الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ويقال: {وَمِنَ الاحزاب مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ} يعني: ومِن أهل الكتاب من ينكر ما كان فيه نسخ شرائعهم: {قُلْ} يا محمد: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله} يعني: أمرت أن أقيم على التوحيد: {وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ} شيئًا.ثم قال: {إِلَيْهِ أَدْعُو} يقول: أدعو الخلق إلى توحيده: {وَإِلَيْهِ مَابِ} يعني: المرجع في الآخرة.ثم قال: {وكذلك أنزلناه} يعني: القرآن: {حُكْمًا} يعني: القرآن حكمًا على الكتب كلها.ويقال: محكمًا: {عَرَبِيًّا} يعني: القرآن بلغة العرب: {وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَاءهُم} قال الكلبي: يعني: لئن صليت إلى قبلتهم يعني: نحو بيت المقدس: {بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ العلم} يعني: من بعد ما أتاك العلم بأن قبلتك نحو الكعبة.ويقال: {وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَاءهُم} يعني: أهل مكة فيما يدعونك إلى دين آبائك بعد ما ظهر لك أن الإسلام هو الحق: {مَا لَكَ مِنَ الله} يعني: من عذابه: {مِن وَلِىّ} ينفعك: {وَلاَ وَاقٍ} يقيك من عذاب الله الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمُراد به أصحابه.قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مّن قَبْلِكَ} وذلك أن اليهود عَيَّروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: لو كان هذا نبيًّا كما يزعم، لشغلته النبوة عن تزوج النساء.فنزل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مّن قَبْلِكَ} يا محمد: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرّيَّةً} قال الكلبي: كان لسليمان بن داود عليه السلام ثلاثمائة امرأة مهرية، وتسعمائة سرية، وكان لداود مائة امرأة.ثم قال: {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ} يعني: ليس ينبغي لرسول: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا} إلى قومه: {إِلاَّ بِإِذْنِ الله} يعني: بأمر الله تعالى.ويقال: معناه ما كان يقدر أحد أن يأتي بآية من الآيات إلا بإذن الله: {لِكُلّ أَجَلٍ كِتَابٌ} أي: لكل أجل من آجال العباد كتاب مكتوب، لا يزاد عليه، ولا ينقص منه، ويقال: لكل أجل وقت قد كتب.وقال الفراء: هذا مقدم ومؤخر أي: لكل كتاب أجل مثل قوله: {جَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق: 19] أي: سكرة الحق بالموت، وكذلك قال ابن عباس.قوله تعالى: {يَمْحُو الله مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ} روى ابن أبي نجيح عن مجاهد أن قريشًا، لما نزلت هذه الآية: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِىَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد: 38] قالوا: ما نراك يا محمد تملك من شيء، ولقد فرغ من الأمر.فنزلت هذه الآية تخويفًا، ووعيدًا لهم.فإنّا إن شئنا أحدثنا له من أمرنا ما نشاء، فيمحو الله ما يشاء، ويثبت ما يشاء من أرزاق العباد، ومصايبهم، وما يعطيهم، وما يقسم لهم.وروى وكيع عن الأعمش، عن أبي وائل أنه كان يقول في دعائه: اللَّهم إن كنت كتبتنا سعداء، فأثبتنا.وإن كنت كتبتنا أشقياء، فامحنا واكتبنا سعداء.فإنك تمحو ما تشاء، وتثبت ما تشاء، وعندك أم الكتاب.وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: {يَمْحُو الله مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ} إلا الشقاوة، والسعادة، والموت، والحياة.وروى منصور عن مجاهد أنه قال: إلا الشقاوة، والسعادة، لا يتغيران.ويقال: {يَمْحُو الله مَا يَشَاء} من أعمال بني آدم.ما كتب الحفظة ما ليس فيه جزاء خير ولا شر: {وَيُثَبّتْ} ما فيه جزاء خير أو شر.وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إن الحفظة إذا رفعت ديوان العبد، فإن كان في أوله وآخره خير، يمحو الله ما بينهما من السيئات، وإن لم يكن في أوله وآخره حسنات، يثبت ما فيه من السيئات.وقال مقاتل: {يَمْحُو الله} يعني: ينسخ الله ما يشاء من القرآن، ويثبت، ويقر المحكم الناسخ ما يشاء فلا ينسخه.ويقال: {يَمْحُو الله} يعني: المعرفة عن ما يشاء: {وَيُثَبّتْ} في قلب من يشاء.وهو مثل قول: {وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَاءُ ويهدى إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} [الرعد: 27] ويقال: يقضي على العبد البلاء، فيدعو العبد، فيزول عنه.كما روي في الخبر «الدُّعَاءُ يَرُدُّ البَلاَءَ». ثم قال: {وَعِندَهُ أُمُّ الكتاب} يعني: أصل الكتاب، وجملته، وهو اللوح المحفوظ كتب فيه كل شيء قبل أن يخلقهم.قوله تعالى: {وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ} من العذاب، والزلازل، والمصايب، في الدنيا إذ كذبوك، وأنت حي: {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} يقول: أو نميتك قبل أن نرينك: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ} بالرسالة: {وَعَلَيْنَا الحساب} يعني: الجزاء.ثم قال: {أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِى الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} يعني: نفتحها من نواحيها.وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «هُوَ ذَهَابُ العُلَمَاءِ». وقال ابن عباس: ذهاب فقهائها، وخيار أهلها.وعن ابن مسعود نحوه.وقال الضحاك: أو لم ير المشركون أنا ننقصها من أطرافها يعني: يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ما حولهم من أراضيهم، وقراهم، وأموالهم، أفهم الغالبون؟ يعني: أو لا يرون أنهم المغلوبون، والمنتقصون، وعن عكرمة.أنه قال: الأرض لا تنقص، ولكن تنقص الثمار، وينقص الناس.وعن عطاء أنه قال: هو موت فقهائها، وخيارها.وقال السدي: يعني: ينقص أهلها من أطرافها، ولم تهلك قرية إلا من أطرافها.يعني: تخرب قبل، ثم يتبعها الخراب.{والله يَحْكُمُ لاَ مُعَقّبَ لِحُكْمِهِ} يقول: لا راد لحكمه، ولا مغير له، ولا مرد لما حكم لمحمد صلى الله عليه وسلم النصرة والغنيمة: {وَهُوَ سَرِيعُ الحساب} إذا حاسب فحسابه سريع.قوله تعالى: {وَقَدْ مَكَرَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} يعني: صنع الذين من قبلهم، كصنيع أهل مكة بمحمد صلى الله عليه وسلم: {فَلِلَّهِ المكر جَمِيعًا} يعني: يجازيهم جزاء مكرهم، وينصر أنبياءه، ويبطل مكر الكافرين.ثم قال: {يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ} برّة وفاجرة: {وَسَيَعْلَمُ الكفار لِمَنْ عُقْبَى الدار} يعني: الجنة.قوله تعالى: {وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلًا} يعني: كعب بن الأشرف، وحيي بن أخطب، وسائر اليهود.ويقال: يعني: أهل مكة: {قُلْ كفى بالله شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} يقول: كفى الله شاهدًا بيني وبينكم على مقالتكم: {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب} يعني: ومن آمن من أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام، وأصحابه: {شَهِيدًا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ} لأنهم وجدوا نعته، وصفته، في كتبهم.قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم،: {يَمْحُو الله مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ} بجزم الثاء والتخفيف.وقرأ الباقون: بنصب الثاء، وتشديد الباء: {وَيُثَبّتْ} ومعناهما واحد.وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو،: {وَسَيَعْلَمْ الكافر} بلفظ الوحدان، وهو اسم جنس، فيقع على الواحد، وعلى الجماعة.وقرأ الباقون: {الكفار} بلفظ الجماعة.وقال أبو عبيدة: رأيت في مصحف الإمام: {وَسَيَعْلَمُ الكفار} بلفظ الجماعة.وروي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ: {وَمَنْ عِندَهُ} بالكسر.يعني: القرآن من عند الله تعالى.وروي عنه أيضًا: {وَسَيَعْلَمْ الكافرون}.وقرأ أبي بن كعب: {وَسَيَعْلَمْ الذين كَفَرُواْ}.وقال عبد الله بن مسعود: هذه السورة مكية، وعبد الله بن سلام أسلم بعد ذلك بمدة، فكيف يجوز أن يكون المراد به عبد الله بن سلام، وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قرأ: بالكسر.وقرأ بعضهم: {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب} بضم العين، وكسر اللام، على معنى فعل ما لم يسم فاعله.وروى عن ابن عباس أنه كان يقول: هذه السورة مدنية، وكان يقرأ: {وَمَنْ عِندَهُ} بالنصب. اهـ.
.قال الثعلبى في الآيات السابقة: {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الحق} [...] ٍ فهو كافيه: {كَمَنْ هُوَ أعمى} عنه لا يعلمه ولا تعمل: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الألباب} الخطاب للأصحاب وذوي العقول: {الذين يُوفُونَ بِعَهْدِ الله} في أمرهم يعني فرضه عليهم فلاهم يخالفونه إلى ما هم فيه،: {وَلاَ يَنقُضُونَ الميثاق والذين يَصِلُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ} قيل أراد الإيمان بجميع الكتب والرسل ولا يعترفون بها.وقال أكثر المفسرين: يعني الرحم ويقطعونها.الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: اشتكى أبو الدرداء فعاده عبد الرحمن بن عوف. فقال: خيرّهم أو صلهم ما علمت يا محمد. فقال عبد الرحمن: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله تبارك وتعالى: أنا الله وأنا الرحمن، خلقت الرحم وشقتت لها من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته».عن شيبة قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن موهب وأبوه عثمان بن عبد الله، أنهما سمعا موسى بن طلحة يحدث عن أبي أيوب الأنصاري: «أنّ رجلا قال: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة، فقال القوم: ماله وماله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم أرب ماله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تعبد الله لا تشرك به شيئًا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم ذرها»قال: كأنه كان على راحلته. عطاء بن أبي مروان عن أبيه عن كعب قال: والذي فلق البحر لبني إسرائيل إنّ في التوراة لمكتوبًا يابن آدم اتق ربك وأبرّ والديك وصل رحمك أمدُّ لك في عمرك وأُيسّر لك يسرك، وأصرف عنك عسرك.وعن أبي إسحاق عن مغراء العبدي عن عبد الله بن عمرو قال: من اتقى ربه ووصل رحمه نسئ له في عمره وثرا ماله وأحبه أهله.صالح عن جرير عن برد عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اعمل الخير ليس شيء أطيع الله فيه أعجل ثوابًا من صلة الرحم وليس شيء أعجل عقابًا من البغي وقطيعة الرحم، واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع».{وَالَّذِينَ صَبَرُواْ} على طاعة الله وتصبروا عن معصية الله. قاله ابن زيد، وقال ابن عباس: وصبروا على أمر الله.قال عطاء: على الرزايا والمصائب والحوادث والنوائب. أبو عمران الجوني: صبروا على دينهم. {ابتغاء وَجْهِ رَبِّهِمْ} طالب يعتصم بالله ويستغفر ربه أن يعصيه ويخالفه في أمره: {وَأَقَامُواْ الصلاة وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً} يعني الزكاة: {وَيَدْرَءُونَ} ويدفعون: {بالحسنة السيئة} يقال: درأ الله عني بشرّك.قال ابن زيد: يعني لا يكافؤون الشر بالشر ولكن يدفعونه بالخير. وقال القتيبي: معناه إذا سفه عليهم حلموا فالسفه السيئة والحلم الحسنة. قتادة: ردوا عليهم معروفًا نظيره: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَمًا} [الفرقان: 63]. قال الحسن: إذا حرموا أعطوا، وإذا أخلصوا عفوا، وإذا قُطعوا وصلوا.ابن كيسان: إذا أذنبوا أيسوا وإذا حرفوا أثابوا ليدفعوا بالتوبة عن أنفسهم فغفر الذنب.فهذا قول ابن عباس في رواية الضحاك عنه قال: يدفعون بالصالح من العمل الشر من العمل، ويؤيد هذا الخبر المأثور: إن معاذ بن جبل قال: «يا رسول الله أوصني. قال: إذا عملت سيئة فاعمل لجنبها حسنة تمحها، السر بالسر والعلانية بالعلانية».قال عبد الله بن المبارك: هذه ثماني خلال مشيرة إلى ثمانية أبواب الجنة.أبو بكر الوراق: هذه ثمانية جسور فمن أراد القربة من الله عبرها.{أولئك لَهُمْ عقبى الدار} ثم بين فقال: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا}.قرأه العامة: بفتح الياء وضم الخاء. وقرأ ابن كثير وأبو عمر: بضم الياء وفتح الخاء.قال عبد الله بن عمير: وإن في الجنة قصرًا يقال له عدن حوله البروج والمروج فيه خمسة آلاف باب على كل باب خمسة آلاف حبرة لا يدخله إلاّ نبي أو صديق أو شهيد.{وَمَنْ صَلَحَ} لهن: {مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} أهلهم وولدهم أيضًا يدخلونها: {وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم} فيه آمنًا تقديره ويقولون سلام عليكم: {بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عقبى الدار}.قال مقاتل: يدخلون في مقدار يوم وليلة من أيام الدنيا ثلاث كرات معهم الهدايا والتحف يقولون: {سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ}.صالح عن يزيد عن أنس بن مالك: أنّه تلا هذه الآية جنات عدن إلى قوله: {فَنِعْمَ عقبى الدار}. ثم قال: إنه جنة من در وفضة طولها في الهواء ستون ميلا ليس فيها صدع ولا وصل منه كل زاوية منها أهل فقال: لها أربعة آلاف مصراع من ذهب يقوم على كل باب سبعون ألف من الملائكة مع كل ملك منهم هدية من الرحمن ليس في مثلها، لا يَعْلُونَ [...] ليس بينهم وبينه حجاب.
|