الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي
.[مسألة: وقت ملك العامل حصة المساقاة] إذا ساقاه على نخل، وظهرت الثمرة.. فمتى يملك العامل حصته منها؟ اختلف أصحابنا فيه:فمنهم من قال: فيه قولان، كالعامل في القراض: أحدهما: أن العامل لا يملك حصته منها إلا بالقسمة. فعلى هذا: تجب زكاة الجميع على رب النخل. والثاني: يملك حصته منها بالظهور. فعلى هذا: إن بلغ نصيب كل واحد منهما نصابًا.. وجبت عليه زكاة نصيبه، وإن كان لا يبلغ النصاب إلا جميع الثمرة، فإن قلنا: تصح الخلطة فيما عدا المواشي.. وجب عليهما الزكاة، وإن قلنا: لا تصح الخلطة في غير المواشي.. لم تجب الزكاة على من نقص نصيبه عن النصاب. ومنهم من قال: يملك العامل حصته من الثمرة بالظهور، قولًا واحدًا، وهو الصحيح؛ لأن نصيب العامل في المساقاة لم يحتمل وقاية لرأس المال، بخلاف القراض، فإن الربح كله وقاية لرأس المال، فلذلك لم يملك العامل شيئًا منه قبل القسمة في أحد القولين. .[فرع: المساقاة في أرض خراجية] وإن ساقى رجل رجلًا على نخل في أرض خراجية.. فإن الخراج يجب على رب الأرض؛ لأن الخراج حق يؤخذ عن رقبة الأرض، ولا حق للعامل في رقبة الأرض..[مسألة: اتهم العامل فأنكر فيصدق بيمينه] إذا ادعى رب النخل على العامل خيانة أو سرقة، وبين الدعوى، وأنكر العامل، ولا بينة لرب النخل.. فالقول قول العامل مع يمينه؛ لأنه أمين، فكان القول قوله. فإذا حلف.. سقطت دعوى رب المال، وكان العامل على عمله.وإن قامت البينة على سرقته، أو خيانته، أو أقر بذلك، أو نكل عن اليمين، فحلف رب النخل.. فقد قال المزني في " المختصر ": (يكتري على العامل أمينًا يعمل مكانه). وقال في " الجامع ": (يكتري أمينا يعمل معه). قال أصحابنا: ليست على قولين، وإنما هي على اختلاف حالين: فالموضع الذي قال: (ينزع النخل من يده، ويكتري عليه من يقوم مقامه) إذا كان العامل باطشًا، لا يمكن حفظ الثمرة منه.. يضم أمين إليه. والموضع الذي قال: (يكتري أمينًا يعمل معه) إذا كان ضعيفًا في السرقة، ويمكن حفظ الثمرة منه.. يضم أمين إليه. إذ ثبت هذا: فإن أجرة الأمين هاهنا على العامل؛ لأن ذلك من تمام حفظ الثمرة، وحفظها عليه. .[مسألة: ساقى رجلًا فهرب] وإن ساقى رجل رجلًا مساقاة صحيحة، فهرب العامل، وترك العمل.. فإن المساقاة لا تنفسخ؛ لأنها عقد لازم، فإذا كان لا يملك فسخها بقوله.. فلأن لا تنفسخ بهربه أولى.إذا ثبت هذا: فإن رب النخل يمضي إلى الحاكم، ويثبت عنده عقد المساقاة، فإذا ثبت العقد عنده.. طلب الحاكم العامل، فإن وجده.. أجبره على العمل؛ لأنه مستحق عليه. وإن لم يجده، فإن وجد له مالًا.. اكترى من ماله من يعمل عنه؛ لأن ذلك قد لزمه، وإن لم يجد له مالًا، فإن كان في بيت المال مال.. أقرضه منه، واكترى عليه من يعمل عنه. فإذا حصلت الثمرة.. اقتضى منه ما أقرضه، وحفظ الفضل له، وإن لم يحصل من الثمرة ما يقضي به ما اقترض له.. كان ذلك دينًا في ذمته إلى أن يجده. وإن لم يكن في بيت المال مال، أو كان فيه مال لكنه يحتاج إليه لما هو أهم منه.. اقترض عليه من رجل من الرعية إن وجد، فإن لم يجد، ووجد من يستأجره بأجرة مؤجلة إلى وقت إدراك الثمرة.. فعل ذلك. وإن لم يجد شيئًا من ذلك.. سأل رب النخل أن يقرضه عليه، فيقبضه منه، ويستأجر به من يعمل عنه. وهل يجوز للحاكم أن يأمر رب المال أن ينفق على العمل قرضًا على العامل؟ فيه وجهان: أحدهما: يجوز، كما يجوز له أن يستقرض من غيره له. والثاني: لا يجوز؛ لأن رب النخل لا يصح له أن يكون قابضًا من نفسه. وإن لم يجد الحاكم من يستقرض منه، ولا أقرضه رب النخل له.. نظرت: فإن كانت الثمرة لم تظهر.. فلرب النخل أن يفسخ المساقاة؛ لأن العمل قد تعذر من جهة العامل، ومن جهة من يقوم مقامه، فكان ذلك كالعيب. وقال أبو علي بن أبي هريرة: لا يفسخ، ولكن يطلب الحاكم عاملًا آخر يساقيه عن العامل. قال أصحابنا: فهذا ليس بصحيح؛ لأن المساقاة تكون بين صاحب الأصول وبين العامل، فأما أن تكون بين العامل وعامل آخر: فلا تصح. فإذا فسخ رب النخيل المساقاة، فإن كان العامل لم يعمل شيئًا.. فلا شيء له، وإن كان قد عمل.. استحق أجرة ما عمله على رب النخل، وكانت الثمرة إذا ظهرت.. لرب النخل. وإن كان ذلك بعد ظهور الثمرة.. قال أصحابنا: فإنها تكون مشتركة بينهما. فإن كان قد بدا صلاحها.. باع الحاكم من نصيب العامل لأجرة ما بقي من العمل، واستأجر عنه من يعمل ذلك، وإن احتاج إلى بيع جميعه.. باعه، ويجوز بيعها مطلقًا من غير شرط القطع. وإن كان لم يبد صلاحها، فإن رضي رب المال أن يبيع نصيبه منها.. بيع الجميع بشرط القطع، وقسم الثمن بينهما، وحفظ نصيب العامل، وإن لم يرض رب النخيل بيع نصيبه منها. فإنه لا يصح بيع نصيب العامل من غير رب النخل، وجهًا واحدًا؛ لأنه لا يصح بيعه إلا بشرط القطع، وذلك لا يمكن مع الإشاعة. وهل يصح بيعه، أو بيع بعضه من رب النخل؟ فيه وجهان، ومضى ذكرهما في البيع. فإن قلنا: يصح، واختار رب النخيل أن يشتري بعض نصيب العامل، أو جميعه ليتم العمل بثمنه.. فعل. وإن لم يختر رب النخل أن يشتري، أو قلنا: لا يصح، قلنا لرب النخيل: انصرف، فلا حكم لك عندنا. وإن لم يرفع رب النخيل الأمر إلى الحاكم، بل أنفق على من يعمل على ماله.. نظرت: فإن كان قادرًا على الحاكم.. لم يرجع بشيء على العامل؛ لأنه متطوع، فإذا ظهرت الثمرة.. كانت مشتركة بينه وبين العامل. وإن كان غير قادر على الحاكم، فإن أنفق ولم يشهد على الإنفاق، أو أشهد ولم يشرط الرجوع.. لم يرجع بما أنفق؛ لأنه متطوع. وإن أشهد على الإنفاق شاهدين، قال ابن الصباغ: وشرط الرجوع به.. فهل يرجع به؟ فيه وجهان: أحدهما: لا يرجع؛ لأنه لا يلي على العامل. والثاني: يرجع، وهو الأصح؛ لأنه موضع ضرورة. هذا ترتيب البغداديين من أصحابنا. وقال المسعودي [في "الإبانة" ق \ 328] إذا لم يجد حاكمًا، فأنفق بنفسه.. فهل يرجع به؟ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: لا يرجع، كما لو وجد حاكمًا، فأنفق من غير إذنه. والثاني: يرجع؛ لأنه معذور، ولا سبيل له إلى غير ما فعل. والثالث: إن أشهد.. رجع، وإن لم يشهد.. لم يرجع. .[مسألة: موت أحد متعاقدي المساقاة] وإن ماتا، أو مات أحدهما قبل المفاصلة.. لم تنفسخ المساقاة؛ لأنها عقد لازم، فلا تبطل بالموت، كالبيع، والإجارة.إذا ثبت هذا: فإن مات رب المال.. فإن العامل على عمله، فإن حصلت الثمرة.. قاسم العامل ورثة رب النخيل، كما كان يقاسم رب النخيل. وإن مات العامل، فإن اختار وارثه أن يتم العمل.. جاز، وإن امتنع من العمل.. لم يجبر عليه. وحكى القاضي أبو حامد وجهًا آخر: أنه يجبر؛ لأنه الوارث يقوم مقام مورثه. والأول أصح؛ لأن الوارث لا يلزمه حق لزم الموروث، إلا ما كان يمكنه دفعه من مال الموروث. إذا ثبت هذا: فإن الأمر يرفع إلى الحاكم، فإن وجد للعامل مالًا.. اكترى منه من يتم العمل، وإن لم يجد له مالًا.. لم يجز للحاكم أن يقترض عليه لتمام العمل؛ لأنه لا ذمة هاهنا للميت، بخلاف الحي إذا هرب.. فإن له ذمة. فإن كانت الثمرة لم تظهر.. فلرب النخيل أن يفسخ المساقاة، على ما ذكرناه في هرب العامل. وإن ظهرت الثمرة.. فهي مشتركة بين رب النخيل وورثة العامل، والحكم في بيعها حكم العامل إذا هرب وقد ظهرت الثمرة، على ما مضى. .[فرع: ساقى في مرض موته بأكثر من المثل] وإن ساقى رجل رجلًا في مرض موته على أكثر من أجرة مثله.. ففيه وجهان، حكاهما الشيخ أبو حامد:أحدهما: لا تعتبر الزيادة على أجرة المثل من الثلث، كما قلنا فيمن قارض رجلًا في مرض موته على أكثر من أجرة مثله. والثاني: تعتبر الزيادة من الثلث؛ لأن الزيادة حادثة للنخل، وهي مال له، بخلاف الربح، فإنه ليس بحادث من أصل ماله، وإنما يحصل بتقليب العامل وتصرفه. .[مسألة: سلم النخل فادعى غصبها] إذا سلم رجل إلى رجل نخلًا، وساقاه عليها بنصف الثمرة، أو بثلثها، فعمل عليها العامل، وحصلت الثمرة، ثم جاء رجل، وادعى: أن النخيل له، وأن المساقي غصبها منه، وأقام على ذلك بينة.. حكم له بالنخيل والثمرة؛ لأنها نماء ماله.فإن كانت الثمرة باقية.. أخذها المالك، ولا يستحق العامل شيئًا منها؛ لأنها مساقاة فاسدة، ولا يستحق أجرة على رب النخيل؛ لأنه عمل على النخيل بغير إذنه، ولكن يرجع على الغاصب بأجرة عمله؛ لأنه استعمله فيها، فاستحق عليه الأجرة، كمن غصب نقرة، فاستأجر رجلًا على ضربها دراهم، فإن كان الغاصب والعامل قد اقتسما الثمرة وأتلفاها.. فللمالك أن يضمن الغاصب جميع الثمرة؛ لأنه حال بينه وبين الأصول، فضمن الأصول وما يتولد منها. فإن أخذ منه المالك جميع الثمرة.. كان للغاصب أن يرجع على العامل بما أخذ من الثمرة؛ لأنه أخذه بعقد باطل، ويرجع العامل على الغاصب بأجرة عمله. وإن اختار المالك أن يضمن العامل.. فله أن يضمنه نصيبه الذي قبضه لنفسه؛ لأنه أخذه عوض عمله، ولم يصح أخذه، فكان للمالك الرجوع عليه فيه، ويرجع العامل على الغاصب بأجره عمله. وهل للمالك أن يرجع على العامل بجميع الثمرة؟ فيه وجهان: الوجه الأول من أصحابنا من قال: له أن يرجع عليه بجميع الثمرة؛ لأن يده قد ثبتت على جميع الثمرة مشاهدة بغير حق، فرجع عليه بجميعها، كما لو غصب رجل مالًا، وقارض عليه آخر، وتلف في يده.. فإن للمالك أن يضمن أيهما شاء بالجميع. والوجه الثاني - وهو ظاهر قول المزني -: أنه لا يرجع عليه بالجميع، بل بما أخذه في نصيبه؛ لأن العامل لم تثبت يده على الثمرة، وإنما اليد فيها للغاصب، ويد العامل ثابتة على الغاصب، بدليل: أن - على قول الشافعي - ليس على العامل حفظ الثمرة، ولو شرط عليه ذلك.. لبطل العقد، بخلاف مال القراض، فإن يده قد ثبتت عليه، بدليل: أنه يجب عليه حفظه. فإذا قلنا: يرجع عليه بنصف الثمرة.. رجع المالك على الغاصب بالنصف الثاني، ولا يرجع العامل على الغاصب بالنصف الذي تلف في يده، ولكن يرجع بأجرة عمله. وإن قلنا: يرجع المالك على العامل بجميع الثمرة.. رجع العامل على الغاصب بنصف الثمرة الذي تلف في يده؛ لأنه أتلفه، ويرجع عليه بأجرة عمله أيضًا. .[مسألة: اختلفا في نسبة المساقاة فيتحالفا] وإن ساقى رجل رجلًا، ثم اختلفا: فقال العامل: شرطت لي نصف الثمرة، وقال رب النخل: بل شرطت لك الثلث، ولا بينة لواحد منهما.. فإنهما يتحالفان.وقال مالك: (إذا اختلفا بعد العمل.. فالقول قول العامل إذا أتى بما يثبته). دليلنا: أنهما متعاقدان اختلفا في صفة العقد، فتحالفا، كالمتبايعين قبل القبض، وكالمساقاة قبل العمل. إذا ثبت هذا: فإن حلفا جميعًا.. كانت الثمرة كلها لرب النخل، وللعامل أجرة عمله، وإن حلف أحدهما، ونكل الآخر.. ثبت ما قال الحالف، فإن أقام أحدهما بينة.. حكم لصاحب البينة، وإن أقام كل واحد منهما بينة، وأشارتا إلى عقدٍ واحدٍ في وقتٍ واحدٍ.. تعارضت البينتان، وفيهما قولان: أحدهما: تسقطان، وهو الصحيح. فعلى هذا: يتحالفان. والثاني: تستعملان، وفي الاستعمال ثلاثة أقوال: أحدهما: القسمة. والثاني: الوقف. والثالث: القرعة. قال عامة أصحابنا: ولا يجوز الوقف هاهنا؛ لأن العقود لا توقف، ولا تجوز القسمة؛ لأن العقد لا ينقسم، ولا يجيء هاهنا إلا القرعة. وحكى المسعودي [في "الإبانة" ق \ 328] وجهًا آخر: أنه يجيء فيه القسمة، فيقسم السدس الذي يتنازعان فيه بينهما نصفين. والأول أصح. .[فرع: ساقى رجلان رجلًا، فادعى نصف الثمرة] وإن ساقى رجلان رجلًا على نخيل بينهما، فقال العامل: شرطتما لي نصف الثمرة، فصدقه أحدهما، وقال الآخر: بل شرطنا لك الثلث.. لزم المقر أن يقسم للعامل نصف نصيبه، ثم ينظر فيه:فإن شهد على شريكه: أنه شرط للعامل النصف، وكان عدلًا.. حلف معه العامل، وثبت للعامل النصف في نصيب الآخر؛ لأنه مال، والمال يثبت بشاهد ويمين. وإن لم يكن عدلًا، أو لم يشهد على شريكه.. فإن العامل والمنكر يتحالفان، فإذا تحالفا.. انفسخ العقد بينهما، وكان جميع نصيب المنكر من الثمرة له، وعليه للعامل أجرة عمله في نصيبه؛ لأن عقد الواحد مع الاثنين في حكم العقدين. وبالله التوفيق .[باب المزارعة] المزارعة والمخابرة عند أكثر أصحابنا: اسمان لمعنى واحد، وهو: أن يدفع إلى رجل أرضًا له ليزرعها، وتكون الغلة بينهما على ما يشترطان.ومن أصحابنا من قال: المزارعة: أن تكون الأرض والبذر من واحدٍ، والعمل من واحدٍ، وتكون الغلة بينهما. والمخابرة: أن تكون الأرض من واحدٍ، ومن الآخر البذر والعمل، ويكون لرب الأرض شيء مشروط من الثمرة، وهي مشتقة من الخبار، وهي: الأرض اللينة. وقيل: اشتقاقها من الخبير: وهو الأكار، يقال: خابرته مخابرةً، وآكرته مؤاكرةً. إذا ثبت هذا: فإن دفع رجل إلى رجل أرضًا ليزرعها، على أن يكون لرب الأرض أو للعامل زرع موضع بعينه، مثل: أن يقول: زارعتك على هذه الأرض، على أن لك ما ينبت على السواقي وما أشبه ذلك، والباقي لي.. فهذا باطل بالإجماع؛ لأنه قد لا يزرع الموضع الذي عينه، وقد لا يزرع سواه، فينفرد أحدهما بجميع الغلة، وذلك غرر من غير حاجة، فلم يصح. وإن زارعه على جزء مشاع من الغلة، مثل: أن يقول: زارعتك على هذه الأرض، على أن لك نصف زرعها أو ثلثه - وهي أرض بيضاء لا شجر فيها - فهذا باطل عندنا، سواء كان البذر من مالك الأرض أو من العامل، وبه قال ابن عمر، وابن عباس، وأبو هريرة، ومالك، وأبو حنيفة. وذهب جماعة من أهل العلم إلى: أن ذلك صحيح لازم، وروي ذلك عن علي، وابن مسعود، وعمار بن ياسر، وسعد بن أبي وقاص، ومعاذ بن جبل. وإليه ذهب أبو يوسف، ومحمد. وقال أحمد: (إن كان البذر من رب الأرض.. جاز، وإن كان من العامل.. لم يجز). دليلنا: ما روي عن ابن عمر: أنه قال: (كنا نخابر ولا نرى في ذلك بأسًا حتى أخبرنا رافع بن خديج: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن المزارعة، فتركناها لقول رافع). وروى ثابت بن الضحاك: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن المزارعة». وروى جابر، ورافع بن خديج: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا كانت لأحدكم أرض.. فليزرعها، أو ليمنحها أخاه، ولا يكرها بثلث، ولا بربع، ولا بطعام مسمى». وأراد: لا يكرها بثلث ما يخرج منها ولا بربعه، ولا بطعام مسمى مما يخرج منها. ولأنه زارعه على أرض ينفرد ببعض ما يخرج منها، فلم يصح، كما لو زارعه على أن له ما ينبت على السواقي. إذا ثبت هذا: فإن زارع على أرضه رجلًا، فعمل الأجير.. كان باطلًا. فإن كان البذر من مالك الأرض.. كانت الغلة كلها له؛ لأنها عين ماله، ويكون عليه للعامل أجرة مثل عمله وبقره وآلته؛ لأنه دخل في العمل ليستحق جزءًا من الغلة، ولم يحصل له ذلك، فكان له أجرة عمله. وإن كان البذر من العامل.. كانت الغلة كلها للعامل، ووجب عليه لصاحب الأرض أجرة أرضه في مثل تلك المدة، ولا يستحق العامل أجرة عمله وبقره وآلته؛ لأن عمله حصل له. وإن كان البذر بينهما نصفين.. كانت الغلة بينهما نصفين، ووجب للعامل نصف أجرة مثله، ونصف أجرة بقره وآلته على رب الأرض، ووجب لصاحب الأرض نصف أجرة أرضه على العامل. .[مسألة: كيفية تصحيح المخابرة] فإن أرادا الحيلة في تصحيح المخابرة، وكون الغلة بينهما.. فيصح ذلك من وجوه:الأول: منها: أن يعير صاحب الأرض العامل نصف أرضه أو ثلثها، ويعمل العامل جميع الأرض، ويبذرا الأرض منهما، فتكون الغلة بينهما، ولا يرجع أحدهما على الآخر بشيء؛ لأن كل واحد منهما متطوع. والثاني منها: أن يكتري العامل نصف الأرض أو ربعها بدراهم في ذمته، ثم يستأجر صاحب الأرض العامل على عمل نصف الأرض، أو ثلاثة أرباعها، بمثل تلك الدراهم في ذمته، ثم يتقاصا، ويبذرا الأرض بينهما. والثالث منها: أن يكري صاحب الأرض العامل نصف أرضه بعمله وعمل بقره على نصيبه، ويبذرا الأرض منهما. و الرابع منها: أن يكري صاحب الأرض العامل نصف أرضه بنصف عمله، ونصف عمل بقره وآلته، مدة معلومة، ويكون البذر منهما. فإن أراد أن يكون البذر من مالك الأرض.. فإنه يقول: اكتريت منك نصف منفعة بدنك وآلتك على العمل في هذه الأرض بنصف هذا البذر، وبنصف منفعة أرضي، مدة معلومة. وإن أراد أن يكون البذر من العامل.. فإن رب الأرض يقول: أكريتك نصف منفعة أرضي مدة معلومة بنصف عمل بدنك وآلتك فيها، وبنصف هذا البذر. إلا أن هاتين المسألتين تكونان بيعًا وإجارة، وفي ذلك قولان. .[مسألة: المزارعة تبعًا للمساقاة] وأما إذا كان له نخيل أو كرم، وبين النخل والكرم أرض بيضاء، لا يمكن سقي النخل والكرم إلا بسقي الأرض البيضاء التي بينه.. نظرت:فإن كانت الأرض البيضاء قليلًا، والنخيل أكثر منها.. جاز أن يساقيه على النخيل، ويزارعه على الأرض التي بينها؛ لما روى ابن عمر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عامل أهل خيبر على شطر ما يخرج منها من ثمر وزرعٍ»، ولأن الحاجة تدعو إلى جواز هذه المزارعة؛ لأنه لا يمكن سقي النخيل إلا بسقي الأرض التي بينها. فلو قلنا: لا يجوز المزارعة عليها.. للزم على العامل عمل لا يستحق به عوضًا. إذا ثبت هذا: فإن قال: ساقيتك على النخيل أو الكرم، وزارعتك على الأرض التي بينها بالنصف.. جاز. وإن قال: عاملتك على النخيل والأرض بالنصف.. جاز؛ لأن لفظ المعاملة يشملهما. وإن قال: ساقيتك على النخيل والأرض بالنصف.. لم يصح في الأرض؛ لأن المساقاة لا تتناول البياض، وهل تبطل المساقاة في النخيل؟ فيه قولان، بناء على تفريق الصفقة. وإن قال: ساقيتك على النخيل بثلث ثمرتها، وزارعتك على الأرض التي بينها بنصف ما يخرج منها.. فهل يصح؟ فيه وجهان، حكاهما الشيخ أبو إسحاق: أحدهما: لا يصح؛ لأن المزارعة إنما جازت هاهنا تبعًا للنخل، فإذا فاصل بينهما في العوض.. لم يتبع أحدهما الآخر. والثاني: يصح، وهو الصحيح، ولم يذكر الشيخ أبو حامد في "التعليق"، وابن الصباغ غيره، كما لو ساقاه على بستان فيه أنواع من الثمرة، وجعل له من كل نوع نصيبًا، وفاضل بين الأنصباء. وإن عقد المزارعة، ثم عقد المساقاة.. لم تصح المزارعة؛ لأنها إنما أجيزت تبعًا للمساقاة، فلا تتقدم على المساقاة. وإن عقد المساقاة على النخل، ثم عقد المزارعة على الأرض.. ففيه وجهان: أحدهما: لا تصح المزارعة؛ لأنها إنما أجيزت تبعًا للمساقاة على النخيل، فإذا أفردها بالعقد.. لم تصح، كما لو باع الثمرة قبل بدو الصلاح، من غير شرط القطع منفردة عن الشجر. والثاني: تصح؛ لأنا إنما جوزنا المزارعة؛ لأنه لا يمكن سقي النخيل إلا بسقي ما بينها من الأرض، وهذا المعنى موجود وإن عقدت المزارعة بعد المساقاة. وإن كان بياض الأرض الذي بين النخيل أكثر من النخيل.. فهل تصح المزارعة عليه تبعًا للنخيل؟ فيه وجهان: أحدهما: تصح؛ لما ذكرناه من المعنى، وهو: أنه لا يمكنه سقي النخيل إلا بسقي ما بينها من الأرض. والثاني: لا تصح؛ لأن المزارعة إنما صحت تبعًا للنخيل، والكثير لا يتبع القليل، وإنما القليل يتبع الكثير. إذا ثبت هذا: فكل موضع صححنا فيه المزارعة، فإن البذر يكون من رب الأرض، ويكون من العامل العمل، كالنخل في المساقاة. وبالله التوفيق |