ الْجَانِي عَلَى الْمُقْتَصِّ بِمَا فَوْقَ حَقِّهِ. وَنَقَلَ صَالِحٌ وَابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ فِي رَجُلٍ قَتَلَ رَجُلًا فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ فَعَدَا بَعْضُ وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ فَقَتَلَ الرَّجُلَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْحَاكِمِ. فَقَالَ هَذَا قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ مَا لِلْحَاكِمِ هَاهُنَا وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْحَقَّ لِنَفْسِهِ وَلِشُرَكَائِهِ وَلَاسِيَّمَا إنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ بِقَتْلِ الْعَمْدِ الْقَوَدُ عَيْنًا. وَمِنْهَا: لَوْ عَيَّنَ الْأُضْحِيَّةَ أَوْ هَدْيًا لَا عَنْ وَاجِبٍ فِي الذِّمَّةِ فَإِنْ أَتْلَفَهُ أَوْ تَلِفَ بِتَفْرِيطِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ مُسْتَحِقَّهُ مَوْجُودٌ وَهُمْ مَسَاكِينُ وَإِنْ تَلِفَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَنَقَلَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ [وَابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِهِ رِوَايَةً] بِوُجُوبِ الضَّمَانِ كَالزَّكَاةِ وَأَخَذُوا مِنْ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ وَمَنْ سَاقَ هَدْيًا وَاجِبًا فَعَطِبَ دُونَ مَحِلِّهِ فَعَلَيْهِ مَكَانَهُ، وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ إنَّمَا هُوَ فِي الْوَاجِبِ فِي الذِّمَّةِ. قَالُوا وَكَذَا الْخِلَافُ فِيمَنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِمَالٍ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى تَلِفَ هَلْ يَضْمَنُهُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَمِنْهَا: لَوْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُعْتِقَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقُ غَيْرِهِ وَلَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ لِعَجْزِهِ عَنْ الْمَنْذُورِ، وَإِنْ قَتَلَهُ السَّيِّدُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ قَالَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْعِتْقِ تَكْمِيلُ الْأَحْكَامِ وَالْمَصْرِفُ لِلْعَبْدِ فَإِذَا فَاتَ الْمَصْرِفُ لَمْ يَبْقَ مُسْتَحِقٌّ لِلْعِتْقِ. وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فَيَجِبُ صَرْفُ قِيمَتِهِ فِي الرِّقَابِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِنَا فِي الْوَلَاءِ إذَا حَصَلَ مِنْ الْمُعْتِقِينَ فِي الْكَفَّارَةِ صَرْفٌ فِي الرِّقَابِ وَالْوَلَاءِ أَلَيْسَ مِنْ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الِاكْتِسَابِ وَالْقِيمَةِ بَدَلُ الذَّاتِ وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الرِّقَابُ مَصْرِفًا فَلَا وَجْهَ لِسُقُوطِ الْقِيمَةِ عَنْهُ، وَلَوْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ لِسَيِّدِهِ الْقِيمَةُ وَلَا يَلْزَمُهُ صَرْفُهَا فِي الْعِتْقِ وَخَرَّجَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَجْهًا بِوُجُوبِهِ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ ابْنِ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُبْدَلِ وَلِهَذَا لَوْ وَصَّى لَهُ بِعَبْدٍ فَقُتِلَ قَبْلَ قَبُولِهِ فَإِنَّ قِيمَتَهُ لَهُ إذَا قُتِلَ.
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ تَقْدِيرُ الْحَقِّ خَشْيَةَ سُقُوطِ صَاحِبِهِ فَحَيْثُ كَانَ مَنْ لَمْ يُقَدِّرْ حَقَّهُ يَسْتَحِقُّ الْجَمِيعَ عِنْدَ الِانْفِرَادِ كَذَوِي الْفُرُوضِ مَعَ الْعَصَبَاتِ فِي الْمِيرَاثِ، فَهَاهُنَا قَدْ يَزِيدُ الْحَقُّ الَّذِي لَمْ يُقَدَّرْ عَلَى الْحَقِّ الْمُقَدَّرِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْهُ. وَالنَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ لِنِهَايَةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَغَيْرُ الْمُقَدَّرِ مَوْكُولًا إلَى الرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِهِ بِأَصْلٍ يَرْجِعُ إلَيْهِ فَلَا يُرَادُ الْحَقُّ الَّذِي لَمْ يُقَدَّرْ عَلَى الْمُقَدَّرِ هَاهُنَا، وَلَهُ صُوَرٌ: مِنْهَا: الْحَدُّ وَالتَّعْزِيرُ فَلَا يَبْلُغُ بِتَعْزِيرِ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ أَدْنَى حُدُودِهِمَا إلَّا فِيمَا سَبَّبَهُ الْوَطْءُ فَيَجُوزُ أَنْ يَبْلُغَ بِالتَّعْزِيرِ عَلَيْهِ فِي حَقِّ الْحُرِّ مِائَةَ جَلْدَةٍ بِدُونِ نَفْيٍ، وَقِيلَ لَا يَبْلُغُ الْمِائَةَ بَلْ يَنْقُصُ مِنْهُ سَوْطًا وَفِي حَقِّ الْعَبْدِ خَمْسِينَ إلَّا سَوْطًا، وَيَجُوزُ النَّقْصُ مِنْهُ عَلَى مَا يَرَاهُ السُّلْطَانُ، وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ حَكَى أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ فِي مَعْصِيَةٍ حَدًّا مَشْرُوعًا فِي جِنْسِهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى حَدِّ غَيْرِ جِنْسِهَا. قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ وَعَنْ أَحْمَدَ لَا يُزَادُ فِي كُلِّ تَعْزِيرٍ عَشْرُ جَلْدَاتٍ لِخَبَرِ أَبِي بُرْدَةَ. وَمِنْهَا: السَّهْمُ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَالرَّضْخِ فَلَا يَبْلُغُ بِالرَّضْخِ لِآدَمِيٍّ سَهْمَهُ الْمُقَدَّرَ وَلَا بِالرَّضْخِ لِمَرْكُوبٍ سَهْمَهُ الْمُقَدَّرَ. النَّوْعُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُقَدَّرًا شَرْعًا وَالْآخَرُ تَقْدِيرُهُ رَاجِعٌ إلَى الِاجْتِهَادِ وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى أَصْلٍ يَضْبِطُ بِهِ فَهَلْ هُوَ كَالْمُقَدَّرِ أَمْ لَا؟ إنْ كَانَ مَحِلُّهُمَا وَاحِدًا لَمْ يُجَاوِزْ بِهِ الْمُقَدَّرُ وَفِي بُلُوغِهِ خِلَافٌ، وَإِنْ كَانَ مَحِلُّهُمَا مُخْتَلِفًا فَالْخِلَافُ فِي بُلُوغِ الْمُقَدَّرِ وَمُجَاوَزَتِهِ، فَالْأَوَّلُ كَالْحُكُومَةِ إذَا كَانَتْ فِي مَحِلٍّ لَهُ مُقَدَّرٍ فَلَا يُجَاوِزُ بِهَا الْمُقَدَّرَ، وَكَذَلِكَ الْمَحِلُّ وَفِي بُلُوغِهِ وَجْهَانِ: وَالثَّانِي: كَدِيَةِ الْحُرِّ مَعَ قِيمَةِ الْعَبْدِ فَإِذَا جَاوَزَتْ قِيمَةَ الْعَبْدِ فَهَلْ تَجِبُ الْقِيمَةُ بِكَمَالِهِ أَمْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْلُغَ بِهَا دِيَةَ الْحُرِّ بَلْ يَنْقُصُ مِنْهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَقَدْ يُخَرَّجُ عَلَيْهِمَا جَوَازُ بُلُوغِ الْحُكُومَةِ الْأَرْشَ الْمُقَدَّرَ مُطْلَقًا.
وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ: مِنْهَا: إذَا قَتَلَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا عَمْدًا ضَمِنَهُ بِدِيَةِ مُسْلِمٍ. وَمِنْهَا: مَنْ سَرَقَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ فَإِنَّهُ يَتَضَاعَفُ عَلَيْهِ الْغُرْمُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالثَّمَرِ وَالْكَثْرِ. وَمِنْهَا: الضَّالَّةُ الْمَكْتُومَةُ يَضْمَنُ بِقِيمَتِهَا مَرَّتَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ مُعَلِّلًا بِأَنَّ التَّضْعِيفَ فِي الضَّمَانِ هُوَ لِدَرْءِ الْقَطْعِ وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ عَلَى أَصْلِهِ فِي قَطْعِ جَاحِدِ الْعَارِيَّةِ. وَمِنْهَا: لَوْ قَلَعَ الْأَعْوَرُ عَيْنَ الصَّحِيحِ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ وَتَلْزَمُهُ الدِّيَةُ كَامِلَةً نَصَّ عَلَيْهِ. وَمِنْهَا: الصَّغِيرُ إذَا قَتَلَ عَمْدًا وَقُلْنَا إنَّ لَهُ عَمْدًا صَحِيحًا ضُوعِفَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ. وَمِنْهَا: السَّرِقَةُ عَامَ الْمَجَاعَةِ قَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ يَتَضَاعَفُ الْغُرْمُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ عَلَى قَوْلِ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ احْتَجَّ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ بِحَدِيثِ عُمَرَ فِي رَقِيقِ حَاطِبٍ. وَمِنْهَا: السَّرِقَةُ مِنْ الْغَنِيمَةِ إذَا قُلْنَا هِيَ كَالْغُلُولِ وَإِنَّ الْغَالَّ يُحْرَمُ سَهْمَهُ مِنْهَا عَلَى رِوَايَةٍ، فَيَجْتَمِعُ عَلَيْهِ غُرْمُ مَا سَرَقَهُ مَعَ حِرْمَانِ سَهْمِهِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْهَا، وَقَدْ يَكُونُ قَدْرَ السَّرِقَةِ وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ. وَلَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَغْلِيظُ الدِّيَةِ بِقَتْلِ ذِي الرَّحِمِ عَمْدًا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ فِيهِ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا فِي غَيْرِ الِابْنِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِزِيَادَةِ حُرْمَةِ الْجِنَايَةِ فَهُوَ كَالتَّضْعِيفِ بِالْقَتْلِ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ.
وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ صُوَرٌ: مِنْهَا لَوْ تَرَكَ السَّاعِي زَكَاةَ الثِّمَارِ أَمَانَةً بِيَدِ رَبِّ الْمَالِ فَأَتْلَفَهَا قَبْلَ جَفَافِهَا أَوْ تَلِفَتْ بِتَفْرِيطِهِ ضَمِنَهَا بِقَدْرِهَا يَابِسًا لَا رَطْبًا عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَنْهُ يَضْمَنُهَا بِمِثْلِهَا رَطْبًا. وَمِنْهَا: لَوْ أَتْلَفَ الْأُضْحِيَّةَ أَوْ الْهَدْيَ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ بِأَكْثَرَ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ الْإِتْلَافِ أَوْ يَوْمِ النَّحْرِ، وَفِيهِ وَجْهٌ يَضْمَنُهَا بِقِيمَتِهَا يَوْمَ التَّلَفِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ بِكُلِّ حَالٍ كَمَا لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا، وَفِي الْكَافِي يَضْمَنُهَا بِأَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ هَدْيِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْإِرَاقَةَ وَالتَّفْرِقَةَ بَعْدَ لُزُومِهِمَا فَلَزِمَهُ ضَمَانُهَا، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ شَيْئَيْنِ، قَالَ: وَيَشْتَرِي بِالْقِيمَةِ هَدْيًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ، وَيَلْتَحِقُ بِهَذَا مَا إذَا أَكَلَ الْمُضَحِّي جَمِيعَ أُضْحِيَّتِهِ أَوْ الْهَدْيَ مِمَّا مُنِعَ مِنْ أَكْلِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِمِثْلِهِ لَحْمًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، لَا تَلْزَمُهُ الْإِرَاقَةُ وَالتَّفْرِقَةُ وَقَدْ أَتَى بِأَحَدِهِمَا وَبَقِيَ الْآخَرُ فَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ، وَلَوْ أَتْلَفَهُ غَيْرُهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِرَاقَةُ فَلَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ وَيَشْتَرِي بِهَا مِثْلَهُ.
فِيهِ خِلَافٌ يُطْرَدُ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا: لَوْ قَلَعَ سِنَّهُ أَوْ قَطَعَ أُذُنَهُ فَأَعَادَهُ فِي الْحَالِ فَثَبَتَ وَالْتَحَمَ كَمَا كَانَ لَمْ يَرُحْ، فَهَلْ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ أَمْ لَا نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى طَهَارَتِهِ إذَا ثَبَتَ وَالْتَحَمَ، وَعَلَى نَجَاسَتِهِ إذَا لَمْ يَثْبُتْ، وَحَكَى الْقَاضِي الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَفَرَّقَ ابْنُ أَبِي مُوسَى بَيْنَ أَنْ يَثْبُتَ وَيَلْتَحِمَ فَيُحْكَمَ بِطَهَارَتِهِ لِعَوْدِ الْحَيَاةِ إلَيْهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَثْبُتْ وَهَذَا حَسَنٌ. فَإِنْ كَانَ بِجِنَايَةِ جَانٍ فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا قَوَدَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ سِوَى حُكُومَةِ نَقْصِهِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَبَنَاهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي حَقُّهُ بِحَالِهِ فَأَمَّا إنْ اقْتَصَّ مِنْ الْجَانِي فَأَعَادَهُ وَالْتَحَمَ فَهَلْ لِلْمُقْتَصِّ إبَانَتُهُ ثَانِيًا أَمْ لَا؟ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ عَلَى أَنَّ لَهُ إبَانَتُهُ، وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْقِصَاصَ لِلشَّيْنِ وَالشَّيْنُ قَدْ زَالَ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَمِنْهَا: لَوْ قَلَعَ ظُفْرَ آدَمِيٍّ أَوْ سِنَّهُ أَوْ شَعْرَهُ ثُمَّ عَادَ أَوْ جَنَى عَلَيْهِ فَأَذْهَبَ شَمَّهُ أَوْ بَصَرَهُ ثُمَّ عَادَ بِحَالِهِ فَلَا ضَمَانَ بِحَالٍ فِي الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ أَطْرَافَ الْآدَمِيِّ لَا تُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ إذْ لَيْسَتْ أَمْوَالًا، فَإِنَّمَا يَضْمَنُ بِمَا نَقَصَ الْجُمْلَةَ وَلَمْ يُوجَدْ نَقْصٌ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ. وَيَتَوَجَّهُ التَّفْرِيقُ؛ لِأَنَّ أَعْضَاءَ الرَّقِيقِ أَمْوَالٌ وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ الْأَمَةِ دُونَ الْحُرَّةِ عَلَى وَجْهٍ لَنَا، وَقَدْ ذَكَرُوا فِي الْجَارِيَةِ الْمَغْصُوبَةِ إذَا هَزَلَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ ثُمَّ سَمِنَتْ فَهَلْ يُضْمَنُ نَقْصَهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَالْأَشْبَهُ بِكَلَامِهِ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِيمَنْ كَسَرَ خَلْخَالًا لِغَيْرِهِ أَنَّ عَلَيْهِ إصْلَاحُهُ، وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ فَإِنَّ إصْلَاحَ الْخَلْخَالِ نَوْعُ ضَمَانٍ بِخِلَافِ عَوْدِ السَّمْنِ، وَلَكِنْ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ بِأَنَّهُ لَوْ غَصَبَ جِدَارًا فَنَقَضَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ فَعَلَيْهِ أَرْشُ نَقْصِهِ، إلَّا أَنَّ هَذَا بَنَاهُ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَرْشُ فَالْبِنَاءُ عَدُوَّانِ وَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْوَاجِبُ. وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْقَاضِي فِيمَا إذَا بَاعَ الْغَاصِبُ الدَّارَ الْمَغْصُوبَةَ فَنَقَضَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ بَنَاهَا أَنَّ عَلَى الْمُشْتَرِي ضَمَانُ قِيمَتِهَا مَبْنِيَّةً وَمَنْقُوضَةً يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ. وَمِنْهَا: نَبَاتُ الْحَرَمِ إذَا قَطَعَهُ أَوْ غُصْنًا مِنْ شَجَرَةٍ مِنْهُ ثُمَّ عَادَ فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَنَى عَلَى رِيشِ طَائِرٍ فِي الْحَرَمِ أَوْ الْإِحْرَامِ ثُمَّ نَبَتَ فَهَلْ يَضْمَنُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، لِتَرَدُّدِ ضَمَانِ صَيْدِ الْحَرَمِ وَنَبَاتِهِ وَصَيْدِ الْمُحْرِمِ بَيْنَ ضَمَانِ الْأَمْوَالِ إذْ هِيَ أَمْوَالٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَبَيْنَ ضَمَانِ الْآدَمِيِّينَ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْأَشْبَهُ أَنَّ صَيْدَ الْحَرَمِ وَنَبَاتَهُ مُلْحَقٌ بِالْآدَمِيِّينَ لِعِصْمَتِهِ بِمَحِلِّهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَمِيعِ النَّاسِ، بِخِلَافِ صَيْدِ الْمُحْرِمِ فَإِنَّ تَحْرِيمَهُ يَخْتَصُّ بِهِ فَهُوَ شَبِيهٌ بِالْأَمْوَالِ الْمَمْلُوكَةِ الَّتِي تَحِلُّ لِمَالِكِهَا دُونَ غَيْرِهِ. وَمِنْهَا: لَوْ أَعَارَهُ حَائِطًا لِوَضْعِ خَشَبِهِ عَلَيْهِ فَسَقَطَ الْجِدَارُ ثُمَّ أَعَادَهُ فَهَلْ لَهُ إعَادَةُ الْوَضْعِ أَمْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِدُونِ إذْنٍ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ غَيْرُ الْأَوَّلِ فَلَمْ تَتَنَاوَلْهُ الْإِعَادَةُ وَالصُّلْحُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْعَارِيَّةِ. وَالثَّانِي: لَهُ ذَلِكَ إنْ أَعَادَهُ بِآلَتِهِ الْعَتِيقَةِ وَإِلَّا فَلَا، وَحُكِيَ عَنْ الْقَاضِي وَلَا أَظُنُّهُ يَصِحُّ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ الْوَضْعُ مُسْتَحِقًّا بِعَقْدِ صُلْحٍ فَلَهُ الْوَضْعُ بِكُلِّ حَالٍ وَجْهًا وَاحِدًا. وَمِنْهَا: إذَا أَجَّرَهُ دَارًا فَانْهَدَمَ جِدَارُهَا فَأَعَادَهُ الْمُؤَجِّرُ فَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ بِأَنَّ هَذَا الْمُجَدِّدَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، وَفَرَّعَا عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى التَّجْدِيدِ، وَكَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ مَعَ قَوْلِهِ: إنْ جَدَّدَ فَلَا خِيَارَ لَهُ، وَحَكَى وَجْهًا بِإِجْبَارِهِ عَلَى التَّجْدِيدِ كَمَا يُجْبَرُ عَلَى التَّرْمِيمِ، وَيَتَوَجَّهُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ أَنْ تُعَادَ بِآلَتِهَا الْعَتِيقَةِ أَوْ غَيْرِهَا كَمَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا. وَمِنْهَا: مَسْأَلَةُ الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ إذَا انْهَدَمَ وَأَعَادَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فَهَلْ يَعُودُ حَقُّ شَرِيكِهِ فِيهِ. إنْ أَعَادَهُ بِآلَةٍ جَدِيدَةٍ لَمْ يَعُدْ وَإِنْ كَانَ بِآلَتِهِ الْعَتِيقَةِ فَوَجْهَانِ سَبَقَ ذِكْرُهُمَا. وَمِنْهَا: لَوْ وَصَّى لَهُ بِدَارٍ فَانْهَدَمَتْ فَالْمَشْهُورُ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ بِزَوَالِ الِاسْمِ وَلَا يَعُودُ بِعَوْدِ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ، وَيَتَوَجَّهُ عَوْدُهَا إنْ أَعَادَهَا بِآلَتِهَا الْقَدِيمَةِ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ لَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِكُلِّ حَالٍ وَلَوْ لَمْ يَعُدْ بِنَاؤُهَا، وَعَلَى هَذَا فَهَلْ يَسْتَحِقُّ أَنْقَاضَهَا الْمَوْجُودَةِ حَالَ الْوَصِيَّةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ يَرْجِعَانِ إلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ هَلْ هُوَ بِحَالِ الْوَصِيَّةِ أَوْ بِحَالِ الْمَوْتِ، وَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْبِنَاءَ الْمُتَجَدِّدَ فِيهَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَيْضًا. وَمِنْهَا: إذَا تَهَدَّمَتْ الْكَنِيسَةُ الَّتِي تَقَرُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهَلْ يُمَكَّنُونَ مِنْ إعَادَتِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ مَعْرُوفَتَيْنِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِعَادَةَ هَلْ هِيَ اسْتِدَامَةٌ أَوْ إنْشَاءٌ، وَلَوْ فُتِحَ بَلَدٌ عَنْوَةً وَفِيهِ كَنِيسَةٌ مُتَهَدِّمَةٌ تَقَرُّ فَهَلْ يَجُوزُ بِنَاؤُهَا؟ فِيهِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ مِنْهُ مُطْلَقًا. وَالثَّانِي: بِنَاؤُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي بِنَاءِ الْمُنْهَدِمَةِ.
وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ بَعْضِهَا. وَمِنْهَا: إذَا مَسَحَ عَلَى الْخُفِّ ثُمَّ خَلَعَهُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ غَسْلُ قَدَمَيْهِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَوْ فَاتَتْ الْمُوَالَاةُ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ كَمَّلَ الْوُضُوءَ وَأَتَمَّهُ وَقَامَ مَقَامَ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ إلَى حِينِ الْخَلْعِ، فَإِذَا وَجَدَ الْخَلْعَ وَتَعَقَّبَهُ غَسَلَ الْقَدَمَيْنِ فَالْوُضُوءُ كَالْمُتَوَاصِلِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ وَجَدَ مَا يَكْفِي لِغَسْلِ بَعْضِ أَعْضَاءِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَاسْتَعْمَلَهُ فِيهَا ثُمَّ تَيَمَّمَ لِلْبَاقِي ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ فَوَاتِ الْمُوَالَاةِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا غَسْلُ بَاقِي الْأَعْضَاءِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لَكِنَّهُ بَنَاهُ عَلَى سُقُوطِ الْمُوَالَاةِ لِلْعُذْرِ. وَمِنْهَا: لَوْ افْتَرَقَ المتصارفان ثُمَّ وَجَدَ أَحَدُهُمَا بِمَا قَبَضَهُ عَيْبًا وَأَرَادَ الرَّدَّ وَأَخَذَ بَدَلِهِ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ فَهَلْ يُنْتَقَضُ الصَّرْفُ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَمِنْهَا: إذَا حَضَرَ الْجُمُعَةَ أَرْبَعُونَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا ثُمَّ تُبَدَّلُوا فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ أَوْ الصَّلَاةِ بِمِثْلِهِمْ انْعَقَدَتْ الْجُمُعَةُ وَتَمَّتْ بِهِمْ. وَمِنْهَا: لَوْ أَبْدَلَ نِصَابًا مِنْ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ بِنِصَابٍ مِنْ جِنْسِهِ بُنِيَ عَلَى حَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَوْ أَبْدَلَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ اسْتَأْنَفَ إلَّا فِي إبْدَالِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ فَإِنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ رِوَايَةً بِالْبِنَاءِ فِي الْإِبْدَالِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ مُطْلَقًا. وَمِنْهَا: لَوْ أَبْدَلَ مُصْحَفًا بِمِثْلِهِ جَازَ نَصَّ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهُ بِثَمَنٍ وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْمُبَادَلَةِ هَلْ هِيَ بَيْعٌ أَمْ لَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَأَنْكَرَ الْقَاضِي ذَلِكَ وَقَالَ هِيَ بَيْعٌ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنَّمَا أَجَازَ أَحْمَدُ إبْدَالَ الْمُصْحَفِ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الرَّغْبَةِ عَنْهُ وَلَا عَلَى الِاسْتِبْدَالِ بِهِ بِعِوَضٍ دُنْيَوِيٍّ بِخِلَافِ أَخْذِ ثَمَنِهِ. وَمِنْهَا: لَوْ أَبْدَلَ جُلُودَ الْأَضَاحِيِّ بِمَا يَنْتَفِعُ بِهِ فِي الْبَيْتِ مِنْ الْآنِيَةِ جَازَ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقُومُ مَقَامَ الِانْتِفَاعِ بِالْجِلْدِ نَفْسِهِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ. وَمِنْهَا: إبْدَالُ الْهَدْيِ وَالْأَضَاحِيِّ بِخَيْرٍ مِنْهَا وَهُوَ جَائِزٌ نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إبْدَالُ الْوَقْفِ إذَا خَرِبَ وَالْمَسْجِدُ إذَا بَادَ بِأَهْلِهِ، وَالْوَقْفُ مَعَ عِمَارَتِهِ بِخَيْرٍ مِنْهُ رِوَايَتَانِ. وَمِنْهَا: لَوْ مَاتَ رَبُّ الْمَالِ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ أَوْ شَرِيكِ الْعَنَانِ وَأَرَادَ الْوَارِثُ تَقْرِيرَهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ جَازَ، وَهَلْ هُوَ ابْتِدَاءُ عَقْدٍ أَوْ اسْتِدَامَةٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ، وَأَشَارَ إلَيْهِمَا الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ بِأَنْ كَانَ الْمَالُ عَرَضًا وَقُلْنَا يَصِحُّ الْقِرَاضُ عَلَى الْعَرْضِ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَصِحُّ فَخَرَّجَهُمَا الْقَاضِي عَلَى وَجْهَيْنِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: إنْ قُلْنَا هُوَ ابْتِدَاءٌ فَلَا يَصِحُّ، وَإِنْ قُلْنَا تَقْرِيرٌ جَازَ؛ لِأَنَّهُ عَرْضٌ هُوَ اشْتَرَاهُ وَجِنْسُ رَأْسِ الْمَالِ قَدْ تَعَيَّنَ مِنْ قَبْلُ فَرَجَعَ إلَيْهِ بِخِلَافِ الِابْتِدَاءِ، أَمَّا إذَا مَاتَ الْعَامِلُ وَأَرَادَ الْمَالِكُ تَقْرِيرَ وَارِثِهِ وَكَانَ الْمَالُ عَرْضًا فَهُوَ كَالِابْتِدَاءِ وَجْهًا وَاحِدًا قَالَهُ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ مَوْتِ رَبِّ الْمَالِ وَمَوْتِ الْعَامِلِ بِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ تَرَكَ لِلْوَارِثِ أَصْلًا يَبْنِي عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَالُ فَلِذَلِكَ صَحَّ بِنَاءُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْعَامِلِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ سِوَى الْعَمَلِ وَقَدْ زَالَ بِمَوْتِهِ فَلَمْ يَخْلُفْ لِوَارِثِهِ أَصْلًا يَبْنِي عَلَيْهِ. وَمِنْهَا: لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى عَرْضٍ فَأَدَّاهُ فَوَجَدَهُ مَعِيبًا فَرَدَّهُ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ بَدَلَهُ وَلَا يَرْتَفِعُ الْعِتْقُ أَمْ يَرْتَفِعُ الْعِتْقُ بِرَدِّهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَبَنَاهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ هَلْ يَحْصُلُ بِالْقَبْضِ أَمْ يَقِفُ عَلَى الرِّضَى. وَمِنْهَا: لَوْ اعْتَاضَ عَنْ دَيْنِ الْكِتَابَةِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ فَهَلْ يُعْتَقُ الْمُكَاتَبُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَمِنْهَا: أَنَّ الْعِوَضَ هَلْ يَقُومُ مَقَامَ الْمُعَوَّضِ فِي الْبِرِّ وَالْحِنْثِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
فَأَمَّا النَّوْعُ الْأَوَّلُ فَمَا كَانَ مِنْ حُقُوقِهِ يَجِبُ بِمَوْتِهِ كَالدِّيَةِ وَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ فَلَا رَيْبَ فِي أَنَّ لَهُمْ اسْتِيفَاءَهُ وَسَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهُ ثَابِتٌ لَهُمْ ابْتِدَاءً أَوْ مُنْتَقِلٌ إلَيْهِمْ عَنْ مَوْرُوثِهِمْ وَلَا يُؤْثَرُ مُطَالَبَةُ الْمَقْتُولِ بِذَلِكَ شَيْئًا عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَمَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إلَى أَنَّ مُطَالَبَتَهُ بِالْقِصَاصِ تُوجِبُ تَحَتُّمَهُ فَلَا يَتَمَكَّنُونَ بَعْدَهَا مِنْ الْعَفْوِ وَمَا كَانَ وَاجِبًا لَهُ فِي حَيَاتِهِ إنْ كَانَ قَدْ طَالَبَ بِهِ أَوْ هُوَ فِي يَدِهِ ثَبَتَ لَهُمْ إرْثُهُ. فَمِنْهُ: الشُّفْعَةُ إذَا طَالَبَ بِهَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَتَوَقَّفَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ هُوَ مَوْضِعُ نَظَرٍ. وَمِنْهُ حَدُّ الْقَذْفِ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا وَيَسْتَوْفِيهِ الْوَارِثُ لِنَفْسِهِ بِحُكْمِ الْإِرْثِ عِنْدَ الْقَاضِي. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِيمَا قَرَأْتُهُ بِخَطِّهِ إنَّمَا يَسْتَوْفِي لِلْمَيِّتِ بِمُطَالَبَتِهِ مِنْهُ وَلَا يَنْتَقِلُ، وَكَذَا الشُّفْعَةُ فِيهِ فَإِنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ وَإِنْ كَانَ طَارِئًا عَلَى الْبَيْعِ إلَّا أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مِلْكِ مَوْرُوثِهِ. وَمِنْهُ: خِيَارُ الشَّرْطِ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ أَيْضًا. وَمِنْهُ: الدَّمُ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى وَالْمُرَادُ بِهِ مَا دُونَ النَّفْسِ إذَا وَجَبَ لَهُ فِي حَيَاتِهِ ثُمَّ مَاتَ مِنْ غَيْرِ سِرَايَتِهِ بَعْدَ طَلَبِهِ. وَمِنْهُ: خِيَارُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ إذَا طَالَبَ بِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَمِنْهُ الْأَرْضُ الْخَرَاجِيَّةُ الَّتِي بِيَدِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا حَقٌّ قَدْ أَحْدَثَهُ وَحَازَهُ، وَكَذَلِكَ الْمَوَاتُ الْمُتَحَجِّرُ وَحُقُوقُ الِاخْتِصَاصَاتِ الَّتِي تَحْتَ يَدِهِ كُلُّهَا. وَمِنْهُ: حِصَّةُ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ إذَا قُلْنَا لَا تُمْلَكُ بِالظُّهُورِ فَإِنَّ اشْتِرَاطَهُ لَهَا فِي الْعَقْدِ مَعَ عَمَلِهِ فِي الْمَالِ لِأَجْلِهَا أَبْلَغُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِاللَّفْظِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْغَانِمِ إنْ سَلَّمْنَاهُ عَلَى قَوْلِنَا لَا يَمْلِكُ حِصَّتَهُ بِدُونِ التَّمَلُّكِ فَإِنَّهُ لَمْ يُجَاهِدْ لِلْغَنِيمَةِ وَإِنَّمَا جَاهَدَ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْغَنِيمَةُ تَابِعَةٌ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ يُطَالِبُ بِهِ فَهُوَ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: حُقُوقُ التَّمَلُّكَاتِ وَالْحُقُوقُ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَالِيَّةٍ فَبَعَثَتْ وَحَدِّ الْقَذْفِ فَفِيهِ قَوْلَانِ فِي الْمَذْهَبِ أَشْهَرُهُمَا: أَنَّهُ لَا يُورَثُ وَيَنْدَرِجُ فِي ذَلِكَ صُوَرٌ. مِنْهَا: الشُّفْعَةُ فَلَا تُورَثُ مُطَالَبَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَهُ مَأْخَذَانِ أَشَارَ إلَيْهِمَا أَحْمَدُ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ حَقٌّ لَهُ فَلَا يَثْبُتُ بِدُونِ مُطَالَبَتِهِ بِهِ وَلَوْ عَلِمَتْ رَغْبَتُهُ مِنْ غَيْرِ مُطَالَبَتِهِ لَكَفَى فِي الْإِرْثِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّ حَقَّهُ فِيهَا سَقَطَ بِتَرْكِهِ وَإِعْرَاضِهِ لَاسِيَّمَا عَلَى قَوْلِنَا إنَّهَا عَلَى الْفَوْرِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ غَائِبًا فَلَهُمْ الْمُطَالَبَةُ وَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ عَلَى الْأَوَّلِ وَنَقَلَ عَنْهُ أَبُو طَالِبٍ إذَا مَاتَ صَاحِبُ الشُّفْعَةِ فَلِوَلَدِهِ أَنْ يَطْلُبُوا الشُّفْعَةَ تُوَرِّثُهُ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ لَهُمْ الْمُطَالَبَةَ بِهَا بِكُلِّ حَالٍ فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِبَقَاءِ إرْثِهَا فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا وَغَيْرِهِ وَقَدْ وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي كَلَامِهِ فِي ثُبُوتِ الْإِرْثِ فِيهَا. وَمِنْهَا: حَقُّ الْفَسْخِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ فَلَا تُورَثُ بِغَيْرِ مُطَالَبَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ وَجْهًا آخَرَ بِإِرْثِهِ مُطْلَقًا. وَمِنْهَا الْفَسْخُ الثَّابِتُ بِالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ فَلَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْمُطَالَبَةِ أَيْضًا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ تَخْرِيجُ الْخِلَافِ فِيهِ، وَعَنْ أَحْمَدَ فِي الْهِبَةِ الْمُخَصَّصِ بِهَا بَعْضُ الْوَلَدِ إذَا مَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ التَّعْدِيلِ وَالرُّجُوعِ هَلْ لِلْوَرَثَةِ الرُّجُوعُ أَمْ لَا؟ رِوَايَتَانِ، وَمَأْخَذُهُمَا أَنَّ رُجُوعَ الْوَالِدِ فِي هَذِهِ الْهِبَةِ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ الثَّابِتَةِ لِلْوَالِدِ دُونَ غَيْرِهِ فَلَا يَقُومُ فِيهِ مَقَامَهُ أَوْ هُوَ ثَابِتٌ لِاسْتِدْرَاكِ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ؟ وَعَلَى هَذَا هَلْ هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ لِحَقِّ نَفْسِهِ حَيْثُ ظَلَمَ وَاعْتَدَى فَأَمَرَ بِالتَّعْدِيلِ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْهُ سَقَطَ أَوْ هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ لِحَقِّ بَقِيَّةِ الْأَوْلَادِ الْمَظْلُومِينَ فَيَثْبُتُ لَهُمْ الرَّدُّ إذَا تَعَذَّرَ الرَّدُّ مِنْ جِهَتِهِ؟ وَمِنْهَا حَدُّ الْقَذْفِ فَلَا يُورَثُ بِدُونِ الْمُطَالَبَةِ أَيْضًا نَصَّ عَلَيْهِ وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهِ وَجْهًا بِالْإِرْثِ وَالْمُطَالَبَةِ. وَمِنْهَا: الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ يَسْقُطُ بِدُونِ الطَّلَبِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ يَسْتَوْفِي، وَعَلَّلُوا بِأَنَّهُ يَسْقُطُ إلَى مَالٍ فَهُوَ كَخِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ. وَمِنْهَا: خِيَارُ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ وُصُولِهَا إلَيْهِ. كَذَلِكَ نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرِينَ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْقَبُولِ. وَقَالَ الْخِرَقِيِّ يَثْبُتُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ لِوَرَثَةِ الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَزِمَتْ بِمَوْتِ الْمُوصِي فَهِيَ كَالْمَمْلُوكَةِ وَنَقَلَ صَالِحٌ عَنْ أَبِيهِ إذَا أَوْصَى لِقَرَابَتِهِ أَوْ أَهْلِ بَيْتِهِ ثُمَّ مَاتَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ الْمَيِّتِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ وَقَدْ وَجَبَتْ الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ مَنْ أَوْصَى لَهُ إذَا كَانَ حَيًّا أَوْصَى لَهُ. قَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ وَهَذَا نَصٌّ لِمَا قَالَ الْخِرَقِيِّ وَلَيْسَ بِنَصٍّ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَثْبَتَ مِلْكًا بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ أَوْ بِالْقَبُولِ، فَلَيْسَ فِي النَّصِّ مَا يَنْفِيهِ صَرِيحًا وَرِوَايَةُ ابْنِ مَنْصُورٍ بِالْبُطْلَانِ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهَا لِلْقَبُولِ بَلْ لِلْقَبْضِ. الضَّرْبُ الثَّانِي: حُقُوقُ أَمْلَاكٍ ثَابِتَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِالْأَمْلَاكِ الْمَوْرُوثَةِ فَيَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ بِانْتِقَالِ الْأَمْوَالِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا بِدُونِ الْمُطَالَبَةِ بِخِلَافِ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْحُقُوقَ فِيهِ مِنْ حُقُوقِ الْمَالِكِينَ لَا مِنْ حُقُوقِ الْأَمْلَاكِ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ عِنْدَنَا لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْمُسْلِمِ. وَمِنْ صُوَرِ ذَلِكَ: الرَّهْنُ فَإِذَا مَاتَ وَلَهُ دَيْنٌ بِرَهْنٍ انْتَقَلَ بِرَهْنِهِ إلَى الْوَرَثَةِ. وَمِنْهَا: الْكَفِيلُ وَهُوَ كَالرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ تَوْثِقَةٌ فَهُوَ كَالشَّهَادَةِ، وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ يَسْتَوْفِي مِنْهُ الْمَالَ كَالرَّهْنِ وَالضَّابِطُ عِنْدَهُ أَنَّ مَا فِيهِ مَالٌ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ وَمَا لَا فَلَا. وَمِنْهَا: الضَّمَانُ فَإِذَا مَاتَ وَلَهُ دَيْنٌ لَهُ بِهِ ضَامِنٌ انْتَقَلَ إلَى الْوَرَثَةِ مَضْمُونًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَحَالَ بِهِ رَبُّ الدَّيْنِ فِي حَيَاتِهِ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ الضَّمَانُ بِالْحَوَالَةِ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَيْسَ بِخَلِيفَةٍ لِرَبِّ الدَّيْنِ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِحُقُوقِهِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ. وَمِنْهَا: الْأَجَلُ فَلَا يَحِلُّ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ إذَا أَوْثَقَهُ الْوَرَثَةُ بِرَهْنٍ أَوْ كَفِيلٍ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَمِنْهَا: الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَقَدْ تَرَدَّدَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ هَلْ هُوَ ثَابِتٌ ابْتِدَاءً أَوْ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ؟ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ إرْثٌ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ إنَّمَا يَثْبُتُ لِمَنْ كَانَ الْعَقْدُ لَهُ وَالْخِيَارُ الثَّابِتُ بِفَوَاتِ الصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ مِثْلُهُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَيْضًا مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ فِيهِ الْأَرْشُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ التَّخْرِيجِ أَنَّ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً إلَى أَجَلٍ ثُمَّ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَاشْتَرَاهَا الْبَائِعُ مِنْ وَارِثِهِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَمْلِكُهَا عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَرُدُّهَا عَلَى بَائِعِهَا بِالْعَيْبِ فَصَارَ الشِّرَاءُ مِنْهُ كَالشِّرَاءِ مِنْ الْمُورِثِ، وَهَذَا غَرِيبٌ، وَهُوَ يُشْبِهُ الْوَجْهَ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي بِنَاءِ الْوَارِثِ عَلَى حَوْلِ الْمُورِثِ فِي الزَّكَاةِ. النَّوْعُ الثَّانِي: الْحُقُوقُ الَّتِي هِيَ عَلَى الْمَوْرُوثِ، فَإِذَا كَانَتْ لَازِمَةً قَامَ الْوَارِثُ مَقَامَهُ فَيُقَامُ الْوَارِثُ مَقَامَهُ فِي إيفَائِهَا وَإِنْ كَانَتْ جَائِزَةً، فَإِنْ بَطَلَتْ بِالْمَوْتِ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ لَمْ تَبْطُلْ بِالْمَوْتِ فَالْوَارِثُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فِي إمْضَائِهَا وَرَدِّهَا وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ:. مِنْهَا: إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ أَوْ أَوْصَى بِوَصَايَا فَلِلْوَرَثَةِ تَنْفِيذُهَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ وَصِيًّا. وَمِنْهَا: إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ عِبَادَةٌ وَاجِبَةٌ تُفْعَلُ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَالْحَجِّ وَالْمَنْذُورَاتِ فَإِنَّ الْوَرَثَةَ يَفْعَلُونَهَا عَنْهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ فَعَلَهَا عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ بِدُونِ إذْنِهِمْ فَفِي الْإِجْزَاءِ وَجْهَانِ وَكَذَلِكَ الْكَفَّارَاتُ الْوَاجِبَةُ بِالْمَالِ قَالَ فِي الْمُغْنِي إنْ أَعْتَقَ فِيهَا الْأَجْنَبِيُّ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ أَعْتَقَ الْوَارِثُ صَحَّ؛؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَوْرُوثِ فِي مَالٍ وَأَدَاءِ وَاجِبَاتِهِ، وَفِي الْبُلْغَةِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ صَحَّ عِتْقُهُ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَمْ يَصِحَّ عِتْقُهُ عَنْهُ وَيَصِحُّ إطْعَامُهُ عَنْهُ، وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّ فَلَا يَصِحُّ عِتْقُهُ عَنْهُ وَفِي صِحَّةِ إطْعَامِهِ عَنْهُ وَجْهَانِ، وَلَوْ مَاتَ مَنْ أَوْجَبَ أُضْحِيَّةً قَبْلَ ذَبْحِهَا فَالْوَارِثُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الذَّبْحِ. تَنْبِيهٌ: كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ يُطْلِقُ ذِكْرَ الْوَارِثِ هُنَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: هُوَ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْخِرَقِيِّ: هُوَ الْوَارِثُ مِنْ الْعَصَبَةِ، فَأَمَّا الْوَارِثُ بِالشُّفْعَةِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَصَبَاتُ وَذَوُو الْفُرُوضِ وَالرَّحِمِ، وَأَمَّا الْوَارِثُ لِحَدِّ الْقَذْفِ فَكَذَلِكَ عَلَى الْمَنْصُوصِ وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِالْعَصَبَةِ وَقِيلَ بِمَنْ عَدَا الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْوَرَثَةِ. وَمِنْهَا: إذَا مَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَ إقْبَاضِ الرَّهْنِ الَّذِي لَا يَلْزَمُهُ بِدُونِ قَبْضٍ فَوَارِثُهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فِي اخْتِيَارِ التَّقْبِيضِ وَالِامْتِنَاعِ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَالُوا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَأَبِي طَالِبٍ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَئُولَ إلَى اللُّزُومِ فَلَا يَبْطُلُ فِي الْمَوْتِ كَالْبَيْعِ فِي مُدَّةٍ الْخِيَارِ، بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ مَعَ أَنَّ فِي الْمُضَارَبَةِ خِلَافًا سَبَقَ. وَمِنْهَا: إذَا مَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ لُزُومِ الْهِبَةِ بِالْقَبْضِ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ كَالرَّهْنِ قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَالثَّانِي: يَبْطُلُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَاخْتِيَارِ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَقَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْهِبَةِ فِي الصِّحَّةِ، وَأَمَّا الْعَطِيَّةُ فِي الْمَرَضِ إذَا مَاتَ قَبْلَ إقْبَاضِهَا فَجُعِلَا الْوَرَثَةُ فِيهَا بِالْخِيَارِ لِشَبَهِهَا بِالْوَصِيَّةِ.
مِنْهَا: أَنَّ الْمَبْتُوتَةَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ تَرِثُ فِي الْعِدَّةِ دُونَ مَا بَعْدَهَا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَانِعٌ مِنْ الْإِرْثِ فَلَمَّا قَصَدَ بِهِ الْفِرَارَ مِنْ الْحَقِّ الْمُنْعَقِدِ سَبَبُهُ ضَعْفٌ مِنْهُ فَلَمْ يَعْمَلْ فِي الْمَنْعِ مَا دَامَتْ عُلَقُ الزَّوْجِيَّةِ قَائِمَةً. وَمِنْهَا: تَحْرِيمُ نِكَاحِ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا الْبَائِنَ. وَالْخَامِسَةُ فِي عِدَّةِ الرَّابِعَةِ تَنْزِيلًا لِحَالَةِ الْعِدَّةِ مَنْزِلَةَ حَالَةِ النِّكَاحِ. وَمِنْهَا: أَنَّ الْعِدَّتَيْنِ مِنْ رَجُلَيْنِ لَا يَتَدَاخَلَانِ فَإِذَا وُطِئَتْ الْبَائِنُ بِشُبْهَةٍ فِي عِدَّتِهَا أَتَمَّتْ عِدَّةَ الْأَوَّلِ وَاسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ لِلثَّانِي عَلَى الْمَذْهَبِ فَلَا تَكُونُ مَحْبُوسَةً عَلَى رَجُلَيْنِ فِي عِدَّةٍ وَاحِدَةٍ، كَمَا لَا يُحْبَسُ عَلَيْهِمَا فِي نِكَاحٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ بِشُبْهَةٍ هُوَ الزَّوْجُ تَدَاخَلَتْ الْعِدَّتَانِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ، إلَّا أَنْ تَحْمِلَ مِنْ أَحَدِ الوطأين فَفِي التَّدَاخُلِ وَجْهَانِ لِكَوْنِ الْعِدَّتَيْنِ مِنْ جِنْسَيْنِ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِيمَا إذَا وُطِئَتْ زَوْجَةُ الطِّفْلِ ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا ثُمَّ وَضَعَتْ قَبْلَ تَمَامِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تُكْمِلَ عِدَّةَ الْوَفَاةِ، قَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ وَظَاهِرُ هَذَا تَدَاخُلُ الْعِدَّتَيْنِ. وَمِنْهَا: لَوْ طَلَّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ نَكَحَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَفِيهَا طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الرَّجْعِيَّةِ إذَا رُوجِعَتْ أَوْ طَلُقَتْ فِي الْعِدَّةِ قَبْلَ الْإِصَابَةِ هَلْ تَبْنِي أَوْ تَسْتَأْنِفُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ وَالْمُحَرَّرِ. وَالثَّانِي: تَبْنِي هُنَا رِوَايَةً وَاحِدَةً وَهُوَ مَا فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي وَعُمَدِ الْأَدِلَّةِ لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ الثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ بِالْبَيْنُونَةِ بِخِلَافِ الرَّجْعِيَّةِ. وَمِنْهَا: لَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ وَزَوْجَتُهُ ذِمِّيَّةٌ فَأَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ قَبْلَ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ فَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ البرزاطي عَلَى أَنَّهَا تَرِثُ مَا لَمْ تُنْقَضْ عِدَّتُهَا، وَعَلَى هَذَا فَلَوْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ أَوَّلًا ثُمَّ مَاتَتْ فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ لَمْ يَرِثْهَا زَوْجُهَا الْكَافِرُ وَلَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لِانْقِطَاعِ عُلَقِ الزَّوْجِيَّةِ عَنْهُ بِمَوْتِهَا، وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ لَا يَتَوَارَثَانِ بِالْإِسْلَامِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بِحَالٍ، قَالَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ خِلَافُهُ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا يَرِثُ الزَّوْجَانِ مِنْ الدِّيَةِ سَوَاءٌ قِيلَ بِحُدُوثِهَا عَلَى مِلْكِهِمْ أَوْ عَلَى مِلْكِ الْمَوْرُوثِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي الْمَنْصُوصَ عَنْ أَحْمَدَ، وَأَمَّا نَفَقَةُ الْبَائِنِ فَإِنْ كَانَتْ بِفَسْخٍ أَوْ طَلَاقٍ فَلَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ مَعَ الْحَمْلِ وَإِلَّا فَلَا، هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ فِي مُقَابَلَةِ التَّمْكِينِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَلَا مَعَ النُّشُوزِ وَعَنْهُ لَهَا السُّكْنَى خَاصَّةً إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا، وَعَنْهُ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى حَكَاهَا ابْنُ الزاغوني وَغَيْرُهُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ هِيَ كَالزَّوْجَةِ يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ وَالتَّجَوُّلُ بِإِذْنِ الزَّوْجِ مُطْلَقًا.
مِنْهَا: أَنَّ فِي إبَاحَتِهَا فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ رِوَايَتَيْنِ، وَعَلَى رِوَايَةِ التَّحْرِيمِ فَهَلْ يَجِبُ لَهَا الْمَهْرُ بِالْوَطْءِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَمِنْهَا: أَنَّ طَلَاقَهَا فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ طَلَاقُ بِدْعَةٍ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَمِنْهَا: أَنَّ الْإِيلَاءَ مِنْهَا هَلْ يَصِحُّ مِنْهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَمِنْهَا: هَلْ يَصِحُّ اخْتِيَارُهَا لِزَوْجِهَا إذَا عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَمِنْهَا: لَوْ نَكَحَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا زَوْجًا آخَرَ فَخَلَى بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقُلْنَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِالْخَلْوَةِ وَثَبَّتَتْ الرَّجْعَةُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ثُمَّ وَطِئَهَا فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ فَهَلْ يَحِلُّهَا لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّرْغِيبِ. وَمِنْهَا: إذَا عَلِقَتْ الرَّجْعِيَّةُ فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ بِوَلَدٍ فَهَلْ تَلْحَقُ بِمُطَلَّقِهَا أَمْ لَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَمِنْهَا: أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ مِنْ طِفْلِهَا هَلْ تَعُودُ إلَى حَضَانَتِهِ فِي مُدَّةِ الرَّجْعَةِ أَمْ لَا تَعُودُ حَتَّى تَنْقَضِي عِدَّتُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَمِنْهَا: لَوْ مَاتَ زَوْجُ الرَّجْعِيَّةِ فَهَلْ تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ أَوْ تَعْتَدُّ بِأَطْوَلِهِمَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَمِنْهَا: أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ يَجِبُ عَلَيْهَا لُزُومُ مَنْزِلِهَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَقِيلَ هِيَ كَالزَّوْجَةِ يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ وَالتَّجَوُّلُ بِإِذْنِ الزَّوْجِ مُطْلَقًا.
مِنْهَا: الْمِيرَاثُ وَالدِّيَةُ، وَمِنْهَا: الْعَقِيقَةُ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ. وَمِنْهَا: الشَّهَادَةُ وَالْعِتْقُ، فَيَعْدِلُ عِتْقُ امْرَأَتَيْنِ بِعِتْقِ رَجُلٍ فِي الْفِكَاكِ مِنْ النَّارِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ، وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: كَذَلِكَ. وَالثَّانِيَة: وَجَعَلَهَا الْمَذْهَبَ: أَنَّ عِتْقَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَمِنْهَا: عَطِيَّةُ الْأَوْلَادِ فِي الْحَيَاةِ فَإِنَّ الْمَشْرُوعَ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ الْمِيرَاثِ خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ. وَمِنْهَا: الصَّلَاةُ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تَسْقُطُ عَنْهَا الصَّلَاةُ أَيَّامَ الْحَيْضِ، وَأَكْثَرُ الْحَيْضِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَهُوَ نِصْفُ الشَّهْرِ.
وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا: وَلَدُ الْأُمِّ يُدْلُونَ بِالْأُمِّ وَيَرِثُونَ مَعَهَا؛ لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَ بِالْأُخُوَّةِ لَا بِالْأُمُومَةِ. وَالثَّانِيَة: الْجَدَّةُ أُمُّ الْأَبِ تَرِثُ مَعَ الْأَبِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَرِثُ مِيرَاثَ جَدَّةٍ لَا مِيرَاثَ جَدٍّ.
عَلَى رِوَايَتَيْنِ، فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ بَنَاهُمَا عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ بَنَاهُمَا عَلَى أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ هَلْ هُوَ عُصْبَةُ وَارِثٍ أَمْ لَا؟ وَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا إذَا أَقَرَّ الْإِمَامُ بِنَسَبِ مَنْ لَا يُعْلَمُ لَهُ وَارِثٌ مُعَيَّنٌ قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْإِمَامُ نَائِبُهُمْ، وَهَذَا كَأَنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِتَوْرِيثِ بَيْتِ الْمَالِ، وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي إجَازَةِ الْإِمَامِ وَصِيَّةَ مَنْ وَصَّى بِكُلِّ مَالِهِ وَقُلْنَا لَا يَجُوزُ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثُّلُثِ. وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّ مَنْ قُتِلَ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَلِلْإِمَامِ الْعَفْوُ عَنْ قَاتِلِهِ إلَى الدِّيَةِ وَلَيْسَ لَهُ الْعَفْوُ مَجَّانًا؛ لِأَنَّهُ كَتَوْرِيثِ الْقَاتِلِ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يُقْتَصَّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ قَدْ سَبَقَ ذِكْرُ مَأْخَذِهِمَا. وَمِنْهَا: الْأَمْوَالُ الَّتِي يُجْهَلُ رَبُّهَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ مِنْهَا بِخِلَافِ مَا عُلِمَ رَبُّهَا، وَقَدْ سَبَقَ مِنْ ذَلِكَ صُوَرٌ عَدِيدَةٌ. وَمِنْهَا: إذَا مَاتَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ فَهَلْ يَحِلُّ؟ قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُجَرَّدِ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي: يَحِلُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ يَسْتَحِقُّهُ الْوَارِثُ وَقَدْ عُدِمَ هُنَا. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ احْتِمَالَيْنِ؛ لِأَنَّ لَهُ وَارِثًا لَكِنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، وَقَدْ يَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا مَا إذَا مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ وَلَا وَارِثَ لَهُ، هَلْ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ أَمْ لَا؟ فَإِنَّ أَحْمَدَ نَصَّ فِيمَنْ اكْتَرَى بَعِيرًا لِيَحُجَّ عَلَيْهِ فَمَاتَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَإِنْ عَادَ الْبَعِيرُ خَالِيًا فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا وَجَبَ لَهُ، وَوَجَّهَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي غَيْرَهُ بِأَنَّهُ تَعَذَّرَ انْتِفَاعُهُ فِي بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ يَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَةَ فَانْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ بِذَلِكَ. وَصَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْإِمَامَ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ إذَا مَاتَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ بِهَا، وَفِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ لِابْنِ عَقِيلٍ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ كَذَلِكَ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ. وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَالَ الْمُسْتَحَقَّ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالزَّكَاةِ لَا تَقِفُ أَدَاؤُهُ عَلَى مُطَالَبَتِهِمْ وَلَا عَلَى مُطَالَبَةِ وَكِيلِهِمْ وَهُوَ الْإِمَامُ، وَلِهَذَا لَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عِنْدَنَا بِتَلَفِ النِّصَابِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ، بِخِلَافِ الْمُسْتَحِقِّ لِمُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْأَدَاءُ إلَيْهِ بِدُونِ مُطَالَبَةٍ.
وَيَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا مَسَائِلُ مُتَعَدِّدَةٌ: مِنْهَا: مَسَائِلُ الْعَيِّنَةِ. وَمِنْهَا: هَدِيَّةُ الْمُقْتَرِضِ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ قَبُولُهَا مِمَّنْ لَمْ يَجْرِ لَهُ مِنْهُ عَادَةً. وَمِنْهَا: هَدِيَّةُ الْمُشْرِكِينَ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهَا عَلَى الْمَذْهَبِ بَلْ هِيَ غَنِيمَةٌ أَوْ فَيْءٌ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْحَابِ. وَمِنْهَا: هَدَايَا الْعُمَّالِ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فِي الْهَدَايَا الَّتِي تُهْدَى لِلْأَمِيرِ فَيُعْطَى مِنْهَا الرَّجُلُ قَالَ: هَذَا الْغُلُولُ، وَمُنِعَ الْأَصْحَابُ مِنْ قَبُولِ الْقَاضِي هَدِيَّةَ مَنْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهَدِيَّتِهِ لَهُ قَبْلَ وِلَايَتِهِ. وَمِنْهَا: هِبَةُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا صَدَاقَهَا إذَا سَأَلَهَا ذَلِكَ، فَإِنَّ سَبَبَهَا طَلَبُ اسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَهَا الرُّجُوعُ فِيهَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ. وَمِنْهَا: الْهَدِيَّةُ لِمَنْ يَشْفَعُ لَهُ بِشَفَاعَةٍ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَجُوزُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَوْمَأَ إلَيْهِ لِأَنَّهَا كَالْأُجْرَةِ، وَالشَّفَاعَةُ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا، وَفِيهِ حَدِيثٌ صَرِيحٌ فِي السُّنَنِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَأَدَّاهَا فَأُهْدِيَتْ إلَيْهِ هَدِيَّةٌ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُهَا إلَّا بِنِيَّةِ الْمُكَافَأَةِ، وَحُكْمُ الْهَدِيَّةِ عِنْدَ أَدَاءِ سَائِرِ الْأَمَانَاتِ حُكْمُ الْوَدِيعَةِ. وَمِنْهَا: مَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاهَانَ فِيمَنْ اشْتَرَى لَحْمًا ثُمَّ اسْتَزَادَ الْبَائِعَ فَزَادَهُ ثُمَّ رَدَّ اللَّحْمَ بِعَيْبٍ فَالزِّيَادَةُ لِصَاحِبِ اللَّحْمِ؛ لِأَنَّهَا أُخِذَتْ بِسَبَبِ اللَّحْمِ فَجَعَلَهَا تَابِعَةً لِلْعَقْدِ فِي الرَّدِّ؛ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَة بِسَبَبِهِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ لَاحِقَةٍ بِهِ. وَتَأَوَّلَهَا الْقَاضِي عَلَى أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مَأْخُوذَةً فِي الْمَجْلِسِ فَلَحِقَتْ بِالْعَقْدِ، وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ مِنْهَا رِوَايَةً بِلُحُوقِ الزِّيَادَةِ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ وَالْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ. وَمِنْهَا: مَاحَكَاهُ الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْمَوْلَى يَتَزَوَّجُ الْعَرَبِيَّةَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهَا بَعْضَ الْمَهْرِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا يَرُدُّوهُ، وَإِنْ كَانَ أَهْدَى هَدِيَّةً يَرُدُّونَهَا عَلَيْهِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَهَبَ لَهُ بِشَرْطِ بَقَاءِ الْعَقْدِ فَإِذَا زَالَ مَلَكَ الرُّجُوعَ بِهَا كَالْهِبَةِ بِشَرْطِ الثَّوَابِ انْتَهَى. وَهَذَا فِي الْفُرْقَةِ الْقَهْرِيَّةِ لِفَقْدِ الْكَفَاءَةِ وَنَحْوِهَا ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ الْفُرْقَةُ الِاخْتِيَارِيَّةُ الْمُقَسِّطَةُ لِلْمَهْرِ فَأَمَّا النَّسْخُ الْمُقَرَّرُ لِلْمَهْرِ أَوْ نِصْفِهِ فَتَثْبُتُ مَعَهُ الْهَدِيَّةُ. فَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْعَطِيَّةُ لِغَيْرِ الْمُتَعَاقِدِينَ لِسَبَبِ الْعَقْدِ كَأُجْرَةِ الدَّلَّالِ وَنَحْوِهَا فَفِي النَّظَرِيَّاتِ لِابْنِ عَقِيلٍ: أَنَّ فَسْخَ الْبَيْعِ بِإِقَالَةٍ وَنَحْوِهَا لَمْ يَقِفْ عَلَى التَّرَاضِي فَلَا يَرُدُّ الْأُجْرَةَ وَإِنْ فَسَخَ بِخِيَارٍ أَوْ عَيْبٍ رُدَّتْ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ اللُّزُومِ وَعَدَمِهِ، وَقِيَاسُهُ فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ إنْ فُسِخَ لِفَقْدِ الْكَفَاءَةِ أَوْ الْعَيْبِ رُدَّتْ، وَإِنْ فُسِخَ لِرِدَّةٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُخَالَعَةٍ لَمْ تُرَدَّ.
وَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ مَسَائِلُ: مِنْهَا: كِنَايَاتُ الطَّلَاقِ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ وَالْخُصُومَةِ لَا يُقْبَلُ دَعْوَى إرَادَةِ غَيْرِ الطَّلَاقِ بِهَا. وَمِنْهَا: كِنَايَاتُ الْقَذْفِ وَحُكْمُهَا كَذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ، حَتَّى إنَّ ابْنَ عَقِيلٍ جَعَلَهَا مَعَ دَلَالَةِ الْحَالِ صَرَائِحَ. وَمِنْهَا: لَوْ تَلَفَّظَ الْأَسِيرُ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ كُرْهًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَسْرَ دَلِيلُ الْإِكْرَاهِ وَالتَّقِيَّةِ. وَمِنْهَا: لَوْ أَتَى الْكَافِرُ بِالشَّهَادَتَيْنِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِهْزَاءِ وَالْحِكَايَةِ وَقَالَ وَلَمْ أُرِدْ الْإِسْلَامَ مَعَ دَلَالَةِ الْحَالِ عَلَى صِدْقِهِ، فَهَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي فِي رِوَايَتَيْهِ، وَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهِمَا لَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَأَفْتَى جَمَاعَةٌ بِلُزُومِ مَا أَقَرَّ بِهِ. وَمِنْهَا: لَوْ أَقَرَّ الْمَحْبُوسُ أَوْ الْمَضْرُوبُ عُدْوَانًا ثُمَّ ادَّعَى الْإِكْرَاهَ قُبِلَ قَوْلُهُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَلَوْ أُحْضِرَ إلَى سُلْطَانٍ فَأَقَرَّ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ دَهَشَ وَلَمْ يَعْقِلْ مَا أَقَرَّ بِهِ لَمْ يُقْبَلْ. نَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا. وَيَتَخَرَّجُ قَبُولُهُ إذَا ظَهَرَتْ مِنْهُ أَمَارَةُ ذَلِكَ مِنْ تَلَجْلُجِهِ فِي كَلَامٍ وَرِعْدَةٍ وَنَحْوِهَا. وَمِنْهَا: لَوْ دَخَلَ حَرْبِيٌّ إلَيْنَا وَمَعَهُ سِلَاحٌ فَادَّعَى أَنَّهُ جَاءَ مُسْتَأْمَنًا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ سِلَاحٌ قُبِلَ نَصَّ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ جَاءَ بَعْضُ عَسْكَرِنَا بِحَرْبِيٍّ وَادَّعَى أَنَّهُ أَسَرَهُ وَقَالَ: بَلْ أَمَّنْتَنِي، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ. وَثَالِثُهَا: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ يَدُلُّ الْحَالُ عَلَى صِدْقِهِ لِضَعْفِهِ أَوْ قُوَّتِهِ. وَمِنْهَا: لَوْ جَاءَ الْمُكَاتَبُ سَيِّدَهُ بِتَمَامِ كِتَابَتِهِ فَقَبَضَهَا السَّيِّدُ ثُمَّ قَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ بَانَ الْمَالُ مُسْتَحَقًّا وَقَالَ السَّيِّدُ: إنَّمَا أَرَدْتُ الْإِخْبَارَ بِعِتْقِهِ بِالْأَدَاءِ وَلَمْ أُرِدْ تَنْجِيزَ عِتْقِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنِ عَقِيلٍ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيّ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ خَرَجْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَاسْتَعَارَتْ امْرَأَةٌ ثِيَابَهَا فَلَبِسَتْهَا فَأَبْصَرَهَا زَوْجُهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنْ الْبَابِ فَقَالَ قَدْ فَعَلْت أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ يَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَنَصَّ عَلَى وُقُوعِ طَلَاقِهِ، مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ الْإِخْبَارَ بِوُقُوعِ طَلَاقِهَا الْمَحْلُوفِ بِهِ عَلَى خُرُوجِهَا وَلَمْ يُدْنِيهِ فِي ذَلِكَ. وَأَيْضًا فَلَوْ قِيلَ أَنَّهُ قَصَدَ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ إنَّمَا أَوْقَعَهُ عَلَيْهَا بِخُرُوجِهَا الَّذِي مَنَعَهَا مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا، وَهَذَا يَشْهَدُ لِقَوْلِ الْقَاضِي فِيمَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ دَخَلَتْ الدَّارَ. بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَنَّهَا تَطْلُقُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ قَدْ دَخَلَتْ أَوْ لَمْ تَدْخُلْ، خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ إذَا لَمْ تَكُنْ دَخَلَتْ مِنْ قَبْلُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا طَلَّقَهَا لِعِلَّةٍ فَلَا يَثْبُتُ الطَّلَاقُ بِدُونِهَا، وَكَذَلِكَ أَفْتَى ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ فِيمَنْ قِيلَ لَهُ قَدْ زَنَتْ زَوْجَتُك فَقَالَ هِيَ طَالِقٌ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ زَنَتْ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ. وَجَعْلُ السَّبَبِ كَالشَّرْطِ اللَّفْظِيِّ أَوْلَى، وَهَذَا هُوَ قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ. وَمِنْهَا: لَوْ سَرَقَ عَيْنًا وَادَّعَى أَنَّهَا مِلْكُهُ فَفِي قَطْعِهِ رِوَايَتَانِ. ثَالِثُهَا: إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالسَّرِقَةِ قُطِعَ وَإِلَّا فَلَا صَحَّحَهَا، صَاحِبُ التَّرْغِيبِ. وَمِنْهَا: لَوْ ادَّعَى دَفْعَ ثَوْبِهِ إلَى مَنْ يَخِيطُهُ أَوْ يُقَصِّرُهُ أَوْ رَكِبَ سَفِينَةً وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِأَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ. وَمِنْهَا: الْهِبَةُ الَّتِي يُرَادُ بِهَا الثَّوَابُ بِدَلَالَةِ حَالِ الْوَاهِبِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، نَقَلَ حَنْبَلٌ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ نَاعِمْ، وَالْمَشْهُورُ خِلَافُهُ. وَمِنْهَا: لَوْ وُجِدَ لَقِيطٌ وَبِجَنْبِهِ مَالٌ ظَاهِرٌ أَوْ مَدْفُونٌ طَرِيًّا فَإِنَّهُ يُحْكَمُ لَهُ بِهِ. وَكَذَلِكَ مَا يَكُونُ بِالْقُرْبِ مِنْ الْإِنْسَانِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ مَتَاعٍ أَوْ طَعَامٍ وَنَحْوِهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، قَالَ: كَذَلِكَ رزمة الثِّيَابِ تَشَاجَرُ الْحَطَبِ يُحْكَمُ بِهَا لِلْوَاقِفِ بِقُرْبِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَاهِدٌ وَضَعَهَا عَنْهُ لِلِاسْتِرَاحَةِ فَكَأَنَّهُ عَلَى رَأْسِهِ انْتَهَى. وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَنْ كَانَ يَلِيقُ بِهِ حَمْلُهَا دُونَ مَنْ لَا يَحْمِلُهَا مِثْلُهُ. وَمِنْهَا: لَوْ تَنَازَعَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَمَا صَلُحَ لِلرَّجُلِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ وَمَا صَلُحَ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اخْتَلَفَ صَانِعَانِ فِي آلَةِ دُكَّانٍ لَهُمَا أَوْ نَازَعَ رَبُّ الدَّارِ خَيَّاطًا فِيهَا فِي إبْرَةٍ أَوْ مِقَصٍّ، أَوْ تَنَازَعَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي رَفٍّ مَقْلُوعٍ أَوْ مِصْرَاعٍ لَهُ شَكْلٌ مَنْصُوبٌ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ اللَّوْثُ فِي الْقَسَامَةِ وَالْقَضَاءِ بِمَعَاقِدِ الْقِمْطِ وَهُوَ رِوَايَةٌ حَكَاهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى وَإِلْحَاقُ النَّسَبِ بِالْقَافَّةِ. وَمِنْهَا: لَوْ ادَّعَى دَعْوَى يَشْهَدُ الظَّاهِرُ بِكَذِبِهَا مِثْلُ أَنْ ادَّعَى عَلَى الْخَلِيفَةِ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ مَا فِيهِ ثِقَلٌ وَحَمَلَهَا بِيَدِهِ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَإِنْ أَطْلَقَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ فَفِي سَمَاعِهَا قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ لَهَا أَصْلًا رِوَايَتَانِ لِاحْتِمَالِ مُعَامَلَتِهِ بِوَكِيلِهِ. وَمِنْهَا: لَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي قَدْرِ الْمَهْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي مَهْرَ الْمِثْلِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.
وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْإِنْسَانِ أُصُولُهُ وَفُرُوعُهُ، وَفُرُوعُ أَصْلِهِ الْأَدْنَى وَإِنْ سَفَلْنَ، وَفُرُوعُ أُصُولِهِ الْبَعِيدَةِ دُونَ بَنَاتِهِنَّ فَيَدْخُلُ فِي أُصُولِهِ: أُمُّهُ وَأُمُّ أُمِّهِ وَأُمُّ أَبِيهِ وَإِنْ عَلَوْنَ، وَدَخَلَ فِي فُرُوعِهِ: بِنْتُهُ وَبِنْتُ بِنْتِهِ وَبِنْتُ ابْنِهِ وَإِنْ نَزَلْنَ، وَدَخَلَ فِي فَرْعِ أَصْلِهِ الْأَدْنَى: أَخَوَاتُهُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا وَبَنَاتُهُنَّ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَأَوْلَادُهُمْ وَإِنْ سَفَلْنَ، وَدَخَلَ فِي فُرُوعِ أُصُولِهِ الْبَعِيدَةِ: الْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ وَعَمَّاتُ الْأَبَوَيْنِ وَخَالَاتُهُمَا وَإِنْ عَلَوْنَ. وَلَمْ يَبْقَ مِنْ الْأَقَارِبِ حَلَالًا سِوَى أُصُولِ فُرُوعِهِ الْبَعِيدَةِ وَهُنَّ بَنَاتُ الْعَمِّ وَبَنَاتُ الْعَمَّاتِ وَبَنَاتُ الْخَالِ وَبَنَاتُ الْخَالَاتِ.
وَهُنَّ أَقَارِبُ الزَّوْجَيْنِ وَكُلُّهُنَّ حَلَالٌ إلَّا أَرْبَعَةَ أَصْنَافٍ حَلَائِلُ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَأُمَّهَاتِ النِّسَاءِ وَبَنَاتِ النِّسَاءِ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ. فَيَحْرُمُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ أُصُولُ الْآخَرِ وَفُرُوعُهُ فَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أُمُّ امْرَأَتِهِ وَأُمُّ أَبِيهَا وَإِنْ عَلَتْ. وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ بِنْتُ امْرَأَتِهِ وَهِيَ الرَّبِيبَةُ وَبِنْتُ بِنْتِهَا وَإِنْ سَفَلَتْ، وَتَحْرُمُ بِنْتُ الرَّبِيبِ أَيْضًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِامْرَأَةِ أَبِيهِ وَإِنْ عَلَا، وَامْرَأَةِ ابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ.
فَكُلُّ امْرَأَتَيْنِ بَيْنَهُمَا رَحِمٌ مَحْرَمٌ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِحَيْثُ لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّزَوُّجُ بِالْأُخْرَى لِأَجْلِ النَّسَبِ دُونَ الصِّهْرِ. فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَإِنْ عَلَتْ وَلَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ خَالَتِهَا وَإِنْ عَلَتْ، وَلَا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَلَا بَيْنَ الْبِنْتِ وَأُمِّهَا وَإِنْ عَلَتْ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ: لَا يَجْمَعُ الرَّجُلُ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا رَجُلًا لَمْ يَصْلُحْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ بِإِسْنَادِهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا لِأَجْلِ النَّسَبِ دُونَ الصِّهْرِ لِيَخْرُجَ مِنْ ذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ زَوْجَةِ رَجُلٍ وَابْنَتِهِ مِنْ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ مُبَاحٌ إذْ لَا مَحْرَمِيَّةَ بَيْنَهُمَا لِيُخْشَى عَلَيْهِمَا الْقَطِيعَةَ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَى هَذَا مَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَحْرِيمٌ مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَحَرْبٍ، وَتَوَقَّفَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِي كَوْنِ تَشْبِيهِ الزَّوْجَةِ بِالْمُحَرَّمَةِ مِنْ الرَّضَاعِ ظَاهِرًا فَدَلَّ أَنَّ تَحْرِيمَ الرَّضَاعِ لَا يُسَاوِي تَحْرِيمَ النَّسَبِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَيَحْرُمُ بِهِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ فِي الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ فَلَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ نِكَاحُ زَوْجَتِهِ وَابْنَتِهَا مِنْ الرَّضَاعِ، وَلَا عَلَى الْمَرْأَةِ نِكَاحُ أَبِي زَوْجِهَا وَابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ. وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ بدينا فِي حَلِيلَةِ الِابْنِ مِنْ الرَّضَاعِ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، يُحَرَّمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يُحَرَّمُ مِنْ النَّسَبِ. وَلَيْسَ عَلَى هَذَا الضَّابِطِ إيرَادٌ صَحِيحٌ سِوَى الْمُرْضِعَةِ بِلَبَنِ الزِّنَا، وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ كَالْبِنْتِ مِنْ الزِّنَا فَلَا إيرَادَ إذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
|