الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.تفسير الآيات (12- 14): قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14)}.مناسبة الآية لما قبلها: قال البقاعي:ثم أخبر تعالى بأمر هو أدلة ما قبله جامع للعلم والقدرة وهو ألطف من ذلك كله، معلم بجليل القدرة في أنه إذا أراد سوءًا فلا مرد له، ودقيق الحكمة لأنه مظهر واحد ترجى منه النعمة وتخشى منه النقمة فقال: {هو} أي وحده: {الذي يريكم} أي على سبيل التجديد دائمًا: {البرق} وهو لمع كعمود النار: {خوفًا} أي لأجل إرادة الخوف من قدرته على جعله صواعق مهلكة، والخوف: انزعاج النفس بتوهم وقوع الضر.ولما لم يكن لهم السبب في إنزال المطر، لم يعبر بالرجاء وقال: {وطمعًا} أي ولأجل إرادة طمعكم في رحمته بأن يكون غيثًا نافعًا، ولابد من هذا التقدير ليكونا فعل فاعل الفعل المعلل، ويجوز أن يكون المعنى: يريكم ذلك إخافة وإطماعًا فتخافون خوفًا وتطمعون طمعًا، فتكون الآية من الاحتباك: فعل الإراءة دال على الإخافة والإطماع، والخوف والطمع دالان على تخافون وتطمعون ويجوز أن يكونا حالين من ضمير المخاطبين أي ذوي خوف وطمع: {وينشئ} والإنشاء: فعل الشيء من غير سبب مولد: {السحاب} وهو غيم ينسحب في السماء، وهو اسم جنس جمعي، واحده سحابه: {الثقال} بأنهار الماء محمولة في الهواء على متن الريح؛ والثقل: الاعتماد على جهة الثقل بكثافة الأجزاء: {ويسبح الرعد} أي ينزه عن صفات النقص تنزيهًا ملتبسًا: {بحمده} أي بوصفه بصفات الكمال، ويروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الرعد ملك وإن لم يصح أنه ملك فتسبيحه دلالته على أن موجده سبحانه منزه عن النقص محيط بأوصاف الكمال: {والملائكة} أي تسبح: {من خيفته} قال الرماني: والخيفة مضمنة بالحال، كقولك: هذه ركبة، أي حال من الركوب حسنة، وكذلك هذه خيفة شديدة، والخوف مصدر غير مضمن بالحال.{ويرسل الصواعق} المحرقة من تلك السحائب المشحونة بالمياه المغرقة؛ والصاعقة- قال الرازي: نار لطيفة تسقط من السماء بحال هائلة.{فيصيب بها} أي الصواعق: {من يشاء} كما أصاب بها أربد بن ربيعة: {وهم} أي والحال أنهم مع ذلك الذي تقدم من إحاطة علمه وكمال قدرته: {يجادلون} والجدال: فتل الخصم عن مذهبه بطريق الحجاج: {في الله} أي الملك الأعظم بما يؤدي إلى الشك في قدرته وعلمه.ولما كان لا يغني من قصده بالعذاب شيء قال: {وهو شديد المحال} لأن المحال- ككتاب: الكيد وروم الأمر بالحيل والتدبير والمكر والقدرة والجدال والعذاب والعقاب والعداوة والمعاداة والقوة والشدة والهلاك والإهلاك، يأتي أعداءه بما يريد من إنزال العذاب بهم من حيث لا يحتسبون، وكلها صالح هنا حقيقة أو مجازًا، وقال الرماني: والمحال: الأخذ بالعقاب من قولهم: ما حلت فلانًا- إذا فتلته إلى هلكه- انتهى.ومادة محل بجميع تقاليبها تدور على صرف الشيء عن وجهه وعادته وما تقتضيه جبلته، وذلك يستلزم القدرة والقوة والشدة، فالحامل يمسك المحمول بقوته عن أن يهوي إلى جهة السفل، والحملة: الكرة في الحرب، ويلزم الحمل المشقة، ومنه تحمل الشيء وحمل عنه أي حلم فهو حمول: ذو حلم، والحميل- كأمير: الدعي والغريب- كأنهما محمولان لحاجتهما إلى ذلك، والكفيل، لأنه حامل لكل مكفول واحتمل لونه- للمفعول: غضب وامتقع- كأن الغضب صرفه عما كان من عادته، والمحمل- كمحسن: المرأة ينزل لبنها من غير حبل، لأن ذلك شيء على غير وجهه، والحمل- محركة: الخروف- لسهولة حمله، والحليم: من يحبس غيظه بقوة حلمه- أي عقله- عن أن يستخفه الغضب، والحلم- بالكسر: الأناة والعقل، والحلم- بالضم وبضمتين: الرؤيا، لأنها صرف النفس عما هي عليه، وهو من شأنها من الغفلة، ومنه الحلم- بالضم- والاحتلام للجماع في النوم، والاسم الحلم- كعنق، وذلك يكون غالبًا عند فراغ البال عن الهموم، وإليه يرجع حلم المال- بالضم: سمن، والصبي وغيره: أقبل شحمه، أو هو من الحلمة- محركة: اللحمة الناتئة وسط الثدي كالثؤلول- لصرفها لون الثدي وهيئته عما كان عليه، وشجر السعدان- لأنه مرعى جيد يسمن، والصغيرة من القردان أو الضخمة- لشبهها بحلمة الثدي ودود يقع في الجلد قبل الدبغ فيأكله، لأن ذلك يغيره عن هيئته، والحالوم: ضرب من الأقط، لأنه لحراقته يغير اللسان، ودم حلام: هدر، لأنه خرج عما عليه عادة الدماء؛ والملح يصرف المملوح عن الفساد، وأما الماء الملح فمشبه به الطعم، وكذا الملح- محركًا- للون كالبياض يخالطه سواد، والملحاء: شجرة سقط ورقها، شبهت بأرض الملح في عدم الإنبات.ولما عرف الملح بالصلاح شبه به العلم فسمي ملحًا، وكذا الرضاع والحسن والشحم والسمن والحرمة والذمام وخفقان الطائر بجناحيه يصلح بذلك طيرانه ويتملح به استرواحًا إليه، وملح الشاة: سمطها، والملاح- ككتاب: الريح تجري بها السفينة، وهي أيضًا تصرفها عما يقتضيه حالها من عدم السير، ومعالجة حياء الناقة منه، وملحه على ركبته- أي لا وفاء له، لأن الملح لا يثبت هناك، أو هو سمين أو حديد في غضبه، بمعنى أنه لا صلاح له، وملحه: اغتابه، شبه بمن يتطعم الملح ليعدل مزاجه، وكذا الملاح- ككتاب، وهو هبوب الجنوب عقب الشمال، وكذا الملاحي- كفرابي وقد يشدد، وهو عنب أبيض طويل، ونوع من التين، ومن الأراك ما فيه بياض وحمرة، والملح- بضم الميم وفتح اللام من الأحاديث، وامتلح: خلط كذبًا بحق، والملح- محركة: ورم في عرقوب الفرس، صرفه عن هيئته المعتادة، والملاح ككتاب: سنان الرمح، لتهيئته له بعد الوقوف للنفوذ، والسترة، لصرفها البصر عن النفوذ إلى ما وراءها، وبرد الأرض حين ينزل الغيث، لأنه يصرف حالها التي كانت عليها إلى أخرى، والملحة- بالضم: المهابة، لصرفها المجترئ عن قصده ولأن سببها صرف النفس عن هواها، والملحاء: الكثيبة العظيمة، ومنه البركة، لمنعها الماشي عن حاله في المشي، ومنه الملحة- بالفتح- للجة البحر، وملحان: الكانون الثاني لصرفه بقوة برده الزمان عما كان عليه والناس عما كانوا عليه، والملحاء: لحم في الصلب من الكاهل إلى العجز، لمنعه من رؤية عظام الصلب ورؤوس الأضلاع؛ والمحل صرف ما في الزمان عن عادته بعدم المطر والإنبات ورفاهة العيش، وكذا المحل للكيد والمكر والغبار والشدة والمحال، لما تقدم من تفسيره، ومنه ماحله: قاواه، والمتماحل: الطويل المضطرب الخلق، لخروجه عن العادة، وتمحل له: احتال، والممحل- كمعظم- من اللبن: الآخذ طعم حموضة، والمحالة: البكرة العظيمة- لصرفها بفتلها الشيء عن وجهه، والفقرة من فقر البعير- لمشابهتها والخشبة التي يستقر عليها الطيانون- لحملها إياهم ومنعها لهم من السقوط، والمحل- ككتف: من طرد حتى أعيا، لأنه صرف عما كان من عادته، ورأيته متماحلًا: متغير اللون؛ واللمح: صرف البصر عما كان عليه، ولمح البرق: لمع بعد كمونه؛ واللحم من لحمة الثوب- بالضم، كأنه سد ما حصل بالهزال من فرج، ومنه: لحم كل شيء: لبه؛ ولحم الأمر- كمنع: أحكمه، والصائغ الفضة: لأمها، وكذا كل صدع، ولحم- كعلم: نشب في المكان، كأنه وقع فيما يشبه اللحم فالتصق به فأدخله وشغله، وهذا لحيم هذا، أي وفقه وشكله- وهو يرجع إلى لحمة الثوب، واستلحم الطريق: تبعه أو تبع أوسعه- كأنه جعل نفسه مثل لحمة السدى، واستلحم الطريق: اتسع، كأنه طلب ما يلحمه أي يسده، وحبل ملاحم- بفتح الحاء: شديد الفتل، لأنه سدت فرجه كما تسد اللحمة فرج الثوب، ونبي الملحمة- من القتال، لأنه ضرب اللحم بالسيف، ومن التأليف كما يكون عن لحمة الثوب، لأن غاية قتاله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أعظم خير وألفة، والتحم الجرح للبرء: التأم- من ذلك ومن اللحم أيضًا لأنه به التأم- والله أعلم.ولما بين تعالى تصديقًا لقوله: {وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون} [يوسف: 105] ما له من الآيات التابعة لصفات الكمال التي منها التنزه عما لا يليق بالجلال وأنه شديد المحال، شرع يبين ضلالهم في اشتراكهم المشار إليه في قوله: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} بما هو علة لختم ما قبلها من أنه لا كفؤ له، فقال: {له} أي الله سبحانه: {دعوة الحق} إن دعاه أحد سمعه فأجابه- إن شاء- بما يشاء، وإن دعا هو أحدًا دعوة أمر، بين الصواب بما يكشف الارتياب، أو دعوة حكم لبى صاغرًا وأجاب: {والذين يدعون} أي يدعو الكافرون، وبين سفول رتبتهم بقوله: {من دونه} أي الله: {لا يستجيبون} أي لا يوجدون الإجابة: {لهم} أي الكافرين: {بشيء} والاستجابة: متابعة الداعي فيما دعا إليه بموافقة إرادته: {إلا كباسط} أي إلا إجابة كإجابة الماء لباسط: {كفيه} تثنيه كف، وهو موضع القبض باليد، وأصله من كفه- إذا جمع أطرافه: {إلى الماء ليبلغ} أي الماء: {فاه} دون أن يصل كفاه إلى الماء- بما يدل عليه التعدية ب {إلى}، فما الماء بمجيب دعاءه في بلوغ فيه: {وما هو} أي الماء: {ببالغه} أي فيه، فللكافرين بذلك دعوة الباطل كما أن الماء جماد لا يحس بدعوة هذا فلا يجيبه، فأصنامهم كذلك.ولما كان دعاؤهم منحصرًا في الباطل، قال في موضع {وما دعاؤهم} مظهرًا تعميمًا وتعليقًا للحكم بالوصف: {وما دعاء الكافرين} أي الساترين لما دلت عليه أنوار عقولهم بمعبوداتهم أو غيرها: {إلا في ضلال} لأنه لا يجد لهم نفعًا، أما معبوداتهم فلا تضر ولا تنفع، وأما الله فلا يجيبهم لتضييعهم الأساس. اهـ..القراءات والوقوف: قال النيسابوري:.القراءات: {كباسط} مثل: {بسطة} [البقرة: 247] وقد مر في البقرة: {أم هل يستوي} بيان تحتانية: حمزة وعلي وخلف وعاصم غير حفص والمفضل: الآخرون بتاء التأنيث. {يوقدون} على الغيبة: حمزة وعلي وخلف وعاصم غير أبي بكر وحماد. الباقون: على الخطاب إما للكفرة في قوله: {قل أفاتخذتم} وإما للمكلفين على العموم كما في القراءة الأخرى والضمير يعود إلى الناس المعلوم من سياق الكلام..الوقوف: {الثقال} o ج لاختلاف الفاعل مع اتفاق اللفظ: {من خيفته} ج لذلك: {في الله} ج لاحتمال الواو الحال والاستئناف: {المحال} o ط للآية وانقطاع النظم: {دعوة الحق} ط {يبالغه} ط {ضلال} o {والآصال} o {والأرض} ط {قل الله} ط {ولا ضرًا} ط {والبصير} o ط للعطف: {والنور} ج لاحتمال أن يكون هذا الاستفهام بدلًا عن الأوّل: {عليهم} ط {القهار} o {رابيًا} ط {مثله} ط {والباطل} ط {جفاء} ج لاتفاق الجملتين مع كون أما للتفصيل: {في الأرض} ط {الأمثال} o ط {الحسنى} ط {لافتدوا به} ط {الحساب} o لا {جهنم} ج {المهاد} o {هو أعمى} ط {الألباب} o لا: {الميثاق} ط للعطف: {سوء الحساب} o ط {الدار} o لأن قوله: {جنات عدن} بدل من: {عقبى}: {من كل باب} o ج لحق المحذوف أي قائلين. {عقبى الدار} ط {في الأرض} لا: {سوء الدار} o {ويقدر} ط {الدنيا} ط {متاع} ز {من ربه} ط {أناب} o {بذكر الله} الأوّل ط: {القلوب} o {مآب} o. اهـ..من أقوال المفسرين: .قال الدكتور محمد أبو شهبة: .فصل فيما ذكره المفسرون في الرعد والبرق في كتبهم: ومعظم كتب التفاسير بالمأثور وغيره ذكرت أن الرعد اسم ملك يسوق السحاب، وأن الصوت المسموع صوت زجره السحاب، أو صوت تسبيحه، وأن البرق أثر من المخراق الذي يزجر به السحاب، أو لهب ينبعث منه، على أن المخراق من نار، وذلك عند تفسير قوله تعالى: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِه}1 الآية، ويكاد لم يسلم من ذلك أحد منهم، إلا أن منهم من يحاول أن يوفق بين ظاهر الآية وما قاله الفلاسفة الطبيعيون في الرعد والبرق فيؤول الآية، ومنهم: من يبقي الآية على ظاهرها، وينحي باللائمة على الفلاسفة وأضرابهم، الذين قاربوا أن يصلوا إلى ما وصل إليه العلماء في العصر الحديث ففي تفسير الخازن قال: أكثر المفسرين على أن الرعد اسم للملك الذي يسوق السحاب، والصوت المسموع منه تسبيحه، ثم أورد على هذا القول أن ما عطف عليه، وهو قوله تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} يقتضي أن يكون المعطوف عليه مغايرا للمعطوف؛ لأنه الأصل ثم أجاب بأنه من قبيل ذكر الخاص قبل العام تشريفا!
|