الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **
فمن ذلك قول بجير بن زهير بن أبي سلمى: لولا الإله وعيده وليتم * حين استخف الرعب كل جبان بالجزع يوم حبالنا أقراننا * وسوابح يكبون للأذقان من بين ساع ثوبه في كفه * ومقطر بسنانك وثبان والله أكرمنا وأظهر ديننا * وأعزنا بعبادة الرحمن والله أهلكهم وفرق جمعهم * وأذلهم بعبادة الشيطان (ج/ص: 4/ 390) قال ابن هشام: ويروى فيها بعض الرواة: إذ قام عم نبيكم ووليه * يدعون: بالكتيبة الإيمان أين الذين هم أجابوا ربهم * يوم العريض وبيعة الرضوان وقال عباس بن مرداس السلمي: فإني والسوابح يوم جمع *وما يتلو الرسول من الكتاب لقد أحببت ما لقيت ثقيف * بجنب الشعب أمس من العذاب هم رأس العدو من أهل نجد * فقتلهم ألذ من الشراب هزمنا الجمع جمع بني قسي * وحلت بركها ببني رئاب وصرماً من هلال غادرتهم * بأوطاس تعفر بالتراب ولو لاقين جمع بني كلاب * لقام نساؤهم والنقع كابي ركضنا الخيل فيهم بين بس * إلى الأورال تنحط بالتهاب بذي لجب رسول الله فيهم * كتيبته تعرض للضراب وقال عباس بن مرداس أيضاً: يا خاتم النباء إنك مرسل * بالحق كل هدى السبيل هداكا إن الإله بنى عليك محبة * في خلقه ومحمداً سماكا ثم الذين وفوا بما عاهدتهم * جند بعثت عليهم الضحاكا رجلاً به درب السلاح كأنه * لما تكنفه العدو يراكا يغشى ذوي النسب القريب وإنما * يبغي رضا الرحمن ثم رضاكا أنبئك أني قد رأيت مكره * تحت العجاجة يدمغ الإشراكا طوراً يعانق باليدين وتارة * يفري الجماجم صارماً فتاكا يغشى به هام الكماة ولو ترى * منه الذي عاينت كان شفاكا وبنو سليم معنقون أمامه * ضرباً وطعناً في العدو دراكا يمشون تحت لوائه وكأنهم * أسد العرين أردن ثم عراكا ما يرتجون من القريب قرابة * إلا لطاعة ربهم وهواكا هذي مشاهدنا التي كانت لنا * معروفة وولينا مولاكا (ج/ص: 4/ 391) وقال عباس بن مرداس أيضاً: عفا مجدل من أهله فمتالع *فمطلاً أريك قد خلا فالمصانع ديار لنا يا جمل إذ جل عيشنا * رخي وصرف الدهر للحي جامع حبيبة ألوت بها غربة النوى * لبين فهل ماض من العيش راجع فإن تبتغي الكفار غير ملومة * فإني وزير للنبي وتابع دعانا إليه خير وفد علمتهم * خزيمة والمرار منهم وواسع فجئنا بألف من سليم عليهم * لبوس لهم من نسج داود رائع نبايعه بالأخشبين وإنما * يد الله بين الأخشبين نبايع فجسنا مع المهدي مكة عنوة * بأسيافنا والنقع كاب وساطع علانية والخيل يغشى متونها * حميم وآن من دم الجوف ناقع ويوم حنين حين سارت هوازن * إلينا وضاقت بالنفوس الأضالع صبرنا مع الضحاك لا يستفزنا * قراع الأعادي منهم والوقائع أمام رسول الله يخفق فوقنا * لواء كخذروف السحابة لامع عشية ضحاك بن سفيان معتص * بسيف رسول الله والموت كانع نذود أخانا عن أخينا ولو نرى * مصالاً لكنا الأقربين نتابع ولكن دين الله، دين محمد * رضينا به فيه الهدى والشرائع أقام به بعد الضلالة أمرنا * وليس لأمر حمه الله دافع (ج/ص: 4/ 392) وقال عباس أيضاً: تقطع باقي وصل أم مؤمل * بعاقبة واستبدلت نية خلفا وقد حلفت بالله لا تقطع القوى * فما صدقت فيه ولا برت الحلفا خفافية بطن العقيق مصيفها * وتحتل في البادين وجرة فالعرفا فإن تتبع الكفار أم مؤمل * فقد زودت قلبي على نأيها شغفا وسوف ينبئها الخبير بأننا * أبينا ولم نطلب سوى ربنا حلفا وأنا مع الهادي النبي محمد * وفينا ولم يستوفها معشر ألفا بفتيان صدق من سليم أعزة * أطاعوا فما يعصون من أمره حرفا خفاف وذكوان وعوف تخالهم * مصاعب زافت في طروقتها كلفا كأن نسيج الشهب والبيض ملبس * أسوداً تلاقت في مراصدها غضفا بنا عز دين الله غير تنحل * وزدنا على الحي الذي معه ضعفا بمكة إذ جئنا كأن لواءنا * عقاب أرادت بعد تحليقها خطفا على شخص الأبصار تحسب بينها * إذا هي جالت في مراودها عزفا غداة وطئنا المشركين ولم نجد * لأمر رسول الله عدلاً ولا صرفا بمعترك لا يسمع القوم وسطه * لنا زحمة إلا التذامر والنقفا ببيض تطير الهام عن مستقرها * وتقطف أعناق الكماة بها قطفا فكائن تركنا من قتيل ملحب * وأرملة تدعو على بعلها لهفا رضا الله ننوي لا رضا الناس نبتغي * ولله ما يبدو جميعاً وما يخفى وقال عباس أيضاً رضي الله عنه: ما بال عينك فيها عائر سهر * مثل الحماطة أغضى فوقها الشُّفُر عين تأوَّبها من شجوها أرق * فالماء يغمرها طوراً وينحدر كأنه نظم در عند ناظمه * تقطع السلك منه فهو منتثر يا بعد منزل من ترجو مودته * ومن أتى دونه الصمان فالحفر دع ما تقدم من عهد الشباب فقد * ولى الشباب وزار الشيب والزعر واذكر بلاء سليم في مواطنها * وفي سليم لأهل الفخر مفتخر قوم هموا نصروا الرحمن واتبعوا * دين الرسول وأمر الناس مشتجر لا يغرسون فسيل النخل وسطهم * ولا تخاور في مشتاهم البقر (ج/ص: 4/ 393) إلا سوابح كالعقبان مقربة * في دارة حولها الأخطار والعكر تدعى خفاف وعوف في جوانبها * وحي ذكوان لا ميل ولا ضجر الضاربون جنود الشرك ضاحية * ببطن مكة والأرواح تبتدر حتى رفعنا وقتلاهم كأنهم * نخل بظاهرة البطحاء منقعر ونحن يوم حنين كان مشهدنا * للدين عزاً وعند الله مدخر إذ نركب الموت مخضراً بطائنه * والخيل ينجاب عنها ساطع كدر تحت اللواء مع الضحاك يقدمنا * كما مشى الليث في غاباته الخدر في مأزق من مجر الحرب كلكلُها * تكاد تأفل منه الشمس والقمر وقد صبرنا بأوطاس أسنتنا * لله ننصر من شئنا وننتصر حتى تأوب أقوام منازلهم * لولا المليك ولولا نحن ما صدروا فما ترى معشرا قلوا ولا كثروا * إلا وقد أصبح منا فيهم أثر وقال عباس أيضاً رضي الله عنه: يا أيها الرجل الذي تهوي به * وجناء مجمرة المناسم عرمس إما أتيت على النبي فقل له * حقاً عليك إذا اطمأن المجلس يا خير من ركب المطي ومن مشى * فوق التراب إذا تعد الأنفس إنا وفينا بالذي عاهدتنا * والخيل تقدع بالكماة وتضرس إذ سال من أفناء بهثة كلها * جمع تظل به المخارم ترجس حتى صبحنا أهل مكة فيلقاً * شهباء يقدمها الهمام الأشوس من كل أغلب من سليم فوقه * بيضاء محكمة الدخال وقونس يروي القناة إذا تجاسر في الوغى * ونخاله أسداً إذا ما يعبس يغشى الكتيبة معلما وبكفه * عضب يقد به ولدن مدعس وعلى حنين قد وفى من جمعنا * ألف أمد به الرسول عرندس (ج/ص: 4/ 394) كانوا أمام المؤمنين دريئة * والشمس يومئذ عليهم أشمس نمضي ويحرسنا الإله بحفظه * والله ليس بضائع من يحرس ولقد حبسنا بالمناقب محبساً * رضي الإله به فنعم المحبس وغداة أوطاس شددنا شدة * كفت العدو وقيل منها يا احبسوا تدعو هوازن بالأخوة بيننا * ثدي تمد به هوازن أيبس حتى تركنا جمعهم وكأنه * عير تعاقبه السباع مفرس وقال أيضاً رضي الله عنه: من مبلغ الأقوام أن محمداً * رسول الإله راشد حيث يمما دعا ربه واستنصر الله وحده * فأصبح قد وفى إليه وأنعما سرينا وواعدنا قديداً محمداً * يؤم بنا أمراً من الله محكما تماروا بنا في الفجر حتى تبينوا * مع الفجر فتياناً وغاباً مقوما على الخيل مشدوداً علينا دروعنا * ورجلاً كدفاع الأتي عرمرما فإن سراة الحي إن كنت سائلا * سليم وفيهم منهم من تسلما وجند من الأنصار لا يخذلونه * أطاعوا فما يعصونه ما تكلما فإن تك قد أمرت في القوم خالداً * وقدمته فإنه قد تقدما بجند هداه الله أنت أميره * تصيب به في الحق من كان أظلما حلفت يمينا برة لمحمد * فأكملتها ألفاً من الخيل ملجما وقال نبي المؤمنين تقدموا * وحب إلينا أن نكون المقدما وبتنا بنهي المستدير ولم يكن * بنا الخوف إلا رغبة وتحزما أطعناك حتى أسلم الناس كلهم * وحتى صبحنا الجمع أهل يلملما يظل الحصان الأبلق الورد وسطه * ولا يطمئن الشيخ حتى يسوما سمونا لهم ورد القطا زفه ضحى * وكلٌ تراه عن أخيه قد أحجما لدن غدوة حتى تركنا عشية * حنينا وقد سالت دوامعه دما إذا شئت من كل رأيت طمرة * وفارسها يهوي ورمحا محطما وقد أحرزت منا هوازن سربها * وحب إليها أن نخيب ونحرما (ج/ص: 4/ 395) هكذا أورد الإمام أحمد بن إسحاق هذه القصائد من شعر عباس بن مرداس السلمي رضي الله عنه، وقد تركنا بعض ما أورده من القصائد خشية الإطالة وخوف الملالة ثم أورد من شعر غيره أيضاً وقد حصل فيه كفاية من ذلك، والله أعلم. بسم الله الرحمن الرحيم - قال عروة وموسى بن عقبة عن الزهري: قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وحاصر الطائف في شوال سنة ثمان. وقال محمد بن إسحاق: ولما قدم فل ثقيف الطائف أغلقوا عليهم أبواب مدينتها، وصنعوا الصنائع للقتال، ولم يشهد حنيناً ولا حصار الطائف عروة بن مسعود ولا غيلان بن سلمة كانا بجرش يتعلمان صنعة الدبابات والمجانيق والضبور. قال ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف حين فرغ من حنين فقال كعب بن مالك في ذلك: قضينا من تهامة كل ريب * وخيبر ثم أجممنا السيوفا نخبرها ولو نطقت لقالت * قواطعهن: دوساً أو ثقيفا فلست لحاضن إن لم تروها * بساحة داركم منا ألوفا وننتزع العروش ببطن وجٍ * وتصبح دوركم منكم خلوفا ويأتيكم لنا سرعان خيل * يغادر خلفه جمعاً كثيفا إذا نزلوا بساحتكم سمعتم * لها مما أناخ بها رجيفا بأيديهم قواضب مرهفات * يزرن المصطلين بها الحتوفا كأمثال العقائق أخلصتها * قيون الهند لم تضرب كتيفا تخال جدية الأبطال فيها * غداة الزحف جادياً مدوفا أجدهم أليس لهم نصيح * من الأقوام كان بنا عريفا يخبرهم بأنا قد جمعنا * عتاق الخيل والنجب الطروفا وأنا قد أتيناهم بزحف * يحيط بسور حصنهم صفوفا رئيسهم النبي وكان صلباً * نقي القلب مصطبراً عزوفا (ج/ص: 4/ 396) رشيد الأمر ذا حكم وعلم * وحلم لم يكن نزقاً خفيفا نطيع نبيناً ونطيع رباً * هو الرحمن كان بنا رؤوفا فإن تلقوا إلينا السلم نقبل * ونجعلكم لنا عضداً وريفا وإن تأبوا نجاهدكم ونصبر * ولا يك أمرنا رعشاً ضعيفا نجالد ما بقينا أو تنيبوا * إلى الإسلام إذعاناً مضيفا نجاهد لا نبالي ما لقينا * أأهلكنا التلاد أم الطريفا وكم من معشر ألبوا علينا * صميم الجذم منهم والحليفا أتونا لا يرون لهم كفاء * فجدعنا المسامع والأنوفا بكل مهند لين صقيل * نسوقهم بها سوقاً عنيفا لأمر الله والإسلام حتى * يقوم الدين معتدلاً حنيفا وتنسى اللات والعزى وود * ونسلبها القلائد والشنوفا فأمسوا قد أقروا واطمأنوا * ومن لا يمتنع يقبل خسوفا وقال ابن إسحاق فأجابه كنانة بن عبد يا ليل بن عمرو بن عمير الثقفي: قلت: وقد وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في وفد ثقيف فأسلم معهم. قاله موسى بن عقبة، وأبو إسحاق، وأبو عمر بن عبد البر، وابن الأثير، وغير واحد، وزعم المدايني أنه لم يسلم بل صار إلى بلاد الروم فتنصر ومات بها: من كان يبغينا يريد قتالنا * فإنا بدار معلم لا نريمها وجدنا بها الآباء من قبل ما ترى * وكانت لنا أطواؤها وكرومها وقد جربتنا قبل عمرو بن عامر * فأخبرها ذو رأيها وحليمها وقد علمت - إن قالت الحق - أننا * إذا ما أتت صعر الخدود نقيمها نقومها حتى يلين شريسها * ويعرف للحق المبين ظلومها علينا دلاص من تراب محرق * كلون السماء زينتها نجومها نرفعها عنا ببيض صوارم * إذا جردت في غمرة لا نشيمها (ج/ص: 4/ 397) قال ابن إسحاق: وقال شداد بن عارض الجشمي في مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف: لا تنصروا اللات إن الله مهلكها * وكيف ينصر من هو ليس ينتصر إن التي حرقت بالسد فاشتعلت * ولم تقاتل لدى أحجارها هدر إن الرسول متى ينزل بلادكم * يظعن وليس بها من أهلها بشر قال ابن إسحاق: فسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني من حنين إلى الطائف - على نخلة اليمانية، ثم على قرن، ثم على المليح، ثم على بحرة الرغاء من لية فابتنى بها مسجداً فصلى فيه. قال ابن إسحاق: فحدثني عمرو بن شعيب أنه عليه السلام أقاد يومئذ ببحرة الرغاء، حين نزلها بدم، وهو أول دم أقيد به في الإسلام، رجل من بني ليث قتل رجلاً من هذيل فقتله به وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بلية بحصن مالك بن عوف فهدم. قال ابن إسحاق: ثم سلك في الطريق يقال لها الضيقة فلما توجه رسول الله ص سأل عن اسمها فقال: ((ما اسم هذه الطريق ؟)) فقيل: الضيقة. فقال: ((بل هي اليسرى)) ثم خرج منها على نخب حتى نزل تحت سدرة يقال لها الصادرة قريباً من مال رجل من ثقيف، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إما أن تخرج إلينا وإما أن نخرب عليك حائطك، فأبى أن يخرج فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخرابه. وقال ابن إسحاق: عن إسماعيل بن أمية، عن بجير بن أبي بجير سمعت عبد الله بن عمرو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هذا قبر أبي رغال وهو أبو ثقيف، وكان من ثمود، وكان بهذا الحرم يدفع عنه، فلما خرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان، فدفن فيه، وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه)). قال: فابتدره الناس فاستخرجوا معه الغصن. ورواه أبو داود عن يحيى بن معين، عن وهب بن جرير بن حازم عن أبيه، عن محمد بن إسحاق به. ورواه البيهقي: من حديث يزيد بن زريع عن روح بن القاسم، عن إسماعيل بن أمية به. قال ابن إسحاق: ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل قريباً من الطائف، فضرب به عسكره فقتل ناس من أصحابه بالنبل، وذلك أن العسكر اقترب من حائط الطائف فتأخروا إلى موضع مسجده عليه السلام اليوم بالطائف الذي بنته ثقيف بعد إسلامها، بناه عمرو بن أمية بن وهب وكانت فيه سارية لا تطلع عليها الشمس صبيحة كل يوم إلا سمع لها نقيض فيما يذكرون. قال: فحاصرهم بضعاً وعشرين ليلة. (ج/ص: 4/ 398) قال ابن هشام ويقال: سبع عشرة ليلة. وقال عروة وموسى بن عقبة عن الزهري: ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وترك السبي بالجعرانة، وملئت عرش مكة منهم، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأكمة عند حصن الطائف بضع عشرة ليلة يقاتلهم ويقاتلونه من وراء حصنهم، ولم يخرج إليه أحد منهم غير أبي بكرة بن مسروح أخي زياد لأمه. فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكثرت الجراح، وقطعوا طائفة من أعنابهم ليغيظوهم بها، فقالت لهم ثقيف: لا تفسدوا الأموال فإنها لنا أو لكم. وقال عروة: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كل رجل من المسلمين أن يقطع خمس نخلات وخمس حبلات، وبعث منادياً ينادي من خرج إلينا فهو حر، فاقتحم إليه نفر منهم فيهم أبو بكرة بن مسروح أخو زياد بن أبي سفيان لأمه، فأعتقهم ودفع كل رجل منهم إلى رجل من المسلمين يعوله ويحمله. وقال الإمام أحمد: ثنا يزيد ثنا حجاج، عن الحكم عن مقسم، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتق من جاءه من العبيد قبل مواليهم إذا أسلموا، وقد أعتق يوم الطائف رجلين. وقال أحمد: ثنا عبد القدوس بن بكر بن خنيس، ثنا الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف فخرج إليه عبدان فأعتقهما أحدهما أبو بكرة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتق العبيد إذا خرجوا إليه. وقال أحمد أيضاً: ثنا نصر بن رئاب عن الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف: ((من خرج إلينا من العبيد فهو حر)). فخرج عبيد من العبيد فيهم أبو بكرة فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الحديث تفرد به أحمد ومداره على الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف، لكن ذهب الإمام أحمد إلى هذا فعنده أن كل عبد جاء من دار الحرب إلى دار الإسلام عتق حكماً شرعياً مطلقاً عاماً. وقال آخرون إنما كان هذا شرطاً لا حكماً عاماً، ولو صح الحديث لكان التشريع العام أظهر كما في قوله عليه السلام: ((من قتل قتيلاً فله سلبه)). وقد قال يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق: حدثني عبد الله بن المكرم الثقفي قال: لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف، خرج إليه رقيق من رقيقهم أبو بكرة عبداً للحارث بن كلدة، والمنبعث وكان اسمه المضطجع فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبعث، ويحنس ووردان في رهط من رقيقهم فأسلموا. فلما قدم وفد أهل الطائف فأسلموا، قالوا: يا رسول الله رد علينا رقيقنا الذين أتوك؟ قال: ((لا أولئك عتقاء الله)) ورد على ذلك الرجل ولاء عبده فجعله له. وقال البخاري: ثنا محمد بن بشار، ثنا غندر، ثنا شعبة، عن عاصم: سمعت أبا عثمان قال: سمعت سعداً - وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله وأبا بكرة وكان تسور حصن الطائف في أناس فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -قالا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلمه فالجنة عليه حرام)). ورواه مسلم من حديث عاصم به. (ج/ص: 4/ 399) قال البخاري: وقال هشام أنبا معمر، عن عاصم، عن أبي العالية أو أبي عثمان النهدي قال: سمعت سعداً وأبا بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال عاصم: قلت لقد شهد عندك رجلان حسبك بهما. قال: أجل أما أحدهما فأول من رمى بسهم في سبيل الله، وأما الآخر فنزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثالث ثلاثة وعشرين من الطائف. قال محمد بن إسحاق: وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأتان من نسائه، إحداهما أم سلمة، فضرب لهما قبتين فكان يصلي بينهما، فحاصرهم وقاتلهم قتالاً شديداً وتراموا بالنبل. قال ابن هشام: ورماهم بالمنجنيق. فحدثني من أثق به أن النبي صلى الله عليه وسلم أول من رمى في الإسلام بالمنجنيق رمى به أهل الطائف. وذكر ابن إسحاق أن نفراً من الصحابة دخلوا تحت دبابة، ثم زحفوا ليحرقوا جدار أهل الطائف فأرسلت عليهم سكك الحديد محماة، فخرجوا من تحتها فرمتهم ثقيف بالنبل، فقتلوا منهم رجالاً، فحينئذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعناب ثقيف فوقع الناس فيها يقطعون. قال: وتقدم أبو سفيان بن حرب، والمغيرة بن شعبة منادياً ثقيفاً بالأمان حتى يكلموهم، فأمنوهم فدعوا نساء من قريش وبني كنانة ليخرجن إليهم وهما يخافان عليهن السباء إذا فتح الحصن، فأبين. فقال لهما أبو الأسود بن مسعود: ألا أدلكما على خير مما جئتما له؟ إن مال أبي الأسود حيث قد علمتما، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم نازلاً بوادٍ يقال له: العقيق وهو بين مال بني الأسود، وبين الطائف، وليس بالطائف مال أبعد رشاء، ولا أشد مؤونة ولا أبعد عمارة منه، وإن محمداً إن قطعه لم يعمر أبداً فكلماه فليأخذه لنفسه أو ليدعه لله وللرحم. فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تركه لهم. وقد روى الواقدي عن شيوخه نحو هذا وعنده أن سلمان الفارسي هو الذي أشار بالمنجنيق، وعمله بيده. وقيل: قدم به وبدبابتين فالله أعلم. وقد أورد البيهقي من طريق ابن لهيعة، عن أبي الأسود عن عروة: أن عيينة بن حصن استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يأتي أهل الطائف فيدعوهم إلى الإسلام فأذن له، فجاءهم فأمرهم بالثبات في حصنهم وقال: لا يهولنكم قطع ما قطع من الأشجار في كلام طويل، فلما رجع قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما قلت لهم ؟)). قال: دعوتهم إلى الإسلام وأنذرتهم النار وذكرتهم بالجنة. فقال: ((كذبت بل قلت لهم كذا وكذا)). فقال: صدقت يا رسول الله أتوب إلى الله وإليك من ذلك. وقد روى البيهقي: عن الحاكم، عن الأصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن هشام الدستوائي، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن سعدان بن أبي طلحة عن ابن أبي نجيح السلمي - وهو عمرو بن عبسة رضي الله عنه -قال: (ج/ص: 4/ 400) حاصرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر الطائف فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من بلغ بسهم فله درجة في الجنة)) فبلغت يومئذ ستة عشر سهماً، وسمعته يقول: ((من رمى بسهم في سبيل الله فهو عدل محرر، ومن شاب شيبة في سبيل الله كانت له نوراً يوم القيامة وأيما رجل أعتق رجلاً مسلماً فإن الله جاعل كل عظم من عظامه وقاء كل عظم بعظم، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة فإن الله جاعل كل عظم من عظامها وقاء كل عظم من عظامها من النار)). ورواه أبو داود، والترمذي، وصححه النسائي من حديث قتادة به. وقال البخاري: ثنا الحميدي، سمع سفيان، ثنا هشام، عن أبيه، عن زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي مخنث فسمعه يقول لعبد الله بن أبي أمية: أرأيت إن فتح الله عليكم الطائف غداً فعليك بابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخلن هؤلاء عليكن)). قال ابن عيينة وقال ابن جريج: المخنث هيت. وقد رواه البخاري أيضاً، ومسلم من طرق، عن هشام بن عروة، عن أبيه به وفي لفظ وكانوا يرونه من غير أولي الإربة من الرجال. وفي لفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أرى هذا يعلم ما هاهنا لا يدخلن عليكن هؤلاء)) يعني إذا كان ممن يفهم ذلك فهو داخل في قوله تعالى: والمراد بالمخنث في عرف السلف الذي لا همة له إلى النساء وليس المراد به الذي يؤتى إذ لو كان كذلك لوجب قتله حتماً كما دل عليه الحديث، وكما قتله أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ومعنى قوله: تقبل بأربع وتدبر بثمان يعني: بذلك عكن بطنها فإنها تكون أربعاً إذا أقبلت، ثم تصير كل واحدة اثنتين إذا أدبرت. وهذه المرأة هي بادية بنت غيلان بن سلمة من سادات ثقيف، وهذا المخنث قد ذكر البخاري عن ابن جريج أن اسمه هيت وهذا هو المشهور. لكن قال يونس عن ابن إسحاق قال: وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مولى لخالته بنت عمرو بن عايد مخنث يقال له: مانع، يدخل على نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته، ولا نرى أنه يفطن لشيء من أمور النساء مما يفطن إليه رجال، ولا يرى أن له في ذلك إرباً فسمعه وهو يقول لخالد بن الوليد: يا خالد إن افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف فلا تنفلتن منكم بادية بنت غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع هذا منه: ((ألا أرى هذا يفطن لهذا)) الحديث ثم قال لنسائه: ((لا يدخلن عليكم)) فحجب عن بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. (ج/ص: 4/ 401) وقال البخاري: ثنا علي بن عبد الله، ثنا سفيان، عن عمرو، عن أبي العباس الشاعر الأعمى، عن عبد الله بن عمرو قال: لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف فلم ينل منهم شيئاً قال: ((إنا قافلون غداً إن شاء الله)) فنقل عليهم وقالوا نذهب ولا نفتح ؟ فقال: ((اغدوا على القتال)) فغدوا فأصابهم جراح فقال: ((إنا قافلون غداً إن شاء الله)) فأعجبهم فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، وقال سفيان: مرة فتبسم. ورواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة به وعنده عن عبد الله بن عمر بن الخطاب واختلف في نسخ البخاري ففي نسخة كذلك عن عبد الله بن عمرو بن العاص، والله أعلم. وقال الواقدي: حدثني كثير بن زيد بن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة قال: لما مضت خمس عشرة من حصار الطائف استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم نوفل بن معاوية الدئلي فقال: ((يا نوفل ما ترى في المقام عليهم؟)). قال: يا رسول الله ثعلب في جحر، إن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرك. قال ابن إسحاق: وقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وهو محاصر ثقيفاً: ((يا أبا بكر إني رأيت أني أهديت لي قبعة مملوءة زبداً فنقرها ديك فهراق ما فيها)). فقال أبو بكر رضي الله عنه: ما أظن أن تدرك منهم يومك هذا ما تريد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وأنا لا أرى ذلك))، قال: ثم إن خولة بنت حكيم السلمية وهي امرأة عثمان بن مظعون قالت: يا رسول الله أعطني إن فتح الله عليك حلي بادية بنت غيلان بن سلمة أو حلي الفارعة بنت عقيل - وكانت من أحلى نساء ثقيف - فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: ((وإن كان لم يؤذن في ثقيف يا خويلة)). فخرجت خولة فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما حديث حدثتنيه خولة زعمت أنك قلته ؟ قال: ((قد قلته)). قال أو ما أذن فيهم؟ (ج/ص: 4/ 402) قال: لا. قال: أفلا أؤذن بالرحيل ؟ قال: بلى، فأذن عمر بالرحيل. فلما استقبل الناس نادى سعيد بن عبيد بن أسيد بن أبي عمرو بن علاج ألا إن الحي مقيم. قال: يقول عيينة بن حصن أجل والله مجدة كراماً، فقال له رجل من المسلمين: قاتلك الله يا عيينة، أتمدح المشركين بالامتناع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جئت تنصره ؟ فقال: إني والله ما جئت لأقاتل ثقيفاً معكم ولكني أردت أن يفتح محمد الطائف، فأصيب من ثقيف جارية أطؤها لعلها تلد لي رجلاً فإن ثقيفاً مناكير. وقد روى ابن لهيعة: عن أبي الأسود، عن عروة قصة خولة بنت حكيم وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال. وتأذين عمر بالرحيل، قال: وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن لا يسرحوا ظهرهم، فلما أصبحوا ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ودعا حين ركب قافلاً فقال: ((اللهم اهدهم واكفنا مؤنتهم)). وروى الترمذي من حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن أبي الزبير، عن جابر قالوا يا رسول الله أحرقتنا نبال ثقيف فادع الله عليهم. فقال: ((اللهم اهد ثقيفاً)) ثم قال هذا حديث حسن غريب. وروى يونس عن ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر، وعبد الله بن المكرم عمن أدركوا من أهل العلم قالوا: حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف ثلاثين ليلة أو قريباً من ذلك، ثم انصرفوا عنهم ولم يؤذن فيهم، فقدم المدينة فجاءه وفدهم في رمضان فأسلموا. وسيأتي ذلك مفصلاً في رمضان من سنة تسع إن شاء الله. وهذه تسمية من استشهد من المسلمين بالطائف فيما قاله ابن إسحاق فمن قريش؛ سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية، وعرفطة بن حباب حليف لبني أمية بن الأسد بن الغوث، وعبد الله بن أبي بكر الصديق رمي بسهم فتوفي منه بالمدينة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي من رمية رميها يومئذ، وعبد الله بن عامر بن ربيعة حليف لبني عدي، والسائب بن الحارث بن قيس بن عدي السهمي وأخوه عبد الله، وجليحة بن عبد الله من بني سعد بن ليث ومن الأنصار. ثم من الخزرج: ثابت بن الجذع الأسلمي، والحارث بن سهل بن أبي صعصعة المازني، والمنذر بن عبد الله من بني ساعدة. ومن الأوس: رقيم بن ثابت بن ثعلبة بن زيد بن لوذان بن معاوية فقط، فجميع من استشهد يومئذ اثنا عشر رجلاً سبعة من قريش، وأربعة من الأنصار، ورجل من بني ليث رضي الله عنهم أجمعين. قال ابن إسحاق: ولما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً عن الطائف قال بجير بن زهير بن أبي سلمى يذكر حنيناً والطائف: (ج/ص: 4/ 403) كانت علالة يوم بطن حنينٍ * وغداة أوطاس ويوم الأبرق جمعت بإغواء هوازن جمعها * فتبددوا كالطائر المتمزق لم يمنعوا منا مقاماً واحداً * إلا جدارهم وبطن الخندق ولقد تعرضنا لكيما يخرجوا * فاستحصنوا منا بباب مغلق ترتد حسراناً إلى رجراجةٍ * شهباء تلمع بالمنايا فيلق ملمومة خضراء لو قذفوا بها * حصناً لظل كأنه لم يخلق مشي الضراء على الهراس كأننا * قدر تفرق في القياد ويلتقي في كل سابغةٍ إذا ما استحصنت * كالنهي هبت ريحه المترقرق جدلٍ تمس فضولهن نعالنا * من نسج داود وآل محرق وقال أبو داود: ثنا عمر بن الخطاب أبو حفص، ثنا الفريابي، ثنا أبان ثنا عمرو - هو بن عبد الله بن أبي حازم - ثنا عثمان بن أبي حازم، عن أبيه، عن جده صخر - هو أبي العيلة الأحمسي - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا ثقيفاً، فلما أن سمع ذلك صخر ركب في خيل يمد النبي صلى الله عليه وسلم فوجده قد انصرف ولم يفتح. فجعل صخر حينئذ عهد وذمة لا أفارق هذا القصر حتى ينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يفارقهم حتى نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتب إليه صخر؛ أما بعد فإن ثقيفاً قد نزلت على حكمك يا رسول الله وأنا مقبل بهم وهم في خيلي. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة جامعة فدعا لأحمس عشر دعوات: ((اللهم بارك لأحمس في خيلها ورجالها)). وأتى القوم فتكلم المغيرة بن شعبة فقال: يا رسول الله إن صخراً أخذ عمتي ودخلت فيما دخل فيه المسلمون، فدعاه فقال: ((يا صخر إن القوم إذا أسلموا أحرزوا دماءهم وأموالهم فادفع إلى المغيرة عمته)). فدفعها إليه وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ماء لبني سليم قد هربوا عن الإسلام وتركوا ذلك الماء فقال: يا رسول الله أنزلنيه أنا وقومي ؟ قال: ((نعم)) فأنزله وأسلم - يعني: الأسلميين، فأتوا صخراً فسألوه أن يدفع إليهم الماء فأبى فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله أسلمنا وأتينا صخراً ليدفع إلينا ماءنا فأبى علينا، فقال: ((يا صخر إن القوم إذا أسلموا أحرزوا أموالهم ودماءهم فادفع إليهم ماءهم)). قال: نعم يا نبي الله فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير عند ذلك حمرة حياء من أخذه الجارية وأخذه الماء. تفرد به أبو داود وفي إسناده اختلاف. قلت: وكانت الحكمة الإلهية تقتضي أن يؤخر الفتح عامئذ ليلا يستأصلوا قتلاً لأنه قد تقدم أنه عليه السلام لما كان خرج إلى الطائف فدعاهم إلى الله تعالى وإلى أن يؤووه حتى يبلغ رسالة ربه عز وجل وذلك بعد موت عمه أبي طالب، فردوا عليه قوله وكذبوه، فرجع مهموماً فلم يستفق إلا عند قرن الثعالب. (ج/ص: 4/ 404) فإذا هو بغمامة وإذا فيها جبريل فناداه ملك الجبال فقال: يا محمد إن ربك يقرأ عليك السلام وقد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك فإن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بل أستأني بهم لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده وحده لا يشرك به شيئاً)) فناسب قوله: بل استأني بهم أن لا يفتح حصنهم لئلا يقتلوا عن آخرهم وأن يؤخر الفتح ليقدموا بعد ذلك مسلمين في رمضان من العام المقبل كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
|