فصل: (مشاهد من العالم الأرضي):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معجزات القرآن العلمية



.(مشاهد من العالم الأرضي):

قال تعالى وهو أصدق القائلين: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.
الآيات الكريمة هنا تطوف بالقلب البشري في مجالات وآفاق متعددة، وتعرض من مشاهد الكون: الأرض الممدودة وما فيها من رواسي ثابتة، وأنهار جارية، والليل إذ يغشاه النهار، والجنات والزرع والنخيل في مختلف الأشكال والطعوم والألوان، ينبت في قطع من الأرض متجاورات، ويسقى بماء واحد.
وأول المشاهد المعروضة هذه الأرض المبسوطة على امتداد البصر، ولا يهمّ ما يكون شكلها الكلي في حقيقته؛ إذ إن مدّ الأرض وبسطها ليس دليلا على عدم كرويتها؛ إذ هي مبسوطة ممدودة في نظرنا لنعيش عليها، ويقابل مدّ الأرض إرساء الجبال مع تحركها ودورانها.
وعلى هذه الأرض معارض مختلفة، تتفاوت فيها أنظار الناظرين: بين النظرة العابرة التي لا ترى إلا الآفاق الفسيحة الممتدة، والنظرة المتأملة التي تنفذ إلى تدبر عظمة الخالق، وجلال عمله، وروعة حكمته مما يملأ القلب خشوعا، وولاء، وحمدا للخلاق العظيم.. رب العالمين..
وقوله: {جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} أي: (خلق فيها من جميع أنواع الثمرات زوجين حين مدّها ثم تكاثرت بعد ذلك وتنوعت، وقيل أراد بالزوجين الأسود والأبيض، والحلو والحامض، والصغير والكبير وما أشبه ذلك من الأصناف المختلفة).
ولا يفوتنا أن نذكر هنا أن المقصود بالزوج في مثل قوله تعالى: {أَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}، وقوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} - الزوج هو النوع، أي: نوع بهيج أو كريم، وعندما يكون الغرض من الزوج الذكر والأنثى يقول تعالى: {زَوْجَيْنِ}؛ لأن الزوجين هما النوعان؛ نوع الذكر ونوع الأنثى، ومنه قوله تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.
وقد دل علم الحياة على أن الكائنات الحية تنقسم إلى ذكر وأنثى، سواء في الحيوان والنبات، وقد يكون الذكر والأنثى في الزهرة الواحدة أو الشجرة الواحدة أو في شجيرات، ويتم التلقيح إما بالريح أو الطير، وسبحان الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
وخلق الأزواج ظاهرة مطردة في الأحياء كلها، النبات فيها كالإنسان، ومثل ذلك غيرهما.. قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ}.
فنعم الخالق العظيم الذي خلق الأزواج من كل شيء.. من أنفسنا كبشر، و من الحيوان والطير والنبات.. ومن الأشياء التي تحيط بنا من ماء وهواء وسحاب ومن الذرات التي لا نراها بالعين المجردة.. وإنها لوحدة تشي بوحدة اليد المبدعة، التي توجد قاعدة التكوين مع اختلاف الأشكال والأحجام والأنواع والأجناس والخصائص والسمات، في هذه الأحياء التي لا يعلم علمها إلا الله، وقد أصبح معلوما أن الهواء مكوّن من التزاوج بين الأكسجين وأكسيد الكربون، وأن الماء مكون من التزاوج من الهيدروجين والأكسجين.. وأن دم الإنسان يكون من التزاوج بين الكريات الحمر والكريات البيض.. وأن الذرة أصغر ما عرف من أجزاء المادة مؤلفة من زوجين مختلفين من الإشعاع الكهربي: سالب وموجب، يتزاوجان ويتحدان.. كذلك شوهدت ألوف من الثنائيات النجمية، تتألف من نجمين مرتبطين يشد كلاهما الآخر، ويدوران في مدار واحد كأنما يوقعان على نغمة رتيبة.
فالتزاوج بين كل شيء أمر نوّه عنه القرآن الكريم قبل أن تبرهن عنه القرائن العلمية الحديثة بقرون بعيدة.

.(الحكمة من خلق الحشرات وفوائدها):

وكثيرا ما يتساءل الإنسان عن السبب الذي من أجله خلق الله حشرات غريبة، وعن فوائدها.. ألا إنه سيقف مشدوها كما وقف أحد العلماء عندما عرف دور هذه الحشرات في نقل بذور اللقاح لإتمام عملية التزاوج في النبات فأقر بأن هذا العمل من معجزات الله.
وقوله: {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} أي: (بقاع مختلفة مع كونها متجاورة متلاصقة طيبة إلى سبخة، وكريمة إلى زهيدة، وصلبة إلى رخوة وصالحة للزرع لا الشجر إلى أخرى على عكسها، مع انتظامها جميعا في جنس الأرضية، وذلك دليل على قادر مزيد لأفعاله على وجه دون وجه، وكذلك الزروع والكروم والنخيل النابتة في هذه القطع مختلفة الأجناس والأنواع وهي تسقى بماء واحد، ونراها متغايرة الثمر في الأشكال والألوان والطعوم والروائح، متفاضلة فيها.
فهذه المشاهد الأرضية معارض متعددة، تثير في الإنسان رغبة التطلع إليها بحواسه جميعا.. برغم تأكيد النص على وجوب التطلع في ملكوت الله، والتدبير فيما أبدع وصور، ولن يخطئ العقل طريقه إلى الله إذا هو وقف متجردا بين يدي تلك الآيات.. ففي الأرض قطع متجاورات ولكنها غير متماثلة: منها الطيب الخصب، ومنها السبخ النكد، ومنها المقفر الجدب، ومنها الصلد، وكل واحد من هذه وتلك أنواع وصنوف وألوان ودرجات، ومنها العامر والغامر، ومنها المزروع الحي والمهمل الميت، ومنها الريان والعطش، ومنها ومنها ومنها.. وهي كلها في الأرض متجاورات، ولكنها ليست متساوية في الخصب أو الخواص..
ثم قال تعالى: {وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ}.
ولقد شاءت قدرة الله أن تفلح هذه القطع من الأرض وتزرع وتعمر بوساطة الإنسان، حتى يتألف منها ثلاثة أنواع من النبات: الكرم المتسلق العنب وما على شاكله، والنخل السامق بأنواعه، والزرع من بقول وحبوب وخضروات متشابهة وغر متشابهة، حيث تكون كلها مجتمعة حدائق كالجنات، بما فيها من نبات يسبح باسم الله العلي القدير، وذلك النخيل صنوان وغير صنوان، منه ما هو عود واحد ومنه ما هو عودان أو أكثر في أصل واحد، وكله {يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ} والتربة واحدة، ولكن الثمار مختلفات الطعوم والأحجام، والألوان والخواص الأخرى، ومنها ما هو مختلف كل الاختلاف في نواح وصفات متعددة، وهنا تتجلى عظمة الخالق في جعل حبة الحنظل إذا وضعت في جوف الأرض تطلب من المعادن ما ينمى مرارتها، وجعل حبة البطيخ تأخذ من بين عناصر الأرض ما ينمي حلاوتها، وكلتاهما من تربة واحدة وهيا تسقيان بماء واحد.