الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال ابن عطية في الآيات السابقة: قوله تعالى: {يا أيها المزمل} نداء للنبي صلى الله عليه وسلم، واختلف الناس لم نودي بهذا، فقالت عائشة والنخعي وجماعة: لأنه كان وقت نزول الآية متزملا بكساء، والتزمل: الالتفاف في الثياب بضم وتشمير، ومنه قول امرئ القيس: الطويل:أي ملفوف، وخفض مزمل في هذا البيت هو على الجوار، وإنما هو نعت لكبير، فهو عليه السلام على قول هؤلاء، إنما دعي بهيئة في لباسه. وقال قتادة، كان تزمل في ثيابه للصلاة واستعد فنودي على معنى يا أيها المستعد للعبادة المتزمل لها، وهذا القول مدح له صلى الله عليه وسلم. وقال عكرمة معناه: {يا أيها المزمل} للنبوءة وأعبائها، أي المتشمر المجدّ. وقال جمهور المفسرين والزهري بما في البخاري من أنه عليه السلام لما جاءه الملك في غار حراء وحاوره بما حاوره رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خديجة فقال: زملوني زملوني: فنزلت {يا أيها المدثر} [المدثر: 1]، وعلى هذا نزلت {يا أيها المزمل}. وفي مصحف ابن مسعود وأبي بن كعب {يا أيها المتزمل}. وقرأ بعض السلف {يا أيها المزمّل} بفتح الزاي وتخفيفها وفتح الميم وشدها، والمعنى الذي زمله أهله أو زمل للنبوءة. وقرأ عكرمة {يا أيها المزمِّل} بكسر الميم المشددة وتخفيف الزاي أي المزمل نفسه، واختلف الناس في هذا الأمر بقيام الليل كيف كان؟ فقال جمهور أهل العلم: هو أمر على جهة الندب مذ كان لم يفرض قط، ويؤيد هذا: الحديث الصحيح «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلة في رمضان خلف حصير احتجره فصلى وصلى بصلاته ناس ثم كثروا من الليلة القابلة ثم غص المسجد بهم في الثالثة أو الرابعة فلم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فحصبوا بابه فخرج مغضبا وقال: إني إنما تركت الخروج لأني خفت أن يفرض عليكم». وقيل إنه لم يكلمهم إلا بعد الصبح. وقال آخرون: كان فرضا في وقت نزول هذه الآية. واختلف هؤلاء فقال بعضهم: كان فرضا على النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وبقي كذلك حتى توفي عليه السلام، وقيل: بل نسخ عنه ولم يمت إلا والقيام تطوع، وقال بعضهم: كان فرضا على الجميع ودام الأمر على ما قال سعيد بن جبير عشر سنين، وقالت عائشة وابن عباس دام عاما، وروي عنها أيضا ثمانية أشهر ثم رحمهم الله تعالى. فنزلت: {إن ربك يعلم أنك تقوم} [المزمل: 20] فخفف عنهم. وقال قتادة بقي عاما أو عامين. وقرأ أبو السمال {قمُ الليل} بضم الميم لاجتماع الساكنين، والكسر في كلام العرب أكثر كما قرأ الناس، وقوله تعالى: {نصفه} يحتمل أن يكون بدلا من قوله: {قليلا}، وكيف ما تقلب المعنى، فإنه أمر بقيام نصف الليل أو أكثر شيء أو أقل شيء، فالأكثر عند العلماء لا يزيد على الثلثين، والأقل لا ينحط عن الثلث ويقوي هذا حديث ابن عباس في بيت ميمونة قال: فلما انتصف الليل أو قبله بقليل قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويلزم على هذا الذي ذكرناه أن يكون نصف الليل قد وقع عليه الوصف بقليل، وقد يحتمل عندي قوله: {إلا قليلا}، أن يكون استثناء من القيام، فيجعل الليل اسم جنس، ثم قال: {إلا قليلا}، أي الليالي التي تخل بقيامها عند العذر البين.وهذا النظر يحسن مع القول مع الندب جدا. وقد تكلم الجرجاني رحمه الله في نظمه في هذه الآية بتطويل وتدقيق غير مفيد أكثره غير صحيح. وقرأ الجمهور: {أوُ انقص} بضم الواو، وقرأ الحسن وعاصم وحمزة بكسر الواو، وقرأ عيسى بالوجهين، والضمير في {منه} و{عليه} عائدان على النصف، وقوله تعالى: {ورتل القرآن} معناه في اللغة تمهل وفرق بين الحروف لتبين. والمقصد أن يجد الفكر فسحة للنظر وفهم المعاني، وبذلك يرق القلب ويفيض عليه النور والرحمة. قال ابن كيسان: المراد تفهمه تاليا له ومنه الثغر الرتل الذي بينه فسخ وفتوح. وروي أن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت بينة مترسلة لو شاء أحد أن يعد الحروف لعدها. والقول الثقيل: هو القرآن. واختلف الناس لم سماه {ثقيلا}، فقالت جماعة من المفسرين: لما كان يحل في رسول الله من ثقل الجسم حتى أنه كان إذا أوحي إليّه وهو على ناقته بركت به، وحتى كادت فخذه أن ترض فخذ زيد بن ثابت رحمه الله. وقال أبو العالية والقرطبي: بل سماه {ثقيلا} لثقله على الكفار والمنافقين بإعجازه ووعيده ونحو ذلك. وقال حذاق العلماء: معناه ثقيل المعاني من الأمر بالطاعات والتكاليف الشرعية من الجهاد ومزاولة الأعمال الصالحة دائمة، قال الحسن: إن الهذ خفيف ولكن العمل ثقيل. وقوله تعالى: {إن ناشئة الليل هي أشد وطئا}، قال ابن جبير وابن زيد هي لفظة حبشية نشأ الرجل إذا قام من الليل، ف {ناشئة} على هذا، جمع ناشئ، أي قائم، و{أشد وطئا} معناه ثبوتا واستقلالا بالقيام، {وأقوم قيلا}، أي بخلو أفكارهم وإقبالهم على ما يقرأونه.وقال ابن عمر وأنس بن مالك وعلي بن الحسين: {ناشئة الليل} ما بين المغرب والعشاء، وقالت عائشة ومجاهد: القيام بعد النوم، ومن قام أول الليل قبل النوم فلم يقم ناشئة، وقال ابن جبير وابن زيد وجماعة: {ناشئة الليل} ساعاته كلها لأنها تنشأ شيئا بعد شيء. وقال أبو مجلز وابن عباس وابن الزبير والحسن: ما كان بعد العشاء فهو {ناشئة}، وما كان قبلها فليس ب {ناشئة}، قال ابن عباس: كانت صلاتهم أول الليل فهي {أشد وطئا} أي أجدر أن يحصوا ما فرض الله عليكم من القيام لأن الإنسان إذا نام لا يدري متى يستيقظ؟ وقال الكسائي: {ناشئة الليل} أوله، وقال ابن عباس وابن الزبير: الليل كله {ناشئة} و{أشد وطئا}، على هذا يحتمل أن يكون أشد ثبوتا فيكون نسب الثبوت إليها من حيث هو القائم فيها.ويحتمل أن يريد أنها صعبة القيام لمنعها النوم كما قال «اللهم اشدد وطأتك على مضر» فذكرها تعالى بالصعوبة ليعلم عظم الأجر فيها كما وعد على الوضوء على المكاره والمشي في الظلام إلى المساجد ونحوه. وقرأ الجمهور: {وطْئا} بفتح الواو وسكون الطاء، وقرأ أبو عمرو ومجاهد وابن الزبير وابن عباس: {وطاء} على وزن فعال، والمعنى موافقة لأنه يخلو البال من أشغال النهار وأشغابه، فيوافق قلب المرء لسانه، وفكره عبارته فهذه مواطأة صحيحة، وبهذا المعنى فسر اللفظ مجاهد وغيره، وقرأ قتادة في رواية حسين: {وِطاء} بكسر الواو وسكون الطاء والهمزة مقصورة، وقرأ أنس {وأصوب قيلا}، فقيل له إنما هو {أقوم}، فقال: أقوم وأصوب وأهيأ واحد. وقوله تعالى: {إن لك في النهار سبحا طويلا} أي تصرفا وترددا في أمورك كما يتردد السابح في الماء. ومنه سمي الفرس سابحا لتثنيه واضطرابه، وقال قوم من أهل العلم إنما معنى الآية التنبيه على أنه إن فات حزب الليل بنوم أو عذر فليخلف بالنهار فإن فيه {سبحا طويلا}، وقرأ يحيى بن يعمر وعكرمة: {سبخا طويلا} بالخاء منقوطة، ومعناه خفة لك من التكاليف، والتسبيخ التخفيف، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ولا تسبخي عنه» لعائشة في السارق الذي سرقها، فكانت تدعو عليه، معناه لا تخففي عنه. قال أبو حاتم: فسر يحيى السبح بالنوم.وقال سهل: {واذكر اسم ربك} يراد اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في ابتداء صلاتك، {وتبتل} معناه: انقطع من كل شيء إلا منه وأفرغ إليه. قال زيد بن أسلم: التبتل رفض الدنيا ومنه تبتل الحبل، وقولهم في الهبات ونحوها بتلة، ومنه البتول، و{تبتيلا} مصدر على غير المصدر، وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر: {ربِّ المشرق} بالخفض على البدل من {ربك}، وقرأ الباقون وحفص عن عاصم: {ربُّ} على القطع أي هو رب أو على الابتداء والخبر {لا إله إلا هو}. وقرأ ابن عباس وأصحاب عبد الله: {رب المشارق والمغارب} بالجمع. والوكيل: القائم بالأمر الذي يوكل إليه الأشياء، وقوله تعالى: {واصبر على ما يقولون} الآية، قيل هي موادعة منسوخة بآية السيف، والمراد بالآية قريش. وقال بعض العلماء: قوله: {واهجرهم هجرا جميلا} منسوخ، وأما الصبر على ما يقولون فقد يتوجه أحيانا ويبقى حكمه، وفيما يتوجه من الهجر الجميل من المسلمين، قال أبو الدرداء: إنا لنكشر في وجوه قوم وإن قلوبنا لتقليهم. والقول الأول أظهر لأن الآية إنما هي في كفر قريش وردهم رسالته وإعلائهم بذلك لا يمكن أن يكون الحكم في هذه المعاني باقيا.{وذرْنِي والْمُكذِّبِين أُولِي النّعْمةِ ومهِّلْهُمْ قلِيلا (11)}قوله تعالى: {وذرني والمكذبين} وعيد لهم، ولم يتعرض احد لمنعه منهم، لكنه إبلاغ بمعنى لا تشغل بهم فكرا، وكلهم إليّ. و{النعمة} غضارة العيش وكثرة المال. والمشار إليهم كفار قريش أصحاب إلا مدة يسيرة نحو عام وليس الأمر كذلك، والتقدير الذي يعضده الدليل من إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتضي أن بين الأمرين نحو العشرة الأعوام، ولكن ذلك قليل أمهلوه، و{لدينا} بمنزلة عندنا، و(الأنكال) جمع نكل، وهو القيد من الحديد، ويروى أنها قيود سود من نار، و(الطعام ذو الغصة)، شجرة الزقوم قاله مجاهد وغيره، وقيل شوك من نار وتعترض في حلوقهم لا تخرج ولا تنزل قاله ابن عباس، وكل مطعوم هنالك فهو ذو غصة، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية فصعق، والعامل في قوله: {يوم ترجف}، الفعل الذي تضمنه قوله: {إن لدينا}، وهو استقرار أو ثبوت، والرجفان: الاهتزاز والاضطراب من فزع وهول، و(المهيل) اللين الرخو الذي يذهب بالريح ويجيء مهيلة. والأصل مهيول استثقلت الضمة على الياء فسكنت واجتمع ساكنان فحذفت الواو وكسرت الهاء بسبب الياء. وقوله تعالى: {إنا أرسلنا إليكم} الآية خطاب للعالم، لكن المواجهون قريش، وقوله: {شاهدا عليكم} نحو قوله: {وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} [النساء: 41]، وتمثيله لهم أمرهم بفرعون وعيد كأنه يقول: فحالهم من العذاب والعقاب إن كفروا سائرة إلى مثل حال فرعون، وقوله تعالى: {فعصى فرعون الرسول} يريد موسى عليه السلام، والألف واللام للعهد. والوبيل: الشديد الرديء العقبى، ويقال: كلأ وبيل ومستوبل إذا كان ضارا لما يرعاه. وقوله تعالى: {فكيف تتقون} معناه تجعلون لأنفسكم، و{يوما} مفعول ب {تتقون}، وقيل هو مفعول ب {كفرتم} على أن يجعله بمنزلة جحدتم، ف {تتقون} على هذا من التقوى، أي {تتقون} عقاب الله {يوم}، و{يجعل} يصح أن يكون مسندا إلى اسم الله تعالى، ويصح أن يكون مسندا إلى اليوم. وقوله تعالى: {الولدان شيبا} يريد صغار الأطفال، وقال قوم هذه حقيقة تشيب رؤوسهم من شدة الهول كما قد ترى الشيب في الدنيا من الهم المفرط كهول البحر ونحوه. وقال آخرون من المتأولين: هو تجوز وإبلاغ في وصف هول ذلك اليوم. وواحد {الولدان} وليد، وواحد الشيب أشيب. وقوله تعالى: {السماء منفطر به} قيل هذا على النسب أي ذات انفطار كامرأة حائض وطالق، وقيل السماء تذكر وتؤنث، وينشد في التذكير: الوافر: وقيل من حيث لم يكن تأنيثها حقيقيا، جاز أن تسقط علامة التأنيث لها، وقيل لم يرد اللفظ قصد السماء بعينها وإنما أراد ما علا من مخلوقات الله كأنه قصد السقف فذكر على هذا المعنى، قاله منذر بن سعيد وأبو عبيدة معمر والكسائي: و{الانفطار} التصدع والانشقاق على غير نظام، بقصد، والضمير في {به} قال المنذر وغيره: هو عائد على اليوم، وقال مجاهد: هو عائد على الله تعالى، وهذا نظير قوله: {يوم تشقق السماء بالغمام} [الفرقان: 25] الذي هو ظل يأتي الله فيها. والمعنى يأتي أمره وقدرته، وكذلك هنا {منفطر به} أي بأمره وسلطانه، والضمير في قوله: {وعده} ظاهر أنه لله تعالى. ويحتمل أن يكون لليوم لأنه يضاف إليه من حيث هو منه. اهـ. .قال الشوكاني في الآيات السابقة: قوله: {يأيُّها المزمل}أصله المتزمل، فأدغمت التاء في الزاي، والتزمل: التلفف في الثوب.قرأ الجمهور: {المزمل} بالإدغام.وقرأ أبيّ: {المتزمل} على الأصل.وقرأ عكرمة بتخفيف الزاي، ومثل هذه القراءة قول امرئ القيس:وهذا الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وقد اختلف في معناه، فقال جماعة: إنه كان يتزمل صلى الله عليه وسلم بثيابه في أوّل ما جاءه جبريل بالوحي فرقا منه حتى أنس به.وقيل المعنى: يا أيها المزمل بالنبوّة، والملتزم للرسالة.وبهذا قال عكرمة وكان يقرأ: {يا أيها المزمل} بتخفيف الزاي وفتح الميم مشدّدة اسم مفعول.وقيل المعنى: يا أيها المزمل بالقرآن.وقال الضحاك: تزمل بثيابه لمنامه.وقيل: بلغه من المشركين سوء قول، فتزمل في ثيابه وتدثر، فنزلت: {يأيُّها المزمل} و{يأيُّها المدثر} [المدثر: 1].وقد ثبت أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما سمع صوت الملك، ونظر إليه أخذته الرعدة، فأتى أهله، وقال: «زملوني دثروني» وكان خطابه صلى الله عليه وسلم بهذا الخطاب في أول نزول الوحي.ثم بعد ذلك خوطب بالنبوّة والرسالة {قُمِ اليل إِلاّ قلِيلا} أي: قم للصلاة في الليل.قرأ الجمهور: {قم} بكسر الميم لالتقاء الساكنين.وقرأ أبو السماك بضمها اتباعا لضمة القاف.قال عثمان بن جني: الغرض بهذه الحركة الهرب من التقاء الساكنين فبأيّ حركة تحرك فقد وقع الغرض.وانتصاب الليل على الظرفية.وقيل: إن معنى {قم} صلّ، عبر به عنه واستعير له.واختلف هل كان هذا القيام الذي أمر به فرضا عليه أو نفلا؟ وسيأتي إن شاء الله ما روي في ذلك.وقوله: {إِلاّ قلِيلا} استثناء من الليل أي: صلّ الليل كله إلاّ يسيرا منه، والقليل من الشيء هو ما دون النصف.وقيل: ما دون السدس.وقيل: ما دون العشر.وقال مقاتل، والكلبي: المراد بالقليل هنا الثلث، وقد أغنانا عن هذا الاختلاف قوله: {نّصْفهُ} إلخ، وانتصاب {نصفه} على أنه بدل من الليل.قال الزجاج: نصفه بدل من الليل، وإلاّ قليلا استثناء من النصف، والضمير في منه وعليه عائد إلى النصف.والمعنى: قم نصف الليل، أو انقص من النصف قليلا إلى الثلث، أو زد عليه قليلا إلى الثلثين، فكأنه قال: قم ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه.وقيل: إن نصفه بدل من قوله: {قليلا} فيكون المعنى: قم الليل إلاّ نصفه، أو أقلّ من نصفه، أو أكثر من نصفه، قال الأخفش: نصفه أي: أو نصفه، كما يقال: أعطه درهما درهمين ثلاثة، يريد، أو درهمين، أو ثلاثة.قال الواحدي: قال المفسرون: أو انقص من النصف قليلا إلى الثلث، أو زد على النصف إلى الثلثين، جعل له سعة في مدة قيامه في الليل، وخيره في هذه الساعات للقيام، فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم وطائفة معه يقومون على هذه المقادير، وشقّ ذلك عليهم، فكان الرجل لا يدري كم صلّى، أو كم بقي من الليل، فكان يقوم الليل كله حتى خفف الله عنهم، وقيل: الضميران في {منه} و{عليه} راجعان للأقل من النصف، كأنه قال: قم أقل من نصفه، أو قم أنقص من ذلك الأقلّ، أو أزيد منه قليلا، وهو بعيد جدا، والظاهر أن نصفه بدل من قليلا، والضميران راجعان إلى النصف المبدل من {قليلا}.واختلف في الناسخ لهذا الأمر.وقيل: هو قوله: {إِنّ ربّك يعْلمُ أنّك تقُومُ أدنى مِن ثُلُثىِ اليل ونِصْفهُ وثُلُثهُ} [المزمل: 20] إلى آخر السورة.وقيل: هو قوله: {علِم أن لّن تُحْصُوهُ} وقيل: هو قوله: {علِم أن سيكُونُ مِنكُمْ مرضى}.وقيل: هو منسوخ بالصلوات الخمس، وبهذا قال مقاتل، والشافعي، وابن كيسان.وقيل: هو قوله: {فاقرءوا ما تيسّر مِنْهُ} [المزمل: 20] وذهب الحسن، وابن سيرين إلى أن صلاة الليل فريضة على كل مسلم ولو قدر حلب شاة {ورتّلِ القرءان ترْتِيلا} أي: اقرأه على مهل مع تدبر.قال الضحاك: اقرأه حرفا حرفا.قال الزجاج: هو أن يبيّن جميع الحروف، ويوفي حقها من الإشباع.وأصل الترتيل التنضيد، والتنسيق، وحسن النظام، وتأكيد الفعل بالمصدر يدلّ على المبالغة على وجه لا يلتبس فيه بعض الحروف ببعض، ولا ينقص من النطق بالحرف من مخرجه المعلوم مع استيفاء حركته المعتبرة.{إِنّا سنُلْقِى عليْك قولا ثقِيلا} أي: سنوحي إليك القرآن، وهو قول ثقيل.قال قتادة: ثقيل، والله فرائضه وحدوده.قال مجاهد: حلاله وحرامه.قال الحسن: العمل به.قال أبو العالية: ثقيلا بالوعدوالوعيد، والحلال والحرام.وقال محمد بن كعب: ثقيل على المنافقين والكفار لما فيه من الاحتجاج عليهم والبيان لضلالهم، وسبّ إلهتهم.وقال السديّ: ثقيل بمعنى كريم من قولهم فلان ثقيل عليّ، أي: يكرم عليّ.قال الفراء: ثقيلا رزينا ليس بالخفيف السفساف.لأنه كلام ربنا.وقال الحسين بن الفضل: ثقيلا لا يحمله إلاّ قلب مؤيد بالتوفيق ونفس مزينة بالتوحيد.وقيل: وصفه بكونه ثقيلا حقيقة لما ثبت أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليّه وهو على ناقته وضعت جرانها على الأرض، فما تستطيع أن تتحرّك حتى يسري عنه.{إِنّ ناشِئة اليل} أي: ساعاته وأوقاته؛ لأنها تنشأ أوّلا فأوّلا، يقال: نشأ الشيء ينشأ: إذا ابتدأ وأقبل شيئا بعد شيء، فهو ناشئ، وأنشأه الله فنشأ، ومنه نشأت السحاب: إذا بدأت، فناشئة فاعلة من نشأ ينشأ، فهي ناشئة.قال الزجاج: {ناشئة الليل} كل ما نشأ منه، أي: حدث، فهو ناشئة، قال الواحدي: قال المفسرون: الليل كله ناشئة، والمراد أن ساعات الليل الناشئة، فاكتفى بالوصف عن الاسم الموصوف.وقيل: {إن ناشئة الليل} هي النفس التي تنشأ من مضجعها للعبادة أي: تنهض، من نشأ من مكانه: إذا نهض.وقيل: الناشئة بالحبشية قيام الليل، وقيل: إنما يقال لقيام الليل ناشئة: إذا كان بعد نوم.قال ابن الأعرابي: إذا نمت من أوّل الليل ثم قمت فتلك المنشأة والنشأة، ومنه ناشئة الليل.قيل: و{ناشئة الليل} هي ما بين المغرب والعشاء، لأن معنى نشأ ابتدأ، ومنه قول نصيب: قال عكرمة، وعطاء: {إن ناشئة الليل} بدوّ الليل.وقال مجاهد وغيره: هي في الليل كله؛ لأنه ينشأ بعد النهار، واختار هذا مالك.وقال ابن كيسان: هي القيام من آخر الليل.قال في الصحاح: {ناشئة الليل} أوّل ساعاته.وقال الحسن: هي ما بعد العشاء الآخرة إلى الصبح {هِى أشدُّ وطْأ} قرأ الجمهور: {وطأ} بفتح الواو وسكون الطاء مقصورة، واختار هذه القراءة أبو حاتم.وقرأ أبو العالية، وابن أبي إسحاق، ومجاهد، وأبو عمرو، وابن عامر، وحميد، وابن محيصن، والمغيرة، وأبو حيوة بكسر الواو وفتح الطاء ممدودة، واختار هذه القراءة أبو عبيد، فالمعنى على القراءة الأولى أن الصلاة في ناشئة الليل أثقل على المصلي من صلاة النهار؛ لأن الليل للنوم.قال ابن قتيبة: المعنى أنها أثقل على المصلي من ساعات النهار، من قول العرب: اشتدّت على القوم وطأة السلطان: إذا ثقل عليهم ما يلزمهم منه، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «اللّهمّ اشدد وطأتك على مضر» والمعنى على القراءة الثانية أنها أشدّ مواطأة، أي: موافقة، من قولهم: واطأت فلانا على كذا مواطأة ووطاء: إذا وافقته عليه.قال مجاهد، وابن أبي مليكة: أي أشد موافقة بين السمع والبصر، والقلب واللسان لانقطاع الأصوات والحركات فيها، ومنه {لّيُواطِئُواْ عِدّة ما حرّم الله} [التوبة: 37] أي: ليوافقوا.وقال الأخفش: أشدّ قياما.وقال الفرّاء أي: أثبت للعمل، وأدوم لمن أراد الاستكثار من العبادة، والليل وقت الفراغ عن الاشتغال بالمعاش، فعبادته تدوم ولا تنقطع.وقال الكلبي: أشدّ نشاطا {وأقْومُ قِيلا} أي: وأشدّ مقالا، وأثبت قراءة لحضور القلب فيها وهدوء الأصوات، وأشدّ استقامة واستمرارا على الصواب؛ لأن الأصوات فيها هادئة والدنيا ساكنة، فلا يضطرب على المصلي ما يقرؤه.قال قتادة، ومجاهد: أي أصوب للقراءة، وأثبت للقول؛ لأنه زمان التفهم.قال أبو عليّ الفارسي: أقوم قليلا، أي: أشدّ استقامة لفراغ البال بالليل.قال الكلبي: أي أبين قولا بالقرآن.وقال عكرمة: أي أتمّ نشاطا وإخلاصا وأكثر بركة.وقال ابن زيد: أجدر أن يتفقه في القرآن.وقيل: أعجل إجابة للدعاء.{إِنّ لك في النهار سبْحا طوِيلا} قرأ الجمهور: {سبحا} بالحاء المهملة أي: تصرفا في حوائجك، وإقبالا وإدبارا، وذهابا ومجيئا.والسبح: الجري والدوران، ومنه السباحة في الماء لتقلبه ببدنه ورجليه، وفرس سابح، أي: شديد الجري.وقيل: السبح الفراغ أي: إن لك فراغا بالنهار للحاجات، فصلّ بالليل.قال ابن قتيبة: أي تصرّفا، وإقبالا وإدبارا في حوائجك وأشغالك.وقال الخليل: إن لك في النهار سبحا، أي: نوما، والتسبح التمدّد.قال الزجاج: المعنى إن فاتك في الليل شيء فلك في النهار فراغ للاستدراك.وقرأ يحيى بن يعمر، وأبو وائل، وابن أبي عبلة: {سبخا} بالخاء المعجمة.قيل: ومعنى هذه القراءة: الخفة والسعة والاستراحة.قال الأصمعي: يقال: سبخ الله عنك الحمى، أي: خففها، وسبخ الحرّ فتر وخفّ، ومنه قول الشاعر: أي: خفف عنك الهمّ.والتسبيخ من القطن: ما ينسج بعد الندف، ومنه قول الأخطل: قال ثعلب: السبخ بالخاء المعجمة التردّد والاضطراب، والسبخ السكون.وقال أبو عمرو: السبخ النوم والفراغ.{واذكر اسم ربّك} أي: ادعه بأسمائه الحسنى.وقيل: اقرأ باسم ربك في ابتداء صلاتك، وقيل: اذكر اسم ربك في وعده ووعيده لتوفر على طاعته، وتبعد عن معصيته.وقيل المعنى: دم على ذكر ربك ليلا ونهارا، واستكثر من ذلك.وقال الكلبي: المعنى صلّ لربك {وتبتّلْ إِليْهِ تبْتِيلا} أي: انقطع إليه انقطاعا بالاشتغال بعبادته، والتبتل: الانقطاع، يقال: بتلت الشيء أي: قطعته وميزته من غيره، وصدقة بتلة، أي: منقطعة من مال صاحبها، ويقال للراهب متبتل: لانقطاعه عن الناس، ومنه قول الشاعر: ووضع {تبتيلا} مكان تبتلا لرعاية الفواصل.قال الواحدي: والتبتل رفض الدنيا وما فيها والتماس ما عند الله.{رّبُّ المشرق والمغرب} قرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر، وابن عامر بجرّ {ربّ} على النعت لـ: {ربك}، أو البدل منه، أو البيان له.وقرأ الباقون برفعه على أنه مبتدأ، وخبره {لا إله إِلاّ هُو} أو على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هو ربّ المشرق، وقرأ زيد بن عليّ بنصبه على المدح.وقرأ الجمهور: {المشرق والمغرب} مفردين.وقرأ ابن مسعود، وابن عباس {المشارق والمغارب} على الجمع.وقد قدّمنا تفسير {المشرق والمغرب}، و{المشرقين والمغربين}، و{المشارق والمغارب} {فاتخذه وكِيلا} أي: إذا عرفت أنه المختص بالربوبية، فاتخذه وكيلا، أي: قائما بأمورك، وعوّل عليه في جميعها.وقيل: كفيلا بما وعدك من الجزاء والنصر {واصبر على ما يقولون} من الأذى والسب والاستهزاء، ولا تجزع من ذلك {واهجرهم هجْرا جمِيلا} أي: لا تتعرّض لهم، ولا تشتغل بمكافأتهم.وقيل: الهجر الجميل الذي لا جزع فيه.وهذا كان قبل الأمر بالقتال.{وذرْنِى والمكذبين} أي: دعني وإياهم، ولا تهتم بهم فإني أكفيك أمرهم وأنتقم لك منهم.قيل: نزلت في المطعمين يوم بدر، وهم عشرة وقد تقدّم ذكرهم.وقال يحيى بن سلام: هم بنو المغيرة.وقال سعيد بن جبير: أخبرت أنهم اثنا عشر {أُوْلِى النعمة} أي: أرباب الغنى والسعة والترفه واللذة في الدنيا {ومهّلْهُمْ قلِيلا} أي: تمهيلا قليلا على أنه نعت لمصدر محذوف، أو زمانا قليلا على أنه صفة لزمان محذوف، والمعنى أمهلهم إلى انقضاء آجالهم.وقيل: إلى نزول عقوبة الدنيا بهم كيوم بدر، والأول أولى لقوله: {إِنّ لديْنا أنكالا} وما بعده، فإنه وعيد لهم بعذاب الآخرة، والأنكال جمع نكل، وهو القيد، كذا قال الحسن، ومجاهد، وغيرهما.وقال الكلبي: الأنكال: الأغلال، والأوّل أعرف في اللغة، ومنه قول الخنساء: وقال مقاتل: هي أنواع العذاب الشديد.وقال أبو عمران الجوني: هي قيود لا تحلّ {وجحِيما} أي: نارا مؤججة {وطعاما ذا غُصّةٍ} أي: لا يسوغ في الحلق بل ينشب فيه، فلا ينزل، ولا يخرج.قال مجاهد: هو الزقوم.وقال الزجاج: هو الضريع، كما قال: {لّيْس لهُمْ طعامٌ إِلاّ مِن ضرِيعٍ} [الغاشية: 6] قال: وهو شوك العوسج، قال عكرمة: هو شوك يأخذ بالحلق لا يدخل ولا يخرج، والغصة: الشجا في الحلق، وهو ما ينشب فيه من عظم أو غيره، وجمعها غصص {وعذابا ألِيما} أي: ونوعا آخر من العذاب غير ما ذكر.{يوْم ترْجُفُ الأرض والجبال} انتصاب الظرف إما بذرني، أو بالاستقرار المتعلق به لدينا، أو هو صفة لعذاب، فيتعلق بمحذوف أي: عذابا واقعا يوم ترجف، أو متعلق ب {أليما}.قرأ الجمهور: {ترجف} بفتح التاء وضم الجيم مبنيا للفاعل، وقرأ زيد بن عليّ على البناء للمفعول. مأخوذ من أرجفها، والمعنى: تتحرك وتضطرب بمن عليها، والرجفة: الزلزلة والرعدة الشديدة {وكانتِ الجبال كثِيبا مّهِيلا} أي: وتكون الجبال، وإنما عبر عنه بالماضي لتحقق وقوعه، والكثيب الرمل المجتمع، والمهيل الذي يمرّ تحت الأرجل.قال الواحدي: أي رملا سائلا يقال لكل شيء أرسلته إرسالا من تراب، أو طعام: أهلته هيلا.قال الضحاك، والكلبي: المهيل الذي إذا وطئته بالقدم زلّ من تحتها، وإذا أخذت أسفله انهال.ومنه قول حسان: {إِنّا أرْسلْنا إِليْكُمْ رسُولا شاهدا عليْكُمْ} الخطاب لأهل مكة أو لكفار العرب أو لجميع الكفار.والرسول محمد، والمعنى: يشهد عليكم يوم القيامة بأعمالكم {كما أرْسلْنا إلى فِرْعوْن رسُولا} يعني: موسى.{فعصى فِرْعوْنُ الرسول} الذي أرسلناه إليه وكذبه، ولم يؤمن بما جاء به، ومحل الكاف النصب على أنها نعت لمصدر محذوف، والمعنى: إنا أرسلنا إليكم رسولا فعصيتموه، كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصاه {فأخذناه أخْذا وبِيلا} أي: شديدا ثقيلا غليظا، والمعنى: عاقبنا فرعون عقوبة شديدة غليظة بالغرق؛ وفيه تخويف لأهل مكة أنه سينزل بهم من العقوبة مثل ما نزل به، وإن اختلف نوع العقوبة.قال الزجاج أي: ثقيلا غليظا، ومنه قيل للمطر: وابل.وقال الأخفش: شديدا، والمعنى متقارب، ومنه طعام وبيل: إذا كان لا يستمرأ، ومنه قول الخنساء: {فكيْف تتّقُون} أي: كيف تقون أنفسكم {إِن كفرْتُمْ} أي: إن بقيتم على كفركم {يوْما} أي: عذاب يوم {يجْعلُ الولدان شِيبا} لشدّة هوله، أي: يصير الولدان شيوخا، والشيب جمع أشيب، وهذا يجوز أن يكون حقيقة، وأنهم يصيرون كذلك، أو تمثيلا؛ لأن من شاهد الهول العظيم تقاصرت قواه وضعفت أعضاؤه، وصار كالشيخ في الضعف وسقوط القوّة، وفي هذا تقريع لهم شديد وتوبيخ عظيم.قال الحسن: أي كيف تتقون يوما يجعل الولدان شيبا إن كفرتم، وكذا قرأ ابن مسعود، وعطية، و{يوما} مفعول به لـ: {تتقون}.قال ابن الأنباري: ومنهم من نصب اليوم بـ: {كفرتم}، وهذا قبيح، والولدان الصبيان، ثم زاد في وصف ذلك اليوم بالشدّة، فقال: {السّماء مُنفطِرٌ بِهِ} أي: متشققة به لشدّته وعظيم هوله، والجملة صفة أخرى لـ: {يوم}، والباء سببية، وقيل: هي بمعنى في أي: منفطر فيه، وقيل: بمعنى اللام أي: منفطر له، وإنما قال: {منفطر} ولم يقل: (منفطرة) لتنزيل السماء منزلة شيء لكونها قد تغيرت، ولم يبق منها إلاّ ما يعبر عنه بالشيء.وقال أبو عمرو بن العلاء: لم يقل: (منفطرة)؛ لأن مجازها السقف، كما قال الشاعر: فيكون هذا، كما في قوله: {وجعلْنا السماء سقْفا مّحْفُوظا} [الأنبياء: 32].وقال الفرّاء: السماء تذكر وتؤنث.وقال أبو عليّ الفارسي: هو من باب الجراد المنتشر، والشجر الأخضر، و{أعْجازُ نخْلٍ مُّنقعِرٍ} [القمر: 20] قال أيضا: أي السماء ذات انفطار.كقولهم: امرأة مرضع، أي: ذات إرضاع على طريق النسب، وانفطارها لنزول الملائكة، كما قال: {إِذا السماء انفطرت} [الانفطار: 1] وقوله: {السماوات يتفطّرْن مِن فوْقِهِنّ} [الشورى: 5].وقيل: {منفطر به}، أي: بالله، والمراد: بأمره، والأوّل أولى {كان وعْدُهُ مفْعُولا} أي: وكان وعد الله بما وعد به من البعث والحساب وغير ذلك كائنا لا محالة، والمصدر مضاف إلى فاعله، أو وكان وعد اليوم مفعولا، فالمصدر مضاف إلى مفعوله.وقال مقاتل: كان وعده أن يظهر دينه على الدين كله.وقد أخرج أحمد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة، والبيهقي في سننه عن سعد بن هشام قال: «قلت لعائشة: أنبئيني عن قيام رسول الله، قالت: ألست تقرأ هذه السورة {يأيُّها المزمل}؟ قلت: بلى، قالت: فإن الله افترض قيام الليل في أولّ هذه السورة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهرا، ثم أنزل التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوّعا من بعد فرضه»، وقد روي هذا الحديث عنها من طرق.وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، ومحمد بن نصر، والطبراني، والحاكم وصححه، والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: «لما نزلت أوّل المزمل كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها، وكان بين أوّلها وآخرها نحو من سنة».وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن نصر عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: «لما نزلت {يا أيها المزمل} قاموا حولا حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت {فاقرءوا ما تيسّر مِنْهُ} [المزمل: 20] فاستراح الناس».وأخرج أبو داود في ناسخه، وابن نصر، وابن مردويه، والبيهقي في سننه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: في المزمل: {قُمِ اليل إِلاّ قلِيلا نّصْفهُ} نسختها الآية التي فيها: {علِم أن لّن تُحْصُوهُ فتاب عليْكُمْ فاقرءوا ما تيسّر مِن القرءان} [المزمل: 20] وناشئة الليل أوّله كان صلاتهم أوّل الليل، يقول: هذا أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من قيام الليل، وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ، وقوله: {أقْومُ قِيلا} هو أجدر أن يفقه قراءة القرآن، وقوله: {إِنّ لك في النهار سبْحا طوِيلا} يقول: فراغا طويلا.وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله: {يأيُّها المزمل} قال: زملت هذا الأمر فقم به.وأخرج ابن المنذر عنه في الآية أيضا قال: يتزمل بالثياب.وأخرج الفريابي، عن أبي صالح عنه أيضا: {ورتّلِ القرءان ترْتِيلا} قال: تقرأ آيتين ثلاثا ثم تقطع لا تهدر.وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن منيع في مسنده، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، ومحمد بن نصر عنه أيضا: {ورتّلِ القرءان ترْتِيلا} قال: بيّنه تبيينا.وأخرج العسكري في المواعظ عن عليّ بن أبي طالب مرفوعا نحوه.وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن نصر، والحاكم وصححه عن عائشة: «أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليّه، وهو على ناقته وضعت جرانها، فما تستطيع أن تتحرّك حتى يسرّي عنه، وتلت {إِنّا سنُلْقِى عليْك قولا ثقِيلا}».وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن نصر، والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: {إِنّ ناشِئة اليل} قال: قيام الليل بلسان الحبشة إذا قام الرجل قالوا: نشأ.وأخرج البيهقي عنه قال: {ناشِئة اليل} أوّله.وأخرج ابن المنذر، وابن نصر عنه أيضا قال: الليل كله ناشئة.وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: {ناشِئة اليل} بالحبشة قيام الليل.وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن نصر، والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال: {ناشِئة اليل} ما بين المغرب والعشاء.وأخرج عبد بن حميد، وابن نصر، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم في الكنى عن ابن عباس في قوله: {إِنّ لك في النهار سبْحا طوِيلا} قال: السبح الفراغ للحاجة والنوم.وأخرج أبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت: لما نزلت: {وذرْنِى والمكذبين أُوْلِى النعمة ومهّلْهُمْ قلِيلا} لم يكن إلاّ يسيرا حتى كانت وقعة بدر.وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود {إِنّ لديْنا أنكالا} قال: قيودا.وأخرج عبد بن حميد، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي عن ابن عباس: {وطعاما ذا غُصّةٍ} قال: شجرة الزقوم.وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله: {كثِيبا مّهِيلا} قال: المهيل الذي إذا أخذت منه شيئا تبعك آخره.وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضا {كثِيبا مّهِيلا} قال: الرمل السائل، وفي قوله: {أخْذا وبِيلا} قال: شديدا.وأخرج الطبراني، وابن مردويه عنه أيضا «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ {يجْعلُ الولدان شِيبا} قال: ذلك يوم القيامة، وذلك يوم يقول الله لآدم: قم، فابعث من ذريتك بعثا إلى النار، قال: من كم يا ربّ؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، وينجو واحد، فاشتدّ ذلك على المسلمين، فقال حين أبصر ذلك في وجوههم: إن بني آدم كثير، وإن يأجوج، ومأجوج من ولد آدم، إنه لا يموت رجل منهم حتى يرثه لصلبه ألف رجل، ففيهم وفي أشباههم جنة لكم». وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود نحوه بأخصر منه.وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله: {السّماء مُنفطِرٌ بِهِ} قال: ممتلئة بلسان الحبشة.وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: مثقلة موقرة.وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا في الآية قال: يعني: تشقق السماء. اهـ.
|