الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: إظهار الحق **
(الأمر الرابع) مَنْ طالع الزبور وكتاب نحميا وكتاب أرميا وكتاب حزقيال جزم يقينًا أن طريق التصنيف في سالف الزمان كان مثل الطريق المروَّج الآن في أهل الإسلام، بأن المصنف لو كان يكتب حالات نفسه والمعاملات التي رآها بعينيه كان يكتب بحيث يظهر لنا كتابه أنه كتب حالات نفسه والمعاملات التي رآها، وهذا الأمر لا يظهر من موضوع من مواضيع التوراة بل تشهد عبارته أن كاتبه غير موسى وهذا الغير جمع هذا الكتاب من الروايات والقصص المشتهرة فيما بين اليهود، ميز بين هذه الأقوال بأن ما كان في زعمه قول اللّه أو قول موسى أدرجه تحت قال اللّه أو قال موسى، وعبر عن موسى في جميع المواضع بصيغة الغائب، ولو كانت التوراة من تصنيفاته لكان عبر عن نفسه بصيغة المتكلم ولا أقل من أن يعبر في موضع من المواضع، لأن التعبير بصيغة المتكلم يقتضي زيادة الاعتبار، والذي يشهد له الظاهر مقبول ما لم يقم على خلافه دليل قوي ومن ادعى خلاف الظاهر فعليه البيان.
(
(الأمر السادس) نقل صاحب خلاصة سيف المسلمين عن المجلد العاشر من أنسائي كلوبيدي يابيني (قال دكتر سكندر كيدس الذي هو من الفضلاء المسيحية المعتمدين في ديباجة (البيبل) الجديد: ثبت لي بظهور الأدلة الخفية ثلاثة أمور جزمًا: الأول أن التوراة الموجودة ليست من تصنيف موسى، والثاني أنها كتبت في كنعان أو أورشليم، يعني ما كتب في عهد موسى، الذي كان بنو إسرائيل في هذا العهد في الصحارى، والثالث لا يثبت تأليفها قبل سلطنة داود ولا بعد زمان حزقيال، بل أنسبُ تأليفها إلى زمان سليمان عليه السلام، يعني قبل ألف سنة من ميلاد المسيح أو إلى زمان قريب منه، في الزمان الذي كان فيه هومر الشاعر، فالحاصل أن تأليفه بعد خمسمائة سنة من وفاة موسى).
(الأمر السابع) قال الفاضل (تورتن) من العلماء المسيحية: "إنه لا يوجد فرق معتد به في محاورة التوراة ومحاورات سائر الكتب من العهد العتيق الذي كتب في زمان أطلق فيه بنو إسرائيل من أسر بابل، مع أن بين هذين الزمانين تسعمائة عامٍ، وقد علم بالتجربة أنه يقع الفرق في اللسان بحسب اختلاف الزمان، مثلًا إذا لاحظنا لسان الإنكليز وقسنا حال هذا اللسان بحال ذلك اللسان الذي كان قبل أربعمائة سنة وجدنا تفاوتًا فاحشًا، ولعدم الفرق المعتد به بين محاورة هذه الكتب ظن الفاضل (ليوسلن) الذي له مهارة كاملة في اللسان العبراني أن هذه الكتب صنفت في زمان واحد" أقول: وقوع الاختلاف في اللسان بحسب اختلاف الزمان بديهي فحكم تورتن وظن ليوسلن حريان بالقبول.
(الأمر الثامن) في الباب السابع والعشرين من سفر الاستثناء هكذا: "وتبنى هنالك مذبحًا للرب إلهَكَ من حجارة لم يكن مسها حديد" 8: "وتكتب على الحجارة كل كلام هذه السنة بيانًا حسنًا" والآية الثامنة في التراجم الفارسية هكذا نسخة مطبوعة سنة 1839: (وبران سنكها تمامى كلمات إين توارت بحسن وضاحت تحرير نما) نسخة مطبوعة سنة 1845: (وبران سنكها تمامى كلمات إين توريت رابخط روشن بنويس) وفي الباب الثامن من كتاب يوشع أنه بنى مذبحًا كما أمره موسى وكتب عليه التوراة، والآية الثانية والثلاثون من الباب المذكور هكذا نسخة فارسية مطبوعة سنة 1839: (درانجا تورات موسى رابران سنكها نقل نمودكه ان رابيش روى بني إسرائيل به تحريرًا ورد) نسخة فارسية مطبوعة 1845 (درانجابر سنكها نسخة توريت موسى راكه در حضور بني إسرائيل نوشته بودنوست) فعلم أن حجم التوراة كان بحيث لو كتب على حجارة المذبح لكان المذبح يسع ذلك، فلو كانت التوراة عبارة عن هذه الكتب الخمسة لما أمكن ذلك فالظاهر كما قلت في الأمر الرابع.
(الأمر التاسع) قال القسيس تورتن: "إنه لم يكن رسم الكتابة في عهد موسى عليه السلام" أقول: مقصوده من هذا الدليل أنه إذا لم يكن رسم الكتابة في ذلك العهد فلا يكون موسى كاتبًا لهذه الكتب الخمسة، وهذا الدليل في غاية القوة لو ساعد كتب التواريخ المعتبرة، ويؤيده ما وقع في التاريخ الذي كان باللسان الإنكليزي وطبع سنة 1850 في "مطبعة جارلس دالين" في بلدة لندن هكذا: "كان الناس في سالف الزمان ينقشون بميل الحديد أو الصفر أو العظم على ألواح الرصاص أو الخشب أو الشمع ثم استعمل أهل مصر بدل تلك الألواح أوراق الشجر (بيبرس) ثم اخترع الوصلي في بلد بركمس وسُوى القرطاس من القطن والإبريشم في القرن الثامن وسوى في القرن الثالث عشر من الثوب واختراع القلم في القرن السابع" انتهى كلام هذا المؤرخ لو كان صحيحًا عند المسيحيين فلا شك في تأييده لكلام تورتن.
(الأمر العاشر) وقع فيها الأغلاط وكلام موسى عليه السلام أرفع من أن يكون كذلك، مثل ما وقع في الآية الخامسة عشرة من الباب السادس والأربعين من سفر التكوين هكذا: "فهؤلاء بنو إليا الذين ولدتهم بين نهر سورية، ودينا ابنتها، فجميع بنيها وبناتها ثلاثة وثلاثون نفسًا" فقوله ثلاثة وثلاثون نفسًا غلط، والصحيح أربعة وثلاثون نفسًا واعترف بكونه غلطًا مفسرهم المشهور رسلي حيث قال: "لو عددتم الأسماء وأخذتم دينا صارت أربعة وثلاثون، ولا بد من أخذها كما يعلم من تعداد أولاد زلفا لأن سارا بنت أشير واحدة من ستة عشر، ومثل ما وقع في الآية الثانية من الباب الثالث والعشرين من سفر الاستثناء هكذا: "ومن كان ولد زانية لا يدخل جماعة الرب حتى يمضي عليه عشرة أحقاب" وهذا غلط، ولا يلزم أن لا يدخل داود عليه السلام ولا آباؤه إلى فارض ابن يهودا في جماعة الرب، لأن فارض ولد الزنا كما هو مصرح في الباب الثامن والثلاثين من سفر التكوين، وداود عليه السلام البطن العاشر منه، كما يظهر من نسب المسيح المذكور في إنجيل متى ولوقا، مع أن داود رئيس الجماعة والولد البكر للّه على وفق الزبور، ومثل ما وقع في الآية الأربعين من الباب الثاني عشر من سفر الخروج، وستعرف في الشاهد الأول من المقصد الثالث من الباب الثاني أنه غلط يقينًا.
ومثل ما وقع في الباب الأول من سفر العدد هكذا 45: "فكان عدد بني إسرائيل جميعه لبيوت آبائهم وعشائرهم من ابن عشرين سنة وما فوق ذلك، كل الذين كان لهم استطاعة الانطلاق إلى الحروب" 46: "ستمائة ألف وثلاثة آلاف وخمسمائة وخمسون رجلًا" 47: "واللاويون في وسط عشائرهم ولم يُعَدُّو معهم" يعلم من هذه الآيات أن عدد الصالحين لمباشرة الحروب كان أزيد من ستمائة ألف، وأن اللاويين مطلقًا ذكورًا كانوا أو إناثًا وكذلك إناث جميع الأسباط الباقية مطلقًا، وكذا ذكورهم الذين لم يبلغوا عشرين سنة خارجون عن هذا العدد، فلو ضمنا جميع المتروكين والمتروكات مع المعدودين لا يكون الكل أقل من ألفي ألف وخمسمائة ألف 2500000 وهذا غير صحيح لوجوه:
الأول: أن عدد بني إسرائيل من الذكور والإناث حين ما دخلوا مصر كان سبعين، كما هو مصرح في الآية السابعة والعشرين من الباب السادس والأربعين من سفر التكوين، والآية الخامسة من الباب الأول من سفر الخروج، والآية الثانية والعشرين من الباب العاشر من سفر الاستثناء، وستعرف في الشاهد الأول من المقصد الثالث من الباب الثاني أن مدة إقامة بني إسرائيل في مصر كانت مائتين وخمس عشرة سنة لا أزيد من هذه، وقد صرح في الباب الأول من سفر الخروج: أن قبل خروجهم بمقدار ثمانين سنة أبناؤهم كانوا يقتلون وبناتهم تستحيا، وإذا عرفت الأمور الثلاثة أعني عددهم حين ما دخلوا مصر ومدة إقامتهم فيها وقتل أبنائهم، فأقول: لو قطع النظر عن القتل وفرض أنهم كانوا يضاعفون في كل خمس وعشرين سنة فلا يبلغ عددهم إلى ستة وثلاثين ألفًا في المدة المذكورة فضلًا عن أن يبلغ إلى ألفي ألف وخمسمائة ألف، ولو لوحظ القتل فامتناع العقل أظهر.
الوجه الثاني: يبعد كل البعد أنهم يكثرون من سبعين بهذه الكثرة ولا تكثر القبط مع راحتهم وغنائهم مثل كثرتهم، وأن سلطان مصر يظلمهم بأشنع ظلم، وكونهم مجتمعين في موضع واحد ولا يصدر عنهم البغاوة ولا المهاجرة من دياره، والحال أن البهائم أيضًا تقوم بحماية أولادهم.
(الوجه الثالث) أنه يعلم من الباب الثاني عشر من سفر الخروج أن بني إسرائيل كان معهم المواشي العظيمة من الغنم والبقر، ومع ذلك صرح في هذا السفر أنهم عبروا البحر في ليلة واحدة وأنهم كانوا يرتحلون كل يوم، وكان يكفي لارتحالهم الأمر اللساني الذي يصدر عن موسى.
(الوجه الرابع) أنه لا بد أن يكون موضع نزولهم وسيعًا جدًا بحيث يسع كثرتهم وكثرة مواشيهم، وحوالي طور سيناء، وكذلك حوالي اثني عشر عينًا في إيليم ليسا (32) كذلك فكيف وسع هذان الموضعان كثرتهم وكثرة مواشيهم.
(الوجه الخامس) وقع في الآية الثانية والعشرين من الباب السابع من سفر الاستثناء هكذا: "فهو يهلك هذه الأمم من قدّامك قليلًا قليلًا وقسمة قسمة، إنك لا تستطيع أن تبيدهم بمرة واحدة لئلا يكثر عليك دواب البر"، وقد ثبت أن طول فلسطين كان بقدر مائتي ميل وعرضه بقدر تسعين ميلًا، كما صرح به صاحب مرشد الطالبين في الفصل العاشر من كتابه في الصفحة من النسخة المطبوعة سنة 1840 في مدينة (فالته) فلو كان عدد بني إسرائيل قريبًا من ألفي ألف وخمسمائة ألف، وكانوا متسلطين على فلسطين مرة واحدة بعد إهلاك أهلها لما يكثر عليهم دواب البر، لأن الأقل من هذا القدر يكفي لعمارة المملكة التي تكون بالقدر المذكور.
وقد أنكر ابن خلدون أيضًا هذا العدد في مقدمة تاريخه وقال: "الذي بين موسى وإسرائيل إنما هو ثلاثة آباء على ما ذكره المحققون ويبعد إلى أن يتشعب النسل في أربعة أجيال إلى مثل ذلك العدد" فالحق: أن كثرة بني إسرائيل كانت بالقدر الذي يمكن في مدة مائتين وخمس عشرة سنة، وكان سلطان مصر قادرًا عليهم أن يظلم بأي وجه شاء، وكان الأمر اللساني الصادر عن موسى عليه السلام كافيًا لارتحالهم كل يوم، وكان يكفي حوالي طور سيناء وحوالي إيليم لنزولهم مع دوابهم، وكان لا يكفي قدرهم لعمارة فلسطين لو ثبت لهم التسلط مرة واحدة. فيظهر لك من الأدلة المذكورة انه ليس في أيدي أهل الكتاب سند لكون الكتب الخمسة من تصنيف موسى عليه السلام، فما دام لم يثبت سند من جانبهم، فليس علينا تسليم هذه الكتب بل يجوز لنا الرد والإنكار.
وإذا عرفت حال التوراة الذي هو أس الملة الإسرائيلية فاسمع حال كتاب يوشع الذي هو في المنزلة الثانية من التوراة فأقول: لم يظهر لهم إلى الآن بالجزم اسم مصنفه ولا زمانُ تصنيفه، وافترقوا إلى خمسة أقوال قال: (جرهارد، وديوديتي، وهيوت، وباترك، وتاملاين وداكتر (33) كرى): إنه تصنيف يوشع وقال داكتر (لائت فت) إنه تصنيف فنيحاس، وقال كالون: إنه تصنيف العازار، وقال وانتل: إنه تصنيف صموئيل، وقال هنري: إنه تصنيف أرميا، فانظروا إلى اختلافهم الفاحش، وبين يوشع وأرميا مدة ثمانمائة وخمسين سنة تخمينًا، ووقوع هذا الاختلاف الفاحش دليل كامل على عدم استناد هذا الكتاب عندهم، وعلى أن كل قائل منهم يقول بمجرد الظن رجمًا بالغيب، بلحاظ بعض القرائن الذي ظهر له أن مصنفه فلان، وهذا الظن هو سند عندهم، ولو لاحظنا الآية الثالثة والستين من الباب الخامس عشر من هذا الكتاب مع الآية السادسة والسابعة والثامنة من الباب الخامس من سفر صموئيل الثاني يظهر أن هذا الكتاب كتب قبل السنة السابعة من جلوس داود عليه السلام، ولذلك قال جامعو تفسير هنري واسكات ذيل شرح الآية الثالثة والستين المذكورة هكذا: "يعلم من هذه الآية أن كتاب يوشع كتب قبل السنة السابعة من جلوس داود عليه السلام"، وتدل الآية الثالثة عشرة من الباب العاشر من هذا الكتاب أن مصنفه ينقل بعض الحالات عن كتاب اختلفت التراجم في بيان اسمه، ففي بعض التراجم كتاب اليسير، وفي بعضها كتاب ياصار، وفي بعضها كتاب ياشر، وفي التراجم العربية المطبوعة سنة 1844 سفر الأبرار، وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 سفر المستقيم، ولم يعلم حال هذا الكتاب المنقول عنه، ولا حال مصنفه، ولا حال زمان التصنيف، غير أنه يفهم من الآية الثامنة عشرة من الباب الأول من سفر صموئيل الثاني أن مصنفه يكون معاصرًا لداود عليه السلام أو بعده، فعلى هذا الغالب أن يكون مؤلف كتاب يوشع بعد داود عليه السلام، ولما كان الاعتبار للأكثر وهم يدعون بلا دليل أنه تصنيف يوشع فأطوى الكشح عن جانب غيرهم وأتوجه إليهم وأقول هذا باطل لأمور:
(الأمر الأول) هو ما عرفت في الأمر الأول من حال التوراة (والأمر الثاني) ما عرفت في الأمر الرابع من حال التوراة (والأمر الثالث) توجد فيه آيات كثيرة لا يمكن أن تكون من كلام يوشع قطعًا بل تدل بعض الفقرات على أن يكون مؤلفه معاصرًا لداود، بل بعده كما عرفت، وستعرف هذه الفقرات إن شاء اللّه في المقصد الثاني من الباب الثاني. والعلماء المسيحية يقولون رجمًا بالغيب: إنها من ملحقات نبي من الأنبياء وهذه الدعوى غير صحيحة ومجرد ادعاء فلا تسمع، فما لم يقم دليل قوي على الإلحاق تكون هذه الفقرات أدلة كاملة على أن هذا الكتاب ليس تصنيف يوشع. (والأمر الربع) في الباب الثالث عشر من هذا الكتاب هكذا 24: (وأعطى موسى سبط جاد وبنيه لقبائلهم ميراثًا هذا تقسيمه) 25: (حد يَعْزير وجميع قرى جِلْعاد (34) ونصف أراضي بني عمون إلى عَرْواعير التي هي حيال ربا).
وفي الباب الثاني من سفر الاستثناء هكذا: "قال لي الرب إنك تدلو إلى قرب بني عمون احذر تقاتلهم ومحاربتهم، فإني لا أعطيك شيئًا من أرض بني عمون لأني أعطيتها بني لوط ميراثًا" انتهى ملخصًا. ثم في هذا الباب: "أسلم الرب إلهُنا الجميعَ سوى أرض بني عمون التي لم تدن منها" فبين الكتابين تخالف وتناقض فلو كانت هذه التوراة المشهورة تصنيف موسى عليه السلام كما هو مزعومهم فلا يتصور أن يخالفها يوشع ويغلط في المعاملة التي كانت في حضوره، بل لا يتصور من شخص إلهامي آخر أيضًا، فلا يخلو إما أن لا تكون هذه التوراة المشهورة من تصنيف موسى عليه السلام أو لا يكون كتاب يوشع من تصنيفه، بل لا يكون من تصنيف رجل إلهامي آخر أيضًا.
وكتاب القضاة الذي هو في المنزلة الثالثة فيه اختلاف عظيم لم يعلم مصنفه ولا زمان تصنيفه، فقال بعضهم: إنه تصنيف فينحاس، وقال بعضهم: إنه تصنيف حزْقيا، وعلى هذين القولين لا يكون هذا الكتاب إلهاميًا أيضًا وقال بعضهم: إنه تصنيف أَرْميا وقال بعضهم: إنه تصنيف حِزقيال وقال بعضهم: إنه تصنيف عِزْرا، وبين عِزْرا وفنيحاس زمان أزيد من تسعمائة سنة، ولو كان عندهم سَنَدٌ لما وقع هذا الاختلاف الفاحش، وهذه الأقوال كلُّها غيرُ صحيحة عند اليهود وهم ينسبونه رَجْمًا بالغيب إلى صموئيل فَحَصَلَتْ فيه ستة أقوال.
وكتاب راعوث الذي هو في المنزلة الرابعة ففيه اختلاف أيضًا، قال بعضهم: إنه تصنيف حزقيا وعلى هذا لا يكون إلهاميًا، وقال بعضهم: إنه تصنيف عِزرا وقال اليهود وجمهور المسيحيين: إنه تصنيف صَمْوئيل، وفي الصفحة 305 من المجلد السابع من كاثُلك هِرَلد المطبوع سنة 184: (كُتِب في مقدمة بَيْبِل(35) الذي طُبع سنة 1819 في اشتار برك أن كتاب راعوثَ قصة بَيْت وكتاب يونس حكاية) يعني قصة غير معتبرة وحكاية غير صحيحة.
وكتاب نحْميا فيه اختلاف أيضًا، ومختار الأكثر أنه تصنيف نحميا وقال اتهاني سنش، وأبي فانيس، وكريزاستم، وغيرهم: إنه تصنيف عِزْرا، وعلى الأول لا يكون هذا الكتاب إلهاميًا ولا يصح أن يكون ست وعشرون آية من أول الباب الثاني عشر من هذا الكتاب من تصنيف نحْميا، ولا ربط لهذه الآيات بقصة هذا الوضع رَبْطًا حسنًا، وفي رابع وعشرين آية منها ذكر دارا سلطان إيران، وهو كان بعد مائة سنة من موت نحْميا، وستعرف في المقصد الثاني أن مفسريهم يحكمون بالاضطرار بإلحاقيتها، وأسقطها مترجم العربية.
وكتاب أيوب حاله أشنع من حال الكتب المذكورة وفيه اختلاف من أربعة وعشرين وجهًا و (رب ممائي ديز) الذي هو عالم مشهور من علماء اليهود و (ميكايلس وليكلرك وسمار واستناك) وغيرهم من العلماء المسيحيين على أن أيوب اسم فرضي وكتابه حكاية باطلة وقصة كاذبة، وذمّه (تهيودور) ذمًا كثيرًا وقال مقتدي فرقة البروتستنت: (إن هذا الكتاب حكاية محضة) وعلى قول مخالفيهم لا يتعين المصنف، ينسبونه رجمًا بالغيب إلى أشخاص، ولو فرضنا أنه تصنيف (اليهود) أو رجل من آله او رجل مجهول الاسم مُعاصر لمنسَّا لا يثبت كونه إلهاميًا، وهذا دليل كاف على أن أهل الكتاب لا يوجد عندهم سند متصل لكتبهم، يقولون بالظن والتخمين ما يقولون، وستعرف هذه الأمور في جواب المغالطة الثانية من الباب الثاني.
وزبور داود حاله قريب من حال كتاب أيوب لم يثبت بالسند الكامل أن مصنفه فلان ولم يعلم زمانُ جمع الزبورات في مجلد واحد، ولم يتحقق أن أسماءها إلهامية أو غير إلهامية. اختلف القدماء المسيحيون في مصنفه (فارجن وكريزاستم واكستائن وانبروس وبوتهي ميس) وغيرهم من القدماء على أن هذا الكتاب كله تصنيف داود عليه السلام، وأنكر قولهم (هليري واتهاتييش وجيروم ويوسي بيس) وغيرهم وقال هورن: "إن القول الأول غلط محض، وقال بعض المفسرين: إن بعض الزبورات صُنفت في زمان مقاييس لكن قوله ضعيف" انتهى كلامه ملخصًا. وعلى رأي الفريق الثاني لم يعلم اسم مصنف زبورات هي أزيد من ثلاثين، وعشرة زبورات من تصنيف موسى من الزبور التسعين إلى الزبور التاسع والتسعين، واحد وسبعون زبورًا من تصنيف داود، والزبور الثامن والثمانون من تصنيف (همان) والزبور التاسع والثمانون من تصنيف (اتهان) والزبور الثاني والسبعون والزبور المائة والسابع والسبعون من تصنيف (سليمان) وثلاثة زبورات من تصنيف (جدوتهن) واثني عشر زبورًا من تصنيف (اساف) ولكن قال البعض: إن الزبور الرابع والسبعين والزبور التاسع والسبعين ليسا من تصنيفه، وأحد عشر زبورًا من تصنيف ثلاثة أبناء قورح ، وقال البعض: إن شخصًا آخر صنفها ونسبها إليهم، وبعض الزبورات تصنيف شخص آخر وقال (كامت): إن الزبورات التي صنفها داود خمسة وأربعون فقط، والزبورات الباقية من تصنيفات آخرين، وقال القدماء من علماء اليهود: إن هذه الزبورات تصنيف هؤلاء الأشخاص: آدم، إبراهيم، موسى، وأساف، همان، جدوتهن، ثلاثة أبناء قورح، وأما داود فجمعها في مجلد واحد، فعندهم داود عليه السلام جامع الزبورات فقط لا مصنفها، وقال (هورن): "المختار عند المتأخرين من علماء اليهود وكذا عند جميع المفسرين من المسيحيين أن هذا الكتاب تصنيف هؤلاء الأشخاص: موسى، داود، سليمان، أساف، همان، اتهان، جدوتهن، ثلاثة أبناء قورح" وكذلك الاختلاف في جمع الزبورات في مجلد واحد فقال البعض: إنها جُمعت في زمن داود. وقال البعض: جمعها أحباء حِزْقيا في زمانه. وقال البعض: إنها جُمعت في أزمنة مختلفة، وكذلك الاختلاف في أسماء الزبورات فقال البعض: إنها إلهامية. وقال البعض: إن شخصًا من غير الأنبياء سمَّاها بهذه الأسماء.
(تنبيه) الآية العشرون من الزبور الثاني والسبعين هكذا ترجمة فارسية سنة 1845: (دعا هاي داود بسريسي (39) تمام شد) وهذا الزبور في التراجم العربية الزبور الحادي والسبعون لما عرفت في المقدمة، وهذه الآية ساقطة فيها فالظاهر أن هؤلاء المترجمين أسقطوها قصدًا ليعلم أن كتاب الزبور كله من تصنيف داود كما هو رأي الفرقة الأولى. ويمكن أن تكون هذه الآية من إلحاقات الفرقة الثانية فعلى كل تقدير التحريف لازم إمَّا بالزيادة أو النقصان.
|