الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الماوردي: قوله تعالى: {بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: أهاويل أحلام رآها في المنام، قاله مجاهد.الثاني: تخاليط أحلام رآها في المنام، قاله قتادة، ومنه قول الشاعر:الثالث: أنه ما لم يكن له تأويل، قاله اليزيدي.وفي الأحلام تأويلان:أحدهما: ما لم يكن له تأويل ولا تفسير، قاله الأخفش.الثاني: إنها الرؤيا الكاذبة، قاله ابن قتيبة، ومنه قول الشاعر: اهـ. .قال ابن عطية: ثم أمر الله تعالى نبيه أن يقول لهم وللناس جميعًا {قل ربي يعلم القول في السماء والأرض} أي يعلم أقوالكم هذه وهو بالمرصاد في المجازاة عليها، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: {قل ربي} وقرأ حمزة والكسائي: {قال ربي يعلم} على معنى الخبر عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، واختلف عن عاصم، قال الطبري رحمه الله وهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الإهماز.{بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ}.لما اقتضت الآية التي قبل هذه أنهم قالوا إن ما عنده سحر، عدد الله في هذه جميع ما قالته طوائفهم ووقع الإضراب بكل مقالة عن المقدمة لها ليتبين اضطراب أمرهم، فهو إضراب عن جحد متقدم لأن الثاني ليس بحقيقة في نفسه، والأضغاث الأخلاط وأصل الضغث القبضة المختلطة من العشب والحشيش، فشبه تخليط الحلم بذلك، وهو ما لا يتفسر ولا يتحصل، ثم حكى من قال قول شاعر وهي مقالة فرقة عامية منهم لأن نبلاء العرب لم يخف عليهم بالبديهة أن مباني القرآن ليست مباني شعر ثم حكى اقتراحهم وتمنيهم آية تضطرهم وتكون في غاية الوضوح كناقة صالح وغيرها، وقولهم {كما ارسل الأولون} دال على معرفتهم بإيتان الرسل الأمم المتقدمة. وقوله تعالى: {ما آمنت قبلهم} مقدرًا كلام يدل عليه المعنى، تقديره والآية التي طلبوا عادتنا أن القوم إن كفروا بها عاجلناهم. وما آمنت قرية من القرى التي نزلت بها هذه النازلة أفهذه كانت تؤمن وقوله تعالى: {أهلَكِناها} جملة في موضع الصفة لـ: {قرية} والجملة إذا اتبعت النكرات فهي صفة لها وإذا اتبعت المعارف فهي أحوال منها. اهـ..قال ابن الجوزي: {قُل ربِّي} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: {قل ربي}.وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: {قال ربِّي}، وكذلك هي في مصاحف الكوفيين، وهذا على الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يعلم القول، أي: لا يخفى عليه شيء يقال في السماء والأرض، فهو عالم بما أسررتم.{بل قالوا} قال الفراء: رَدَّ بـ: {بل} على معنى تكذيبهم، وإِن لم يظهر قبله الكلام بجحودهم، لأن معناه الإِخبار عن الجاحدين، وأعلمَ أن المشركين كانوا قد تحيَّروا في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاختلفت أقوالهم فيه، فبعضهم يقول: هذا الذي يأتي به سِحْر، وبعضهم يقول: أضغاث أحلام، وهي الأشياء المختلطة تُرى في المنام؛ وقد شرحناها في [يوسف: 44]، وبعضهم يقول: افتراه، أي: اختلقه، وبعضهم يقول: هو شاعر فليأتنا بآية كالناقة والعصا، فاقترحوا الآيات التي لا إِمهال بعدها.قوله تعالى: {ما آمنتْ قبلَهم} يعني: مشركي مكة {مِنْ قرية} وصف القرية، والمراد أهلها، والمعنى: أن الأمم التي أهلكت بتكذيب الآيات، لم يؤمنوا بالآيات لمَا أتتهم، فكيف يؤمن هؤلاء؟! وهذه إشارة إِلى أن الآية لا تكون سببًا للإِيمان، إِلا أن يشاء الله. اهـ..قال القرطبي: قوله تعالى: {قُلْ رَبِّي يَعْلَمُ القول فِي السماء والأرض} أي لا يخفى عليه شيء مما يقال في السماء والأرض. وفي مصاحف أهل الكوفة {قَالَ رَبِّي} أي قال محمد ربي يعلم القول؛ أي هو عالم بما تناجيتم به.وقيل: إن القراءة الأولى أولى؛ لأنهم أسروا هذا القول فأظهر الله عز وجل عليه نبيه صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يقول لهم هذا؛ قال النحاس: والقراءتان صحيحتان وهما بمنزلة الآيتين، وفيهما من الفائدة أن النبي صلى الله عليه وسلم أُمِر وأنه قال كما أُمِرَ.قوله تعالى: {بَلْ قالوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ} قال الزجاج: أي قالوا الذي يأتي به أضغاث أحلام.وقال غيره: أي قالوا هو أخلاط كالأحلام المختلطة؛ أي أهاويل رآها في المنام؛ قال معناه مجاهد وقتادة؛ ومنه قول الشاعر:وقال القتبي: إنها الرؤيا الكاذبة؛ وفيه قول الشاعر: وقال اليزيديّ: الأضغاث ما لم يكن له تأويل.وقد مضى هذا في يوسف.فلما رأوا أن الأمر ليس كما قالوا انتقلوا عن ذلك فقالوا: {بل افتراه} ثم انتقلوا عن ذلك فقالوا: {بل هو شاعر} أي هم متحيّرون لا يستقرّون على شيء: قالوا مرة سحر، ومرة أضغاث أحلام، ومرة افتراه، ومرة شاعر.وقيل: أي قال فريق إنه ساحر، وفريق إنه أضغاث أحلام؛ وفريق إنه افتراه، وفريق إنه شاعر.والافتراء الاختلاق؛ وقد تقدّم.{فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأولون} أي كما أرسل موسى بالعصا وغيرها من الآيات ومثل ناقة صالح.وكانوا عالمين بأن القرآن ليس بسحر ولا رؤيا ولَكِن قالوا: ينبغي أن يأتي بآية نقترحها؛ ولم يكن لهم الاقتراح بعدما رأوا آية واحدة.وأيضًا إذا لم يؤمنوا بآية هي من جنس ما هم أعلم الناس به، ولا مجال للشبهة فيها فكيف يؤمنون بآية غيرها، ولو أبرأ الأكمه والأبرص لقالوا: هذا من باب الطبّ، وليس ذلك من صناعتنا؛ وإنما كان سؤالهم تعنتا إذ كان الله أعطاهم من الآيات ما فيه كفاية.وبين الله عز وجل أنهم لو كانوا يؤمنون لأعطاهم ما سألوه لقوله عز وجل: {وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ} [الأنفال: 23].قوله تعالى: {مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ} قال ابن عباس: يريد قوم صالح وقوم فرعون.{أَهْلَكِناهَا} يريد كان في علمنا هلاكها.{أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ} يريد يصدقون؛ أي فما آمنوا بالآيات فاستؤصلوا، فلو رأى هؤلاء ما اقترحوا لما آمنوا؛ لما سبق من القضاء بأنهم لا يؤمنون أيضًا؛ وإنما تأخر عقابهم لعلمنا بأن في أصلابهم من يؤمن.و من زائدة في قوله: {مِنْ قَرْيَةٍ} كقوله: {فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: 47]. اهـ. .قال أبو حيان: {قَالَ رَبّى يَعْلَمُ القول في السماء والأرض}.وقرأ حمزة والكسائي وحفص والأعمش وطلحة وابن أبي ليلى وأيوب وخلف وابن سعدان وابن جبير الأنطاكي وابن جرير {قال ربي} على معنى الخبر عن نبيه عليه الصلاة والسلام.وقرأ باقي السبعة قل على الأمر لنبيه صلى الله عليه وسلم {يعلم} أقوالكم هذه، وهو يجازيكم عليها و{القول} عام يشمل السر والجهر، فكان في الإخبار بعلمه القول علم السر وزيادة، وكان آكد في الاطلاع على نجواهم من أن يقول يعلم سرهم.ثم بين ذلك بقوله: {وهو السميع العليم} {السميع} لأقوالكم {العليم} بما انطوت عليه ضمائركم.ولما ذكر تعالى عنهم أنهم قالوا إن ما أتى به سحر ذكر اضطرابهم في مقالاتهم فذكر أنهم أضربوا عن نسبة السحر إليه و{قالوا} ما يأتي به إنما هو {أضغاث أحلام} وتقدم تفسيرها في سورة يوسف عليه السلام، ثم أضربوا عن هذا فقالوا {بل افتراه} أي اختلقه وليس من عند الله، ثم أضربوا عن هذا فقالوا {بل هو شاعر} وهكذا المبطل لا يثبت على قول بل يبقى متحيرًا، وهذه الأقوال الظاهر أنها صدرت من قائلين متفقين انتقلوا من قول إلى قول أو مختلفين قال كل منهم مقالة.قال الزمخشري: ويجوز أن يكون تنزيلًا من الله لأقوالهم في درج الفساد، وأن قولهم الثاني أفسد من الأول، والثالث أفسد من الثاني وكذلك الرابع من الثالث انتهى.وقال ابن عطية ثم حكى قول من قال إنه شاعر وهي مقالة فرقة عامّية لأن بنات الشعر من العرب لم يخف عليهم بالبديهة، وإن مباني القرآن ليست مباني شعر.وقال أبو عبد الله الرازي: حكى الله عنهم هذه الأقوال الخمسة وترتيب كلامهم أن كونه بشرًّا مانع من كونه رسولًا لله سلمنا أنه غير مانع، ولَكِن لا نسلم أن هذا القرآن ثم إما أن يساعد على أن فصاحة القرآن خارجة عن مقدار البشر قلنا لم لا يجوز أن يكون ذلك سحرًا وإن لم يساعد عليه فإن ادعينا كونه في نهاية الركاكة قلنا إنه أضغاث أحلام، وإن ادعينا أنه متوسط بين الركاكة والفصاحة قلنا إنه افتراء، وإن ادعينا أنه كلام فصيح قلنا إنه من جنس فصاحة سائر الشعر، وعلى جميع هذه التقديرات لا يثبت كونه معجزًا.ولما فرغوا من تقدير هذه الاحتمالات قالوا {فليأتنا بآية كما أرسل الأولون} اقترحوا من الآيات ما لا إمهال بعدها كالآيات في قوله: {لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا} قال الزمخشري: صحة التشبيه في قوله: {كما أرسل الأولون} من حيث إنه في معنى كما أتى الأولون بالآيات، لأن إرسال الرسل متضمن للإتيان بالآيات، ألا ترى أنه لا فرق بين أن تقول أتى محمد بالمعجزة، وأن تقول: أرسل محمد بالمعجزة انتهى.والكاف في {كما أرسل} يجوز أن يكون في موضع النعت لآية، وما أرسل في تقدير المصدر والمعنى بآية مثل آية إرسال {الأولين}، ويجوز أن يكون في النعت لمصدر محذوف أي إتيانا مثل إرسال {الأولين} أي مثل إتيانهم بالآيات، وهذه الآية التي طلبوها هي على سبيل اقتراحهم، ولم يأت الله بآية مقترحة إلا أتى بالعذاب بعدها.وأراد تعالى تأخير هؤلاء وفي قولهم {كما أرسل الأولون} دلالة على معرفتهم بإتيان الرسل.ثم أجاب تعالى عن قولهم {فليأتنا بآية} بقوله: {ما آمنت قبلهم من قرية أهلَكِناها أفهم يؤمنون} والمراد بهم قوم صالح وقوم فرعون وغيرهما، ومعنى {أهلَكِناها} حكمنا بإهلاكها بما اقترحوا من الآيات {أفهم يؤمنون} استبعاد وإنكار أي هؤلاء أعني من الذين اقترحوا على أنبيائهم الآيات وعهدوا أنهم يؤمنون عندها، فلما جاءتهم نكثوا فأهلكهم الله، فلو أعطينا هؤلاء ما اقترحوا لكانوا أنكث من أولئك، وكان يقع استئصالهم ولَكِن حكم الله تعالى بإبقائهم ليؤمن من آمن ويخرج منهم مؤمنين. اهـ..قال أبو السعود: {قَالَ رَبّى يَعْلَمُ القول في السماء والأرض}.حكايةٌ من جهته تعالى لما قاله عليه السلام بعد ما أوحى إليه أحوالَهم وأقوالَهم بيانًا لظهور أمرِهم وانكشافِ سرِّهم، وإيثارُ القول المنتظمِ للسر والجهر على وتيرة واحدة لا تفاوتَ بينهما بالجلاء والخفاء قطعًا كما في علوم الخلقِ، وقرىء: قل ربي..إلخ، وقوله تعالى: {فِى السماء والأرض} متعلقٌ بمحذور وقع حالًا من القول أي كائنًا في السماء والأرض وقوله تعالى: {وَهُوَ السميع العليم} أي المبالغُ في العلم بالمسموعات والمعلومات التي من جملتها ما أسروه من النجوى فيجازيهم بأقوالهم وأفعالهم، اعتراضٌ تذييليٌّ مقررٌ لمضمون ما قبله متضمنٌ للوعيد.{بَلْ قَالُواْ أضغاث أَحْلاَمٍ} إضرابٌ من جهته تعالى وانتقالٌ من حكاية قول آخرَ مضطربٍ في مسالك البطلان، أي لم يقتصروا على أن يقولوا في حقه عليه السلام: هل هذا إلا بشرٌ؟ وفي حق ما ظهر على يده من القرآن الكريم إنه سحرٌ، بل قالوا تخاليطُ الأحلام ثم أضربوا عنه فقالوا: {بَلِ افتراه} من تلقاء نفسِه من غير أن يكون له أصلٌ أو شبهةُ أصلٍ، ثم قالوا: {بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} وما أتى به شعرٌ يُخيّل إلى السامع معانيَ لا حقيقة لها وهكذا شأنُ المبطِلِ المحجوجِ متحيّرٌ لا يزال يتردد بين باطلٍ وأبطلَ ويتذبذب بين فاسد وأفسدَ، فالإضرابُ الأول كما ترى من جهته تعالى والثاني والثالث من قبلهم وقد قيل: الكلُّ من قبلهم حيث أضربوا عن قولهم: هو سحرٌ إلى أنه تخاليطُ أحلام، ثم إلى أنه كلامٌ مفترًى ثم إلى أنه قولُ شاعر، ولا ريب في أنه كان ينبغي حينئذ أن يقال: قالوا: بل أضغاثُ أحلامٍ والاعتذارُ بأن بل قالوا مقولٌ لقالوا المضمرِ قبل قوله تعالى: {هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ}..إلخ، كأنه قيل: وأسروا النجوى قالوا: هل هذا إلى قوله: {بل أضغاثُ أحلام}، وإنما صرح بقالوا بعد بل لبُعْد العهد مما يجب تنزيهُ ساحة التنزيلِ عن أمثاله {فَلْيَأتِنا بِآيَة} جوابُ شرطٍ محذوفٍ يفصح عنه السياقُ، كأنه قيل: وإن لم يكن كما قلنا بل كان رسولًا من الله تعالى فليأتنا بآية {كَمَا أُرْسِلَ الأولون} أي مثلَ الآية التي أرسل بها الأولون كاليد والعصا ونظائرِهما حتى نؤمن به، فما موصولةٌ ومحلُّ الكاف الجرُّ على أنها صفةٌ لآية ويجوز أن تكون مصدريةً فالكافُ منصوبةٌ على أنها مصدرٌ تشبيهيٌّ أي نعتٌ لمصدر محذوفٍ، أي فليأتنا بآية إتيانا كائنًا مثلَ إرسالِ الأولين بها، وصِحّةُ التشبيه من حيث إن الإتيانَ بالآية من فروع الإرسالِ بها أي مثلَ إتيانٍ مترتبٍ على الإرسال، ويجوز أن يحمل النظمُ الكريمُ على أنه أريد كلُّ واحد من الإتيان والإرسال في كل واحد من طرفي التشبيه، لَكِنه تُرك في جانب المشبّه ذكرُ الإرسال وفي جانب المشبّهِ به ذكرُ الإتيانِ اكتفاءً بما ذكر في كل موطنٍ عما تُرك في الموطن الآخر حسبما مر في آخر سورة يونسَ عليه السلام.{مَا ءامَنَتْ قَبْلَهُمْ مِن قَرْيَةٍ} كلامٌ مستأنفٌ مَسوق لتكذيبهم فيما تنبىء عنه خاتمةُ مقالهم من الوعد الضمنيّ بالإيمان كما أشير إليه، وبيانِ أنهم في اقتراح تلك الآياتِ كالباحث عن حتفه بظِلْفه وأن في ترك الإجابة إليه إبقاءً عليهم، كيف لا ولو أُعطوا ما اقترحوا مع عدم إيمانهم قطعًا لوجب استئصالُهم لجريان سنةِ الله عز وجل في الأمم السالفة، على أن المقترحين إذا أُعطوا ما اقترحوه ثم لم يؤمنوا نزل بهم عذابُ الاستئصال لا محالة، وقد سبقت كلمةُ الحق منه تعالى أن هذه الأمةَ لا يعذبون بعذاب الاستئصالِ، فقوله: من قرية أي من أهل قرية في محل الرفعِ على الفاعلية ومن مزيدةٌ لتأكيد العمومِ وقوله تعالى: {أهلَكِناها} أي بإهلاك أهلِها لعدم إيمانِهم بعد مجيءِ ما اقترحوه من الآيات صفةٌ لقرية والهمزة في قوله تعالى: {أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ} لإنكار الوقوعِ والفاء للعطف إما على مقدر دخلتْه الهمزةُ فأفادت إنكارَ وقوعِ إيمانِهم ونفيَه عقبَ عدمِ إيمان الأولين، فالمعنى أنه لم تؤمنْ أمةٌ من الأمم المهلَكة عند إعطاءِ ما اقترحوه من الآيات فلم يؤمنوا، أفهؤلاء يؤمنون لو أجيبوا إلى ما سألوا وأعطوا ما اقترحوا مع كونهم أعتى منهم وأطغى؟ وإما على ما آمنت على أن الفاء متقدمةٌ على الهمزة في الاعتبار مفيدةٌ لترتيب إنكارِ وقوعِ إيمانِهم على عدم إيمانِ الأولين، وإنما قُدّمت عليها الهمزةُ لاقتضائها الصدارةَ كما هو رأيُ الجمهور. اهـ.
|