الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ثم أكد الأمر بسلوكه والنهي عن الانحراف عنه بقوله: {وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} الطريقات الصغار المتشعبات عن الطريق العام والجادة المسلوكة، المختلفة يمينا وشمالا، المكنّى فيها عن اتباع الأهواء الفاسدة والبدع المضلة وشهوات النفوس الخبيثة وزخارف الدنيا الدّنية التي تؤدي بصاحبها إلى الهلاك لأنها توصل المعقود، وغايتها الضياع ونهايتها التلف كما كنّ عن الطريق المستقيم باتباع الدين الحق والمنهج الصدق الواضح المؤدي بصاحبه إلى النجاة بايصاله لمقصوده ونهايته الفوز بالمطلوب وإنما نهى اللّه تعالى عن اتباع السبل (نيات الطريق) لأن في اتباعها البعد عن اللّه ورسوله المنوه عنه بقوله: {فَتَفَرَّقَ بِكُمْ} أيها المتبعون لها {عَنْ سَبِيلِهِ} السوي وتميل بكم إلى الدمار {ذلِكُمْ} المذكور في الوصايا التي وصى اللّه بها أسلافكم بواسطة أنبيائهم من آدم إلى محمد عليهم الصلاة والسلام وأوجب عليكم العمل بها {وَصَّاكُمْ بِهِ} الآن فعضوا عليها بالنواجذ وتمسكوا بوصية ربكم {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ 153} طرق الهلاك ومواقع الضّلال وتصلون إلى بغيتكم في الدنيا والآخرة روى البغوي بسنده عن ابن مسعود قال خط لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم خطا ثم قال هذا سبيل اللّه ثم خط خطوطا عن يمينه وشماله فقال هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو اليه وقرأ هذه الآية، هذا وإنه تعالى ضرب مثلا في هذه الآية لدينه القويم الناصع بطريق عام معبد مار بالبيداء يوصل من يسلكه إلى البلد الذي يريده فاذا سلكه أوصله إلى قصده بأمن وسلام وللأديان المعوجة الباطلة بطرق صغار متشعبة عن يمين وشمال الطريق السوي الضاربة في الصحاري لا يعلم مداها، ولا يعرف منتهاها، فإذا ترك الرجل ذلك الطريق المستقيم وسلك هذه الطرق تاه وتحير ووقع في حيص بيص فلا يزال يتخبط فيها حتى يهلك جوعا وعطشا وليعلم أن هذه الآيات مذكورة في الكتب السماوية كلها المنزلة على الرسل كما أشرنا إلى هذا قبل والوصايا العشر المذكورة في التوراة والإنجيل داخلة فيها بدليل قوله تعالى عند ختام كل آية من الآيات الثلاث {ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} أي وصى بها من قبلنا وأنزلها على رسولنا ليعمل بها هو وأمته إلى يوم القيامة ولا تزال طائفة من هذه الأمة عاملة بها حتى لا يبقى على الأرض من يقول اللّه قال تعالى: {ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ} التوراة الجليلة {تَمامًا} للنعمة عليه وكرامة له {عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} أي على من كان محسنا صالحا لاثقا للقيام به كائنا من كان، لأن الذي هنا للجنس، ولهذا قرأ ابن مسعود على الذين أحسنوا وقرأ الحسن على المحسنين وهما قراءتان تفسيريتان لأنهما مخالفتان لما في المصاحف، وقد ذكرنا أن كل قراءة لا تطابق ما في المصاحف لا عبرة بها ولا يجوز قراءتها لعدم ثبوتها بالتواتر المطلوب في صحة القراءة وإن هكذا قرئت لا تعد قراءة وإنما هي تفسير لبعض الألفاظ القرآنية وسبك بعضها ببعض ليس إلا قال الفراء إن الذي هنا في هذه الآية مثلها في قوله:
وإنما قلنا تفسير لأن الذي تأتي بمعنى الذين على اعتبار الجنسية في القراءة الأولى مثل من تأتي للفرد والجمع، والثانية مأخوذة من قوله: {الَّذِي أَحْسَنَ} في الآية، فقال على المحسنين وهو تفسير لا قراءة كما لا يخفى {وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ} يحتاج إليه قومه في دينهم ودنياهم {وَهُدىً} من الضلال {وَرَحْمَةً} عظيمة له ولقومه شاملة من تبعه في دينه ومات عليه إلى بعثة محمد صلّى اللّه عليه وسلم {لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ 154} بالبعث والحساب على الأعمال والجزاء عليها لأن من أيقن بهذا خاف فانتهى عن المنكر وعمل بالمعروف، قال تعالى: {وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ} إليك يا سيد الرسل {مُبارَكٌ} كثير النفع والخير {فَاتَّبِعُوهُ} أيها الناس واعملوا بما فيه يا أمة محمد من الأوامر والنواهي وحافظوا على أحكامه {وَاتَّقُوا} مخالفته وخافوا منزله {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ 155} في الدنيا بالعافية وسعة الرزق وفي الآخرة بالنعيم الدائم، واعلموا أن ما أنزلناه إليكم إلا كراهية {أَنْ تَقُولُوا} لنبيكم إذا أمركم أو نهاكم {إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا} وهم اليهود والنصارى {وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ} جمع باعتبار أن ما فوق الواحد جمع على حد قوله تعالى: {فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ} الآية 36 من سورة النمل المارة، ولبحثها صلة في الآية 78 من الأنبياء الآتية وما ترشد لغيرها وأن أل في الكتاب للجنس فيشمل الزبور وغيره من الصحف المتقدمة ولذلك جاء الضمير بلفظ الجمع أي عن قراءتهم {لَغافِلِينَ 156} عن ما فيها من الأحكام لأنها لم تبلغنا وليست بلغتنا، وان هنا مخففة من الثقيلة واللام في لغافلين هي الفارقة بينها وبين ان النافية وهكذا كلما جاءت المخففة أعقبها اللام وإذا لم يعقبها فهو دليل على أنها نافية لا مخففة، قال تعالى: {أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ} كما أنزل على من قبلنا {لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ} أي من الأمم قبلهم الذين أنزل عليهم الكتب والجمع هنا باعتبار الفرقة والطائفة أو كما تقدم آنفا، وفي هذه الآية والتي قبلها إثبات الحجة على أهل مكة وقطع عذرهم لأن اللّه تعالى أنزل عليهم القرآن الكريم بلغتهم فلم يبق لهم ما يعتذرون به من أن الكتب القديمة أنزلت على من قبلهم وبلغتهم فهي خاصة بهم لأنها ليست بلغتهم كي يتعلموها، ونظير هذه الآية الآية 42 من سورة فاطر المارة في ج 1 فراجعها، قال تعالى: {فَقَدْ جاءَكُمْ} يا أهل مكة {بَيِّنَةٌ} واضحة وحجة قاطعة وبرهان ساطع {مِنْ رَبِّكُمْ} الذي منّ عليكم بهذا القرآن الذي هو نور {وَهُدىً} لكم من الضلال {وَرَحْمَةٌ} بكم لتسلكوا سبل الرشد والسداد وترجعوا عن غيكم {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ} بعد أن جاءته على يد رسوله {وَصَدَفَ} أعرض ومال {عَنْها} ولم يلتفت إليها أي أن هذا لا أحد أشد منه ظلما البتة ومن هذا شأنه يكون داخلا في قوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى} الآية 124 من سورة طه في ج 1، وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} الآية 27 من سورة الزخرف الآتية، ولهذا أعقب اللّه هذه الآية بالتهديد والوعيد فقال: {سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ 157} أي بسبب ميلهم وانصرافهم وإعراضهم عما أمروا به من الحق {هَلْ يَنْظُرُونَ} هؤلاء المكذبون، وهذا استفهام بمعنى النفي كأن اللّه تعالى يقول لا يؤمن بك هؤلاء يا سيد الرسل {إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ} لقبض أرواحهم بالدنيا أو بالعذاب الأسوأ بالآخرة، بدليل قوله تعالى: {أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} لفصل القضاء بين الناس والحكم بالجنة والنار قال تعالى: {وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} الآية 22 من سورة الفجر في ج 1. .مطلب آيات الصفات وعلامات الساعة وإيمان اليأس واعتبار كل الأمم من ملة الإسلام والتفرقة في الدين: وهذه الآية من آيات الصفات من قسم المتشابه الذي ذهب السلف الصالح إلى إبقائه على ظاهره وتأوله الخلف بما يلائم المقام، راجع الآية المذكورة آنفا والآية 18 من هذه السورة وما يرشدانك إليه وسنأتي على توضيحها عند الآية 210 من البقرة والآية 7 من آل عمران في ج 3 إن شاء الله: {أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ} من علامات الساعة كالخسف والزلزال وظهور عيسى بن مريم والدجال والتار ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها ودابة الأرض راجع الآية 82 من سورة النمل في ج 1، {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ} من علاماتها كالدابة أو الموت {لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمانُها} إذ ذاك لأنه اضطراري للتخلص من العذاب مثل إيمان فرعون المار ذكره في الآية 90 من سورة يونس المارة، وأن إيمان اليأس والبأس عند مشاهدة العذاب لا يقبل لقوله تعالى: {لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ} حضور الموت أو القتل والغرق أو وصول الروح الحلقوم {أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْرًا} إخلاصا للّه تعالى قبل اليأس فتنتفع بالإيمان وإلا فلا، وكما لا يقبل إيمان الكافر في مثل هذه الأوقات لا تقبل توبة الفاسق ولا إخلاص المنافق ولا توبته أيضا، راجع الآية 159 من الشعراء في ج 1 والآيتين 83 و84 من سورة غافر الآتية، ثم هددهم ثانيا بقوله: {قُلِ} يا محمد لهؤلاء المعاندين {انْتَظِرُوا} مغبة تسويفكم وإصراركم احدى هذه الآيات القاطعة لآمالكم لتعضوا أصابعكم ندما وأسفا وتتفطر قلوبكم من التحسر على ما فاتكم من زمن قبول التوبة والإيمان {إِنَّا مُنْتَظِرُونَ 158} نزول أحدها بكم وناظرون ما يحل بكم.روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا رآها الناس آمن من عليها.ولكن لا ينفعهم إيمانهم إذ ذاك، راجع الآيات المارة والآية 18 من سورة النساء في ج 3، وروى مسلم عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: من تاب قبل طلوع الشمس من مغربها تاب اللّه عليه.وأخرج الترمذي من رواية صفوان بن عسال المرادي قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم باب من قبل المغرب مسيرة عرضه أو قال يسير الراكب في عرضه أربعين أو سبعين سنة خلقه اللّه تعالى يوم خلق السموات والأرض مفتوحا للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها، وقال حديث حسن صحيح.وروى مسلم عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: بادروا بالأعمال قبل ست: طلوع الشمس من مغربها والدخان والدجال والدابة وخويّصة أحدكم وأمر العامة.وأخرج مسلم من رواية أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل: طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض.وروى مسلم عن أبي حذيفة بن أسد الغفاري قال: طلع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر فقال ما تذاكرون؟ قلنا الساعة فقال إنها لا تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر الدجال والدخان والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى بن مريم عليه السلام وثلاث خسوف، خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تطرد الناس إلى محشرهم.وروى مسلم عن عبد اللّه بن عمرو ابن العاص قال حفظت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم حديثا لم أنسه بعد سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى وأيهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها قريبا.وقال في سوق العروس لابن الجوزي إن الشمس تطلع من مغربها ثلاثة أيام بلياليها ثم يقال لها ارجعي من مطلعك.والمشهور أنها تطلع يوما واحدا من المغرب فتسير إلى خط الاستواء ثم ترجع إلى المغرب وتطلع بعد ذلك من المشرق كعادتها قيل والكل أمر ممكن واللّه سبحانه وتعالى على كل شيء قدير.روى البخاري في تاريخه وأبو الشيخ وابن عساكر في كيفية ذلك عن كعب رضي اللّه عنه قال: إذا أراد اللّه تعالى أن تطلع الشمس من مغربها أدارها بالقطب فجعل شرقها غربا ومغربها مشرقها.وزعم أهل الهيئة ومن نهج طريقهم أن ذلك محال ويقولون إن الشمس وغيرها من الكواكب والفلكيات بسيطة لا تختلف مقتضياتها جهة وحركة وغير ذلك ولا يتطرق إليها تغيير عما هي عليه مع قولهم بجواز انطباق منطقة فلك البروج المسمى بفلك التواريث على المعدل وهي منطقة الفلك الأعظم المسمى بالفلك الأطلس إذ يصير المشرق مغربا والمغرب مشرقا، والبحث في هذا طويل لا محل له هنا ومن أيقن بقدرته تعالى هان عليه تصديق هذا ومن لا فلا إذ لو ملأت له الأرض أدلة لا يصدق لأنه من الذين ختم اللّه على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وقانا اللّه من ذلك وجعلنا من الموقنين بكل ما جاء عن اللّه ورسوله إيقانا لا شك ولا شبهة ولا مرية فيه، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ} اختلفوا فيه بينهم {وَكانُوا شِيَعًا} فرقا وأحزابا لأن الأصل هو دين إبراهيم عليه السلام الحنيف السهل فغيرت فيه اليهود وتلتهم النصارى وكل تشيع لما يرى منه وتبعه ذووه، وزادت في الاختلاف العرب والمجوس إذ أحلوا المحرمات وحرموا الحلال وعبدوا الأصنام والكواكب والملائكة وغيرها وأعقبه اختلاف الأمم حتى الآن فصاروا أحزابا منهم باسم الدين ومنهم باسم العروبة ومنهم باسم القومية ومنهم ومنهم وهم كما أخبر اللّه عنهم {كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} الآية 32 من سورة الزمر الآتية، ولهذا قال تعالى لحبيبه إن هؤلاء الأقوام المتفرقين في الدين {لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} فأعرض عنهم وتبرأ منهم ومن أفعالهم وأقوالهم ماداموا مصرين على ما هم عليه من الاختلاف واتركهم فلست بمسؤول عنهم، أسند الطبري عن أبي هريرة مرفوعا قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء وليسوا منك، هم أهل البدع والأهواء والشبهات والضلالة.واقتباسا من هذه الآية (القول السائد) إن فعلت كذا فلست منك ولست مني، روي عن الغرباض بن سارية قال صلى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ذات يوم ثم أقبل بوجهه علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل يا رسول اللّه كأن هذه موعظة مودع فما تعهد إلينا فقال أوصيكم بتقوى اللّه والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.- أخرجه أبو داود والترمذي- وعن معاوية قال: قام فينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين فرقة وإن هذه الأمة ستفرق على ثلاث وسبعين فرقة ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة.زاد في رواية: وانه يخرج من أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله، أخرجه أبو داود.وأراد بالتجاري هنا على قول بعضهم الوقوع في الأهواء الفاسدة تشبيها بجري الفرس والكلب، ولا أراه سديدا بل أراد واللّه أعلم داء الكلب، أي تتداخل بهم الأهواء كتداخل داء الكلب في الوجود بدليل ما بعده.وعن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: إن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملّة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملّة كلها في النار إلّا ملّة واحدة، قالوا من هي يا رسول اللّه قال من كان على ما أنا عليه وأصحابي- أخرجه الترمذي-.وفي هذين الحديثين دلالة كافية على أن جميع أهل الملل المتفرقة في المذاهب والطرق من ملة الإسلام إذ جعلهم الرسول صلّى اللّه عليه وسلم من أمته بنص قوله (أمتى) في الحديث الأخير فنسأل اللّه تعالى أن يجمع كلمتهم على طريق الحق ويوحد صفوفهم على الصدق ويشد أزرهم بعضهم ببعض، وينزع الخلاف من بينهم ويوحد كلمة هؤلاء الأحزاب المتضاربة المتحزبة بعضها لبعض الآن بما يزيد عن التعصّب الكائن في الجاهلية بسبب القرابة ويسدد خطاهم إلى الهدى والصواب ويلهمهم الرشد ويزيل عنهم الحجاب ونظير هذه الآية 13 من سورة الشورى الآتية فراجعها وهذه الآية عامة محكمة وحكمها باق إلى آخر الدوران فمن قال منسوخة احتج بانها خاصة باليهود والنصارى والكفار من حيث لا دليل يخصصها بأحد من هؤلاء من كتاب أو سنة لهذا فلا عبرة بهذا القول لأن معناها عام والعام يبقى على عمومه ما لم يخصص ولا مخصص له.
|