الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قال تعالى: {وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} الناطق بالتسبيح والتنزيه وصرت من غاية استغراقك بمعانيه غائبا عن محافظة نفسك {جَعَلْنا} بقدرتنا ومشيئتنا المبنية على الحكم الخفية {بَيْنَكَ} يا حبيبي {وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} من قومك المشركين منكري البعث المتقدم ذكرهم {حِجابًا مَسْتُورًا} 45 غير مرئي نسترك به بسائق تكفلنا بحفظك وحماينك، وكمل المؤمنين بفهم رموز هذا القرآن، أما أعداؤك الكفرة فإنا تحجبهم عن فهمه والانتفاع فيه، ونمنعهم أن يدركوا ما أنت عليه من الدرجة الرفيعة وجلالة القدر عندنا، لذلك اجترءوا عليك فقالوا ساحر وكاهن ومتعلم وناقل، وإنما اعتدوا على منصبك العظيم بذلك لجهلهم بمقامك الكريم، وحسدا لما أوتيته من الفضل عليهم، قال سعيد بن جبير لما نزلت {تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ} جاءت امرأة أبي لهب ومعها حجر والنبي صلّى اللّه عليه وسلم مع أبي بكر فلم تره، فقالت لأبي بكر أين صاحبك لقد بلغني أنه هجاني، فقال لها أبو بكر واللّه ما ينطق بالشعر ولا يقوله، ولم يقل لها ها هو معي أو غير ذلك، وهو جواب على خلاف السؤال مثله في قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} الآية 89 من البقرة ومثله كثير في ج 3.فرجعت وهي تقول قد كنت جئت بهذا الحجر لأرضخ رأسه، فقال أبو بكر لرسول اللّه ما رأتك، قال: «لم يزل ملك بيني وبينها». راجع سورة المسد المارة تجد ما هو أوضح من هذا، واحتج أصحابنا في هذه الآية على أنه يجوز أن تكون الحاسّة سليمة ويكون المرئي حاضرا لا يرى بسبب أن اللّه تعالى يخلق فيها مانعا يمنع من الرؤية، لأن النبي صلّى اللّه عليه وسلم كان حاضرا وحاسة هذه المرأة سليمة ولكنها لم تره، وقد أخبر اللّه تعالى أن عدم الرؤية للحجاب المستور الذي جعله بينه وبينها، ولا معنى للحجاب المستور إلا الذي يخلقه اللّه في عيون الرائي ما يمنعه من الرؤية وهو حاضر، وإذا كان اللّه تعالى جعل الحجاب الذي هو حائل غير مرئي، فكيف بالمحجوب؟ على أن كثيرا من الأشياء موجودة حسا غير مرثية كحركة الظلّ وفلكة المغزل، والمروحة عند شدة حركتها، راجع الآية 95 من سورة الفرقان المارة، ولكن هذا غير ذلك {وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} أغطية كثيرة جمع كنان بمعنى الغشاء {أَنْ يَفْقَهُوهُ} لئلا يقفوا على كنه معانية ويعرفوا حقيقة مبانيه أي أنا منعناهم عن فهمه وَجعلنا {فِي آذانِهِمْ وَقْرًا} ثقلا وصمما عظيما مانعا من سماعه سماعا يليق به لسابق علمنا أنهم لن ينتفعوا به وبمن أنزله، وذلك لأنهم لا يلقون له بالا ولا يتدبرون المراد منه، وهذه التمثيلات معربة عن كمال جهلهم بشئون المنزل عليه وفرط نبوّ قلوبهم عن فهم القرآن وإيذان بأن ما تضمّنه القرآن من التسبيح في غاية الظهور، بحيث لا يتصور عدم فهمه إلا لمانع قوى يعتري المشاعر فيبطلها، وتنبيه على أن حالتهم هذه أقبح من حالتهم السابقة، ولهذا جعل اللّه هذا المانع في عين حمالة الحطب لئلا يجعل أذاها لحضرة الرسول تنفيذا لوعده له بالحفظ من أذى قومه {وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ} بأن قلت لا إله إلا اللّه ولم تقرنه بذكر آلهتهم التي يزعمونها، وكلمة وحده اسم موضوع موضع المصدر أي إذا أقررت ربك بالذكر {وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُورًا} 46 من سماع ذكر انفراد الإله الواحد وهربوا هروبا كراهية ذلك وما قيل ان الضمير في ولّوا يعود إلى الشياطين لا يصحّ، لعدم سبق ذكر لها بل يعود للمشركين السابق ذكرهم، فجعله يعود إلى غيرهم مخالف لسياق الكلام، وما جاء عن ابن عباس من الخبر في هذا لا يصح ونظير هذه الآية: الآية 46 من سورة الزّمر في ج 2، قال تعالى: {نَحْنُ أَعْلَمُ} يا حبيبنا {بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ} من اللغو والاستخفاف والهزؤ بك وبكتابك والتكذيب لك وله {إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} وهذا تأكيد الوعيد بالإخبار بأنه كما يقع الاستماع منهم يتعلق به علم اللّه {وَإِذْ هُمْ نَجْوى} يتسارون بينهم بأن ما يسمعونه منك سحر وكهانة وأساطير الأولين، وانك ساحر وكاهن أو مجنون أو تعلمته من الغير أو اختلفته من نفسك ثم يتجاهرون به فيقول بعضهم لبعض ما ذكره اللّه يقول {إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ} أقيم المضمر مقام المظهر عنا مع وصفهم بالظلم للدلالة على أن تناجيهم هذا باب عظيم من أبوابه {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} 47 يا سادة قريش أي إذا كنتم تريدون الاتباع فرضا ما تتبعون إلا رجلا سحر فجنّ وكانوا يعتقدون أن ذلك بتأثير السحر وهو معروف عندهم، لأن الشرائع السابقة جاءت به، وقد عرفوه من أهل الكتاب ووجوده حق عند اهل السنّة والجماعة، وانهم يريدون بأنه صلّى اللّه عليه وسلم سحر فصار مطبوبا مخدوعا يأكل ويشرب مثلكم، ويريد أن يتفضل عليكم بما يتلوه من ذلك السحر من غير أن يمتاز عليكم بشيء.روي أنه صلّى اللّه عليه وسلم كان حين يريد إبلاغ قومه ما أنزل عليه من كلام ربه يقوم عن يمينه رجلان من بني عبد الدار، وعن يساره رجلان منهم، فيصفّقون ويصفرون ويخلطون عليه بالأشعار لئلا يفهم الناس ما يقول، قاتلهم اللّه، ومن هنا اقتدي بعض نواب الأمة حينما يسمعون خطيبا من معارضيهم فيما لا يرومونه تراهم يصيحون ويضربون بأيديهم على الرحلات ويصفقون ويصفرون أيضا، فلا حول ولا قوة إلا باللّه تشابهت قلوبهم، وفي هذه الآية مما يدل على التهديد والوعيد ما لا يخفى، قال تعالى: {انْظُرْ} يا أكمل الرسل {كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ} مما وصموك به من السحر وغيره وما شبهوا ما تتلوه عليهم من وحينا بأساطير الأولين وغيرها مع علمهم أنك وكتابك على خلاف ذلك، {فَضَلُّوا} في هذا التمثيل والتشبيه والوصف عن منهاج المحاجة، والطريق الأقوم والحقيقة الناصعة لميلهم إلى الضلال والاعوجاج {فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} 48 إلى الحق السوي والطريقة المستقيمة بل يتهافتون إلى أضدادها، ويسلكون السبل المهلكة، ويخبطون في أقاويلهم الأباطيل الظاهر كذبها لكل أحد، وفي هذه الآية تسلية لحضرة الرسول عما يصمونه به، ووعيد بسوء العاقبة لزيغهم عن الرشاد وَمن عتوهم {قالُوا} لك أيضا يا محمد {أَإِذا كُنَّا عِظامًا وَرُفاتًا} بأن متنا وبلي لحمنا وتفتّت عظامنا فصارت ترابا أو غبارا لأن الرّفات كل شيء مبالغ في ذمّه {أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} كما تقول بعد تفرق أجزائنا {خَلْقًا جَدِيدًا} 49 مثل ما نحن عليه الآن، قالوا هذا على طريق الاستبعاد بالاستفهام الإنكاري وأرادوا به استحالة إحيائهم بعد موتهم، وفيه تعجيب بعد تعجبهم بذكر الإله الواحد مما يوقع اللوم على أتباعك لأنك بزعمهم كرجل منهم أخرجك السحر عن الطبيعة فصرت وحاشاك تهذو بأن الإله واحد وأن الموتى يحيون بعد البلاء ويحاسبون على ما فعلوه في دنياهم، لأن هذا بزعمهم لا يكون أبدا ولا يقرّه العقل لأن بين غضاضة الحي وطراوته المفضية للاتصال الموجب للحياة وبين يبوسة الرميم المفضية للتفرق الموجب لعدم الحياة تباينا وتنافيا لا يقبل التأليف، وهذا إنما يصدر منهم لأنهم ينظرون إلى الأمور الظاهرية ولا يتفكرون بقدرة الذي خلقهم من العدم وأوجد هذا الكون كله من لا شيء، راجع الآية 7 من سورة سبأ في ج 2، {قُلْ} يا أكمل الرسل لهؤلاء المنكرين قدرتنا المستبعدين إعادتهم بعد الموت {كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيدًا} 50 وهذا ردّ منه سبحانه عليهم فقابل قولهم: كنا، يكونوا على طريق المشاكلة والمقابلة بالجنس، وهذا الأمر أمر استهانة بهم على حد قولة تعالى حكاية عن سيدنا موسى عليه السلام: {أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ} الآية 80 من سورة يونس أي إن ما تلقونه ليس بشيء بالنسبة لقدرة اللّه التي وضعها في عصاه أو أمر تسخير على حد قوله تعالى: {كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ} الآية 66 من البقرة في ج 3، {أَوْ خَلْقًا} آخر وأكبر وأعظم وأشدّ من الحجارة والحديد من كل ما يتخيلونه قويا منيعا بعيدا بمراحل كثيرة عن قبول الحياة وائتوا بكل شيء {مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} ويستحيل عندكم قبوله للحياة وأبعد شيء عنها مما تعدونه عظيما فعله كبيرا قويا جرمه من كل محال لا تقبله عقولكم، فإن اللّه تعالى يحييكم لا محالة إذ لا يعجزه شيء لتساوي الأجسام في قبول الاعراض عنده، فكيف لا يحييكم إذا كنتم عظاما كانت قبل موضوعة بالحياة والشيء أقبل لما عهد فيه مما لم يعهد كالحديد وغيره، وقد فوّض اللّه تعالى لهم الشيء الذي يكونون منه مما يستعظمونه كالسماء والأرض والجبال أي مهما تصوروه بأنفسهم على طريق الفرض والتقدير فإن اللّه تعالى قادر على إعادة أرواحهم في أجسادهم التي ماتوا عليها مهما تفرقت وتفتت وتذرت بالهواء فإنه جامعها وباعثكم بعد الموت لا محالة، {فَسَيَقُولُونَ} لك يا سيد الرسل إذا كنا كما تقول {مَنْ يُعِيدُنا} على حالتنا هذه بعد ذلك مع ما بيننا وبين الإعادة من التفاوت والمباينة {قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ} اخترعكم وخلقكم من العدم {أَوَّلَ مَرَّةٍ} على غير مثال سابق ومن أصل تراب ماشم رائحة الحياة فالذي قدر على ذلك قبلا فهو على جمع رميمكم وافاضة الحياة فيه واعادتكم على ما كنتم عليه أقدر: وفي هذه الجملة تحقيق للحق وإزاحة للباطل والاستبعاد وإرشاد إلى طريق الاستدلال لمن كان له عقل يعقل به، قال تعالى: واصفا حالتهم عند سماع ذلك الكلام العظيم بأنهم سيبهتون ويتحيّرون الدال عليه {فَسَيُنْغِضُونَ} يحركون ويهزّون {إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ} إعجابا لقبولك هذا واستعظاما لصدوره منك مع ما يعلمون من عقلك وأناتك ونظرك لمصير كلامك، ونغض كنصر تحرك واضطرب وحرّك قال الفراء هو تحريك الرأس بارتفاع وانخفاض مما يتعجب منه ويستهزأ به استكبارا وإنكارا قال الشاعر: وقال الآخر: أي أنهم رفعوا رءوسهم وطأطئوها استهزاء {وَيَقُولُونَ} لك أولئك المتعجبون الساخرون المنكرون {مَتى هُوَ} هذا الوعيد الذي تذكره الذي فيه إعادة الأجسام والحساب والتهديد الذي تخوفنا به بالعقاب على ما نفعله في هذه الدنيا أقريب أم بعيد فإذا فاجؤوك بهذا الكلام يا سيد الأنام {قُلِ} لهم {عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا} 51 ما تسألون عنه وتستبعدونه وتنكرونه لأنه محقق مجيئه، وإنما لم يعين لهم زمانه لأنه من المغيبات التي اختص بها نفسه جل جلاله، ولم يطلع عليها أحد، وكلمة عسى هنا للترجي والتوقع ومسوقة إلى ما هو محقق الوقوع، وما قيل إنها للمقاربة ينافيه قوله تعالى: بعدها {قريبا} لأنها لو كانت للمقاربة لما جيء بها بعدها لعدم الفائدة. .مطلب الخروج من القبور واستقلال المدد الثلاث: قال تعالى: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ} أيها الناس وهذا الظرف منصوب بفعل مضمر تقديره اذكروا يوم يناديكم بالنفخة الأخيرة إسرافيل عليه السلام ببوقه بأمر ربه من قبوركم {فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} كما أجبتم حين دعاكم للنفخة الأولى للموت فمتم جميعكم بنفخته أي مات كل من حضرها عدا ما استثنى اللّه كما سيأتي في الآية 67 من سورة الزمر في ج 2 بصورة أوضح، فكما أنه لم يتخلف أحد منكم بالنفخة الأولى عن الموت لم يتخلف أحد منكم عن الحياة بالنفخة الثانية، وكما دعاكم من العدم في عالم الذر وأخذ عليكم العهد بالطاعة والانقياد للرسل، كذلك دعاكم للقيام من قبوركم.واعلموا أن قولكم حين اجابتكم لهذه الدعوة الأخيرة سبحانك اللهم وبحمدك جئناك تائبين منيبين لا ينفعكم، لأنه في غير محلّه وإلا لقالها كل كافر مثلكم راجع الآية 17 من النساء في ج 3، {وَتَظُنُّونَ} بعد قيامكم من برزخكم ومجيئكم مهرولين وراء الداعي إلى المحشر {إِنْ لَبِثْتُمْ} ما مكثتم في الدنيا وفي البرزخ القبر وما بين النفختين {إِلَّا} لبثا {قَلِيلًا} 52 زمانا طفيفا يقولون هذا استحقارا لتلك المدد الثلاث، لأن الإنسان لو مكث في الدنيا وفي القبر وبين النفختين ألوفا من السنين عدّ ذلك قليلا بنسبة مدة يوم القيامة، فضلا عن مدة الخلود في الآخرة التي لا نهاية لها، والمقصود من هذه الدعوة إحضار الخلائق للحساب والجزاء، لأن دعوة السيد.لعبده إما لاستخدامه أو التفحص عن أمره، والأول منتف في الآخرة إذ لا تكليف فيها فتعين الثاني، قال تعالى: {يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ} الآية 40 من سورة ق المارة، قيل إن جبريل عليه السلام يقف على صخرة بيت المقدس فينادي أيتها الأجسام البالية والعظام النخرة والأجزاء المتفرّقة عودي كما كنت، فتعود حالا.أخرج أبو داود وابن حبان عن أبي الدرداء أنه قال:قال صلّى اللّه عليه وسلم إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فحسنوا أسماءكم.وهذه الدعوة تكون بالأمر التكويني، وهو ما يوحيه إلى المعدوم، فهو نداء على الحقيقة لا على المجاز على ما قيل إنه يمتنع حمل هذا النداء على الحقيقة، لما يلزم من الحمل عليها خطاب الجماد، والأجزاء المتفرقة ولو لم تمتنع إرادة الحقيقة لكان ذلك النداء كناية عن البعث والانبعاث حقيقة لا مجازا، والمجوز لإرادتها ما ذكرنا من أن هذه الدعوة بالأمر التكويني.وقيل إن خطاب الكافرين انقطع عند قوله تعالى: {قريبا} والخطاب بقوله تعالى: {يوم يدعوكم} للمؤمنين أي فتجيبون أيها المؤمنون حامدين له سبحانه على إحسانه إليكم وتوفيقه إياكم للإيمان بالبعث، وهو وجيه لكن جعل الخطاب للعموم أولى وأنسب للمقام، إذ لا مخصص ولا دال على التقييد، وعلى كل إن شاء اللّه يجيب المؤمنون المنادي بما ذكر اللّه.أخرج الترمذي والطبراني عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: «ليس على أهل لا إله إلا اللّه وحشة في قبورهم ولا في نشورهم، وكأني بأهل لا إله إلا اللّه ينفضون التراب عن رءوسهم ويقولون: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ}» الآية 34 من سورة فاطر المارة، وفي رواية عن أنس مرفوعا: «ليس على أهل لا إله إلا اللّه وحشة عند الموت ولا في القبور ولا في الحشر، وكأني بأهل لا إله إلا اللّه قد خرجوا من قبورهم ينفضون رءوسهم من التراب يقولون {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ}».راجع تفسير هذه الآية، ومما يدل على أن الخطاب للفريقين المؤمنين والكافرين كما جرينا عليه في تفسير هذه الآية ما أخرجه عبد بن حميد عن ابن جبير أنه قال: يخرجون من قبورهم وهم يقولون سبحانك اللهم وبحمدك ولا بعد في صدور ذلك من الكافرين يوم القيامة وإن لم ينفعهم كما نوهنا به آنفا، وهذا التفسير أولى بالنسبة لسياق الآية وسياق الكلام، هذا وإن قوله تعالى: {وَقُلْ لِعِبادِي} خاص بالمؤمنين بدليل الإضافة التشريفية الدالة على التخصيص، بخلاف الآية الأولى لمجيئها بلفظ عام، وعلى القول بأن هذا الخطاب الأخير يشمل الكافرين أيضا فيكون خطابهم بلفظ عبادي لجذب قلوبهم وميل طباعهم إلى قول الحق، والأولى أولى لوجود الصارف وهو الإضافة له، وعليه يكون المعنى قل يا أكرم الرسل لأصحابك المؤمنين {يَقُولُوا} عند محاورتهم مع المشركين الكلم والجمل والعبارة {الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} من البذاء في المخاطبات والفحش في المحاولات، ولا تخاشنوهم بالكلام ليظهر فضلكم عليهم ويمجدكم من يحضر مناظرتكم {إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغ} يفسد ويهيّج الشرّ بما يوقعه من الوسوسة والخنس {بَيْنَهُمْ} أي الفريقين ويريد أن يقول المؤمنون للكافرين القولة التي هي أشر، مما يؤدي إلى تأكيد العناد وتمادي الفتنة واشتداد العداء{إِنَّ الشَّيْطانَ} الذي دأبه إلقاء الفتن وديدنه إيقاع الفساد وعادته تحريك الشرّ {كانَ} قديما ولم يزل {لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِينًا} 53 مظهرا العداوة، نزلت هذه الآية حين شكى المسلمون إيذاء الكافرين فأوحى اللّه إلى رسوله أن يأمر المؤمنين بعدم مكافأتهم على سفههم، وأن يقولوا لهم ما هو الخير.
|