الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: إظهار الحق **
أسلم بعض أحبار اليهود في عهد السلطان المرحوم بايز يدخان فسمى بعبد السلام، وهو ألف رسالة صغيرة في الرد على اليهود سماها بالرسالة الهادية، وهذه الرسالة مشتملة على ثلاثة أقسام، فقال في القسم الثالث الذي هو في بيان إثبات تغييرهم بعض كلمات التوراة هكذا: "اعلم أنا قد وجدنا في أشهر تفاسير التوراة المسمى عندهم بالتلمود، أن في زمان تلماي الملك، وهو بعد بختنصر أن تلماي الملك قد طلب من أخبار اليهود التوراة فهم خافوا على إظهاره لأنه كان منكرًا لبعض أوامره، فاجتمع سبعون رجلًا من أخبار اليهود فغيروا ما شاء من الكلمات التي كان ينكرها ذلك الملك خوفًا منه، فإذا أقروا على تغييرهم فكيف يؤتمن ويعتمد على آية واحدة؟" انتهى كلامه بلفظه، وأقول: على قول علماء الكاثلك إن ملحدي المشرق إذا حرفوا مثل هذه الترجمة المشهورة بين المسيحيين المستعملة بين كنائسهم شرقًا وغربًا سيما في كنيستكم أيضًا ألف وخمسمائة سنة على ما حقق هورن، وأثر تحريفهم في نسخها فكيف يرد قول علماء البروتستنت في تحريفكم الترجمة اللاطينية التي كانت مستعملة في كنيستكم. لا واللّه هم الصادقون في هذا الباب.
(القول العشرون) في المجلد الرابع من إنسائي كلوييد ياريس في بيان ببيل "قال داكتر كني كات إن نسخ العهد العتيق التي هي موجودة كتبت ما بين ألف وألف وأربعمائة، واستدل من هذا وقال إن جميع النسخ التي كانت كتبت في المائة السابعة أو الثامنة أعدمت بأمر محفل الشورى لليهود، لأنها كانت تخالف مخالفة كثيرة للنسخ التي كانت معتمدة عندهم، ونظرًا إلى هذا قال والْتُن أيضًا: إن النسخ التي مضى على كتابتها ستمائة سنة قلما توجد، والتي مضى على كتابتها سبعمائة سنة أو ثمانمائة سنة ففي غاية الندرة" فأقر داكتر كني كات الذي عليه اعتماد فرقة البروتستنت في تصحيح كتب العهد العتيق أن النسخ التي كانت كتبت في المائة السابعة والثامنة ما وصلت إليه بل وصلت إليه النسخ التي كتبت ما بين ألف وألف وأربعمائة، وبين وجهه أن اليهود ضيعوا النسخ الأولى لأنها كانت تخالف مخالفة كثيرة لنسخهم المعتمدة، وهكذا قال والتن أقول: إن هذا الإعدام والتضييع حصل بعد ظهور محمد صلى اللّه عليه وسلم بأزيد من مائتين، فلما انمحت جميع النسخ المخالفة لنسختهم عن صفحة العالم، وأثر تحريفهم أثرًا بلغ إلى هذه الرتبة، وبقيت عندهم النسخ التي كانوا يرضون بها، فكان لهم مجال واسع للتحريف في نسخهم بعد زمان محمد صلى اللّه عليه وسلم أيضًا، فلا استبعاد في تحريفهم بعد هذا الزمان، بل الحق أن كتب أهل الكتاب قبل إيجاد صنعة الطبع كانت صالحة للتحريف في كل قرن من القرون بل هم لا يمتنعون ولا يبالون بعد إيجادها أيضًا كما رأيت حال متبعي لوطر بالنسبة إلى ترجمته في الشاهد الحادي والثلاثين من المقصد الثاني.
(القول الحادي والعشرون) قال المفسر هارسلي في الصفحة 282 من المجلد الثالث من تفسيره في مقدمة كتاب يوشع: "هذا القول أن المتن المقدس حرِّف لا ريب فيه، وظاهر من اختلاف النسخ لأن العبارة الصحيحة في العبارات المختلفة لا تكون إلا واحدة، وهذا الأمر مظنون، بل أقول قريب من اليقين أن العبارات القبيحة جدًا دخلت في بعض الأحيان في المتن المطبوع، لكن لم يظهر لي دليل على أن التحريفات في كتاب يوشع أكثر من سائر كتب العهد العتيق" ثم قال في الصفحة 275 من المجلد الثالث: "هذا القول صادق ألبتة إن المتن العبري في النقول التي كانت عند الناس كان بعد حادثة بختنصر، بل لعل قبلها أيضًا قبلية يسيرة في أشنع حالة التحريف بالنسبة إلى الحالة التي حصلت له في وقت ما بعد تصحيح عزرا" فكلام هذا المفسر غير محتاج إلى البيان.
(القول الثاني والعشرون) قال واتسن في الصفحة 283 من المجلد الثالث من كتابه: "مضت مدة على أن أرجن كان يشكو عن هذه الاختلافات، وكان ينسب إلى أسباب مختلفة مثل تغافل الكاتبين وشرارتهم وعدم مبالاتهم. وقال جيروم: إني لما أردت ترجمة العهد الجديد قابلت نسخه التي كانت عندي فوجدت اختلافًا عظيمًا".
(القول الثالث والعشرون) قال آدم كلارك في المقدمة من المجلد الأول من تفسيره: "كان الترجمات الكثيرة باللسان اللاطيني من المترجمين المختلفين موجودة قبل جيروم، وكان بعضها محرفًا في غاية درجة التحريف، وبعض مواضعها مناقضًا للمواضع الأخر كما يستغيث جيروم".
(القول الرابع والعشرون) قال وارد كاثلك في الصفحة 17 و 18 من كتابه المطبوع سنة 1841 قال دُكْتر همفري في الصفحة 178 من كتابه: "إن أوهام اليهود خرَّب" (يعني كتب العهد العتيق) "في مواضع بحيث يتنبه عليها القارئ بسهولة" ثم قال: "خرّب علماء اليهود بشارات المسيح تخريبًا عظيمًا"، ثم قال عالم من علماء البروتستنت: "إن المترجم القديم قرأ على نهج، ويقرأ اليهود الآن على نهج آخر، وعندي أن نسبة الخطأ إلى الكاتبين من اليهود وإلى إيمانهم خير من نسبته إلى جهل المترجِم القديم وتساهله، لأن محافظة الزبور قبل المسيح وبعده كانت في اليهود أقل من محافظة غناآتهم".
(القول الخامس والعشرون) كتب فيلبس كواد نولس الراهب في رد كتاب أحمد الشريف بن زين العابدين الأصفهاني كتابًا سماه بالخيالات، وطبع هذا الكتاب سنة 1649، فقال في الفصل السادس منه: "يوجد التحريف كثيرًا جدًا في النسخة القصاعية سيما في كتاب سليمان، ونقل رب اقيلا المشتهر بالكليس التوراة كله، وكذا نقل رب يونثا بن عزيال كتاب يوشع بن نون، وكتاب القضاة، وكتاب السلاطين، وكتاب أشعياء، والكتب الأخر للأنبياء، ونقل رب يوسف أعمى الزبور، وكتاب أيوب، وراعوث، واستير، وسليمان، وهؤلاء كلهم حرفوا ونحن النصرانيون حافظنا هذه الكتب لنلزم اليهود إلزام التحريف، ونحن لا نسلم أباطيلهم"، فهذا الراهب في القرن السابع عشر يشهد على تحريف اليهود.
(القول السادس والعشرون) قال هورن في الصفحة 68 من المجلد الأول: "فليسلم في باب الإلحاق أنه وجدت الفقرات الكذائية في التوراة " ثم قال في الصفحة 445 من المجلد الثاني: "المقامات المحرفة في المتن العبراني قليلة أي تسعة فقط كما ذكرنا أولًا".
(القول السابع والعشرون) وصل عرضحال من فرقة البروتستنت إلى السلطان جيمس الأول بهذا المضمون. "إن الزبورات التي هي داخلة في كتاب صلاتنا مخالفة للعبري بالزيادة والنقصان والتبديل في مائتي 200 موضع تخمينًا".
(القول الثامن والعشرون) قال مستر كارلائل: "المترجمون الإنكليزيون أفسدوا المطلب وأخفوا الحق وخدعوا الجهال وجعلوا مطلب الإنجيل الذي كان مستقيمًا معوجًا، وعندهم الظلمة أحبُّ من النور والكذبُ أحق من الصدق".
(القول التاسع والعشرون) استدعى مستر بروتن من أراكين كونسل للترجمة الجديدة قائلًا: "إن الترجمة التي هي مروَّجة في إنكلترة مملوءة من الأغلاط، وقال للقسيسين إن ترجمتكم الإنكليزية المشهورة حرفت عبارات كتب العهد العتيق في ثمانمائة وثمانية وأربعين موضعًا، وصارت سببًا لردِّ أناس غير محصورين كتبَ العهد الجديد ودخولهم النار".
وهذه الأقوال الثلاثة المندرجة في القول 27 و 28 و 29 نقلتها عن كتاب وارد كاثلك، وخوفُ التطويل يمنعني عن نقل أقوال أخر وسيظهر أكثرها في الشواهد المذكورة للمقاصد الثلاثة، فأطوى الْكَشْح عن نقلها، وأكتفي بنقل قول واحد آخر محتو على اعتراف أنحاء التحريف مغنٍ عن نقل ما سواه، وتصير به الأقوال المنقولة ثلاثين.
(القول الثلاثون) قال هورن في الباب الثامن من المجلد الثاني من تفسيره في بيان أسباب وقوع ويريوس ريدنك الذي عرفت معناه في صدر جواب هذه المغالطة: "لوقوعه أسباب أربعة".
(السبب الأول) "غفلة الكاتب وسهوه، ويتصوّر على وجوه (الأوّل) إن الذي كان يلقي العبارة على الكاتب ألقى ما ألقى، أو الكاتب لم يفهم قوله، فكتب ما كتب (والثاني) أن الحروف العبرانية واليونانية كانت متشابهة، فكُتب أحدها بدل الآخر (والثالث) أن الكاتب ظن الإعراب خطًا أو الخط الذي كان يكتب عليه جزء الحرف أو ما فَهِم أصل المطلب فأصلح العبارة وغلط (والرابع) أن الكاتب انتقل من موضع إلى موضع فلما تنبه لم يرض بمحو ما كتب، وكتب من الموضع الذي كان ترك مرة أخرى، وأبقى ما كتبه قبل أيضًا (والخامس) أن الكاتب ترك شيئًا فبعد ما كتب شيئًا آخر تنبه، وكتب العبارة المتروكة بعده فانتقلت العبارة من موضع إلى موضع آخر (والسادس) أن نظر الكاتب أخطأ ووقع على سطر آخر فسقطت عبارة ما (والسابع) أن الكاتب غلط في فهم الألفاظ المخففة فكتب على فهمه كاملة فوقع الغلط (والثامن) أن جهل الكاتبين وغفلتهم منشأ عظيم لوقوع ويريوس ريدنك بأنهم فهموا عبارة الحاشية أو التفسير جزء المتن فأدخلوها".
(والسبب الثاني) نقصان النسخة المنقولة عنها وهو أيضًا يتصوّر على وجوه (الأول) انمحاء إعراب الحروف (والثاني) أن الإعراب الذي كان في صفحة ظهر في جانب آخر منها في صفحة أخرى وامتزاج بحروف الصفحة الأخرى، وفهم جزءً منها (والثالث) أن الفقرة المتروكة كانت مكتوبة على الحاشية بلا علامة فلم يعلم الكاتب الثاني أن هذه الفقرة تكتب في أي موضع فغلط.
(والسبب الثالث) التصحيح الخيالي والإصلاح وهذا أيضًا وقع على وجوه (الأول) أن الكاتب فهم العبارة الصحيحة في نفس الأمر ناقصة أو غلط في فهم المطلب، أو تخيل أن العبارة غلط بحسب القاعدة، وما كانت غلطًا لكن كان هذا الغلطُ الذي صدر عن المصنف في نفس الأمر (الثاني) أن بعض المحققين ما اكتفوا على إصلاح الغلط بحسب القاعدة فقط بل بدّلوا العبارة الغير الفصيحة بالفصيحة أو أسقطوا الفضول أو الألفاظ المترادفة التي لم يظهر لهم فرقٌ فيها (والثالث) وهو أكثر الوجوه وقوعًا أنهم سوَّوْا الفقرات المقابلة وهذا التصرف وقع في الأناجيل خصوصًا، ولأجل ذلك كثر الإلحاق في رسائل بولس لتكون العبارة التي نقلها عن العهد العتيق مطابقة للترجمة اليونانية (والرابع) أن بعض المحققين جعل العهد الجديد مطابقًا للترجمة اللاطينية.
(السبب الرابع) "التحريف القصدي الذي صدر عن أحد لأجل مطلبه سواء كان المحرِّف من أهل الديانة أو الديانة أو من المبتدعين وما ألزم أحد في المبتدعين القدماء أزيد من مارسيون، وما استحق الملامة أحد أزيد منه بسبب هذه الحركة الشنيعة، وهذا الأمر أيضًا محقق أن بعض التحريفات القصدية صدرت عن الذين كانوا من أهل الديانة والدين، وكانت هذه التحريفات ترجح بعدهم لتؤيد بها مسألة مقبولة أو يدفع بها الاعتراض الوارد عليها" انتهى كلامه ملخصًا.
وأورد هورن أمثلة كثيرة في بيان أقسام كل سبب من الأسباب الأربعة، ولما كان في ذكرها طول تركتها لكن أذكر الأمثلة التي نقلها لتحريف أهل الديانة والدين من كتاب فاف قال: "مثلًا تُرك قصدًا الآية الثالثة والأربعون من الباب الثاني والعشرين من إنجيل لوقا لأن بعض أهل الدين ظنوا أن تقوية الملك للرب منافيةٌ لألوهيته، وتُرك قصدًا في الباب الأول من إنجيل مَتّى هذه الألفاظ قبل أن يجتمعا في الآية الثامنة عشرة، وهذه الألفاظ (ابنها البكر) في الآية الخامسة والعشرين، لئلا يقع الشك في البكارة الدائمية لمريم عليها السلام، وبدل لفظ اثني عشر بأحد عشر في الآية الخامسة من الباب الخامس عشر من الرسالة الأولى لبولس إلى أهل قورنيثوس، لئلا يقع إلزام الكذب على بولس، لأن يهودا الأسخريوطي كان قد مات قبل، وتُرك بعض الألفاظ في الآية الثانية والثلاثين من الباب الثالث عشر من إنجيل مرقس، ورد هذه الألفاظ بعضُ المرشدين أيضًا لأنهم تخيلوا أنها مؤيِّدة لفرقة أيرين، وزيد بعض الألفاظ في الآية الخامسة والثلاثين من الباب الأول من إنجيل لوقا في الترجمة السريانية والفارسية والعربية واتهيوبك وغيرها من التراجم، وفي كثير من نقول المرشدين في مقابلة فرقة لوتي كينس لأنها كانت منكرة أن عيسى عليه السلام فيه صفتان" فبين هورن جميع الصور المحتملة في التحريف وأقرَّ بأنها وقعت في الكتب السماوية، فأقول: إذا ثبت أن عبارات الحاشية والتفسير دخلت في المتن لجهل الكاتبين وغفلتهم، وثبت أن المصلحين أصلحوا العبارات التي كانت على خلاف القاعدة في زعمهم، أو في نفس الأمر، وثبت أنهم بدَّلوا العبارات الغير الفصيحة بالفصيحة وأسقطوا ألفاظًا فضولًا أو مترادفة، وثبت أنهم سَوَّوْا الفقرات المتقابلة في الأناجيل خصوصًا ولأجل ذلك كثر الإلحاق في رسائل بولس، وثبت أن بعض المحققين جعلوا العهد الجديد مطابقًا للترجمة اللاطينية وثبت أن المبتدعين حرّفوا ما حرفوا قصدًا، وثبت أن أهل الدين والديانة أيضًا كانوا يحرِّفون قصدًا لتأييد المسألة أو لدفع الاعتراض، وكانت تحريفاتهم ترجح بعدهم، فأية دقيقة من دقائق التحريف باقية وأي استبعاد؟ لو قلنا الآن إن المسيحيين الذين كانوا يحبون عبادة الصليب، وما كانوا راضين بتركها وترك الجاه والمناصب حرّفوا هكذا في بعض العبارات التي كانت نافعة لدين الإسلام بعد ظهوره، ورجح هذا التحريف بعدهم كما رجح تحريفاتهم في مقابلة فرقهم، بل لما كان هذا التحريف أشد اهتمامًا عندهم من التحريف الذي صدر في مقابلة فرقهم كان ترجيحه أيضًا أشد من ترجيح ذاك.
(المغالطة الثانية) أن المسيح عليه السلام شهد بحقية كتب العهد العتيق، ولو كانت محرّفة لما شهد بها بل كان عليه أن يلزم اليهود على التحريف، فأقول في الجواب: أولًا إنه لم يثبت التواتر اللفظي لكتب العهد العتيق والجديد، ولم يوجد سند متصل لها إلى مصنفيها كما عرفت في الفصل الثاني من الباب الأول، وقد عرفت نُبذًا منها في حق كتاب أسْتِير في الشاهد الأول من المقصد الثاني، وفي حق إنجيل متّى في الشاهد الثامن عشر من المقصد الثالث، وستعرف في حق كتاب أيوب، وكتاب نشيد الإنشاد عن قريب ثبت جميع أنواع التحريف فيها، وثبت التحريف من أهل الدين والديانة أيضًا لتأييد المسألة أو دفع الاعتراض كما عرفت عن قريب في القول الثلاثين، فصارت هذه الكتب مشكوكة عندنا، فلا يتم الاحتجاج علينا ببعض آيات هذه الكتب لأنها يجوز أن تكون إلحاقية زادها المسيحيون من أهل الديانة في آخر القرن الثاني أو في القرن الثالث في مقابلة الفرقة الأبيونية، والفرقة المارسيونية وفرقة ماني كيز، ورجحت هذه التحريفات بعدهم لكونها مؤيدة لمسألتهم المقبولة، كما فعلوا في مقابلة فرقة أيرين ويوتي كنيس، وكانت هذه التحريفات ترجَّح بَعْدَهم، لأن الفرق الثلاثة المذكورة كانت تنكر كتب العهد العتيق إما كلها أو أكثرها، وقد عرفت إنكار الفرقة الأولى في الهداية الثانية من جواب المغالطة الأولى (وقال بل) في تاريخه في بيان حال الفرقة المارسيونية "كانت هذه الفرقة تعتقد أنه يوجد إلهان أحدهما خالق الخير وثانيهما خالق الشر وتقول: إن التوراة وسائر كتب العهد العتيق أعطاها الإله الثاني، وهذه كلها مخالفة للعهد الجديد" انتهى كلامه.
وقال لاردنر في الصفحة 486 من المجلد الثامن من تفسيره في بيان حال هذه الفرقة: "كانت تقول إن إله اليهود غير أبي عيسى، وجاء عيسى لمحو شريعة موسى لأنها كانت مخالفة للإنجيل"، وقال لاردنر في المجلد الثالث من تفسيره في بيان حال فرقة ماني كيز: "اتفق المؤرخون على أن هذه الفرقة كلها ما كانت تسلم الكتب المقدسة للعهد العتيق في كل وقت، وكتب في أعمال أركلاس عقيدة هذه الفرقة هكذا: خدع الشيطان أنبياء اليهود والشيطان كلَّم موسى وأنبياء اليهود وكانت تتمسك بالآية الثامنة من الباب العاشر من إنجيل يوحنا بأن المسيح قال لهم إنهم سراق ولصوص" وأقول ثانيًا: لو قطعنا النظر عن كونها إلحاقية أو غير إلحاقية، فلا يثبت منها سند هذه الكتب كلها لأنها ما بُيّن فيها أعداد هذه الكتب كلها ولا أسماؤها فكيف يعلم أن الكتب المستعملة في اليهود من العهد العتيق كانت تسعة وثلاثين التي يسلمها الآن فرقة البروتستنت، أو ستة وأربعين التي يسلمها فرقة الكاثلك لأن في هذه الكتب كتاب دانيال أيضًا وكان اليهود معاصر والمسيح وكذا المتأخرون منهم غير يوسيفس لا يسلمونه إلهاميًا، بل ما كانوا يعترفون بنبوة دانيال أيضًا، ويوسيفس المؤرخ الذي هو معتبر عند المسيحيين ومن علماء اليهود المتعصبين، وكان بعد المسيح عليه السلام، يعترف في تاريخه بهذا القدر فقط يقول: "ليس عندنا كتب ألوف يناقض بعضها بعضًا بل عندنا اثنان وعشرون كتابًا فقط فيها أحوال الأزمنة الماضية، وهي إلهامية منها خمسة لموسى فيها بيان العالم من ابتداء الخلق إلى موت موسى، وثلاثة كتاب كتبها الأنبياء فيها أحوال أزمنتهم من موت موسى عليه السلام إلى زمان السلطان أردشير، والباقي أربعة كتب مشتملة على حمد اللّه وثنائه" فلا يثبت من شهادته حقية هذه الكتب المتداولة لأنه بيَّن غير التوراة سبعة عشر كتابًا، وعند فرقة الكاثلك واحد وأربعون كتابًا، ومع ذلك لم يعلم أن أي كتاب من هذه الكتب كان داخلًا في سبعة عشر، لأن هذا المؤرخ نسب إلى حزقيال سوى كتابه المشهور كتابين آخرين أيضًا في تاريخه، فالظاهر أن هذين الكتابين وإن لم يوجدا الآن كانا عنده داخلين في سبعة عشر، وقد عرفت في الشاهد التاسع عشر من المقصد الثالث أن كريزاستم وعلماء الكاثلك يعترفون أن اليهود ضيّعوا كتبًا لأجل غفلتهم، بل لأجل عدم ديانتهم، ومزقوا البعض وأحرقوا البعض، فيجوز أن تكون هذه الكتب داخلة في سبعة عشر بل أقول الكتب التي أفصِّلها الآن لا مجال لفرقة البروتستنت، ولا لفرقة الكاثلك ولا لغيرهما أن ينكروا فقدانها من العهد العتيق، فيجوز أن يكون أكثرها داخلًا في سبعة عشر والكتب المفقودة هذه: "(الأول) سفر حروب الرب الذي جاء ذكره في الآية الرابعة عشرة من الباب الحادي والعشرين من سفر العدد، وقد عرفت في الشاهد العاشر من المقصد الثاني وفي تفسير هنري واسكات "الغالب أن موسى كتب هذا السفر لتعليم يوشع وكان فيه بيان حدود أرض مواب" (والثاني) كتاب اليسير الذي جاء ذكره في الآية الثالثة عشرة من الباب العاشر من كتاب يوشع كما عرفت في الشاهد الثامن عشر من المقصد الثاني، وكذا جاء ذكره في الآية الثامنة عشرة من الباب الأول من سفر صموئيل الثاني (والثالث والرابع والخامس) ثلاثة كتب لسليمان عليه السلام أحدُها ألف وخمسة زبورات، وثانيها تاريخ المخلوقات، وثالثها ثلاثة آلاف أمثال ، وشيء من هذه الأمثال إلى الآن باق أيضًا كما ستعرف، وجاء ذكر هذه الثلاثة في الآية الثانية والثلاثين والثالثة والثلاثين من الباب الرابع من سفر الملوك الأول، قال آدم كلارك في المجلد الثاني من تفسيره ذيل شرح الآية الثانية والثلاثين في حق الأمثال والزبورات: "الأمثال التي تنسب الآن إلى سليمان تسعمائة أو تسعمائة وعشرون تخمينًا، وإن سُلم قول البعض إن الأبواب التسعة من أول الكتاب ليست من تصنيف سليمان عليه السلام فستمائة وخمسون تخمينًا وبقي من ألف وخمسة زبورات نشيد الإنشاد فقط إن قلنا إنَّ الزبور السابع والعشرين الذي بعد المائة المكتوب على عنوانه اسم سليمان ليس بداخل فيها، والأصح أن الزبور المذكور صنفه أبوه داود لأجل تعليمه" ثم قال في شرح الآية الثالثة والثلاثين في حق تاريخ المخلوقات: "حصل لقلوب العلماء قلق عظيم لأجل فقدان تاريخ المخلوقات فقدانًا أبديًا" (السادس) كتاب قوانين السلطنة تصنيف صموئيل الذي جاء ذكره في الآية الخامسة والعشرين من الباب العاشر من سفر صموئيل الأول، (السابع) تاريخ صموئيل، و (الثامن) تاريخ ناثان النبي، و (التاسع) تاريخ جدّ الرائي الغيب، وجاء ذكر هذه الثلاثة في الآية الثلاثين من الباب التاسع والعشرين من السفر الأول من أخبار الأيام، قال آدم كلارك في الصفحة 1522 من المجلد الثاني من تفسيره: "هذه الكتب مفقودة".
(العاشر) كتاب سمعيا، و (الحادي عشر) كتاب عيد والرائي الغيب، وجاء ذكرهما في الآية الخامسة عشرة من الباب الثاني عشر من السفر الثاني من أخبار الأيام، و (الثاني عشر) كتاب أحيا النبي، و (الثالث عشر) مشاهدات عيد والرائي الغيب، وجاء ذكرهما في الآية التاسعة والعشرين من الباب التاسع من السفر الثاني من أخبار الأيام، وفي هذه الآية ذكر تاريخ ناثان النبي أيضًا، قال آدم كلارك في الصفحة 1539 من المجلد الثاني من تفسيره: "هذه الكتب كلها مفقودة"، و (الرابع عشر) كتاب يا هو النبي ابن حناتي وجاء ذكره في الآية الرابعة والثلاثين من الباب العشرين من السفر الثاني من أخبار الأيام، قال آدم كلارك في الصفحة 1562 من المجلد الثاني: "هذا الكتاب الآن مفقود رأسًا، وإن كان موجودًا في وقت تأليف السفر الثاني من أخبار الأيام" (الخامس عشر) كتاب أشعياء النبي الذي كان فيه حال السلطان عزياه من الأول إلى الآخر، وجاء ذكره في الآية الثانية والعشرين من الباب السادس والعشرين من السفر الثاني من أخبار الأيام، قال آدم كلارك في الصفحة 1573 من المجلد الثاني من تفسيره: "هذا الكتاب مفقود رأسًا" (السادس عشر) كتاب مشاهدات أشعياء النبي الذي كان فيه حال السلطان حزقياه مكتوبًا بالتفصيل، وجاء ذكره في الآية الثانية والثلاثين من السفر الثاني من أخبار الأيام، (السابع عشر) مرثية أرمياء النبي على يوشياه، وجاء ذكرها في الآية الخامسة والعشرين من الباب الخامس والثلاثين من السفر الثاني من أخبار الأيام، قال آدم كلارك في شرح هذه الآية: "هذه المرثية مفقودة الآن"، وفي تفسير دوالي ورجردمينت: "هذه المرثية مفقودة الآن ولا يمكن أن تكون هذه المرثية مرثيته المشهورة لأن المشهورة على حادثة أورشليم، وموت صدقياه، وهذه كانت على موت يوشياه" (الثامن عشر) كتاب تواريخ الأيام، وجاء ذكره في الآية الثالثة من الباب الثاني عشر من كتاب نحميا قال آدم كلارك في الصفحة 1676 من المجلد الثاني من تفسيره: "هذا الكتاب لا يوجد في الكتب التي هي عندنا لأنه لا يوجد فيها الفهرست الكذائي بل كان هذا كتابًا آخر هو مفقود الآن"، و (التاسع عشر) سفر العهد لموسى الذي جاء ذكره في الآية السابعة من الباب الرابع والعشرين من سفر الخروج، (والعشرون) كتاب أعمال سليمان الذي جاء ذكره في الآية الحادية والأربعين من الباب الحادي عشر من كتاب سلاطين الأول، وقد عرفت أن يوسيفس ينسب إلى حزقيال كتابين آخرين غير كتابه المشهور، وهو مؤرخ معتبر عند المسيحيين، فحينئذ صارت الكتب المفقودة اثنين وعشرين ولا تقدر فرقة البروتستنت أيضًا على إنكارها، وقال طامس أنكلس من علماء الكاثلك في كتابه المسمى بمرآة الصدق وهو بلسان الهند، وطبع في سنة 1851: "اتفق العالم على أن الكتب المفقودة من الكتب المقدسة ليست بأقل من عشرين".
(تنبيه) بعض البشارات المنقولة عن أهل الكتاب توجد في الكتب الإسلامية القديمة، ولا توجد الآن في الكتب المسلمة عندهم، فلعلها كانت موجودة في هذه الكتب المفقودة - نعم يثبت بشهادة يوسيفس أن خمسة كتب كانت منسوبة إلى موسى في عهده لكن لا يعلم أن هذه الخمسة المتداولة الآن بل الظاهر خلافه، لأنه يخالف هذه الكتب كما عرفت في الشاهد الأول والثاني من المقصد الأول، وهو يهودي متعصب، فلا يتصوّر أن يخالف التوراة بلا ضرورة مع اعتقاده بأنه كلام اللّه، وأقول ثالثًا لو سلمنا أن هذه الكتب المتداولة كانت في عهد المسيح، وشهد هو والحواريون لها قلنا: إن مقتضى شهادتهم هذا القدر فقط أن هذه الكتب كانت عند اليهود في ذلك الوقت سواء كانت تصنيف الأشخاص المنسوبة إليهم أو لم تكن، وسواء كانت الحالات المندرجة فيها صادقة أو يكون بعضها صادقًا وبعضها كاذبًا، وليس مقتضاها أن كل كتاب تصنيف المنسوب إليه، وأن كل حال مندرج فيها صادق البتة، بل لو نقل المسيح والحواريون شيئًا عن هذه الكتب لا يلزم عن مجرد نقلهم صدق المنقول، بحيث لا يحتاج إلى تحقيقه - نعم لو صرح المسيح في جزء من أجزائها أو حكم من أحكامها أنه من عند اللّه وثبت تصريحه أيضًا بالتواتر، فيكون صادقًا ألبتة، وما سواه مشكوك محتاج إلى التحقيق، ولا أقول هذا برأيي واجتهادي، بل محققو فرقة البروتستنت رجعوا إليه آخر الأمر وإلا ما كان لهم ملجأ أو مفر من أيدي الذين يسمونهم ملحدين، وامتلأت ديار أوربا من وجودهم، قال محقق فرقة البروتستنت بيلي في الباب الثالث من القسم الثالث من كتابه المطبوع سنة 1850 في بلدة لندن: "لا ريب أن شفيعنا قال إن التوراة من جانب اللّه وأنا أستبعد أن يكون ابتداؤه ووجوده من غير اللّه سيما إذا لاحظنا أن اليهود الذين كانوا في المذهب رجالًا وفي الأشياء الأخر مثل فن الحرب والصلح أطفالًا كانوا لاصقين بالتوحيد، وكانت مسائلهم في ذات اللّه وصفاته جيدة، وكان الناس الآخرون قائلين بالآلهة الكثيرة، ولا ريب أن شفيعنا سلم نبوّة أكثر كاتبي العهد العتيق، ويجب علينا معشر المسيحيين أن نذهب إلى هذا الحد، وأما أنّ العهد العتيق كله أو كل فقرة منه حقة أو أن كل كتاب منه أو أن تحقيق مؤلفيه واجب ففي هذه الأمور لو جعل الدين المسيحي مدعىً عليه فلا أقول زائدًا على هذا إنه إلقاء السلسلة كلها في مصيبة بلا ضرورة، في هذه الصورة هذه الكتب كانت تقرأ عمومًا، وكان اليهود المعاصرون لشفيعنا يسلمونها والحواريون واليهود رجعوا إليها واستعملوها لكن لا يثبت من هذا الرجوع والاستعمال غير هذه النتيجة أن المسيح عليه السلام إذا قال صراحة في حق بشارة من البشارات إنها من جانب اللّه فهي إلهامية، وإلا هذا القدر فقط أن هذه الكتب كانت مشهورة ومسلمة في ذلك الوقت، ففي هذه الصورة الكتب المقدسة لنا شهادة جيدة لكتب اليهود، لكن لا بد أن نفهم خاصية هذه الشهادة، وهذه الخاصية مباينة ألبتة للتي بينت في بعض الأوقات بأنها لكل معاملة خاصة ولاستحكام كل رأي بل لعلة كل أمر مع قياس تلك العلة، قال يعقوب في رسالته: "قد سمعتم صبر أيوب وعلمتم مقصود الرب" مع أن بين العلماء المسيحية نزاعًا ومباحة في حقية أيوب بل في وجوده قديمًا، وفهمت شهادة يعقوب لهذا القدر فقط أن هذا الكتاب كان في وقته وكان اليهود يسلمونه وقال بولس في رسالته الثانية إلى تيمو ثاوس "كما أن ياناس ويمبراس خالفا موسى وكذا هؤلاء يخالفون الصدق" وهذان الاسمان لم يوجدا في العهد العتيق ولم يعلم أن بولس نقلهما عن الكتب الكاذبة أو علمهما من الرواية لكن أحدًا ما تخيل ههنا أن بولس نقل عن الكتاب إن كان هذا الحال مكتوبًا، ولا جعل هو نفسه مدعيًا عليها لإثبات صدق الرواية فضلًا عن أن يكون مبتلى لأجل هذه السؤالات بحيث يكون تحريره ورسالته موقوفين على تحقيق أن ياناس ويمبراس خالفا موسى أم لا، فلأي أمر تحقق الحالات الأخر، وليس غرضي من هذا التقرير أنه لا يوجد لفقرات تواريخ اليهود شهادة أفضل من شهادة تاريخ أيوب وياناس ويمبراس، بل أني أتخيل على وجه آخر، ومقصودي أنه لا يلزم من نقل فقرة عن العهد العتيق في العهد الجديد صدق تلك الفقرة بحيث لا يحتاج في اعتبارها اعتبار دليلها الخارجي الذي هو مبناها إلى تحقيق ولا جائز أن تقرَّر قاعدة لتواريخ اليهود أن كل قول من كتبهم صادق وإلا تكن جميع كتبهم كاذبة لأن هذه القاعدة ما تقررت لكتاب آخر، وإني علمت بيان هذا الأمر ضروريًا لأجل أن رسم والي تر وتلاميذه من الأيام الماضية غالبًا هكذا إنهم يدخلون في إبطِ اليهود ثم يصولون على الملة المسيحية، ونشأ بعض اعتراضاتهم عن بيان المعنى على خلاف نفس الأمر، وبعضها من المبالغة، لكن مبنى اعتراضاتهم هذه أن شهادة المسيح والمعلمين القدماء على رسالة موسى والأنبياء الآخرين تصديق لكل جزء جزء، ولكل قول قول من تواريخ اليهود وضمانة كل حال مندرج في العهد العتيق واجبة على الملة المسيحية" انتهى كلامه.
فانظر أيها اللبيب إن كلام محققهم مطابق لكلامي أم لا وما قال إن بين العلماء المسيحية نزاعًا في حقية أيوب بل في وجوده قديمًا فأشار إلى الاختلاف القوي لأن رب مماني ديز الذي هو عالم مشهور من علماء اليهود وكذا ميكايلس وليكلرك وسملر واستاك وغيرهم قالوا إن أيوب اسم فرضي، وما كان مسماه في وقت من الأوقات، وكتابه حكاية باطلة، وقصة كاذبة، وكامت ووانتل وغيرهما قالوا إنه كان في نفس الأمر، ثم القائلون بوجوده اختلفوا في زمانه على سبعة أقوال: فقال [1] بعضهم: إنه كان معاصرًا لموسى عليه السلام. وقال [2] بعضهم: إنه كان معاصرًا للقضاة وبعد يوشع عليه السلام. وقال [3] بعضهم: إنه كان معاصرًا لهاسي روس أو أردشير سلطان إيران. وقال [4] بعضهم: إنه كان معاصرًا ليعقوب. وقال [5] بعضهم: إنه كان معاصرًا لسليمان عليه السلام. وقال [6] بعضهم: إنه كان معاصرًا لبختنصر. وقال [7] بعضهم: إنه كان قبل الزمان الذي جاء فيه إبراهيم عليه السلام إلى كنعان، قال هورن من محققي فرقة البروتستنت: "إن خفة هذه الخيالات دليل كاف على ضعفها" وكذا اختلفوا في غوط بلده الذي جاء ذكره في الآية الأولى من الباب الأول من كتابه بأنه كان في أي إقليم، على ثلاثة أقوال: فقال بوجارت وأسباهم وكامت وغيرهم إنه في إقليم العرب، وقال ميكايلس وإلجن إنه في شِعْب دمشق، وقال لود وماجي وهيلز وكود وبعض المتأخرين إن غوط اسم أدومية وكذا في مصنف هذا الكتاب بأنه اليهود أو أيوب أو سليمان أو أشعياء أو رجل مجهول الاسم معاصر" للسلطان منسا أو حزقيال أو عزرا أو رجل من آل اليهود أو موسى عليه السلام، ثم اختلف القائلون بالقول الأخير فبعض المتقدمين على أن موسى عليه السلام صنفه في اللسان العبراني، وقال أرجن إنه ترجمه من السرياني إلى العبراني، وكذا اختلفوا في موضع ختم الكتاب كما عرفت في الشاهد الثاني عشر من المقصد الثالث، ففيه اختلاف من أربعة وعشرين وجهًا. هذا دليل كاف على أن أهل الكتاب لا يوجد عندهم سند متصل لكتبهم، بل يقولون بالظن والتخمين ما يقولون، وذم القسيس تهيودور الذي كان في القرن الخامس هذا الكتاب ذمًا كثيرًا، ونقل وارد كاثلك أن الإمام الأعظم لفرقة البروتستنت لوطر قال: "إن هذا الكتاب قصة محضة" فانظروا إن هذا الكتاب الذي هو داخل في الكتب المسلمة عند البروتستنت والكاثلك على تحقيق رب مماني ديز وميكايلس وليكلرك وسملر واستاك وغيرهم حكاية باطلة وقصة كاذبة، وعلى رأي تهيودور قابل للذم وعلى رأي إمام فرقة البروتستنت حري بأن لا يلتفت إليه، وعلى قول مخالفيهم لا يتعين المصنف بل ينسبونه رجمًا بالغيب إلى أشخاص، فلو فرضنا أنه تصنيف اليهود أو رجل من آله أو رجل مجهول الاسم معاصر لمنسا لا يثبت كونه إلهاميًا، وقد عرفت في الشاهد الأول من المقصد الثاني أن كتاب أستير كان غير مقبول عند القدماء المسيحيين إلى ثلثمائة وأربع وستين سنة، ولا يعلم اسم مصنفه بالقطع أيضًا، ورده ميلتو وكرى ونازي زن واتهاني سيش وأظهر الشبهة عليه ايمْ في لوكْيَس، وكذا حال كتاب نشيد الإنشاد ذمه القسيس تهيودور ذمًا كثيرًا، كما ذم كتاب أيوب، وسيمن ولكلرك لا يعترفان بصدقه وقال وستن وبعض المتأخرين: هو غناء فِسْقي لا بد أن يخرج من الكتب الإلهامية، وقال سملر: الظاهر أنه كتاب موضوع، ونقل وارد كاثلك أن كاستيليو قال لا بد أن يخرج هذا الكتاب من العهد العتيق" وهكذا حال كتب أخر أيضًا فلو كانت شهادة المسيح والحواريين مثبتة لصدق كل جزء جزء من كتب العهد العتيق لما كان لأمثال هذه الاختلافات الفاحشة الواقعة بين العلماء المسيحية سلفًا وخلفًا مَساغٌ أصلًا، فالإنصاف أن ما قال بيلي هو غاية السعي في هذا الباب من جانبهم، وبدون الاعتراف بما قال لا يوجد لهم المفر، كيف لا وقد عرفت في الشاهد السادس عشر من المقصد الأول أن علماء اليهود والمسيحيين متفقون على أن عزرا غلط في السفر الأول من أخبار الأيام، وهذا السفر أيضًا داخل في الكتب التي شهد المسيح حقيتها على زعمهم، فإذا لم يسلموا تحقيق بيلي فماذا يقولون في تصديق هذا الغلط؟، ثم أقول: رابعًا لو سلمنا على فرض التقدير والمحال أن شهادة المسيح والحواريين تصديق لكل جزء جزء ولكل قول قول من هذه الكتب فلا يضرنا أيضًا لأنه قد ثبت أن مذهب جمهور العلماء المسيحيين وجستن واكستاين وكريزاستم من القدماء ومذهب كافة الكاثلك وسلبر جيس ودكتر كريب ووائي يتكر وآي كلارك وهمفري وواتسن من علماء البروتستنت أن اليهود حرّفوا الكتب بعد المسيح والحواريين، كما عرفت في الهداية الثالثة مفصلًا.
وكافة علماء البروتستنت أيضًا يضطرون في أكثر المواضع، ويقولون: إن اليهود حرّفوا كما عرفت في المقاصد الثلاثة فالآن نسألهم: إن المواضع التي يقرون بالتحريف فيها أكانت محرفة زمان المسيح عليه السلام والحواريين ومع ذلك شهدوا بصدق كل جزء جزء وقول قول من هذه الكتب أو لم تكن كذلك بل حرفت بعدهم؟، والأول أمر لا يجترئ عليه من له ديانة، والثاني لا ينافي الشهادة، وهو المقصود فلا تضر الشهادة للتحريف الذي وقع بعدها وما قالوا لو ثبت التحريف من اليهود لألزمهم المسيح على هذا الفعل (أقول) على مذاق جمهور القدماء من المسيحيين لا مساغ لهذا الكلام، بل وقع التحريف في عهدهم وكانوا يلزمونهم ويوبخونهم، ولو قطعنا النظر عن مذاقهم فأقول: إن الإلزام ليس بضروري على مذهبهم، ألا ترون أن النسخة العبرانية والسامرية مختلفتان في كثير من المواضع اختلافًا موجبًا لكون أحدهما غلطًا محرفًا ألبتة، ومن هذه المواضع موضع مر ذكره في الشاهد الثالث من المقصد الأول، وبين الفريقين نزاع سلفًا وخلفًا يدعي كل منهما أن المحرف الفريق الآخر، ودكتر كني كات ومتبعوه على أن الحق مع السامريين، وجمهور علماء البروتستنت على أن الحق مع اليهود، ويزعمون أن السامرية حرفوا هذا الموضع بعد موت موسى عليه السلام بخمسمائة سنة، فهذا التحريف على زعمهم صدر عن السامرية قبل ميلاد المسيح بتسعمائة وإحدى وخمسين سنة، وما ألزم المسيح ولا الحواريون السامريين ولا اليهود، بل سألت امرأة سامرية عن المسيح في هذا الباب خاصة فما ألزم قومها بل سكت وسكوته في هذا الوقت مؤيد للسامريين، ولذلك استدل دكتر كني كات بهذا السكوت وقال: إن السامريين ما حرّفوا بل اليهودُ هم المحرِّفون كما عرفت في الشاهد الثاني والثالث من المقصد الأول، وكذا من المواضع المذكورة هذا الموضع إنه يوجد حكم واحد زائد على الأحكام العشرة في السامرية بالنسبة إلى العبرانية، وفيه نزاع أيضًا سلفًا وخلفًا، وما ألزم المسيح ولا الحواريون أحد الفريقين.
(المغالطة الثالثة) إن اليهود والمسيحيين أيضًا كانوا من أهل الديانة كما تدعون في حقكم فيبعد أن يتجاسر أهل الديانة على مثل هذا الأمر القبيح (أقول): جوابها ظاهر على من طالع المقاصد الثلاثة وجواب المغالطة الأولى، وإذا وقع التحريف بالفعل يقينًا، وأقرّ به علماؤهم سلفًا وخلفًا فما بقي لقول المغالط، فيبعد أن يتجاسر إلى آخر محل بل كان هذا الأمر في القدماء من اليهود والمسيحيين بمنزلة المستحبات الدينية بحسب المقولة المشهورة التي مر نقلها في القول السادس من الهداية الثالثة من جواب المغالطة الأولى.
(المغالطة الرابعة) إن نسخ الكتب المقدسة كانت منتشرة شرقًا وغربًا فلا يمكن التحريف لأحد كما لا يمكن في كتابكم (أقول): جوابها ظاهر على من طالع المقاصد الثلاثة وجواب المغالطة الأولى، فإذا وقع التحريف بالفعل بإقرارهم فأي محل لعدم إمكانه، وقياس هذه الكتب على القرآن المجيد قياس مع الفارق لأن هذه الكتب قبل إيجاد صنعة الطبع كانت قابلة للتحريف، وما كان اشتهارها بحيث يكون مانعًا عن التحريف، ألا ترى كيف حرف اليهود وملحدو المشرق على ما أقرت به فرقة البروتستنت وفرقة الكاثلك الترجمة اليونانية، مع أن اشتهارها شرقًا وغربًا كان أزيد من اشتهار النسخة العبرانية، وكيف أثر تحريفهم كما علمت في القول التاسع عشر من الهداية الثالثة من جواب المغالطة الأولى بخلاف القرآن المجيد فإن اشتهاره وتواتره كانا في كل قرن من القرون مانِعَيْن عن التحريف، والقرآن في كل طبقة كما كان محفوظًا في الصحائف فكذا كان محفوظًا في صدور أكثر المسلمين، ومن كان شاكًا في هذا الباب فليجرب في هذا الزمان أيضًا لأنه لو رأى المجرب في الجامع الأزهر فقط من جوامع مصر وجد في كل وقت أكثر من ألف شخص يكونون حافظين للقرآن كله على سبيل التجويد التام، ووجد كل قرية صغيرة من قرى الإسلام من مصر لا تخلو عن الحفاظ، ولا يوجد في جميع ديار أوربا في هذه الطبقة من المسيحيين مع فراغ بالهم وتوجههم التام إلى العلوم والصنائع وكونهم أكثر من المسلمين عددًا عدد حفاظ الإنجيل بحيث يساوي عدد الحفاظ الموجودين في الجامع الأزهر فقط، بل لا يكون عددهم في جميع ديار أوربا يبلغ عشرة، ونحن ما سمعنا أحدًا أيضًا يكون حافظًا لجميع الإنجيل فقط في هذه الطبقة فضلًا أن يكون حافظًا للتوراة وغيره أيضًا، فجميع ديار أوربا من المسيحيين في هذا الباب ليسوا في مقابلة قرية صغيرة من قرى مصر، وليس الكبار من القسيسين في هذا الأمر خاصة في مقابلة الحمارين والبغالين من أهل مصر، وكان عُزَيْز النبي عليه السلام يُمْدَحُ بحفظ التوراة في أهل الكتاب، ويوجد في الأمة المحمدية في هذه الطبقة أيضًا مع ضعف الإسلام في أكثر الأقطار أزيد من مائة ألف من حفاظ القرآن في جميع ديار الإسلام، وهذا هو الفضل البديهي لأمة محمد صلى اللّه عليه وسلم ولكتابهم، وهذا الأمر أيضًا معجزة لنبيهم ترى في كل طبقة من الطبقات.
(حكاية) جاء يومًا أمير من أمراء الإنكليز في مكتب في بلدة سهار تفور من بلاد الهند ورأى الصبيان مشتغلين بتعلم القرآن وحفظه، فسأل المعلم: أي كتاب هذا. فقال: القرآن المجيد، فقال الأمير: أحفظ أحد منهم القرآن كله؟، فقال المعلم: نعم، وأشار إلى عدة منهم فلما سمع استبعد فقال: اطلب واحدًا منهم وأعطني القرآن أمتحن، فقال المعلم: اطلب أيهم شئت فطلب واحدًا منهم كان ابن ثلاثة عشرة أو أربعة عشر وامتحنه في مواضع فلما تيقن أنه حافظ لجميع القرآن تعجب، وقال: أشهد أنه ما ثبت تواتر لكتاب من الكتب كما ثبت للقرآن، يمكن كتابته من صدر صبي من الصبيان مع غاية صحة الألفاظ، وضبط الأعراب.
وأنا أورد عليك أمورًا يزول بها استبعاد وقوع التحريف في كتبهم (الأمر الأول) كان موسى عليه السلام كتب نسخة التوراة وسلمها إلى الأحبار وسائر كبراء بني إسرائيل وأوصاهم بمحافظتها ووضعها في جنب صندوق الشهادة وإخراجها إلى الناس بعد كل سبعة سبعة من السنين في يوم العيد لأجل سماع بني إسرائيل، فكانت هذه النسخة موضوعة في جنب الصندوق وكانت الطبقة الأولى على وصية موسى عليه السلام، فلما انقرضت هذه الطبقة تغير حال بني إسرائيل فكانوا يرتدون تارة ويُسْلمون أخرى، وهكذا كان حالهم إلى أول سلطنة داود عليه السلام، وحسنت حالهم في تلك السلطنة وصَدْرَ سلطنة سليمان عليه السلام وكانوا مؤمنين، لكن لأجل الانقلابات المذكورة ضاعت تلك النسخة الموضوعة في جنب الصندوق، ولا يُعْلم جزمًا متى ضاعت ولما فتح سليمان الصندوق في عهده ما وجد فيه غير اللَّوْحين اللذين كانت الأحكام العشرة فقط مكتوبة فيهما كما هو مصرح في الآية التاسعة من الباب الثامن من سفر الملوك الأول وهي هكذا: "ولم يكن في التابوت إلا اللوحان الحجريان اللذان وضعهما موسى بحوريت حيث عاهد الرب بني إسرائيل وأخرجهم من أرض مصر" ثم وقع الانقلاب العظيم في آخر سلطنة سليمان عليه السلام على ما تشهد به كتبهم المقدسة بأن ارتد سليمان والعياذ باللّه تعالى في آخر عمره بترغيب الأزواج وعَبَد الأصنام وبنى المعابد لها، فإذا صار مرتد أو وثنيًا ما بقي له غرض بالتوراة، وبعد موته وقع انقلاب أعظم وأشد من الأول بأن تفرق أسباط بني إسرائيل وصارت السلطنة الواحدة سلطنتين، فصارت عشرة أسباط في جانب والسبطان في جانب، وصار يوربعام سلطانًا على عشرة أسباط وسميت تلك السلطنة الإسرائيلية، وصار رحبعام بن سليمان سلطانًا على السبطين وسميت تلك السلطنة سلطنة يهودا، وشاع الكفر والارتداد بين السلطنتين لأن يوربعام بعد ما جلس على سرير السلطنة ارتد، وارتدت الأسباط العشرة معه، وعبدوا الأصنام، ومن بقي منهم على ملة التوراة من الكهنة هاجر إلى مملكة يهودا، فهذه الأسباط من هذا العهد إلى مائتين وخمسين سنة كانوا كافرين عابدين الأصنام ثم أبادهم اللّه بأن سلط الأسوريين عليهم فأسروهم وفرقوهم في الممالك، وما أبقوا في تلك المملكة إلا شرذمة قليلة، وعمروا تلك المملكة من الوثنيين فاختلطت هذه الشرذمة القليلة بالوثنيين اختلاطًا شديدًا، فتزاوجوا وتناكحوا وتوالدوا وسميت أولادهم السامريين فمن عهد يوربعام إلى آخر السلطنة الإسرائيلية ما كان لهذه الأسباط غرض بالتوراة، وكان وجود نسخ التوراة في تلك المملكة كوجود العنقاء.هذا حال الأسباط العشرة والسلطنة الإسرائيلية.
وجلس على سرير سلطنة يهودا من بعد موت سليمان عليه السلام إلى ثلثمائة واثنتين وسبعين سنة عشرون سلطانًا، وكان المرتدون من هؤلاء السلاطين أكثر من المؤمنين، وشاع عبادة الأصنام في عهد رحبعام ، ووضعت تحت كل شجرة وعُبدت، وفي عهد آخذ بنيت المذابح للبعل في كل جانب وناحية من بلدة أورشليم، وسدت أبواب بيت المقدس وكان قبل عهده نهب أورشليم وبيت المقدس مرتين ففي المرة الأولى تسلط سلطان مصر ونهب جميع أثاث بيت اللّه وبيت السلطان، وفي المرة الثانية تسلط سلطان إسرائيل المرتد ونهب بيت اللّه وبيت السلطان نهبًا شديدثم اشتد الكفر في عهد منسا حتى صار أكثر أهل تلك المملكة وثنيين وبنى مذبح الأصنام في فناء بيت المقدس، ووضع الوثن الذي كان يعبده في بيت المقدس، وهكذا كان حال الكفر في عهد آمون ابنه، ولما جلس يوشيا بن آمون على سرير السلطنة تاب إلى اللّه توبة نصوحًا، وكان هو وأراكينه متوجهين لترويج الملة الموسوية، وهدم رسوم الكفر والشرك في غاية الجد والاجتهاد، ولكنه مع ذلك ما رأى أحد ولا سمع وجود نسخة التوراة إلى سبع عشرة سنة من سني سلطنته، ثم ادعى حلقيا الكاهن في العام الثامن عشر من سلطنته أنه وجد نسخة التوراة في بيت المقدس وأعطاها شافان الكاتب، فقرأ على يوشيا فلما سمع يوشيا مضمونه شق ثيابه لأجل الحزن على عصيان بني إسرائيل، كما هو مصرح في الباب الثاني والعشرين من سفر الملوك الثاني، والباب الرابع والثلاثين والسفر الثاني من أخبار الأيام، لكن لا يعتمد على هذه النسخة، ولا على قول حلقيا لأن البيت نهب مرتين قبل عهد آخذ، ثم جعل بيت الأصنام وسدنة الأصنام كانوا يدخلون البيت كل يوم، وما سمع أحد إلى سبعة عشرة عامًا من سلطنة يوشيا أيضًا اسم التوراة، ولا رآه، مع أن السلطان والأمراء والرعايا كانوا في غاية الاجتهاد لاتباع الملة الموسوية، وكانت الكهنة يدخلون كل يوم إلى هذه المدة، فالعجب كل العجب أن تكون النسخة في البيت ولا يراها أحد، فهذه النسخة ما كانت إلا من مخترعات حلقيا فإنه لما رأى توجه السلطان والأراكين إلى اتباع الملة الموسوية، جمعها من الروايات اللسانية التي وصلت إليه من أفواه الناس سواء كانت صادقة أو غير صادقة، وكان إلى هذه المدة في جمعها وتأليفها، فبعد ما جمع نسب إلى موسى عليه السلام، ومثل هذا الافتراء والكذب لترويج الملة وإشاعة الحق كان من المستحبات الدينية عند متأخري اليهود وقدماء المسيحيين كما عرفت، لكني أقطع النظر ههنا عن هذا وأقول إنه وجدت نسخة التوراة في العام الثامن عشر من سلطنة يوشيا وبقيت معمولة إلى ثلاث عشرة سنة مدة حياته، ولما مات وجلس ياهوحاز على سرير السلطنة ارتد وأشاع الكفر وتسلط عليه سلطان مصر وأسره وأجلس أخاه على سرير السلطنة، وهو كان مرتدًا أيضًا كأخيه ولما مات جلس ابنه على السرير وكان مرتدًا كأبيه وعمه، وأسره بختنصَّر مع جم غفير من بني إسرائيل ونهب بيت المقدس، وكنز بيت الملك، وأجلس عمه على سرير السلطنة، وكان مرتدًا أيضًا مثل ابن أخيه - فإذا علمت هذا فأقول: إن تواتر التوراة في اليهود عندي منقطع قبل زمان يوشيا والنسخة التي وجدت في عهده لا اعتماد عليها ولا يثبت بها التواتر، ومع ذلك ما كانت معمولة إلا إلى ثلاث عشرة سنة، وبعدها لم يعلم حالها. والظاهر أنه لما رجع الارتداد والكفر بين أولاد يوشيا زالت قبل حادثة بختنصر وكان وجودها بين أزمنة الارتداد كالطهر المتخلل بين الدمين، ولو فرض بقاؤها أو بقاء نقلها فالمظنون زوالها في حادثة بختنصَّر وهذه الحادثة هي الأولى.
(الأمر الثاني) لما بغى هذا السلطان الذي أجلسه بختنصر عليه فأسره وذبح أولاده قدام عينيه أولًا، ثم قلع عينيه وربطه بالسلاسل وأرسله إلى بابل وأحرق بيت اللّه وبيت الملك وجميع بيوت أورشليم وكل منزل جليل وجميع بيوت الكبراء أحرقها بالنار، وهدم سور أورشليم وأسر سائر شعوب بني إسرائيل وسباهم، وعمر تلك المملكة من مساكين الأرض وضعفائها كرّامين وفلاحين، وهذه هي الحادثة الثانية لبختنصر، وفي هذه الحادثة انعدم التوراة وكذا جميع كتب العهد العتيق التي كانت مصنفة قبل هذه الحادثة عن صفحة العالم رأسًا، وهذا الأمر مسلم عند أهل الكتاب أيضًا كما عرفت مفصلًا في الشاهد السادس عشر من المقصد الأول.
(الأمر الثالث) لما كتب عزرا عليه السلام كتب العهد العتيق مرة أخرى على زعمهم ووقعت حادثة أخرى جاء ذكرها في الباب الأول من الكتاب الأول للمقابيين هكذا: "لما فتح انتيوكس ملك ملوك الفرنج أورشليم أحرق جميع نسخ كتب العهد العتيق التي حصلت له من أي مكان بعد ما قطعها وأمر أن من يوجد عنده نسخة من نسخ كتب العهد العتيق أو يؤدي رسم الشريعة يقتل، وكان تحقيق هذا الأمر في كل شهر فكان يقتل من وجد عنده نسخة من كتب العهد العتيق، أو ثبت أنه أدى رسمًا من رسوم الشريعة وتعدم تلك النسخة" انتهى ملخصًا، وكانت هذه الحادثة قبل ميلاد المسيح بمائة وإحدى وستين سنة، وكانت ممتدة إلى ثلاث سنين ونصف كما فصلت في تواريخهم وتاريخ يوسيفس، فانعدمت في هذه الحادثة جميع النسخ التي كتبها عزرا كما عرفت في الشاهد السادس عشر من المقصد الأول من كلام جان ملنر كاثلك "لما ظهرت نقولها الصحيحة بواسطة عزرا ضاعت تلك النقول أيضًا في حادثة أنتيوكس" انتهى ثم قال جان ملنر: "فلم تكن شهادة لصداقة هذه الكتب ما لم يشهد المسيح والحواريون" (أقول) قد عرفت حال هذه الشهادة في جواب المغالطة الثانية.
(الأمر الرابع) وقعت على اليهود بعد هذه الحادثة المذكورة حوادث أخرى أيضًا من أيدي ملوك الفرنج انعدمت فيها نقول عزرا ونسخ لا تحصى، ومنها حادثة طيطوس الرومي وهي حادثة عظيمة وقعت بعد عروج المسيح بسبع وثلاثين سنة، وهذه الحادثة مكتوبة بالتفصيل التام في تاريخ يوسيفس وتواريخ أخرى، وهلك في هذه الحادثة من اليهود في أورشليم ونواحيه ألف ألف ومائة ألف بالجوع والنار والسيف والصلب، وأسر سبعة وتسعون ألفًا وبيعوا في الأقاليم المختلفة، وهلك جموع كثيرة في أقطار أرض اليهودية أيضًا.
(الأمر الخامس) أن القدماء المسيحيين ما كانوا ملتفتين إلى النسخة العبرانية من العهد العتيق بل جمهورهم كانوا يعتقدون تحريفها وكانت الترجمة اليونانية معتبرة عندهم سيما إلى آخر القرن الثاني من القرون المسيحية فإنه لم يلتفت أحد منهم إلى النسخة العبرانية، وكانت هذه الترجمة مستعملة في جميع معابد اليهود أيضًا إلى آخر القرن الأول فكانت نسخ العبرانية لهذا الوجه أيضًا قليلة، ومع كونها قليلة كانت عند اليهود كما ظهر لك في الهداية الثالثة من جواب المغالطة الأولى.
(الأمر السادس) إن اليهود أعدموا نسخًا كتبت في المائة السابعة والثامنة لأنها كانت تخالف مخالفة كثيرة للنسخ التي كانت معتمدة عندهم، ولذلك ما وصلت إلى مصححي العهد العتيق النسخة المكتوبة في هاتين المائتين فبعد ما أعدموا بقيت النسخ التي كانوا يرضون بها فكان لهم مجال واسع للتحريف كما عرفت في القول العشرين من الهداية المذكورة.
(الأمر السابع) كان في المسيحيين أيضًا في الطبقات الأول أمر موجب لقلة النسخ وإمكان تحريف المحرفين، لأن تواريخهم تشهد بأنهم إلى ثلثمائة سنة كانوا مبتلين بأنواع المحن والبلايا ووقع عليهم عشر قتلات عظيمة (الأول) في عهد السلطان نيرون في سنة 64 واستشهد فيه بطرس الحواري وزوجته، وقتل بولس أيضًا، وكان هذا القتل في دار السلطنة وإيالاته، وبقي الحال هكذا إلى حياة هذا السلطان وكان الإقرار بالمسيحية يُعَدُّ جرمًا عظيمًا في حق المسيحيين (والثاني) في عهد السلطان دومشيان وكان هذا السلطان مثل نيرون عدوًا للملة المسيحية فأمر بالقتل فظهر القتل العام الذي حصل منه خوف استئصال هذه الملة وأجلى يوحنا الحواري وقتل فليوبس كليمنس (والثالث) في عهد السلطان ترجان وكان ابتداؤه سنة 101 وبقي الحال هكذا إلى ثماني عشرة سنة، وقتل فيه إكناسش أسقف كورنتيه، وكليمنت أسقف الروم، وشمعون أسقف أورشليم (والرابع) في عهد السلطان مرقس أنتونيس وكان ابتداؤه سنة 161 وبقي الحال هكذا إلى أزيد من عشر سنين، وبلغ القتل شرقًا وغربًا وكان هذا السلطان فلسفيًا مشهورًا متعصبًا في الوثنية (والخامس) في عهد السلطان سويرس وكان ابتداؤه سنة 202 وقتل ألوف في مصر وكذا في ديار فرانس وكارتهيج، وكان القتل في غاية الشدة بحيث ظن المسيحيون أن هذا الزمان زمان الدجال (والسادس) في عهد السلطان مكسيمن وكان ابتداؤه سنة 237 وصدر أمره وقتل فيه أكثر العلماء لأنه ظن أنه إذا قتل أهل العلم جعل العوام مطيعين في غاية السهولة، وقتل فيه البابا بونتيانوس والبابا انتيروس (والسابع) في عهد السلطان دي شس سنة 253 وأراد هذا السلطان استئصال الملة المسيحية، فصدر أوامره إلى حكام الإيالات وارتد في هذه الحادثة بعض المسيحيين، وكان مصر وأفريكا وإتالي والمشرق مواضع تفرج ظلمه (والثامن) في عهد السلطان ولريان سنة 257 وقتل فيه ألوف، ثم صدر أمره في غاية الشدة بأن يقتل الأساقفة وخدام الدين، ويذل الأعزة وتؤخذ أموالهم، فلو بقوا بعد هذا أيضًا مسيحيين يقتلون، وتسلب أموال النساء الشرائف ويجلين من الأوطان، ويؤخذ المسيحيون الباقون عبيدًا ويحبسون ويلقى في أرجلهم سلاسل ويستعملون في أمور الدولة (التاسع) في عهد السلطان أريلين وكان ابتداؤه سنة 274 وصدر أمره لكن ما قتل فيه كثير لأن السلطان قد قتل (والعاشر) في سنة 302 وامتلأت الأرض شرقًا وغربًا في هذا القتل وأحرقت بلدة فريجيا كلها دفعة واحدة بحيث لم يبق فيها أحد من المسيحيين.
فهذه الوقائع لو كانت صادقة كما يدعون لا يتصور فيها كثرة النسخ ولا محافظة الكتب كما ينبغي ولا تصحيحها ولا تحقيقها، ويكون للمحرفين في أمثال هذه الأوقات مجال كثير للتحريف، وقد عرفت في جواب المغالطة الأولى أن الفرق الكثيرة المبتدعة من المسيحيين قد كانوا في القرن الأول وكانوا يحرفون.
(الأمر الثامن) أراد يوكليشين أن يمحو وجود الكتب المقدسة لهم عن صفحة العالم واجتهد في هذا الباب وأمر في سنة 303 بهدم الكنائس وإحراق الكتب وعدم اجتماع المسيحيين للعبادة فهدمت الكنائس وأحرق كل كتاب حصل له بالجد التام، ومن أبى أو ظُن أنه أخفى كتابًا عُذِّب عذابًا شديدًا وامتنعوا عن الاجتماع للعبادة كما هو مصرح به في تواريخهم. وقال لاردن في الصفحة 522 من المجلد السابع من تفسيره: "صدر أمر يوكليشين في شهر مارج من السنة التاسعة عشرة من جلوسه أن يهدم الكنائس ويحرق الكتب المقدسة" ثم قال: "يقول يوسى بيس بالحزن التام إنه رأى بعينيه أن الكنائس هدمت والكتب المقدسة أحرقت في الأسواق" ولا أقول إن النسخ كلها بإعدامه انعدمت عن صفحة العالم، لكن لا شك أنها قلت جدًا وضاعت من النسخ الغير المحصورة النفيسة الصحيحة، لأن كثرة المسيحيين وكثرة كتبهم كما كانت في مملكته ودياره ما كانت بمنزلة عشرها في غيرها، وانفتح باب التحريف ولا عجب أن انعدم بعض الكتب رأسًا أيضًا، ويكون الموجود باسمه بعده جعليًا مختلقًا، لأن هذا الأمر قبل إيجاد صنعة الطبع كان أمرًا ممكنًا كما علمت في القول العشرين من الهداية الثالثة من جواب المغالطة الأولى أن النسخ المخالفة لنسخة اليهود انعدمت رأسًا بإعدامهم بعد المائة الثامنة، وقال آدم كلارك في مقدمة تفسيره: "إن أصل التفسير المنسوب إلى تي شن انعدم، والمنسوب إليه الآن مشكوك عند العلماء وشكهم حق" وقال واتسن في المجلد الثالث من كتابه: "كان التفسير المنسوب إلى تي شن موجودًا في عهد تهيودورت، وكان يقرأ في كل كنيسة، لكن تهيودورت أعدم جميع نسخه ليقيم الإنجيل مقامه" انظروا كيف انعدم هذا التفسير عن صفحة العالم بإعدام تهيودورت وكيف اخترع واختلق المسيحيون بدله، ولا شك أن اقتدار ديوكليشين الذي ملك ملوك الفرنج أزيد من اقتدار اليهود، وكذا زمان إعدامه كان أقرب من زمان إعدامهم، وكذا اقتداره أزيد من اقتدار تهيودورت، فلا استبعاد أن ينعدم بعض كتب العهد الجديد بحادثة ديوكليشين والحوادث التي ظهرت في عهد السلاطين المذكورين الذين كانوا ملوك الملوك في عهدهم، ثم يكون الموجود باسمه مختلقًا كما سمعت في تفسير تي شن، والاهتمام إلى اختلاق بعض كتب العهد الجديد كان أهم عندهم من اختلاق التفسير المذكور، وكانت المقولة المقبولة عندهم التي مر ذكرها في القول السادس من الهداية الثالثة من جواب المغالطة الأولى حاكمة باستحسان هذا الاختلاق واستحبابه، ولأجل الحوادث المذكورة في هذه الأمور الثمانية المسطورة فقدت الأسانيد المتصلة بكتبهم ولا يوجد عندهم سند متصل لكتاب من كتب العهد العتيق والجديد لا عند اليهود ولا عند المسيحيين، كما عرفت نبذًا منه، وطلبنا مرارًا من القسيسين العظام السند المتصل فما قدروا عليه واعتذر بعض القسيسين في محفل المناظرة التي كانت بيني وبينهم، فقال إن سبب فقدان الإسناد عندنا وقوع المصائب والفتن على المسيحيين إلى مدة ثلثمائة وثلاث عشرة سنة، ونحن تصفحنا كتب الإسناد لهم فما رأينا فيها غير الظن والتخمين، وبهذا القدر لا يثبت السند.
(المغالطة الخامسة) إن بعض نسخ الكتب المقدسة التي كتبت قبل زمان محمد صلى اللّه عليه وسلم موجودة إلى الآن عند المسيحيين وهذه النسخ موافقة لنسخنا أقول: أولًا إن في هذه المغالطة دعوتين الأولى أن هذه النسخ الموجودة كتبت قبل محمد صلى اللّه عليه وسلم، والثانية أنها موافقة لنسخنا وكلتاهما غير صحيحتين.
أما الأولى فلأنك قد عرفت في القول العشرين من الهداية الثالثة من جواب المغالطة الأولى أنه لم يصل إلى مصححي العهد العتيق نسخة عبرانية كتبت في المائة السابعة والثامنة، بل لم تصل إليهم نسخة عبرانية كاملة تكون مكتوبة قبل المائة العاشرة، لأن النسخة القديمة التي حصلت لكني كات هي نسخة تسمى بكودكس لاديانوس وقال إنها كتبت في المائة العاشرة، وقال موشيودي روسي إنها كتبت في المائة الحادية عشرة، ولما طبع واندرهوت النسخة العبرانية بادعاء التصحيح الكامل خالف هذه النسخة في أربعة عشر ألف موضع، منها أزيد من ألفي موضع في التوراة فقط فانظر إلى كثرة غلطها، وأما نسخ الترجمة اليونانية فثلاث منها قديمة عندهم جدًا الأولى كودكس اسكندر يانوس، والثانية كودكس واطيكانوس، والثالثة كودكس أفريمي والأولى موجودة في لندن، وكانت هذه النسخة عند المصححين في المرتبة الأولى من النسخ معلمة بعلامة الأول، والثانية موجودة في بلدة روما من إقليم إطالية، وكانت عند المصححين في المرتبة الثانية ومعلمة بعلامة الثاني، والثالثة موجودة في بلدة بارس، وفيها كتب العهد الجديد فقط، وليس فيها كتاب من كتب العهد العتيق، ولا بد من بيان حال هذه النسخ الثلاث فأقول: قال هورن في المجلد الثاني من تفسيره في بيان كودكس اسكندر يانوس: "هذه النسخة في أربعة مجلدات، ففي المجلدات الثلاثة الأولى الكتب الصادقة والكاذبة من كتب العهد العتيق، ويوجد في المجلد الرابع العهد الجديد، والرسالة الأولى لكليمنت إلى أهل قورنثيوس والزبور الكاذب المنسوب إلى سليمان عليه السلام" ثم قال: "وتوجد قبل الزبور رسالة انهاني سيش، وبعده فهرست ما يقرأ في صلاة كل ساعة ساعة من الليل والنهار، وأربعة عشرة زبورًا إيمانيًا الحادي عشر منها في نعت مريم رضي اللّه عنها، وبعضها كاذبة وبعضها مأخوذة من الإنجيل، ودلائل يوسي بيس مكتوبة على الزبورات وقوانينه على الأناجيل، وبالغ البعض في مدح هذه النسخة والبعض الآخرون في ذمها، ورئيس أعدائها وتستين وفي قدامتها كلام فظن كريب وشلز هكذا: لعل هذه النسخة كتبت في آخر المائة الرابعة، وقال ميكايلس هو حَدُّ قدامتها، ولا يمكن أن يفرض أقدم منه، لأن رسالة انهاني سيش توجد فيها، وفهم أودن أنها كتبت في القرن العاشر، وقال وتستين إنها كتبت في القرن الخامس وظن هكذا لعل هذه نسخة من النسخ التي جمعت في اسكندرية سنة 615 لأجل الترجمة السريانية، وفهم داكتر سملر أنها كتبت في القرن السابع، وقال مونت فاكن لا يمكن أن يقال جزمًا في حق نسخة من نسخ اسكندر يانوس كانت أو غيرها إنها كتبت قبل القرن السادس، وقال ميكايلس إنها كتبت في زمان صار لسان أهل مصر فيه لسانًا عربيًا، يعني بعد مائة أو مائتين من تسلط المسلمين على اسكندرية، لأن كاتبه بدّل في كثير من المواضع الميم من الباء وبالعكس، كما تبدل في اللسان العربي فاستدل بهذا أنها لا يمكن أن تكون مكتوبة قبل القرن الثامن، وفهم وايد أنها كتبت في وسط القرن الرابع أو في آخره، ولا يمكن أن يكون أقدم من هذا لأنها لا توجد فيها الأبواب والفصول، ويوجد فيها نقل قانون يوسي بَيَسْ، واعتراض إسباين على دلائل وايد، وأدلة كونها مكتوبة في القرن الرابع والخامس هذا الأول لا يوجد التقسيم بالأبواب في رسائل بولس وقد كان هذا التقسيم في سنة 396، والثاني يوجد فيها رسائل كليمنت التي منع قراءتها محفل لوديسيا وكارتهيج، فاستدل شلز بهذا أن هذه النسخة كتبت قبل سنة 364، والثالث استدل شلز بدليل جديد آخر وهو أنه يوجد في الزبور الرابع عشر الإيماني فقرة كانت توجد سنة 444 وسنة 446، فهذه النسخة كتبت قبل هذه السنين، وظن وتستين أنها كتبت قبل زمان جيروم لأنه بدَّل فيها المتن اليوناني بترجمة إتالك القديم، وكاتبه لا يعلم أنهم كانوا يقولون للعرب هكارين لأنه كتب أكوراو بدل أكاراو، وأجابه الآخرون بأن هذا غلط كاتب فقط لأنه جاء لفظ أكاراوون في الآية الأخيرة، وقال ميكايلس لا يثبت بهذه الدلائل شيء لأن هذه النسخة منقولة عن نسخة أخرى بالضرورة فعلى تقدير كونها منقولة بالاهتمام تتعلق هذه الدلائل بالنسخة التي هي منقولة عنها لا بهذه النسخة، نعم يمكن تصفية الأمر شيئًا بالخط وأشكال الحروف وعدم الإعراب، ودليل عدم كونها مكتوبة في القرن الرابع هذا ظن داكتر سِمْلر أن رسالة اتهاني سيش في حسن الزبورات يوجد فيها وإدخالها في حياته كان محالًا، فاستدل أوْدِن بهذا أنها كتبت في القرن العاشر، لأن هذه الرسالة كاذبة ولا يمكن جعلها في حياته، وكان الجعل في القرن العاشر في غاية القوة"، ثم قال هورن في المجلد المذكور في بيان كودكس واطيكانوس: "كتب في مقدمة الترجمة اليونانية التي طبعت في سنة 1590: كُتِبت هذه النسخة قبل سنة 388 يعني في القرن الرابع وقال موت فاكن وبلين جيني: كتبت في القرن الخامس أو السادس، وقال ديوين في القرن السابع، وقال هك في ابتداء القرن الرابع، وقال مارش في آخر القرن الخامس ولا يوجد الاختلاف بين نسختين من نسخ العهد العتيق والجديد مثل الاختلاف الذي يوجد بين كودكس اسكندر يانوس وهذه النسخة"، ثم قال: "استدل كني كات بأن هذه النسخة وكذا نسخة اسكندر يانوس ليستا بمنقولتين عن نسخة أرجن ولا عن نقولها التي كانت نقلت في قرب زمانه، بل هما منقولتان عن النسخ التي ما كانت علامات أرجن فيها يعني في زمان تركت علاماته في النقول" ثم قال في المجلد المذكور في بيان كودكس افريمي: "ظن وِتَسْتين أن هذه النسخة من النسخ التي جمعت في اسكندرية لتصحيح الترجمة السريانية لكن لا دليل على هذا الأمر، واستدل بالحاشية التي على الآية السابعة من الباب الثامن من الرسالة العبرانية أن هذه النسخة كتبت قبل سنة 542، لكن ميكايلس لا يفهم استدلاله قويًا ويقول بهذا القدر فقط أنها قديمة، وقال مارش: كتبت في القرن السابع" انتهى.
فظهر لك أنه لم يوجد دليل قطعي على أن هذه النسخ كتبت في القرن الفلاني وليس مكتوبًا في آخر كتاب من كتبها أيضًا أن كاتبه فرغ في السنة الفلانية كما يكون هذا مكتوبًا في آخر الكتب الإسلامية غالبًا، وعلماؤهم يقولون رجمًا بالغيب بالظن الذي نشأ لهم عن بعض القرائن لعلها كتبت في قرن كذا أو قرن كذا، ومجرد الظن والتخمين لا يتم دليلًا على المخالف، وقد عرفت أن أدلة القائلين بأن نسخة اسكندر يانوس كتبت في القرن الرابع أو الخامس ضعيفةٌ منقوضة، وظنُّ سِمْلر أيضًا بعيدٌ لأن تغير لسان إقليم بلسان إقليم آخر في مدة قليلة خلاف العادة، وقد تسلط العرب على الإسكندرية في القرن السابع من القرون المسيحية لأنهم تسلطوا في السنة العشرين من الهجرة على الأصح، إلا أن يكون مراده آخر هذا القرن، ودليل ميكايلس سالم عن الاعتراض، فلا بد أن يسلم، فهذه النسخة لا يمكن أن تكون مكتوبة قبل القرن الثامن، والأغلب كما قال أودن أنها كتبت في القرن العاشر الذي كان بحرُ التحريف فيه موّاجًا، ويؤيده أن هذه النسخة تشتمل على الكتب الكاذبة أيضًا، فالظاهر أن كاتبها كان في زمان كان فيه تمييز الكاذب عن الصادق متعسرًا، وهذا كان على وجه الكمال في القرن العاشر، وأن بقاء القرطاس والحروف إلى ألف وأربعمائة سنة أو أزيد مستبعد عادة سيما إذا لاحظنا أن طريقة المحافظة، وكذا طريقة الكتابة في الطبقات الأول ما كانتا جيدتين، ورد ميكايلس استدلال وتستين في حق كودكس افريمي، وعرفت قول مونت فاكن وكني كات أيضًا، وعرفت قول ديوين في حق كودكس واطيكانوس، وقول مارش في حق كودكس افريمي أنهما كتبتا في القرن السابع، فظهر أن الدعوى الأولى ليست بثابتة لأن ظهور محمد صلى اللّه عليه وسلم على آخر القرن السادس من القرون المسيحية، وإذا ثبت أن كودكس اسكندر يانوس تشتمل على كتب كاذبة أيضًا، وأن البعض ذمّها ذمًا بليغًا وأن وتستين رئيس أعدائه الذّامِّين، ولا يوجد الاختلاف بين نسختين من نسخ العهد العتيق والجديد مثل الاختلاف الذي يوجد بين كودكس واطيكانوس - ظهر أن الدعوى الثانية أيضًا ليست بصحيحة، وأقول ثانيًا: لو قطعنا النظر عما قلنا وفرضنا أن هذه النسخ الثلاث كتبت قبل محمد صلى اللّه عليه وسلم فلا يضرنا لأنا لا ندعي أن الكتب المقدسة لهم كانت غير محرفة إلى زمان ظهور محمد صلى اللّه عليه وسلم وبعد ذلك حرفت، بل ندعي أن هذه الكتب كانت قبل ظهور محمد صلى اللّه عليه وسلم لكنها بلا إسناد متصل وأن التحريف كان فيها قبله يقينًا ووقع في بعض المواضع بعده أيضًا، فلا ينافي هذه الدعوى وجود النسخ الكثيرة فضلًا عن ثلاث نسخ، بل لو وجدت ألف نسخة مثل اسكندر يانوس لا يضرنا بل كان نافعًا لنا باعتبار أن اشتمال هذه النسخ على الكتب الجعلية يقينًا واختلافها بينها اختلافًا شديدًا كما في كودكس اسكندر يانوس وكودكس واطيكانوس من أعظم الأدلة الدالة على تحريف أسلافهم، ولا يلزم من القَدَامة الصحة ألا ترى إلى بعض الكتب الكاذبة المندرجة في اسكندر يانوس .
|