الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال عبد الكريم الخطيب: وقوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنا للهدى}أي إن علينا أن نبين للإنسان طريق الهدى، ونكشف له عنه، بما أودعنا فيه من عقل، وما بعثنا إليه من رسل، وما أنزلنا من كتب.. فهذه كلها أنوار كاشفة تكشف للإنسان عن وجه الحق والخير، وعن وجوه الضلال والشر..ثم إن للإنسان أن يختار الطريق الذي يسلكه..فالهدى، غير الهداية.. ولهذا جاء النظم القرآنى: {إِنَّ عَلَيْنا للهدى} ولو جاء هكذا: {إن علينا للهدآية} لكان على اللّه أن يهدى الناس جميعا، وأن يكون ذلك على سبيل القهر والإلزام، وهذا مالم يقع في حكمة اللّه، ولم يكن من تدبيره سبحانه وتعالى.. بل جعل اللّه للإنسان كسبا يكسبه بإرادته، وعملا بعمله باختياره، حتى يحقق وجوده كإنسان، ويثبت ذاتيته كخليفة اللّه على الأرض.. وبهذا يستأهل الثواب والعقاب!، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها} (13: السجدة).. وهذا لا يتعارض مع ماللّه سبحانه من مشيئة مطلقة غالبة.. ولكنّ مشيئة اللّه تدور في فلكها مشيئة الإنسان، التي بها يقضى في أموره، ويأخذ الطريق الذي يختاره ويرضاه.فالإنسان- فيما يرى نفسه- مطلق المشيئة، وإن كان مقيدا، حرّ الإرادة، وإن كان مجبرا..وقوله تعالى: {وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ والأولى}..للمفسرون مجمعون على أن الآخرة، هي الحياة الآخرة، وأن الأولى هي الحياة الدنيا..والرأى عندنا- واللّه أعلم- أن الآخرة والأولى، هما اليسرى والعسرى، اللتان أشار إليهما سبحانه وتعالى في الآيات السابقة.. وفى ذلك إشارة إلى أن اختيار الإنسان لليسرى أو العسرى، وإن بدا أنه اختيار مطلق، هو مقيد بمشيئة اللّه، محكوم بإرادته، إذ كلّ مردّه إلى اللّه، في واقع الأمر، وكلّ صائر إلى حكمه، وما قضى به في عباده: {وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ} (29: التكوير).. ربّ العالمين {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} (39: الأنعام)..وقوله تعالى: {فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تلظى لا يَصْلاها إِلَّا الأشقى الَّذِي كَذَّبَ وتولى}..وهذا مما أشار إليه سبحانه وتعالى في قوله: {إِنَّ عَلَيْنا للهدى}.. ومن هذا الهدى ما أنذر اللّه به عباده، على يد رسله، من عذاب أليم في الآخرة، لمن رأى الضلال، وسلك مسالكه، ورأى الهدى، فحاد عنه، وصرف نفسه عن طريقه..وقوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأتقى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يتزكى وَما لِأحد عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تجزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعلى وَلَسَوْفَ يرضى}..والسلامة من هذا البلاء، والنجاة من ذلك العذاب، إنما هي لمن اتقى اللّه، وخاف عذابه، وأنفق المال طالبا زكاة نفسه، وتطهيرها، مبتغيا بذلك وجه ربه الأعلى، المالك كلّ شيء، القائم على كل شيء، لا يريد بما أنفق جزاء ولا شكورا من أحد من عباد اللّه.. فمن فعل ذلك ابتغاء وجه اللّه، أرضاه للّه وأقرّ عينه بما عمل.. إنه أرضى ربه، فكان حقّا على اللّه أن يرضيه..وفى لفظ {الأشقى} و{الأتقى} ما يفيد المبالغة في كل من الشّقوة والتقوى، وفى هذا ما يدعو الشقي إلى التخفف مما يزيد في شقوته، حتى لا يزداد بذلك عذابه، كما يدعو التقىّ أن يزداد في تقواه ما استطاع، حتى يزداد بذلك بعدا من النار، وقربا من الجنة.. اهـ..قال ابن عاشور: {إِنَّ عَلَيْنَا للهدى (12)}استئناف مقرّر لمضمون الكلام السابق من قوله: {فأما من أعطى} إلى قوله: {للعسرى} [الليل: 5 10]، وذلك لإِلقاء التبعة على من صار إلى العسرى بأن الله أعذر إليه إذ هداه بدعوة الإسلام إلى الخير فأعرض عن الاهتداء باختياره اكتسابَ السيئات، فإن التيسير لليسرى يحصل عند ميل العبد إلى عمل الحسنات، والتيْسير للعسرى يحصل عند ميله إلى عمل السيئات.وذلك الميل هو المعبَّرُ عنه بالكسب عند الأشعري، وسماه المعتزلة: قدرة العبد، وهو أيضاً الذي اشتبه على الجبرية فسمَّوْه الجبر.وتأكيد الخبر بـ: {إنَّ} ولام الابتداء يومئ إلى أن هذا كالجواب عما يجيش في نفوس أهل الضلال عند سماع الإِنذار السابق من تكذيبه بأن الله لو شاء منهم مَا دعاهم إليه لألجأهم إلى الإِيمان.فقد حكي عنهم في الآية الأخرى: {وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم} [الزخرف: 20].وحرف (على) إذا وقع بين اسم وما يدل على فِعل يُفيد معنى اللزوم، أي لازم لنا هُدَى الناس، وهذا التزام من الله اقتضاه فضله وحكمته فتولى إرشاد الناس إلى الخير قبل أن يؤأخذهم بسوء أعمالهم التي هي فساد فيما صنع الله من الأعيان والأنظمة التي أقام عليها فطرة نظام العالم، فهدى الله الإنسان بأن خلقه قابلاً للتمييز بين الصلاح والفساد ثم عزز ذلك بأن أرسل إليه رُسلاً مبينين لما قد يخفى أمرُه من الأفعال أو يشتبه على الناس فساده بصلاحه ومنبهين الناس لما قد يغفلون عنه من سابق ما علموه.وعطف {وإن لنا للآخرة والأولى} على جملة: {إن علينا للهدى} تتميم وتنبيه على أن تعهّد الله لعباده بالهُدى فضلٌ منه وإلا فإن الدار الآخرة ملكه والدار الأولى ملكه بما فيهما قال تعالى: {وللَّه ملك السماوات والأرض وما بينهما} [المائدة: 17] فله التصرف فيهما كيف يشاء فلا يحسبوا أن عليهم حقاً على الله تعالى إلا ما تفضل به.وفي الآية إشارة عظيمة إلى أن أمور الجزاء في الأخرى تجري على ما رتبه الله وأعلم به عباده.وأن نظام أمور الدنيا وترتب مسبباته على أسبابه أمر قد وضعه الله تعالى وأمر بالحفاظ عليه وأرشد وهدى، فمن فرط في شيء من ذلك فقد استحق ما تسبب فيه.{فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تلظى (14)}يجوز أن تكون الفاء لمجرد التفريع الذِكري إذا كان فعل: {أنذرتكم} مستعملاً في ماضيه حقيقةً وكان المراد الإِنذار الذي اشتمل عليه قوله: {وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى} إلى قوله: {تردى} [الليل: 8 11].وهذه الفاء يشبه معناها معنى فاء الفصيحة لأنها تدلّ على مراعاة مضمون الكلام الذي قبلها وهو تفريع إنذار مفصَّلٍ على إنذارٍ مجمل.ويجوز أن تكون الفاء للتفريع المعنوي فيكون فعلُ {أنذرتكم} مراداً به الحال وإنما صيغ في صيغة المضي لتقريب زمان الماضي من الحال كما في: قد قَامت الصلاة، وقولهم: عزمت عليك إلاّ ما فعلت كذا، أي أعزم عليك، ومثل ما في صيغ العقود: كبعتُ، وهو تفريع على جملة: {إن علينا للهدى} [الليل: 12] والمعنى: هديكم فأنذرتكم إبلاغاً في الهدى.وتنكير {ناراً} للتهويل، وجملة {تلظى} نعت.وتلظى: تلتهب من شدة الاشتعال.وهو مشتق من اللّظى مصدر: لَظَيَتْ النار كرَضيتْ إذا التهبت، وأصل {تلظى} تتلظى بتاءين حذفت أحداهما للاختصار.وجملة {لا يصلاها إلا الأشقى} صفة ثانية أو حال من {ناراً} بعد أن وصفت.وهذه نار خاصة أعدت للكافرين فهي التي في قوله: {فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين} [البقرة: 24] والقرينة على ذلك قوله: {وسيجنبها الأتقى} الآية.وذكر القرطبي أن أبا إسحاق الزجاج قال: هذه الآية التي من أجلها قال أهلُ الإِرجاء بالإِرجاء فزعموا: أن لا يدخل النار إلا كافر، وليس الأمر كما ظنوا: هذه نار موصوفة بعينها لا يصلى هذه النار إلا الذي كذب وتولى، ولأهل النار منازل فمنها أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار اهـ.والمعنى: لا يصلاها إلا أنتم.وقد أتبع {الأشقى} بصفة {الذي كذب وتولى} لزيادة التنصيص على أنهم المقصود بذلك فإنهم يعلمون أنهم كذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم وتولوا، أي أعرضوا عن القرآن، وقد انحصر ذلك الوصف فيهم يومئذ فقد كان الناس في زمن ظهور الإسلام أحد فريقين: إما كافر وإما مؤمن تقي، ولم يكن الذين أسلموا يغشون الكبائر لأنهم أقبلوا على الإِسلام بشراشرهم، ولذلك عطف {وسيجنبها الأتقى} إلخ تصريحاً بمفهوم القصر وتكميلاً للمقابلة.و{الأشقى} و{الأتقى} مراد بهما: الشديد الشقاء والشديد التقوى ومثله كثير في الكلام.وذكر القرطبي: أن مالكاً قال: صلّى بنا عمر بن عبد العزيز المغرب فقرأ {والليل إذا يغشى} فلما بلغ: {فأنذرتكم ناراً تلظى} وقع عليه البكاء فلم يقدر يتعدّاها من البكاء فتركها وقرأ سورة أخرى.ووصف {الأشقى} بصلة {الذي كذب وتولى}، ووصف {الأتقى} بصلة {الذي يؤتى ماله يتزكى} للإِيذان بأن للصلة تسبباً في الحكم.وبين {الأشقى} و{الأتقى} محسن الجناس المضارع.وجملة {يتزكى} حال في ضمير {يؤتي}، وفائدة الحال التنبيه على أنه يؤتي ماله لقصد النفع والزيادة من الثواب تعريضاً بالمشركين الذي يؤتون المال للفخر والرياء والمفاسد والفجور.والتزكي: تكلف الزكاء، وهو النماء من الخير.والمَال: اسم جنس لما يختص به أحد الناس من أشياء ينتفع بذاتها أو بخراجها وغلتها مثل الأنعام والأرضين والآبار الخاصة والأشجار المختص به أربابها.ويطلق عند بعض العرب مثل أهل يثرب على النخيل.وليس في إضافة اسم الجنس ما يفيد العموم، فلا تدل الآية على أنه آتى جميع ماله.وقوله: {وما لأحد عنده من نعمة تجزى} الآية اتفق أهل التأويل على أن أول مقصود بهذه الصلة أبو بكر الصديق رضي الله عنه لمَّا أعتق بلالاً قال المشركون: ما فعل ذلك أبو بكر إلا ليد كانت لبلال عنده.وهو قول من بهتانهم يعللون به أنفسهم كراهية لأن يكون أبو بكر فعل ذلك محبة للمسلمين، فأنزل الله تكذيبهم بقوله: {وما لأحد عنده من نعمة تجزى} مراداً به بعض من شمله عموم {الذي يؤتي ماله يتزكى}، وهذا شبيه بذكر بعض أفراد العام وهو لا يخصص للعموم ولكن هذه لما كانت حالة غير كثيرة في أسباب إيتاء المال تعين أن المراد بها حالة خاصة معروفة بخلاف نحو قوله: {وآتى المال على حبه ذوي القربى} [البقرة: 177]، وقوله: {إنما نطعمكم لوجه اللَّه لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً} [الإنسان: 9].و{عنده} ظرف مكان وهو مستعمل هنا مجازاً في تمكن المعنى من المضاف إليه عنه كتمكن الكائن في المكان القريب، قال الحارث بن حِلِّزَة:و{من نعمة} اسم {ما} النافية جر بـ: {من} الزائدة التي تزاد في النفي لتأكيد النفي، والاستثناء في {إلا ابتغاء وجه ربه} مُنقطع، أي لكن ابتغاء لوجه الله.والابتغاء: الطلب بجد لأنه أبلغ من البغي.والوجه مستعمل مراداً به الذات كقوله تعالى: {ويبقى وجه ربك} [الرحمن: 27].ومعنى ابتغاء الذات ابتغاء رضا الله.وقوله: {ولسوف يرضى} وعد بالثواب الجزيل الذي يرضى صاحبه.وهذا تتميم لقوله: {وسيجنبها الأتقى} لأن ذلك ما أفاد إلا أنه ناج من عذاب النار لاقتضاء المقام الاقتصار على ذلك لقصد المقابلة مع قوله: {لا يصلاها إلا الأشقى} فتمم هنا بذكر ما أعد له من الخيرات.وحرف (سَوف) لتحقيق الوعد في المستقبل كقوله: {قال سوف أستغفر لكم ربي} [يوسف: 98] أي يتغلغل رضاه في أزمنة المستقبل المديد.واللام لام الابتداء لتأكيد الخبر.وهذه من جوامع الكلم لأنها يندرج تحتها كل ما يرغب فيه الراغبون.وبهذه السورة انتهت سورة وسط المفصّل. اهـ. .قال ابن عطية في الآيات السابقة: {وَاللَّيْلِ إِذَا يغشى (1)}أقسم الله بـ: {الليل إذا يغشى} الأرض وجميع ما فيها وب {النهار إذا تجلى}، أي ظهر وضوى الآفاق، ومنه قول الشاعر: الطويل:وقوله تعالى: {وما خلق الذكر والأنثى} يحتمل أن تكون بمعنى الذي كما قالت العرب في سبحان ما سبح الرعد بحمده، وقال أبو عمرو وأهل مكة يقولون للرعد سبحان ما سبحت له، ويحتمل أن تكون {ما} مصدرية، وهو مذهب الزجاج.وقرأ جمهور الصحابة {وما خلق الذكر}.وقرأ على بن أبي طالب وابن عباس وعبد الله بن مسعود وأبو الدرداء وسمعها من النبي صلى الله عليه وسلم وعلقمة وأصحاب عبد الله: {والذكر والأنثى} وسقط عندهم {وما خلق} وذكر ثعلب أن من السلف من قرأ: {وما خلق الذكرِ والأنثى} بخفض {الذكرِ} على البدل من {ما} على أن التقدير وما خلق الله وقراءة على ومن ذكر تشهد لهذه، وقال الحسن: المراد هنا بـ: {الذكر والأنثى} آدم وحواء، وقال غيره عام، و(السعي) العمل، فأخبر تعالى مقسماً أن أعمال العباد شتى، أي مفترقة جدًّا بعضها في رضى الله وبعضها في سخطه، ثم قسم تعالى الساعين فذكر أن من أعطى وظاهر ذلك إعطاء المال، وهي أيضاً تتناول إعطاء الحق في كل شيء، قول وفعل، وكذلك البخل المذكور بعد أن يكون بالإيمان وغيره من الأقوال التي حق الشريعة أن لا يبخل بها.ويروى أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق، وذلك أنه كان يعتق ضعفة العبيد الذين أسلموا وكان ينفق في رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله، وكان الكفار بضد ذلك، وهذا قول من قال السورة كلها مكية، قال عبد الله بن أبي أوفى: نزلت هذه السورة في أبي بكر الصديق وأبي سفيان بن حرب، وقال مقاتل: مر أبو بكر على أبي سفيان وهو يعذب بلالاً فاشتراه منه.وقال السدي: نزلت هذه الآية بسبب أبي الدحداح الأنصاري، وذلك أن نخلة لبعض المنافقين كانت مطلة على دار امرأة من المسلمين لها أيتام فكانت التمر تسقط عليهم فيأكلونه فمنعهم المنافق من ذلك، واشتد عليهم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعنيها بنخلة في الجنة»، فقال: لا أفعل، فبلغ ذلك أبا الدحداح فذهب إليه واشترى منه النخلة بحائط له، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: أنا أشتري النخلة في الجنة بهذه، ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر على الحائط الذي أعطى أبو الدحداح وقد تعلقت أقناؤه فيقول: «وكم قنو معلق لأبي الدحداح في الجنة».وفي البخاري أن هذا اللفظ كان رسول الله صلى الله عيله وسلم يقوله في الأقناء التي كان أبو الدحداح يعلقها في المسجد صدقة، وهذا كله قول من يقول بعض السور مدني، واختلف الناس في {الحسنى} ما هي في هذه السورة، فقال أبو عبد الرحمن السلمي وغيره: هي لا إله إلا الله، وقال ابن عباس وعكرمة وجماعة: هي الخلف الذي وعد الله تعالى به، وذلك نص في حديث الملكين إذ يقول أحدهما: «اللهم اعط منفقاً خلفاً»، ويقول الآخر: «اللهم أعط ممسكاً تلفاً».وقال مجاهد والحسن وجماعة: {الحسنى}: الجنة، وقال كثير من المفسرين {الحسنى}: الأجر والثواب مجملاً، وقوله تعالى: {فسنيسره لليسرى} ومعناه: سيظهر تيسيرنا إياه يتدرج فيه من أعمال الخير وختم بتيسير قد كان في علم الله أولاً، و(اليسرى) الحال الحسنة المرضية في الدنيا والآخرة، و(العسرى): الحال السيئة في الدنيا والآخرة ولابد من جعل بخل في المال خاصة جعل استغنى في المال أيضاً لتعظم المذمة، ومن جعل البخل عاماً في جميع ما ينبغي أن يبذل من قول وفعل قال استغنى عن الله ورحمته بزعمه، ثم وقف تعالى على موضع غناء ماله عنه وقت ترديه، وهذا يدل على أن الإعطاء والبخل المذكورين إنما هما ماله عنه وقت ترديه، وهذا يدل على أن الإعطاء والبخل المذكورين إنما هما في المال، واختلف الناس في معنى {تردى}: فقال قتادة وأبو صالح معناه {تردى} في جهنم، أي سقط من حافاتها، وقال مجاهد: {تردى} معناه هلك من الردى، وقال قوم معناه {تردى} بأكفانه من الرداء، ومنه قول مالك بن الربيب: الطويل: ومنه قول الآخر: الطويل: ثم أخبر تعالى أن عليه هدى الناس جميعاً، أي تعريفهم بالسبل كلها ومنحهم الإدراك، كما قال تعالى: {وعلى الله قصد السبيل} [النحل: 9] ثم كل أحد بعد يتكسب ما قدر له، وليست هذه الهداية بالإرشاد إلى الإيمان، ولو كان كذلك لم يوجد كافر. ثم أخبر تعالى أن {الآخرة والأولى} أي الدارين. وقوله تعالى: {فأنذرتكم} إما مخاطبة وإما على معنى قل لهم يا محمد.وقرأ جمهور السبعة {تلظى} بتخفيف التاء.وقرأ البزي عن ابن كثير بشد التاء وإدغام الراء فيها. وقرأها كذلك عبيد بن عمير، وروي أيضاً عنه {تتلظى} بتاءين وكذلك قرأ ابن الزبير وطلحة، وقوله تعالى: {لا يصلاها إلا الأشقى} أي {لا يصلاها} صلي خلود، ومن هنا ضلت المرجئة لأنها أخذت نفي الصلي مطلقاً في قليله وكثيره، و{الأشقى} هنا، الكافر بدليل قوله الذي كذب، والعرب تجعل أفعل في موضع فاعل مبالغة كما قال طرفة: الطويل:: الليل: (17- 18) {وسيجنبها الأتقى}ولم يختلف اهل التأويل ان المراد بـ: {الأتقى} الى آخر السورة أبو بكر الصديق ثم هي تتناول كل من دخل في هذه الصفات وقوله تعالى: {يتزكى} معناه يتطهر ويتنمى وظاهر هذه الآية انه في المندوبات.الليل: (19) {وما لأحد عنده.....}وقوله تعالى: {وما لأحد عنده} الآية المعنى وليس إعطاؤه ليجزي نعما قد ازلت اليه بل هو مبتدئ ابتغاء وجه الله تعالى وروي في سبب هذا ان قريشا قالوا لما اعتق أبو بكر بلالا كانت لبلال عنده يد وذهب الطبري الى ان المعنى وليس يعطي ليبث نعما يجزى بها يوما ما وينتظر ثوابها وحوم في هذا المعنى وحلق بتطويل غير مغن ويتجه المعنى الذي أراد بأيسر من قوله وذلك ان التقدير (وما لأحد عنده) اعطاء ليقع عليه من ذلك لأحد جزاء بل هو لمجرد ثواب الله تعالى وجزائه.الليل: (20- 21) {إلا ابتغاء وجه.....}وقوله تعالى: {إلا ابتغاء} نصب بالاستثناء المنقطع وفيه نظر والابتغاء الطلب ثم وعده تعالى بالرضى في الآخرة وهذه عدة لأبي بكر رضي الله عنه وقرأ (يرضى) بضم الياء على بناء الفعل للمفعول وهذه الآية تشبه الرضى في قوله تعالى: {ارجعي الى ربك راضية مرضية} الفجر 31 الآية.انتهى. اهـ.
|