الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الصابوني: سورة المزمل صلى الله عليه وسلم:مكية.وآياتها عشرون آية.بين يدي السورة:* سورة المزمل مكية، وهي تتناول جانبا من حياة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، في تبتله، وطاعته، وقيامه الليل، وتلاوته لكتاب الله عز وجل، ومحور السورة يدور حول الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا سميت (سورة المزمل).* ابتدأت السورة الكريمة بنداء الرسول صلى الله عليه وسلم، نداء شفيفا لطيفا، ينم عن لطف الله عز وجل، ورحمته بعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، الذي كان يجهد نفسه في عبادة الله ابتغاء مرضاته {يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا}.* ثم تناولت السورة موضوع ثقل الوحي الذي كلف الله به رسوله، ليقوم بتبليغه للناس بجد ونشاط، ويستعين على ذلك بالاستعداد الروحي باحياء الليل في العبادة {إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا إن لك في النهار سبحا طويلا}.* وأمرت الرسول صلى الله عليه وسلم بالصبر على أذى المشركين، وهجرهم هجرا جميلا إلى أن ينتقم الله منهم {واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا وذرني والمكذبين أولى النعمة ومهلهم قليلا}.* ثم توعد الله المشركين بالعذاب والنكال يوم القيامة، حيث يكون فيه من الهول والفزع، ما يشيب له رءوس الولدان {إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا.} الآيات.* ثم تحدثت السورة الكريمة، عن موقف المشركين من دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد جاءهم بالخير والهدى، فعاندوه وكذبوه، ووقفوا في وجه الدعوة، يريدون إطفاء نور الله، فأنذرهم بالعذاب الشديد، وضرب لهم المثل بفرعون الطاغية الجبار، الذي بعث الله إليه نبيه موسى، فعصاه وكذب برسالته، وما كان من عاقبة أمره في الهلاك والدمار، تحذيرا للكفار من أهل مكة، أن يحل بهم مثل ذلك العذاب {إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصي فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا.} الآيات.* وختمت السورة الكريمة بتخفيف الله عن رسوله وعن المؤمنين من قيام الليل، رحمة به وبهم، ليتفرغ الرسول وأصحابه لبعض شئون الحياة {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك.} إلى قوله: {وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم}. اهـ..قال عمرو الداني: سورة المزمل 73:مكية.قال ابن عباس وعطاء إلا آية من آخرها وهي قوله تعالى: {إن ربك يعلم أنك تقوم} إلى آخر السورة فإنها نزلت بالمدينة.وقد ذكر نظيرتها في المدني الأخير ونظيرتها في المدني الأول والمكي من البلد واقرأ وفي الكوفي والشامي البلد فقط وفي البصري الانفطار والأعلى واقرأ وفي المكي من رواية بعض شيوخنا الانفطار والأعلى.وكلمها مائة وتسعون كلمة.وحروفها ثماني مائة وثمانية وثلاثون حرفا.وهي ثماني عشرة آية في المدني الأخير وتسع عشرة في المكي بخلاف عنه وفي البصري وعشرون في عدد الباقين وفي المكي من روايتنا.اختلافها أربع آيات {يا أيها المزمل} عدها الكوفي والمدني الأول والشامي ولم يعدها الباقون.وكلهم عد {يا أيها المدثر} من حيث شاكل آخرها أو آخر رؤوس الآي بعدها.{إنا أرسلنا إليكم رسولا} عدها المكي ولم يعدها الباقون.{إلى فرعون رسولا} لم يعدها المكي بخلاف عنه وعدها الباقون وهو الصحيح عن المكي.{الولدان شيبا} لم يعدها المدني الأخير وعدها الباقون.وفيها مما يشبه الفواصل موضع واحد وهو ({قرضا حسنا})..ورءوس الآي: {قليلا}2- {قليلا}.3- {ترتيلا}.4- {ثقيلا}.5- {قيلا}.6- {طويلا}.7- {تبتيلا}.8- {وكيلا}.9- {جميلا}.10- {قليلا}.11- {وجحيما}.12- {أليما}.13- {مهيلا}.14- {رسولا}.15- {وبيلا}.16- {مفعولا}.18- {سبيلا}.19- {رحيم}. اهـ..فصل في معاني السورة كاملة: .قال المراغي: سورة المزمل صلى الله عليه وسلم:{المزمل}: أصله المتزمل من قولهم تزمل بثيابه إذا تلفف بها، {ورتل القرآن}: أي اقرأه على تؤدة وتمهل مع تبيين حروفه، يقال ثغر رتل (بسكون التاء وكسرها): إذا كان مفلجا لا تتصل أسنانه بعضها ببعض، {سنلقى عليك}: أي سنوحى إليك، {قولا ثقيلا}: المراد به القرآن لما فيه من التكاليف الشاقة على المكلفين عامة وعلى الرسول خاصة، لأنه يتحملها بنفسه ويبلغها إلى أمته، {ناشئة الليل}: هي النفس التي تنشأ من مضجعها للعبادة: أي تنهض وترتفع من قولهم نشأت السحابة إذا ارتفعت وطأ: أي مواطأة وموافقة من قولهم واطأت فلانا على كذا إذا وافقته عليه ومنه قوله تعالى: {لِيُواطِؤُا عِدّة ما حرّم اللّهُ} أي ليوافقوا، أقوم قليلا: أي أثبت قراءة، لحضور القلب وهدوء الأصوات، {سبحا طويلا}: أي تقلبا وتصرفا في مهامّ أمورك، واشتغالا بشواغلك، فلا تستطيع أن تتفرغ للعبادة، فعليكها في الليل، وأصل السبح: السير السريع في الماء، {واذكر اسم ربك}: أي ودم على ذكره ليلا ونهارا، {وتبتل إليه تبتيلا}: أي انقطع عن كل شيء إلى أمر اللّه وطاعته، {واتخذه وكيلا}: أي وفوض كل أمر إليه.الهجر الجميل: ما لا عتاب معه، و{النعمة} (بفتح النون) التنعم (وبكسر النون) الإنعام، {مهّلهم}: أي اتركهم برفق وتأنّ ولا تهتم بشأنهم، والأنكال: واحدها نكل (بكسر النون وفتحها) وهو القيد الثقيل، قالت الخنساء:والجحيم: النار الشديدة الإبقاد، {ذا غصة}: أي لا يستساغ في الحلق فلا يدخل ولا يخرج، {ترجف}: أي تضطرب وتتزلزل، {كثيبا}: أي رملا مجتمعا، من قولهم: كثب الشيء إذا جمعه، {مهيلا}: أي رخوا ليّنا إذا وطئته القدم زل من تحتها، والوبيل: الثقيل الرديء العقبى، من قولهم: كلأ وبيل: أي وخيم لا يستمرأ لثقله، والشيب: واحدهم أشيب، {منفطر}: أي منشق.{تذكرة}: أي موعظة، {سبيلا}: أي طريقا توصله إلى الجنة، {أدنى} أي أقلّ، {واللّه يقدّر الليل والنهار} أي يعلم مقادير ساعاتهما، {أن لن تحصوه} أي لا يمكنكم الإحصاء وضبط الساعات، {فتاب عليكم} أي بالترخيص في ذلك القيام المقدر ورفع التبعة عنكم، {فاقرءوا ما تيسر من القرءان} أي فصلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل، {يضربون في الأرض}. أي يسافرون للتجارة، وأقرضوا اللّه. أي أنفقوا في سبل الخيرات. اهـ.. باختصار. .قال الفراء: سورة المزمل صلى الله عليه وسلم:{يا أيُّها الْمُزّمِّلُ قُمِ الْلّيْل إِلاّ قلِيلا نِّصْفهُ أوِ انقُصْ مِنْهُ قلِيلا}اجتمع القراء على تشديد: المُزّمِّل، والمُدّثِّر، والمزمّل: الذي قد تزمّل بثيابه، وتهيأ للصلاة، وهو رسول الله صلى الله عليه.وقوله عز وجل: {قُمِ الْلّيْل إِلاّ قلِيلا..}.يريد: الثلث الآخِر، ثم قال: {نِّصْفهُ..}.والمعنى: أو نصفه، ثم رخص له فقال: {أوِ انقُصْ مِنْهُ قلِيلا..} من النصف إلى الثلث أو زد على النصفِ إلى الثلثين، وكان هذا قبل أن تفرض الصلوات الخمس، فلما فرضت الصلاة نسختْ هذا، كما نسخت الزكاةُ كلّ صدقة، وشهر رمضان كلّ صوم.{أوْ زِدْ عليْهِ ورتِّلِ القرآن ترْتِيلا}وقوله عز وجل: {ورتِّلِ القرآن ترْتِيلا..}.يقول: اقرأه على هِينتك ترسلا.{إِنّا سنُلْقِي عليْك قولا ثقِيلا}وقوله عز وجل: {سنُلْقِي عليْك قولا ثقِيلا..}.أى: ليس بالخفيف ولا السّفْساف؛ لأنه كلام ربنا تبارك وتعالى.{إِنّ ناشِئة اللّيْلِ هِي أشدُّ وطْأ وأقْومُ قِيلا}وقوله عز وجل: {إِنّ ناشِئة اللّيْلِ هِي أشدُّ وطْأ..}.يقول: هي أثبت قياما. {وأقْومُ قِيلا..} يقول: إن النهار يضطرب فيه الناس، ويتقلبون فيه للمعاش، والليل أخلى للقلب، فجعله أقوم قيلا.وقال بعضهم. إن ناشئة الليل هي أشد على المصلى من صلاة النهار؛ لأن الليل للنوم، فقال: هى، وإن كانت أشد وطئا فهى أقوم قيلا، وقد اجتمع القراء على نصب الواو من وطئا وقرأ بعضهم: {هى أشدُّ وطئا} قال: قال الفراء: أكتب وطئا بلا ألف وقرأ بعضهم: {هي أشد وِطاء} فكسر الواو ومده يريد: أشد علاجا ومعالجة ومواطأة. وأمّا الوِطء فلا وِطء لم نروه عن أحد من القراء.{إِنّ لك فِي النّهارِ سبْحا طوِيلا}وقوله عز وجل: {إِنّ لك فِي النّهارِ سبْحا طوِيلا..}.يقول: لك في النهار ما يقضى حوائجك. وقد قرأ بعضهم: {سبخا} بالخاء، والتسبيخ: توسعة الصوف والقطن وما أشبهه، يقال: سبِّخى قطنك. قال أبو الفضل: سمعت أبا عبد الله يقول: حضر أبو زياد الكلابى مجلس الفراء في هذا اليوم، فسأله الفراء عن هذا الحرف فقال: أهل باديتنا يقولون: اللهم سبِّخ عنه للمريض والملسوع ونحوه.{واذْكُرِ اسْم ربِّك وتبتّلْ إِليْهِ تبْتِيلا}وقوله عز وجل: {وتبتّلْ إِليْهِ تبْتِيلا..}.أخْلِص لله إخلاصا، ويقال للعابد إذا ترك كل شيء، وأقبل على العبادة: قد تبتل، أي: قطع كل شيء إلا أمر الله وطاعته.{رّبُّ الْمشْرِقِ والْمغْرِبِ لا اله إِلاّ هُو فاتّخِذْهُ وكِيلا}وقوله عز وجل: {رّبُّ الْمشْرِقِ والْمغْرِبِ..}.خفضها عاصم والأعمش، ورفعها أهل الحجاز، والرفع يحسن إِذا انفصلت الآية من الآية، ومثله: {وتذرُون أحْسن الْخالِقِين اللهُ ربُّكُمْ} في هذين الموضعين يحسن الاستئناف والإتباع.وقوله عز وجل: {فاتّخِذْهُ وكِيلا..}.كفيلا بما وعدك.{يوْم ترْجُفُ الأرْضُ والْجِبالُ وكانتِ الْجِبالُ كثِيبا مّهِيلا}{وكانتِ الْجِبالُ كثِيبا مّهِيلا..}.والكثيب: الرمل، والمهيل: الذي تحرك أسفله فينهال عليك من أعلاه، والمهيل: المفعول، والعرب تقول: مهيل ومهيول، ومكيد ومكيود، قال الشاعر:قال، قال الفراء: المستأرب الذي قد أُخذ بآرابه، وقد أُرِّب.{فكيْف تتّقُون إِن كفرْتُمْ يوْما يجْعلُ الْوِلْدان شِيبا}وقوله عز وجل: {فكيْف تتّقُون إِن كفرْتُمْ يوْما..}.معناه: فكيف تتقون يوما يجعل الولدان شيبا إن كفرتم، وكذلك هي في قراءة عبد الله سواء.{السّماءُ مُنفطِرٌ بِهِ كان وعْدُهُ مفْعُولا}وقوله عز وجل: {السّماءُ مُنفطِرٌ بِهِ..}.بذلك اليوم، والسماء تذكر وتؤنث، فهى ها هنا في وجه التذكير. قال الشاعر: {إِنّ هاذِهِ تذْكِرةٌ فمن شاء اتّخذ إِلى ربِّهِ سبِيلا}وقوله عز وجل: {فمن شاء اتّخذ إِلى ربِّهِ سبِيلا..}.طريقا ووجهة إلى الله.{إِنّ ربّك يعْلمُ أنّك تقُومُ أدْنى مِن ثُلُثيِ الْلّيْلِ ونِصْفهُ وثُلُثهُ وطآئِفةٌ مِّن الّذِين معك واللّهُ يُقدِّرُ الْلّيْل والنّهار علِم أن لّن تُحْصُوهُ فتاب عليْكُمْ فاقْرءُواْ ما تيسّر مِن القرآن علِم أن سيكُونُ مِنكُمْ مّرْضى وآخرُون يضْرِبُون فِي الأرْضِ يبْتغُون مِن فضْلِ اللّهِ وآخرُون يُقاتِلُون فِي سبِيلِ اللّهِ فاقْرءُواْ ما تيسّر مِنْهُ وأقِيمُواْ الصّلاة وآتُواْ الزّكاة وأقْرِضُواُ اللّه قرْضا حسنا وما تُقدِّمُواْ لأنفُسِكُمْ مِّنْ خيْرٍ تجِدُوهُ عِند اللّهِ هُو خيْرا وأعْظم أجْرا واسْتغْفِرُواْ اللّه إِنّ اللّه غفُورٌ رّحِيمٌ}وقوله عز وجل: {إِنّ ربّك يعْلمُ أنّك تقُومُ أدْنى مِن ثُلُثيِ الْلّيْلِ ونِصْفهُ وثُلُثهُ..}.قرأها عاصم والأعمش بالنصب، وقرأها أهل المدينة والحسنُ البصرى بالخفض، فمن خفض أراد: تقوم أقل من الثلثين. وأقل من النصف. ومن الثلث. ومن نصب أراد: تقوم أدنى من الثلثين، فيقوم النصف أو الثلث، وهو أشبه بالصواب، لأنه قال: أقل من الثلثين، ثم ذكر تفسير القلة لا تفسير أقل من القلة. ألا ترى أنك تقول للرجل: لى عليك أقل من ألف درهم ثمانى مائة أو تسع مائة، كأنه أوجه في المعنى من أن تفسر- قلة- أخرى وكلٌّ صواب.{وطآئِفةٌ مِّن الّذِين معك..} كان النبي صلى الله عليه، وطائفة من المسلمين يقومون الليل قبل أن تفرض الصلاة، فشق ذلك عليهم، فنزلت الرخصة. وقد يجوز أن يخفض النصف، وينصب الثلث لتأويل قوم: أنّ صلاة النبي صلى الله عليه انتهت إِلى ثلث الليل، فقالوا: إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من الثلثين، ومن النصف، ولا تنقص من الثلث، وهو وجه شاذ لم يقرأ به أحد. وأهل القراءة الذين يُتّبعون أعلم بالتأويل من المحدثين. وقد يجوز، وهو عندى: يريد: الثلث.وقوله عز وجل: {علِم أن لّن تُحْصُوهُ..}.أن لن تحفظوا مواقيت الليل {فاقْرءُواْ ما تيسّر..} المائة فما زاد. وقد ذكروا: أنه من قرأ عشر آيات لم يكتب من الغافلين، وكل شيء أحياه المصلى من الليل فهو ناشئة.وقوله عز وجل: {وأقِيمُواْ الصّلاة..} يعنى: المفروضة. اهـ.
|