الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ونقل الطبرسي عنه أنهن من الحور وكذا الانسيات، ولا مانع من أن يخلق الله تعالى في الجنة حورًا للإنس يشاكلنهم يقال لهن لذلك إنسيات، وحورًا للجن يشاكلنهم يقال لهن لذلك جنيات، ويجوز أن تكون الحور كلهن نوعًا واحدًا ويعطي الجنى منهن لكنه في تلك النشأة غيره في هذه النشأة، ويقال: ما يعطاه الانسى منهن لم يطمثها إنسي قبله، وما يعطاه الجنى لم يطمثها جنى قبله وبهذا فسر البلخي الآية، وقال الشعبي. والكلبي: تلك القاصرات الطرف من نساء الدنيا لم يمسسهن منذ أنشئن النشأة الآخرة خلق قبل، والذي يعطاه الإنسي زوجته المؤمنة التي كانت له في الدنيا ويعطي غيرها من نسائها المؤمنات أيضًا.وكذا الجنى يعطي زوجته المؤمنة التي كانت له في الدنيا من الجن ويعطي غيرها من نساء الجن المؤمنات أيضًا، ويبعد أن يعطي الجنى من نساء الدنيا الإنسانيات في الآخرة.والذي يغلب على الظن أن الانسى يعطي من الانسيات والحور والجنى يعطي من الجنيات والحور ولا يعطي إنسى جنية، ولا جنى إنسية وما يعطاه المؤمن إنسيًا كان أو جنيًا من الحور شيء يليق به وتشتهيه نفسه، وحقيقة تلك النشأة وراء ما يخطر بالبال، واستدل بالآية على أن الجن يدخلون الجن ويجامعون فيها كالإنس فهم باقون فيها منعمين كبقاء المعذبين منهم في النار، وهو مقتضى ظاهر ما ذهب إليه أبو يوسف ومحمد وابن أبي ليلى والأوزاعي وعليه الأكثر كما ذكره العيني في (شرح البخاري) من أنهم يثابون على الطاعة ويعاقبون على المعصية، ويدخلون الجنة فإن ظاهره أنهم كالإنس يوم القيامة، وعن الإمام أبي حنيفة ثلاث روايات الأولى أنهم لا ثواب لهم إلا النجاة من النار ثم يقال لهم كونوا ترابًا كسائر الحيوانات، والثانية أنهم من أهل الجنة ولا ثواب لهم أي زائد على دخولها، الثالثة التوقف قال الكردري: وهو في أكثر الروايات، وفي فتاوي أبي إسحاق بن الصفار أن الإمام يقول: لا يكونون في الجنة ولا في النار ولكن في معلوم الله تعالى.ونقل عن مالك وطائفة أنهم يكونون في ربض الجنة، وقيل: هم أصحاب الأعراف، وعن الضحاك أنهم يلهمون التسبيح والذكر فيصيبون من لذته ما يصيبه بنو آدم من نعيم الجنة وعلى القول بدخولهم الجنة قيل: نراهم ولا يرونا عكس ما كانوا عليه في الدنيا، وإليه ذهب الحرث المحاسبي، وفي اليواقيت الخواص منهم يرونا كما أن الخواص منا يرونهم في الدنيا، وعلى القول بأنهم يتنعمون في الجنة قيل: إن تنعمهم بغير رؤيته عز وجل فإنهم لا يرونه، وكذا الملائكة عليهم السلام ما عدا جبريل عليه السلام فإنه يراه سبحانه مرة ولا يرى بعدها على ما حكاه أبو إسحاق إبراهيم بن الصفار في فتاويه عن أبيه، والأصح ما عليه الأكثر مما قدمناه وأنهم لا فرق بينهم وبين البشر في الرؤية وتمامه في محله، وقرأ طلحة وعيسى، وأصحاب عبد الله {يَطْمِثْهُنَّ} بضم الميم هنا وفيما بعد، وقرأ أناس بضمه في الأول وكسره في الثانية، وناس بالعكس وناس بالتخيير، والجحدري بفتح الميم فيهما، والجملة صفة لقاصرات الطرف لأن إضافتها لفظية أو حال منها لتخصيصها بالإضافة.{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} وقوله تعالى: {كَأَنَّهُنَّ الياقوت والمرجان} إما صفة لقاصرات الطرف، أو حال منها كالتي قبل أي مشبهات بالياقوت والمرجان، وقول النحاس: إن الكاف في موضع رفع على الابتداء ليس بشيء كما لا يخفى، أخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة أنه قال في الآية في صفاء اليافوت وبياض اللؤلؤ، وعن الحسن نحوه، وفي البحر عن قتادة في صفاء الياقوت.وحمرة المرجان فحمل المرجان على ما هو المعروف، وقيل: مشبهات بالياقوت في حمرة الوجه وبالمرجان أي صغار الدر في بياض البشرة وصفائها وتحصيص الصغار على ما في الكشاف لأنه أنصع بياضًا من الكبار، وقيل: يحسن هنا إرادة الكبار كما قيل في معناه لأنه أوفق بقوله تعالى: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ} [الصافات: 49] فلا تغفل.وأخرج أحمد، وابن حبان، والحاكم وصححه، والبيهقي في البعث والنشور عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {}.وأخرج أحمد، وابن حبان، والحاكم وصححه، والبيهقي في البعث والنشور عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {كَأَنَّهُنَّ} إلخ قال: ينظر إلى وجهها في خدرها أصفى من المرآة وإن أدنى لؤلؤة عليها تضيء ما بين المشرق والمغرب وأنه يكون عليها سبعون ثوبًا ينفذها بصره حتى يوضح سوقها من وراء ذلك.وأخرج عبد بن حميد، والطبراني، والبيهقي في البعث عن ابن مسعود قال: إن المرأة من الحور العين يرى مخ ساقها من وراء اللحم والعظم من تحت سبعين حلة كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء.{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} وقوله تعالى: {هَلْ جَزَاء} استئناف مقرر لمضمون ما قبله أي ما جزاء الإحسان في العمل إلا الإحسان في الثواب، وقيل: المراد ما جزاء التوحيد إلا الجنة وأيد بظواهر كثير من الآثار، أخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والبغوي في تفسيره، والديلمي في مسند الفروس وابن النجار في تاريخه عن أنس قال: «قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ هَلْ جَزَاء الإحسان إِلاَّ الإحسان} فقال: وهل تدرون ما قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: يقول: هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة».وأخرج ابن النجار في تاريخه عن علي كرم الله تعالى وجهه مرفوعًا بلفظ: «قال الله عز وجل هل جزاء من أنعمت عليه» إلخ ووراء ذلك أقوال تقرب من مائة قول، واختير العموم ويدخل التوحيد دخولًا أوليًا، والصوفية أوردوا الآية في باب الإحسان وفسروه بما في الحديث: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» قالوا: فهو اسم يجمع أبواب الحقائق، وقرأ ابن أبي إسحاق {إلا الحسان} يعني بالحسان قاصرات الطرف اللاتي تقدم ذكرهن.{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ}. اهـ.
.قال عبد الكريم الخطيب: قوله تعالى: {فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ}.. وفى هاتين الجنتين كذلك، حور قاصرات الطرف، أي قصرن أعينهن عن النظر إلى غير ما أحل اللّه لهن، تقىّ وحياء وعفّة.. {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} أي لم يقربهن، ولم يغش حماهنّ أحد من الإنس أو الجنّ، قبل أزواجهن الذين زففن إليهم في الجنة، كما يقول سبحانه: {إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكارًا عُرُبًا أَتْرابًا لِأَصْحابِ الْيَمِينِ} (35- 38: الواقعة).وفى إعادة الضمير جمعا على الجنتين في قوله تعالى. {فِيهِنَّ} بدلا من {فيهما} إشارة إلى أن هاتين الجنتين، جنات في سعتهما، وامتدادهما..فهما- كما قلنا من قبل- جنة، وجنتان، وجنات..والطمث: دم الحيض، والطامث: الحائض، ويسمى افتضاض البكر طمئا..قوله تعالى: {كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ}..هو وصف لهؤلاء الحور، بالنقاء والصفاء، بعد وصفهن بالعفة والحياء..والياقوت والمرجان، حجران كريمان، صافيان صفاء البلور، ولكنهما مع هذا الصفاء مشربان بحمرة، ليست في البلور، ولهذا كان تشبيه الحور بهن أبلغ وأصدق، لما يجرى في بشرتهن من دم الشباب، الذي يشرق منه هذا الشعاع الشفقى على وجوههن! هذا ويلاحظ أن الجنتين اللتين وعدهما اللّه الذين يخافون مقام ربهم، قد عرضتا في هذا العرض المفصل، الذي يحدّث في كل مقطع من مقاطعه عن نعم اللّه وآلائه، التي يحملها هذا المقطع، والتي تدعو الثقلين- الإنس والجن- إلى الوقوف بين يديها، وإنعام النظر فيها، ثم تحديد موقفهم منها.. وهل يشكرون أم يكفرون؟..وفى هذا التفصيل، إشارة إلى أن أي نعمة من نعم اللّه، وإن بدت في العين صغيرة، لا يكاد يلتفت إليها الناس، ولا يقدرونها قدرها- هي في حقيقتها نعمة جليلة، تضم في كيانها نعما جليلة أيضا.. وهذا هو بعض السرّ في هذا التعقيب عقب كلّ نعمة بقوله تعالى: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ}..قوله تعالى: {هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ}..أي أن هذا النعيم الذي يفاض من اللّه سبحانه وتعالى على المؤمنين في الجنة- هو جزاء إحسانهم في الدنيا، وخوفهم مقام ربهم، كما يقول سبحانه عنهم: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [15- 19: الذاريات]..وإذا كان هؤلاء المحسنون قد أحسنوا العمل، فإن هذا النعيم الذي هم فيه لا يعدله إحسان المحسنين، مهما بالغوا في الإحسان، وإنما هو فضل من اللّه عليهم، ومضاعفة للجزاء الحسن، الذي كانت أعمالهم الحسنة مدخلا إليه، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ} [26: يونس].. اهـ..قال ابن عاشور: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56)}.ضمير {فيهن} عائد إلى فرش وهو سبب تأخير نعم أهل الجنة بلذة التأنّس بالنساء عن ما في الجنات من الأفنان والعيون والفواكه والفرش، ليكون ذكر الفرش مناسبًا للانتقال إلى الأوانس في تلك الفرش وليجيء هذا الضمير مفيدًا معنى كثيرًا من لفظ قليل، وذلك من خصائص الترتيب في هذا التركيب.ف {قاصرات الطرف} كائنة في الجنة وكائنة على الفُرش مع أزواجهن قال تعالى: {وفرش مرفوعة إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارًا} [الواقعة: 34 36] الآية.و{قاصرات الطرف}: صفة لموصوف محذوف تقديره نساء، وشاع المدح بهذا الوصف في الكلام حتى نُزّل منزلة الاسم ف {قاصرات الطرف} نساء في نظرهن مثل القصور والغضِّ خِلقة فيهن، وهذا نظير ما يقول الشعراء من المولّدين مراض العيون، أي: مثل المراض خِلقة.والقصور: مثل الغضِّ من صفات عيون المها والظباء، قال كعب بن زهير:أي: كغضيض الطرف وهو الظبي.والطمْث بفتح الطاء وسكون الميم مسيس الأنثى البِكر، أي من أبكار.وعُبِّر عن البكارة بـ {لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان} إطنابًا في التحسين، وقد جاء في الآية الأخرى {فجعلناهن أبكارًا} [الواقعة: 36].وهؤلاء هن نساء الجنة لا أزواج المؤمنين اللآئي كُنَّ لهم في الدنيا لأنهن قد يكنّ طمثهم أزواج فإن الزوجة في الجنة تكون لآخر من تزوجها في الدنيا.وقرأ الجمهور {يطمثهن} هنا، وفي نظيره الآتي بكسر الميم.وقرأه الدُوري عن الكسائي بضم الميم وهما لغتان في مضارع طمث.ونقل عن الكسائي: التخييرُ بين الضم والكسر.وقوله: {إنس قبلهم} أي لم يطمثهن أحد قبل، وقوله: {ولا جان} تتميم واحتراس وهو إطناب دعا إليه أن الجنة دار ثواب لصالحي الإِنس والجن فلما ذكر {إنس} نشأ توهم أن يمَسهن جن فدفع ذلك التوهم بهذا الاحتراس.وجملة {كأنهن الياقوت والمرجان} نعت أو حال من {قاصرات الطرف}.ووجه الشبه بالياقوت والمرجان في لون الحمرة المحمودة، أي حمرة الخدود كما يشبه الخد بالورد، ويطلق الأحمر على الأبيض فمنه حديث «بعثتُ إلى الأحمر والأسود» وقال عبد بني الحساس: ويجوز أن يكون التشبيه بهما في الصفاء واللمعان.{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59)}.كرر {فبأي آلاء ربكما تكذبان} فيما علمت سابقًا.{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)}.
|