الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.[سورة ص: الآيات 61- 66]: {قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61) وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (62) أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (63) إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64) قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66)}..الإعراب: {قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ} قالوا فعل وفاعل وربنا منادى مضاف محذوف منه حرف النداء ومن اسم موصول مبتدأ وجملة قدّم خبر والفاء رابطة لما في الموصول من رائحة الشرط وجملة فزده خبر والأولى أن يكون من مفعولا لفعل محذوف يفسره ما بعده أي فزد من قدّم أو الهاء مفعول به أول وعذابا مفعول به ثان وضعفا نعت لعذاب أي مضاعفا وفي النار ظرف لزده أو حال من الهاء أي فزده كائنا في النار أو نعت ثان لعذابا.{وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ} قالوا فعل وفاعل والضمير يعود على كفار مكة كأبي جهل وأمية بن اخلف وغيرهما، وما اسم استفهام مبتدأ ولنا متعلقان بمحذوف خبر وجملة لا نرى حالية وفاعل نرى ضمير مستتر تقديره نحن ورجالا مفعول به وأرادوا بهم فقراء المسلمين وكان واسمها وجملة كنّا صفة لرجالا وجملة نعدهم خبر كنّا أي نحسبهم في الدنيا ومن الأشرار متعلقان بنعدهم.{أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ} الهمزة للاستفهام الإنكاري وهمزة الوصل سقطت استغناء عنها واتخذناهم فعل ماض وفاعل ومفعول به أول وسخريا مفعول به ثان كأنهم أنكروا على أنفسهم ما كانوا يتخذونه في الدنيا وسخريا يقرأ بكسر السين وضمها والياء للنسب فالسخري أقوى من السخر كما قيل في الخصوص خصوصية للدلالة على قوة ذلك، فافهمه فإنه جيد، وأم حرف عطف متصل بقوله مالنا وزاغت عنهم الأبصار فعل وفاعل وعنهم متعلقان بزاغت فلم نرهم ومنهم عمار بن ياسر وبلال وصهيب وسلمان وجملة اتخذناهم مستأنفة، ونرى من المفيد أن ننقل عبارة الزمخشري قال: {أم زاغت عنهم الأبصار} له وجهان من الاتصال أحدهما أن يتصل بقوله ما لنا أي ما لنا لا نراهم في النار كأنهم ليسوا فيها بل زاغت عنهم أبصارنا فلا نراهم وهم فيها قسموا أمرهم بين أن يكونوا من أهل الجنة وبين أن يكونوا من أهل النار إلا أنه خفي عليهم مكانهم والوجه الثاني أن يتصل باتخذناهم سخريا إما أن تكون أم متصلة على معنى أي الفعلين فعلنا بهم الاستسخار منهم أم الازدراء بهم والتحقير وأن أبصارنا كانت تعلو عنهم وتقتحمهم على معنى إنكار الأمرين جميعا على أنفسهم، وعن الحسن: كل ذلك قد فعلوا اتخذوهم سخريا وزاغت عنهم أبصارهم محقرة لهم، وإما أن تكون منقطعة كقولك: إنها الإبل أم شاء، وأزيد عندك عمرو.{إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ} إن واسمها أي الذي حكيناه عنهم واللام المزحلقة وحق خبر وتخاصم أهل النار بدل من حق أو خبر لمبتدأ محذوف وجملة المبتدأ المحذوف وخبره مفسرة لاسم الاشارة وسيأتي معنى التخاصم في باب البلاغة.{قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ} إنما كافة ومكفوفة وأنا مبتدأ ومنذر خبر والواو حرف عطف وما نافية ومن حرف جر زائد وإله مجرور لفظا مرفوع بالابتداء محلا وإلا أداة حصر واللّه خبر والواحد القهار صفتان للّه.{رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ} رب نعت أو بدل وما بينهما عطف على السموات والأرض والعزيز الغفار نعتان أيضا..البلاغة: 1- في قوله {إن ذلك لحق تخاصم أهل النار} تشبيه تقاولهم وما يدور بينهم من حوار ويتبادلونه من سؤال وجواب بما يجري بين المتخاصمين من نحو ذلك لأن قول الرؤساء لتابعيهم لا مرحبا بهم وقول التابعين بل أنتم لا مرحبا بكم لا يعدو الخصومة التي يتراشقها المتخاصمون.2- فائدة الحرف الزائد في كلام العرب إما معنوية وإما لفظية فالمعنوية تأكيد المعنى الثابت وتقويته وأما اللفظية فتزيين اللفظ وكونه بزيادتها أفصح أو كون الكلمة أو الكلام بها يصير مستقيم الوزن أو حسن السجع أو غير ذلك ولا يجوز خلو الزيادة من اللفظية والمعنوية معا وإلا لعدت عبثا وقد تجتمع الفائدتان في حرف وقد تنفرد إحداهما عن الأخرى..الفوائد: تغييرات النسبة:ذكرنا في الإعراب أن السخري أقوى من السخر والخصوصية أقوى من الخصوص ونذكر هنا أن النسب يحدث في الاسم تغييرات:1- زيادة ياء النسب في آخره وهذه الياء المشددة حرف بمنزلة تاء التأنيث لا موضع لها من الإعراب.2- كسر ما قبلها.3- جعل الياء منتهى الاسم.وإنما تطرق التغيير في اللفظ لتغيير المعنى، ألا ترى أنك إذا نسبت إلى علم استحال نكرة بحيث تدخله أداة التعريف كالتثنية والجمع وصار صفة بمنزلة المشتق بعد الجود ويرفع الاسم بعده على الفاعلية أما مظهرا أو مضمرا تقول مررت برجل تميمي أبوه وآخر هاشمي جده، وإذا نسبت إلى المصدر زدته قوة كما في قولك سخريا..[سورة ص: الآيات 67- 78]: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70) إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (74) قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (75) قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ (78)}..الإعراب: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ} قل فعل وفاعله مستتر تقديره أنت يا محمد وتكرير القول لتأكيد النبأ وتضخيمه، وهو مبتدأ ونبأ خبر وعظيم صفة.{أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} الجملة نعت ثان للنبأ ويجوز أن تجعلها مستأنفة للفت الانتباه إلى فداحة ما يرتكبونه من جريرة الإعراض عن ذلك النبأ وهو القرآن وما حفل به من شرائع وتعاليم وأنتم مبتدأ وعنه متعلقان بمعرضون ومعرضون خبر أنتم.{ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ} كلام مستأنف مسوق لتأكيد أنه نبأ عظيم وارد من اللّه تعالى وما نافية وكان فعل ماض ناقص ولي خبر كان المقدم ومن حرف جر زائد وعلم مجرور بمن لفظا في محل رفع اسم كان المؤخر وبالملا متعلقان بعلم على تقدير مضاف أي بأنباء الملا واختصامهم والأعلى صفة للملا وإذ ظرف ماض متعلق بالمصدر أيضا وقال الزمخشري: بمحذوف لأن المعنى ما كان لي بكلام الملا الأعلى وقت اختصامهم وجملة يختصمون في محل جر بإضافة الظرف إليها وقيل الضمير في يختصمون عائد على قريش أي يختصمون في أمر الملا الأعلى لأن ذلك أمر تنوء العقول دون معرفته والمدار في الإحاطة به على الوحي.{إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} إن نافية ويوحى فعل مضارع مبني للمجهول وإلي متعلق بيوحى وإلا أداة حصر وانما كافة ومكفوفة وقد سدت مع مدخولها مسد نائب فاعل يوحى أي ما يوحى إلى إلا الانذار والقصر اضافي وقد تكرر هنا وقد تقدم بحث القصر وأنا مبتدأ ونذير خبر ومبين نعت.{إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ} إذ بدل من إذ يختصمون ويجوز أن تنصبها بأذكر محذوفا وجملة قال ربك في محل جر بإضافة الظرف إليها وإن وما بعدها مقول قول وإن واسمها وخالق خبرها وبشرا مفعول به لخالق ومن طين نعت لبشرا وقد أغنى بهذا الوصف عن النعوت البشرية كلها وتلك هي براعة الإيجاز.{فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ} الفاء عاطفة وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وسويته فعل ماض وفاعل ومفعول به والجملة في محل جر بإضافة الظرف إليها ونفخت عطف على سويته وفيه متعلقان بنفخت وكذلك قوله من روحي والمعنى وأحييته وجعلته حساسا، فقعوا الفاء رابطة لجواب أذا وقعوا فعل أمر وفاعل وله متعلقان بساجدين وساجدين حال والمراد بالسجود التكرمة والاحترام.{فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} الفاء عاطفة وسجد الملائكة فعل وفاعل وكلهم تأكيد أول وأجمعون تأكيد ثان، قال الزمخشري:كل للإحاطة وأجمعون للاجتماع فأفادا معا أنهم سجدوا عن آخرهم ما بقي منهم ملك إلا سجد وأنهم سجدوا في وقت واحد غير متفرقين في أوقات.{إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ} إلا أداة استثناء وإبليس مستثنى متصل أو منقطع وذهب الزمخشري مذهبا غريبا قال: فإن قلت كيف استثنى إبليس من الملائكة وهو من الجن؟ قلت قد أمر بالسجود معهم فغلبوا عليه في قوله فسجد الملائكة ثم استثنى كما يستثنى الواحد منهم استثناء متصلا وجملة استكبر مستأنفة لبيان كيفية امتناعه من السجود وكان عطف على استكبر واسم كان مستتر تقديره هو يعود على إبليس ومن الكافرين خبر كان {قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} قال فعل ماض وفاعله يعود على اللّه تعالى ويا حرف نداء وإبليس منادى مفرد علم مبني على الضم وما اسم استفهام مبتدأ وجملة منعك خبر وأن وما في حيزها منصوب على أنه مفعول ثان لمنع وأن حرف مصدري ونصب وتسجد فعل مضارع منصوب بأن وفاعله مستتر تقديره أنت واللام حرف جر وما اسم موصول مجرور باللام وجملة خلقت صلة والعائد محذوف أي خلقته وبيدي متعلقان بخلقت.{أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ} الهمزة للاستفهام الإنكاري التوبيخي وهمزة الوصل سقطت استغناء عنها واستكبرت فعل وفاعل وأم عاطفة متصلة ولا يمنع من ذلك اختلاف الفعلين، قال سيبويه:وتقول أضربت زيدا أم قتلته فالابتداء هنا بالفعل أحسن لأنك إنما تسأل عن أحدهما لا تدري أيهما كان ولا تسأل عن موضع أحدهما كأنك قلت: أي ذلك كان؟ وكنت كان واسمها ومن العالين خبرها أي من المتكبرين.{قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} أنا مبتدأ وخير خبر ومنه متعلقان بخير والجملة مقول القول وخلقتني فعل وفاعل ومفعول به ومن نار متعلقان بخلقتني وخلقته من طين عطف على خلقتني من نار.{قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} قال فعل ماض والفاعل هو يعود على اللّه تعالى، فاخرج الفاء الفصيحة واخرج فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت ومنها متعلقان باخرج، فإنك الفاء تعليل للأمر بالطرد وإن واسمها ورجيم خبرها.{وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ} عطف على فإنك رجيم وإن حرف مشبه بالفعل وعليك خبرها المقدم ولعنتي اسمها المؤخر والى يوم الدين متعلقان بمحذوف حال أي مستمرة ومعنى الانتهاء استمرارها في الدنيا حتى إذا كان يوم الدين تضاعفت عليه حتى لتكاد الأولى تنسى فكأنها انتهت لتستأنف من جديد..البلاغة: في قوله: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} تغليب لليدين على غيرهما من الجوارح التي تباشر بها الأعمال لأن ذا اليدين يباشر أكثر أعماله بيديه حتى قيل في عمل القلب هو مما عملت يداك على المجاز وحتى قيل في المثل يداك أو كتا وفوك نفخ وقد أبى فريق من أهل السنة أن يكون من المجاز كالشيخ أبي الحسن الأشعري واحتجوا بأن نعم اللّه لا تحصى فكيف تحصر بالتثنية وهذا حق، على أن إمام الحرمين وغيره من أهل السنة جوّزوا حملها على المجاز وأجابا عما ذكره الشيخ أبو الحسن بأن المراد نعمة الدنيا والآخرة وهذا مما يحقق تفضيله على إبليس إذ لم يخلق إبليس لنعمة الآخرة وعلى أن المراد القدرة فالتثنية تعظيم ومثل ذلك كثير في اللغة.
|