الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.الكلام على البسملة: يا هذا الأيام ثلاثة أمس قد مضى بما فيه وغدًا لعلك لا تدركه وإنما هو يومك هذا فاجتهد فيه لله در من تنبه لنفسه وتزود لرسمه واستدرك ما مضى من أمسه قبل طول حبسه. يا نائمًا في لهوه وما نام الحافظ لاحظ نور الهدى فلاحظ إلا للملاحظ وحافظ على التقى فقد فاز المحافظ وخذ حذرك فقد أنذرك العاتبان الغلائظ ولا تغتر ببرد العيش فزمان الحساب قائظ وتذكر وقت الرحلة حمل الثقيل الباهظ ولا تلتفت إلى المادح فكم قد ضر مدح قارظ وتيقظ للخلاص فما ينجو إلا متياقظ يا مدبرًا أمر دنياه ونسي أخراه فخفف النداء اللافظ عجائب الدهر تغني عن وعظ كل واعظ. إخواني تدبروا الأمور تدبر ناظر وأصغوا إلى ناصحكم والقلب حاضر واحذروا غضب الحليم وهتك الساتر وتأهبوا للحِمام فسيوفه بواتر وهاجروا إلى دار الإنابة بهجران الجرائر وصابروا عدوكم مصابرة صابر وتهيأوا للرحيل إلى عسكر المقابر قبل أن يبل وابل الدموع ثرى المحاجر ويندم العاصي ويخسر الفاجر ويتكاثف العرق وتقوى الهواجر وتصعد القلوب إلى أعلى الحناجر ويعز الأمن ويعرض الناصر ويفرح الكامل ويحزن القاصر ويفوت اكتساب الفضائل وتحصيل المفاخر فتأملوا عواقب مصيركم فاللبيب يرى الآخر. أخبرنا يحيى بن علي حدثنا القاضي أبو الحسين السمناني حدثنا أبو الحسن ابن الصامت حدثنا القاضي أبو عبد الله المحاملي حدثنا يوسف بن موسى حدثنا محمد بن بشر حدثنا الجنيد بن أبي العلاء عن محمد بن سعيد عن إسماعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء عن علي الدقاق عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرغوا من الدنيا ما استطعتم فإنه من كانت الدنيا أكبر همه أفشى الله ضيعته وجعل فقره بين عينيه ومن كانت الآخرة أكبر همه جمع الله له أموره وجعل غناه في قلبه وما أقبل عبد بقلبه إلى الله عز وجل إلا جعل الله قلوب المؤمنين تقبل إليه بالود والرحمة وكان الله عز وجل إليه بكل خير أسرع أخبرنا إسماعيل بن أحمد أنبأنا رزق الله أنبأنا ابن شاذان أنبأنا أبو جعفر بن يزيد أنبأنا أبو بكر القرشي أنبأنا يعقوب بن عبيد الله حدثنا يزيد بن هارون حدثنا سفيان الثوري عن زيد الشامي عن مهاجر العامري قال قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه إن أخوف ما أخاف عليكم اثنتان اتباع الهوى وطول الأمل فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق وأما طول الأمل فينسي الآخرة ألا وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة ألا وإن الدنيا قد ولت مدبرة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل. .الكلام على قوله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم}: اعلموا أن إطلاق البصر سبب لأعظم الفتن وهذا القرآن يأمرك باستعمال الحمية عن ما هو سبب الضرر فإذا تعرضت بالتخليط فوقعت إذًا في أذى فلم تضج من أليم الألم أخبرنا إسماعيل ابن أحمد المقري وعبيد الله بن محمد القاضي ويحيى ابن علي المدبر قالوا أنبأنا أبو الحسين بن النقور أنبأنا ابن حبابة حدثنا البغوي حدثنا هدبة حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن سلمة ابن أبي الطفيل عن علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا علي إن لك في الجنة كنزًا وإنك ذو قرنيها فلا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة في هذا الحديث إشكال من أربعة وجوه أحدها من حيث إسناده فربما خيل إلى السامع أنه قد سقط منه رجل لأنه إذا سمع سلمة بن أبي الطفيل عن علي وقد عرف أن أبا الطفيل يروي عن علي يظن ذلك بل هو صحيح وسلمة يروي عن علي أيضًا والثاني الكناية في قوله وإنك ذو قرنيها وفيه وجهان أحدهما أنها كناية عن هذه الأمة كنى عنها من غير ذكر تقدم لها كما قال الله عز وجل: {حتى توارت بالحجاب} يعني الشمس ولم يتقدم لها ذكر والثاني عن الجنة والثالث يعني تسميته بذي القرنين وفيه وجهان أحدهما إن قلنا إن الكناية عن الأمة فإن عليا عليه السلام ضرب على رأسه في الله عز وجل ضربتين الأولى ضربة عمرو بن ود والثانية ابن ملجم كما ضرب ذو القرنين على رأسه ضربة بعد ضربة وإن قلنا الكناية عن الجنة فقرناها جانباها ذكره ابن الأنباري والرابع قوله فلا تتبع النظرة النظرة ربما تخايل أحد جواز القصد للأولى وليس كذلك وإنما الأولى التي لم تقصد وفي أفراد مسلم من حديث جرير بن عبد الله قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فقال اصرف بصرك وهذا لأن النظرة الأولى لم يحضرها القلب فلا يتأمل بها المحاسن ولا يقع الالتذاذ فمتى استدامها بمقدار حضور الذهن كانت كالثانية في الإثم وفي حديث النعمان بن سعد عن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا علي اتق النظرة بعد النظرة فإنها سهم مسموم تورث شهوة في القلب وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال نظر الرجل إلى محاسن المرأة سهم مسموم من سهام إبليس من تركه ابتغاء وجه الله أعطاه الله عز وجل عبادة يجد طعم لذتها وكان عيسى عليه السلام يقول النظرة تزرع في القلب الشهوة وكفى بها خطيئة وقال ابن مسعود رضي الله عنه ما كان من نظرة فإن للشيطان فيها مطمعًا والإثم خراز القلوب وقال من أطلق طرفه كان كثيرًا أسفه وقد كان السلف رضي الله تعالى عنهم يبالغون في الاحتراز من النظر وكان في دار مجاهد علية قد بنيت فبقي ثلاثين سنة ولم يشعر بها وخرج حسان بن أبي سنان يوم عيد فلما عاد قالت له امرأته كم من امراة حسناء قد رأيت فقال والله ما نظرت إلا في إبهامي منذ خرجت من عندك إلى أن رجعت إليك وإنما بالغ السلف في الغض حذرًا من فتنة النظر وخوفًا من عقوبته فاما فتنته فكم من عابد خرج عن صومعته بسبب نظرة وكم استغاث من وقع في تلك الفتنة.قال إبراهيم بن صول:وقال آخر: وقال آخر: وقال آخر: وقال آخر: وقال آخر: وقال آخر: وقال آخر: وقال آخر: وقال آخر: وأما عقوبة النظر فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتشلشل دمًا فقال له مالك فقال مرت بي امرأة فنظرت إليها فلم أزل أتبعها بصري فاستقبلني جدار فضربني فصنع بي ما ثرى فقال إن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيرا عجل له عقوبته في الدنيا أخبرنا أبو بكر بن حبيب أنبأنا أبو سعيد الحبيري أنبأنا ابن باكوية أنبأنا أبو عبد الله الرازي عن أبي يعقوب النهرجوري قال رأيت في الطواف رجلًا بفرد عين وهو يقول في طوافه أعوذ بك منك فقلت له ما هذا الدعاء فقال إني كنت مجاورًا منذ خمسين سنة فنظرت إلى شخص يومًا فاستحسنته فإذا بلطمة وقعت على عيني فسالت على خدي فقلت آه فوقعت أخرى وقائل يقول لو زدت لزدناك أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز أنبأنا أحمد بن علي الحافظ قال كتب لي أبوحاتم أحمد بن الحسين الرازي يذكر أنه سمع محمد بن أحمد بن عبد الوهاب الحافظ يقول قال أبو سعيد أحمد بن محمد الصوفي حدثنا عبد الرحمن بن أحمد بن عيسى عن أبي الأديان قال كنت مع أستاذي أبي بكر الدقاق فمر حدث فنظرت إليه فرآني أستاذي وأنا أنظر إليه فقال يا بني لتجدن غبها ولو بعد حين فبقيت عشرين سنة وأنا أراعي الغب فنمت ليلة وأنا متفكر فيه فأصبحت وقد نسيت القرآن كله أخبرنا أبو بكر الصوفي أنبأنا أبو سعد بن أبي صادق حدثنا أبو عبد الله الشيرازي أنبأنا محمد بن أحمد النجار أخبرني أبو بكر الكتاني قال رأيت بعض أصحابي في المنام فقلت له ما فعل الله بك فقال عرض علي سيئاتي وقال فعلت كذا وكذا فقلت نعم قال وفعلت كذا فقلت نعم قال وفعلت كذا وكذا فاستحييت أن أقر فقلت له ما كان ذلك الذنب فقال مر بي غلام حسن الوجه فنظرت إليه وقد روى عن أبي عبد الله الزراد أنه رئى في المنام فقيل له ما فعل الله بك قال غفر لي كل ذنب أقررت به إلا واحدًا استحييت أن أقر به فأوقفني في العرق حتى سقط لحم وجهي قيل ما كان الذنب قال نظرت إلى شخص جميل وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كل عين باكية يوم القيامة إلا عين غضت عن محارم الله وعين سهرت في سبيل الله وعين يخرج منها مثل رأس الذباب- يعني الدموع- من خشية الله إخواني تذكروا مصير الصور وتفكروا في نزول بيت المدر وتلمحوا بعين لفكر في حال الصفا والكدر واعلموا أنكم في دار البلاء فالحذر الحذر أخبرنا أحمد بن أحمد الهاشمي حدثنا أبو بكر الخطيب حدثنا عبد الرحمن بن محمد النيسابوري أنبأنا محمد بن عبد الله بن شاذان قال سمعت أبا عبد الله القرشي يقول كان لي جار شاب وكان أديبًا وكان يهوى غلامًا أديبًا فنظر يومًا إلى طاقات شعر بيض في عارضيه فوقع له شيء من الفكر فهجر الغلام فكتب إليه الغلام. إخواني الدنيا سموم قاتلة والنفوس عن مكائدها غافلة كم من نظرة تحلو في العاجلة مرارتها لا تطاق في الآجلة يا بن آدم قلبك قلب ضعيف ورأيك في إطلاق الطرف رأي سخيف يا طفل الهوى متى يؤنس منك رشد عينك مطلقة في الحرام ولسانك مهمل في الآثام وجسدك يتعب في كسب الحطام كم نظرة محتقرة زلت بها الأقدام.
|