الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: إظهار الحق **
والثالث: أن يعقوب لم يجر الحد ولا التعزيز على هذا الولد العزيز ولا على هذه الامرأة الفاجرة، بل لم يثبت من هذا الباب ولا من باب آخر أنه تنغص لأجل هذا الأمر من يهوذا، والباب التاسع والأربعون من سفر التكوين شاهد صدق على عدم تكدره حيث ذم روبيل وشمعون ولاوى على ما صدر عنهم، وما ذم يهوذا على ما صدر عنه، بل سكت عما صدر عنه ومدحه مدحًا بليغًا ودعا له دعاء كاملًا ورجحه على أخوته. والرابع: أن ثامار شهد في حقها يهوذا صهرها بشدة البر، فسبحان اللّه نعم البار ونعمت البارة الفائقة في البر من الباب المذكور كيف لا تكون بارة شديدة حيث لم تكشف عورتها إلا لأبي زوجها وما زنت إلا بحميها أو حصلت منه بهذا الزنا الواحد ابنين كاملين. والخامس: أن داود وسليمان وعيسى عليهم السلام كلهم في أولاد فارض الذي حصل بالزنا كما هو مصرح به في الباب الأول من إنجيل متى. والسادس: أن اللّه ما قتل فارض وزارح مع كونهما ولدي الزنا، بل أبقاهما كابني لوط اللذين كانا ولدي زنا، وما قتلهما كما قتل ولد داود عليه السلام الذي تولد بزناه بامرأة أوريا، لعل الزنا بامرأة الغير أشد من الزنا بزوجة الابن. كتب القسيس اسمت في القسم الأول من كتابه المسمى بتحقيق الدين الحق المطبوع سنة 1842 في الصفحة 42: (كما أنه لم يكن بينهم) أي بين بني إسرائيل (سلطان لم يكن بينهم نبي غير موسى وهارون وسبعين من المعينين) انتهى. ثم قال: (لم يكن غير موسى وهارون ومعينيهما نبيًا لهم) انتهى. فظهر أن هارون نبي عند المسيحيين. ولا بد أن يعلم الناظر أني نقلت هاتين العبارتين من النسخة المطبوعة سنة 1842 وكتبت الرد على هذه النسخة، وسميته تقليب المطاعن، ورد صاحب الاستفسار أيضًا على هذه النسخة، وسمعت أن هذا القسيس بعد الرد حرف كتابه فزاد في بعض المواضع ونقص في البعض، وبدل البعض، كما فعل صاحب ميزان الحق في نسخة الميزان مثله، فلا أعلم أن هذا القسيس ألقى هاتين العبارتين في النسخة الأخيرة المحرفة أم لا، وعبارات العهد العتيق تدل على نبوته أيضًا وكونه متبعًا لشريعة موسى عليه السلام لا ينافي نبوته، كما لا ينافي هذا الأمر نبوة يوشع وداود وأشعيا وأرمياء وحزقيال وغيرهم من الأنبياء الإسرائيلية، الذين كانوا ما بين زمان موسى وعيسى عليهم السلام. في الآية السابعة والعشرين من الباب الرابع من سفر الخروج هكذا: (فقال الرب لهارون اذهب وتلق موسى إلى البرية فمضى وتلقى به إلى جبل اللّه وقبله). وفي الباب الثامن عشر من سفر العدد هكذا: 1 (وقال الرب لهارون) الخ 8 (ثم كلم الرب هارون وقال له) الخ 20 (ثم قال الرب لهارون) الخ. وفي هذا الباب من الأول إلى الآخر هو المخاطب حقيقة. وفي الباب الثاني والرابع والرابع عشر والسادس عشر والتاسع عشر توجد هذه العبارة: (وكلم الرب موسى وهارون وقال لهما) في ستة مواضع. وفي الآية الثالثة عشر من الباب السادس من سفر الخروج هكذا: (فكلم الرب موسى وهارون وأوصاهما وأرسلهما إلى بني إسرائيل وإلى فرعون ملك مصر ليخرجا بني إسرائيل من مصر). فظهر من هذه العبارات أن اللّه أوحى إلى هارون عليه السلام منفردًا وبشركة موسى عليه السلام، وأرسله إلى بني إسرائيل وفرعون كما أرسل موسى عليه السلام، ومن طالع كتاب الخروج يظهر له أن المعجزات التي صدرت في مقابلة فرعون، ظهر أكثرها على يد هارون عليه السلام، وكانت مريم أخت موسى وهارون عليهما السلام أيضًا، نبيئة كما هو مصرح به في الآية العشرين من الباب الخامس عشر من سفر الخروج هكذا: (وأخذت مريم النبيئة أخت هارون دفًا في يدها) الخ. والآية السادسة والعشرون من الزبور المائة والخامس هكذا: (أرسل موسى عبده وهارون الذي انتخبه). والآية السادسة عشر من الزبور المائة والسادس هكذا: (واغضبوا موسى في المعسكر وهارون قديس الرب). فإنكار صاحب ميزان الحق نبوة هارون في الصفحة 105 من كتابه المسمى بحل الإشكال المطبوع سنة 1847 ليس بشيء. [18] في الباب الثاني من سفر الخروج هكذا: 11 (وفي تلك الأيام لما شب موسى خرج إلى أخوته وأبصر تعبدهم ورأى رجلًا من أهل مصر يضرب رجلًا من أخوته العبرانيين) 12 (فالتفت إلى الجانبين فلم ير أحدًا فقتل المصري ودفنه). فقتل موسى عليه السلام بعصبية قومه المصري. [19] في الباب الرابع من سفر الخروج هكذا: 10 (فقال موسى أرغب إليك يا رب إني لست برجل فصيح الكلام من أمس ولا من أول منه أيضًا ولا من حين خاطبت عبدك إني ألثغ وثقيل اللسان) 11 (فقال له الرب من الذي خلق فم الإنسان، أو من صنع الأخرس والأصم والبصير والأعمى أليس أنا) 12 (فاذهب وأنا أكون في فيك وأعلمك ما تتكلم) 13 (فأما هو فقال أرغب إليك يا رب أن ترسل من أنت ترسل) 24 (فاشتد غضب الرب على موسى) الخ. فاستعفى موسى عليه السلام عن النبوة، وقد كان الرب وعده وجعله مطمئنًا، فاشتد عليه غضب الرب. [20] في الآية التاسعة عشر من الباب الثاني والثلاثين من سفر الخروج هكذا: (فلما دنا من المحلة وأبصر العجل وجوق المغنيين فاشتد غضب موسى ورمى باللوحين من يده فكسرهما في أسفل الجبل). وهذان اللوحان كانا من عمل اللّه وخط اللّه، كما هو مصرح به في هذا الباب، فكسرهما خطأ، ولم يحصل بعد ذلك مثلهما، لأن اللوحين اللذين حصلا بعدهما كانا من عمل موسى ومن خطه، كما هو مصرح به في الباب الرابع والثلاثين من سفر الخروج. [21] الآية الثانية عشر من الباب العشرين من سفر العدد هكذا: (وقال الرب لموسى وهارون من أجل إنكما لم تصدقاني وتقدساني قدام بني إسرائيل، من أجل ذلك لا تدخلان أنتما بهذه الجماعة إلى الأرض التي وهبت لهم). وفي الباب الثاني والثلاثين من سفر الاستثناء هكذا: 48 (وكلم الرب موسى في ذلك اليوم وقال له) 49 (ارق هذا الجبل عبريم وهو جبل المجازاة إلى جبل نابو الذي في أرض مواب تلقاء أريحاء، ثم انظر إلى أرض كنعان التي أنا أعطيها لبني إسرائيل ليرثوها ثم مت في الجبل) 50 (الذي تصعد إليه ويجتمع إلى شعوبك، كما مات أخوك هارون في هور الطور واجتمع إلى شعبه) 51 (على أنكما عصيتماني في بني إسرائيل عند ماء الخصام في قادس برية صين ولم تطهراني في بني إسرائيل) 52 (فإنك ستنظر إلى الأرض التي أنا أعطيها بني إسرائيل من تلقائها، وأما أنت فلا تدخلها). ففي هاتين العبارتين تصريح بصدور الخطأ عن موسى وهارون عليهما السلام بحيث صارا محرومين عن الدخول في الأرض المقدسة، وقد قال اللّه زاجرًا: إنكما لم تصدقاني وتقدساني وإنكما عصيتماني. [22] زنى شمسون الرسول بامرأة زانية، كانت في غزة، ثم تعشق امرأة اسمها دليلي التي كانت من أهل وادي شوارق، وكان يدخل إليها، فأمرها كفار فلسطين أن تسأله، كيف يقدر الفلسطانيون عليه ويوثقونه، ولا يقدر هو على كثر الوثاق، ووعدوا العطية الجزيلة. فسألته فكذب ثلاث مرات، فقالت له هذه الفاجرة كيف تقول أنك تحبني وقلبك ليس معي وقد كذبتني ثلاث دفعات، وضيقت عليه بكلامها أيامًا كثيرة فأطلعها على كل شيء، وقال: إن حلقوا شعر رأسي زالت عني قوتي وصرت كواحد من الناس. فلما رأت أنه قد أظهر ما في قلبه فدعت رؤساء أهل فلسطين، وأنامته على ركبتها، ودعت الحلاق فحلق سبع خصال شعر رأسه. فزالت عنه قوته، فأسروه وقلعوا عينيه وحبسوه في السجن، ثم استشهد هناك. وهذه القصة مصرح بها في الباب السادس عشر من سفر القضاة وشمسون نبي وتدل على نبوته الآية 5 و 25 من الباب الثالث عشر. والآية 6 و 19 من الباب الرابع عشر، والآية 14 و 18 و 19 من الباب الخامس عشر من السفر المذكور، والآية الثانية والثلاثون من الباب الحادي عشر من الرسالة العبرانية. [23] في الباب الحادي والعشرين من سفر صموئيل الأول في حال داود، لما فر من خوف شاوول ملك إسرائيل، ووصل إلى نوبا عند أخيملك الكاهن هكذا: 1 (وأتى داود إلى نوبا أخيملك الحبر، فتعجب أخيملك من إتيان داود وقال له لماذا جئت وحدك وليس معك أحد) 2 (فقال داود لأخيملك الكاهن إن الملك أمرني بشيء وقال لي لا يعلم أحد بهذا فيما أبعثك وأمرتك، فأما الفتيان فقد فرضت لهم ذلك الموضع وذلك) 3 (والآن إن كان شيء تحت يدك أو خمسة من الخبز فادفع إلي أو مهما وجدت) 6 (وأعطاه الخبز خبز القدس الخ) 8 (وقال داود لإخيملك أهنا تحت يدك سيف أو حربة، لأن سيفي وحربتي لم آخذ معي، لأن كان أمر الملك مسرعًا). فكذب داود عليه السلام كذبًا بعد كذب، وصارت ثمرة هذا الكذب أن شاوول السفاك ملك بني إسرائيل قتل أهل نوبا كلهم، ذكورهم ونساءهم وأطفالهم ودوابهم من البقر والغنم والحمر، وقتل في هذه الحادثة خمسة وثمانون كاهنًا، ونجا في هذه الحادثة ابن لإخيملك اسمه ابيثار، وفر ووصل إلى داود عليه السلام. وأقر داود عليه السلام بأني سبب لقتل أهل بيتك كلهم، كما هو مصرح به في الباب الثاني والعشرين من السفر المذكور. [24] في الباب الحادي عشر من سفر صموئيل الثاني هكذا: (قام داود عليه السلام من فراشه بعد الظهر يتمشى على سطح مجلس ملكه، فأبصر امرأة تغتسل على سطحها وكانت جميلة جدًا، فأرسل داود عليه السلام وسأل عن الامرأة وقالوا له إنها بنت شباع امرأة أوريا، فأرسل داود رسلًا وأخذها ونام معها، ثم رجعت إلى بيتها فحبلت وأخبرته وقالت إني قد حبلت. فأرسل داود عليه السلام إلى يواب قائلًا له: أرسل إلى أوريا، فأرسل يواب أوريا، وسأل داود عليه السلام أوريا عن سلامة يواب وعن سلامة الشعب وعن الحرب، ثم قال: انزل إلى بيتك. فخرج أوريا فرقد بباب بيت الملك ولم ينحدر إلى بيته، وأخبروا داود عليه السلام، أن أوريا لم ينزل إلى بيته. فقال داود عليه السلام: لماذا لم تنحدر إلى بيتك. فقال أوريا: تابوت اللّه وإسرائيل ويهوذا في الخيام وسيدي يواب وعبيد سيدي في القفر وأنا أنطلق إلى بيتي وآكل وأشرب وأنام مع امرأتي، لا وحياتك وحياة نفسك أني لا أفعل هذا. وقال داود عليه السلام: أقم اليوم أيضًا ههنا، وإذا كان الغد أرسلك. وبقي أوريا في أورشليم ذلك اليوم، وفي اليوم الآخر داعه داود عليه السلام ليأكل قدامه ويشرب فسكره، وخرج وقت المساء فنام مكانه على جانب عبيد سيده ولم ينحدر إلى بيته، فلما كان الصباح كتب داود عليه السلام صحيفة إلى يواب، وأرسلها بيد أوريا وقال صيروا أوريا في أول الحرب، وإذا اشتبك الحرب ارجعوا واتركوه وحده ليقتل، فلما نزل يواب حول القرية أقام أوريا في المكان الذي يعلم أن الرجال الشجعان هناك، فخرج أهل القرية فقاتلوا يواب فسقط من الشعب قوم من عبيد داود عليه السلام وأوريا فمات، وأرسل يواب إلى داود عليه السلام وأخبره، وسمعت امرأة أوريا أن زوجها قد مات فناحت عليه، فلما انقضت مناحتها، أرسل داود عليه السلام فأدخلها بيته وصارت له امرأة وولدت له ابنًا، وساء هذا الفعل الذي فعل داود أمام الرب) انتهى ملخصًا. وفي الباب الثاني عشر من سفر صموئيل الثاني حكم الرب لداود على لسان ناثان النبي عليهما السلام هكذا: 9 (ولماذا أزريت بوصية الرب وارتكبت القبيح أمام عيني وقتلت أوريا الحيتاني في الحرب وامرأته أخذتها لك امرأة وقتلته بسيف بني عمون) 14 (ولكن لأنك أشمت بك أعداك الرب بهذه الفعلة فالابن الذي ولد لك موتًا يموت) فصدر عن داود ثمانية خطيئات: (الأولى) أنه نظر إلى امرأة أجنبية بنظر الشهوة، وقد قال عيسى عليه السلام أن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه، كما هو مصرح به في الباب الخامس من إنجيل متى. (والثانية) أنه ما اكتفى على نظر الشهوة، بل طلبها وزنى بها، وحرمة الزنا قطعية، ومن الأحكام العشرة المشهورة. كما قال اللّه في التوراة لا تزن. (والثالثة) أن هذا الزنا كان بزوجة الجار، وهذا أشد أنواع الزنا، وذنب آخر كما هو مصرح به في الأحكام العشرة المشهورة. (والرابعة) ما أجرى حد الزنا لا على نفسه، ولا على هذه الامرأة. والآية العاشرة من الباب العشرين من سفر الأحبار هكذا: (ومن زنى بامرأة لها رجل فليقتل الزاني، والزانية). والآية الثانية والعشرون من الباب الثاني والعشرين من سفر الاستثناء هكذا: (إن اضطجع رجل مع امرأة غيره فكلاهما يموتان الزاني والزانية، وارفع الشر من إسرائيل). (والخامسة) أن داود عليه السلام طلب أوريا من المعسكر، وأمره أن يذهب إلى بيته، وجل غرض داود عليه السلام أن يلقي على عيبه سترًا، ويكون هذا الحبل منسوبًا إلى أوريا. ولما لم يذهب لأجل ديانته، وحلف أنه لا يروح، فأقامه داود عليه السلام اليوم الثاني، وجعله سكران يسقي الخمر الكثير ليروح إلى بيته في حالة الخمار، لكنه لم يرح في هذه الحالة أيضًا مراعيًا لديانته، ولم يلتفت إلى زوجته الجميلة التي كانت جائزة له شرعًا وعقلًا. فسبحان اللّه العزيز حال ديانة العوام عند أهل الكتاب في ترك الأمر الجائز لأجل الديانة هكذا، وحال ديانة الأنبياء الإسرائيلية في ارتكاب الفواحش هكذا. (والسادسة) أنه لما لم تحصل ثمرة مقصوده على إسكار أوريا، عزم داود عليه السلام على قتله، فقتله بسيف بني عمون، وفي الآية السابعة من الباب الثالث والعشرين من سفر الخروج: (لا تقتل البار الزكي). (والسابعة) أنه لم يتنبه على خطأه، ولم يتب ما لم يعاتبه ناثان النبي عليه السلام. (والثامنة) أنه قد وصل إليه حكم اللّه بأن هذا الولد الذي تولد بالزنا يموت، ومع هذا دعا لأجل عافيته، وصام وبات على الأرض. [25] في الباب الثالث عشر من سفر صموئيل الثاني، أن حمنون الولد الأكبر لداود زنى بثامار قهرًا ثم قال لها أخرجي، ولما امتنعت عن الخروج أمر خادمه فأخرجها، وأغلق الباب خلفها فخرجت صارخة، وسمع داود عليه السلام هذه الأمور، وشقت عليه، لكنه لم يقل لحمنون شيئًا لمحبته له ولا لثامار، وكانت ثامار هذه أختًا لأبي شالوم بن داود عليه السلام يقينًا، ولذلك بغض أبيشالوم حمنون، وعزم على قتله، ولما قدر عليه قتله. [26] في الآية الثانية والعشرين من الباب السادس عشر من سفر صموئيل الثاني هكذا: (فضربوا لأبيشالوم خيمة على السطح، ودخل على سراري أبيه تجاه جميع إسرائيل) ثم حارب أبيشالوم الأب حتى قتل في تلك المحاربة عشرون ألفًا من بني إسرائيل كما هو مصرح به في الباب الثامن عشر، فابن داود عليه السلام هذا فاق روبيل الولد الأكبر ليعقوب عليه السلام بثلاثة أوجه: (الأول) أنه زنى بجميع سراري أبيه بخلاف روبيل فإنه زنى بسرية واحدة. (والثاني) أنه زنى تجاه جميع إسرائيل علانية بخلاف روبيل فإنه زنى خفية. (والثالث) أنه حارب أباه حتى قتل عشرون ألفًا من بني إسرائيل. وداود عليه السلام مع صدور هذه الأمور عن هذا الخلف السوء، كان وصى رؤساء العسكر أن لا يقتله أحد، لكن يواب خالف أمره، وقتل هذا الخلف السوء، ولما سمع داود عليه السلام بكى بكاءً شديدًا، وحزن عليه. وأنا لا أتعجب من هذه الأمور لأن أمثالها لو صدرت عن أولاد الأنبياء، بل الأنبياء، ليست عجيبة على حكم كتبهم المقدسة، بل أتعجب ان زناه بسراري أبيه كان بعدل الرب، وهو كان هيج هذا الزاني، لأنه كان وعده على لسان ناثان النبي عليه السلام لما زنى داود عليه السلام بامرأة أوريا. في الباب الثاني عشر من السفر المذكور هكذا: 11(فهذا ما يقول الرب هو ذا أنا مثير عليك شرًا من بيتك، وآخذ نساءك عيانك فأعطي صاحبك فينضجع مع نسائك عيان هذه الشمس) 12 (فإنك أنت فعلت هذا خفيًا، وأنا أجعل هذا الكلام أمام جميع إسرائيل، ومقابل الشمس) فوفى اللّه بما وعد. [27] في الباب الحادي عشر من سفر الملوك الأول هكذا: 1 (وكان سليمان الملك قد أحب نساء كثيرة غريبة، وابنة فرعون، ونساء من بنات الموابيين، ومن بنات عمون، ومن بنات أدوم، ومن بنات الصيدانيين، ومن بنات الحيثانيين) 2 (من الشعوب الذين قال الرب لبني إسرائيل لا تدخلوا إليهم، ولا يدخلوا إليكم لئلا يميلوا قلوبكم إلى آلهتكم، وهؤلاء التصق بهم سليمان بحب شديد) 3 (وصار له سبعمائة امرأة حرة، وثلثمائة سرية، وأغوت نساءه قلبه) 4 (فلما كان عند كبر سليمان أغوت نساءه إلى آلهة أخر، ولم يكن قلبه سليمًا للّه ربه مثل قلب داود أبيه) 5 (وتبع سليمان عستروت إله الصيدانيين وملكوم صنم بني عمون) 6 (وارتكب سليمان القبح أمام الرب ولم يتم أن يتبع الرب مثل داود أبيه) 7 (ثم نصب سليمان نصبة لكاموش صنم مواب في الجبل الذي قدام أورشليم، ولملكوم وثن بني عمون) 8 (وكذلك صنع لجميع نسائه الغرباء، وهن يبخرن، ويذبحن لآلهتهن) 9 (فغضب الرب على سليمان حيث مال قلبه عن الرب إله إسرائيل الذي ظهر له مرتين) 10 (ونهاه عن هذا الكلام أن لا يتبع آلهة الغرباء، ولم يحفظ ما أمره به الرب) 11 (فقال الرب لسليمان: إنك فعلت هذا الفعل، ولم تحفظ عهدي ووصاياي التي أمرتك بهن، أشق شقًا ملكك، وأصيره إلى عبدك). فصدر عن سليمان عليه السلام خمس خطيئات: (الأولى) وهي أعظمها أنه ارتد في آخر عمره، الذي هو حين التوجه إلى اللّه. وجزاء المرتد في الشريعة الموسوية الرجم، ولو كان نبيًا ذا معجزات كما هو مصرح به في الباب الثالث عشر، والسابع عشر من سفر الاستثناء، ولا يعلم من موضع من مواضع التوراة، أنه يقبل توبة المرتد، ولو كان توبة المرتد مقبولة، لما أمر موسى عليه السلام بقتل عبدة العجل، حتى قتل ثلاثة وعشرين ألف رجل على خطأ عبادته. (والثانية) أنه بنى المعابد العالية للأصنام في الجبل قدام أورشليم، وهذه المعابد كانت باقية مئتين سنة حتى نجسها، وكسر الأصنام يوسنا بن آمون ملك يهوذا في عهده، بعد موت سليمان عليه السلام بأزيد من ثلثمائة وثلاثين سنة، كما هو مصرح به في الباب الثالث والعشرين من سفر الملوك الثاني. (والثالثة) أنه تزوج نساء من سفر الشعوب، التي كان اللّه منع من الالتصاق بهم، في الباب السابع من الاستثناء هكذا: (ولا تجعل معهم زيجة فلا تعط ابنتك لابنه، ولا تتخذ ابنته لابنك). (والرابعة) تزوج ألف امرأة، وقد كانت كثرة الأزواج محرمة على من يكون سلطان بني إسرائيل في الآية السابعة عشر من الباب السابع عشر من سفر الاستثناء هكذا: (ولا تكثر نساؤه لئلا يخدعن نفسه). (والخامسة) أن نساءه كن يبخرن ويذبحن للأوثان، وقد صرح في الباب الثاني والعشرين من سفر الخروج: (من يذبح للأوثان فليقتل). فكان قتلهن واجبًا، وأيضًا أنهن أغوين قلبه، فكان رجمهن واجبًا على ما هو مصرح به في الباب الثالث عشر من سفر الاستثناء، وهو ما أجرى عليهم الحدود إلى آخر حياته. فالعجب أن داود وسليمان عليهما السلام ما أجريا حدود التوراة على أنفسهما، ولا على أهل بيتهما فأية مداهنة أزيد من هذا، أهذه الحدود التي فرضها اللّه للإجراء على المساكين المفلوكين فقط. ولم تثبت توبة سليمان عليه السلام من موضع من مواضع العهد العتيق، بل الظاهر عدم توبته لأنه لو تاب لهدم المعابد التي بناها، وكسر الأصنام التي وضعها في تلك المعابد، ورجم تلك النساء المغويات. على أن توبته ما كانت نافعة لأن حكم المرتد في التوراة ليس إلا الرجم، وما ادعى صاحب ميزان الحق في الصفحة الخامسة والخمسين من طريق الحياة المطبوعة سنة 1847 من توبة آدم وسليمان عليهما السلام، فادعاء بحت وكذب صرف. [28] قد عرفت في الأمر السابع من مقدمة الكتاب أن النبي الذي كان في بيت أيل كذب في تبليغ الوحي، وخدع رجل اللّه المسكين، وألقاه في غضب الرب وأهلكه. [29] في الباب العاشر من سفر صموئيل الأول في حق شاوول ملك إسرائيل السفاك المشهور هكذا: 10 (وأتوا إلى الرابية وإذا صف من الأنبياء استقبله، وحل عليه روح الرب فتنبأ بينهم) 11 (وحينما نظره الذين يعرفونه من أمس، وقبل من الأمس فإذا هو مع الأنبياء متنبي، قال كل امرئ منهم لصاحبه: ما هذا الذي أصاب ابن قيس شاوول في الأنبياء) 12 (فأجاب بعضهم البعض وقالوا: من أبوهم من أجل هذا صار مثلًا هل أيضًا شاوول في الأنبياء) 13 (وفرغ مما تنبيء فأتى إلى الخضيرة). والآية السادسة من الباب الحادي عشر من سفر صموئيل الأول هكذا: (فاستقام روح اللّه على شاوول حين سمع هذا القول، واحتمى غضبه جدًا). يعلم من هذه العبارات أن شاوول كان مستفيضًا بروح القدس، وكان يخبر عن الحالات المستقبلة. وفي الباب السادس عشر من السفر المذكور: (وابتعد روح اللّه من شاوول وصار روح ردي يعذبه بأمر الرب). ويعلم منه أن هذا النبي سقط عن درجة النبوة فابتعد عنه روح اللّه، وتسلط عليه روح الشيطان. وفي الباب التاسع عشر من السفر المذكور هكذا: 23 (فانطلق شاوول إلى نويت التي في الرامة، وحلت عليه أيضًا روح الرب، فجعل يسير ويتنبأ حتى انتهى الأمر إلى نويت في الرامة) 24 (وخلع هو ثيابه وتنبا هو أيضًا أمام صموئيل، وسقط عريان نهاره ذلك كله وليلته تلك كلها، فصار مثلًا هل شاوول في الأنبياء). فحصل لهذا النبي الساقط عن درجة النبوة هذه الدرجة العليا مرة أخرى، ونزل عليه روح القدس نزولًا قويًا، بحيث رمى ثيابه وصار عريانًا، وكان على هذه الحالة يومًا بليلته، فهذا النبي الجامع بين الروح الشيطاني والرحماني، كان مجمع العجاب، فمن شاء فلينظر حال ظلمه وعتوه في السفر المذكور. [30] يهوذا الأسخريوطي كان أحد الحواريين، وكان مستفيضًا بروح القدس، وممتلئًا عنة، صاحب الكرامات، كما هو مصرح به في الباب العاشر من إنجيل متى، وهذا النبي باع دينه بدنياه، وسلم عيسى عليه السلام بأيدي اليهود بطمع ثلاثين درهمًا، ثم خنق نفسه ومات، كما هو مصرح به في الباب السابع والعشرين من إنجيل متى، وشهد يوحنا في حقه في الباب الثاني عشر من إنجيله أنه كان سارقًا، وكان الكيس عنده، وكان يحمل ما يلقى فيه. أيكون النبي مثل هذا السارق البائع دينه بدنياه. [31] فر الحواريون الذين هم في زعمهم أفضل من موسى وسائر الأنبياء الإسرائيلية عليهم السلام، في الليلة التي أخذ اليهود فيها عيسى عليه السلام وتركوه في أيدي الأعداء، وهذا ذنب عظيم، وإن قيل أن هذا الأمر إن صدر عنهم لجبنهم، والجبن أمر طبعي. أقول: لو سلم هذا فلاعذر لهم في شيء آخر، هو كان أسهل الأشياء، وهو أن عيسى عليه السلام كان في غاية الاضطراب في هذه الليلة، وقال لهم إن نفسي حزينة جدًا، امكثوا ههنا واسهروا معي، ثم تقدم قليلًا للصلاة، ثم جاء إليهم فوجدهم نيامًا، فقال لبطرس أهكذا ما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة، اسهروا وصلوا. فمضى مرة ثانية للصلاة ثم جاء فوجدهم نيامًا فتركهم ومضى ثم جاء إلى تلاميذه وقال لهم ناموا واستريحوا. كما هو مصرح به في الباب السادس والعشرين من إنجيل متى. ولو كان لهم محبة ما لما فعلوا هذا الأمر، ألا ترى أن العصاة من أهل الدنيا إذا كان مقتداهم أو قريب من أقاربهم في غاية الاضطراب، أو المرض الشديد في ليلة، لا ينامون في تلك الليلة ولو كانوا أفسق الناس. [32] أن بطرس الحواري الذي هو رئيس الحواريين، وخليفة عيسى عليه السلام على ادعاء فرقة كاتلك، وإن كان متساوي الأقدام في الأمر المتقدم مع الحواريين الباقين، لكنه حصل له الفضل بأن اليهود لما أخذوا عيسى عليه السلام، تبعه من بعيد إلى دار رئيس الكهنة، فجلس خارج الدار فجاءت جارية قائلة: وأنت كنت مع يسوع الجليلي. فأنكر قدام الجميع، ثم رأى أخرى وقالت للذين هناك، هذا كان مع يسوع الناصري. فأنكر أيضًا يقسم إني لست أعرف هذا الرجل، وبعد قليل جاء القيام وقالوا لبطرس حقًا أنت أيضًا منهم، فابتدأ حينئذ يلعن ويحلف: إني لا أعرف هذا الرجل. وللوقت صاح الديك، فتذكر بطرس كلام عيسى عليه السلام، إنك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات كما هو مصرح به في الباب السادس والعشرين من إنجيل متى. وقد قال المسيح عليه السلام له: اذهب عني يا شيطان أنت معثرة لي لأنك لا تهتم بما للّه، لكن تهتم بما للناس، كما هو مصرح به في الباب السادس عشر من إنجيل متى. وكتب مقدسهم بولس في الباب الثاني من رسالته إلى أهل غلاطية هكذا: 11 (ولكن لما أتى بطرس إلى أنطاكية، قاومته مواجهة لأنه كان ملومًا) 12 (لأنه قبل ما أتى قوم من عند يعقوب كان يأكل مع الأمم، ولكن لما أتوا كان يؤخر ويفرز نفسه خائفًا من الذين هم من أهل الختان) 13 (ورأى معه باقي اليهود أيضًا حتى أن برنابا أيضًا انقاد إلى ريائهم) 14 (لكن لما رأيت أنهم لا يسلكون باستقامة حسب حق الإنجيل، قلت لبطرس قدام الجميع إن كنت وأنت يهودي تعيش أمميًا، فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا). وكان بطرس يتقدم على الحواريين في القول، لكنه في بعض الأوقات لا يدري ما يقول كما صرح به في الآية الثالثة والثلاثين من الباب التاسع من إنجيل لوقا، وفي الرسالة الثانية من كتاب الثلاث عشرة رسالة المطبوعة سنة 1849 في بيروت في الصفحة 60: (أن أحد الآباء يقول إنه كان به شديدًا داء التجبر والمخالفة). يوحنا فم الذهب مقاله 82 و 83 في متى ثم في الصفحة 61: (يقول فم الذهب أنه كان ضعيفًا متخلخل العقل، والقديس اغوستينوس يقول عن بطرس: أنه كان غير ثابت لأنه كان يؤمن أحيانًا ويشك أحيانًا، وتارة يعرف أن المسيح غير مائت، وتارة يخاف أن يموت، وكان المسيح يقول له مرة طوبى لك، وأخرى يقول له يا شيطان) انتهى بلفظه. فهذا الحواري عندهم أفضل من موسى وسائر الأنبياء الإسرائيلية، فإذا كان حال الأفضل من موسى كما علمت. فماذا يعتقد في حق المفضولين.
|