الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.فوائد لغوية وإعرابية: قال السمين:سورة الليل:{وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ والأنثى (3)}قوله: {وَمَا خَلَقَ}: يجوزُ في {ما} أَنْ تكونَ بمعنى (من) وهو رأيُ جماعةٍ تقدَّم ذِكْرُهمْ في السورةِ قبلَها.وقيل: هي مصدريةٌ.وقال الزمخشري: والقادرُ: العظيمُ القدرةِ الذي قَدَرَ على خَلْقِ الذكَرِ والأنثى من ماء واحد.قلت: قد تقدَّم تقريرُ قولِه هذا وما اعْتُرِضَ به عليه، وما أُجيب عنه، في السورةِ قبلها.وقرأ أبو الدرداء {والذَّكرِ والأنثى} وقرأ عبد الله {والذي خَلَق}، والكسائيُّ ونَقَلها ثعلبٌ عن بعض السَّلَف {وما خَلَقَ الذَّكَرِ} بجرِّ {الذكَرِ} قال الزمخشري: على أنه بدلٌ من محلِّ {ما خَلَقَ} بمعنى (وما خَلَقَه) أي: ومخلوقِ اللَّهِ الذكَرِ، وجاز إضمارُ (الله) لأنه معلومٌ بانفرادِه بالخَلْق.وقال الشيخ: وقد يُخَرَّجُ على تَوَهُّم المصدرِ، أي: وخَلْقِ الذَّكرِ، كقوله:بجرِّ (الراهب) على توهُّمِ النطقِ بالمصدر، أي: كطَوافِ الراهبِ. انتهى. والذي يَظْهَرُ في تخريجِ البيت أنَّ اصلَه (الراهبيّ) بياءِ النسَبِ، نسبةً إلى الصفةِ، ثم خُفِّف، وهو قليلٌ كقولِهم: أَحْمري ودَوَّاري، وهذا التخريجُ بعينِه في قولِ امرئ القيس: استشهد به الكوفيون على تقديمِ الفاعلِ.وقرأ العامَّةُ {تجلى} فعلاً ماضياً، وفاعلُه ضميرٌ عائدٌ على النهار. وعبد الله بن عبيد بن عمير {تتجلى} بتاءَيْن، أي: الشمس. وقرئ {تُجْلي} بضمِّ التاءِ وسكونِ الجيم، أي: الشمسُ ايضاً، ولابد من عائدٍ على النهارِ محذوفٍ، أي: تتجلى أو تُجْلِي فيه.{إِنَّ سَعْيَكُمْ لشتى (4)}قوله: {إِنَّ سَعْيَكُمْ}: هذا جوابُ القسمِ. ويجوزُ أَنْ يكونَ محذوفاً، كما قيلَ في نظائرِه المتقدمةِ.{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى واتقى (5)}قوله: {أعطى}: حَذَفَ مفعولَيْ {أعطى} ومفعولَ {اتقى} ومفعولَ {صَدَّقَ} المجرور بـ: {على}؛ لأنَّ الغرضَ ذِكْرُ هذه الأحداثِ دونَ متعلَّقاتها، وكذلك مُتَعَلَّقا البخل والاستغناءِ. وقوله: {فَسَنُيَسِّرُهُ للعسرى} إمَّا من بابِ المقابلةِ لقولِه: {فَسَنُيَسِّرُهُ لليسرى}، وإمَّا لأنَّ نيسِّره بمعنى نُهَيِّئُه، والتهيئةُ تكونُ في اليُسْر والعُسْر.{وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تردى (11)}قوله: {وَمَا يُغْنِي}: يجوز أَنْ تكونَ (ما) نفياً، وأَنْ تكونَ استفهاماً إنكارياً.قوله: {تردى} إمَّا من الهلاكِ، أو مِنْ تردى بأكفانِه، وهو كنايةٌ عن الموت كقولِه: وقول الآخر: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تلظى (14)}قوله: {نَاراً تلظى}: قد تقدَّم في البقرة أن البزيَّ يُشَدِّد مثلَ التاء، والتشديدُ فيها عَسِرٌ لالتقاءِ الساكنين فيها على غير حَدِّهما، وهو نظيرُ قولِه: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ} [النور: 15] وقد تقدَّم.وقال أبو البقاء: يُقرأ بكسر التنوين وتشديد التاءِ، وقد ذُكِرَ وَجْهُه عند {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الخبيث} [البقرة: 267] انتهى. وهذه قراءة غريبةٌ، ولكنها موافقةٌ للقياس من حيث إنه لم يلتقِ فيها ساكنان. وقوله: وقد ذُكِر وجهُه الذي قاله في البقرة لا يُفيد هنا شيئاً البتة، فإنه قال هناك: ويُقرأ بتشديدِ التاءِ، وقبلَه ألفٌ، وهو جْمعٌ بين ساكنَيْن، وإنما سَوَّغَ ذلك المدُّ الذي في الألفِ.وقرأ ابن الزُّبير وسفيان وزيد بن على وطلحة {تتلظى} بتاءَيْن وهو الأصلُ.{لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الأشقى (15)}قوله: {إِلاَّ الأشقى}: قيل: الأشقى والأتقى بمعنى الشقيّ والتقيّ ولا تفضيلَ فيهما؛ لأنَّ النارَ ليسَتْ مختصةً بالأكثرِ شقاءً، وتجنُّبها ليس مختصاً بالأكثرِ تَقْوى.وقيل: بل هما على بابِهما، وإليه ذهب الزمخشريُّ قال: فإنْ قلتَ: كيف قال: {لا يَصْلاها إلاَّ الأشقى} {وَسَيُجَنَّبُهَا الأتقى} وقد عُلِمَ أنَّ كلَّ شقيّ يَصْلاها، وكلَّ تقيّ يُجَنَّبُها، لا يَخْتَصُّ بالصَّلْي أشقى الأشقياءِ، ولا بالنجاةِ أتقى الأتقياءِ، وإنْ زَعَمْتَ أنه نكَّر النار فأراد ناراً بعينِها مخصوصةً بـ: {الأشقى}، فما تصنع بقوله: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأتقى}؟ فقد عُلِمَ أنَّ أَفْسَقَ المسلمين يُجَنَّبُ تلك النارَ المخصوصةَ لا {الأتقى} منهم خاصة.قلت: الآية واردةٌ في لموازنةِ بين حالتَيْ عظيمٍ من المشركين وعظيمٍ من المؤمنين، فأُريد أَنْ يُبالَغَ في صفتَيْهما المتناقضتَيْن فقيل: {الأشقى}، وجُعِل مختصَّاً بالصَّلْي، كأن النارَ لم تُخْلَقْ إلاَّ له.وقيل: {الأتقى}. وجُعل مختصَّاً بالنجاةِ، كأنَّ الجنةَ لم تُخْلَقْ إلاَّ له.وقيل: هما أبو جهل أو أمية بن خلف وأبو بكر الصديق رضي الله عنه. انتهى.فآل جوابُه إلى أنَّ المرادَ بهما شخصان معيَّنان.{الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يتزكى (18)}قوله: {يتزكى}: قرأ العامَّةُ {يتزكى} مضارعَ تَزَكَّى، والحسن بن على بن الحسن بن على أمير المؤمنين يزكى بإدغامِ التاءِ في الزاي. وفي هذه الجملةِ وجهان.أحدهما: أنها في موضعِ الحالِ من فاعلِ {يُؤْتي} أي: يُؤتيه مُتَزَكِّياً به. والثاني: أنها لا موضعَ لها من الإِعراب، على أنها بدلٌ مِنْ صلة {الذي} ذكرهما الزمخشري. وجعل الشيخُ متكلَّفاً.{وَمَا لِأحد عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تجزى (19)}قوله: {تجزى}: صفةٌ لـ: {نعمةٍ}، أي: تُجْزِي الإِنسانَ، وإنما جيء به مضارعاً مبنياً للمفعولِ لأجلِ الفواصل؛ إذ الأصلُ يُجْزيها إياه أو يُجْزِيه إياها.{إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعلى (20)}قوله: {إِلاَّ ابتغاء}: في نصبِه وجهان.أحدهما: أنه مفعولٌ له.قال الزمخشري: ويجوزُ أَنْ يكونَ مفعولاً له على المعنى؛ لأنَّ المعنى: لا يُؤْتي مالَه إلاَّ ابتغاءَ وَجْهِ ربه لا لمكافأةِ نعمةٍ.وهذا أَخَذَه مِنْ قولِ الفَرَّاء فإنه قال: ونُصِبَ على تأويل: ما أعْطَيْتُك ابتغاءَ جزائِك، بل ابتغاءَ وجهِ اللَّهِ تعالى. والثاني: أنَّه منصوبٌ على الاستثناء المنقطع، إذ لم يندَرِجْ تحت جنسِ {مِنْ نعمة} وهذه قراءة العامَّةِ، أعني النصبَ والمدَّ.وقرأ يحيى برفعِه ممدوداً على البدل مِنْ محلِّ {مِنْ نعمة} لأنَّ محلَّها الرفعُ: إمَّا على الفاعلية، وإمَّا على الابتداءِ، و(من) مزيدةٌ في الوجهَيْن، والبدلُ لغة تميمٍ، لأنهم يُجْرُون المنقطعَ في غيرِ الإِيجاب مجرى المتصل. وأنشد الزمخشريُّ بالوجهَيْن: النصبِ والبدلِ قولَ بشرِ بنِ أبي خازم: وقولَ القائلِ في الرفع: وقال مكي: وأجاز الفراء الرفعَ في {ابتغاء} على البدل مِنْ موضع {نِعْمَةٍ} وهو بعيدٌ.قلت: كأنَّه لم يَطِّلِعْ عليها، قراءة، واستبعادُه هو البعيدُ، فإنَّها لغةٌ فاشيةٌ.وقرأ ابنُ ابي عبلة {ابْتِغا} بالقصر.{وَلَسَوْفَ يرضى (21)}قوله: {وَلَسَوْفَ يرضى}: هذا جوابُ قَسَمٍ مضمرٍ. والعامَّةُ على {يرضى} مبنياً للفاعلِ. وقرئ ببنائِه للمفعول مِنْ أَرْضاه الله، وهو قريبٌ مِنْ قولِه في آخرِ سورةِ طه {لَعَلَّكَ ترضى} و{ترضى} [طه: 130]. اهـ.
|