الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية ***
وفصل الإمام فخر الدين وأتباعه, فقالوا: إن انتهى الإكراه إلى حد الإلجاء, لم يتعلق به وإن لم ينته إلى ذلك, فهو مختار. وتكليفه جائز شرعا وعقلا. وقال الغزالي في البسيط: الإكراه يسقط أثر التصرف عندنا, إلا في خمسة مواضع, وذكر إسلام الحربي والقتل, والإرضاع, والزنا, والطلاق, إذا أكره على فعل المعلق عليه. وزاد عليه غيره مواضع. وذكر النووي في تهذيبه: أنه يستثنى مائة مسألة لا أثر للإكراه فيها, ولم يعددها, وطالما أمعنت النظر في تتبعها, حتى جمعت منها جملة كثيرة, وقد رأيت الإكراه يساوي النسيان, فإن المواضع المذكورة: إما من باب ترك المأمور, فلا يسقط تداركه ولا يحصل الثواب المرتب عليه, وإما من باب الإتلاف, فلا يسقط الحكم المترتب عليه وتسقط العقوبة المتعلقة به, إلا القتل على الأظهر. وها أنا أسرد ما يحضرني من ذلك: الأول: الإكراه عن الحدث, وهو من باب الإتلاف فإنه الإتلاف للطهارة, ولهذا لو أحدث ناسيا انتقض, وفي مس الفرج وجه ضعيف: أنه لا ينقض ناسيا. وإذا نوعت هذه الصورة إلى أسباب الحدث الأربعة والجماع كثرت الصور. الثاني: الإكراه على إفساد الماء بالاستعمال أو النجاسة أو مغير طاهر, فإنه يفسد وهو أيضا من باب الإتلاف, إذ لا فرق فيه بين العمد وغيره. الثالث: قال في الروضة: لو ألقي إنسان في نهر مكرها, فنوى فيه رفع الحدث. صح وضوءه. وقال في شرح المهذب: قال الشيخ أبو علي: أطلق الأصحاب صحة وضوئه; ولا بد فيه من تفصيل. فإن نوى رفع الحدث, وهو يريد المقام فيه, ولو لحظة. صح; لأنه فعل يتصور قصده. وإن كره المقام, وتحقق الاضطرار من كل وجه. لم يصح وضوءه. إذ لا تتحقق النية به. الرابع, والخامس: الإكراه على غسل النجاسة, ودبغ الجلد. السادس: الإكراه على التحول عن القبلة في الصلاة, فتبطل. السابع: الإكراه على الكلام فيها: فتبطل في الأظهر, لندوره. الثامن: الإكراه على فعل ينافي الصلاة, فتبطل قطعا, لندوره. التاسع: الإكراه على ترك القيام, في الفرض. العاشر: الإكراه على تأخير الصلاة عن الوقت, فتصير قضاء. الحادي عشر: الإكراه على تفرق المتصارفين قبل القبض فيبطل, كما ذكره في الاستقصاء وغيره, وكذلك يبطل مع النسيان, كما نص عليه, والجهل, كما صرح به الماوردي. قال الزركشي: وقياسه في رأس مال السلم كذلك. الثاني عشر: لو ضربا في خيار المجلس حتى تفرقا ففي انقطاع الخيار قولا حنث المكره. الثالث عشر: الإكراه على إتلاف مال الغير, فإنه يطالب بالضمان. وإن كان القرار على المكره في الأصح. الرابع عشر: الإكراه على إتلاف الصيد كذلك, بخلاف ما لو حلق شعر محرم مكرها لا يكون للمحرم طريقا في الضمان على الأظهر; لأنه لم يباشر. الخامس عشر: الإكراه على الأكل في الصوم, فإنه يفطر في أحد القولين, وصححه الرافعي في المحرر. السادس عشر: الإكراه على الجماع في الصوم فيه الطريقان الآتيان. السابع عشر: الإكراه على الجماع في الإحرام فيه طريقان في أصل الروضة, بلا ترجيح. أحدهما: يفسد قطعا, بناء على أن إكراه الرجل على الوطء لا يتصور. والثاني: فيه وجهان, بناء على الناسي. الثامن عشر: الإكراه على الخروج من المعتكف فإنه يبطل في أحد القولين, كالأكل في الصوم. التاسع عشر: الإكراه على إعطاء الوديعة لظالم, فإنه يضمن في الأصح, ثم يرجع على من أخذ منه. العشرون: الإكراه على الذبح, أو الرمي من محرم, ومجوسي, لحلال ومسلم. الحادي والعشرون: إكراه الحربي, على الإسلام. الثاني والعشرون: إكراه المرتد عليه. الثالث والعشرون: إكراه الذمي على وجه, الأصح: خلافه. الرابع والعشرون: الإكراه على تخليل الخمر بلا عين. قال الأسنوي: يحتمل إلحاقه بالمختار, ويحتمل القطع بالطهارة. الخامس والعشرون إلى الثلاثين: الإكراه على الوطء, فيحصل الإحصان, ويستقر المهر, وتحل للمطلق ثلاثا, ويلحقه الولد, وتصير أمته به مستولدة, ويلزمه المهر في غير الزوجة. قلته تخريجا, ثم رأيت الإسنوي ذكر بحثا أنه كإتلاف المال. الحادي والثلاثون: الإكراه على القتل, فيجب القصاص على المكره في الأظهر. الثاني والثلاثون: الإكراه على الزنا لا يبيحه. الثالث والثلاثون: وعلى اللواط. الرابع والثلاثون: ويوجب الحد في قول. الخامس والثلاثون: الإكراه على شهادة الزور, والحكم بالباطل في قتل, أو قطع, أو جلد. السادس والثلاثون: الإكراه على فعل المحلوف عليه, في أحد القولين. السابع والثلاثون والثامن والتاسع والثلاثون: الإكراه على طلاق زوجة المكره أو بيع ماله, أو عتق عبده لأنه أبلغ في الإذن. أما لو أكره أجنبي الوكيل على بيع ما وكل فيه, ففي نظيره من الطلاق احتمالان للروياني حكاهما عنه في الروضة وأصلها, أصحهما عنده: عدم الصحة; لأنه المباشر. الأربعون: الإكراه على ولاية القضاء. الحادي والأربعون: لو أكره المحرم, أو الصائم على الزنا. قال الأسنوي: لا يحضرني فيها نقل, والمتجه: أنه يفسد عبادته; لأنه لا يباح بالإكراه. قال: إلا أن عدم وجوب الحد, قد يرجح عدم الإفساد. الثاني والأربعون: لو أكره على ترك الوضوء, فتيمم. قال الروياني: لا قضاء. قال النووي: وفيه نظر. قال: لكن الراجح ما ذكره; لأنه في معنى من غصب ماؤه. قال الأسنوي: والمتجه خلافه; لأن الغصب كثير معهود, بخلاف الإكراه على ترك الوضوء, فعلى هذا يستثنى. الثالث والأربعون: الإكراه على السرقة: لا يسقط الحد في قول. الرابع والأربعون: لا يرث القاتل مكرها, على الصحيح. الخامس والسادس والأربعون: الإكراه على الإرضاع: يحرم اتفاقا, ويوجب المهر إذا انفسخ به النكاح على المرضعة, على الأصح. قال الأسنوي: وفيه نظر. السابع والأربعون: الإكراه على القذف: يوجب الحد في وجه. الثامن والأربعون: الإكراه بحق له, وتحت ذلك صور: الإكراه على الأذان, وعلى فعل الصلاة, والوضوء وأركان الطهارة, والصلاة, والحج, وأداء الزكاة والكفارة, والدين, وبيع ما له فيه, والصوم, والاستئجار للحج, والإنفاق على رقيقه, وبهيمته, وقريبه, وإقامة الحدود, وإعتاق المنذور عتقه كما صرح به في البحر, والمشتري بشرط العتق, وطلاق المولى, إذا لم يطأ, واختيار من أسلم على أكثر من أربع, وغسل الميت والجهاد. فكل ذلك يصح مع الإكراه. فهذه أكثر من عشرين صورة في ضابط الإكراه بحق. ومنه فيما ذكر الأسنوي: أن يأذن أجنبي للعبد في بيع ماله. فيمتنع, فيكرهه السيد, فلا شك في الصحة لأن للسيد غرضا صحيحا في ذلك: إما لتقليد إمامه, أو أخذ أجرة. فهذه أكثر من سبعين صورة, لا أثر للإكراه فيها. وفي بعض صورها ما يقتضي التعدد باعتبار أنواعه, فيبلغ بذلك المائة. وفيها نحو عشر صور على رأي ضعيف. تنبيه: من المشكل, قول المنهاج في الخلع: وإن قال: أقبضتني, فقيل: كالإعطاء. والأصح كسائر التعليق, فلا يملكه: ولا يشترط للإقباض مجلس. ويشترط لتحقق الصفة أخذه بيده منها ولو مكرهة. ووجه الإشكال: أن المعلق عليه إقباضها, والإقباض مع الإكراه ملغي شرعا, فلا اعتبار به. قال السبكي: فذكره في المنهاج لا مخرج له إلا الحمل على السهو. ولم يذكر ذلك في الروضة والشرح, إلا فيما إذا قال: إن قبضت منك, لا في قوله: إن أقبضتني. قال البلقيني: فما وقع في المنهاج وهم, انتقل من مسألة "إن قبضت" إلى مسألة "إن أقبضتني".ما يباح بالإكراه وما لا يباح فيه فروع: الأول: التلفظ بكلمة الكفر, فيباح به, للآية. ولا يجب, بل الأفضل: الامتناع مصابرة, على الدين, واقتداء بالسلف. وقيل: الأفضل التلفظ, صيانة لنفسه. وقيل: إن كان ممن يتوقع منه النكاية في العدو, والقيام بأحكام الشرع فالأفضل التلفظ, لمصلحة نقائه, وإلا فالأفضل الامتناع. الثاني: القتال المحرم لحق الله, يباح به, بلا خلاف. بخلاف المحرم للمالية, كنساء الحرب. وصبيانهم فيباح به. الثالث: الزنا, ولا يباح به بالاتفاق أيضا; لأن مفسدته أفحش من الصبر على القتل وسواء كان المكره رجلا, أو امرأة. الرابع: اللواط, ولا يباح به أيضا. صرح به في الروضة. الخامس: القذف. قال العلائي: لم أر من تعرض له. وفي كتب الحنفية: أنه يباح بالإكراه. ولا يجب به حد, وهو الذي تقتضيه قواعد المذهب. انتهى. قلت: قد تعرض له ابن الرفعة في المطلب, فقال: يشبه أن يلتحق بالتلفظ بكلمة الكفر ولا نظر إلى تعلقه بالمقذوف; لأنه لم يتضرر به. السادس: السرقة, قال في المطلب: يظهر أن تلتحق بإتلاف المال; لأنها دون الإتلاف. قال في الخادم: وقد صرح جماعة بإباحتها, منهم القاضي حسين; في تعليقه. قلت: وجزم به الأسنوي في التمهيد. السابع: شرب الخمر ويباح به قطعا استبقاء للمهجة, كما يباح لمن غص بلقمة أن يسيغها به, ولكن لا يجب على الصحيح, كما في أصل الروضة. الثامن: شرب البول, وأكل الميتة, ويباحان. وفي الوجوب: احتمالان للقاضي حسين. قلت: ينبغي أن يكون أصحهما الوجوب. التاسع: إتلاف مال الغير, ويباح به, بل يجب قطعا, كما يجب على المضطر أكل طعام غيره. العاشر: شهادة الزور, فإن كانت تقتضي قتلا, أو قطعا ألحقت به, أو إتلاف مال ألحقت به, أو جلدا, فهو محل نظر, إذ يفضي إلى القتل, كذا في المطلب. وقال الشيخ عز الدين: لو أكره على شهادة زور, أو حكم باطل في قتل, أو قطع, أو إحلال بضع, استسلم للقتل, وإن كان يتضمن إتلاف مال, لزمه ذلك حفظا للمهجة. الحادي عشر: الفطر في رمضان, يباح به, بل يجب على الصحيح. الثاني عشر: الخروج من صلاة الفرض: وهو كالفطر.
فائدة: ضبط الأودني هذه الصور: بأن ما يسقط بالتوبة, يسقط حكمه بالإكراه, وما لا فلا, نقله في الروضة وأصلها. قال في الخادم: وقد أورد عليه شرب الخمر, فإنه يباح بالإكراه, ولا يسقط حده بالتوبة وكذلك القذف. ما يتصور فيه الإكراه, وما لا. قال العلماء: لا يتصور الإكراه على شيء من أفعال القلوب. وفي الزنا: وجهان: أصحهما: أنه يتصور; لأنه منوط بالإيلاج. والثاني: لا; لأن الإيلاج, إنما يكون مع الانتشار, وذلك راجع إلى الاختيار والشهوة. وفي التنبيه: ولا يعذر أحد من أهل فرض الصلاة في تأخيرها عن الوقت, إلا نائم أو ناس, أو من أكره على تأخيرها. واستشكل تصور الإكراه على تأخير الصلاة, فإن كل حالة تنتقل لما دونها إلى إمرار الأفعال على القلب وهو شيء لا يمكن الإكراه على تأخيره. وهو يفعله غير مؤخر. وصوره في شرح المهذب بالإكراه على التلبس بمناف. وقال القاضي زين الدين البلغيائي: المراد أكره على أن يأتي بها على غير الوجه المجزئ من الطهارة ونحوها. ولا يكون الإكراه عذرا في الإجزاء لندوره, أو يكره المحدث على تأخيرها عن الوقت. ويمنع من الوضوء في الوقت. وقال الشيخ تاج الدين السبكي, في التوشيح: قد يقال: المكره قد يدهش, حتى عن الإيماء بالطرف. ويكون مؤخرا معذورا, كالمكره على الطلاق. لا يلزمه التورية إذا اندهش قطعا. ما يحصل به الإكراه. قال الرافعي: الذي مال إليه المعتبرون: أن الإكراه على القتل لا يحصل إلا بالتخويف بالقتل, أو ما يخاف منه القتل. وأما غيره, ففيه سبعة أوجه: أحدها: لا يحصل إلا بالقتل. الثاني: القتل, أو القطع, أو ضرب يخاف منه الهلاك. الثالث: ما يسلب الاختيار, ويجعله كالهارب من الأسد الذي يتخطى الشوك والنار ولا يبالي, فيخرج عنه الحبس. الرابع: اشتراط عقوبة بدنية, يتعلق بها قود. الخامس: اشتراط عقوبة شديدة تتعلق ببدنه, كالحبس الطويل. السادس: أنه يحصل بما ذكر وبأخذ المال, أو إتلافه, والاستخفاف بالأماثل, وإهانتهم, كالصفع بالملأ وتسويد الوجه. وهذا اختيار جمهور العراقيين, وصححه الرافعي. السابع: وهو اختيار النووي في الروضة : أنه يحصل بكل ما يؤثر العاقل الإقدام عليه, حذرا ما هدد به وذاك يختلف باختلاف الأشخاص, والأفعال المطلوبة, والأمور المخوف بها فقد يكون الشيء إكراها في شيء دون غيره, وفي حق شخص دون آخر. فالإكراه على الطلاق يكون بالتخويف بالقتل, والقطع, والحبس الطويل والضرب الكثير والمتوسط لمن لا يحتمله بدنه ولم يعتده, وبتخويف ذي المروءة بالصفع في الملإ وتسويد الوجه, ونحوه, وكذا بقتل الوالد وإن علا والولد, وإن سفل على الصحيح. لا سائر المحارم. وإتلاف المال على الأصح. وإن كان الإكراه على القتل, فالتخويف بالحبس, وقتل الولد ليس إكراها. وإن كان على إتلاف مال فالتخويف بجميع ذلك إكراه. قال النووي: وهذا الوجه أصح لكن في بعض تفصيله المذكور نظر. والتهديد بالنفي عن البلد إكراه على الأصح; لأن مفارقة الوطن شديدة, ولهذا جعلت عقوبة للزاني. وكذا تهديد المرأة بالزنا, والرجل باللواط. ولا بد في كل ذلك من أمور: أحدها: قدرة المكره على تحقيق ما هدد به بولاية, أو تغلب, أو فرط هجوم. ثانيها: عجز المكره عن دفعه بهرب, أو استغاثة, أو مقاومة. ثالثها: ظنه أنه إن امتنع عما أكره عليه أوقع به المتوعد. رابعها: كون المتوعد مما يحرم تعاطيه على المكره. فلو قال ولي القصاص للجاني: طلق امرأتك, وإلا اقتصصت منك. لم يكن إكراها. خامسها: أن يكون عاجلا. فلو قال: طلقها وإلا قتلتك غدا, فليس بإكراه. سادسها: أن يكون معينا. فلو قال: اقتل زيدا, أو عمرا, فليس بإكراه. سابعها: أن يحصل بفعل المكره عليه التخلص من المتوعد به. فلو قال: اقتل نفسك; وإلا قتلتك, فليس بإكراه. ولا يحصل الإكراه بقوله: وإلا قتلت نفسي, أو كفرت, أو أبطلت صومي, أو صلاتي. ويشترط في الإكراه على كلمة الكفر طمأنينة القلب بالإيمان. فلو نطق معتقدا بها كفر, ولو نطق غافلا عن الكفر والإيمان ففي ردته وجهان في الحاوي. قال في المطلب: والآية تدل على أنه مرتد. قال الماوردي: والأحوال الثلاثة يأتي مثلها في الطلاق, ولا يشترط في الطلاق التورية, بأن ينوي غيرها على الأصح. وفي شرح المهذب: نص الشافعي على أن من أكره على شرب الخمر, أو أكل محرم يجب أن يتقيأ إذا قدر. أمر السلطان, هل يكون إكراها؟ اختلف في أمر السلطان, هل ينزل منزلة الإكراه؟ على وجهين, أو قولين: أحدهما: لا, وإنما الإكراه بالتهديد صريحا, كغير السلطان. والثاني: نعم, لعلتين: إحداهما: أن الغالب من حاله السطوة عند المخالفة. والثاني: أن طاعته واجبة في الجملة, فينتهض ذلك شبهة. قال الرافعي: ومقتضى ما ذكره الجمهور صريحا ودلالة: أنه لا ينزل منزلة الإكراه. قال: ومثل السلطان في إجراء الخلاف: الزعيم, والمتغلب; لأن المدار على خوف المحذور من مخالفته. وأما حكم الحاكم وحكم الشرع فهل ينزلان منزلته؟ فيه فروع: منها: لو حلف لا يفارقه, حتى يستوفي حقه فأفلس. ومنعه الحاكم من ملازمته, ففيه قولا المكره. ومنها: لو حلف ليطأن زوجته الليلة: فوجدها حائضا, لم يحنث, كما لو أكره على ترك الوطء. ومنها: قال: إن لم تصومي غدا فأنت طالق, فحاضت فوقوع الطلاق على الخلاف في المكره, ذكره الرافعي. ومنها: من ابتلع طرف خيط ليلا, وبقي طرفه خارجا, ثم أصبح صائما, فإن نزعه أفطر, وإن تركه لم تصح صلاته; لأنه متصل بنجاسة. وقال في الخادم: فطريقه أن يجبره الحاكم على نزعه, ولا يفطر; لأنه كالمكره. قال: بل لو قيل: لا يفطر بالنزع باختياره لم يبعد تنزيلا لإيجاب الشرع منزلة الإكراه, كما إذا حلف: أن يطأها في هذه الليلة, فوجدها حائضا لا يحنث. ومنها: لو حلف لا يحلف يمينا مغلظة, فوجب عليه يمين وقلنا: بوجوب التغليظ حلف, وحنث. ومنها: لو كان له عبد مقيد, فحلف بعتقه أن في قيده عشرة أرطال. وحلف بعتقه لا يحله هو ولا غيره فشهد عند القاضي عدلان أن في قيده خمسة أرطال, فحكم بعتقه, ثم حل القيد, فوجده عشرة أرطال. قال ابن الصباغ: لا شيء على الشاهدين; لأن العتق حصل بحل القيد, دون الشهادة لتحقق كذبهما. حكاه الرافعي في أواخر العتق. تنبيه: يقع في الفتاوى كثيرا أن رجلا حلف بالطلاق لا يؤدي الحق الذي عليه فيفتى في خلاصه بأن يرفع إلى الحاكم, فيحكم عليه بالأداء. وأنه لا يحنث, تنزيلا للحكم منزلة الإكراه. وعندي في هذه وقفة: أما أولا: فلأن الشيخين: لم ينزلا الحكم منزلة الإكراه في كل صورة, ولا قررا ذلك قاعدة عامة, بل ذكراها في بعض الصور وذكرا خلافها في بعضها كما تراه, فليس إلحاق هذه الصورة بالصورة التي حكما فيها بعدم الحنث أولى من إلحاقها بالتي حكما فيها بالحنث. أما ثانيا: فلأن الإكراه بحق لا أثر له في عدم النفوذ, بدليل صحة بيع من أكرهه الحاكم على بيع ماله لوفاء دينه وطلاق المولى إذا أكرهه الحاكم; لأن الإكراه فيهما بحق. فالذي ينشرح له الصدر فيما نحن فيه: القول بالحنث, ولا أثر للحكم في منعه. هذا إذا كان معترفا بالحق, فإن كان منكرا له, وثبت بالبينة قوي في هذه الحالة عدم الحنث; لأنه يزعم أنه مظلوم في هذا الحكم, فلم يكن الإكراه بحق في دعواه. والطلاق لا يقع بالشك, وقولي في هذه الحالة: بعدم الحنث: أي ظاهرا. فلو كانت البينة صادقة في الواقع, وهو عالم بأن عليه ما شهدت به. وقع باطنا. والله أعلم. ثم رأيت الزركشي قال في قواعده: ذكر الرافعي في كتاب الطلاق: أنه لو قال: إن أخذت مني حقك فأنت طالق. فأكرهه السلطان, حتى أعطى بنفسه فعلى القولين في فعل المكره. وقضيته: ترجيح عدم الحنث, والمتجه خلافه; لأنه إكراه بحق هذه عبارته.
قال رسول الله: صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاث: عن النائم, حتى يستيقظ, وعن المبتلى حتى يبرأ, وعن الصبي حتى يكبر". هذا حديث صحيح, أخرجه أبو داود بهذا اللفظ. من حديث عائشة رضي الله عنها. وأخرجه من حديث علي وعمر بلفظ: "عن المجنون حتى يبرأ, وعن النائم حتى يعقل" وأخرجه أيضا عنهما بلفظ: "عن المجنون حتى يفيق" وبلفظ: "عن الصبي, حتى يحتلم",وبلفظ: "حتى يبلغ".وذكر أبو داود: أن ابن جريج رواه عن القاسم بن يزيد عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم فزاد فيه "والخرف". وأخرجه الطبراني من حديث ابن عباس, وشداد بن أوس, وثوبان والبزار من حديث أبي هريرة. قلت: قد ألف السبكي في شرح هذا الحديث كتابا, سماه "إبراز الحكم من حديث: "رفع القلم" ذكر فيه ثمانية وثلاثين فائدة تتعلق به. وأنا أنقل منه هنا في مبحث الصبي ما تراه إن شاء الله تعالى. وأول ما نبه عليه: أن الذي وقع في جميع روايات الحديث: في سنن أبو داود, وابن ماجه والنسائي, والدارقطني "عن ثلاثة" بإثبات الهاء ويقع في بعض كتب الفقهاء "ثلاث" بغير هاء. قال: ولم أجد لها أصلا. قال الشيخ أبو إسحاق: "العقل" صفة يميز بها الحسن والقبيح. قال بعضهم: ويزيله الجنون والإغماء والنوم. وقال الغزالي: الجنون يزيله والإغماء يغمره والنوم يستره. قال السبكي: وإنما لم يذكر المغمى عليه في الحديث; لأنه في معنى النائم وذكر الخرف في بعض الروايات, وإن كان في معنى المجنون; لأنه عبارة عن اختلاط العقل بالكبر, ولا يسمى جنونا; لأن الجنون يعرض من أمراض سوداوية ويقبل العلاج, والخرف خلاف ذلك. ولهذا لم يقل في الحديث "حتى يعقل", لأن الغالب أنه لا يبرأ منه إلى الموت. قال: ويظهر أن الخرف رتبة بين الإغماء والجنون, وهي إلى الإغماء أقرب انتهى. واعلم: أن الثلاثة قد يشتركون في أحكام, وقد ينفرد النائم عن المجنون. والمغمى عليه تارة يلحق بالنائم, وتارة يلحق بالمجنون. وبيان ذلك بفروع. الأول: الحدث يشترك فيه الثلاثة. الثاني: استحباب الغسل عند الإفاقة للمجنون, ومثله المغمى عليه. الثالث: قضاء الصلاة إذا استغرق ذلك الوقت, يجب على النائم, دون المجنون, والمغمى عليه كالمجنون. الرابع: قضاء الصوم إذا استغرق النهار, يجب على المغمى عليه بخلاف المجنون. والفرق بينه وبين الصلاة كثرة تكررها. ونظيره: وجوب قضاء الصوم على الحائض والنفساء, دون الصلاة. وأما النائم: إذا استغرق النهار وكان نوى من الليل, فإنه يصح صومه على المذهب. والفرق بينه وبين المغمى عليه: أنه ثابت العقل; لأنه إذا نبه انتبه بخلافه. وفي النوم وجه أنه يضر كالإغماء. وفي الإغماء وجه: أنه لا يضر كالنوم, ولا خلاف في الجنون. وأما غير المستغرق من الثلاثة, فالنوم لا يضر بالإجماع, وفي الجنون قولان: الجديد البطلان; لأنه مناف للصوم, كالحيض وقطع به بعضهم. وفي الإغماء طرق: أحدها: لا يضر إن أفاق جزءا من النهار, سواء كان في أوله أو آخره. والثاني: القطع بأنه إن أفاق في أوله صح, وإلا فلا. والثالث: وهو الأصح فيه أربعة أقوال أظهرها لا يضر إن أفاق لحظة ما. والثاني: في أوله خاصة. والثالث: في طرفيه. والرابع: يضر مطلقا فيه, فتشترط الإفاقة جميع النهار. والفرع الخامس: الأذان. لو نام أو أغمي عليه أثناءه, ثم أفاق, إن لم يطل الفصل بنى, وإن طال, وجب والاستئناف على المذهب. قال في شرح المهذب, قال أصحابنا: والجنون هنا كالإغماء. السادس: لو لبس الخف, ثم نام حتى مضى يوم وليلة انقضت المدة. قال البلقيني: ولو جن أو أغمي عليه, فالقياس أنه لا تحتسب عليه المدة; لأنه لا تجب عليه الصلاة, بخلاف النوم لوجوب القضاء. قال: ولم أر من تعرض لذلك. السابع: إذا نام المعتكف حسب زمن النوم من الاعتكاف قطعا; لأنه كالمستيقظ. وفي زمان الإغماء وجهان: أصحهما يحسب. ولا يحسب زمن الجنون قطعا; لأن العبادات البدنية لا يصح أداؤها في حال الجنون. الثامن: يجوز للولي أن يحرم عن المجنون بخلاف المغمى عليه كما جزم به الرافعي. التاسع: الوقوف بعرفة لا يصح من المجنون; والمغمى عليه مثله في الأصح, بخلاف النائم المستغرق في الأصح. وحكى الرافعي عن المتولي وأقره : أنه إذا لم يجزه في المجنون يقع نفلا, كحج الصبي. وكذا المغمى عليه, كما في شرح المهذب. العاشر: يصح الرمي عن المغمى عليه, ممن أذن له قبل الإغماء, في حال تجوز فيه الاستنابة. قال في شرح المهذب: والمجنون مثله, صرح به المتولي وغيره. الحادي عشر: يبطل بالجنون كل عقد جائز, كالوكالة إلا في رمي الجمار, والإيداع والعارية والكتابة الفاسدة, ولا يبطل بالنوم. وفي الإغماء وجهان: أصحهما كالمجنون. الثاني عشر: ينعزل القاضي بجنونه وبإغمائه بخلاف النوم. الثالث عشر: ينعزل الإمام الأعظم بالجنون: ولا ينعزل بالإغماء; لأنه متوقع الزوال. الرابع عشر: إذا جن ولي النكاح, انتقلت الولاية للأبعد, والإغماء إن دام أياما ففي وجه: كالجنون, والأصح لا, بل ينتظر كما لو كان سريع الزوال. الخامس عشر: يزوج المجنون وليه بشرطه المعروف ولا يزوج المغمى عليه كما يفهم من كلامهم, وهو نظير الإحرام بالحج. السادس عشر: قال الأصحاب: لا يجوز الجنون على الأنبياء; لأنه نقص ويجوز عليهم الإغماء; لأنه مرض, ونبه السبكي على أن الإغماء الذي يحصل لهم ليس كالإغماء الذي يحصل لآحاد الناس, وإنما هو لغلبة الأوجاع للحواس الظاهرة فقط دون القلب. قال: لأنه قد ورد أنه إنما تنام أعينهم دون قلوبهم, فإذا حفظت قلوبهم وعصمت من النوم الذي هو أخف من الإغماء, فمن الإغماء بطريق الأولى, انتهى. وهو نفيس جدا. السابع عشر: الجنون يقتضي الحجر, وأما الإغماء فالظاهر أنه مثله, كما يفهم من كلامهم. الثامن عشر: يشترك الثلاثة في عدم صحة مباشرة العبادة والبيع والشراء, وجميع التصرفات من العقود والفسوخ كالطلاق والعتق, وفي غرامة المتلفات وأروش الجنايات. التاسع عشر: لا ينقطع خيار المجلس بالجنون والإغماء على الصحيح. ولم أر من تعرض للنوم. العشرون: لو قال إن كلمت فلانا فأنت طالق, فكلمته وهو نائم أو مغمى عليه أو هذت بكلامه في نومها وإغمائها, أو كلمته وهو مجنون طلقت أو وهي مجنونة; قال ابن الصباغ: لا تطلق, وقال القاضي حسين: تطلق. قال الرافعي: والظاهر تخريجه على حنث الناسي. الحادي والعشرون: لو وطئ المجنون زوجة ابنه حرمت عليه, قاله القاضي حسين. الثاني والعشرون: ذهب القاضي والفوراني إلى أن المجنون لا يتزوج الأمة; لأنه لا يخاف من وطء يوجب الحد والإثم, ولكن الأصح خلافه, كذا في الأشباه والنظائر لابن الوكيل. ثم ذكر أن الشافعي نص على أن المجنون لا يزوج منه أمة. فرع: قال النووي في شرح المهذب: يسن إيقاظ النائم للصلاة, لا سيما إن ضاق وقتها. وقال السبكي في كتابه المتقدم ذكره: إذا دخل على المكلف وقت الصلاة وتمكن من فعلها وأراد أن ينام قبل فعلها, فإن وثق من نفسه أنه يستيقظ قبل خروج الوقت بما يمكنه أن يصلي فيه جاز, وإلا لم يجز, وكذا لو لم يتمكن ولكن بمجرد دخول الوقت قصد أن ينام, فإن نام حيث لم يثق من نفسه بالاستيقاظ أثم إثمين; أحدهما إثم ترك الصلاة, والثاني إثم التسبب إليه, وهو معنى قولنا: يأثم بالنوم. وإن استيقظ على خلاف ظنه; وصلى في الوقت لم يحصل له إثم ترك الصلاة وأما ذلك الإثم الذي حصل, فلا يرتفع إلا بالاستغفار. ولو أراد أن ينام قبل الوقت وغلب على ظنه أن نومه يستغرق الوقت, لم يمتنع عليه ذلك; لأن التكليف لم يتعلق به بعد, ويشهد له ما ورد في الحديث أن امرأة عابت زوجها بأنه ينام حتى تطلع الشمس, فلا يصلي الصبح إلا ذلك الوقت فقال: إنا أهل بيت معروف لنا ذلك أي ينامون من الليل حتى تطلع الشمس فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا استيقظت فصل". وأما إيقاظ النائم الذي لم يصل, فالأول وهو الذي نام بعد الوجوب يجب إيقاظه من باب النهي عن المنكر. وأما الذي نام قبل الوقت فلا; لأن التكليف لم يتعلق به, لكن إذا لم يخش عليه ضرر فالأولى إيقاظه; لينال الصلاة في الوقت انتهى ملخصا.
اختلف في تكليفه على قولين: والأصح المنصوص في الأم: أنه مكلف. قال الرافعي: وفي محل القولين أربع طرق أصحها: أنهما جاريان في أقواله وأفعاله كلها, ما له وما عليه. والثاني: أنهما في أقواله كلها, كالطلاق والعتاق والإسلام والردة, والبيع والشراء وغيرها, وأما أفعاله. كالقتل والقطع وغيرها, فكأفعال الصاحي بلا خلاف لقوة الأفعال. الثالث: أنهما في الطلاق والعتاق والجنايات. وأما بيعه وشراؤه وغيرهما من المعاوضات, فلا يصح بلا خلاف; لأنه لا يعلم ما يعقد عليه والعلم شرط في المعاملات. الرابع: أنهما فيما له, كالنكاح والإسلام. أما ما عليه كالإقرار والطلاق والضمان, فينفذ قطعا تغليظا. وعلى هذا لو كان له من وجه, وعليه من وجه, كالبيع والإجارة نفذ تغليبا بطريق التغليظ. هذا ما أورده الرافعي. وقد اغتر به بعضهم فقال تفريعا على الأصل: السكران في كل أحكامه كالصاحي, إلا في نقض الوضوء. قلت: وفيه نظر, فالصواب تقييد ذلك بغير العبادات. ويستثنى منه الإسلام. أما العبادات, فليس فيها كالصاحي كما تبين ذلك. فمنها الأذان, فلا يصح أذانه على الصحيح; كالمجنون والمغمى عليه; لأن كلامه لغو وليس من أهل العبادة, وفيه وجه أنه يصح بناء على صحة تصرفاته. قال في شرح المهذب: وليس بشيء, قال: أما من هو في أول النشوة, فيصح أذانه بلا خلاف. ومنها, لو شرب المسكر ليلا وبقي سكره جميع النهار, لم يصح صومه, وعليه القضاء, وإن صحا في بعضه فهو كالإغماء في بعض النهار. ومنها لو سكر المعتكف, بطل اعتكافه ونتابعه أيضا. واعلم: أن في بطلان الاعتكاف بالسكر والردة, ستة طرق, نظير مسألة العفو عما لا يدركه الطرف في الماء والثوب. الأول وهو الأصح: يبطل بهما قطعا; لأنهما أفحش من الخروج من المسجد. والثاني: لا; قطعا. والثالث فيهما قولان. والرابع: يبطل في السكر دون الردة; لأن السكران ليس من أهل المقام في المسجد; لأنه لا يجوز إقراره فيه, فصار كما لو خرج من المسجد, والمرتد من أهل المقام فيه; لأنه يجوز إقراره فيه. والخامس: يبطل في الردة دون السكر; لأنه كالنوم بخلافها; لأنها تنافي العبادات. والسادس, يبطل في السكر لامتداد زمانه, وكذا الردة إن طال زمانها, وإلا فلا. قال الرافعي, ولا خلاف أنه لا يحسب زمانها. ومنها: لا يصح وقوف السكران بعرفة, سواء كان متعديا أم لا, كالمغمى عليه, ذكره في شرح المهذب. ومنها: في وجوب الرد عليه إذا سلم, وكذا المجنون, وجهان في الروضة بلا ترجيح, قال في شرح المهذب: والأصح أنه لا يجب الرد عليهما, ولا يسن ابتداؤهما. فهذه فروع ليس السكران فيها كالصاحي. وبقي فرع, لم أر من ذكره وهو: لو بان إمامه سكران, فهل تجب الإعادة كما لو بان مجنونا; لأنه لا يخفى حاله أولا, كما لو بان محدثا؟ الظاهر: الأول. حد السكر: فيه عبارات. قال الشافعي: السكران هو الذي اختلط كلامه المنظوم وانكشف سره المكتوم. وقال المزني: هو الذي لا يفرق بين السماء والأرض ولا بين أمه وامرأته. وقيل: هو الذي يفصح بما كان يحتشم منه. وقيل: الذي يتمايل في مشيه ويهذي في كلامه. وقيل: الذي لا يعلم ما يقول. وقال ابن سريج: الرجوع فيه إلى العادة, فإذا انتهى تغيره إلى حالة يقع عليه اسم السكران, فهو المراد بالسكران. قال الرافعي: وهو الأقرب, ولم يرتض الإمام شيئا من هذه العبارات, وقال: الشارب له ثلاثة أحوال: أولها: هزة ونشاط, يأخذه إذا دبت الخمر فيه ولم تستول عليه بعد, ولا يزول العقل في هذه الحالة بلا خلاف, فهذا ينفذ طلاقه وتصرفاته لبقاء عقله. الثانية: نهاية السكر: وهو أن يصير طافحا ويسقط كالمغشي عليه, لا يتكلم ولا يكاد يتحرك, فلا ينفذ طلاقه ولا غيره; لأنه لا عقل له. الثالثة: حالة متوسطة بينهما: وهو أن تختلط أحواله ولا تنتظم أقواله وأفعاله ويبقى تمييز وفهم وكلام, فهذه الثلاثة سكر, وفيها القولان. وما ذكره في الحالة الثانية تابعه عليه الغزالي, وجعلا لفظه كلفظ النائم. قال الرافعي في الطلاق: ومن الأصحاب من جعله على الخلاف, لتعديه بالتسبب إلى هذه الحالة. قال: وهو أوفق لإطلاق الأكثرين. قال الأسنوي: وقد خالف في مواضع, فجزم بأن الطافح الذي سقط تمييزه بالكلية كلامه لغو. ومنها: في ولاية النكاح فقال: السكر إن حصل بسبب يفسق به, فإن قلنا: الفاسق لا يلي, فذاك, وإن قلنا: يلي أو حصل بسبب لا يفسق, فإن لم ينفذ تصرف السكران فالسكر كالإغماء, وإن جعلنا تصرفه كتصرف الصاحي, فمنهم من صحح تزويجه ومنهم من منع لاختلال نظره. ثم الخلاف فيما إذا بقي له تمييز ونظر. فأما الطافح الذي سقط تمييزه بالكلية فكلامه لغو. ومنها: في أواخر الطلاق قال: إن كلمت فلانا فأنت طالق فكلمته وهو سكران, أو مجنون طلقت. قال ابن الصباغ: يشترط أن السكران بحيث يسمع ويتكلم. وأما كلامها في سكرها, فتطلق به على الأصح إلا إذا انتهت إلى السكر الطافح. وذكر مثله في الأيمان.
تنبيه: من المشكل: قول المنهاج في عدة مواضع: منها: في الطلاق يشترط لنفوذه: التكليف إلا السكران. وقال في الدقائق وغيرها: إن قوله: "إلا السكران" زيادة على المحرر, لا بد منها, فإنه غير مكلف, مع أنه يقع طلاقه. قال الأسنوي: وهذا كلام غير مستقيم, فإن الصواب: أنه مكلف. وحكمه كحكم الصاحي فيما له وعليه, غير أن الأصوليين قالوا: إنه غير مكلف, وأبطلوا تصرفاته مطلقا, فخلط النووي طريقة الفقهاء بطريقة الأصوليين, فإنه نفى عنه التكليف ومع ذلك حكم بصحة تصرفاته, وهما طريقتان لا يمكن الجمع بينهما. وقال في الخادم: ما ذكره الأسنوي مردود, بل الأصوليون قالوا: إنه غير مكلف مع قولهم بنفوذ تصرفاته صرح بذلك الإمام والغزالي, وغيرهما. وأجابوا عن نفوذ تصرفاته بأنه من قبيل ربط الأحكام بالأسباب الذي هو خطاب الوضع وليس من باب التكليف. وعن ابن سريج: أنه أجاب بجواب آخر, وهو أنه لما كان سكره لا يعلم إلا من جهته, وهو متهم في دعوى السكر لفسقه. ألزمناه حكم أقواله, وأفعاله وطردنا ما لزمه في حال الصحة.
قال في كفاية المتحفظ: الولد ما دام في بطن أمه فهو جنين, فإذا ولدته سمي صبيا, فإذا فطم سمي غلاما, إلى سبع سنين, ثم يصير يافعا, إلى عشر, ثم يصير حزورا, إلى خمسة عشر. انتهى. والفقهاء يطلقون الصبي على من لم يبلغ, وهو في الأحكام على أربعة أقسام: الأول: ما لا يلحق فيه بالبالغ, بلا خلاف, وذلك في التكاليف الشرعية: من الواجبات والمحرمات, والحدود. والتصرفات: من العقود, والفسوخ, والولايات. ومنها: تحمل العقل. الثاني: ما يلحق فيه بالبالغ, بلا خلاف عندنا. وفي ذلك فروع: منها وجوب الزكاة في ماله, والإنفاق على قريبه منه, وبطلان عبادته بتعمد المبطل لا خلاف في ذلك: في الطهارة, والصلاة, والصوم, وصحة العبادات منه, وترتب الثواب عليها, وإمامته في غير الجمعة ووجوب تبييت النية في صوم رمضان. قال في الروضة, في باب الغصب: الرجل, والمرأة, والعبد, والفاسق, والصبي المميز يشتركون في جواز الإقدام على إزالة المنكرات, ويثاب الصبي عليه كما يثاب البالغ, وليس لأحد منعه من كسر الملاهي, وإراقة الخمر, وغيرهما من المنكرات, كما ليس له منع البالغ, فإن الصبي وإن لم يكن مكلفا فهو من أهل القرب, وليس هذا من الولايات. وقال السبكي: خطاب الندب ثابت في حق الصبي, فإنه مأمور بالصلاة من جهة الشارع أمر ندب, مثاب عليها, وكذلك يوجد في حقه خطاب الإباحة, والكراهة, حيث يوجد خطاب الندب, وهو ما إذا كان مميزا. انتهى. الثالث: ما فيه خلاف, والأصح أنه كالبالغ. وفيه فروع: الأول: إذا أحدث الصبي, أو أجنب, وتطهر, فطهارته كاملة, فلو بلغ صلى بها, ولم تجب إعادتها. وفي وجه, حكاه المتولي عن المزني: أنها ناقصة, فتلزمه الإعادة إذا بلغ. ولو تيمم, ثم بلغ, لم يبطل تيممه في الأصح, ويصلي به الفرض في الأصح. وفي وجه: يبطل, وفي آخر: يصلي به النفل, دون الفرض. الثاني: في صحة أذانه وجهان: الصحيح وبه قطع الجمهور : صحته, لكن يكره. الثالث: القيام في صلاة الفرض. هل يجب في صلاة الصبي, أو يجوز له القعود؟ وجهان في الكفاية, بلا ترجيح. قال الأذرعي: والأصح عند صاحب البحر: المنع. قال الأسنوي: ويجريان في الصلاة المعادة. قال: وكلام الأكثرين مشعر بالمنع. قلت: ولا ينبغي أن يجريا فيما إذا خطب الصبي للجمعة بل يقطع بمنع القعود. الرابع في صحة إمامته في الجمعة قولان أصحهما: الصحة بشرط أن يتم العدد بغيره. الخامس في سقوط فرض صلاة الجنازة به وجهان: أصحهما السقوط; لأنه تصح إمامته فأشبه البالغ. وفي نظيره من رد السلام وجهان أصحهما: عدم السقوط. والفرق: أن المقصود هناك الدعاء وهو حاصل, وهنا الأمان. وفي سقوط فرض صلاة الجماعة بالصبيان احتمالان للمحب الطبري. السادس: في جواز توكيله في دفع الزكاة وجهان: الأصح الجواز. السابع: يجوز اعتماد قوله في الإذن ودخول دار وإيصال هدية في الأصح. ومحل الوجهين: ما إذا لم تكن قرينة وإلا فيعتمد قطعا. الثامن: يحصل بوطئه التحليل على المشهور, إذا كان ممن يتأتى منه الجماع. أما الصغيرة المطلقة ثلاثا إذا وطئت ففيها طريقان, أصحهما: الحل قطعا. والثاني: في التي لا تشتهى الوجهان في الصبي. التاسع: التقاطه صحيح على المذهب, كاحتطابه واصطياده. العاشر: في وجوب الرد عليه إذا سلم, وجهان أصحهما الوجوب. الحادي عشر: في حل ما ذبحه, قولان أصحهما الحل, فإن كان مميزا حل قطعا. الثاني عشر في صحة إسلام الصبي المميز استقلالا, وجهان المرجح منهما: البطلان والمختار عند البلقيني الصحة, وهو الذي أعتقده. ثم رأيت السبكي مال إليه فقال في كتابه "إبراز الحكم ": استدل من قال ببطلانه بالحديث بمثل ما احتج به لبطلان بيعه. ووجه الدلالة في البيع: أنه لو صح لاستلزم المؤاخذة بالتسليم, والمطالبة بالعهدة, والحديث دل على عدم المؤاخذة. ولو صح أيضا لكلف أحكام البيع, وهو لا يكلف شيئا, وكذا في الإسلام: لو صح لكلف أحكامه واللازم منتف بالحديث. قال: وهذا استدلال ضعيف; لأنه يكفي في ترتيب أحكامه ظهور أثرها بعد البلوغ. والقائل بصحة إسلامه يقول: إنه إذا بلغ ووصف الكفر صار مرتدا, وهذا لا ينفيه الحديث, إنما ينفي المؤاخذة حين الصبا والإسلام كالعبادات, فكما يصح منه الصوم والصلاة والحج وغيرها, يصح منه الإسلام انتهى. قلت: ومما يدل لصحته من الحديث: ما رواه أبو داود في سننه عن مسلم التميمي. قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية, فلما هجمنا على القوم تقدمت أصحابي على فرس, فاستقبلنا النساء والصبيان يضجون, فقلت لهم: تريدون أن تحرزوا أنفسكم؟ قالوا: نعم, قلت قولوا: نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله, فقالوها فجاء أصحابي فلاموني وقالوا: أشرفنا على الغنيمة فمنعتنا, ثم انصرفنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أتدرون ما صنع؟ لقد كتب الله له بكل إنسان كذا وكذا, ثم أدناني منه". الثالث عشر: في كونه كالبالغ في تحريم النظر, حتى يجب على المرأة الاحتجاب منه وجهان. أصحهما نعم. الرابع عشر: في استحقاق سلب القتيل الذي يقتله, وجهان أصحهما: نعم. الخامس عشر: في جواز القصر والجمع له: رأيان. قال صاحب البيان: لا يجوز; لأنهما إنما يكونان في الفرائض, والأصح الجواز. قال العبادي: فلو جمع تقديما ثم بلغ, لم تلزمه الإعادة. السادس عشر: في كون عمده في الجنايات عمدا, قولان الأظهر: نعم. وينبني على ذلك فروع: منها: وجوب القصاص على شريكه بجرح أو إكراه. ومنها: تغليظ الدية عليه. ومنها: فساد الحج بجماعه, ووجوب الكفارة والقضاء. ومنها: وجوب الفدية إذا ارتكب باقي المحظورات. ومنها: إذا وطئ أجنبية, فهو زنا إلا أنه لا حد فيه لعدم التكليف, وعلى القول الآخر: هو كالواطئ بشبهة, فيترتب عليه تحريم المصاهرة. الرابع: ما فيه خلاف, والأصح: أنه ليس كالبالغ. وفيه فروع: الأول: سقوط السلام برده كما مر. الثاني: وجوب نية الفرضية في الصلاة. الأصح: لا يشترط في حقه, كما صوبه في شرح المهذب. الثالث: قبول روايته, فيه وجهان, والأصح: المنع. الرابع والخامس في وصيته, وتدبيره, قولان, والأظهر: بطلانهما. السادس: في منعه من مس المصحف, وهو محدث: وجهان, والأصح: لا. قال الأسنوي: ولم أر تصريحا بتمكينه في حال الجنابة, والقياس: المنع; لأنها نادرة وحكمها أغلظ. قلت: صرح النووي بالمسألة في فتاويه, وسوى فيه بين الجنابة, والحدث. قال في الخادم: وفيه نظر; لأنها لا تتكرر, فلا يشق. قال: وعلى قياسه: يجوز المكث في المسجد, وهو بعيد, إذ لا ضرورة. السابع: في منعه من لبس الحرير: وجهان أصحهما: لا يمنع. الثامن: إذا بطل أمان رجال, لا يبطل أمان الصبيان, في الأصح. التاسع: هل يجوز أن يلتقط المميز؟ وجهان. الصحيح: نعم, كغيره. العاشر: إذا انفرد الصبيان بغزوة وغنموا, خمست. وفي الباقي أوجه: أصحها: تقسم بينهم كما يقسم الرضخ, على ما يقتضيه الرأي من تسوية, وتفضيل. الثاني: يقسم كالغنيمة. للفارس: ثلاثة أسهم, وللراجل: سهم. والثالث: يرضخ لهم منه; ويجعل الباقي لبيت المال. الحادي عشر: في صحة الأمان منه; وجهان. أصحهما: لا يصح. ضابط: حاصل المواضع التي يقبل فيها خبر المميز: الإذن في دخول الدار, وإيصال الهدية, وإخباره بطلب صاحب الدعوة, واختياره أحد أبويه في الحضانة, ودعواه: استعجال الإنبات بالدواء, وشراؤه المحقرات, نقل ابن الجوزي الإجماع عليه. ما يحصل به البلوغ. هو أشياء. الأول: الإنزال, وسواء فيه الذكر والأنثى. وفي وجه: لا يكون بلوغا في النساء; لأنه نادر فيهن. ووقت إمكانه: استكمال تسع سنين, وفي وجه: مضي نصف العاشرة. وفي آخر استكمالها. قال الأسنوي: وهذان الوجهان في الصبي. أما الصبية: فقيل: أول التاسعة. وقيل: نصفها, صرح به في التتمة. وتعليل الرافعي يرشد إليه. ونظيره: الحيض, والأصح فيه: الأول, وفيه وجه: مضي نصف التاسعة. وفي آخر: الشروع فيها, واللبن. وجزم فيه بالأول. الثاني: السن, وهو استكمال خمسة عشر سنة. وفي وجه: بالطعن في الخامسة عشرة. وفي آخر: حكاه السبكي: مضي ستة أشهر منها. قال السبكي: والحكمة في تعليق التكليف بخمس عشرة سنة: أن عندها بلوغ النكاح وهيجان الشهوة, والتوقان, وتتسع معها الشهوات في الأكل, والتبسط, ودواعي ذلك ويدعوه إلى ارتكاب ما لا ينبغي ولا يحجره عن ذلك ويرد النفس عن جماحها, إلا رابطة التقوى, وتسديد المواثيق عليه والوعيد, وكان مع ذلك قد كمل عقله, واشتد أسره, وقوته, فاقتضت الحكمة الإلهية توجه التكليف إليه, لقوة الدواعي الشهوانية, والصوارف العقلية, واحتمال القوة للعقوبات على المخالفة. وقد جعل الحكماء للإنسان أطوارا, كل طور سبع سنين, وأنه إذا تكمل الأسبوع الثاني, تقوى مادة الدماغ, لاتساع المجاري, وقوة الهضم فيعتدل الدماغ, وتقوى الفكرة, والذكر, وتتفرق الأرنبة; وتتسع الحنجرة فيغلظ الصوت, لنقصان الرطوبة وقوة الحرارة. وينبت الشعر لتوليد الأبخرة, ويحصل الإنزال, بسبب الحرارة. وتمام الأسبوع الثاني: هو في أواخر الخامسة عشر لأن الحكماء يحسبون بالشمسية. والمشرعون يعتبرون الهلالية وتمام الخامسة عشرة) متأخر عن ذلك شهرا, فإما أن تكون الشريعة حكمت بتمامها, لكونه أمرا مضبوطا, أو لأن هناك دقائق اطلع الشرع عليها, ولم يصل الحكماء إليها اقتضت تمام السنة. قال: وقد اشتملت الروايات الثلاث في حديث: "رفع القلم" وهو قوله: "حتى يكبر" و "حتى يعقل" و "حتى يحتلم": على المعاني الثلاثة التي ذكرنا أنها تحصل عند خمس عشرة سنة. فالكبر: إشارة إلى قوته وشدته, واحتماله التكاليف الشاقة, والعقوبات على تركها. والعقل: المراد به فكره, فإنه وإن ميز قبل ذلك, لم يكن فكره تاما, وتمامه عند هذا السن, وبذلك يتأهل للمخاطبة, وفهم كلام الشارع, والوقوف مع الأوامر, والنواهي. والاحتلام: إشارة إلى انفتاح باب الشهوة العظيمة, التي توقع في الموبقات, وتجذبه إلى الهوي في الدركات. وجاء التكليف كالحكمة في رأس البهيمة يمنعها من السقوط, انتهى كلام السبكي. ثم قال: وأنا أقول: إن البلوغ في الحقيقة المقتضي للتكليف: هو بلوغ وقت النكاح للآية, والمراد ببلوغ وقته بالاشتداد, والقوة, والتوقان, وأشباه ذلك. فهذا في الحقيقة: هو البلوغ المشار إليه في الآية الكريمة. وضبطه الشارع بأنواع: أظهرها: الإنزال. وإذا أنزل تحققنا حصول تلك الحالة: إما قبيل الإنزال, وإما مقارنه. الثالث: إنبات العانة, وهو يقتضي الحكم بالبلوغ في الكفار. وفي وجه: والمسلمين أيضا.
ومبنى الخلاف: على أنه بلوغ حقيقة, أو دليل عليه, وفيه قولان. أظهرهما: الثاني. فلو قامت بينة على أنه لم يكمل خمس عشرة سنة, لم يحكم ببلوغه. الرابع: نبات الإبط, واللحية, والشارب, فيه طريقان. أحدهما: أنه لا أثر لها قطعا. والثاني: أنها كالعانة, وألحق صاحب التهذيب الإبط بها, دون اللحية, والشارب. الخامس: انفراق الأرنبة, وغلظ الصوت, ونهود الثدي, ولا أثر لها على المذهب, وتختص المرأة بالحيض والحبل. فرع: إذا بلغ في أثناء العبادة, فإن كانت صلاة, أو صوما: وجب إتمامها, وأجزأت على الصحيح. والثاني: يستحب الإتمام, وتجب الإعادة; لأنه شرع فيها ناقصا. أو حجا, أو عمرة, فإن كان قبل الوقوف في الحج, والطواف في العمرة: أجزأته عن فرض الإسلام, وإلا فلا. وفي الحال الأول: تجب إعادة السعي, إن كان قدمه. فلو بلغ بعد فعلها, أجزأته الصلاة دون الحج, والعمرة. والفرق: أنه مأمور بالصلاة, مضروب عليها بخلاف الحج, وأن الحج لما كان وجوبه مرة واحدة في العمر: اشترط وقوعه في حال الكمال, بخلاف الصلاة وعتق العبد, وإفاقة المجنون, كبلوغ الصبي. فائدة: ذكر السبكي في الحديث السابق سؤالين: أحدهما: أن قوله: "حتى يبلغ" و "حتى يستيقظ" و "حتى يفيق" غايات مستقبلة, والفعل المغيا بها, هو رفع ماض, والماضي لا يجوز أن تكون غايته مستقبلة; لأن مقتضى كون الفعل ماضيا: كون أجزاء المغيا جميعها ماضية, والغاية طرف المغيا. ويستحيل أن يكون المستقبل طرفا للماضي; لأن الآن فاصل بينهما. والغاية: إما داخلة في المغيا فتكون ماضية أيضا, وإما خارجة مجاورة, فيصح أن يكون الآن: غاية للماضي. وإما أن تكون منفصلة, حتى يكون المستقبل المنفصل عن الماضي غاية له: فيستحيل. الثاني: أن الرفع قد يقال: إنه يقتضي سبق وضع. ولم يكن القلم موضوعا على الصبي. وأجاب عن الأول: بالتزام حذف, أو مجاز, حتى يصح الكلام, فيقدر: رفع القلم: فلا يزال مرتفعا حتى يبلغ, أو فهو مرتفع. وعن الثاني: بأن الرفع لا يستدعي تقديم وضع, وبأن البيهقي قال: إن الأحكام; إنما نيطت بخمس عشرة سنة, ومن عام الخندق, وقبل ذلك كانت تتعلق بالتمييز. فإن ثبت هذا احتمل أن يكون المراد بهذا الحديث انقطاع ذلك الحكم, وبيان أنه ارتفع التكليف عن الصبي, وإن ميز حتى يبلغ, فيصح فيه: أنه رفع بعد الوضع, وهو الصحيح في النائم, بلا إشكال, باعتبار وضعه عليه قبل نومه. وفي المجنون قبل جنونه, إذا سبق له حال تكليف.
|