الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قال الأَخفش: هي أَفعِلاءُ، فلهذا لم تصرف؛ لأَنَّ أَصلها أَشْيِئاء، حذف الهمزة التي بين الياءِ والأَلف للتخفيف.قال له المازنىّ: كيف تصغّر العرب أَشْياءَ؟ فقال: أُشَيّاء.فقال له: تركت قولك؛ لأَنَّ كلّ جمع كُسِّر على غير واحده وهو من أَبنية الجمع فإِنَّه يُردّ في التصغير إِلى واحده؛ كما قالوا: شويعرون في تصغير الشُعَراءِ.وهذا القول لا يلزم الخليل؛ لأَنَّ فَعْلاءَ ليس من أَبنية الجمع.وقال الكِسَائىّ: أَشياء أَفعال؛ مثل فَرْخ وأَفراخ، وإِنَّما تركوا صرفها، لكثرة استعمالهم إِيّاها لأَنَّها شُبّهت بفعلاء.وهذا القول يدخُل عليه أَلاَّ يُصرف أَبناء وأَسماء.وقال الفرّاءُ: أَصل شيء شَيْىءٌ مثل شَيّع، فجمع على أَفعِلاءَ؛ مثل هيّن وأَهوناءَ، وليِّن وأَلْيِناء، ثمّ خُفف فقيل شيء، كما قالوا: هَيْن ولَيْن.وقالوا: أَشْيَاء، فحذفوا الهمزة الأُولى.وهذا القول يدخل عليه أَلاَّ يجمع على أَشَاوَى.والشِّيئة: الإِرادة.وكلّ شيء بشيئة الله، مثال شِيعة، أي بمشيئته.وقد شئت الشيء أَشاؤه.وأَشاءَه: أَلجأه. اهـ.
.تفسير الآية رقم (20): قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (20)}.مناسبة الآية لما قبلها: قال البقاعي:ولما أثبت شهادة الله تعالى له بالتصديق بأنه محق، وكان ذلك ربما أوهم أن غير الله تعالى لا يعرف ذلك، لاسيما وقد ادعى كفار قريش أنهم سألوا أهل الكتابين فادعوا أنهم لا يعرفونه، أتبعه بقوله على طريق الاستئناف: {الذين آتيناهم} أي بما لنا من العظمة من اليهود والنصارى {الكتاب} أي الجامع لخيري الدنيا والآخرة، وهو التوراة والإنجيل {يعرفونه} أي الحق الذي كذبتم به لما جاءكم وحصل النزاع بيني وبينكم فيه لما عندهم في كتابهم من وصفي الذي لا يشكون فيه، ولما هم بمثله آنسون مما أثبت به من المعجزات، ولما في هذا القرآن من التصديق لكتابهم والكشف لما أخفوا من أخبارهم، ولأساليبه التي لا يرتابون في أنها خارجة من مشكاة كتابهم مع زيادتها بالإعجاز، فهم يعرفون هذا الحق {كما يعرفون أبناءهم} أي من بين الصبيان بحُلاهم ونعوتهم معرفة لا يشكون فيها، وقد وضعتموهم موضع الوثوق، وأنزلتموهم منزلة الحكم بسؤالكم لهم عني غير مرة، وقد آمن بي جماعة منهم وشهدوا لي، فما لكم لا تتابعونهم! لقد بان الهوى وانكشف عن ضلالكم الغطاء.ولما كان أكثرهم يخفون ذلك ولا يشهدون به، قال جوابًا لمن يسأل عنهم: {الذين خسروا} أي منهم، ولكنه حذفها للتعميم {أنفسهم فهم} أي بسبب ذلك {لا يؤمنون} أي لما سبق لهم من القضاء بالشقاء الذي خسروا به أنفسهم بالعدول عما دعت إليه الفطرة السليمة والفكرة المستقيمة، ومن خسر نفسه فهو لا يؤمن فكيف يشهد! فقد بينت هذه الجملة أن من لا يشهد منهم فهو في الحقيقة ميت أو موات، لأن من ماتت نفسه كذلك، بل هم أشقى منه، فلقد أداهم ذلك الشقاء إلى أن حرفوا كتابهم وأخفوا كثيرًا مما يشهد لي بالنبوة، فكانوا أظلم الخلق بالكذب في كتاب الله للتكذيب لرسل الله. اهـ..من أقوال المفسرين: .قال الفخر: اعلم أنا روينا في الآية الأولى أن الكفار سألوا اليهود والنصارى عن صفة محمد عليه الصلاة والسلام فأنكروا دلالة التوراة والإنجيل على نبوته، فبيّن الله تعالى في الآية الأولى أن شهادة الله على صحة نبوته كافية في ثبوتها وتحققها، ثم بيّن في هذه الآية أنهم كذبوا في قولهم أنا لا نعرف محمدًا عليه الصلاة والسلام، لأنهم يعرفونه بالنبوّة والرسالة كما يعرفون أبناءهم لما روي أنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قال عمر لعبد الله بن سلام: أنزل الله على نبيه هذه الآية فكيف هذه المعرفة، فقال يا عمر لقد عرفته فيكم حين رأيته كما أعرف ابني ولأنا أشد معرفة بمحمد مني يا بني لأني لا أدري ما صنع النساء وأشهد أنه حق من الله تعالى.واعلم أن ظاهر هذه الآية يقتضي أن يكون علمهم بنبوة محمد عليه السلام مثل علمهم بأبنائهم وفيه سؤال وهو أن يقال: المكتوب في التوراة والإنجيل مجرد أنه سيخرج نبي في آخر الزمان يدعو الخلق إلى الدين الحق، أو المكتوب فيه هذا المعنى مع تعين الزمان والمكان والنسب والصفة والحلية والشكل، فإن كان الأول فذلك القدر لا يدل على أن ذلك الشخص هو محمد عليه السلام، فكيف يصح أن يقال: علمهم بنوته مثل علمهم بنبوة أبنائهم، وإن كان الثاني وجب أن يكون جميع اليهود والنصارى عالمين بالضرورة من التوراة والإنجيل بكون محمد عليه الصلاة والسلام نبيًا من عند الله تعالى، والكذب على الجمع العظيم لا يجوز لأنا نعلم بالضرورة أن التوراة والإنجيل ما كانا مشتملين على هذه التفاصيل التامة الكاملة، لأن هذا التفصيل إما أن يقال: إنه كان باقيًا في التوراة والإنجيل حال ظهور الرسول عليه الصلاة والسلام أو يقال: إنه ما بقيت هذه التفاصيل في التوراة والإنجيل في وقت ظهوره لأجل أن التحريف قد تطرق إليهما قبل ذلك، والأول باطل لأن إخفاء مثل هذه التفاصيل التامة في كتاب وصل إلى أهل الشرق والغرب ممتنع، والثاني أيضًا باطل، لأن على هذا التقدير لم يكن يهود ذلك الزمان، ونصارى ذلك الزمان عالمين بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم علمهم بنبوة أبنائهم، وحينئذٍ يسقط هذا الكلام.والجواب عن الأول: أن يقال المراد ب {الذين ءاتيناهم الكتاب} اليهود والنصارى، وهم كانوا أهلًا للنظر والاستدلال، وكانوا قد شاهدوا ظهور المعجزات على الرسول عليه الصلاة والسلام، فعرفوا بواسطة تلك المعجزات كونه رسولًا من عند الله، والمقصود من تشبيه إحدى المعرفتين بالمعرفة الثانية هذا القدر الذي ذكرناه.أما قوله: {الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} ففيه قولان: الأول: أن قوله: {الذين} صفة للذين الأولى، فيكون عاملهما واحدًا ويكون المقصود وعيد المعاندين الذين يعرفون ويجحدون.والثاني: أن قوله الذين خسروا أنفسهم ابتداء.وقوله: {فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} خبره، وفي قوله: {الذين خَسِرُواْ} وجهان: الأول: أنهم خسروا أنفسهم بمعنى الهلاك الدائم الذي حصل لهم بسبب الكفر والثاني: جاء في التفسير أنه ليس من كافر ولا مؤمن إلا وله منزلتة في الجنة، فمن كفر صارت منزلته إلى من أسلم فيكون قد خسر نفسه وأهله بأن ورث منزلة غيره. اهـ..قال الزمخشري: {الذين ءاتيناهم الكتاب} يعني اليهود والنصارى يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم بحليته ونعته الثابت في الكتابين معرفة خالصة {كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ} بحلاهم ونعوتهم لا يخفون عليهم ولا يلتبسون بغيرهم.وهذا استشهاد لأهل مكة بمعرفة أهل الكتاب به وبصحة نبوّته.ثم قال: {الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُم} من المشركين من أهل الكتاب الجاحدين {فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} به، جمعوا بين أمرين متناقضين، فكذبوا على الله بما لا حجة عليه، وكذبوا بما ثبت بالحجة البينة، والبرهان الصحيح، حيث قالوا: {لَوْ شَاء الله مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ ءَابَاؤُنَا} [الأنعام: 148] وقالوا: {والله أَمَرَنَا بِهَا} [الأعراف: 28] وقالوا: {الملائكة بَنَاتُ الله} و{هَؤُلاء شفعاؤنا عِندَ الله} [يونس: 18] ونسبوا إليه تحريم البحائر والسوائب، وذهبوا فكذبوا القرآن والمعجزات، وسموها سحرًا، ولم يؤمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم. اهـ..قال السمرقندي: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ} يعني: التوراة والإنجيل {يَعْرِفُونَهُ} يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم بنعته وصفته {كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ} وقال عبد الله بن سلام: أنا أعرف بالنبي صلى الله عليه وسلم من ابني لأني أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أشهد لابني، لأني لا أدري ما أحدثت النساء بعدي.ثم قال: {الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} يعني: كعب بن الأشرف ومن تابعه ممن طلبوا الرئاسة، آثروا الدنيا على الآخرة. اهـ..قال الماوردي: {الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنْفُسَهُمْ} فيه تأويلان:أحدهما: أنهم خسروا بالكفر منازلهم وأزواجهم في الجنة، لأنه ليس أحد من مؤمن ولا كافر إلا وله منازل وأزواج، فإن أسلموا كانت لهم، وإن كفروا كانت لمن آمن من أهلهم، وهو معنى قوله تعالى: {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 11]، قاله الفراء.والثاني: معناه غبنوها فأهلكوها بالكفر والتكذيب، ومنه قول الأعشى:. اهـ. .قال ابن عطية: {الذين} رفع بالابتداء وخبره {يعرفونه} و{الكتاب} معناه التوراة والإنجيل وهو لفظ مفرد يدل علىلجنس، والضمير في {يعرفونه} عائد في بعض الأقوال على التوحيد لقرب قوله: {قل إنما هو إله واحد} [الأنعام: 19] وهذا استشهاد في ذلك على كفرة قريش والعرب بأهل الكتاب، و{الذين خسروا} على هذا التأويل منقطع مرفوع بالابتداء وليس من صفة {الذين} الأولى، لأنه لا يصح أن يستشهد بأهل الكتاب ويذمون في آية واحدة.قال القاضي أبو محمد: وقد يصح ذلك لاختلاف ما استشهد فيه بهم وما ذموا فيه، وأن الذم والاستشهاد ليس من جهة واحدة، وقال قتادة والسدي وابن جريج: الضمير عائد في {يعرفونه} على محمد عليه السلام ورسالته، وذلك على ما في قوله: {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم} [الأنعام: 19] فكأنه قال وأهل الكتاب يعرفون ذلك من إنذاري والوحي إليَّ، وتأول هذا التأويل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يدل على ذلك قوله لعبد الله بن سلام إن الله أنزل على نبيه بمكة أنكم تعرفون أبناءكم فكيف هذه المعرفة فقال عبد الله بن سلام نعم أعرفه الصفة التي وصفه الله في التوراة فلا أشك فيه، وأما ابني فلا أدري ما أحدثت أمه.قال القاضي أبو محمد: وتأول ابن سلام رضي الله عنه المعرفة بالابن تحقق صحة نسبه، وغرض الآية إنما هو الوقوف على صورته فلا يخطئ الأب فيها، وقالت فرقة: الضمير من {يعرفونه} عائد على القرآن المذكور قبل.قال القاضي أبو محمد: ويصح أن تعيد الضمير على هذه كلها دون اختصاص، كأنه وصف أشياء كثيرة، ثم قال: أهل الكتاب {يعرفونه} أي ما قلنا وما قصصنا وقوله تعالى: {الذين خسروا} الآية، يصح أن يكون {الذين} نعتًا تابعًا ل {الذين قبله}، والفاء من قوله: {فهم} عاطفة جملة على جملة، وهذا يحسن على تأويل من رأى في الآية قبلها أن أهل الكتاب متوعدون مذمومون لا مستشهد بهم، ويصح أن يكون {الذين} رفعًا بالابتداء على استئناف الكلام، وخبره {فهم لا يؤمنون} والفاء في هذا جواب، {وخسروا} معناه غبنوها، وقد تقدم، وروي أن كل عبد له منزل في الحاجة ومنزل في النار، فالمؤمنون ينزلون منازل أهل الكفر في الجنة والكافرون ينزلون منازل أهل الجنة في النار فهاهنا هي الخسارة بينة والربح للآخرين. اهـ..قال الخازن: قوله عز وجل: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} المراد بالذين أوتوا الكتاب علماء اليهود والنصارى الذين كانوا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أن كفّار مكة لما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إنا سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر وأنكروا معرفته بين الله عز وجل أن شهادته له كافية على صحة نبوته وبين في هذه الآية أنهم يعرفونه وأنهم كذبوا في قولهم إنهم لا يعرفونه.وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وأسلم عبد الله بن سلام قال له عمر بن الخطاب: إن الله عز وجل أنزل على نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بمكة {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} فكيف هذه المعرفة؟ فقال عبد الله بن سلام: يا عمر لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني ولأنا أشد معرفة بمحمد صلى الله عليه وسلم مني بابني فقال عمر وكيف ذاك؟ قال أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقًا ولا أدري ما يصنع النساء.وقوله تعالى: {الذين خسروا أنفسهم} يعني: أهلكوا أنفسهم وغبنوها وأوبقوها في نار جهنم بإنكارهم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.وفي الذين خسروا أنفسهم قولان: أحدهما: أنه صفة الذين الأولى ويكون المقصود من ذلك وعيد المعاندين الذين يعرفون محمدًا صلى الله عليه وسلم ويجحدون نبوته وهم كفار أهل الكتابين {فهم لا يؤمنون} يعني به.والقول الثاني: إنه كلام مبتدأ ولا تعلق له بالأول وهم كفار مكة الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وذكروا في معنى الخسار وجهين: أحدهما: أنه الهلاك الدائم الذي حصل لهم بسبب كفرهم وإنكارهم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.والوجه الثاني: أنه جعل لكل واحد من بني آدم منزلًا في الجنة ومنزلًا في النار فإذا كان يوم القيامة جعل الله للمؤمنين منازل الكفار التي في الجنة وجعل للكفار منازل المؤمنين التي في النار فذلك هو الخسران. اهـ..قال أبو حيان: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون} تقدم شرح الجملة الأولى في البقرة وشرح الثانية في هذه السورة من قريب، وقالوا هنا الضمير في {يعرفونه} عائد على الرسول قاله قتادة والسدي وابن جريج والجمهور، ومنهم عمر بن الخطاب، أو على التوحيد وذلك لقرب قوله: {قل إنما هو إله واحد} وفيه استشهاد على كفرة قريش والعرب بأهل الكتاب أو على القرآن قاله فرقة لقوله: {وأوحي إليّ هذا القرآن}.
|