الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.الإسرائيليات في شجرة طوبى: قال الدكتور محمد أبو شهبة:ومن الإسرائيليات: ما ذكره بعض المفسرين عند تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ}.فمن ذلك ما رواه ابن جرير بسنده، عن وهب، قال: إن في الجنة شجرة يقال لها: طوبى، يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، زهرتها رياط، وورقها برود، وقضبانها عنبر، وبطحاؤها ياقوت، وترابها كافور، ووحلها مسك، يخرج من أصلها أنهار الخمر، واللبن، والعسل، وهي مجلس لأهل الجنة، فبينما هم في مجلسهم؛ إذ أتتهم ملائكة من ربهم، يقودون نجبًا مزمومة بسلاسل من ذهب، وجوهها كالمصابيح حسنا، ووبرها كخز المرعزي من لينه، عليها رحال ألواحها من ياقوت، ودفوفها من ذهب، وثيابها من سندس، وإستبرق، فيفتحونها، يقولون: إن ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه، وتسلموا عليه، قال: فيركبونها فهي أسرع من الطائر، وأوطأ من الفراش، نجبا من غير مهنة، يسير الرجل إلى جنب أخيه، وهو يكلمه، ويناجيه، لا تصيب أذن راحلة منها أذن الأخرى ولا برك راحلة برك الأخرى، حتى أن الشجرة لتتنحى عن طريقهم؛ لئلا تفرق بين الرجل وأخيه، قال: فيأتون إلى الرحمن الرحيم، فيسفر لهم عن وجهه الكريم، حتى ينظروا إليه، فإذا رأوه قالوا: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، وحق لك الجلال والإكرام، قال: فيقول تعالى عند ذلك: أنا السلام، ومني السلام، وعليكم السلام، حقت رحمتي ومحبتي، مرحبا بعبادي الذين خشوني بغيب، وأطاعوا أمري، قال: فيقولون: ربنا لم نعبدك حق عبادتك، ولم نقدرك حق قدرك، فأذن لنا في السجود قدامك، قال: فيقول الله: إنها ليست بدار نصب، ولا عبادة ولكنها دار ملك ونعيم، وإني قد رفعت عنكم نصب العبادة فسلوني ما شئتم، فإن لكل رجل منكم أمنية، فيسألونه، حتى أن أقصرهم أمنية ليقول: ربي تنافس أهل الدنيا في دنياهم، فتضايقوا فيها، رب فآتني مثل كل شيء كانوا فيه من يوم خلقتها إلى أن انتهت الدنيا، فيقول الله تعالى: لقد قصرت بك أمنيتك. ولقد سألت دون منزلتك، هذا لك مني؛ لأنه ليس في عطائي نكد، ولا قصر يد، قال: ثم يقول: أعرضوا على عبادي ما لم يبلغ أمانيهم ولم يخطر لهم على بال، قال: فيعرضون عليهم حتى تقصر بهم أمانيهم التي في أنفسهم، فيكون فيما يعرضون عليهم براذين مقرنة على كل أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة، على كل سرير منها قبة من ذهب، مفرغة، في كل قبة منها فرش من فرش الجنة، متظاهرة، في كل قبة منها جاريتان من الحور العين، على كل جارية منهن ثوبان من ثياب الجنة، وليس في الجنة لون إلا وهو فيهما، ولا ريح ولا طيب إلا قد عبق بهما، ضوء وجوههما غلظ القبة، حتى يظن من يراهما أنهما دون القبة، يرى مخهما من فوق سوقهما كالسلك الأبيض في ياقوتة حمراء، يريان له من الفضل على صاحبه كفضل الشمس على الحجارة أو أفضل، ويرى هو لهما مثل ذلك، ويدخل إليهما فيحييانه ويقبلانه، ويتعلقان به، ويقولان له: والله ما ظننا أن الله يخلق مثلك، ثم يأمر الله الملائكة فيسيرون بهم صفا في الجنة، حتى ينتهي كل رجل منهم إلى منزلته التي أعدت له.وقد وصف ابن كثير في تفسيره هذا الأثر: بأنه غريب عجيب وساقه، وقد روى هذا الأثر ابن أبي حاتم بسنده، عن وهب أيضا وزاد زيادات أخرى.التفسير الصحيح لقوله: {طُوبَى لَهُم} والمأثور عن السلف في تفسير طوبى غير ذلك، فروي عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيرها: فرح لهم وقرة عين، وقال عكرمة: نِعَم لما لهم، وقال قتادة: حسنى لهم، وقال إبراهيم النخعي: خير لهم وكرامة.وروي أيضًا عن بعض الصحابة، وغير واحد من السلف: أن طوبى شجرة في الجنة، بل وَرَدَ ذلك عن أبي سعيد الخدري مرفوعا: «طوبى شجرة في الجنة، ظلها مسيرة مائة سنة، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها».بل قيل: إنها الشجرة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها» رواه أحمد، والبخاري، ومسلم في بعض روايات أحمد والبخاري: اقرأوا إن شئتم: {وَظِلٍّ مَمْدُود}.ونحن لا ننكر احتمال أن تكون هذه الشجرة المذكورة في الحديث الصحيح، ولكن الذي ننكره، ونقول: إنه من الإسرائيليات: هذه الزيادات التي زادها وهب، ومن أخذ عنه، ونحن في غنية عن هذا بما ثبت في الأحاديث الصحاح، وها نحن نرى أنها جاءت خالية من هذه التخريفات والتهويلات التي ننزه عنها الرواية الإسلامية. اهـ..من أقوال المفسرين: .قال الفخر: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (26)}اعلم أنه تعالى لما حكم على من نقض عهد الله في قبول التوحيد والنبوة بأنهم ملعونون في الدنيا ومعذبون في الآخرة فكأنه قيل: لو كانوا أعداء الله لما فتح الله عليهم أبواب النعم واللذات في الدنيا، فأجاب الله تعالى عنه بهذه الآية وهو أنه يبسط الرزق على البعض ويضيقه على البعض ولا تعلق له بالكفر والإيمان، فقد يوجد الكافر موسعًا عليه دون المؤمن، ويوجد المؤمن مضيقًا عليه دون الكافر، فالدنيا دار امتحان. قال الواحدي: معنى القدر في اللغة قطع الشيء على مساواة غيره من غير زيادة ولا نقصان.وقال المفسرون: معنى {يقدر} هاهنا يضيق، ومثله قوله تعالى: {ومن قدر عليه رزقه} [الطلاق: 7] أي ضيق، ومعناه: أنه يعطيه بقدر كفايته لا يفضل عنه شيء. وأما قوله: {وفرحوا بالحياة الدنيا} فهو راجع إلى من بسط الله له رزقه، وبين تعالى أن ذلك لا يوجب.{وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ}اعلم أن الكفار قالوا: يا محمد إن كنت رسولًا فأتنا بآية ومعجزة قاهرة ظاهرة مثل معجزات موسى وعيسى عليهما السلام.فأجاب عن هذا السؤال بقوله: {قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب} وبيان كيفية هذا الجواب من وجوه: أحدها: كأنه تعالى يقول: إن الله أنزل عليه آيات ظاهرة ومعجزات قاهرة، ولكن الإضلال والهداية من الله، فأضلكم عن تلك الآيات القاهرة الباهرة، وهدى أقوامًا آخرين إليها، حتى عرفوا بها صدق محمد صلى الله عليه وسلم في دعوى النبوة، وإذا كان كذلك فلا فائدة في تكثير الآيات والمعجزات، وثانيها: أنه كلام يجري مجرى التعجب من قولهم وذلك لأن الآيات الباهرة المتكاثرة التي ظهرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت أكثر من أن تصير مشتبهة على العاقل، فلما طلبوا بعدها آيات أخرى كان موضعًا للتعجب والاستنكار، فكأنه قيل لهم: ما أعظم عنادكم: {إن الله يضل من يشاء} من كان على صفتكم من التصميم وشدة الشكيمة على الكفر فلا سبيل إلى اهتدائكم وإن أنزلت كل آية: {ويهدي} من كان على خلاف صفتكم.وثالثها: أنهم لما طلبوا سائر الآيات والمعجزات فكأنه قيل لهم لا فائدة في ظهور الآيات والمعجزات، فإن الإضلال والهداية من الله فلو حصلت الآيات الكثيرة ولم تحصل الهداية فإنه لم يحصل الانتفاع بها ولو حصلت آية واحدة فقط وحصلت الهداية من الله فإنه يحصل الانتفاع بها فلا تشتغلوا بطلب الآيات ولكن تضرعوا إلى الله في طلب الهدايات.ورابعها: قال أبو علي الجبائي: المعنى إن الله يضل من يشاء عن رحمته وثوابه عقوبة له على كفره فلستم ممن يجيبه الله تعالى إلى ما يسأل لاستحقاقكم العذاب والإضلال عن الثواب: {ويهدي إليه من أناب} أي يهدي إلى جنته من تاب وآمن قال وهذا يبين أن الهدى هو الثواب من حيث أنه عقبه بقوله: {من أناب} أي تاب والهدى الذي يفعله بالمؤمن هو الثواب، لأنه يستحقه على إيمانه، وذلك يدل على أنه تعالى إنما يضل عن الثواب بالعقاب، لا عن الدين بالكفر على ما ذهب إليه من خالفنا.هذا تمام كلام أبي علي وقوله: {أناب} أي أقبل إلى الحق وحقيقته دخل في نوبة الخير.{الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآَبٍ (29)}اعلم أن قوله: {الذين آمنوا} بدل من قوله: {من أناب} قال ابن عباس: يريد إذا سمعوا القرآن خشعت قلوبهم واطمأنت.فإن قيل: أليس أنه تعالى قال في سورة الأنفال: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} [الأنفال: 2] والوجل ضد الاطمئنان، فكيف وصفهم هاهنا بالاطمئنان؟ والجواب من وجوه: الأول، أنهم إذا ذكروا العقوبات ولم يأمنوا من أن يقدموا على المعاصي فهناك وصفهم بالوجل، وإذا ذكروا وعده بالثواب والرحمة، سكنت قلوبهم إلى ذلك، وأحد الأمرين لا ينافي الآخر، لأن الوجل هو بذكر العقاب والطمأنينة بذكر الثواب، ويوجد الوجل في حال فكرهم في المعاصي، وتوجد الطمأنينة عند اشتغالهم بالطاعات.الثاني: أن المراد أن علمهم بكون القرآن معجزًا يوجب حصول الطمأنينة لهم في كون محمد صلى الله عليه وسلم نبيًا حقًا من عند الله.أما شكهم في أنهم أتوا بالطاعات على سبيل التمام والكمال فيوجب حصول الوجل في قلوبهم.الثالث: أنه حصلت في قلوبهم الطمأنينة في أن الله تعالى صادق في وعده ووعيده، وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم صادق في كل ما أخبر عنه، إلا أنه حصل الوجل والخوف في قلوبهم أنهم هل أتوا بالطاعة الموجبة للثواب أم لا، وهل احترزوا عن المعصية الموجبة للعقاب أم لا.واعلم أن لنا في قوله: {ألا بذكر تطمئن القلوب} أبحاثًا دقيقة غامضة وهي من وجوه:الوجه الأول: أن الموجودات على ثلاثة أقسام: مؤثر لا يتأثر، ومتأثر لا يؤثر، وموجود يؤثر في شيء ويتأثر عن شيء، فالمؤثر الذي لا يتأثر هو الله سبحانه وتعالى، والمتأثر الذي لا يؤثر هو الجسم، فإنه ذات قابلة للصفات المختلفة والآثار المتنافية، وليس له خاصية إلا القبول فقط.وأما الموجود الذي يؤثر تارة ويتأثر أخرى، فهي الموجودات الروحانية، وذلك لأنها إذا توجهت إلى الحضرة الإلهية صارت قابلة للآثار الفائضة عن مشيئة الله تعالى وقدرته وتكوينه وإيجاده وإذا توجهت إلى عالم الأجسام اشتقات إلى التصرف فيها، لأن عالم الأرواح مدبر لعالم الأجسام.وإذا عرفت هذا فالقلب كلما توجه إلى مطالعة عالم الأجسام حصل فيه الاضطراب والقلق والميل الشديد إلى الاستيلاء عليها والتصرف فيها، أما إذا توجه القلب إلى مطالعة الحضرة الإلهية حصل فيه أنوار الصمدية والأضواء الإلهية، فهناك يكون ساكنًا فلهذا السبب قال: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.الوجه الثاني: أن القلب كلما وصل إلى شيء فإنه يطلب الانتقال منه إلى حالة أخرى أشرف منها، لأنه لا سعادة في عالم الأجسام إلا وفوقها مرتبة أخرى في اللذة والغبطة.أما إذا انتهى القلب والعقل إلى الاستسعاد بالمعارف الإلهية والأضواء الصمدية بقي واستقر فلم يقدر على الانتقال منه ألبتة، لأنه ليس هناك درجة أخرى في السعادة أعلى منها وأكمل؛ فلهذا المعنى قال: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.والوجه الثالث: في تفسير هذه الكلمة أن الإكسير إذا وقعت منه ذرة على الجسم النحاسي انقلب ذهبًا باقيًا على كر الدهور والأزمان، صابرًا على الذوبان الحاصل بالنار، فإكسير جلال الله تعالى إذا وقع في القلب أولى أن يقلبه جوهرًا باقيًا صافيًا نورانيًا لا يقبل التغيير والتبدل، فلهذا قال: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.ثم قال تعالى: {الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب} وفيه مسائل:المسألة الأولى:في تفسير كلمة: {طوبى} ثلاثة أقوال:القول الأول: أنها اسم شجرة في الجنة، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «طوبى شجرة في الجنة غرسها الله بيده تنبت الحلي والحلل وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة»، وحكى أبو بكر الأصم رضي الله عنه: أن أصل هذه الشجرة في دار النبي صلى الله عليه وسلم وفي دار كل مؤمن منها غصن.والقول الثاني: وهو قول أهل اللغة إن طوبى مصدر من طاب، كبشرى وزلفى، ومعنى طوبى لك، أصبت طيبًا، ثم اختلفوا على وجوه: فقيل: فرح وقرة عين لهم.عن ابن عباس رضي الله عنهما وقيل: نعم ما لهم عن عكرمة، وقيل غبطة لهم عن الضحاك.وقيل: حسنى لهم عن قتادة.وقيل: خير وكرامة عن أبي بكر الأصم، وقيل: العيش الطيب لهم عن الزجاج.واعلم أن المعاني متقاربة والتفاوت يقرب من أن يكون في اللفظ.والحاصل أنه مبالغة في نيل الطيبات ويدخل فيه جميع اللذات، وتفسيره أن أطيب الأشياء في كل الأمور حاصل لهم.والقول الثالث: أن هذه اللفظة ليست عربية، ثم اختلفوا فقال بعضهم: طوبى اسم الجنة بالحبشية، وقيل اسم الجنة بالهندية.وقيل البستان بالهندية، وهذا القول ضعيف، لأنه ليس في القرآن إلا العربي لاسيما واشتقاق هذا اللفظ من اللغة العربية ظاهر.المسألة الثانية:قال صاحب «الكشاف»: {الذين آمنوا} مبتدأ و: {طوبى لهم} خبره، معنى طوبى لك أي أصبت طيبًا، ومحلها النصب أو الرفع، كقولك طيبًا لك وطيب لك وسلامًا لك وسلام لك، والقراءة في قوله: {وحسن مآب} بالرفع والنصب تدلك على محلها، وقرأ مكوزة الأعرابي {طيب لهم}. أما قوله: {وحسن مآب} فالمراد حسن المرجع والمقر وكل ذلك وعد من الله بأعظم النعيم ترغيبًا في طاعته وتحذيرًا عن المعصية. اهـ.
|