فصل: (سورة الشورى: آية 37).

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الزمخشري:

.[سورة الشورى: آية 27].

{وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاء}.
{لَبَغَوْا} من البغي وهو الظلم، أى: لبغى هذا على ذاك، وذاك على هذا، لأنّ الغنى مبطرة مأشرة، وكفى بحال قارون عبرة. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «أخوف ما أخاف على أمّتى زهرة الدنيا وكثرتها» ولبعض العرب:
وقد جعل الوسمىّ ينبت بيننا ** وبين بنى رومان نبعا وشوحطا

يعنى: أنهم أحيوا فحدّثوا أنفسهم بالبغي والتفانن. أو من البغي وهو البذخ والكبر، أى: لتكبروا في الأرض، وفعلوا ما يتبع الكبر من الغلو فيها والفساد. وقيل: نزلت في قوم من أهل الصفة تمنوا سعة الرزق والغنى. قال خباب ابن الأرت: فينا نزلت، وذلك أنا نظرنا إلى أموال بنى قريظة والنضير وبنى قينقاع فتمنيناها {بِقَدَرٍ} بتقدير. يقال قدره قدرا وقدرا.
{خَبِيرٌ بَصِيرٌ} يعرف ما يؤول إليه أحوالهم، فيقدّر لهم ما هو أصلح لهم وأقرب إلى جمع شملهم، فيفقر ويغنى، ويمنع ويعطى، ويقبض ويبسط كما توجبه الحكمة الربانية. ولو أغناهم جميعا لبغوا، ولو أفقرهم لهلكوا. فإن قلت: قد نرى الناس يبغى بعضهم على بعض، ومنهم مبسوط لهم، ومنهم مقبوض عنهم، فإن كان المبسوط لهم يبغون، فلم بسط لهم: وإن كان المقبوض عنهم يبغون فقد يكون البغي بدون البسط، فلم شرطه؟ قلت: لا شبهة في أنّ البغي مع الفقر أقل ومع البسط أكثر وأغلب، وكلاهما سبب ظاهر للإقدام على البغي والإحجام عنه، فلو عم البسط لغلب البغي حتى ينقلب الأمر إلى عكس ما عليه الآن.

.[سورة الشورى: آية 28].

{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)}.
قرئ: {قنطوا} بفتح النون وكسرها {وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ} أى: بركات الغيث ومنافعه وما يحصل به من الخصب. وعن عمر رضي الله عنه أنه قيل له: اشتدّ القحط وقنط الناس فقال: مطروا إذا: أراد هذه الآية. ويجوز أن يريد رحمته في كل شيء، كأنه قال: ينزل الرحمة التي هي الغيث، وينشر غيرها من رحمته الواسعة {الْوَلِيُّ} الذي يتولى عباده بإحسانه {الْحَمِيدُ} المحمود على ذلك يحمده أهل طاعته.

.[سورة الشورى: آية 29].

{وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاء قَدِيرٌ (29)}.
{وَما بَثَّ يجوز} أن يكون مرفوعا ومجرورا يحمل على المضاف إليه أو المضاف.
فإن قلت: لم جاز {فِيهِما مِنْ دابَّةٍ} والدواب في الأرض وحدها؟ قلت: يجوز أن ينسب الشيء إلى جميع المذكور وإن كان ملتبسا ببعضه، كما يقال: بنو تميم فيهم شاعر مجيد أو شجاع بطل، وإنما هو في فخذ من أفخاذهم أو فصيلة من فصائلهم، وبنو فلان فعلوا كذا، وإنما فعله نويس منهم.
ومنه قوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ} وإنما يخرج من الملح. ويجوز أن يكون للملائكة عليهم السلام مشى مع الطيران. فيوصفوا بالدبيب كما يوصف به الأناسي. ولا يبعد أن يخلق في السماوات حيوانا يمشى فيها مشى الأناسي على الأرض، سبحان الذي خلق ما نعلم وما لا نعلم من أصناف الخلق. إِذا يدخل على المضارع كما يدخل على الماضي. قال اللّه تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى} ومنه {إِذا يَشاء} وقال الشاعر:
وإذا ما أشاء أبعث منها ** آخر اللّيل ناشطا مذعورا

.[سورة الشورى: الآيات 30- 31].

{وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (30) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (31)}.
في مصاحف أهل العراق {فَبِما كَسَبَتْ} بإثبات الفاء على تضمين ما معنى الشرط. وفي مصاحف أهل المدينة بما كسبت بغير فاء، على أنّ ما مبتدأة، وبما كسبت: خبرها من غير تضمين معنى الشرط. والآية مخصوصة بالمجرمين، ولا يمتنع أن يستوفى اللّه بعض عقاب المجرم ويعفو عن بعض.
فأمّا من لا جرم له كالأنبياء والأطفال والمجانين، فهؤلاء إذا أصابهم شيء من ألم أو غيره فللعوض الموفى والمصلحة. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من اختلاج عرق ولا خدش عود ولا نكبة حجر إلا بذنب، ولما يعفو اللّه عنه أكثر» وعن بعضهم: من لم يعلم أن ما وصل إليه من الفتن والمصائب باكتسابه، وأنّ ما عفا عنه مولاه أكثر: كان قليل النظر في إحسان ربه إليه. وعن آخر: العبد ملازم للجنايات في كل أوان، وجناياته في طاعاته أكثر من جناياته في معاصيه، لأنّ جناية المعصية من وجه وجناية الطاعة من وجوه، واللّه يطهر عبده من جناياته بأنواع من المصائب ليخفف عنه أثقاله في القيامة، ولولا عفوه ورحمته لهلك في أوّل خطوة: وعن على رضي الله عنه وقد رفعه: من «عفى عنه في الدنيا عفى عنه في الآخرة ومن عوقب في الدنيا لم تثن عليه العقوبة في الآخرة» وعنه رضي الله عنه: هذه أرجى آية للمؤمنين في القرآن {بِمُعْجِزِينَ} بفائتين ما قضى عليكم من المصائب {مِنْ وَلِيٍّ} من متول بالرحمة.

.[سورة الشورى: الآيات 32- 34].

{وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كالأعلام (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34)}.
{الْجَوارِ}: السفن. وقرئ: الجوار كالأعلام كالجبال. قالت الخنساء:
كأنّه علم في رأسه نار

وقرئ: الرياح فيظللن بفتح اللام وكسرها، من ظل يظل ويظل، نحو: ضل يضل ويضل رَواكِدَ ثوابت لا تجرى {عَلى ظَهْرِهِ} على ظهر البحر {لِكُلِّ صَبَّارٍ} على بلاء اللّه {شَكُورٍ} لنعمائه، وهما صفتا المؤمن المخلص، فجعلهما كناية عنه، وهو الذي وكل همته بالنظر في آيات اللّه، فهو يستملى منها العبر {يُوبِقْهُنَّ} يهلكهن. والمعنى: أنه إن يشأ يبتلى المسافرين في البحر بإحدى بليتين: إما أن يسكن الريح فيركد الجواري على متن البحر ويمنعهن من الجري، وإما أن يرسل الريح عاصفة فيهلكهن إغراقا بسبب ما كسبوا من الذنوب {وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ} منها، فإن قلت: علام عطف يوبقهن؟ قلت: على يسكن، لأنّ المعنى: إن يشأ يسكن الريح فيركدن. أو يعصفها فيغرقن بعصفها. فإن قلت: فما معنى إدخال العفو في حكم الإيباق حيث جزم جزمه؟ قلت: معناه: أو إن يشأ يهلك ناسا وينج ناسا على طريق العفو عنهم. فإن قلت: فمن قرأ {وَيَعْفُ}؟ قلت: قد استأنف الكلام.

.[سورة الشورى: آية 35].

{وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35)}.
فإن قلت: فما وجوه القراءات الثلاث في {وَيَعْلَمَ}؟ قلت: أما الجزم فعلى ظاهر العطف وأما الرفع فعلى الاستئناف. وأما النصب فللعطف على تعليل محذوف تقديره: لينتقم منهم ويعلم الذين يجادلون ونحوه في العطف على التعليل المحذوف غير عزيز في القرآن، منه قوله تعالى: {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ} وقوله تعالى: {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ} وأما قول الزجاج: النصب على إضمار أن، لأنّ قبلها جزاء، تقول: ما تصنع أصنع مثله وأكرمك.
وإن شئت وأكرمك، على: وأنا أكرمك. وإن شئت وأكرمك جزما، ففيه نظر لما أورده سيبويه في كتابه. قال: واعلم أنّ النصب بالفاء والواو في قوله: إن تأتنى آتك وأعطيك: ضعيف، وهو نحو من قوله:
وألحق بالحجاز فاستريحا

فهذا يجوز، وليس بحدّ الكلام ولا وجهه، إلا أنه في الجزاء صار أقوى قليلا، لأنه ليس بواجب أنه يفعل.
إلا أن يكون من الأوّل فعل، فلما ضارع الذي لا يوجبه كالاستفهام ونحوه: أجازوا فيه هذا على ضعفه. اهـ. ولا يجوز أن تحمل القراءة المستفيضة على وجه ضعيف ليس بحدّ الكلام ولا وجهه، ولو كانت من هذا الباب لما أخلى سيبويه منها كتابه، وقد ذكر نظائرها من الآيات المشكلة. فإن قلت: فكيف يصح المعنى على جزم {وَيَعْلَمَ}؟ قلت: كأنه قال: أو إن يشأ يجمع بين ثلاثة أمور: هلاك قوم ونجاة قوم وتحذير آخرين {مِنْ مَحِيصٍ} من محيد عن عقابه.

.[سورة الشورى: آية 36].

{فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْء فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36)}.
ما الأولى ضمنت معنى الشرط، فجاءت الفاء في جوابها بخلاف الثانية. عن على رضي الله عنه: اجتمع لأبى بكر رضي الله عنه مال فتصدق به كله في سبيل اللّه والخير، فلامه المسلمون وخطأه الكافرون، فنزلت.

.[سورة الشورى: آية 37].

{وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)}.
{وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ} عطف على الذين آمنوا، وكذلك ما بعده. ومعنى {كَبائِرَ الْإِثْمِ} الكبائر من هذا الجنس. وقرئ: كبير الإثم. وعن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنه: كبير الإثم هو الشرك {هُمْ يَغْفِرُونَ} أي هم الأخصاء بالغفران في حال الغضب، لا يغول الغضب أحلامهم كما يغول حلوم الناس، والمجيء بهم وإيقاعه مبتدأ، وإسناد {يَغْفِرُونَ} إليه لهذه الفائدة، ومثله: {هُمْ يَنْتَصِرُونَ}.

.[سورة الشورى: آية 38].

{وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (38)}.
{وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ} نزلت في الأنصار: دعاهم اللّه عز وجل للإيمان به وطاعته، فاستجابوا له بأن آمنوا به وأطاعوه {وَأَقامُوا الصَّلاةَ} وأتموا الصلوات الخمس. وكانوا قبل الإسلام وقبل مقدم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المدينة: إذا كان بهم أمر اجتمعوا وتشاوروا، فأثنى اللّه عليهم، أى: لا ينفردون برأى حتى يجتمعوا عليه. وعن الحسن: ما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمرهم والشورى: مصدر كالفتيا، بمعنى التشاور.
ومعنى قوله: {وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ} أي ذو شورى، وكذلك قولهم: ترك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه الخلافة شورى.

.[سورة الشورى: آية 39].

{وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)}.
هو أن يقتصروا في الانتصار على ما جعله اللّه لهم ولا يعتدوا. وعن النخعي أنه كان إذا قرأها قال: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفساق. فإن قلت: أهم محمودون على الانتصار؟ قلت: نعم، لأنّ من أخذ حقه غير متعد حدّ اللّه وما أمر به فلم يسرف في القتل إن كان ولى دم أورد على سفيه، محاماة على عرضه وردعا له، فهو مطيع، وكل مطيع محمود.

.[سورة الشورى: آية 40].

{وَجَزاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)}.
كلتا الفعلتين الأولى وجزاؤها سيئة، لأنها تسوء من تنزل به. قال اللّه تعالى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقولوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ}: يريد ما يسوءهم من المصائب والبلايا. والمعنى: أنه يجب إذا قوبلت الإساءة أن تقابل بمثلها من غير زيادة، فإذا قال أخزاك اللّه قال: أخزاك اللّه {فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ} بينه وبين خصمه بالعفو والإغضاء، كما قال تعالى: {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}، {فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} عدة مبهمة لا يقاس أمرها في العظم.
وقوله: {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} دلالة على أن الانتصار لا يكاد يؤمن فيه تجاوز السيئة والاعتداء خصوصا في حال الحرد والتهاب الحمية فربما كان المجازى من الظالمين وهو لا يشعر. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد: من كان له على اللّه أجر فليقم. قال: فيقوم خلق، فيقال لهم: ما أجركم على اللّه؟ فيقولون: نحن الذين عفونا عمن ظلمنا، فيقال لهم: ادخلوا الجنة بإذن اللّه».

.[سورة الشورى: الآيات 41- 42].

{وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (42)}.
{بَعْدَ ظُلْمِهِ} من إضافة المصدر إلى المفعول، وتفسره قراءة من قرأ: {بعد ما ظلم} {فَأُولئِكَ} إشارة إلى معنى {مِنْ} دون لفظه ما {عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} للمعاقب ولا للعاتب والعائب {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ} يبتدئونهم بالظلم {وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ} يتكبرون فيها ويعلون ويفسدون.

.[سورة الشورى: آية 43].

{وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)}.
{وَلَمَنْ صَبَرَ} على الظلم والأذى {وَغَفَرَ} ولم ينتصر وفوّض أمره إلى اللّه إِنَّ ذلِكَ منه {لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} وحذف الراجع لأنه مفهوم، كما حذف من قولهم: السمن منوان بدرهم. ويحكى أن رجلا سب رجلا في مجلس الحسن رحمه اللّه، فكان المسبوب يكظم، ويعرق فيمسح العرق، ثم قام فتلا هذه الآية، فقال الحسن: عقلها واللّه وفهمها إذ ضيعها الجاهلون.
وقالوا: العفو مندوب إليه، ثم الأمر قد ينعكس في بعض الأحوال، فيرجع ترك العفو مندوبا إليه، وذلك إذا احتيج إلى كف زيادة البغي، وقطع مادة الأذى. وعن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل عليه: وهو أن زينب أسمعت عائشة بحضرته، وكان ينهاها فلا تنتهي، فقال لعائشة: «دونك فانتصري».

.[سورة الشورى: آية 44].

{وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقولونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44)}.
{وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ} ومن يخذل اللّه {فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ} فليس له من ناصر يتولاه من بعد خذلانه.

.[سورة الشورى: الآيات 45- 46].

{وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقال الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (45) وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياء يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46)}.
{خاشِعِينَ} متضائلين متقاصرين مما يلحقهم {مِنَ الذُّلِّ} وقد يعلق من الذل بينظرون، ويوقف على {خاشعين} {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} أي يبتدئ نظرهم من تحريك لأجفانهم ضعيف خفى بمسارقة، كما ترى المصبور ينظر إلى السيف. وهكذا نظر الناظر إلى المكاره: